قوله تعالى:]إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً[.
من الآيات الدالة على خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السَّلام) هذه الآية المباركة المسماة بآية التطهير.
ووجه الاستدلال بها:
أن الآية المباركة نزلت في الإمام علي والصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء وولديهما الإمامين الحسن والحسين عليهم جميعاً التحية والسلام باتفاق المفسرين من العامة والخاصة، والآية واضحة الدلالة على طهارة هؤلاء وعصمتهم من الذنوب، وقد عرفنا بمقتضى الأدلة القطعية أن العصمة شرط في الإمامة، وحيث إن من تقدم على مولانا أمير المؤمنين ليسوا معصومين بالإجماع والضرورة، ثبت بآية التطهير وغيرها أن أمير المؤمنين معصوم، وقد ادعى الإمامة لنفسه وأنها حقه وإن لم يتمكن من حرب من تقدّم عليه، فيكون صادقاً بدعواه، لأن الكذب ولا سيّما في مثل دعوى الإمامة من أعظم الرجس، فحيث ادّعاها لنفسه فيكون صادقاً، فثبت بهذا أنه إمام وخليفة.
والبحث يتركّز على نقطتين:
الأولى: مورد نزول الآية الشريفة.
الثانية: معرفة مداليلها ومفرداتها.
أما النقطة الأولى: مما لا ريب فيه عند الفريقين أن موردها أهل الكساء هم: الرسول الأعظم محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وأمير المؤمنين عليّ وسيّدة النساء الصدّيقة فاطمة والإمامان الحسن والحسين عليهم أجمعين آلاف التحية والسلام. ولا خلاف بين المسلمين في أن مورد الآية هم هؤلاء الأطهار، لكنّ بعض الشواذ من العامة ادّعوا شمول الآية لأزواج النبيّ، وهؤلاء الشواذ شرذمة قليلة من العامة لا يعبأ بهم، خالفوا الإجماع، من هنا صرّح ابن حجر في الصواعق «أن أكثر المفسرين قالوا إنها نزلت في عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام لتذكير ضمير عنكم وما بعده».
وقد جاءت الأخبار الصحيحة والموثقة والحسنة والعالية الأسانيد بذلك وناهزت المئات، ورواها المحدّثون والمفسرون والمتكلمون في مقام بيانهم لطهارة آل البيت (عليهم السَّلام) وأن الآية الشريفة نزلت في هؤلاء الخمسة مورد النص القطعي آنذاك دون نساء النبيّ كما يدّعي من لا خبرة له بفقه القرآن وأحاديث السنّة المطهّرة.
وقد أتعب العلاّمتان الجليلان الشيخ التستري والسيد النجفي المرعشي «عليهما رضوان اللَّه تعالى» نفسيهما بجمع المصادر العامية التي جاء فيها أن الآية نزلت في العترة الطاهرة دون غيرهم فلتُراجع.
وقد روى الحافظ الكبير عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن أحمد المعروف بالحاكم الحسكاني الحذّاء الحنفي «من أعلام القرن الخامس الهجري» فوق المائة وستين حديثاً بطرق متعددة وصحيحة أن الآية نزلت بهؤلاء الخمسة (عليهم السَّلام) مما يدل بالدلالة القطعية صحة هذه الأخبار بحيث لا ينكرها إلا مكابر للوجدان والفطرة السليمة.
ولا بأس هنا بالتطرق إلى ذكر بعض الأخبار من مصادر القوم للإشارة إلى ما قلناه، فمنها:
1 ما رواه الواحدي في أسباب النزول بأسانيد متعددة عن عمّاربن محمد الثوري قال أخبرنا سفيان عن أبي الحجاف عن عطية عن أبي سعيد الخدري في قوله تعالى: ]إنما يريد اللَّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت..[ قال نزلت في خمسة: في النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السَّلام).
2 وعن عطاء بن أبي رباح قال حدثني من سمع أم سليم تذكر: أن النبيّ كان في بيتها، فأتته فاطمة رضي اللَّه عنها ببرمة فيها خزيرة ، فدخلت بها عليه، فقال لها: ادعي لي زوجك وابنيك، قالت: فجاء عليٌّ والحسن والحسين، فدخلوا فجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة وهو على منامة له وكان تحته كساء حبري قالت: وأنا في الحجرة أصلي، فأنزل اللَّه تعالى هذه الآية ]إنما يريد...[ قالت: فأخذ فضل الكساء فغشاهم به، ثم أخرج يديه فألوى بهما إلى السماء ثم قال اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، قالت: فأدخلت رأسي البيت وقلت: أنا معكم يا رسول اللَّه، قال إنك إلى خير، إنك إلى خير» وكررها مرتين.
3 ما أورده الحاكم الحسكاني بطرق كثيرة جداً عن:
أ_ العوام بن حوشب قال حدثني ابن عم لي من بني الحارث بن تيم اللَّه يقال له مجمع قال دخلت مع أمي على عائشة فسألتها أمي، قالت: أرأيت خروجك يوم الجمل؟ قالت: إنه كان قدراً من اللَّه، فسألتها عن عليّ فقالت: تسأليني عن أحبّ الناس كان إلى رسول اللَّه، وزوج أحبّ الناس كان إلى رسول اللَّه لقد رأيت علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً، وجمع رسول اللَّه بثوب عليهم ثم قال اللهم إنّ هؤلاء أهل بيتي وحامّتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، فقلت: يا رسول اللَّه أنا من أهلك؟ قال تنحي فإنك إلى خير.
ب_ وعن أبي سعيد الخدري في قوله تعالى:]إنما يريد اللَّه ليذهب...[ قال جمع رسول اللَّه علياً وفاطمة والحسن والحسين، ثم أدار عليهم الكساء فقال هؤلاء أهل بيتي اللهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.
ج _ وعن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري عن نبي اللَّه قال نزلت هذه الآية]وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ[ قال: كان يجيء إلى باب علي تسعة أشهر كل صلاة غداة ويقول: الصلاة رحمكم اللَّه «إنما يريد اللَّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً».
د _ عن واثلة بن الأسقع قال
واللَّه لا أزال أحبُّ عليّاً وحسناً وحسيناً وفاطمة بعد إذ سمعت رسول اللَّه يقول فيهم ما قال، لقد رأيتني يوماً وقد جئت رسول اللَّه في منزل أم سلمة، فجاء الحسن فأجلسه على فخذه اليمنى ثم جاء الحسين فأجلسه على فخذه اليسرى وقبّلهما، ثم جاءت فاطمة فأجلسها بين يديه، ودعا بعليّ فأغدّ عليهم كساءاً خيبرياً، كأني أنظر إليه ثم قال «إنما يريد اللَّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً» قال شداد لواثلة: وما الرجس؟ قال الشك في دين اللَّه.
4 وأورد ابن كثير الدمشقي في تفسيره عن أحمد بن حنبل بسند معنعن عن أم سلمة قالت: بينما رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) في بيتي يوماً إذ قالت أن فاطمة وعلياً رضي اللَّه عنهما بالسدة، قال رسول اللَّه: قومي فتنحي عن أهل بيتي، قالت: فقمت فتنحيت في البيت قريباً، فدخل عليٌّ وفاطمة ومعهما الحسن والحسين رضي اللَّه عنهم وهما صبيان صغيران، فأخذ الصبيين فوضعهما في حجره فقبّلهما واعتنق علياً رضي اللَّه عنه بإحدى يديه وفاطمة رضي اللَّه عنها باليد الأخرى، وقبّل فاطمة وقبّل علياً وأغدق عليهم خميصة سوداء وقال:
«اللهم إليك لا إلى النار أنا وأهل بيتي» قالت: فقلت وأنا يا رسول اللَّه؟ قال (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): وأنت.
ومن طريق آخر قال ابن جرير حدثنا أبو كريب عن الحسن بن عطية عن فضل بن مرزوق عن عطية عن ابي سعيد عن أم سلمة قالت: إن هذه الآية نزلت في بيتي )إنما يريد اللَّه ليذهب...( قالت: وأنا جالسة على باب البيت، فقلت: يا رسول اللَّه ألستُ من أهل البيت؟ فقال (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): إنك إلى خير، أنت من أزواج النبيّ، قالت: وفي البيت رسول اللَّه وعليٌّ وفاطمة والحسن والحسين رضي اللَّه عنهم.
وعن عطية عن أبي سعيد الخدري قال
قال رسول اللَّه: نزلت هذه الآية في خمسة: فيَّ وفي عليّ والحسن والحسين وفاطمة )إنما يريد اللَّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت..(.
كما أخرج ابن كثير عن مسلم في صحيحه قال حدثني زهير بن حرب بسند إلى يزيد بن حبّان قال انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلمة إلى زيد بن أرقم، فلما جلسنا إليه، قال له حصين: لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً رأيت رسول اللَّه وسمعت منه حديثاً، وغزوت معه وصليت خلفه، لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً، حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول اللَّه.
قال: يا ابن أخي واللَّه لقد كبرت سني وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول اللَّه فما حدثتكم فاقبلوا وما لا فلا تكلفوا فيه، ثم قال: قام فينا رسول اللَّه يوماً خطيباً بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة فحمد اللَّه وأثنى عليه ووعظ ثم قال:
أما بعد ألا أيُّها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب اللَّه تعالى فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب اللَّه واستمسكوا به، فحثّ على كتاب اللَّه عزّ وجلّ ورغّب فيه ثم قال وأهل بيتي، أذكركم اللَّه في أهل بيتي، أذكركم اللَّه في أهل بيتي ثلاثاً.
فقال له حصين: ومَنْ أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟
قال:لا وايم اللَّه أن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده.
5 وعن شداد بن أبي عمّار قال إني لجالس عند واثلة بن الأسقع إذ ذكروا علياً رضي اللَّه عنه فشتموه، فلما قاموا، قال اجلس حتى أخبرك عن هذا الذي شتموه إني عند رسول اللَّه إذ جاء عليٌّ وفاطمة وحسن وحسين رضي اللَّه عنهم فألقى (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) عليهم كساءً له ثم قال اللهم هؤلاء أهل بيتي، اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وأهل بيتي أحق.
وعن أحمد بن حنبل عن عفّان بسند إلى أنس بن مالك قال:
إن رسول اللَّه كان يمر بباب فاطمة رضي اللَّه عنها ستة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر يقول: «الصلاة يا أهل البيت، إنما يريد اللَّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً.
قال الترمذي: هذا حسن غريب. وقال الحاكم النيسابوري: هذا صحيح على شرط مسلم ولم يخرجه.
وهناك طائفة كثيرة جداً من الروايات تشير إلى أن الرسول الأكرم كان يطرق باب الصدّيقة الطاهرة عند الصلاة ويقول: الصلاة يرحمكم اللَّه إنما يريد اللَّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً.
فعن أبي الحمراء قال:
شهدت النبي ثمانية أو عشرة أشهر إذا خرج إلى الصلاة أو إلى الغداة مرّ بباب فاطمة فيقول: السلام عليكم ورحمة اللَّه، الصلاة أهل البيت ]إنما يريد اللَّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً[ ورحمكم اللَّه.
6 وأخرج ابن مردويه عن أم سلمة قالت: نزلت هذه الآية في بيتي، وفي البيت سبعة: جبرائيل وميكائيل وعليٌّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وأنا على باب البيت، قلت: يا رسول اللَّه ألستُ من أهل البيت؟
قال: إنك إلى خير، إنك من أزواج النبيّ.
فكل المصادر العامية تشير إلى أن الآية نزلت في عترة النبيّ إلاّ ما شذَّ منهم كعكرمة وابن عبّاس، وعروة بن الزبير ومقاتل بن سليمان حيث قالوا: إن الآية نازلة في نساء النبيّ، وروى السيوطي في الدر المنثور والواحدي في أسباب النزول حديثاً عن عكرمة حيث قال خلال تفسيره لآية التطهير:
«ليس بالذي تذهبون إليه، إنما هو نساء النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)ف.
وكان عكرمة ينادي هذا في السوق، ويقول: من شاء باهلته أنها نزلت في نساء النبيّ.
ووافق عكرمة وأمثالَهُ ثلةٌ من علماء العامة منهم:
الآلوسي في تفسيره قال
«والذي يظهر لي أن المراد بأهل البيت من لهم مزيد علاقة به (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) ونسبة قوية قريبة إليه عليه الصلاة والسلام بحيث لا يقبح عرفاً اجتماعهم وسكناهم معه في بيت واحد، ويدخل في ذلك أزواجه والأربعة أهل الكساء وعليٌّ)كرّم اللَّه وجهه( مع ما له من القرابة من رسول اللَّه قد نشأ في بيته وحجره عليه الصلاة والسلام، فلم يفارقه وعامله كولده صغيراً، وصاهره وآخاه كبيراً».
وهكذا جرى على منواله الزمخشري والرازي لكنَّ الثاني قال:
«والأولى أن يقال هم أولاده وأزواجه والحسن والحسين منهم وعليٌّ منهم لأنه كان من أهل بيته بسبب معاشرته ببنت النبيّ عليه السلام وملازمته للنبيّ».
وقد ابتنى استدلالهم لهذا الرأي على عدة وجوه:
الوجه الأول:
أن بعض الروايات التي رواها عكرمة وابن عباس وعروة بن الزبير أشارت إلى نزول الآية في نساء النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم).
وجوابنا عليه:
أولاً: إن الروايات المروية بطريق عكرمة وعروة وابن عباس آخبار آحاد لا تنهض دليلاً على المدّعى ولا تقاوم الروايات المتواترة المروية بطرق صحيحة وعالية، فلو دار الأمر بين طائفة الآحاد من الأخبار وبين طائفة المتواتر منها لرجّحنا المتواترة على الآحادية، وهذا متفق عليه عند عامة علماء الرجال، ومن فعل العكسفهو أرعن لا يفقه شيئاً من علم الرجال ومعايير التعادل والتراجيح.
ثانياً: إن الأخذ بهذا الوجه يستدعينا إلى تقييم موضوعي لآراء عكرمة وأقواله، ودوافعه النفسية فيها، فالرجل معروف بانتمائه إلى الخوارج، وللخوارج موقف معروف مع أمير المؤمنين عليّ (عليه السَّلام)، فلو التزم بنزول الآية في أهل البيت بما فيهم الإمام عليّ، لكان عليه القول بعصمته، ولأهار على نفسه أُسس عقيدته التي سوّغت لهم الخروج عليه ومقاتلته، وبررت لهم قتله.
فعكرمة خارجي المعتقد، معروف بعدائه للإمام عليّ وبتكفيرهم له (عليه السَّلام). وقد اشتُهر بكذبه على مولاه ابن عبّاس، وكان الموالي يحذّرون عبيدهم من الكذب عليهم، ويتمثلون بكذب عكرمة على مولاه حتى كان يضرب المثل فيه، وهذا سعيد بن المسيب يقول لغلامه واسمه برد «يا برد لا تكذب عليّ كما كذب عكرمة على ابن عبّاس، وعن ابن عمر قال ذلك أيضاً لمولاه نافع».
ويشهد لما قلنا من أنه كان أباضياً وكذّاباً جسوراً كلماتُ علماء الجرح والتعديل فيه، فها هو الذهبي يفيض كتابُه بذكر مثالب عكرمة حيث قال «عكرمة، مولى ابن عباس، وثقه جماعة واعتمده البخاري، وأما مسلم فتجنّبه، وروى له قليلاً، وأعرض عنه مالك وتحايده إلاّ في حديث أو حديثين.
قال عنه يحيى بن سعيد الأنصاري: إنه كذّاب...
راجع البحث كاملاً في كتاب: "أبهى المداد في شرح مؤتمر علماء بغداد" لآية الله الشيخ محمّد جميل حمود، وسيتمّ إنزاله قريباً إنْ شاء الله على موقع العلاّمة نفسه: www.aletra.org
من الآيات الدالة على خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السَّلام) هذه الآية المباركة المسماة بآية التطهير.
ووجه الاستدلال بها:
أن الآية المباركة نزلت في الإمام علي والصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء وولديهما الإمامين الحسن والحسين عليهم جميعاً التحية والسلام باتفاق المفسرين من العامة والخاصة، والآية واضحة الدلالة على طهارة هؤلاء وعصمتهم من الذنوب، وقد عرفنا بمقتضى الأدلة القطعية أن العصمة شرط في الإمامة، وحيث إن من تقدم على مولانا أمير المؤمنين ليسوا معصومين بالإجماع والضرورة، ثبت بآية التطهير وغيرها أن أمير المؤمنين معصوم، وقد ادعى الإمامة لنفسه وأنها حقه وإن لم يتمكن من حرب من تقدّم عليه، فيكون صادقاً بدعواه، لأن الكذب ولا سيّما في مثل دعوى الإمامة من أعظم الرجس، فحيث ادّعاها لنفسه فيكون صادقاً، فثبت بهذا أنه إمام وخليفة.
والبحث يتركّز على نقطتين:
الأولى: مورد نزول الآية الشريفة.
الثانية: معرفة مداليلها ومفرداتها.
أما النقطة الأولى: مما لا ريب فيه عند الفريقين أن موردها أهل الكساء هم: الرسول الأعظم محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وأمير المؤمنين عليّ وسيّدة النساء الصدّيقة فاطمة والإمامان الحسن والحسين عليهم أجمعين آلاف التحية والسلام. ولا خلاف بين المسلمين في أن مورد الآية هم هؤلاء الأطهار، لكنّ بعض الشواذ من العامة ادّعوا شمول الآية لأزواج النبيّ، وهؤلاء الشواذ شرذمة قليلة من العامة لا يعبأ بهم، خالفوا الإجماع، من هنا صرّح ابن حجر في الصواعق «أن أكثر المفسرين قالوا إنها نزلت في عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام لتذكير ضمير عنكم وما بعده».
وقد جاءت الأخبار الصحيحة والموثقة والحسنة والعالية الأسانيد بذلك وناهزت المئات، ورواها المحدّثون والمفسرون والمتكلمون في مقام بيانهم لطهارة آل البيت (عليهم السَّلام) وأن الآية الشريفة نزلت في هؤلاء الخمسة مورد النص القطعي آنذاك دون نساء النبيّ كما يدّعي من لا خبرة له بفقه القرآن وأحاديث السنّة المطهّرة.
وقد أتعب العلاّمتان الجليلان الشيخ التستري والسيد النجفي المرعشي «عليهما رضوان اللَّه تعالى» نفسيهما بجمع المصادر العامية التي جاء فيها أن الآية نزلت في العترة الطاهرة دون غيرهم فلتُراجع.
وقد روى الحافظ الكبير عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن أحمد المعروف بالحاكم الحسكاني الحذّاء الحنفي «من أعلام القرن الخامس الهجري» فوق المائة وستين حديثاً بطرق متعددة وصحيحة أن الآية نزلت بهؤلاء الخمسة (عليهم السَّلام) مما يدل بالدلالة القطعية صحة هذه الأخبار بحيث لا ينكرها إلا مكابر للوجدان والفطرة السليمة.
ولا بأس هنا بالتطرق إلى ذكر بعض الأخبار من مصادر القوم للإشارة إلى ما قلناه، فمنها:
1 ما رواه الواحدي في أسباب النزول بأسانيد متعددة عن عمّاربن محمد الثوري قال أخبرنا سفيان عن أبي الحجاف عن عطية عن أبي سعيد الخدري في قوله تعالى: ]إنما يريد اللَّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت..[ قال نزلت في خمسة: في النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السَّلام).
2 وعن عطاء بن أبي رباح قال حدثني من سمع أم سليم تذكر: أن النبيّ كان في بيتها، فأتته فاطمة رضي اللَّه عنها ببرمة فيها خزيرة ، فدخلت بها عليه، فقال لها: ادعي لي زوجك وابنيك، قالت: فجاء عليٌّ والحسن والحسين، فدخلوا فجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة وهو على منامة له وكان تحته كساء حبري قالت: وأنا في الحجرة أصلي، فأنزل اللَّه تعالى هذه الآية ]إنما يريد...[ قالت: فأخذ فضل الكساء فغشاهم به، ثم أخرج يديه فألوى بهما إلى السماء ثم قال اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، قالت: فأدخلت رأسي البيت وقلت: أنا معكم يا رسول اللَّه، قال إنك إلى خير، إنك إلى خير» وكررها مرتين.
3 ما أورده الحاكم الحسكاني بطرق كثيرة جداً عن:
أ_ العوام بن حوشب قال حدثني ابن عم لي من بني الحارث بن تيم اللَّه يقال له مجمع قال دخلت مع أمي على عائشة فسألتها أمي، قالت: أرأيت خروجك يوم الجمل؟ قالت: إنه كان قدراً من اللَّه، فسألتها عن عليّ فقالت: تسأليني عن أحبّ الناس كان إلى رسول اللَّه، وزوج أحبّ الناس كان إلى رسول اللَّه لقد رأيت علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً، وجمع رسول اللَّه بثوب عليهم ثم قال اللهم إنّ هؤلاء أهل بيتي وحامّتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، فقلت: يا رسول اللَّه أنا من أهلك؟ قال تنحي فإنك إلى خير.
ب_ وعن أبي سعيد الخدري في قوله تعالى:]إنما يريد اللَّه ليذهب...[ قال جمع رسول اللَّه علياً وفاطمة والحسن والحسين، ثم أدار عليهم الكساء فقال هؤلاء أهل بيتي اللهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.
ج _ وعن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري عن نبي اللَّه قال نزلت هذه الآية]وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ[ قال: كان يجيء إلى باب علي تسعة أشهر كل صلاة غداة ويقول: الصلاة رحمكم اللَّه «إنما يريد اللَّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً».
د _ عن واثلة بن الأسقع قال
واللَّه لا أزال أحبُّ عليّاً وحسناً وحسيناً وفاطمة بعد إذ سمعت رسول اللَّه يقول فيهم ما قال، لقد رأيتني يوماً وقد جئت رسول اللَّه في منزل أم سلمة، فجاء الحسن فأجلسه على فخذه اليمنى ثم جاء الحسين فأجلسه على فخذه اليسرى وقبّلهما، ثم جاءت فاطمة فأجلسها بين يديه، ودعا بعليّ فأغدّ عليهم كساءاً خيبرياً، كأني أنظر إليه ثم قال «إنما يريد اللَّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً» قال شداد لواثلة: وما الرجس؟ قال الشك في دين اللَّه.
4 وأورد ابن كثير الدمشقي في تفسيره عن أحمد بن حنبل بسند معنعن عن أم سلمة قالت: بينما رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) في بيتي يوماً إذ قالت أن فاطمة وعلياً رضي اللَّه عنهما بالسدة، قال رسول اللَّه: قومي فتنحي عن أهل بيتي، قالت: فقمت فتنحيت في البيت قريباً، فدخل عليٌّ وفاطمة ومعهما الحسن والحسين رضي اللَّه عنهم وهما صبيان صغيران، فأخذ الصبيين فوضعهما في حجره فقبّلهما واعتنق علياً رضي اللَّه عنه بإحدى يديه وفاطمة رضي اللَّه عنها باليد الأخرى، وقبّل فاطمة وقبّل علياً وأغدق عليهم خميصة سوداء وقال:
«اللهم إليك لا إلى النار أنا وأهل بيتي» قالت: فقلت وأنا يا رسول اللَّه؟ قال (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): وأنت.
ومن طريق آخر قال ابن جرير حدثنا أبو كريب عن الحسن بن عطية عن فضل بن مرزوق عن عطية عن ابي سعيد عن أم سلمة قالت: إن هذه الآية نزلت في بيتي )إنما يريد اللَّه ليذهب...( قالت: وأنا جالسة على باب البيت، فقلت: يا رسول اللَّه ألستُ من أهل البيت؟ فقال (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): إنك إلى خير، أنت من أزواج النبيّ، قالت: وفي البيت رسول اللَّه وعليٌّ وفاطمة والحسن والحسين رضي اللَّه عنهم.
وعن عطية عن أبي سعيد الخدري قال
قال رسول اللَّه: نزلت هذه الآية في خمسة: فيَّ وفي عليّ والحسن والحسين وفاطمة )إنما يريد اللَّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت..(.
كما أخرج ابن كثير عن مسلم في صحيحه قال حدثني زهير بن حرب بسند إلى يزيد بن حبّان قال انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلمة إلى زيد بن أرقم، فلما جلسنا إليه، قال له حصين: لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً رأيت رسول اللَّه وسمعت منه حديثاً، وغزوت معه وصليت خلفه، لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً، حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول اللَّه.
قال: يا ابن أخي واللَّه لقد كبرت سني وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول اللَّه فما حدثتكم فاقبلوا وما لا فلا تكلفوا فيه، ثم قال: قام فينا رسول اللَّه يوماً خطيباً بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة فحمد اللَّه وأثنى عليه ووعظ ثم قال:
أما بعد ألا أيُّها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب اللَّه تعالى فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب اللَّه واستمسكوا به، فحثّ على كتاب اللَّه عزّ وجلّ ورغّب فيه ثم قال وأهل بيتي، أذكركم اللَّه في أهل بيتي، أذكركم اللَّه في أهل بيتي ثلاثاً.
فقال له حصين: ومَنْ أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟
قال:لا وايم اللَّه أن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده.
5 وعن شداد بن أبي عمّار قال إني لجالس عند واثلة بن الأسقع إذ ذكروا علياً رضي اللَّه عنه فشتموه، فلما قاموا، قال اجلس حتى أخبرك عن هذا الذي شتموه إني عند رسول اللَّه إذ جاء عليٌّ وفاطمة وحسن وحسين رضي اللَّه عنهم فألقى (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) عليهم كساءً له ثم قال اللهم هؤلاء أهل بيتي، اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وأهل بيتي أحق.
وعن أحمد بن حنبل عن عفّان بسند إلى أنس بن مالك قال:
إن رسول اللَّه كان يمر بباب فاطمة رضي اللَّه عنها ستة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر يقول: «الصلاة يا أهل البيت، إنما يريد اللَّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً.
قال الترمذي: هذا حسن غريب. وقال الحاكم النيسابوري: هذا صحيح على شرط مسلم ولم يخرجه.
وهناك طائفة كثيرة جداً من الروايات تشير إلى أن الرسول الأكرم كان يطرق باب الصدّيقة الطاهرة عند الصلاة ويقول: الصلاة يرحمكم اللَّه إنما يريد اللَّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً.
فعن أبي الحمراء قال:
شهدت النبي ثمانية أو عشرة أشهر إذا خرج إلى الصلاة أو إلى الغداة مرّ بباب فاطمة فيقول: السلام عليكم ورحمة اللَّه، الصلاة أهل البيت ]إنما يريد اللَّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً[ ورحمكم اللَّه.
6 وأخرج ابن مردويه عن أم سلمة قالت: نزلت هذه الآية في بيتي، وفي البيت سبعة: جبرائيل وميكائيل وعليٌّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وأنا على باب البيت، قلت: يا رسول اللَّه ألستُ من أهل البيت؟
قال: إنك إلى خير، إنك من أزواج النبيّ.
فكل المصادر العامية تشير إلى أن الآية نزلت في عترة النبيّ إلاّ ما شذَّ منهم كعكرمة وابن عبّاس، وعروة بن الزبير ومقاتل بن سليمان حيث قالوا: إن الآية نازلة في نساء النبيّ، وروى السيوطي في الدر المنثور والواحدي في أسباب النزول حديثاً عن عكرمة حيث قال خلال تفسيره لآية التطهير:
«ليس بالذي تذهبون إليه، إنما هو نساء النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)ف.
وكان عكرمة ينادي هذا في السوق، ويقول: من شاء باهلته أنها نزلت في نساء النبيّ.
ووافق عكرمة وأمثالَهُ ثلةٌ من علماء العامة منهم:
الآلوسي في تفسيره قال
«والذي يظهر لي أن المراد بأهل البيت من لهم مزيد علاقة به (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) ونسبة قوية قريبة إليه عليه الصلاة والسلام بحيث لا يقبح عرفاً اجتماعهم وسكناهم معه في بيت واحد، ويدخل في ذلك أزواجه والأربعة أهل الكساء وعليٌّ)كرّم اللَّه وجهه( مع ما له من القرابة من رسول اللَّه قد نشأ في بيته وحجره عليه الصلاة والسلام، فلم يفارقه وعامله كولده صغيراً، وصاهره وآخاه كبيراً».
وهكذا جرى على منواله الزمخشري والرازي لكنَّ الثاني قال:
«والأولى أن يقال هم أولاده وأزواجه والحسن والحسين منهم وعليٌّ منهم لأنه كان من أهل بيته بسبب معاشرته ببنت النبيّ عليه السلام وملازمته للنبيّ».
وقد ابتنى استدلالهم لهذا الرأي على عدة وجوه:
الوجه الأول:
أن بعض الروايات التي رواها عكرمة وابن عباس وعروة بن الزبير أشارت إلى نزول الآية في نساء النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم).
وجوابنا عليه:
أولاً: إن الروايات المروية بطريق عكرمة وعروة وابن عباس آخبار آحاد لا تنهض دليلاً على المدّعى ولا تقاوم الروايات المتواترة المروية بطرق صحيحة وعالية، فلو دار الأمر بين طائفة الآحاد من الأخبار وبين طائفة المتواتر منها لرجّحنا المتواترة على الآحادية، وهذا متفق عليه عند عامة علماء الرجال، ومن فعل العكسفهو أرعن لا يفقه شيئاً من علم الرجال ومعايير التعادل والتراجيح.
ثانياً: إن الأخذ بهذا الوجه يستدعينا إلى تقييم موضوعي لآراء عكرمة وأقواله، ودوافعه النفسية فيها، فالرجل معروف بانتمائه إلى الخوارج، وللخوارج موقف معروف مع أمير المؤمنين عليّ (عليه السَّلام)، فلو التزم بنزول الآية في أهل البيت بما فيهم الإمام عليّ، لكان عليه القول بعصمته، ولأهار على نفسه أُسس عقيدته التي سوّغت لهم الخروج عليه ومقاتلته، وبررت لهم قتله.
فعكرمة خارجي المعتقد، معروف بعدائه للإمام عليّ وبتكفيرهم له (عليه السَّلام). وقد اشتُهر بكذبه على مولاه ابن عبّاس، وكان الموالي يحذّرون عبيدهم من الكذب عليهم، ويتمثلون بكذب عكرمة على مولاه حتى كان يضرب المثل فيه، وهذا سعيد بن المسيب يقول لغلامه واسمه برد «يا برد لا تكذب عليّ كما كذب عكرمة على ابن عبّاس، وعن ابن عمر قال ذلك أيضاً لمولاه نافع».
ويشهد لما قلنا من أنه كان أباضياً وكذّاباً جسوراً كلماتُ علماء الجرح والتعديل فيه، فها هو الذهبي يفيض كتابُه بذكر مثالب عكرمة حيث قال «عكرمة، مولى ابن عباس، وثقه جماعة واعتمده البخاري، وأما مسلم فتجنّبه، وروى له قليلاً، وأعرض عنه مالك وتحايده إلاّ في حديث أو حديثين.
قال عنه يحيى بن سعيد الأنصاري: إنه كذّاب...
راجع البحث كاملاً في كتاب: "أبهى المداد في شرح مؤتمر علماء بغداد" لآية الله الشيخ محمّد جميل حمود، وسيتمّ إنزاله قريباً إنْ شاء الله على موقع العلاّمة نفسه: www.aletra.org
تعليق