
الإمام المرشد الشيخ محمد مهدي شمس الدين (قده)
الحمدلله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبيّنا محمد (ص) وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين. بين يدي ذكرى رحيل الإمام الخميني العزيز (رضوان الله عليه)، نستعيد معالم حياته، وذروة هذه الحياة التي كانت إنجازه الكبير في الأمة وفي العالم أيضاً، وهو الثورة الإسلامية الإيرانية،ومن ثم تأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية . قد يتجه الفكر السياسي في محاولته لفهم قوة تأثير هذه الشخصية العظيمة، وفهمه لأسباب تأثيرها على المجرى العام للأحداث في المنطقة وفي العالم ...
قد يحاول الفكر السياسي، بل هو يحاول بالفعل، أن يلتمس هذه الأسباب، في الحقائق، أو فيما يسمى بالحقائق السياسية، فيذكر عادةً النظام القمعي المنحرف الذي كان سائداً في إيران في النظام الإمبراطوري الملكي، ويذكر عادة إنفصال هذا النظام عن الشعب الإيراني وعن محتواه الثقافي والروحي وهو الإسلام . ويذكر عادة عداوة المنطقة لهذا النظام وتناقضه مع شعوب المنطقة، وخاصة مع الأمة العربية من حيث موقفه من إسرائيل . ويذكر ويذكر ... وقد يذكر حتى أن الغرب هو تخلى عن شاه إيران، وغير ذلك مما يسمى حقائق أو وقائع سياسية، ساعدت أو مهدت أو سببت للإنجاز الكبير الذي حققه الإمام الخميني. وقد يكون هذا كله صحيحاً، ولكنه بالتأكيد جزء من الحقيقة، وجزء من التفسير، وليس كل الحقيقة، لأنه يفضل جانباً مهماً من هذه الحقيقة، وهي الشخصية الخاصة للإمام الخميني من جهة، والشخصية الخاصة للشعب الإيراني من جهة أخرى. أما الشخصية الخاصة للإمام الخميني فنلاحظ فيها مما يتعلّق منها بهذا الإنجاز أموراً:
الأمر الأول: هو بعده الروحي العرفاني. وإذا كان البعض يرى في هذه الصفة سلبية سياسية، فإننا نرى فيها إحدى الإيجابيات في الشخصية السياسية. هذا الفقيه كان عرفانياً. ومن هنا كانت رؤيته الفقهية تتسم بدرجة مميزة من اليقين الذي يتصف به العرفاء. هذا اليقين خفّف كثيراً من المخاوف الطبيعية، وسدّ الطريق على كثير من الشكوك التي تعتري القيادة أمام القرارات الصعبة، ومن ثم مكّن لظهور ما يسمى عادة (( القاطعية)) عند الإمام الخميني، وهي صفة لا يجوز أن يمارسها من ليس أهلاً لها. ومن هنا إستطراداً نقول: إن محاولة بعض الأشخاص، وأكثرهم من الصغار، وبعضهم من الدجالين والدخلاء، بأن يقولوا نحن نتميز، أو فلان يتميز (( بالقاطعية))، (( القاطعية)) له ا شروطها التقوى، الورع، خوف الله، والعمق الروحي وبدون ذلك، فالقاطعية قد تهلك الحرث والنسل. فالبعد العرفاني، والعمق العرفاني الصافي الذي كان يتمتع به الإمام الخميني، نعتقد أنه أحد العوامل المهمة التي ساهمت في قدرته، وفي توفيق الله له ايضاً، على تحقيق إنجاز الثورة وتأسيس الجمهورية.
الامر الثاني: وهو أنه أدرك وبوضوح وببساطة متناهية، بدون دخول في مجادلات ومماحكات فقهية، قد يختلف الرأي فيها، أدرك بوضوح ان الإسلام، بإعتباره ديناً وثقافة وشريعة وفكراً، هو بصورة طبيعية يقتضي أن ينتج وينجز مجتمعاً سياسياً، وأن ينتج نظاماً سياسياً، قد يختلف الرأي، في أن هذا النظام السياسي والمجتمع السياسي، يقوم على فكرة ونظرية ولاية الفقيه، بأي شكل من الأشكال، أو على فكرة ونظرية أخرى، ولكن على كل المباني الفقهية. هو ببساطة أدرك هذه الحقيقة، وتمسك بها ولم يتردد فيها .
الامر الثالث: هو إدراكه لقابلية الشعب الإيراني، نتيجة لتربية هذا الشعب ولمزاجه الديني، لأن يحقق هذا الإنجاز والإبداع في الإدارة السياسية. وهذا عمل موضوعي كامل، وليس فيه غيبيات، الإبداع في الإدارة السياسية لإنتاج هذا المزيج المدهش، والذي كنا نراه، وكان العالم يراه في السنة السابقة لإنجاز الثورة، وعند إنجاز الثورة، المزيج بين نظام المصالح الإيرانية المحضة، المصالح الموضوعية المادية للشعب الإيراني، ونظام المصالح الدولي، والمضمون الثقافي والروحي للشعب الإيراني وللتيار الإسلامي العالمي. إدارة هذا المزيج كنت عملية مبدعة. ومن النادرأن نقع في التاريخ على قدرة من هذا المستوى. هذه أمور يحسن إستذكارها في هذه المرحلة، من مراحل السقوط الإسلامي العام والسقوط العربي . ففي الحقيقة بعد نكبة الحرب العراقية الإيرانية، والجريمة الكبرى للنظام العراقي في هذه الحرب التي تتجاوز حتى المليون قتيل او شهيد.، وتتجاوز حتى الخمسمائة مليار دولار( الخسائر) ، إلى تحطيم المضمون المعنوي للمسلمين والعرب خاصة، والجريمة الاخيرة التي لا تزال قائمة الآن، وهي غزو العراق للكويت، وحرب الخليج وما ترتب عليها، هذا زمن مؤلم وخطر. علينا أن نتذكر هذا الرجل العظيم ليمكن من خلال سيرته، وخصوصيات شخصيته إعادة تكوين وتركيب حالة جديدة على ضوء هذه السيرة من جهة، وعلى ضوء الأخطاء التي أدت إلى هذا السقوط الكبير الذي يعيشه المسلمون عامة، والعرب خاصة في هذه المرحلة .
الجانب الآخر الذي اشرت إليه في أول كلامي هو خصوصية الشعب الإيراني، وخصوصية الشعب الإيراني هي ذات جانبين: جانب روحي أو ثقافي وهو تمسكه بالإسلام وحماسه للإسلام، وهذا الأمر ليس أمراً مجانياً، هو لم يحصل بصورة تلقائية، الشعب الإيراني ربي على هذا، والفضل في هذه التربية يعود إلى جمهور قياداته الدينية المرجعيّات والحوزات الدينية وإلتزامها بتربية الشعب على الإسلام وعلى ثقافة الحكم الشرعي، وهو أمر لم يكن موضع عناية في البلاد الأخرى، والأمر الثاني عند الشعب الإيراني، هو خصوصية تنظيمية وهو أن هذا الشعب لم يسمح لكثير من الخلافات الطبيعية بأن تأخذ أكثر من حجمها، وكان وضعه التنظيمي وضعاً جيداً، فلم تحصل شرذمة وتشتت يؤثر على المسار العام للثورة، ومن ثم بعد ذلك على المسار العام للجمهورية الإسلامية، طبعاً ليست الثورة الإسلامية معصومة، ولا رجالها معصومون، ولا الإمام الخميني معصوم، ولا من جاء بعده معصوم، ولا الشعب الإيراني معصوم، لقد حدثت بطبيعة الحال أخطاء كثيرة وإنتكاسات كثيرة، ولكن النجاحات كانت من القوة والفاعلية بحيث إنها قللت إلى حد كبير من سلبيات الأخطاء التي حصلت وحصولها طبيعي، نحن لا ننصح بالتقديس الأعمى، التقديس الأعمى دائماً يقود إلى الهاوية. نحن ننصح لكل جهة، لإيران أو لغير إيران، بالتقديس والإحترام والوعي الذي يرى الإيجابيات ويرى السلبيات أيضاً ، ولكن لا يقف ويندب السلبيات بنحو تعطله عن الإنسجام مع الإيجابيات .
أخيراً نقول، إن كثيراً من الناس خارج إيران، جعلوا من هذه الثورة ومن نجاحاتها، أو من أخطائها، في كثير من الحالات، معّذراً لهم في الإقدام على أعمال، وعلى أقوال وتصرفات، حملوها لهذه الثورة، وهي في الحقيقة أعمالهم وتصرفاتهم، وهي قطعة من التصرفات والأخطاء والتجاوزات التي كلفت سمعة الإسلام غالياً. لا الإسلام يعترف بها، ولا الثورة الإسلامية في إيران أو الجمهورية الإسلامية الإيرانية تعترف بها، هذا الامر ينبغي أن يكون مورد وعي عند القيادات الإيرانية العليا، وعند الناس خارج إيران، كل عامل للإسلام لا بد وأن يتصف بثلاث صفات، وإذا لم يتصف بها، فيكتف أن يكون مسلماً صالحاً ولا يضع نفسه في موضع القيادة والريادة. وهذه الصفات الثلاث هي: الفقه والعلم والوعي، والورع. العمل بلا فقه، والعمل بلا وعي، والعمل بلا ورع، حتى لو وضع على رأسه مائة عمامة، يكون شراً ونكراً، ويكون اشبه بالشعار الصحيح الذي رفعه الخوارج، شعار لا حكم إلا الله، ولكن لأنه مورس بدون فقه، وبدون وعي، وبدون ورع، أنتج قتل علي بن ابي طالب (ع) وكثير مما نشهده على الساحة، هو من هذا القبيل.
وأقول بصراحة. وأنا من موقع المسؤول من الداخل. لست مراقباً من الخارج. أنا جزء من العمل. فكثر مما يجري، يجري وهو يفتقر إلى الفقه، وإلى الوعي والورع. وما أكثر ما سفكت دماء، وهتكت حرمات نتيجة للحماس بلا ورع، وللعمل بلا فقه، ولا وعي سياسي موضوعي للساحة وللأحداث.
وكما اشرت في كلامي السابق، الآن توجد حالة سقوط كبيرة في العالم الإسلامي كله، وفي منطقة الشرق الأوسط بوجه خاص. هذه الحالة ناشئة من مجموعتين من العوامل، إحداهما مجموعة العوامل التقليدية المألوفة، وهو العالم الإسرائيلي، وموالاة الغرب والولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل، والنزعة الإمبريالية التي تحكم السياسة الخارجية للعالم الغربي، أضيف إليها في السنتين الماضيتين عامل جديد، وهو التطورات الخطيرة والكبيرة في المعسكر الإشتراكي في الإتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية. هذه مجموعة عوامل مألوفة ، وفيها ما هو مألوف تماماً، ومنها ما هو متجدد وهو تطور داخل المعسكر الإشتراكي، أما المجموعة الثانية من العوامل فهي تعود إلى أخطائنا وإلى تقصيرنا، وإلى الإرتكابات والتجاوزات التي حصلت من قبل المسلمين أنفسهم. نذكر في هذا السياق الحرب العراقية الإيرانية التي إعتدى فيها النظام العراقي على الجمهورية الإسلامية. ونذكر في هذا السياق عدوان العراق على الكويت، وما سببه ذلك من تدخل أجنبي مع حرب الخليج، وما تلى حرب الخليج، ومجموعة التنازلات التي تبعتها. وتذكر أمراً قد يثير البعض ذكره، وهو ما انكشف من قصور كبير، وتخلف كبير في وعي، وسلوك، وتصرف ومواقف الحركة الإسلامية العالمية، سواء في شقها السنيّ، أو في شقها الشيعي لا أكاد استثني من ذلك أحداً، لا من السنّة، ولا من الشيعة تجاه هذه الأحداث.
وأكبر مفاجأة فوجئنا بها هي موقف هذه الحركة تجاه غزو العراق للكويت، وتجاه حرب الخليج، بعد ان صدمنا بموقفها من الحرب العراقية الإيرانية، حيث إن هذه الحركة العالمية المباركة التي نتشرف بالإنتماء إليها، ونسأل الله أن يحقق الآمال فيها، لم تأخذ المواقف المناسبة لقضايا الحق والباطل، ولقضايا الصواب والخطأ، ولقضايا العدل والظلم. خرست أغلب ألسنتها في الحرب العراقية الإيرانية. منها من ناصر صدام حسين ونظامه، ومنها من سكت عن نصرة الحق، ولم ينصر الباطل،ولم يؤيد الحق وادّعوا إنها فتنة، وأنهم على حق. والفضيحة الكبرى أنها فرزت سنة وشيعة، وكأن الإسلام خارج المذاهب فيه سنة وشيعة، وأن هناك سياسة سنية وسياسة شيعية، وأما في الحرب العراقية الكويتية، حتى الشيعة سقطوا، قسم من الشيعة سقطوا ورفعت شعارات لتأييد نظام صدام حسين، تحت دعوى إنه يحارب الرجعية، وأنه يحارب الأجانب. تبيّن أن المسلمين كأمة، وكذلك العرب كأمة، والنخبة الرائدة لهؤلاء المسلمين، وهي الحركة الإسلامية العالمية، دون التركيز على أي فصيل، أو أي تنظيم تعاني من خلل كبير. يعني التعبير التنظيمي عن مفهوم الأمة، فيه خلل كبير، وإلا الأمة موجودة. ولكن التعبير السياسي والتنظيمي عنها،فيه خلل كبير، وتركيب الحركة الإسلامية الفكري والمفهومي فيه خلل كبير، وإنكشاف هذا الأمر ساعد على أن العوامل الأساسية في العدوان على المسلمين نشطت. تعاظمت قوة نفوذ العامل الإسرائيلي، تعاظم الدور الأمريكي والغربي، لأنه واجه فراغاً وإرتباكاً، ونقصاً وخللاً في الرؤية، في الواقع الآن هكذا. المرحلة هي ليست مرحلة تحقيق الإنتصارات، وإنما هي مرحلة تحديد الخسائر، نريد وضعاً تعبوياً وتنظيمياً يحول دون تنامي وإنتشار الهزيمة والخسائر. ويكفي أن أضع أمام كل الدعاة وكل العاملين، ما يجري الآن في العراق، ما جرى في شمال العراق، وما جرى، وما يجري في جنوب العراق أيضاً، لنرى أن علينا أن نفكر ونستنقذ الصيغ التنظيمية والتعبوية والسياسية لمواجهة الإنهيار الكبير، ولتحديد الخسائر، وأعتقد أن الإمام الخميني(قده) وذكراه، وما يعرفه الناس عن مواقفه وما لا يعرفوه، وما لا يعرفه عامة الناس عن مواقفه ويعرفه الخاصة، أعتقد أن سيرته نصلح لإعادة النظر فيها، وللإستفادة منها في مواجهة حالة الإنهيار التي تسود الآن. والموقف الإستراتيجي من الكيان الصهيوني، هو : لا يجوز إطلاقاً، ولا بوجه من الوجوه، ولا تحت أي ذريعة من الذرائع ، الإعتراف أو المسالمة مع الكيان الصهيوني، ولا يجوز المساومة على إسلامية الأرض الفلسطينية ، ولا يجوز المساومة حتى من الفلسطينيين أنفسهم على اي حق للشعب الفلسطيني في أرضه، وفي تقرير مصيره. رحم الله الإمام الخميني، وحفظ مبادئه، ووفق الجميع للسير على هذه المبادئ وفقاً لما تقضي حدود شرع الله، وضرورات الواقع المتغيّر، والحمدلله رب العالمين.الأمر الأول: هو بعده الروحي العرفاني. وإذا كان البعض يرى في هذه الصفة سلبية سياسية، فإننا نرى فيها إحدى الإيجابيات في الشخصية السياسية. هذا الفقيه كان عرفانياً. ومن هنا كانت رؤيته الفقهية تتسم بدرجة مميزة من اليقين الذي يتصف به العرفاء. هذا اليقين خفّف كثيراً من المخاوف الطبيعية، وسدّ الطريق على كثير من الشكوك التي تعتري القيادة أمام القرارات الصعبة، ومن ثم مكّن لظهور ما يسمى عادة (( القاطعية)) عند الإمام الخميني، وهي صفة لا يجوز أن يمارسها من ليس أهلاً لها. ومن هنا إستطراداً نقول: إن محاولة بعض الأشخاص، وأكثرهم من الصغار، وبعضهم من الدجالين والدخلاء، بأن يقولوا نحن نتميز، أو فلان يتميز (( بالقاطعية))، (( القاطعية)) له ا شروطها التقوى، الورع، خوف الله، والعمق الروحي وبدون ذلك، فالقاطعية قد تهلك الحرث والنسل. فالبعد العرفاني، والعمق العرفاني الصافي الذي كان يتمتع به الإمام الخميني، نعتقد أنه أحد العوامل المهمة التي ساهمت في قدرته، وفي توفيق الله له ايضاً، على تحقيق إنجاز الثورة وتأسيس الجمهورية.
الامر الثاني: وهو أنه أدرك وبوضوح وببساطة متناهية، بدون دخول في مجادلات ومماحكات فقهية، قد يختلف الرأي فيها، أدرك بوضوح ان الإسلام، بإعتباره ديناً وثقافة وشريعة وفكراً، هو بصورة طبيعية يقتضي أن ينتج وينجز مجتمعاً سياسياً، وأن ينتج نظاماً سياسياً، قد يختلف الرأي، في أن هذا النظام السياسي والمجتمع السياسي، يقوم على فكرة ونظرية ولاية الفقيه، بأي شكل من الأشكال، أو على فكرة ونظرية أخرى، ولكن على كل المباني الفقهية. هو ببساطة أدرك هذه الحقيقة، وتمسك بها ولم يتردد فيها .
الامر الثالث: هو إدراكه لقابلية الشعب الإيراني، نتيجة لتربية هذا الشعب ولمزاجه الديني، لأن يحقق هذا الإنجاز والإبداع في الإدارة السياسية. وهذا عمل موضوعي كامل، وليس فيه غيبيات، الإبداع في الإدارة السياسية لإنتاج هذا المزيج المدهش، والذي كنا نراه، وكان العالم يراه في السنة السابقة لإنجاز الثورة، وعند إنجاز الثورة، المزيج بين نظام المصالح الإيرانية المحضة، المصالح الموضوعية المادية للشعب الإيراني، ونظام المصالح الدولي، والمضمون الثقافي والروحي للشعب الإيراني وللتيار الإسلامي العالمي. إدارة هذا المزيج كنت عملية مبدعة. ومن النادرأن نقع في التاريخ على قدرة من هذا المستوى. هذه أمور يحسن إستذكارها في هذه المرحلة، من مراحل السقوط الإسلامي العام والسقوط العربي . ففي الحقيقة بعد نكبة الحرب العراقية الإيرانية، والجريمة الكبرى للنظام العراقي في هذه الحرب التي تتجاوز حتى المليون قتيل او شهيد.، وتتجاوز حتى الخمسمائة مليار دولار( الخسائر) ، إلى تحطيم المضمون المعنوي للمسلمين والعرب خاصة، والجريمة الاخيرة التي لا تزال قائمة الآن، وهي غزو العراق للكويت، وحرب الخليج وما ترتب عليها، هذا زمن مؤلم وخطر. علينا أن نتذكر هذا الرجل العظيم ليمكن من خلال سيرته، وخصوصيات شخصيته إعادة تكوين وتركيب حالة جديدة على ضوء هذه السيرة من جهة، وعلى ضوء الأخطاء التي أدت إلى هذا السقوط الكبير الذي يعيشه المسلمون عامة، والعرب خاصة في هذه المرحلة .
الجانب الآخر الذي اشرت إليه في أول كلامي هو خصوصية الشعب الإيراني، وخصوصية الشعب الإيراني هي ذات جانبين: جانب روحي أو ثقافي وهو تمسكه بالإسلام وحماسه للإسلام، وهذا الأمر ليس أمراً مجانياً، هو لم يحصل بصورة تلقائية، الشعب الإيراني ربي على هذا، والفضل في هذه التربية يعود إلى جمهور قياداته الدينية المرجعيّات والحوزات الدينية وإلتزامها بتربية الشعب على الإسلام وعلى ثقافة الحكم الشرعي، وهو أمر لم يكن موضع عناية في البلاد الأخرى، والأمر الثاني عند الشعب الإيراني، هو خصوصية تنظيمية وهو أن هذا الشعب لم يسمح لكثير من الخلافات الطبيعية بأن تأخذ أكثر من حجمها، وكان وضعه التنظيمي وضعاً جيداً، فلم تحصل شرذمة وتشتت يؤثر على المسار العام للثورة، ومن ثم بعد ذلك على المسار العام للجمهورية الإسلامية، طبعاً ليست الثورة الإسلامية معصومة، ولا رجالها معصومون، ولا الإمام الخميني معصوم، ولا من جاء بعده معصوم، ولا الشعب الإيراني معصوم، لقد حدثت بطبيعة الحال أخطاء كثيرة وإنتكاسات كثيرة، ولكن النجاحات كانت من القوة والفاعلية بحيث إنها قللت إلى حد كبير من سلبيات الأخطاء التي حصلت وحصولها طبيعي، نحن لا ننصح بالتقديس الأعمى، التقديس الأعمى دائماً يقود إلى الهاوية. نحن ننصح لكل جهة، لإيران أو لغير إيران، بالتقديس والإحترام والوعي الذي يرى الإيجابيات ويرى السلبيات أيضاً ، ولكن لا يقف ويندب السلبيات بنحو تعطله عن الإنسجام مع الإيجابيات .
أخيراً نقول، إن كثيراً من الناس خارج إيران، جعلوا من هذه الثورة ومن نجاحاتها، أو من أخطائها، في كثير من الحالات، معّذراً لهم في الإقدام على أعمال، وعلى أقوال وتصرفات، حملوها لهذه الثورة، وهي في الحقيقة أعمالهم وتصرفاتهم، وهي قطعة من التصرفات والأخطاء والتجاوزات التي كلفت سمعة الإسلام غالياً. لا الإسلام يعترف بها، ولا الثورة الإسلامية في إيران أو الجمهورية الإسلامية الإيرانية تعترف بها، هذا الامر ينبغي أن يكون مورد وعي عند القيادات الإيرانية العليا، وعند الناس خارج إيران، كل عامل للإسلام لا بد وأن يتصف بثلاث صفات، وإذا لم يتصف بها، فيكتف أن يكون مسلماً صالحاً ولا يضع نفسه في موضع القيادة والريادة. وهذه الصفات الثلاث هي: الفقه والعلم والوعي، والورع. العمل بلا فقه، والعمل بلا وعي، والعمل بلا ورع، حتى لو وضع على رأسه مائة عمامة، يكون شراً ونكراً، ويكون اشبه بالشعار الصحيح الذي رفعه الخوارج، شعار لا حكم إلا الله، ولكن لأنه مورس بدون فقه، وبدون وعي، وبدون ورع، أنتج قتل علي بن ابي طالب (ع) وكثير مما نشهده على الساحة، هو من هذا القبيل.
وأقول بصراحة. وأنا من موقع المسؤول من الداخل. لست مراقباً من الخارج. أنا جزء من العمل. فكثر مما يجري، يجري وهو يفتقر إلى الفقه، وإلى الوعي والورع. وما أكثر ما سفكت دماء، وهتكت حرمات نتيجة للحماس بلا ورع، وللعمل بلا فقه، ولا وعي سياسي موضوعي للساحة وللأحداث.
وكما اشرت في كلامي السابق، الآن توجد حالة سقوط كبيرة في العالم الإسلامي كله، وفي منطقة الشرق الأوسط بوجه خاص. هذه الحالة ناشئة من مجموعتين من العوامل، إحداهما مجموعة العوامل التقليدية المألوفة، وهو العالم الإسرائيلي، وموالاة الغرب والولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل، والنزعة الإمبريالية التي تحكم السياسة الخارجية للعالم الغربي، أضيف إليها في السنتين الماضيتين عامل جديد، وهو التطورات الخطيرة والكبيرة في المعسكر الإشتراكي في الإتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية. هذه مجموعة عوامل مألوفة ، وفيها ما هو مألوف تماماً، ومنها ما هو متجدد وهو تطور داخل المعسكر الإشتراكي، أما المجموعة الثانية من العوامل فهي تعود إلى أخطائنا وإلى تقصيرنا، وإلى الإرتكابات والتجاوزات التي حصلت من قبل المسلمين أنفسهم. نذكر في هذا السياق الحرب العراقية الإيرانية التي إعتدى فيها النظام العراقي على الجمهورية الإسلامية. ونذكر في هذا السياق عدوان العراق على الكويت، وما سببه ذلك من تدخل أجنبي مع حرب الخليج، وما تلى حرب الخليج، ومجموعة التنازلات التي تبعتها. وتذكر أمراً قد يثير البعض ذكره، وهو ما انكشف من قصور كبير، وتخلف كبير في وعي، وسلوك، وتصرف ومواقف الحركة الإسلامية العالمية، سواء في شقها السنيّ، أو في شقها الشيعي لا أكاد استثني من ذلك أحداً، لا من السنّة، ولا من الشيعة تجاه هذه الأحداث.
تعليق