.
المعاد لغةً: كل شيء إليه المصير, والآخرة معاد الناس لأن إليها مصيرهم.
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ) القصص "85"
والمعاد كمصطلح يُراد به البعث يوم القيامة لقوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) الروم "27".
وعند أهل الكلام هو الوجود الثاني للأجسام وإعادتها بعد موتها وتفرّقها.
وللمعاد أسماء كثيرة في كتاب الله باعتبار كثرة الأحداث الواقعة فيه:
كيوم القيامة لقوله تعالى: (َسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ).القيامة/6/
ويوم البعث لقوله تعالى: (فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ).الروم/56/
ويوم الحشر لقوله تعالى: ( وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ).الأنعام/22/
ويوم الجمع لقوله تعالى: (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ).التغابن/9/
ويوم الحساب لقوله تعالى: (َهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ).ص/26/
ويوم التلاق لقوله تعالى: (لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ).غافر/15/
ويوم التناد لقوله تعالى: ( وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ).غافر/32
ويوم الأزفة لقوله تعالى: (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ).غافر/18/
ويوم التغابن لقوله تعالى: (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ).التغابن/9/
ويوم الفصل لقوله تعالى: (هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ).المرسلات/38
ويوم الدين لقوله تعالى: (وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ).الصافات/20
ويوم النشور لقوله تعالى: (فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ).فاطر/9/
والساعة لقوله تعالى: (وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا).الحج/7/
والواقعة لقوله تعالى: (إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ).الواقعة/1/
والحاقة لقوله تعالى: (الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ).الحاقة/1-2/
والقارعة لقوله تعالى: (الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ).القارعة/1-2/
والراجفة لقوله تعالى: (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ).النازعات/6/
والطامة الكبرى لقوله تعالى: (فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى).النازعات/34/
واليوم الموعود لقوله تعالى: (وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ).البروج/2/
واليوم المشهود لقوله تعالى: (وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ).هود/103
وغيرها.
.
وقد ذكر الله سبحانه أهوال يوم المعاد في آيات كثيرة كقوله تعالى: (إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا) الإنسان "10".
وكقوله تعالى: (يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاء كَالْمُهْلِ) المعارج "8".
وقوله تعالى: (وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ) القارعة "5".
وقوله تعالى: (فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ) المدثر "9".
وقوله تعالى: (يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) العنكبوت "55"
وقوله تعالى: (يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ) إبراهيم "48".
وقوله تعالى: (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ) الأنبياء "104".
وقوله تعالى: (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا) النبأ "38".
وقوله تعالى: (إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ) الانفطار "1_2_3".
وقوله تعالى: (فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ) القيامة "7".
وقوله تعالى: (وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا) طه "108"
وقوله تعالى: (يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ) القلم "42"
وقوله تعالى: (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) آل عمران "106".
وقوله تعالى: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ) الفرقان "27".
وقوله تعالى: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم) النور "24".
وآيات كثيرة يذكر الله تعالى فيها أهوال ذلك اليوم العظيم.
.
وهذا الأصل كما قدمنا يجب اعتقاده بيقين ثابت لأنه داخل في باب اليقينيات لقوله تعالى: (وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) البقرة "4".
.
وقد أجمع المسلمون على وجود يوم آخر يجازي الله فيه الناس على أعمالهم لأنه لو لم يكن ذلك كما يظن الملحدون لكان التكليف قبيحا ولنسبنا الباري سبحانه إلى الظلم تعالى عن ذلك علوّا كبيرا.
.
فوجود يوم آخر يحاسب الناس فيه يُعَدُّ دافعاً للقيام بالأعمال الصالحة, ورادعاً عن ارتكاب القبائح ولولا ذلك لأرتكب الإنسان أضعافاً مضاعفة عما يرتكبه مع علمه بيوم الجزاء والحساب. إذاً فالإيمان واليقين بالمعاد زجر للنفس عن ارتكاب القبيح ودافع للعمل الرجيح.
.
والمعاد دليل قاطع على عدل الله جل وعلا لأنه لو أهمل الناس من دون حساب لكان ذلك عبثاً, ولو ساوى بينهم فأثاب الجميع أو عاقب الجميع لكان ذلك ظلما.
أما لو أثيب المطيع وعوقب العاصـي, وهذا هو الحق, لكان ذلك مقتضى العدل الذي أخبر عنه في كتابه, قال تعالى: (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) ص "28".
فقد نزّه نفسه عن الظلم جل وعلا.
وقال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ.. لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ. وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ) سبأ "3- 4 - 5".
فقد أثبت جل وعلا في هذه الآيات عدله الشامل بإثابة المطيعين ومعاقبة المجرمين. وذلك يوم لا ينفع مال ولا بنون إلّا من أتى الله بقلب سليم. فمن عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها. وما ربك بظلام للعبيد. فقد أثبت عليهم الحجة وأوضح لهم المحجة فمن أطاع نجى ومن عصى هلك والله غني عن العالمين.
.
ولما ثبت لدينا بالدليل الوافي بأن الله لا يفعل إلا إبداعا ولا يُبدع إلا اختراعا، وأنه خلق العباد ليعرفوه ويعبدوه وأنه من لطفه بهم بعث فيهم الرسل وأنزل عليهم الكتب ليذكّرهم بالفطرة الأولى التي فطرهم عليها, وهي توحيده, كان لزاماً ومن العدل أن يكون هناك موعد يجمعهم فيه ليحاسبهم على أعمالهم (اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ ) هود"31" ليثيب المحسنين الذين أطاعوه وصدقوا الأنبياء والكتب، ويعاقب المذنبين الذين عصــوه وأغفلوا هداية الأنبياء وإشارات الكتب, وهذا الموعد المحتوم هو يوم القيامة يوم المعاد(يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ. فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ. وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) الزلزلة"7،6،5".
.
فلو لم يكن هناك معاد لذهبت مظالم العباد, وتساوى أهل الصلاح و الفساد, وضاعت الدماء التي سفكت ظلماً, ولما كان هناك فائدة من بعثة الأنبياء ولا حاجة للوعد والوعيد والترغيب والتهديد, ولتساوى أفضل الأنبياء مع أشقى الأشقياء, ولكان إيجاد الخلائق عبثاً والله جلّ عن العبث. فتبارك الله أحكم الحاكمين.
.
وإن إنكار المعاد هو إنكار صريح لكافة الأصول الاعتقادية وكفر بواجب الوجود لا محالة وتعجيز له واتهامه بالعبث وتكذيب للأنبياء والكتب وقتلٌ للعقل الإنساني.
أما كونه كفراً بواجب الوجود وذلك لأن القادر على الإبداء قادر على الإنهاء ومن نفى عنه ذلك فقد اتهمه بالعجز.
وأما دخوله في صفة التكذيب للأنبياء وللكتب فلأنهما أكّدا هذا المبدأ المقدس، فمن أنكره فقد كذّبهما ومن كذّبهما فقد كذّب موجدهما ومن كذّب موجدهما فقد كفر به.
وأمّا كونه قاتلاً للعقل الإنساني فلأن العقل بما وهبه الله من المواهب يحكم بالبديهة على وجود معاد، ومن قتل العقل وأبطله فقد اتهم الله بالجهل لأن الحكيم لا يكلف إلا العاقل.
فصحّ لنا من خلال هذه الحجج بأن إنكار المعاد هو إنكار لكافة الأصول وتكذيب للمنقول والمعقول.
.
ومن أهم الفصول المتعلقة بمبحث المعاد والتي تجب معرفتها والتصديق بها:
أحوال القبر والبرزخ، والرجعة وأشراط الساعة وما يتعلق بها ونفخ الصور، والميزان، والحساب، والصراط، والكوثر، والشفاعـة وتطاير الكتب، والجنة والنار وما إلى هنالك من الحقائق الواجب تصديقها لورودها عن طريق الوحي والتي أكد حدوثها الأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام. ومن طلب تفصيلها وعلم تحصيلها فليراجع نهج البلاغة ففيه البلاغ المبين.
.
.
وأختم هذا الفصل بما رواه رسول الله (ص) لسلمان الفارسي (رض) عن أشراط الساعة, قال صلى الله عليه وآله :
.
إنّ من أشراط القيامة إضاعة الصلاة, واتباع الشهوات, والميل مع الأهواء, وتعظيم أصحاب المال , وبيع الدين بالدنيا, فعندها يذاب قلب المؤمن وجوفه كما يذوب الملح في الماء مما يرى من المنكر فلا يستطيع أن يغيره.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: إي والذي نفسي بيده.
يا سلمان: إن عندها يليهم أمــــــــــــراءٌ جَوَرَة, ووزراءٌ فَسَقَة, وعرفاءٌ ظَلَمَة, وأمناءٌ خَوَنَة.
فقال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: إي والذي نفسي بيده.
يا سلمان: إن عندها يكون المنكر معروفاً, والمعروف منكراً, ويؤتمن الخائن, ويخون الأمين, ويصدّق الكاذب, ويكذّب الصادق.
قال سلمان: إن هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: إي والذي نفسي بيده.
يا سلمان: فعندها تكون إمارة النساء, ومشاورة الإماء,وقعود الصبيان على المنابر، ويكون الكذب ظرفاً, والزكاة مغرماً, والفيء مغنماً, ويجفو الرجل والديه, ويبر صديقه, ويطلع الكوكب المذنب.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟ قال إي والذي نفسي بيده.
وعندها تشارك المرأة زوجها بالتجارة, ويكون المطر قيظاً, ويغيظ الكرام غيظاً, ويحتقر الرجل المعسّر ,فعندها تقارب الأسواق, إذ قائل هذا لم أبع شيئاً وقال هذا لم أربح شيئاً, فلا ترى إلا ذامّاً لله.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟ قال إي والذي نفسي بيده.
يا سلمان: فعندها يليهم أقوام, إن تكلموا قتلوهم, وإن سكتوا استباحوا حقهم, ليستأثرن أنفسهم بفيئهم, وليطؤنّ حرمتهم, وليسفكنّ دماءهم, وليملأنّ قلوبهم خوفاً ورعباً, فلا تراهــــــم إلا وجلين خائفين مرعوبين مرهوبين.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: إي والذي نفسي بيده.
يا سلمان: إن عندها يؤتى بشيء من المشرق وشيء من المغرب يلون أمتي, فالويل لضعفاء أمتي منهم, والويل لهم من الله, لا يرحمون صغيراً, ولا يوقرون كبيراً, ولا يتجاوزون عن مسيء،أخبارهم خناء، جثتهم جثة اللآدميين وقلوبهم قلوب الشياطين.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: إي والذي نفسي بيده.
يا سلمان: وعندها تكتفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء, ويغار على الغلمان كما يغار على الجارية في بيت أهلها, ويتشبه الرجال بالنساء, والنساء بالرجال, ويركبن ذوات الفروج السروج فعليهن من أمتي لعنة الله.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: إي والذي نفسي بيده.
يا سلمان: إن عندها تزخرف المساجد كما تزخرف البيع والكنائس, وتحلّى المصاحف, وتطول المنارات, وتكثر الصفوف بقلوب متباغضة وألسن مختلفة.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟ قال إي والذي نفسي بيده.
وعندها تتحلّى ذكور أمتي بالذهب, ويلبسون الحرير والديباج, ويتخذون جلود النمور صفاقاً.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسـول الله؟ قال (ص): إي والذي نفسي بيده.
يا سلمان وعندها يظهر الربا, ويتعاملون بالغيبة والرشاء, ويُوضع الدين, وتُرفع الدنيا.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟ قال (ص): إي والذي نفسي بيده.
يا سلمان: وعندها يكثر الطلاق, فلا يُقام لله حدّ, ولن يُضر الله شيئاً.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رســول الله؟ قال (ص): إي والذي نفسي بيده.
يا سلمان: وعندها تظهر القينات والمعازف, ويليهم أشرار أمتي.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟ قال(ص): إي والذي نفسي بيده.
يا سلمان: وعندها يحج أغنياء أمتي للنزهة، ويحج أوساطها للتجارة، ويحج فقراؤهم للرياء والسمعة، فعندها يكون أقوام يتعلمون القرآن لغير الله، ويتخذونه مزامير، ويكون أقوام يتفقون لغير الله، ويكثر أولادنا الزنا، ويتغنون بالقرآن، ويتهافتون بالدنيا.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟ قال (ص): إي والذي نفسي بيده.
يا سلمان: ذاك إذا انتهكت المحارم، واكتسبت المآثم، وسُلّط الأشرار على الأخيار، ويتفشى الكذب، وتظهر اللجاجة، وتتفشى الحاجــــــة، ويتباهون في اللباس، ويُمطرون في غير أوان المطر، ويستحسنون الكوبة والمعازف، وينكرون الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، حتى يكون المؤمن في ذلك الزمان أذل من في الأمة، ويظهر قرّاؤهم وعبادهم فيما بينهم التلاؤم، فأولئك يدعون في ملكوت السموات: الأرجاس والأنجاس.
قال سلمان: وإنّ هذه الكائن يا رسول الله (ص)؟ قال (ص): إي والذي نفسي بيده.
يا سلمان: فعندها لا يخشى الغني إلا الفقير، حتى أن السائل ليسأل فيما بين الجمعتين لا يصيب أحداً يضع في يده شيئاً.
قال سلمان: وإن هذا الكائن يا رسول الله؟ قال (ص): إي والذي نفسي بيده.
يا سلمان: عندها يتكلم الرويبضة.
فقال وما الرويبضة يا رسول الله فداك أبي وأمي؟
قال (ص): يتكلم في أمر العامة من لم يكن يتكلم، فلم يلبثوا إلا قليلاً حتى تخور الأرض خورة، فلا يظن كل قوم إلا أنها خارّة في ناحيتهم فيمكثون ما شاء الله ثم ينكتون في مكثهم فتلقي لهم الأرض أفلاد كبدها، \قال: ذهب وفضة\ ثم أومأ بيده إلى الأساطين فقال: مثل هذا، فيومئذ لا ينفع ذهبٌ ولا فضة.
(روى هذا الخبر أبو الحسن علي بن إبراهيم القمي في تفسيره عن أبيه عن سليمان بن مسلم الخشاب عن عبد الله بن جريح المكي عن عطــاء بن أبي رياح عن عبد الله بن عباس عن رسول الله (ص)).
.
والفقير لله تعالى يقول: إن من تمعن في هذا الخبر الصحيح الوارد عن رسول والمخبر عن إشراط يوم القيامة لتبين له بأنّ أكثر الأمور التي ذكرها (ص) قد تتحقق وقوعها وما زالت قائمةً وأصبحت مألوفةً عند الأكثرية الساحقة وإن دلّ هذا على شيء فإنما يدل على قرب يوم القيامة وعلى صدق نبوّة خاتم المرسلين وذلك من خلال إعلامه بالمغيّبات والتي تعد من دلائل النبوة وأركانها. ولا أقول هذا التعليل للمصدقين بالنبوة بل للمشككين بها. فهذا ما أردت بيانه فيما يتعلق بمبحث المعاد، فأسأل الله تعالى أن يرزقنا شفاعة محمد وآلـــه يوم التناد أنه كريم جواد رؤوف بالعباد.
.
-------------------------------------
.
هذا الموضوع من الجزء الثاني الباب الخامس من كتاب "منــارة الرشــاد إلـى صحّــة الإعتقــاد"
وهو "مـن وحـي النهـج العلـــوي"
تأليف فضيلة الشيخ العلوي "حسيـن محمّـد المظلـوم" أطال الله عمره الشريف.
.
المعــــاد
.المعاد لغةً: كل شيء إليه المصير, والآخرة معاد الناس لأن إليها مصيرهم.
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ) القصص "85"
والمعاد كمصطلح يُراد به البعث يوم القيامة لقوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) الروم "27".
وعند أهل الكلام هو الوجود الثاني للأجسام وإعادتها بعد موتها وتفرّقها.
وللمعاد أسماء كثيرة في كتاب الله باعتبار كثرة الأحداث الواقعة فيه:
كيوم القيامة لقوله تعالى: (َسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ).القيامة/6/
ويوم البعث لقوله تعالى: (فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ).الروم/56/
ويوم الحشر لقوله تعالى: ( وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ).الأنعام/22/
ويوم الجمع لقوله تعالى: (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ).التغابن/9/
ويوم الحساب لقوله تعالى: (َهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ).ص/26/
ويوم التلاق لقوله تعالى: (لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ).غافر/15/
ويوم التناد لقوله تعالى: ( وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ).غافر/32
ويوم الأزفة لقوله تعالى: (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ).غافر/18/
ويوم التغابن لقوله تعالى: (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ).التغابن/9/
ويوم الفصل لقوله تعالى: (هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ).المرسلات/38
ويوم الدين لقوله تعالى: (وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ).الصافات/20
ويوم النشور لقوله تعالى: (فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ).فاطر/9/
والساعة لقوله تعالى: (وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا).الحج/7/
والواقعة لقوله تعالى: (إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ).الواقعة/1/
والحاقة لقوله تعالى: (الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ).الحاقة/1-2/
والقارعة لقوله تعالى: (الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ).القارعة/1-2/
والراجفة لقوله تعالى: (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ).النازعات/6/
والطامة الكبرى لقوله تعالى: (فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى).النازعات/34/
واليوم الموعود لقوله تعالى: (وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ).البروج/2/
واليوم المشهود لقوله تعالى: (وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ).هود/103
وغيرها.
.
وقد ذكر الله سبحانه أهوال يوم المعاد في آيات كثيرة كقوله تعالى: (إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا) الإنسان "10".
وكقوله تعالى: (يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاء كَالْمُهْلِ) المعارج "8".
وقوله تعالى: (وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ) القارعة "5".
وقوله تعالى: (فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ) المدثر "9".
وقوله تعالى: (يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) العنكبوت "55"
وقوله تعالى: (يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ) إبراهيم "48".
وقوله تعالى: (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ) الأنبياء "104".
وقوله تعالى: (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا) النبأ "38".
وقوله تعالى: (إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ) الانفطار "1_2_3".
وقوله تعالى: (فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ) القيامة "7".
وقوله تعالى: (وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا) طه "108"
وقوله تعالى: (يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ) القلم "42"
وقوله تعالى: (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) آل عمران "106".
وقوله تعالى: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ) الفرقان "27".
وقوله تعالى: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم) النور "24".
وآيات كثيرة يذكر الله تعالى فيها أهوال ذلك اليوم العظيم.
.
وهذا الأصل كما قدمنا يجب اعتقاده بيقين ثابت لأنه داخل في باب اليقينيات لقوله تعالى: (وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) البقرة "4".
.
وقد أجمع المسلمون على وجود يوم آخر يجازي الله فيه الناس على أعمالهم لأنه لو لم يكن ذلك كما يظن الملحدون لكان التكليف قبيحا ولنسبنا الباري سبحانه إلى الظلم تعالى عن ذلك علوّا كبيرا.
.
فوجود يوم آخر يحاسب الناس فيه يُعَدُّ دافعاً للقيام بالأعمال الصالحة, ورادعاً عن ارتكاب القبائح ولولا ذلك لأرتكب الإنسان أضعافاً مضاعفة عما يرتكبه مع علمه بيوم الجزاء والحساب. إذاً فالإيمان واليقين بالمعاد زجر للنفس عن ارتكاب القبيح ودافع للعمل الرجيح.
.
والمعاد دليل قاطع على عدل الله جل وعلا لأنه لو أهمل الناس من دون حساب لكان ذلك عبثاً, ولو ساوى بينهم فأثاب الجميع أو عاقب الجميع لكان ذلك ظلما.
أما لو أثيب المطيع وعوقب العاصـي, وهذا هو الحق, لكان ذلك مقتضى العدل الذي أخبر عنه في كتابه, قال تعالى: (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) ص "28".
فقد نزّه نفسه عن الظلم جل وعلا.
وقال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ.. لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ. وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ) سبأ "3- 4 - 5".
فقد أثبت جل وعلا في هذه الآيات عدله الشامل بإثابة المطيعين ومعاقبة المجرمين. وذلك يوم لا ينفع مال ولا بنون إلّا من أتى الله بقلب سليم. فمن عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها. وما ربك بظلام للعبيد. فقد أثبت عليهم الحجة وأوضح لهم المحجة فمن أطاع نجى ومن عصى هلك والله غني عن العالمين.
.
ولما ثبت لدينا بالدليل الوافي بأن الله لا يفعل إلا إبداعا ولا يُبدع إلا اختراعا، وأنه خلق العباد ليعرفوه ويعبدوه وأنه من لطفه بهم بعث فيهم الرسل وأنزل عليهم الكتب ليذكّرهم بالفطرة الأولى التي فطرهم عليها, وهي توحيده, كان لزاماً ومن العدل أن يكون هناك موعد يجمعهم فيه ليحاسبهم على أعمالهم (اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ ) هود"31" ليثيب المحسنين الذين أطاعوه وصدقوا الأنبياء والكتب، ويعاقب المذنبين الذين عصــوه وأغفلوا هداية الأنبياء وإشارات الكتب, وهذا الموعد المحتوم هو يوم القيامة يوم المعاد(يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ. فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ. وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) الزلزلة"7،6،5".
.
فلو لم يكن هناك معاد لذهبت مظالم العباد, وتساوى أهل الصلاح و الفساد, وضاعت الدماء التي سفكت ظلماً, ولما كان هناك فائدة من بعثة الأنبياء ولا حاجة للوعد والوعيد والترغيب والتهديد, ولتساوى أفضل الأنبياء مع أشقى الأشقياء, ولكان إيجاد الخلائق عبثاً والله جلّ عن العبث. فتبارك الله أحكم الحاكمين.
.
وإن إنكار المعاد هو إنكار صريح لكافة الأصول الاعتقادية وكفر بواجب الوجود لا محالة وتعجيز له واتهامه بالعبث وتكذيب للأنبياء والكتب وقتلٌ للعقل الإنساني.
أما كونه كفراً بواجب الوجود وذلك لأن القادر على الإبداء قادر على الإنهاء ومن نفى عنه ذلك فقد اتهمه بالعجز.
وأما دخوله في صفة التكذيب للأنبياء وللكتب فلأنهما أكّدا هذا المبدأ المقدس، فمن أنكره فقد كذّبهما ومن كذّبهما فقد كذّب موجدهما ومن كذّب موجدهما فقد كفر به.
وأمّا كونه قاتلاً للعقل الإنساني فلأن العقل بما وهبه الله من المواهب يحكم بالبديهة على وجود معاد، ومن قتل العقل وأبطله فقد اتهم الله بالجهل لأن الحكيم لا يكلف إلا العاقل.
فصحّ لنا من خلال هذه الحجج بأن إنكار المعاد هو إنكار لكافة الأصول وتكذيب للمنقول والمعقول.
.
ومن أهم الفصول المتعلقة بمبحث المعاد والتي تجب معرفتها والتصديق بها:
أحوال القبر والبرزخ، والرجعة وأشراط الساعة وما يتعلق بها ونفخ الصور، والميزان، والحساب، والصراط، والكوثر، والشفاعـة وتطاير الكتب، والجنة والنار وما إلى هنالك من الحقائق الواجب تصديقها لورودها عن طريق الوحي والتي أكد حدوثها الأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام. ومن طلب تفصيلها وعلم تحصيلها فليراجع نهج البلاغة ففيه البلاغ المبين.
.
.
وأختم هذا الفصل بما رواه رسول الله (ص) لسلمان الفارسي (رض) عن أشراط الساعة, قال صلى الله عليه وآله :
.
إنّ من أشراط القيامة إضاعة الصلاة, واتباع الشهوات, والميل مع الأهواء, وتعظيم أصحاب المال , وبيع الدين بالدنيا, فعندها يذاب قلب المؤمن وجوفه كما يذوب الملح في الماء مما يرى من المنكر فلا يستطيع أن يغيره.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: إي والذي نفسي بيده.
يا سلمان: إن عندها يليهم أمــــــــــــراءٌ جَوَرَة, ووزراءٌ فَسَقَة, وعرفاءٌ ظَلَمَة, وأمناءٌ خَوَنَة.
فقال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: إي والذي نفسي بيده.
يا سلمان: إن عندها يكون المنكر معروفاً, والمعروف منكراً, ويؤتمن الخائن, ويخون الأمين, ويصدّق الكاذب, ويكذّب الصادق.
قال سلمان: إن هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: إي والذي نفسي بيده.
يا سلمان: فعندها تكون إمارة النساء, ومشاورة الإماء,وقعود الصبيان على المنابر، ويكون الكذب ظرفاً, والزكاة مغرماً, والفيء مغنماً, ويجفو الرجل والديه, ويبر صديقه, ويطلع الكوكب المذنب.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟ قال إي والذي نفسي بيده.
وعندها تشارك المرأة زوجها بالتجارة, ويكون المطر قيظاً, ويغيظ الكرام غيظاً, ويحتقر الرجل المعسّر ,فعندها تقارب الأسواق, إذ قائل هذا لم أبع شيئاً وقال هذا لم أربح شيئاً, فلا ترى إلا ذامّاً لله.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟ قال إي والذي نفسي بيده.
يا سلمان: فعندها يليهم أقوام, إن تكلموا قتلوهم, وإن سكتوا استباحوا حقهم, ليستأثرن أنفسهم بفيئهم, وليطؤنّ حرمتهم, وليسفكنّ دماءهم, وليملأنّ قلوبهم خوفاً ورعباً, فلا تراهــــــم إلا وجلين خائفين مرعوبين مرهوبين.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: إي والذي نفسي بيده.
يا سلمان: إن عندها يؤتى بشيء من المشرق وشيء من المغرب يلون أمتي, فالويل لضعفاء أمتي منهم, والويل لهم من الله, لا يرحمون صغيراً, ولا يوقرون كبيراً, ولا يتجاوزون عن مسيء،أخبارهم خناء، جثتهم جثة اللآدميين وقلوبهم قلوب الشياطين.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: إي والذي نفسي بيده.
يا سلمان: وعندها تكتفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء, ويغار على الغلمان كما يغار على الجارية في بيت أهلها, ويتشبه الرجال بالنساء, والنساء بالرجال, ويركبن ذوات الفروج السروج فعليهن من أمتي لعنة الله.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: إي والذي نفسي بيده.
يا سلمان: إن عندها تزخرف المساجد كما تزخرف البيع والكنائس, وتحلّى المصاحف, وتطول المنارات, وتكثر الصفوف بقلوب متباغضة وألسن مختلفة.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟ قال إي والذي نفسي بيده.
وعندها تتحلّى ذكور أمتي بالذهب, ويلبسون الحرير والديباج, ويتخذون جلود النمور صفاقاً.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسـول الله؟ قال (ص): إي والذي نفسي بيده.
يا سلمان وعندها يظهر الربا, ويتعاملون بالغيبة والرشاء, ويُوضع الدين, وتُرفع الدنيا.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟ قال (ص): إي والذي نفسي بيده.
يا سلمان: وعندها يكثر الطلاق, فلا يُقام لله حدّ, ولن يُضر الله شيئاً.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رســول الله؟ قال (ص): إي والذي نفسي بيده.
يا سلمان: وعندها تظهر القينات والمعازف, ويليهم أشرار أمتي.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟ قال(ص): إي والذي نفسي بيده.
يا سلمان: وعندها يحج أغنياء أمتي للنزهة، ويحج أوساطها للتجارة، ويحج فقراؤهم للرياء والسمعة، فعندها يكون أقوام يتعلمون القرآن لغير الله، ويتخذونه مزامير، ويكون أقوام يتفقون لغير الله، ويكثر أولادنا الزنا، ويتغنون بالقرآن، ويتهافتون بالدنيا.
قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟ قال (ص): إي والذي نفسي بيده.
يا سلمان: ذاك إذا انتهكت المحارم، واكتسبت المآثم، وسُلّط الأشرار على الأخيار، ويتفشى الكذب، وتظهر اللجاجة، وتتفشى الحاجــــــة، ويتباهون في اللباس، ويُمطرون في غير أوان المطر، ويستحسنون الكوبة والمعازف، وينكرون الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، حتى يكون المؤمن في ذلك الزمان أذل من في الأمة، ويظهر قرّاؤهم وعبادهم فيما بينهم التلاؤم، فأولئك يدعون في ملكوت السموات: الأرجاس والأنجاس.
قال سلمان: وإنّ هذه الكائن يا رسول الله (ص)؟ قال (ص): إي والذي نفسي بيده.
يا سلمان: فعندها لا يخشى الغني إلا الفقير، حتى أن السائل ليسأل فيما بين الجمعتين لا يصيب أحداً يضع في يده شيئاً.
قال سلمان: وإن هذا الكائن يا رسول الله؟ قال (ص): إي والذي نفسي بيده.
يا سلمان: عندها يتكلم الرويبضة.
فقال وما الرويبضة يا رسول الله فداك أبي وأمي؟
قال (ص): يتكلم في أمر العامة من لم يكن يتكلم، فلم يلبثوا إلا قليلاً حتى تخور الأرض خورة، فلا يظن كل قوم إلا أنها خارّة في ناحيتهم فيمكثون ما شاء الله ثم ينكتون في مكثهم فتلقي لهم الأرض أفلاد كبدها، \قال: ذهب وفضة\ ثم أومأ بيده إلى الأساطين فقال: مثل هذا، فيومئذ لا ينفع ذهبٌ ولا فضة.
(روى هذا الخبر أبو الحسن علي بن إبراهيم القمي في تفسيره عن أبيه عن سليمان بن مسلم الخشاب عن عبد الله بن جريح المكي عن عطــاء بن أبي رياح عن عبد الله بن عباس عن رسول الله (ص)).
.
والفقير لله تعالى يقول: إن من تمعن في هذا الخبر الصحيح الوارد عن رسول والمخبر عن إشراط يوم القيامة لتبين له بأنّ أكثر الأمور التي ذكرها (ص) قد تتحقق وقوعها وما زالت قائمةً وأصبحت مألوفةً عند الأكثرية الساحقة وإن دلّ هذا على شيء فإنما يدل على قرب يوم القيامة وعلى صدق نبوّة خاتم المرسلين وذلك من خلال إعلامه بالمغيّبات والتي تعد من دلائل النبوة وأركانها. ولا أقول هذا التعليل للمصدقين بالنبوة بل للمشككين بها. فهذا ما أردت بيانه فيما يتعلق بمبحث المعاد، فأسأل الله تعالى أن يرزقنا شفاعة محمد وآلـــه يوم التناد أنه كريم جواد رؤوف بالعباد.
.
-------------------------------------
.
هذا الموضوع من الجزء الثاني الباب الخامس من كتاب "منــارة الرشــاد إلـى صحّــة الإعتقــاد"
وهو "مـن وحـي النهـج العلـــوي"
تأليف فضيلة الشيخ العلوي "حسيـن محمّـد المظلـوم" أطال الله عمره الشريف.
.
تعليق