
الإمام المرشد الشيخ محمد مهدي شمس الدين (قده)
بسم الله الرحمن الرحيم
3 محرم 1414 ه 1993 م
وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم وحرمة الله وبركاته
إن المأتم الحسيني ليس مؤسسة للحزن. بل هو مؤسسة للعلم. ومن الاخطاء الكبيرة التي حصلت في فهم المأتم الحسيني وحصره بأنه مؤسسة الحزن، حتى إقترن في أبحاث علماء النفس والإجتماع والحضارة إسم الشيعة بالحزن، الطائفة المغموسة في الحزن، وليس الامر كذلك.
مؤسسة مأتم الحسين التي أنشأتها السيدة زينب عليها السلام، هذه المؤسسة إبتدأت بعد مصرع الحسين مباشرة. أول خطبة مأتم وأول قارئة مأتم وأول نادبة وأول نائحة هي زينب، وأتى بعد ذلك أئمة أهل البيت من زين العابدين عليه السلام إلى إمامنا المنتظر عجّل الله فرجه، أكملوا عملاً بدأته زينب في كربلاء، في مساء العاشر من محرم وتابعته في الطريق وعممته في حلب وفي دمشق، وتابعته في المدينة، حتى ضجّ أهل المدينة، منها، وحتى كتب والي المدينة إلى يزيد: إن كان لك شغل بالحجاز والمدينة فأخرج عني زينب.
والي المدينة لم يضق ذرعاً ببكاء الناس. المظلومون دائماً يبكون تحت سمع الطغاة وبصرهم ولا يؤثر فيهم ذلك شيئاً، الذي ضابق والي المدينة والذي خاف منه هو المضمون الآخر غير مضمون الحزن، هو مضمون الثقافة، هو مضمون الأخلاق، ومضمون السياسة.
عندما نخاطب الإمام الحسين ونقول: السلام عليك يا وارث الإيمان النقي الصحيح، أي وارث إيمان جده الرسول الأعظم، الإيمان الذي لا يخضع لا لوصاية السلطان ولا لوصاية عملاء السلطان، ولا يخضع لوصاية رجال الدين الدجالين الذين يتاجرون بالدماء والكرامة والاعراض وكل شيء ويغشون الناس بالدين.
والمسألة الأهم في ثورة الإمام الحسين هي المسألة الأخلاقية، الحسين كان يمارس أخلاقاً عندما قال: إن يزيد فاسق فاجر شارب للخمر قاتل للنفس، ومثلي لا يبايع مثله.
منذ معركة صفين ومنذ كربلاء لم يكن لدى اهل البيت مشروعاً للسلطة، السلطة لم تكن هي الأساس، كان لديهم مشروعاً للأمة، والإمام علي والإمام الحسن والإمام الحسين عليهم جميعاً السلام تفرّغوا لهذا المشروع الذي هو مشروع الإيمان النقي والأخلاقي. كان الأمويون يريدون أن يخضعوا الإمام الحسين وأن يستلحقوه وأن يجعلوه كافراً. فقرار عدم المبايعة بالإضافة إلى كونه قراراً سياسياً فهو أيضاً قرار اخلاقي. وقرار زهد، هذا الزاهد تعرض عليه الدنيا مغموسة بالقذارة والخيانة، لأن بيعة الإمام الحسين ليزيد ليست بيعة شخص، الحسين ليس شخصاً، هو مؤسسة، فإنه إذا بايع فيكون بهذا قد جرّ مؤسسة الإيمان التي ورثها عن جده رسول الله إلى المبايعة ليزيد ايضاً.
من حين قوله: (( مثلي لا يبايع مثله)) في المدينة إلى يوم العاشر، بدأت مهمة الحسين ديناً وإنتهت ديناً، وهو بذلك يسير على خطى جده رسول الله صلى الله عليه وسلم. فالنبوة ليست شخصاً، النبوة مؤسسة إلهية. لقد عرضت قريش على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كل ما تريد النفس الدنيوية، عرضت عليه المال والجاه والسلطان والنساء فقال: (( لو وضعتم الشمس في يميني والقمر في يساري على ان أترك هذا الأمر ما تركته حتى أهلك دونه))، كانت قريش تريد أن تجعل النبوة جزءاً من دكانها ومن مصالحها، وتأمروا عليه (( وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك)) أي إما السجن وإما القتل أو النفي، رفض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلحاق مؤسسة النبوة بنظام مصالح قريش.
أمير المؤمنين علي عليه السلام تكررت معه نفس التجربة ووقف منها نفس الموقف، لم يدخل مشروع الأمة في نظام المصالح الخاصة والضيقة والإمام الحسن كذلك.
وهكذا كان الإمام الحسين، هو لم يعتبر نفسه شخصاً عادياً، هو وارث الإيمان النقي الصحيح ، وإستشهد الإمام الحسين ورفاقه، ولكن السيف بقي يلاحق هذه المؤسسة طيلة العهد الأموي، وطيلة العهد العباسي، وطيلة عهد العثمانيين، بقي ثمن الله، ثمن أن الحسين فصل مشروع الأمة نهائياً عن مشروع السلطة.
إذاً هذه المؤسسة ليست مؤسسة للحزن فقط، بل هي مؤسسة الفكر ومؤسسة الحضارة ومؤسسة العلم ومؤسسة السياسة، ومؤسسة الأخلاق هي مؤسسة الأمة. ولذلك أنا أرى ان الشيعة أخطأوا في حق أهل البيت وفي حق الحسين خصوصاً، فيما قاموا بأعمال ومراسم وأطروحات، جعلت مأتم الجسين مأتماً شيعياً. الإمام علي ليس إماماً شيعياً والإمام الحسين ليس إماماً شيعياً هؤلاء أئمة المسلمين، وإعتقادنا بهم على أنهم أئمتنا لا بإعتبارنا شيعة بل بإعتبارنا مسلمين. الحسين إمام الشافعية والمالكية والحنفية والحنبلية .
عندما قال الحسين: مثلي لا يبايع مثله،الشيعة بالمعنى المذهبي لم تكن موجودة من ذلك الوقت، كان يوجد خط إسلامي كبير فيه تنوعات، وكان ائمة اهل البيت أئمة المسلمين.
يمكن ان نقول أن أبي حنيفة إمام مذهب، ومالك بن انس إمام مذهب والشافعي إمام مذهب. أما علي بن أبي طالب وأبناؤه ليسوا أئمة مذهب، إنهم أئمة الأمة، ولهذا نرى أنه كان مع الإمام الحسين في كربلاء بعض العثمانيين نسبة للإمام عثمان بن عفان، القضية إذن ليست قضية مذهب وطائفة.
لهذا نرى أن الشيعة أخطأوا والسنة أخطأوا أيضاً، الشيعة أخطأوا لأنهم إعتبروا أن الحسين إمامهم فقط، وعلّبوه، والسنة أخطأوا أيضاً لأنهم إعتبروا قضية الحسين لا تعنيهم كثيراً.
كل مسلم يجب أن يضع في ذهنه فاصلاً بين مشروع السلطة بأساليبها وخداعها وأدواتها، وبين مشروع الامة. الذي يحمل بالإضافة إلى المضمون السياسي المضمون الإيماني والأخلاقي. هذ الفصل يتيح لمشروع الامة أن يحاسب السلطة عندما تخون وتكفر وتظلم ويقول لها: لا، وهكذا فعل الإمام الحسين.
السلطة الكافرة والظالمة دائماً تسعى لأن تستلحق مشروع الامة وتستتبعه بكل وسائلها المتاحة لديها، الترغيب والترهيب والكذب والخداع، وكتب التاريخ تروي لنا حكاية معاوية بن أبي سفيان الذي إستقدم شيخاً راوياً للحديث وأعطاه كذا مائة الف لكي يروي حديثاً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول أن الاية(( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألدّ الخصام وإذا تولّى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنّسل والله لا يحب الفساد)) البقرة 204-205 ، أن هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب.
وتروي كتب التاريخ أيضاً قصة هارون الرشيد والشيخ العلامة الخطيب المحدّث الذي دخل على هارون الرشيد وزوّر حديثاً نبوياً يقول(( لا سبق إلا في خفّ أو حافر))، فزوّر هذا الشيخ الحديث وقال: روينا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم أنه قال: (( لا سبق إلا في خفٍ أو حافرٍ أو جناح ))، ومن المعلوم أن هارون الرشيد كان يهوى تطيير الحمام، وبالتعبير الدارج (( كشاش حمام)) وكان يراهن عليه، وهو نوع من الميسر. وهو حرام كما قال الله تعالى ( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه)) المائدة 90.
فلمّا زوّر الشيخ هذا الحديث لهارون الرشيد سرّ وأجازه بالمبلغ المرقوم، ولما خرج قال هارون الرشيد: والله أشهد أن قفاه قفا كذاب على رسول الله ولكنه كذب لنا فأكرمناه.
هذان المثلان يعطيانا فكرة عن أساليب السلطة في إستخدام كل أدواتها لكي تلحق مشروع الأمة ومؤسسة الإيمان تحت لوائها، فلو أن هذا السلطان طلب من هذا الشيخ المزوّر، الذي هو أحد أدواته، أن يفتيه في ذبح هذا المسلم لفعل. ولو طلب منه أن يفتيه في ذبح ابناء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لفعل، وقد فعلوا ذلك.
إذاً هناك دائماً صراع بين مشروع السلطة الظالمة ومشروع الأمة المؤمنة، صراع بين مؤسسة السلطة ومؤسسة الإيمان. الرسول الاعظم ومن بعده الأئمة عليهم السلام حملوا مشروع الأمة ودفعوا كل شيء ثمناً لهذه الأمانة.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يثبتنا على هذا الطريق وأن يقوينا على دفع الأثمان مهما كانت صعبة وفادحة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم وحرمة الله وبركاته
إن المأتم الحسيني ليس مؤسسة للحزن. بل هو مؤسسة للعلم. ومن الاخطاء الكبيرة التي حصلت في فهم المأتم الحسيني وحصره بأنه مؤسسة الحزن، حتى إقترن في أبحاث علماء النفس والإجتماع والحضارة إسم الشيعة بالحزن، الطائفة المغموسة في الحزن، وليس الامر كذلك.
مؤسسة مأتم الحسين التي أنشأتها السيدة زينب عليها السلام، هذه المؤسسة إبتدأت بعد مصرع الحسين مباشرة. أول خطبة مأتم وأول قارئة مأتم وأول نادبة وأول نائحة هي زينب، وأتى بعد ذلك أئمة أهل البيت من زين العابدين عليه السلام إلى إمامنا المنتظر عجّل الله فرجه، أكملوا عملاً بدأته زينب في كربلاء، في مساء العاشر من محرم وتابعته في الطريق وعممته في حلب وفي دمشق، وتابعته في المدينة، حتى ضجّ أهل المدينة، منها، وحتى كتب والي المدينة إلى يزيد: إن كان لك شغل بالحجاز والمدينة فأخرج عني زينب.
والي المدينة لم يضق ذرعاً ببكاء الناس. المظلومون دائماً يبكون تحت سمع الطغاة وبصرهم ولا يؤثر فيهم ذلك شيئاً، الذي ضابق والي المدينة والذي خاف منه هو المضمون الآخر غير مضمون الحزن، هو مضمون الثقافة، هو مضمون الأخلاق، ومضمون السياسة.
عندما نخاطب الإمام الحسين ونقول: السلام عليك يا وارث الإيمان النقي الصحيح، أي وارث إيمان جده الرسول الأعظم، الإيمان الذي لا يخضع لا لوصاية السلطان ولا لوصاية عملاء السلطان، ولا يخضع لوصاية رجال الدين الدجالين الذين يتاجرون بالدماء والكرامة والاعراض وكل شيء ويغشون الناس بالدين.
والمسألة الأهم في ثورة الإمام الحسين هي المسألة الأخلاقية، الحسين كان يمارس أخلاقاً عندما قال: إن يزيد فاسق فاجر شارب للخمر قاتل للنفس، ومثلي لا يبايع مثله.
منذ معركة صفين ومنذ كربلاء لم يكن لدى اهل البيت مشروعاً للسلطة، السلطة لم تكن هي الأساس، كان لديهم مشروعاً للأمة، والإمام علي والإمام الحسن والإمام الحسين عليهم جميعاً السلام تفرّغوا لهذا المشروع الذي هو مشروع الإيمان النقي والأخلاقي. كان الأمويون يريدون أن يخضعوا الإمام الحسين وأن يستلحقوه وأن يجعلوه كافراً. فقرار عدم المبايعة بالإضافة إلى كونه قراراً سياسياً فهو أيضاً قرار اخلاقي. وقرار زهد، هذا الزاهد تعرض عليه الدنيا مغموسة بالقذارة والخيانة، لأن بيعة الإمام الحسين ليزيد ليست بيعة شخص، الحسين ليس شخصاً، هو مؤسسة، فإنه إذا بايع فيكون بهذا قد جرّ مؤسسة الإيمان التي ورثها عن جده رسول الله إلى المبايعة ليزيد ايضاً.
من حين قوله: (( مثلي لا يبايع مثله)) في المدينة إلى يوم العاشر، بدأت مهمة الحسين ديناً وإنتهت ديناً، وهو بذلك يسير على خطى جده رسول الله صلى الله عليه وسلم. فالنبوة ليست شخصاً، النبوة مؤسسة إلهية. لقد عرضت قريش على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كل ما تريد النفس الدنيوية، عرضت عليه المال والجاه والسلطان والنساء فقال: (( لو وضعتم الشمس في يميني والقمر في يساري على ان أترك هذا الأمر ما تركته حتى أهلك دونه))، كانت قريش تريد أن تجعل النبوة جزءاً من دكانها ومن مصالحها، وتأمروا عليه (( وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك)) أي إما السجن وإما القتل أو النفي، رفض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلحاق مؤسسة النبوة بنظام مصالح قريش.
أمير المؤمنين علي عليه السلام تكررت معه نفس التجربة ووقف منها نفس الموقف، لم يدخل مشروع الأمة في نظام المصالح الخاصة والضيقة والإمام الحسن كذلك.
وهكذا كان الإمام الحسين، هو لم يعتبر نفسه شخصاً عادياً، هو وارث الإيمان النقي الصحيح ، وإستشهد الإمام الحسين ورفاقه، ولكن السيف بقي يلاحق هذه المؤسسة طيلة العهد الأموي، وطيلة العهد العباسي، وطيلة عهد العثمانيين، بقي ثمن الله، ثمن أن الحسين فصل مشروع الأمة نهائياً عن مشروع السلطة.
إذاً هذه المؤسسة ليست مؤسسة للحزن فقط، بل هي مؤسسة الفكر ومؤسسة الحضارة ومؤسسة العلم ومؤسسة السياسة، ومؤسسة الأخلاق هي مؤسسة الأمة. ولذلك أنا أرى ان الشيعة أخطأوا في حق أهل البيت وفي حق الحسين خصوصاً، فيما قاموا بأعمال ومراسم وأطروحات، جعلت مأتم الجسين مأتماً شيعياً. الإمام علي ليس إماماً شيعياً والإمام الحسين ليس إماماً شيعياً هؤلاء أئمة المسلمين، وإعتقادنا بهم على أنهم أئمتنا لا بإعتبارنا شيعة بل بإعتبارنا مسلمين. الحسين إمام الشافعية والمالكية والحنفية والحنبلية .
عندما قال الحسين: مثلي لا يبايع مثله،الشيعة بالمعنى المذهبي لم تكن موجودة من ذلك الوقت، كان يوجد خط إسلامي كبير فيه تنوعات، وكان ائمة اهل البيت أئمة المسلمين.
يمكن ان نقول أن أبي حنيفة إمام مذهب، ومالك بن انس إمام مذهب والشافعي إمام مذهب. أما علي بن أبي طالب وأبناؤه ليسوا أئمة مذهب، إنهم أئمة الأمة، ولهذا نرى أنه كان مع الإمام الحسين في كربلاء بعض العثمانيين نسبة للإمام عثمان بن عفان، القضية إذن ليست قضية مذهب وطائفة.
لهذا نرى أن الشيعة أخطأوا والسنة أخطأوا أيضاً، الشيعة أخطأوا لأنهم إعتبروا أن الحسين إمامهم فقط، وعلّبوه، والسنة أخطأوا أيضاً لأنهم إعتبروا قضية الحسين لا تعنيهم كثيراً.
كل مسلم يجب أن يضع في ذهنه فاصلاً بين مشروع السلطة بأساليبها وخداعها وأدواتها، وبين مشروع الامة. الذي يحمل بالإضافة إلى المضمون السياسي المضمون الإيماني والأخلاقي. هذ الفصل يتيح لمشروع الامة أن يحاسب السلطة عندما تخون وتكفر وتظلم ويقول لها: لا، وهكذا فعل الإمام الحسين.
السلطة الكافرة والظالمة دائماً تسعى لأن تستلحق مشروع الامة وتستتبعه بكل وسائلها المتاحة لديها، الترغيب والترهيب والكذب والخداع، وكتب التاريخ تروي لنا حكاية معاوية بن أبي سفيان الذي إستقدم شيخاً راوياً للحديث وأعطاه كذا مائة الف لكي يروي حديثاً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول أن الاية(( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألدّ الخصام وإذا تولّى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنّسل والله لا يحب الفساد)) البقرة 204-205 ، أن هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب.
وتروي كتب التاريخ أيضاً قصة هارون الرشيد والشيخ العلامة الخطيب المحدّث الذي دخل على هارون الرشيد وزوّر حديثاً نبوياً يقول(( لا سبق إلا في خفّ أو حافر))، فزوّر هذا الشيخ الحديث وقال: روينا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم أنه قال: (( لا سبق إلا في خفٍ أو حافرٍ أو جناح ))، ومن المعلوم أن هارون الرشيد كان يهوى تطيير الحمام، وبالتعبير الدارج (( كشاش حمام)) وكان يراهن عليه، وهو نوع من الميسر. وهو حرام كما قال الله تعالى ( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه)) المائدة 90.
فلمّا زوّر الشيخ هذا الحديث لهارون الرشيد سرّ وأجازه بالمبلغ المرقوم، ولما خرج قال هارون الرشيد: والله أشهد أن قفاه قفا كذاب على رسول الله ولكنه كذب لنا فأكرمناه.
هذان المثلان يعطيانا فكرة عن أساليب السلطة في إستخدام كل أدواتها لكي تلحق مشروع الأمة ومؤسسة الإيمان تحت لوائها، فلو أن هذا السلطان طلب من هذا الشيخ المزوّر، الذي هو أحد أدواته، أن يفتيه في ذبح هذا المسلم لفعل. ولو طلب منه أن يفتيه في ذبح ابناء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لفعل، وقد فعلوا ذلك.
إذاً هناك دائماً صراع بين مشروع السلطة الظالمة ومشروع الأمة المؤمنة، صراع بين مؤسسة السلطة ومؤسسة الإيمان. الرسول الاعظم ومن بعده الأئمة عليهم السلام حملوا مشروع الأمة ودفعوا كل شيء ثمناً لهذه الأمانة.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يثبتنا على هذا الطريق وأن يقوينا على دفع الأثمان مهما كانت صعبة وفادحة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
3 محرم 1414 ه 1993 م
تعليق