بحث استللته من موسوعة ما وراء الفقه
للسيد الشهيد الصدر الثاني قدس سره
من الجزء السادس
كتاب النكاح
فاردت نشره لنفع المؤمنين والمؤمنات به
راجيا الاجر من الله تعالى
الكفؤ
من هو الكفؤ وما هو حكمه ؟
قال ابن منظور( ): والكفئ: النظير وكذلك الكُفْء والكُفوء على فعل وفعول. والمصدر الكفاءة بالفتح والمد .
وتقول: لا كفاء له بالكسر، وهو بالأصل مصدر أي لا نظير له.
والكُفء: النظير والمساوي. ومنه الكفاءة في النكاح. وهو أن يكون الزوج مساوياً للمرأة في حسبها ودينها ونسبها وبيتها وغير ذلك.
وتكافأ الشيئان تماثلا... وفي حديث النبي ص: المسلمون تتكافأ دماؤهم. قال عبيد: يريد أن تتساوى في الديات والقصاص. فليس لشريف على وضيع فضل في ذلك. وفلان كفء فلانة: إذا كان يصلح لها بعلاً. والجمع من كل ذلك: اكفاء الى آخر ما قال.
وأما كتابة الهمزة فقد كتبها في لسان العرب مستقلة. وهو أخذ للسكون السابق عليها بنظر الاعتبار. وهذا ممكن. كما يمكن أن يؤخذ الضم السابق عليها بنظر الاعتبار فتكتب على واو. ولا يعارضه السكون المتأخر لأنه لا يقتضي شيئاً في ذاته، من أشكال الكتابة، كما لا يلغي أثر الضم السابق عليه.
ومما سبق أيضاً نعرف: إن ما عليه بعض المتأدبين من نطق الكفوء (بضم فسكون) بشكل كفؤ (بفتح فضم) غلط لغوياً. كما إن خيالهم بأن معناه: انه أهل لذلك وقادر عليه، أيضاً ليس معنى حقيقياً وإنما هو مجازي. كما لو قيل: انه كفؤ للعمل الفلاني فأنه لا يصح على وجه الحقيقة وإنما على وجه المجاز.
هذا، وحين نتحدث من جهة النكاح، الذي هو همنا في هذا الفصل. يحصل للكفؤ عدة معاني:
المعنى الأول: مجرد الصلاحية للزوجية، بعد مقايسة المرأة بالرجل شخصياً. وهذا ما سمعناه: من انه يصلح لها بعلاً.
المعنى الثاني: التساوي بينهما من جميع الوجوه الاجتماعية والاعتيادية، بحيث يعتبرهما المجتمع كفؤان أي نظيران ومتمثلان.
ولا شك إن هذا هو الأصل في استعمال الكلمة. فان حصل فيها التوسع، فأنه لا يخلو من مجاز.
وهذا هو الذي سمعناه أيضاً عن لسان العرب، من كون الزوج مساوياً للمرأة في حسبها ودينها ونسبها وبيتها وغير ذلك.
المعنى الثالث: التساوي في الإسلام.
وهو ظاهر بعض الروايات. فعن علي بن بلال( ) عن جعفر بن محمد ع. سمعته يقول: أتتكافؤ دماؤكم ولا تتكافؤ فروجكم؟
ومن الواضح تكافؤ الدماء في الإسلام إذن فكذلك تكافؤ الفروج.
وفي صحيحة ( ) زرارة عن أبي جعفرع عن علي بن الحسين ع: أما علمت إن الله رفع بالإسلام الخسيسة وأتم به الناقصة وأكرم به اللؤم. فلا لوم على مسلم إنما اللوم لوم الجاهلية. وفي خبر آخر نحوه، إلا انه قال( ): وأذهب به اللوم.
وقد ورد مثل ذلك في عدة روايات. حتى لعله مستفيض وهو وارد في شرف المرأة لا في شرف الرجل. وسنشير الى ذلك فيما بعد بعونه سبحانه.
المعنى الرابع: التساوي في الإيمان.
ففي مرسلة الصدوق( ) عن النبي ص: المؤمنون بعضهم أكفاء بعض.
وهي مضافاً الى ضعف سندها ليس لها مفهوم يدل على نفي الكفاءة فيما كان خارج هذه الصفة. إلا بمفهوم الوصف الذي لا نقول به.
وفي رواية أخرى( ) مما يصلح تفسيراً لذلك: المؤمن كفؤ المؤمنة والمسلم كفؤ المسلمة.
الأمر الذي يدل على أن كلا الصفتين كافية في الكفاءة وأحدهما أوسع من الأخرى لأن كل مؤمن مسلم ولا عكس. فيكون المدار على الأوسع بطبيعة الحال وهو صفة الإسلام.
المعنى الخامس: التساوي في التقوى.
وهو ما قد يظهر من بعض النصوص. فعن أبي بكر الحضرمي( ) عن أبي عبد الله ع قال: إن رسول الله ص زوج المقداد بن الأسود ضباعة ابنة الزبير بن عبد المطلب. وإنما زوجه لتتضع المناكح، وليتأسوا برسول الله ص وليعلموا إن أكرمكم عند الله أتقاكم. وقد ورد هذا النص بسندين( ).
المعنى السادس: ما دلت عليه رواية غير معتبرة( ) سنداً عن أبي عبد الله ع قال: الكفؤ أن يكون عفيفاً وعنده يسار( ).
.................................................. .................................................. .د
( ) لسان العرب: ج 1. ص 139.
( ) الوسائل: ج14. كتاب النكاح. أبواب مقدماته. الباب 26. الحديث 3.
( ) المصدر: الباب 27. الحديث 1.
( ) المصدر: الحديث 4.
( ) المصدر: الباب 27. الحديث 7.
( ) المصدر: الباب 25. الحديث 1.
( ) المصدر: الباب 26. الحديث 1.
( ) المصدر: الحديث 2.
وإذا أردنا أن نختار من هذه المعاني، بدأنا بما لا دليل عليه معتبراً وكان الدليل ضده.
فالمعنى السادس دليله ضعيف. والمعنى الخامس بمجرده غير محتمل فقهياً، كما إن المعنى الأول غير محتمل لوجود بعض الشرائط في الرجل والمرأة شرعاً غير مجرد الصلاحية للزواج، بلا إشكال.
كما إن المعنى الثاني، بالرغم من كونه هو الظاهر لغة إلا انه ملغى شرعاً جزماً. لأن كل الأدلة الواردة في تعيين الكفؤ تتفق على مضمون واحد، وهو عزل العناوين الدنيوية من المال وشرف الأسرة وغير ذلك كسبب لتعيين الكفؤ. وقد ورد في عدة حوادث حصلت بإشراف النبي ص وغيره من قادة الإسلام تزويج امرأة شريفة وعظيمة دنيوياً برجل رذيل دنيوياً. لأنه شريف وعظيم أخروياً. وحادثة( ) تزويج النبي ص جويبر ببنت لزياد بن لبيد وهو من اشرف بني بياضة حسباً. حادثة مشهورة ومروية.
وفيها يقول ( ): يا جويبر إن الله قد وضع بالإسلام من كان في الجاهلية شريفاً وشرف بالإسلام من كان في الجاهلية وضيعاً. وأعز بالإسلام من كان في الجاهلية ذليلاً. وأذهب بالإسلام ما كان من نخوة الجاهلية وتفاخرها بعشايرها وباسق أنسابها. فالناس كلهم أبيضهم وأسودهم وقرشيهم وعربيهم وعجميهم من آدم وان آدم خلقه الله من طين. وان أحب الناس الى الله أطوعهم له وأتقاه. وما أعلم يا جويبر لأحد من المسلمين عليك اليوم فضل إلا لمن كان أتقى لله منك وأورع.
بقي علينا المعنى الثالث والرابع وهما الإسلام والإيمان كشرطين للكفاءة.
والرابع، وهو الإيمان مضافاً الى ضعف دليله، فانه مدفوع بإطلاق الآية: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ( ). فإنها تشمل صورة عدم التساوي في الإيمان. وان كان التساوي فيه راجحاً جداً بطبيعة الحال. بل إن خيف وجود بعض المضاعفات الدينية مع عدم توفره، لم يجز بدونه.
فانحصر الأمر في النتيجة في المعنى الثالث، وهو شرطية الإسلام. وهو مطابق للقاعدة، ما لم يحصل دليل استثنائي موسع أو مضيق. فمثلاً إن دل دليل على جواز زواج المسلم بالكتابية مطلقاً أو بالعقد المنقطع، كان في ذلك استثناء عن هذا الشرط. كما لو دل الدليل على المنع من التزويج بشارب الخمر أو المتجاهر بالفسق وان كان مسلماً، كان ذلك تضييقاً للشرط، يعني انه لا يكفي فيه الإسلام بمجرده.
وينبغي الالتفات الى إن المعنى اللغوي للكفؤ هو النظير أو المساوي. إلا إن المصطلح الفقهي أصبح يخص ذلك بالرجل دون المرأة. من حيث انه لا يوجد هناك بحسب الحكم الإلزامي أية شرائط للمرأة، بل يجوز الزواج بأية واحدة يرغب فيها الخاطب أياً كانت صفتها. وما سمعناه من الصفات إنما هي استحبابية وليست إلزامية.
إذن، فليست هناك امرأة كفؤة. وإنما يتصف الخاطب الذكر بذلك، فيجب النظر الى صفاته لقبول خطبته، يعني تشخيص كونه كفؤاً أم لا، أما بحسب الحكم الإلزامي، كالإسلام أو الاستحبابي كالإيمان أو التقوى أو غيرهما.
وينبغي الالتفات أيضاً الى أن صفة الكفاءة على كلا المستويين الاستحبابي والإلزامي، إنما هي لأجل دفع الأقل، يعني غير المتصف بالصفة المطلوبة، دون دفع الزائد. كما لو تقدم للخطبة رجل أفضل من المرأة بكثير، فلا ينبغي أن يقال له: انك لست كفؤاً لها لأنك لست مثيلاً لها. بل أحسن منها بل إن مثل هذا سيكون أولى بالقبول والرضا شرعاً وعرفاً كما هو واضح.
فهذا هو مجمل الكلام عن معنى الكفؤ لغة واصطلاحاً.
وأما حكمه: فليس له حكم إلزامي من هذه الناحية، يعني لا يوجد خاطب يجب الموافقة عليه أو يحرم رده. ما لم تحصل له أو حوله بعض العناوين الثانوية الدينية أو الاجتماعية التي تقتضي ذلك. وهي نادرة عادة.
وإنما المهم هو الاستحباب. والمشهور: إن رد الكفؤ مرجوح جداً.
ولكننا بعد أن عرفنا إن الكفاءة في الإسلام خاصة، ونعلم إن المسلمين يختلفون جداً من حيث كثير من الصفات والملابسات. فمن الصعب القول إن رد الخاطب مرجوح لمجرد كونه مسلماً.
وإنما يكون الرد مرجوحاً، فيما إذا اتصف الخاطب بحسن الدين والأخلاق. كما نطقت بذلك الأدلة المعتبرة، التي سنسمع بعضها. وعندئذ فقط سيكون الرد مرجوحاً. ومعنى ذلك انه لا ينبغي أن نلاحظ بعد ذلك منزلته الاجتماعية والاقتصادية وغير ذلك من الصفات الدنيوية التي حاول الشارع المقدس إلغائها جهد الإمكان.
ففي الصحيح عن علي بن مهزيار قال( ): كتب علي بن اسباط الى أبي جعفرع: في أمر بناته، وانه لا يجد أحداً مثله. فكتب إليه أبو جعفرع: فهمت ما ذكرت من أمر بناتك وانك لا تجد أحداً مثلك. فلا تنظر في ذلك رحمك الله فأن رسول الله ص قال: إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير.
وعن بشار الواسطي قال( ): كتبت الى أبي جعفرع أسأله عن النكاح فكتب إليّ: من خطب إليكم فرضيتم دينه وأمانته فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير.
وهذا منهم سلام الله عليهم استشهاد بالآية الكريمة( ): إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ...الآية. وهي وان لم تكن مطبقة في سياق القرآن الكريم على النكاح ولكن القرآن الكريم واسع الصدق والانطباق يجري في الناس مجرى الشمس والقمر.
.................................................. ....................
( ) المصدر: الباب 28. الحديث 4.
( ) وهناك بعض الروايات المشابهة في المضمون لها ولا تخلو من اعتبار. إلا إنها مقيدة بما دل على الإسلام أو الإيمان بل هي منصرفة اليه باعتبار صدورها في مجتمع مسلم.
( ) انظر المصدر السابق: الباب 25. الحديث 1.
( ) المصدر السابق.
(1) سورة النساء: الآية 24.
( ) الوسائل: ج 14. كتاب النكاح. أبواب مقدماته. الباب 28. الحديث 1.
( ) المصدر: الحديث 3.
(3) سورة الأنفال: الآية 73.
وفكرة تطبيقها واضحة أيضاً، من حيث أن رد الكفؤ بهذا المعنى يحصل منه قلة التزاوج، وهو سبب لأن يبحث الشاب عن الطريق الحرام ليوفي فيه شهوته. أعوذ بالله.
وأما رد من لم يكن كذلك، أعني مرضياً خلقاً وديناً، ممن هو متصف بالإسلام. فالرواية لا تحث على قبوله، بل لها إشعار بمرجوحيته. وهو ثابت بمفهوم الوصف بل أظهر على أي حال.
ولا يحصل من رفضه المضاعفات المذكورة في الآية الكريمة. لعدة وجوه منها:
أولاً: إن في الرفض تخوفاً وتحفظاً على المرأة من الانزلاق مع الرجل غير المرضي وغير المأمون.
ثانياً: إن الخطاب في الروايات عادة الى أولئك الآباء المأمونين أخلاقاً وديناً. فإذا تقدم إليهم من هو مأمون تعين قبوله وان تقدم إليهم من هو مشكوك تعين رفضه.
إلا إن الآباء ليسوا منحصرين في أمثال أولئك، بل هم قلة في المجتمع غالباً. فالمهم: انه إذا رفض الرجل غير المأمون من قبل البعض أمكنه أن يذهب الى قوم آخرين، قد يكونون من أمثاله من قلة الدين والأخلاق، فلا يرفضونه. أو إنهم سيلاحظون فيه الصفات الدنيوية التي يريدونها فيقبلونه. وعلى أي حال فسوف لن يحصل فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ.
للسيد الشهيد الصدر الثاني قدس سره
من الجزء السادس
كتاب النكاح
فاردت نشره لنفع المؤمنين والمؤمنات به
راجيا الاجر من الله تعالى
الكفؤ
من هو الكفؤ وما هو حكمه ؟
قال ابن منظور( ): والكفئ: النظير وكذلك الكُفْء والكُفوء على فعل وفعول. والمصدر الكفاءة بالفتح والمد .
وتقول: لا كفاء له بالكسر، وهو بالأصل مصدر أي لا نظير له.
والكُفء: النظير والمساوي. ومنه الكفاءة في النكاح. وهو أن يكون الزوج مساوياً للمرأة في حسبها ودينها ونسبها وبيتها وغير ذلك.
وتكافأ الشيئان تماثلا... وفي حديث النبي ص: المسلمون تتكافأ دماؤهم. قال عبيد: يريد أن تتساوى في الديات والقصاص. فليس لشريف على وضيع فضل في ذلك. وفلان كفء فلانة: إذا كان يصلح لها بعلاً. والجمع من كل ذلك: اكفاء الى آخر ما قال.
وأما كتابة الهمزة فقد كتبها في لسان العرب مستقلة. وهو أخذ للسكون السابق عليها بنظر الاعتبار. وهذا ممكن. كما يمكن أن يؤخذ الضم السابق عليها بنظر الاعتبار فتكتب على واو. ولا يعارضه السكون المتأخر لأنه لا يقتضي شيئاً في ذاته، من أشكال الكتابة، كما لا يلغي أثر الضم السابق عليه.
ومما سبق أيضاً نعرف: إن ما عليه بعض المتأدبين من نطق الكفوء (بضم فسكون) بشكل كفؤ (بفتح فضم) غلط لغوياً. كما إن خيالهم بأن معناه: انه أهل لذلك وقادر عليه، أيضاً ليس معنى حقيقياً وإنما هو مجازي. كما لو قيل: انه كفؤ للعمل الفلاني فأنه لا يصح على وجه الحقيقة وإنما على وجه المجاز.
هذا، وحين نتحدث من جهة النكاح، الذي هو همنا في هذا الفصل. يحصل للكفؤ عدة معاني:
المعنى الأول: مجرد الصلاحية للزوجية، بعد مقايسة المرأة بالرجل شخصياً. وهذا ما سمعناه: من انه يصلح لها بعلاً.
المعنى الثاني: التساوي بينهما من جميع الوجوه الاجتماعية والاعتيادية، بحيث يعتبرهما المجتمع كفؤان أي نظيران ومتمثلان.
ولا شك إن هذا هو الأصل في استعمال الكلمة. فان حصل فيها التوسع، فأنه لا يخلو من مجاز.
وهذا هو الذي سمعناه أيضاً عن لسان العرب، من كون الزوج مساوياً للمرأة في حسبها ودينها ونسبها وبيتها وغير ذلك.
المعنى الثالث: التساوي في الإسلام.
وهو ظاهر بعض الروايات. فعن علي بن بلال( ) عن جعفر بن محمد ع. سمعته يقول: أتتكافؤ دماؤكم ولا تتكافؤ فروجكم؟
ومن الواضح تكافؤ الدماء في الإسلام إذن فكذلك تكافؤ الفروج.
وفي صحيحة ( ) زرارة عن أبي جعفرع عن علي بن الحسين ع: أما علمت إن الله رفع بالإسلام الخسيسة وأتم به الناقصة وأكرم به اللؤم. فلا لوم على مسلم إنما اللوم لوم الجاهلية. وفي خبر آخر نحوه، إلا انه قال( ): وأذهب به اللوم.
وقد ورد مثل ذلك في عدة روايات. حتى لعله مستفيض وهو وارد في شرف المرأة لا في شرف الرجل. وسنشير الى ذلك فيما بعد بعونه سبحانه.
المعنى الرابع: التساوي في الإيمان.
ففي مرسلة الصدوق( ) عن النبي ص: المؤمنون بعضهم أكفاء بعض.
وهي مضافاً الى ضعف سندها ليس لها مفهوم يدل على نفي الكفاءة فيما كان خارج هذه الصفة. إلا بمفهوم الوصف الذي لا نقول به.
وفي رواية أخرى( ) مما يصلح تفسيراً لذلك: المؤمن كفؤ المؤمنة والمسلم كفؤ المسلمة.
الأمر الذي يدل على أن كلا الصفتين كافية في الكفاءة وأحدهما أوسع من الأخرى لأن كل مؤمن مسلم ولا عكس. فيكون المدار على الأوسع بطبيعة الحال وهو صفة الإسلام.
المعنى الخامس: التساوي في التقوى.
وهو ما قد يظهر من بعض النصوص. فعن أبي بكر الحضرمي( ) عن أبي عبد الله ع قال: إن رسول الله ص زوج المقداد بن الأسود ضباعة ابنة الزبير بن عبد المطلب. وإنما زوجه لتتضع المناكح، وليتأسوا برسول الله ص وليعلموا إن أكرمكم عند الله أتقاكم. وقد ورد هذا النص بسندين( ).
المعنى السادس: ما دلت عليه رواية غير معتبرة( ) سنداً عن أبي عبد الله ع قال: الكفؤ أن يكون عفيفاً وعنده يسار( ).
.................................................. .................................................. .د
( ) لسان العرب: ج 1. ص 139.
( ) الوسائل: ج14. كتاب النكاح. أبواب مقدماته. الباب 26. الحديث 3.
( ) المصدر: الباب 27. الحديث 1.
( ) المصدر: الحديث 4.
( ) المصدر: الباب 27. الحديث 7.
( ) المصدر: الباب 25. الحديث 1.
( ) المصدر: الباب 26. الحديث 1.
( ) المصدر: الحديث 2.
وإذا أردنا أن نختار من هذه المعاني، بدأنا بما لا دليل عليه معتبراً وكان الدليل ضده.
فالمعنى السادس دليله ضعيف. والمعنى الخامس بمجرده غير محتمل فقهياً، كما إن المعنى الأول غير محتمل لوجود بعض الشرائط في الرجل والمرأة شرعاً غير مجرد الصلاحية للزواج، بلا إشكال.
كما إن المعنى الثاني، بالرغم من كونه هو الظاهر لغة إلا انه ملغى شرعاً جزماً. لأن كل الأدلة الواردة في تعيين الكفؤ تتفق على مضمون واحد، وهو عزل العناوين الدنيوية من المال وشرف الأسرة وغير ذلك كسبب لتعيين الكفؤ. وقد ورد في عدة حوادث حصلت بإشراف النبي ص وغيره من قادة الإسلام تزويج امرأة شريفة وعظيمة دنيوياً برجل رذيل دنيوياً. لأنه شريف وعظيم أخروياً. وحادثة( ) تزويج النبي ص جويبر ببنت لزياد بن لبيد وهو من اشرف بني بياضة حسباً. حادثة مشهورة ومروية.
وفيها يقول ( ): يا جويبر إن الله قد وضع بالإسلام من كان في الجاهلية شريفاً وشرف بالإسلام من كان في الجاهلية وضيعاً. وأعز بالإسلام من كان في الجاهلية ذليلاً. وأذهب بالإسلام ما كان من نخوة الجاهلية وتفاخرها بعشايرها وباسق أنسابها. فالناس كلهم أبيضهم وأسودهم وقرشيهم وعربيهم وعجميهم من آدم وان آدم خلقه الله من طين. وان أحب الناس الى الله أطوعهم له وأتقاه. وما أعلم يا جويبر لأحد من المسلمين عليك اليوم فضل إلا لمن كان أتقى لله منك وأورع.
بقي علينا المعنى الثالث والرابع وهما الإسلام والإيمان كشرطين للكفاءة.
والرابع، وهو الإيمان مضافاً الى ضعف دليله، فانه مدفوع بإطلاق الآية: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ( ). فإنها تشمل صورة عدم التساوي في الإيمان. وان كان التساوي فيه راجحاً جداً بطبيعة الحال. بل إن خيف وجود بعض المضاعفات الدينية مع عدم توفره، لم يجز بدونه.
فانحصر الأمر في النتيجة في المعنى الثالث، وهو شرطية الإسلام. وهو مطابق للقاعدة، ما لم يحصل دليل استثنائي موسع أو مضيق. فمثلاً إن دل دليل على جواز زواج المسلم بالكتابية مطلقاً أو بالعقد المنقطع، كان في ذلك استثناء عن هذا الشرط. كما لو دل الدليل على المنع من التزويج بشارب الخمر أو المتجاهر بالفسق وان كان مسلماً، كان ذلك تضييقاً للشرط، يعني انه لا يكفي فيه الإسلام بمجرده.
وينبغي الالتفات الى إن المعنى اللغوي للكفؤ هو النظير أو المساوي. إلا إن المصطلح الفقهي أصبح يخص ذلك بالرجل دون المرأة. من حيث انه لا يوجد هناك بحسب الحكم الإلزامي أية شرائط للمرأة، بل يجوز الزواج بأية واحدة يرغب فيها الخاطب أياً كانت صفتها. وما سمعناه من الصفات إنما هي استحبابية وليست إلزامية.
إذن، فليست هناك امرأة كفؤة. وإنما يتصف الخاطب الذكر بذلك، فيجب النظر الى صفاته لقبول خطبته، يعني تشخيص كونه كفؤاً أم لا، أما بحسب الحكم الإلزامي، كالإسلام أو الاستحبابي كالإيمان أو التقوى أو غيرهما.
وينبغي الالتفات أيضاً الى أن صفة الكفاءة على كلا المستويين الاستحبابي والإلزامي، إنما هي لأجل دفع الأقل، يعني غير المتصف بالصفة المطلوبة، دون دفع الزائد. كما لو تقدم للخطبة رجل أفضل من المرأة بكثير، فلا ينبغي أن يقال له: انك لست كفؤاً لها لأنك لست مثيلاً لها. بل أحسن منها بل إن مثل هذا سيكون أولى بالقبول والرضا شرعاً وعرفاً كما هو واضح.
فهذا هو مجمل الكلام عن معنى الكفؤ لغة واصطلاحاً.
وأما حكمه: فليس له حكم إلزامي من هذه الناحية، يعني لا يوجد خاطب يجب الموافقة عليه أو يحرم رده. ما لم تحصل له أو حوله بعض العناوين الثانوية الدينية أو الاجتماعية التي تقتضي ذلك. وهي نادرة عادة.
وإنما المهم هو الاستحباب. والمشهور: إن رد الكفؤ مرجوح جداً.
ولكننا بعد أن عرفنا إن الكفاءة في الإسلام خاصة، ونعلم إن المسلمين يختلفون جداً من حيث كثير من الصفات والملابسات. فمن الصعب القول إن رد الخاطب مرجوح لمجرد كونه مسلماً.
وإنما يكون الرد مرجوحاً، فيما إذا اتصف الخاطب بحسن الدين والأخلاق. كما نطقت بذلك الأدلة المعتبرة، التي سنسمع بعضها. وعندئذ فقط سيكون الرد مرجوحاً. ومعنى ذلك انه لا ينبغي أن نلاحظ بعد ذلك منزلته الاجتماعية والاقتصادية وغير ذلك من الصفات الدنيوية التي حاول الشارع المقدس إلغائها جهد الإمكان.
ففي الصحيح عن علي بن مهزيار قال( ): كتب علي بن اسباط الى أبي جعفرع: في أمر بناته، وانه لا يجد أحداً مثله. فكتب إليه أبو جعفرع: فهمت ما ذكرت من أمر بناتك وانك لا تجد أحداً مثلك. فلا تنظر في ذلك رحمك الله فأن رسول الله ص قال: إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير.
وعن بشار الواسطي قال( ): كتبت الى أبي جعفرع أسأله عن النكاح فكتب إليّ: من خطب إليكم فرضيتم دينه وأمانته فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير.
وهذا منهم سلام الله عليهم استشهاد بالآية الكريمة( ): إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ...الآية. وهي وان لم تكن مطبقة في سياق القرآن الكريم على النكاح ولكن القرآن الكريم واسع الصدق والانطباق يجري في الناس مجرى الشمس والقمر.
.................................................. ....................
( ) المصدر: الباب 28. الحديث 4.
( ) وهناك بعض الروايات المشابهة في المضمون لها ولا تخلو من اعتبار. إلا إنها مقيدة بما دل على الإسلام أو الإيمان بل هي منصرفة اليه باعتبار صدورها في مجتمع مسلم.
( ) انظر المصدر السابق: الباب 25. الحديث 1.
( ) المصدر السابق.
(1) سورة النساء: الآية 24.
( ) الوسائل: ج 14. كتاب النكاح. أبواب مقدماته. الباب 28. الحديث 1.
( ) المصدر: الحديث 3.
(3) سورة الأنفال: الآية 73.
وفكرة تطبيقها واضحة أيضاً، من حيث أن رد الكفؤ بهذا المعنى يحصل منه قلة التزاوج، وهو سبب لأن يبحث الشاب عن الطريق الحرام ليوفي فيه شهوته. أعوذ بالله.
وأما رد من لم يكن كذلك، أعني مرضياً خلقاً وديناً، ممن هو متصف بالإسلام. فالرواية لا تحث على قبوله، بل لها إشعار بمرجوحيته. وهو ثابت بمفهوم الوصف بل أظهر على أي حال.
ولا يحصل من رفضه المضاعفات المذكورة في الآية الكريمة. لعدة وجوه منها:
أولاً: إن في الرفض تخوفاً وتحفظاً على المرأة من الانزلاق مع الرجل غير المرضي وغير المأمون.
ثانياً: إن الخطاب في الروايات عادة الى أولئك الآباء المأمونين أخلاقاً وديناً. فإذا تقدم إليهم من هو مأمون تعين قبوله وان تقدم إليهم من هو مشكوك تعين رفضه.
إلا إن الآباء ليسوا منحصرين في أمثال أولئك، بل هم قلة في المجتمع غالباً. فالمهم: انه إذا رفض الرجل غير المأمون من قبل البعض أمكنه أن يذهب الى قوم آخرين، قد يكونون من أمثاله من قلة الدين والأخلاق، فلا يرفضونه. أو إنهم سيلاحظون فيه الصفات الدنيوية التي يريدونها فيقبلونه. وعلى أي حال فسوف لن يحصل فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ.
تعليق