علي في القرآن والسنة الشريفة
علي في القرآن
لقد وردت كثير من الآيات القرآنية النازلة في شأن علي عليه السلام، منها قوله: تعالى: قل كفى بالله .... علم الكتاب ) فقد أقتضى الله تبارك وتعالى أن يكون أمير المؤمنين عليه السلام شاهداً ودليلاً على نبوة خاتم الأنبياء فقال (قل ..) وعلي عليه السلام هو المقصود بمن عنده علم الكتاب، وفي آيةٍ أخرى ( على بينة من ربه....ويتلوه شاهدٍ منه ) فالذي ( على بينة من ربه) هو رسول الله صلى الله عليه وآله، أما الشاهد منه فهو علي بن أبي طالب عليه السلام. إن علي هو المعني في آية التطهير، وهو الذي نزل فيه (... لوجه الله لا نريد منكم... شكورا ).
علي في السنة الشريفة
الحديث الأول ورد في كتب الفريقين: « اللهم والي من والاه وعادي من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله » وهذا الحديث يسمى حدث الغدير. ماذا نفهم من هذا الحديث من خلال هذا الحديث نفهم أن للإمام عليه السلام مقام لا يصل إليه كل شخص، ولذا لا يجوز التقدم عليه « لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم » وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وآله: يا رسول الله ممن نأخذ العلم فقال: « خذوه من علي بن أبي طالب » وقد فهم سلمان وأبا ذر من حديث الغدير أن الرسول يريد أن يقرن اسمه مع اسم وصيه، ولذا فإن سلمان رفع صوته في الفريضة التي تلت خطبة الغدير قائلاً: أشهد أن محمد رسول الله أشهد أن علياً ولي الله، فاستغرب بعض الصحابة واعتبرها بدعة فشكى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لهم: إن الله قال لي ( ومحمد ... انقلبتم على ..) وهذا يعني أنه ينبغي علينا عدم التنازل عن الشهادة الثالثة، من باب المجارة، يقول السيد الخوئي في منهاج الصالحين في فصل الأذان: ( ويستحب أن يكمل ....الشهادة الثالثة..) ويرى الإمام الخميني أن الأقرب جزئيتها.. فلا يُصغى بعد ذلك إلى من يأمر بالتنازل عنها؛ لأن تمسكنا بها ليس من منطلق العاطفة، بل بإقرار من النبي صلى الله عليه لموقف سلمان رضوان الله عليه وفي رواية الاحتجاج يقول الإمام الصادق عليه السلام:« إذا شهدتم لرسول الله بالرسالة فاشهدوا لعلي بإمرة المؤمنين »
الحديث الثاني هذا الحديث رواه المسلمين من الخاصة والعامة، وقد صححه الذهبي في الإعتدال، وهو مروي عن النبي صلى الله عليه وآله:« من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصا الله، ومن أطاع علياً فقد أطاع الله، ومن عصا علياً فقد عصا الله »: يلفتنا آية الله العظمى الشيخ الوحيد دام ظله من خلال شرح هذا الحديث إلى أمرين: الأول: عصمة أمير المؤمنين تطلق (من) على كل عاقل له شعور من جنٍ وأنس، فمن أطاع رسول الله دخل في دائرة طاعة الله، (ومن عصاني) وخرج عن دائرة طاعة الرسول (فقد عصا الله) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله بعد أن ثبت هذا الأساس: « ومن أطاع علياً فقد أطاع الله، ومن عصا علياً فقد عصا الله » .
ثم يقول آية الله الشيخ الوحيد أن هذا الحديث يدل على عصمة أمير المؤمنين عليه السلام ويرد على من يحصر العصمة في رسول الله صلى الله عليه وآله، ووجه دلالته، أنه لو كانت لعلي عليه السلام إرادةٌ تتخلف عن إرادة الله لكان هذا الحديث المتفق عليه بين الفريقين مخطأً، وكذا لوكانت كراهته تتخلف عن كراهة الله لكان مخطأً، وهذا يعني أن علياً لا يشذ عن الله طرفة عين لا في قول ولا في فعل، فكل ما يقوله ويفعله يرضاه الله، وهذا يدل على عصمته وإلا لما كان كل ما يفعله تحت رضى الله.
لقد قرأ كثير من المسلمين هذا الحديث إلا أنهم لم يتوصلوا إلى ما ذكره آية الله الشيخ الوحيد؛ لأن الأحاديث كما يقول آية الله الشيخ الوحيد تحتاج إلى متخصص فليس كل من فتح كتاب الأحاديث فهم ما كتب فيه، فالأخبار فيها العام والخاص والمطلق والمقيد والمبهم .
الثاني: علي وجه الله:
يضيف آية الله الشيخ الوحيد: إن معنى أن إرادة علي لا تتخلف عن إرادة الله؛ أنه إذا تبسم ثغر علي كشف ذلك عن رضى الله؛ لأن إرادته فنت وذابت في إرادة الله، وكذا إذا غضب، فإن غضبه ليس كغضب شخصٍ عادي، وإنما غضبه يُعبر عن غضب الله تبارك وتعالى؛ فهو لا يريد إلا ما يريده الله ولا يكره إلا ما يكرهه الله، وبهذا نفهم السر فيما رواه الفريقين بأن علياً هو وجه الله. ثم يستنكر آية الله الشيخ الوحيد موقف ضعفاء الشيعة الذين تنفر قلوبهم عند سماع أن علي يد الله أو وجهه، إذ أن القصد من ذلك أن وحدة الله حقة حقيقية، ولا تركيب فيه، فليس له يد ولا وجه.. إلا أننا نعني بذلك أن المظهر لإرادة الله وأسراره هو علي عليه السلام. الحديث الثالث وهو حديث يرويه العامة من أهل السنة، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لما أسري بي إلى السماء رأيت ملكاً تحدق به الملائكة، فسألت أخي جبرئيل: من هذا الملك ؟ فقال: يا رسول الله أدنوا منه وسلم عليه، فلما دنوت منه رأيته علي ابن أبي طالب، قلت: يا جبرئيل هل جئت بعلي بن أبي طالب إلى السماء الرابعة قبلي، فقال: لا ولكن الملائكة شكت إلى الله شوقها لعلي بن أبي طالب فخلق الله ملكاً من نور على صورة علي بن أبي طالب، وفي كل ليلة جمعة تزور هذا الملك. مظلومية أمير المؤمنين سلام الله عليه تقديم غيره عليه لقد ظُلم علي بن أبي طالب عليه السلام حتى قدموا من لا يساويه بالفضل والعلم، فقد روي انهم جاؤ بامرأة مجنونة يريدون إقامة الحد عليها، فسألهم علياً ما بها فقالوا: إنها زنت وقد أمرنا الخليفة الثاني أن نقيم عليها الحد، فأرجعهم ومنعهم من إقامة الحد، فلما اجتمعوا مع علي عليه السلام سأله الخليفة الثاني: لما منعتهم من إقامة الحد، فقال: ألم تسمع قول النبي صلى الله عليه وآله: أن القلم مرفوع عن المجنون، فحتى لو صدر منها الزنا فإنها لا تُحد، فقال الخليفة مقولته: لولا علي لهلاك... وفي موقف آخر يُسأل عن إرث الجدة، فقال أن لا أعرف هل ترث أم لا ؟ ! والعامة تروي ذلك وتعتبر تصرف الخليفة وسؤاله عن إرث الجدة من باب التواضع.
عجباً، كيف يقدم على من كان هو مدينة العلم، ومن قال: « علمني رسول الله ألف باب من العلم يفتح لي من كل باب ألف باب من العلم » ومن قال في حقه رسول الله: « أقضاكم علي » وقال فيه: « أعلمكم علي » وهو الذي كان يقول سلام الله عليه: « سلوني قبل أن تفقدوني، فوالله ما تسأوني عن فئة تهدي مئة أو تظل مئة إلا وقد أخبرتكم بسائقها وناعقها ومن يموت موتى ومن يقتل قتلى » القرآن يثبت مظلوميته نريد أن نؤكد على ظلامة أمير المؤمنين عليه السلام، خصوصاً بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله، لأن البعض ينكر إنقلاب غالب الأمة على علي عليه السلام، وكيف ينكر هؤلاء والقرآن يشهد بذلك ( أفإن ...) فالمخاطب في الآية ليس فرد واحد بل جماعة ( إنقلبتم )، وفي كتاب إحقاق الحق للسيد المرعشي يقول النبي صلى الله عليه وآله: ياعلي ستظلمك الأمة من بعدي.
فتركه الجميع ولم يجاهد معه إلا زوجته فاطمة الزهراء عليها السلام، التي أخذت تدور على بيوت المهاجرين والأنصار أربعين ليلة تذكرهم ببيعة الغدير، كل ذلك من أجل الولاية ودفاعاً عن الإمامة، وهذا هو السبب من وراء المطالبة بفدك، وقد تنبه ابن أبي الحديد لذلك، فقال لأستاذه وشيخه النقيب: أكان الخليفة الأول يعلم أن فاطمة صادقة وهي تطالب بفدك، قال: أي والله كان يعلم أنها صادقة، قال ابن أبي الحديد:
إذاً لما لم يعطها فدك، قال: يخاف إن أعطاها فدك تطالبه بالخلافة لعليٍ عليه السلام... وكان مصير مجاهدتها أن كسر ظلعها وأسقط جنينها، فذاب جسمها وأصبح كالخيال. فيماذا أنقلبت الأمة إن الإنقلاب الذي تشير إليه الآية ليس في ترك الصلاة أو الحج أو الصوم إذا لم يسمع في التاريخ عن ذلك الإنقلاب بل ما تركوه أهم من ذلك وهو ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام. وظيفة الأمة على العلماء والآباء والمربين وظيفتان مهمتان:
الأولى: تربية الأجيال على حب علي ابن أبي طالب.
الثانية: تربيتهم على بغض أعداء علي بن أبي طالب. وقد دلت على ذلك أحاديث كثيرة، منها : « إن من أحب علي دخل الجنة ومن أبغضه دخل النار » لأن من عصى علياً فقد عصا الرسول ومن عصا الرسول عصا الله، ومن عصا الله أكبه الله على منخريه في النار جهنم، وورد: « حب عليٍ إيمان وبغضه كفر » شيء من سيرته الطاهرة إستشارة أصحابه بعد زواجه من الزهراء عليها السلام، لم يتزوج أمير المؤمنين سلام الله عليه امرأة أخرى؛ لأنها سيدة العالمين، أما بعد وفاتها فقد طلب من عقيل أن يبحث له امرأة ولدتها الفحول من الرجال.
وهذ الأمر قد يثير إشكالاً عند البعض، إذ كيف يستشير وهو أعلم الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ والسبب في ذلك أن أمير المؤمنين أراد أن يرشد الأمة إلى إستشارة المتخصصين في كل فن فهم الأولى في ذلك، وهذا تأسيس لقاعدة وهي وجوب الرجوع إلى أهل الخبرة فيما هم مختصين فيه، ففي التقليد يجب الرجوع إلى ذوي الخبرة المختصين؛ لتحديد المرجع الصالح لتقليد، وكذا من تريد الرجوع إليه من الأطباء في علاج مرضك، فلابد أن تتيقن من أهليته في علاج مرضك، وتتأكد من عدم وجود شهادة أطباء آخرين يجرحون فيه.
تربيته لأصحابه قرأه الشهيد السيد محمد باقر الصدر: أن أمير المؤمنين كان يربي أصحابه على قاعدة، وهي: « أعرف الحق تعرف أهله » والذي حدث عند حرب الجمل وصفين عكس ذلك حيث أراد البعض أن يعرف الحق بمعرفتهم للرجال أولاً، فكانوا يقولون هذا الزبير وهذا طلحة، وهما من أصحاب رسول الله فهما على حق، والبعض وجد أن الطرفين من أصحاب النبي فظن أن كليهما على حق، وقد وُجِد رجل في الحرب يرمي هنا سهماً ورمحاً، وعلى علي سهم ورمح؛ لأنه إنطلق من معرفة الحق إنطلاقاً من تقييمه للرجال. مخالطته للمجتمع كان سلام الله عليه ينزل الأسواق وينصح التجار، الغافلين، ويقول: « من اتجر بغير فقه فقد إرتطم في الربا » فكما أن للصلاة شرائط وأركان فكذلك البيع والشراء له شروط؛ فهناك شرائط للعوضين والمتبايعين. وقد كان علي عليه السلام، كثير التذكير بالموت، حتى أن أحد أصحابه أشترى داراً واسعة، فقال له: ياعاصم ما الحاجة لهذه الدار الواسعة، فقال: أنها دارٌ أحبها، فقال له: إنك تستطيع أن تصل بها إلى الآخرة إن أنت جعلتها مأوىً لضيف ووسعتها على أرحامك وبها أطعت الله وأخرجت الحقوق من مخارجها.
دخل سلام الله عليه السوق ذات يوم ليبيع سيفه، وهو يقول: لو كان عندي ما أشتري به قميصاً لما احتجت أن أبيع سيفي، وكان يشتري القميص بثلاث دراهم ويشتري أخر بدرهمين، فيعطي قميصه الأغلى لخادمه قنبر، ويقول: « لأنك شباب ونفسك ترغب فيه، أما أنا فإنه ينبغي أن أواسي الفقراء، وإني أستحي الله أن أفضل نفسي عليك في الملبس يا قنبر »
من محاضرات العلامة الشيخ علي الدهنين بتاريخ : 21/9/1422هـ
علي في القرآن
لقد وردت كثير من الآيات القرآنية النازلة في شأن علي عليه السلام، منها قوله: تعالى: قل كفى بالله .... علم الكتاب ) فقد أقتضى الله تبارك وتعالى أن يكون أمير المؤمنين عليه السلام شاهداً ودليلاً على نبوة خاتم الأنبياء فقال (قل ..) وعلي عليه السلام هو المقصود بمن عنده علم الكتاب، وفي آيةٍ أخرى ( على بينة من ربه....ويتلوه شاهدٍ منه ) فالذي ( على بينة من ربه) هو رسول الله صلى الله عليه وآله، أما الشاهد منه فهو علي بن أبي طالب عليه السلام. إن علي هو المعني في آية التطهير، وهو الذي نزل فيه (... لوجه الله لا نريد منكم... شكورا ).
علي في السنة الشريفة
الحديث الأول ورد في كتب الفريقين: « اللهم والي من والاه وعادي من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله » وهذا الحديث يسمى حدث الغدير. ماذا نفهم من هذا الحديث من خلال هذا الحديث نفهم أن للإمام عليه السلام مقام لا يصل إليه كل شخص، ولذا لا يجوز التقدم عليه « لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم » وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وآله: يا رسول الله ممن نأخذ العلم فقال: « خذوه من علي بن أبي طالب » وقد فهم سلمان وأبا ذر من حديث الغدير أن الرسول يريد أن يقرن اسمه مع اسم وصيه، ولذا فإن سلمان رفع صوته في الفريضة التي تلت خطبة الغدير قائلاً: أشهد أن محمد رسول الله أشهد أن علياً ولي الله، فاستغرب بعض الصحابة واعتبرها بدعة فشكى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لهم: إن الله قال لي ( ومحمد ... انقلبتم على ..) وهذا يعني أنه ينبغي علينا عدم التنازل عن الشهادة الثالثة، من باب المجارة، يقول السيد الخوئي في منهاج الصالحين في فصل الأذان: ( ويستحب أن يكمل ....الشهادة الثالثة..) ويرى الإمام الخميني أن الأقرب جزئيتها.. فلا يُصغى بعد ذلك إلى من يأمر بالتنازل عنها؛ لأن تمسكنا بها ليس من منطلق العاطفة، بل بإقرار من النبي صلى الله عليه لموقف سلمان رضوان الله عليه وفي رواية الاحتجاج يقول الإمام الصادق عليه السلام:« إذا شهدتم لرسول الله بالرسالة فاشهدوا لعلي بإمرة المؤمنين »
الحديث الثاني هذا الحديث رواه المسلمين من الخاصة والعامة، وقد صححه الذهبي في الإعتدال، وهو مروي عن النبي صلى الله عليه وآله:« من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصا الله، ومن أطاع علياً فقد أطاع الله، ومن عصا علياً فقد عصا الله »: يلفتنا آية الله العظمى الشيخ الوحيد دام ظله من خلال شرح هذا الحديث إلى أمرين: الأول: عصمة أمير المؤمنين تطلق (من) على كل عاقل له شعور من جنٍ وأنس، فمن أطاع رسول الله دخل في دائرة طاعة الله، (ومن عصاني) وخرج عن دائرة طاعة الرسول (فقد عصا الله) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله بعد أن ثبت هذا الأساس: « ومن أطاع علياً فقد أطاع الله، ومن عصا علياً فقد عصا الله » .
ثم يقول آية الله الشيخ الوحيد أن هذا الحديث يدل على عصمة أمير المؤمنين عليه السلام ويرد على من يحصر العصمة في رسول الله صلى الله عليه وآله، ووجه دلالته، أنه لو كانت لعلي عليه السلام إرادةٌ تتخلف عن إرادة الله لكان هذا الحديث المتفق عليه بين الفريقين مخطأً، وكذا لوكانت كراهته تتخلف عن كراهة الله لكان مخطأً، وهذا يعني أن علياً لا يشذ عن الله طرفة عين لا في قول ولا في فعل، فكل ما يقوله ويفعله يرضاه الله، وهذا يدل على عصمته وإلا لما كان كل ما يفعله تحت رضى الله.
لقد قرأ كثير من المسلمين هذا الحديث إلا أنهم لم يتوصلوا إلى ما ذكره آية الله الشيخ الوحيد؛ لأن الأحاديث كما يقول آية الله الشيخ الوحيد تحتاج إلى متخصص فليس كل من فتح كتاب الأحاديث فهم ما كتب فيه، فالأخبار فيها العام والخاص والمطلق والمقيد والمبهم .
الثاني: علي وجه الله:
يضيف آية الله الشيخ الوحيد: إن معنى أن إرادة علي لا تتخلف عن إرادة الله؛ أنه إذا تبسم ثغر علي كشف ذلك عن رضى الله؛ لأن إرادته فنت وذابت في إرادة الله، وكذا إذا غضب، فإن غضبه ليس كغضب شخصٍ عادي، وإنما غضبه يُعبر عن غضب الله تبارك وتعالى؛ فهو لا يريد إلا ما يريده الله ولا يكره إلا ما يكرهه الله، وبهذا نفهم السر فيما رواه الفريقين بأن علياً هو وجه الله. ثم يستنكر آية الله الشيخ الوحيد موقف ضعفاء الشيعة الذين تنفر قلوبهم عند سماع أن علي يد الله أو وجهه، إذ أن القصد من ذلك أن وحدة الله حقة حقيقية، ولا تركيب فيه، فليس له يد ولا وجه.. إلا أننا نعني بذلك أن المظهر لإرادة الله وأسراره هو علي عليه السلام. الحديث الثالث وهو حديث يرويه العامة من أهل السنة، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لما أسري بي إلى السماء رأيت ملكاً تحدق به الملائكة، فسألت أخي جبرئيل: من هذا الملك ؟ فقال: يا رسول الله أدنوا منه وسلم عليه، فلما دنوت منه رأيته علي ابن أبي طالب، قلت: يا جبرئيل هل جئت بعلي بن أبي طالب إلى السماء الرابعة قبلي، فقال: لا ولكن الملائكة شكت إلى الله شوقها لعلي بن أبي طالب فخلق الله ملكاً من نور على صورة علي بن أبي طالب، وفي كل ليلة جمعة تزور هذا الملك. مظلومية أمير المؤمنين سلام الله عليه تقديم غيره عليه لقد ظُلم علي بن أبي طالب عليه السلام حتى قدموا من لا يساويه بالفضل والعلم، فقد روي انهم جاؤ بامرأة مجنونة يريدون إقامة الحد عليها، فسألهم علياً ما بها فقالوا: إنها زنت وقد أمرنا الخليفة الثاني أن نقيم عليها الحد، فأرجعهم ومنعهم من إقامة الحد، فلما اجتمعوا مع علي عليه السلام سأله الخليفة الثاني: لما منعتهم من إقامة الحد، فقال: ألم تسمع قول النبي صلى الله عليه وآله: أن القلم مرفوع عن المجنون، فحتى لو صدر منها الزنا فإنها لا تُحد، فقال الخليفة مقولته: لولا علي لهلاك... وفي موقف آخر يُسأل عن إرث الجدة، فقال أن لا أعرف هل ترث أم لا ؟ ! والعامة تروي ذلك وتعتبر تصرف الخليفة وسؤاله عن إرث الجدة من باب التواضع.
عجباً، كيف يقدم على من كان هو مدينة العلم، ومن قال: « علمني رسول الله ألف باب من العلم يفتح لي من كل باب ألف باب من العلم » ومن قال في حقه رسول الله: « أقضاكم علي » وقال فيه: « أعلمكم علي » وهو الذي كان يقول سلام الله عليه: « سلوني قبل أن تفقدوني، فوالله ما تسأوني عن فئة تهدي مئة أو تظل مئة إلا وقد أخبرتكم بسائقها وناعقها ومن يموت موتى ومن يقتل قتلى » القرآن يثبت مظلوميته نريد أن نؤكد على ظلامة أمير المؤمنين عليه السلام، خصوصاً بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله، لأن البعض ينكر إنقلاب غالب الأمة على علي عليه السلام، وكيف ينكر هؤلاء والقرآن يشهد بذلك ( أفإن ...) فالمخاطب في الآية ليس فرد واحد بل جماعة ( إنقلبتم )، وفي كتاب إحقاق الحق للسيد المرعشي يقول النبي صلى الله عليه وآله: ياعلي ستظلمك الأمة من بعدي.
فتركه الجميع ولم يجاهد معه إلا زوجته فاطمة الزهراء عليها السلام، التي أخذت تدور على بيوت المهاجرين والأنصار أربعين ليلة تذكرهم ببيعة الغدير، كل ذلك من أجل الولاية ودفاعاً عن الإمامة، وهذا هو السبب من وراء المطالبة بفدك، وقد تنبه ابن أبي الحديد لذلك، فقال لأستاذه وشيخه النقيب: أكان الخليفة الأول يعلم أن فاطمة صادقة وهي تطالب بفدك، قال: أي والله كان يعلم أنها صادقة، قال ابن أبي الحديد:
إذاً لما لم يعطها فدك، قال: يخاف إن أعطاها فدك تطالبه بالخلافة لعليٍ عليه السلام... وكان مصير مجاهدتها أن كسر ظلعها وأسقط جنينها، فذاب جسمها وأصبح كالخيال. فيماذا أنقلبت الأمة إن الإنقلاب الذي تشير إليه الآية ليس في ترك الصلاة أو الحج أو الصوم إذا لم يسمع في التاريخ عن ذلك الإنقلاب بل ما تركوه أهم من ذلك وهو ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام. وظيفة الأمة على العلماء والآباء والمربين وظيفتان مهمتان:
الأولى: تربية الأجيال على حب علي ابن أبي طالب.
الثانية: تربيتهم على بغض أعداء علي بن أبي طالب. وقد دلت على ذلك أحاديث كثيرة، منها : « إن من أحب علي دخل الجنة ومن أبغضه دخل النار » لأن من عصى علياً فقد عصا الرسول ومن عصا الرسول عصا الله، ومن عصا الله أكبه الله على منخريه في النار جهنم، وورد: « حب عليٍ إيمان وبغضه كفر » شيء من سيرته الطاهرة إستشارة أصحابه بعد زواجه من الزهراء عليها السلام، لم يتزوج أمير المؤمنين سلام الله عليه امرأة أخرى؛ لأنها سيدة العالمين، أما بعد وفاتها فقد طلب من عقيل أن يبحث له امرأة ولدتها الفحول من الرجال.
وهذ الأمر قد يثير إشكالاً عند البعض، إذ كيف يستشير وهو أعلم الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ والسبب في ذلك أن أمير المؤمنين أراد أن يرشد الأمة إلى إستشارة المتخصصين في كل فن فهم الأولى في ذلك، وهذا تأسيس لقاعدة وهي وجوب الرجوع إلى أهل الخبرة فيما هم مختصين فيه، ففي التقليد يجب الرجوع إلى ذوي الخبرة المختصين؛ لتحديد المرجع الصالح لتقليد، وكذا من تريد الرجوع إليه من الأطباء في علاج مرضك، فلابد أن تتيقن من أهليته في علاج مرضك، وتتأكد من عدم وجود شهادة أطباء آخرين يجرحون فيه.
تربيته لأصحابه قرأه الشهيد السيد محمد باقر الصدر: أن أمير المؤمنين كان يربي أصحابه على قاعدة، وهي: « أعرف الحق تعرف أهله » والذي حدث عند حرب الجمل وصفين عكس ذلك حيث أراد البعض أن يعرف الحق بمعرفتهم للرجال أولاً، فكانوا يقولون هذا الزبير وهذا طلحة، وهما من أصحاب رسول الله فهما على حق، والبعض وجد أن الطرفين من أصحاب النبي فظن أن كليهما على حق، وقد وُجِد رجل في الحرب يرمي هنا سهماً ورمحاً، وعلى علي سهم ورمح؛ لأنه إنطلق من معرفة الحق إنطلاقاً من تقييمه للرجال. مخالطته للمجتمع كان سلام الله عليه ينزل الأسواق وينصح التجار، الغافلين، ويقول: « من اتجر بغير فقه فقد إرتطم في الربا » فكما أن للصلاة شرائط وأركان فكذلك البيع والشراء له شروط؛ فهناك شرائط للعوضين والمتبايعين. وقد كان علي عليه السلام، كثير التذكير بالموت، حتى أن أحد أصحابه أشترى داراً واسعة، فقال له: ياعاصم ما الحاجة لهذه الدار الواسعة، فقال: أنها دارٌ أحبها، فقال له: إنك تستطيع أن تصل بها إلى الآخرة إن أنت جعلتها مأوىً لضيف ووسعتها على أرحامك وبها أطعت الله وأخرجت الحقوق من مخارجها.
دخل سلام الله عليه السوق ذات يوم ليبيع سيفه، وهو يقول: لو كان عندي ما أشتري به قميصاً لما احتجت أن أبيع سيفي، وكان يشتري القميص بثلاث دراهم ويشتري أخر بدرهمين، فيعطي قميصه الأغلى لخادمه قنبر، ويقول: « لأنك شباب ونفسك ترغب فيه، أما أنا فإنه ينبغي أن أواسي الفقراء، وإني أستحي الله أن أفضل نفسي عليك في الملبس يا قنبر »
من محاضرات العلامة الشيخ علي الدهنين بتاريخ : 21/9/1422هـ