بسمه تعالى...........
هذه الرواية من تأليفي وراح أضعها على حسب الفصول الموجودة فيها وأنشاء الله تعجبكم وأنشاء الله أرى رايكم فيها........
منذُ أن خلق الله سبحانه وتعالى الخلق و أوجد فيهم كل مقومات التي تجعلهم يتكيفون للعيش على سطح هذه الأرض وكيف يتعاملون مع بعضهم البعض ، وأوجد فيهم حب التآلف والاختلاط وتعارف على بعضهم ، وجعل فيهم العقل والمشاعر ووضع الضوابط في التحكم بين العقل والمشاعر لكي يتعايشوا مع بعضهم البعض ، ولكن من يوجد لديه جانب يطغي على جانب فهذا يخل بنظام الذي من أساس خلق الخلق ، وذلك يكون أما يطغي العقل على المشاعر وتختفي المشاعر وتجف كالنهر حينما يجف منه الماء فتصبح قلوبهم قاسية ، وأما أن تطغى المشاعر على العقل فأن ذلك يجعل الغريزة تندفع لارتكاب الأخطاء وكما حصل في قصة أبناء آدم عليه السلام حينما طغت المشاعر على العقل إلى أن ذلك أدى إلى القتل ، وغيرها من القصص في عالمنا حينما يطغي جانب على جانب أخر وتختل فيه الضوابط أو الابتعاد عن تلك الضوابط ويختفي الحق في تحقيق الرغبات وراء مشاعر قد لا تكون مشاعر نبيلة فتطغي على الحقيقة التي لا تطول في الاختفاء مهما كانت الدوافع....
(أتألم، أنني أتألم، أتألم بشده، ألمً شديد ينتشِرُ في جسدي)، هكذا بدئت الرسالة التي قرأه (علي) لما كان أمام شاطئ البحر وهو يلعب مع أبناء القرية، لما التقط (علي) ُزجاجةً تحمل هذه الرسالة غريبة ، و ليس الغريب في شكلها ولكن أيضاً في مضمونها حيثُ أنها تنُم عن مُعاناة وألمً لشخصً ما ، أو قد تكون وصفً لما يلقاهُ ذلك الشخص من تعذيب أو مرضً قد أصابهُ أو محنةً قد يمر بها، ولم تكتمل الرسالة ولكنها خطت بهذه الكلمات فقط وبخط اليد....
لم يكترث (علي ) لهذه الرسالة وما تحتوي عليها تلك الرسالة من سر غامض حول تلك الشخصية لأنه لا يعلم في هذه الأمور وما يحدث منها إذا حصل وأن جرت له ، أو إلى ما قد يحصل له بعد ذلك إذا أحتفظ بها، كان من عادة (علي) أنه يحب تجميع الأشياء الغريبة لذلك أخذ (علي) تلك الرسالة ، لا لشيء ولكن حب التجميع والفضول هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فكر في معرفة قصة الرجل الذي يعاني ، فأخذها وذهب بها مسرعً إلى المنزل ووضعها في صندوق صغير الحجم ووضع الصندوق في دولابه ، فقطا ذلك الصندوق بثيابهِ ليحتفظ بتك الرسالة.....
كان الصندوق هدية أعطاه إياه والده في عيد ميلاده الفائت ، عيد ميلاده الذي كان أشبه بيوم عزاء يملئه الحزن حيث لم يحضر فيه أحد سوى هو ووالديه ، لأن والده لم يستطع أن يعمل له عيد ميلاد كبير ليحضر فيه أصحابه ، حاله كحال بقيت الأولاد الذين في سنه ويملون حفلته بالهدايا والحلويات وكل شيء يتعلق بعيد الميلاد لكي يصبح عيد ميلاده كبير....
أما الصندوق الهدية الغالية على قلب (علي) فكان صغير الحجم لكنه يعد ثمينا عند (علي) ليس بالسعر فقط ، فقد كان سعر الصندوق قليل وذلك لحالة أبيه المادية، ولكن يعد ثمينا لما عليه من زخارف وأشكال هندسية متقنة الصنع ينم عن مهارة الصانع، ولأنه أول هديه يتلقاها في حياته ففرح به شديدا لدرجة أنه وضعه بجانبه وهو نائم....
وعندما وضع (علي) الرسالة في الصندوق خرج من غرفتهُ مسرعا لكي يذهب ليكمل لعبه مع أولاد القرية ، وعند خروجه لم يكن يظهر على وجههِ آي علامة تعجب حيال ذلك ، و نسى أمر تلك الرسالةَ ولم يُفكر فيها أو أن يُريها أحداً من الذين يعرفهم ولا حتى والديهِ....
وفي خروجه نسى أن يسلم على أمه التي تعودت منه أن يسلم عليها كلما خرج أو دخل المنزل، فلذلك تعجبت أمه لما سمعت الباب وهو يفتح ويغلق، كانت تعرف أنه هو لأنها تميز بين خطواته وخطوات أبيه، خرج (علي) دون أن يقول لها كلمة ( إلى ألقاء يا أماه) أو حتى يقبل رأسها أو على خدها كعادته أو يقف قليلا أمام المكان الذي تكون أمه فيه ويبتسم بهدوء حتى تنتبه أمه بوجوده....
ظل ( علي) ناسياً لأمر تلك الرسالة الغريبة حيثُ كان يظن أنها مجرد رسالة عادية...
(علي) ذاك الصبي الذي لا يتجاوز(الحادي عشر) من عمره، والذي لم يتم تعليمه لسبب أنه يساعد والده الفقير في مهنته، حيثُ كان يعمل والده في صيد الأسماك على ضفاف ذلك البحر الذي كان قريبا من منزلهم الصغير.
(علي) الصبي الذي طالما تمنى أن يكمل تعليمه ويأخذ أعلى الشهادات، كان (علي) يحلم أن يكون طبيباً يعالج المرضى ويشفيهم بأذن الله من أمراضهم وألأمهم.
كان والد (علي) العم ( عبدالله) والخالة (مريم) يملكان منزلا صغير جداً بجانب شاطئ البحر ويعتبر نهاية القرية التي يسكنون فيها...
العم (عبدالله) رجل لا نقول أنه تجاوز الخمسين من عمره ولكن أقترب منها ، والهم الذي أصابه جعله أكبر سننا ، والشيب الذي خطى رأسه يجعله كبير في العمر، كان العم (عبدالله) يفكرا كثيرا في كيف يسعد زوجته وأبنه وكيف يؤمن لقمة العيش لهما ، وكان العم صاحب قامة ، عالي المنكبين ، ذو لحية كثيفة تنم على وقار ، ذا هيبة إذا حضر مجالس الرجال ، ذا منطق وحكمة ينم عن عقلا راجح وحنكه ودرايا بخبايا الأمور وكأنه عاصر الدنيا بأزمانها ، على الرغم أنه لم يتعلم ولكنه يخط خطا بسيط بالقلم ، وكان يحاول أن يكتب كثيرا لكي يتحسن خطه ، وكان يهتم بالقراءة أيضا ، ويحضر مجالس الشيوخ ومحضراتهم ، وكان يبحث عن الكتب القديمة التي تحوي فيها علوم شتى لذلك كان أهل القرية يأخذون برأيه ، ولذلك جعل أبنه يقرأ من تلك الكتب في أوقات فراغه على الرغم أنه لم يجعل أبنه يتعلم مثل الذين في عمره عند شيخ المسجد أو في المدرسة التي كان يدرس فيها قبل أن يقرر أخراجه منها ، لأنه أراده إن يساعده في عمله ، كذالك يريده أن يكون مثله صاحب هيبة بين الناس وسمعه طيبه....
هكذا هو العم (عبدالله) الذي لا يسمع عنه ألا كل خير، وكان يتصف بطيبة القلب والأخلاق الحميدة ....
أما الخالة(مريم) التي لا تبعد كثيرا من العم (عبدالله) في عمرها ألا سنوات قليلة ، ولكنها امرأة ذات خلق عالي لا يفوق زوجها عنها في أخلاقه ، وعرفت أيضا بجمالها الأخاذ على الرغم من كبرها في السن، فكيف وهي في شبابها؟
وأيضا عرفت بثقافتها ورجاحة عقلها فأنها تعلمت عند امرأة تعلم القران والكتابة ووصلت مرحله لا بأس من التعليم ولولا زواجها بالعم (عبدالله) لا أكملت تعليمها...
وعلى هذا الأساس تزوجها العم (عبدالله) لما تتصف من الصفات التي لا تتوفر في أي أمراءه في هذا زمن ، لأنه كان يريد امرأة تفهمه و تسانده وتحمل عنه هموم الزمن وتكون معه في السراء والضراء وهذا حلم أي رجل في نظره ، وتنجب له أبناء يكنون سندا له ويحملنه في كبره وينسونه همومه لكي يعوضوه مكان الأخوة الذين لم يكتب الله أن يكون له أخوة ، وتساعده على تربيتهم وإنشائهم على الأخلاق الحميدة ، وهذا أيضا حلم أي أمراءه في هذه الدنيا رجل يساندها ويساعدها على تربية أبناء المستقبل ويكون عونا لها على مصاعب الحياة ومشقاها....
وعلى الرغم من أن تعليمهما بسيط لكن حلمهما كان كبير ، ولكن شاء القدر أن يرزقا بابن واحد....
لقد كانت الخالة (مريم) هي أيضا الأبنة الوحيدة لأمها وأبيها لذلك كانت الأبنة لمدلله لدى والديها، وكانا يتمنيان أن يتزوجها رجل يسعدها ، رجل غني بالأخلاقه وماله ولكن القدر جعل العم (عبدالله) هو من أصبح زوجا لها على الرغم من فقره، ولكنه صاحب سمعه طيبه لذا وافقت هي على أن يكون زوجا لها رغم أنها غنيه بمال أبيها وأنها كانت المدللة لديهم ولكنها فضلت الزواج منه على أن تتزوج رجل يملك فقط المال وتكون معه غير سعيدة ، هي فكرة بعقلها لا بقلبها ودلالها....
أما عن مال أبيها الذي تركه لها فقد تبرعت بجزء منه والباقي أنفقته على نفسها الآن زوجها كان لا يرضى أن تنفق عليه لأن في نظره أن هذا المال مالها، فقد كان يقول لها (هو من حقكِ وليس لي شيء منه وأنه هو من يجب أن ينفق عليها وعلى أبني الوحيد ولو كنتِ تملك كنوز الكون بأسره) لذلك فأنه يعمل بجد لكي ينفق عليهما....
كانت الخالة(مريم) ليس فقط جميلة ولكنها ذكية قد ادخرت جزءا من المال الباقي لزمن، فقد كان اعتقادها أنه قد يأتي يوما ما يحتاجون له....
أما عن فقره العم (عبدالله)، فأي فقر لدى العم (عبدالله)؟
سوى منزلا صغير يسكن هو وزوجته الطيبه وأبنه الوحيد الذي لم يأتي ألا بعد سنوات طويلة على زواجه من تلك الزوجة الصالحة فلم ينجبا سواه ، لذالك عدت هذه العائلة في القرية بأصغر عائلة....
أما عن المنزل الذي يسكنون فيه والذي لا يتسع ألا لعائلة صغيرة ، فأنه يتكون من غرفتين و مطبخ صغير ودورة مياه صغيرة ودرجا يودي إلى سطح المنزل، وفتحتا تتوسط سقف المنزل ليدخل من خلالها الهواء النقي ، وكانت الفتحة تحتوي على شباك من حديد قوي ليحميهم من اللصوص ، ونافذتين واحدة في غرفة الوالدين والأخرى في غرفة الابن....
ففي النهار يكون المنزل منيرا بأشعة الشمس الذهبية التي تدفئهم قليلا في الشتاء إذا جلسوا في وسط المنزل ، وتحرقهم في الصيف بحرارتها المحرقة....
أما عن الضوء إذا جاء الليل فأنهم يستخدمون الفوانيس لإنارة المنزل على الرغم أن الكهرباء قد دخلت إلى معظم منازل القرية ، وذالك لمن كان لديه القدرة على إدخال الكهرباء إلى منزله ، أما العم (عبدالله) فأنه لا يستطيع أن يدفع مبلغ من المال الإدخال الكهرباء إلى منزله ، المبلغ المطلوب كان كبير على الرغم أن زوجته تتملك من المال ما يسمح بذالك ، ولكنها تعلم ردت فعل زوجها اتجاه مالها لذلك تحملت وصبرت لعله يفكر في هذا الأمر ، ولا ننسى برودة الليل في أيام الشتاء القارس ، فهم يفتقدون المدفئة أيضا لتدفئهم في الشتاء....
هذا هو المنزل الذي ورثه العم (عبدالله) من والده وكان هو أيضا الابن الوحيد الأبوية ، وورث أيضا من والده مهنة الصيد التي توارثوها أبا عن جد ، وقاربا صغير يستخدمه في مهنته....
فالمنزل مكون من غرفة صغيرة مربعة الشكل ، وهي للعم (عبدالله) والخالة (مريم) ينامان فيها وتوجد نافذة صغيرة تطل على البحر، و بجانبها المطبخ الذي يقابل غرفة (علي) التي تحت الدرج ، والذي لا يوجد فيه غير فرنا صغيرا ودولابا للأواني قديم الشكل ولونه قد بدأ يذهب عنه ، أما عن الماء فأنهم يبردونه في جرة صغيرة....
أما عن غرفة الابن فتوجد فيها نافذة أيضا صغيرة تطل على الجهة الأخرى للقرية ، أما دورة المياه فكانت بجانب الدرج القريب من باب الخروج فهي أيضا صغيرة ، أما المسافة التي بين غرفة الوالدين والابن مسافة قصيرة جدا ، أما عن غرفة الابن فكانت أيضا مربعة الشكل وصغيرة....
على الرغم من قدم المنزل والغرف صغيرة التي توجد فيه ، ودرجه الضيق المظلم في الليل ، والذي يودي إلى السطح الذي كان يعد أشبه بالمهجور ، وجدران المنزل المتأكله ولونه القديم الذي لم يتبقى منه شيء سوء قليل ، لكنه يحيا بالاحترام والتقدير والتعاون بين أعضاء العائلة صغيرة المكونة من ثلاث أشخاص ولا يوجد في هذا القرية من عائلة تفتقر السند والعزوة والعائلة الكبيرة التي تكون لها القوة على غدر الزمان مثل عائلة العم (عبدالله) ، وكانت العائلة سعيدة على الرغم من فقرها....
لنعد مرة أخرى لـ(علي) قد كان يحب اللعب كبقية الصبيان الذين في عمره ولكن عمل أبيه لا يسمح له بالعلب كثيرا لا في أوقات قليلة ، وقد يكون الوقت الأنسب من بعد صلاة العصر إلى أذان المغرب ، وليس دائما حيث أنه يأتي من البحر متعب منهك القوى فلا يستطيع أن يلعب حتى لو أذن له أبيه بذالك..
كان (علي) عندما يعود من العمل يذهب إلى المنزل يستريح ثم يتناول وجبة الغداء وبعدها يجلس مع أمه يتحدث أليها وأحيانا يساعدها في أعمال المنزل أو يقرا من الكتب التي عند والده وليس أي كتب ولكن الكتب التي تناسب عقله وسنه إلى أن يحين وقت صلاة المغرب فيذهب مع أبيه لصلاة في المسجد ثم يرجع إلى المنزل ويتناول وجبة العشاء ثم ينام لكي يستيقظ لصلاة الفجر ثم العمل، هكذا كان نظام (علي) قبل أيام ويلعب إذا سمحت له الفرصة بذالك....
ولكن وبعد أول الرسالة التي حصل عليها أنقلب نظامه وأنقلب حاله لم يعد ذاك الصبي المطيع وصاحب الخلق الرفيع الذي عُرف به وتميز به بين أبناء القرية ، وحتى أن رجال القرية يشهدون له بالتربية الصالحة ويتمنون لو أبنائهم يكنون مثله ، أصبح بعد ذالك عنيف وصعب التعامل معه ولا يذهب مع أبيه إلى الصيد دائما ولم يعد يهتم بالقراءة ، وحتى مساعدة أمه مثل ما كان يعمل سابقاً لم يعد يفعل الآن ، لأنه أصبح مختلف عن السابق اختلافا كبيرا، فكان الأب يرى أبنه على هذه الحالة، ولكن ماذا يفعل له سوى الدعاء له....
فذات يوم وكعادته العم (عبدالله) مثل كل يوم يستيقظ عند أذان الفجر ويوقظ (علي) الذي أصبح يتكاسل عن الاستيقاظ لكي لا يذهب معه إلى صلاة الفجر والعمل، ولكن هذه المرة أستيقظ ليذهبه مع أبيه إلى مسجد القرية لأداء صلاة الفجر كأن القدر رسم له في هذا اليوم موعدا مع رسالة جديدة، فبعد صلاة الفجر ذهبا إلى البحر مبكرين ليستطيعا أن يصادا أكبر كمية من السمك ليبيعونها بعد صلاة الظهر في السوق ، فبعد ما أبحر العم (عبدالله) وابنه بقاربه الأزرق الصغير رمى بشبكة التي تبدوا ممزقه وقديمه وانتظرا طويلا ، ومع هذا الانتظار الطويل تسللا الملل إلى قلب (علي) من طول الانتظار، ولكن وبعد فترة فإذا بالشبكة قد اهتزت فأحس العم (عبدالله) بالخير الوفير ولكنه لا يعلم بأن القدر ينتظر أبنه مع هذه الشبكة الممتلئة بالأسماك....
أخذ يدفع العم و أبنه الشبكة بكل حماس ليجدوا الخير فيها مما جعلهم يستخرجان الشبكة بسرعة ليستخرجان السمك ويضعانه في الصندوق المخصص لهم..
وبعد أخارجهم الشبكة من البحر وفي أثناء أخارجهما الأسماك من الشبكة ويضعانه في الصندوق فإذا العم يجد زجاجة وفي داخلها ورقة وكان يريد أن يرميها ولكن (علي) طلب من والده أن يحتفظ بها ، في بادئ الأمر لم يرضى العم لذالك ولكن بعد إلحاح الابن أعطاه إياه....
فرح (علي) لذالك فرح شديد وتحمس للعمل أكثر من قبل ، لعله يرى مثل هذه الزجاجة كلما ذهب إلى الصيد ، وراء الأب ذالك الفرح على وجه أبنه وحماسه للعمل فوعده إذا بقي على حماسه سيعطيه كل زجاجة تحمل فيها ورقة بعد أن أخبره (علي) بأنه يهوى تجميع الزجاجات اللاتي تحمل في داخلهن أوراق قديمه، ونعلم أن العم(عبدالله) يعلم أن بعض الحكايات تروى فيها أساطير حول الزجاجة التي تحمل بداخلها ورقة ، و لكن الأب كان لا يرد أن يكسر خاطر أبنه الوحيد الذي لم يرزق بغيره في أي شي يرديه وخصوصا بعد أن حرمه من نعمة التعلم فلم يشاء أن يرده في أي شيء يطلبه ، وأعتقد أن ذالك سوف يعيد ابنه إلى سابق عهده ، هكذا يظن لأنه لا يعلم أن القدر لا يرد ذالك.....
وبعد يوم شاق ووفيرة في الأسماك عاد العم (عبدالله) وأبنه من الصيد محملين بالأسماك ليبيعوها في السوق بعد صلاة الظهر..
ذهبوا بعد الصيد إلى المنزل وتناول وجبة الغداء التي أعدتها الخالة (مريم) أن تعدها لهم في وقتها المناسب لكي إذا عادا المنزل يجدون ما يأكلون ، وكانت الوجبة من أشهى ما طبختها الخالة من طعام في ذالك اليوم كعادتها ، فهي وعلى الرغم من قلت أصناف الطعام التي تعملها ولعدم وجود الأشياء التي تساعدها على عمل أشهى الأطعمة ، لكنها تتفنن بأعداد الطعام لزوجها وأبنها الذين يأتيان إلى المنزل كل يوم متعبان من عمل شاق ومن حرارة الشمس الحارقة....
وبعد الطعام استراح العم بعد غداءا شهيا ، أما (علي) فأنه ذهب إلى غرفته و لم يفكر أن يستريح ، ذهب مسرعا إلى غرفته لكي يضع الزجاجة في الصندوق مع التي وضعها قبل ذلك ، وكان يريد أن يضعها قبل لغداء ولكن والده قال له (لا تستعجل فالطعام أولا من تلك الزجاجة بعد يوم شاق) لذلك لم يضعها ألا بعد تناوله طعامه....
ولكن وقبل أن يضع (علي) الزجاجة فكر أن يقرأ ما هو مكتوب فيها فقرر أن يفتح الزجاجة ، حاول (علي) يفتحها ولكن رآها مغلقة بأحكام فذهب إلى والده لكي يفتحها له ، لأنه يرى أبوه قويا فحاول العم أن يفتحها ففتحها وأعطاها إياه ففرح كثيرا وشكر والده على ذالك ، فذهب إلى غرفته مسرعا ليقرأ ما هو مكتوب في الورقة ، فإذا به يقرأ كلاما قليلا يشابه ما كان مكتوب في تلك الورقة التي وضعها في الصندوق من قبل ، ليس فقط مشابه ولكنه أحس أنها مكمله تلك الرسالة ومكملة للذي كان مكتوب من قبل ، حيث كان مكتوب ( أعلم أنك قرأت ما كتبته من قبل ولكن أيردك أن تساعدني ، لا أريدك فقط أن تقرأ ، أرجوك ألمي يزداد كل يوم، أني أرهم يطفون حولي كأنهم وحوش ، ساعدنـــي)....
تعجب (علي) من هذه الرسالة التي تحتوي على معانات شخص يعيش في مكان بعيد و قديم ما ، لأن الورقة التي كتبت فيها الرسالة قديمة وممزقة قليلا من جوانبها تدل على قدمها وأن الشخص الذي كتبها من زمن قديم...
أزداد الفضول عند (علي) أن يعرف ماذا يحدث لذالك الرجل ، وما الذي يحصل عليه من أمور غريبة ، وما هذه المعانات والألالم التي يعاني منها ، ولكنه أحس أن قصة ذالك الرجل ليست مكتملة ، فقرر أن يضع الرسالة مع التي كانت موجودة في الصندوق من قبل ، وأن يبحث عن بقيت الرسائل لكي يعرف ما قصة ذالك الرجل؟؟
بعد أن وضع (علي) الرسالة في الصندوق ووضع الصندوق في دولابه ذهب ليجلس مع والديه ، فجلس وهو شارد الذهن يفكر في قصة الرجل وما يجري عليه ، وهو كذالك لُحظة عليه الشرود فإذا العم (عبدالله) يسأله عن سبب شروده وعن الذي يشغل ذهنه بهذا الشكل الكبير فأجابه لا شيء سوا أنه متعب من عمل اليوم ، وأنه يفكر هل سيربحون من كمية السمك التي أصتادوها؟
قال له العم ( أن الأرزاق على الله ومهما كانت كمية الصيد فأن العمل الحلال لا يأتي منه لا حلال وان الحلال هو الأساس في العيش لكي ينام الإنسان وهو مرتاح)....
كان هذا الكلام له وقع كبير في نفس (علي) حيث أنه ربط ذالك بالرسالتين وما قرأ فيهما لذالك سأل أبيه سؤال تعجب منه الأب وأحس أن أبنه يفكر في أمور تسبق سنه ، حيث سأل عن (هل الحرام والرزق الحرام يجعل الإنسان يعاني ويتألم ويتعذب في دنياها قبل الآخرة؟)..
فأجاب الأب وهو متعجب كيف جاء هذا السؤال إلى تفكير أبنه؟
(نعم يأبني أن عدل الله سبحانه وتعالى كبير حيث أراد أن يري الإنسان كيف يكون أكل الحرام وما هي عواقب أكل الحرام في الدنيا قبل الآخرة ، وعندنا أمثله كثيرة من الأقوام السابقة التي عذبها الله من أكل الحرام وغير أكل الحرام من الذنوب أحيانا أو ارتكاب المعاصي في الدنيا)
فقال الابن (وهل العقاب يكون كبير؟)
قال الأب ( لا .. أنما على حسب العمل الذي عمله إذا كان كبير أم صغير، و و و....)
وفي هذه الأثناء أخذ (علي) يفكر في حديث والده وما قرائه من الرسالتين ، وهو يفكر فإذا بالعم (عبدالله) يطلب منه أن يستعد معه إلى السوق لبيع السمك الذي أصتادوها في الصباح فستجاب (علي) لطلب أبيه لكنه استأذن ليغير ملابسه فأذن له ، وهو ذاهب إلى غرفته وعيناه تنظران إلى الأمام ورجلاه تخطى الأرض خط وعقله شارد في حديث أبيه فإذا به يصحو من شروده على صوت يهز وجدانه يخرج من غرفته ، فإذا به يذهب مسرعا إلى غرفته وكأنه على موعد مع الموت كلما خطى خطواته بسرعة ، ولكن كلما أقترب من غرفته ينخفض الصوت تدريجا ، وحينما دخل غرفته أنقطع الصوت نهائيا وكان لم يكن الصوت الذي سمعه له وجود ، فأخذ يفكر في هذا الصوت الذي كان قويا ومن أين جاء هذا الصوت ؟
كان الصوت مفزع ينم عن ألم وعذاب وأنين لشخص يعيش معانات التعذيب والألم وأنين من حرارة قلب معذب....
أخذ يبحث (علي) عن مصدر الصوت ولكن توقفه عن البحث لأن والده أصبح يناديه لكي لا يتأخران عن السوق فلبس ملابسه فذهب مسرعا إلى أبيه وذهبه معه ولكن فكره مشغول لما جرى له ، وهم في السوق كان الناس مزدحمين يبحثون عن السمك وكأن السمك سوف يختفي في هذا اليوم إذا لم يشتروا منه، فلذلك كان الربح اليوم كبير حتى العم لم يصدق ذالك....
أما الابن فكان شاردا في ما جرى وهل يلقى رسالة جديدة تكمل حكاية الرجل و يفهم ما يحدث له، هكذا أصبح حاله من بعد الرسالة الثانية والحديث الذي جرى بينه وبين أبيه عن العقاب والمعانات التي قد تصيب شخصا ما حتى أنه كادا أن ينسى أنه في السوق وأن عليه أن ينتبه للبيع حتى أبيه تدخل وأيقظه من شروده الذي كادا أن يخسرا مبلغ من المال بسب ذالك الشرود.....
عاد (علي) مع أبيه إلى المنزل وكان الأب مسرورا من الربح الذي أجناه من بيع الأسماك التي كان يخاف أن لن تباع أو يتبقى منها كميه ولكن القدر شاء أن تباع الأسماك كلها لكي يتحسن حاله قليلا ، ويفرح بالمكسب الذي أجناه من البيع....
لما عادا إلى المنزل وكان عودتهم عند أذان المغرب أخذ الأب يغير ملابسه ويتوضأ لكي يذهب إلى صلاة المغرب وطلب من أبنه كذالك حتى يذهبا إلى المسجد...
أحس (علي) أن التفكير في أمر الرجل والصوت والرسالتين قد أتعبه فقرر أن يترك التفكير ولكنه لا يعلم أن الأمر لا يتركه ، وقال في نفسه أن عليه أن يذهب ويتوضأ ويصلي لكي ينام بعد يوم شاق من العمل والبيع في السوق لذالك ترك التفكير...
أختكم في الله(سهام النور)............. ودمتم سالمين................
هذه الرواية من تأليفي وراح أضعها على حسب الفصول الموجودة فيها وأنشاء الله تعجبكم وأنشاء الله أرى رايكم فيها........
المقدمة
منذُ أن خلق الله سبحانه وتعالى الخلق و أوجد فيهم كل مقومات التي تجعلهم يتكيفون للعيش على سطح هذه الأرض وكيف يتعاملون مع بعضهم البعض ، وأوجد فيهم حب التآلف والاختلاط وتعارف على بعضهم ، وجعل فيهم العقل والمشاعر ووضع الضوابط في التحكم بين العقل والمشاعر لكي يتعايشوا مع بعضهم البعض ، ولكن من يوجد لديه جانب يطغي على جانب فهذا يخل بنظام الذي من أساس خلق الخلق ، وذلك يكون أما يطغي العقل على المشاعر وتختفي المشاعر وتجف كالنهر حينما يجف منه الماء فتصبح قلوبهم قاسية ، وأما أن تطغى المشاعر على العقل فأن ذلك يجعل الغريزة تندفع لارتكاب الأخطاء وكما حصل في قصة أبناء آدم عليه السلام حينما طغت المشاعر على العقل إلى أن ذلك أدى إلى القتل ، وغيرها من القصص في عالمنا حينما يطغي جانب على جانب أخر وتختل فيه الضوابط أو الابتعاد عن تلك الضوابط ويختفي الحق في تحقيق الرغبات وراء مشاعر قد لا تكون مشاعر نبيلة فتطغي على الحقيقة التي لا تطول في الاختفاء مهما كانت الدوافع....
الفصل الأول
لم يكترث (علي ) لهذه الرسالة وما تحتوي عليها تلك الرسالة من سر غامض حول تلك الشخصية لأنه لا يعلم في هذه الأمور وما يحدث منها إذا حصل وأن جرت له ، أو إلى ما قد يحصل له بعد ذلك إذا أحتفظ بها، كان من عادة (علي) أنه يحب تجميع الأشياء الغريبة لذلك أخذ (علي) تلك الرسالة ، لا لشيء ولكن حب التجميع والفضول هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فكر في معرفة قصة الرجل الذي يعاني ، فأخذها وذهب بها مسرعً إلى المنزل ووضعها في صندوق صغير الحجم ووضع الصندوق في دولابه ، فقطا ذلك الصندوق بثيابهِ ليحتفظ بتك الرسالة.....
كان الصندوق هدية أعطاه إياه والده في عيد ميلاده الفائت ، عيد ميلاده الذي كان أشبه بيوم عزاء يملئه الحزن حيث لم يحضر فيه أحد سوى هو ووالديه ، لأن والده لم يستطع أن يعمل له عيد ميلاد كبير ليحضر فيه أصحابه ، حاله كحال بقيت الأولاد الذين في سنه ويملون حفلته بالهدايا والحلويات وكل شيء يتعلق بعيد الميلاد لكي يصبح عيد ميلاده كبير....
أما الصندوق الهدية الغالية على قلب (علي) فكان صغير الحجم لكنه يعد ثمينا عند (علي) ليس بالسعر فقط ، فقد كان سعر الصندوق قليل وذلك لحالة أبيه المادية، ولكن يعد ثمينا لما عليه من زخارف وأشكال هندسية متقنة الصنع ينم عن مهارة الصانع، ولأنه أول هديه يتلقاها في حياته ففرح به شديدا لدرجة أنه وضعه بجانبه وهو نائم....
وعندما وضع (علي) الرسالة في الصندوق خرج من غرفتهُ مسرعا لكي يذهب ليكمل لعبه مع أولاد القرية ، وعند خروجه لم يكن يظهر على وجههِ آي علامة تعجب حيال ذلك ، و نسى أمر تلك الرسالةَ ولم يُفكر فيها أو أن يُريها أحداً من الذين يعرفهم ولا حتى والديهِ....
وفي خروجه نسى أن يسلم على أمه التي تعودت منه أن يسلم عليها كلما خرج أو دخل المنزل، فلذلك تعجبت أمه لما سمعت الباب وهو يفتح ويغلق، كانت تعرف أنه هو لأنها تميز بين خطواته وخطوات أبيه، خرج (علي) دون أن يقول لها كلمة ( إلى ألقاء يا أماه) أو حتى يقبل رأسها أو على خدها كعادته أو يقف قليلا أمام المكان الذي تكون أمه فيه ويبتسم بهدوء حتى تنتبه أمه بوجوده....
ظل ( علي) ناسياً لأمر تلك الرسالة الغريبة حيثُ كان يظن أنها مجرد رسالة عادية...
(علي) ذاك الصبي الذي لا يتجاوز(الحادي عشر) من عمره، والذي لم يتم تعليمه لسبب أنه يساعد والده الفقير في مهنته، حيثُ كان يعمل والده في صيد الأسماك على ضفاف ذلك البحر الذي كان قريبا من منزلهم الصغير.
(علي) الصبي الذي طالما تمنى أن يكمل تعليمه ويأخذ أعلى الشهادات، كان (علي) يحلم أن يكون طبيباً يعالج المرضى ويشفيهم بأذن الله من أمراضهم وألأمهم.
كان والد (علي) العم ( عبدالله) والخالة (مريم) يملكان منزلا صغير جداً بجانب شاطئ البحر ويعتبر نهاية القرية التي يسكنون فيها...
العم (عبدالله) رجل لا نقول أنه تجاوز الخمسين من عمره ولكن أقترب منها ، والهم الذي أصابه جعله أكبر سننا ، والشيب الذي خطى رأسه يجعله كبير في العمر، كان العم (عبدالله) يفكرا كثيرا في كيف يسعد زوجته وأبنه وكيف يؤمن لقمة العيش لهما ، وكان العم صاحب قامة ، عالي المنكبين ، ذو لحية كثيفة تنم على وقار ، ذا هيبة إذا حضر مجالس الرجال ، ذا منطق وحكمة ينم عن عقلا راجح وحنكه ودرايا بخبايا الأمور وكأنه عاصر الدنيا بأزمانها ، على الرغم أنه لم يتعلم ولكنه يخط خطا بسيط بالقلم ، وكان يحاول أن يكتب كثيرا لكي يتحسن خطه ، وكان يهتم بالقراءة أيضا ، ويحضر مجالس الشيوخ ومحضراتهم ، وكان يبحث عن الكتب القديمة التي تحوي فيها علوم شتى لذلك كان أهل القرية يأخذون برأيه ، ولذلك جعل أبنه يقرأ من تلك الكتب في أوقات فراغه على الرغم أنه لم يجعل أبنه يتعلم مثل الذين في عمره عند شيخ المسجد أو في المدرسة التي كان يدرس فيها قبل أن يقرر أخراجه منها ، لأنه أراده إن يساعده في عمله ، كذالك يريده أن يكون مثله صاحب هيبة بين الناس وسمعه طيبه....
هكذا هو العم (عبدالله) الذي لا يسمع عنه ألا كل خير، وكان يتصف بطيبة القلب والأخلاق الحميدة ....
أما الخالة(مريم) التي لا تبعد كثيرا من العم (عبدالله) في عمرها ألا سنوات قليلة ، ولكنها امرأة ذات خلق عالي لا يفوق زوجها عنها في أخلاقه ، وعرفت أيضا بجمالها الأخاذ على الرغم من كبرها في السن، فكيف وهي في شبابها؟
وأيضا عرفت بثقافتها ورجاحة عقلها فأنها تعلمت عند امرأة تعلم القران والكتابة ووصلت مرحله لا بأس من التعليم ولولا زواجها بالعم (عبدالله) لا أكملت تعليمها...
وعلى هذا الأساس تزوجها العم (عبدالله) لما تتصف من الصفات التي لا تتوفر في أي أمراءه في هذا زمن ، لأنه كان يريد امرأة تفهمه و تسانده وتحمل عنه هموم الزمن وتكون معه في السراء والضراء وهذا حلم أي رجل في نظره ، وتنجب له أبناء يكنون سندا له ويحملنه في كبره وينسونه همومه لكي يعوضوه مكان الأخوة الذين لم يكتب الله أن يكون له أخوة ، وتساعده على تربيتهم وإنشائهم على الأخلاق الحميدة ، وهذا أيضا حلم أي أمراءه في هذه الدنيا رجل يساندها ويساعدها على تربية أبناء المستقبل ويكون عونا لها على مصاعب الحياة ومشقاها....
وعلى الرغم من أن تعليمهما بسيط لكن حلمهما كان كبير ، ولكن شاء القدر أن يرزقا بابن واحد....
لقد كانت الخالة (مريم) هي أيضا الأبنة الوحيدة لأمها وأبيها لذلك كانت الأبنة لمدلله لدى والديها، وكانا يتمنيان أن يتزوجها رجل يسعدها ، رجل غني بالأخلاقه وماله ولكن القدر جعل العم (عبدالله) هو من أصبح زوجا لها على الرغم من فقره، ولكنه صاحب سمعه طيبه لذا وافقت هي على أن يكون زوجا لها رغم أنها غنيه بمال أبيها وأنها كانت المدللة لديهم ولكنها فضلت الزواج منه على أن تتزوج رجل يملك فقط المال وتكون معه غير سعيدة ، هي فكرة بعقلها لا بقلبها ودلالها....
أما عن مال أبيها الذي تركه لها فقد تبرعت بجزء منه والباقي أنفقته على نفسها الآن زوجها كان لا يرضى أن تنفق عليه لأن في نظره أن هذا المال مالها، فقد كان يقول لها (هو من حقكِ وليس لي شيء منه وأنه هو من يجب أن ينفق عليها وعلى أبني الوحيد ولو كنتِ تملك كنوز الكون بأسره) لذلك فأنه يعمل بجد لكي ينفق عليهما....
كانت الخالة(مريم) ليس فقط جميلة ولكنها ذكية قد ادخرت جزءا من المال الباقي لزمن، فقد كان اعتقادها أنه قد يأتي يوما ما يحتاجون له....
أما عن فقره العم (عبدالله)، فأي فقر لدى العم (عبدالله)؟
سوى منزلا صغير يسكن هو وزوجته الطيبه وأبنه الوحيد الذي لم يأتي ألا بعد سنوات طويلة على زواجه من تلك الزوجة الصالحة فلم ينجبا سواه ، لذالك عدت هذه العائلة في القرية بأصغر عائلة....
أما عن المنزل الذي يسكنون فيه والذي لا يتسع ألا لعائلة صغيرة ، فأنه يتكون من غرفتين و مطبخ صغير ودورة مياه صغيرة ودرجا يودي إلى سطح المنزل، وفتحتا تتوسط سقف المنزل ليدخل من خلالها الهواء النقي ، وكانت الفتحة تحتوي على شباك من حديد قوي ليحميهم من اللصوص ، ونافذتين واحدة في غرفة الوالدين والأخرى في غرفة الابن....
ففي النهار يكون المنزل منيرا بأشعة الشمس الذهبية التي تدفئهم قليلا في الشتاء إذا جلسوا في وسط المنزل ، وتحرقهم في الصيف بحرارتها المحرقة....
أما عن الضوء إذا جاء الليل فأنهم يستخدمون الفوانيس لإنارة المنزل على الرغم أن الكهرباء قد دخلت إلى معظم منازل القرية ، وذالك لمن كان لديه القدرة على إدخال الكهرباء إلى منزله ، أما العم (عبدالله) فأنه لا يستطيع أن يدفع مبلغ من المال الإدخال الكهرباء إلى منزله ، المبلغ المطلوب كان كبير على الرغم أن زوجته تتملك من المال ما يسمح بذالك ، ولكنها تعلم ردت فعل زوجها اتجاه مالها لذلك تحملت وصبرت لعله يفكر في هذا الأمر ، ولا ننسى برودة الليل في أيام الشتاء القارس ، فهم يفتقدون المدفئة أيضا لتدفئهم في الشتاء....
هذا هو المنزل الذي ورثه العم (عبدالله) من والده وكان هو أيضا الابن الوحيد الأبوية ، وورث أيضا من والده مهنة الصيد التي توارثوها أبا عن جد ، وقاربا صغير يستخدمه في مهنته....
فالمنزل مكون من غرفة صغيرة مربعة الشكل ، وهي للعم (عبدالله) والخالة (مريم) ينامان فيها وتوجد نافذة صغيرة تطل على البحر، و بجانبها المطبخ الذي يقابل غرفة (علي) التي تحت الدرج ، والذي لا يوجد فيه غير فرنا صغيرا ودولابا للأواني قديم الشكل ولونه قد بدأ يذهب عنه ، أما عن الماء فأنهم يبردونه في جرة صغيرة....
أما عن غرفة الابن فتوجد فيها نافذة أيضا صغيرة تطل على الجهة الأخرى للقرية ، أما دورة المياه فكانت بجانب الدرج القريب من باب الخروج فهي أيضا صغيرة ، أما المسافة التي بين غرفة الوالدين والابن مسافة قصيرة جدا ، أما عن غرفة الابن فكانت أيضا مربعة الشكل وصغيرة....
على الرغم من قدم المنزل والغرف صغيرة التي توجد فيه ، ودرجه الضيق المظلم في الليل ، والذي يودي إلى السطح الذي كان يعد أشبه بالمهجور ، وجدران المنزل المتأكله ولونه القديم الذي لم يتبقى منه شيء سوء قليل ، لكنه يحيا بالاحترام والتقدير والتعاون بين أعضاء العائلة صغيرة المكونة من ثلاث أشخاص ولا يوجد في هذا القرية من عائلة تفتقر السند والعزوة والعائلة الكبيرة التي تكون لها القوة على غدر الزمان مثل عائلة العم (عبدالله) ، وكانت العائلة سعيدة على الرغم من فقرها....
لنعد مرة أخرى لـ(علي) قد كان يحب اللعب كبقية الصبيان الذين في عمره ولكن عمل أبيه لا يسمح له بالعلب كثيرا لا في أوقات قليلة ، وقد يكون الوقت الأنسب من بعد صلاة العصر إلى أذان المغرب ، وليس دائما حيث أنه يأتي من البحر متعب منهك القوى فلا يستطيع أن يلعب حتى لو أذن له أبيه بذالك..
كان (علي) عندما يعود من العمل يذهب إلى المنزل يستريح ثم يتناول وجبة الغداء وبعدها يجلس مع أمه يتحدث أليها وأحيانا يساعدها في أعمال المنزل أو يقرا من الكتب التي عند والده وليس أي كتب ولكن الكتب التي تناسب عقله وسنه إلى أن يحين وقت صلاة المغرب فيذهب مع أبيه لصلاة في المسجد ثم يرجع إلى المنزل ويتناول وجبة العشاء ثم ينام لكي يستيقظ لصلاة الفجر ثم العمل، هكذا كان نظام (علي) قبل أيام ويلعب إذا سمحت له الفرصة بذالك....
ولكن وبعد أول الرسالة التي حصل عليها أنقلب نظامه وأنقلب حاله لم يعد ذاك الصبي المطيع وصاحب الخلق الرفيع الذي عُرف به وتميز به بين أبناء القرية ، وحتى أن رجال القرية يشهدون له بالتربية الصالحة ويتمنون لو أبنائهم يكنون مثله ، أصبح بعد ذالك عنيف وصعب التعامل معه ولا يذهب مع أبيه إلى الصيد دائما ولم يعد يهتم بالقراءة ، وحتى مساعدة أمه مثل ما كان يعمل سابقاً لم يعد يفعل الآن ، لأنه أصبح مختلف عن السابق اختلافا كبيرا، فكان الأب يرى أبنه على هذه الحالة، ولكن ماذا يفعل له سوى الدعاء له....
فذات يوم وكعادته العم (عبدالله) مثل كل يوم يستيقظ عند أذان الفجر ويوقظ (علي) الذي أصبح يتكاسل عن الاستيقاظ لكي لا يذهب معه إلى صلاة الفجر والعمل، ولكن هذه المرة أستيقظ ليذهبه مع أبيه إلى مسجد القرية لأداء صلاة الفجر كأن القدر رسم له في هذا اليوم موعدا مع رسالة جديدة، فبعد صلاة الفجر ذهبا إلى البحر مبكرين ليستطيعا أن يصادا أكبر كمية من السمك ليبيعونها بعد صلاة الظهر في السوق ، فبعد ما أبحر العم (عبدالله) وابنه بقاربه الأزرق الصغير رمى بشبكة التي تبدوا ممزقه وقديمه وانتظرا طويلا ، ومع هذا الانتظار الطويل تسللا الملل إلى قلب (علي) من طول الانتظار، ولكن وبعد فترة فإذا بالشبكة قد اهتزت فأحس العم (عبدالله) بالخير الوفير ولكنه لا يعلم بأن القدر ينتظر أبنه مع هذه الشبكة الممتلئة بالأسماك....
أخذ يدفع العم و أبنه الشبكة بكل حماس ليجدوا الخير فيها مما جعلهم يستخرجان الشبكة بسرعة ليستخرجان السمك ويضعانه في الصندوق المخصص لهم..
وبعد أخارجهم الشبكة من البحر وفي أثناء أخارجهما الأسماك من الشبكة ويضعانه في الصندوق فإذا العم يجد زجاجة وفي داخلها ورقة وكان يريد أن يرميها ولكن (علي) طلب من والده أن يحتفظ بها ، في بادئ الأمر لم يرضى العم لذالك ولكن بعد إلحاح الابن أعطاه إياه....
فرح (علي) لذالك فرح شديد وتحمس للعمل أكثر من قبل ، لعله يرى مثل هذه الزجاجة كلما ذهب إلى الصيد ، وراء الأب ذالك الفرح على وجه أبنه وحماسه للعمل فوعده إذا بقي على حماسه سيعطيه كل زجاجة تحمل فيها ورقة بعد أن أخبره (علي) بأنه يهوى تجميع الزجاجات اللاتي تحمل في داخلهن أوراق قديمه، ونعلم أن العم(عبدالله) يعلم أن بعض الحكايات تروى فيها أساطير حول الزجاجة التي تحمل بداخلها ورقة ، و لكن الأب كان لا يرد أن يكسر خاطر أبنه الوحيد الذي لم يرزق بغيره في أي شي يرديه وخصوصا بعد أن حرمه من نعمة التعلم فلم يشاء أن يرده في أي شيء يطلبه ، وأعتقد أن ذالك سوف يعيد ابنه إلى سابق عهده ، هكذا يظن لأنه لا يعلم أن القدر لا يرد ذالك.....
وبعد يوم شاق ووفيرة في الأسماك عاد العم (عبدالله) وأبنه من الصيد محملين بالأسماك ليبيعوها في السوق بعد صلاة الظهر..
ذهبوا بعد الصيد إلى المنزل وتناول وجبة الغداء التي أعدتها الخالة (مريم) أن تعدها لهم في وقتها المناسب لكي إذا عادا المنزل يجدون ما يأكلون ، وكانت الوجبة من أشهى ما طبختها الخالة من طعام في ذالك اليوم كعادتها ، فهي وعلى الرغم من قلت أصناف الطعام التي تعملها ولعدم وجود الأشياء التي تساعدها على عمل أشهى الأطعمة ، لكنها تتفنن بأعداد الطعام لزوجها وأبنها الذين يأتيان إلى المنزل كل يوم متعبان من عمل شاق ومن حرارة الشمس الحارقة....
وبعد الطعام استراح العم بعد غداءا شهيا ، أما (علي) فأنه ذهب إلى غرفته و لم يفكر أن يستريح ، ذهب مسرعا إلى غرفته لكي يضع الزجاجة في الصندوق مع التي وضعها قبل ذلك ، وكان يريد أن يضعها قبل لغداء ولكن والده قال له (لا تستعجل فالطعام أولا من تلك الزجاجة بعد يوم شاق) لذلك لم يضعها ألا بعد تناوله طعامه....
ولكن وقبل أن يضع (علي) الزجاجة فكر أن يقرأ ما هو مكتوب فيها فقرر أن يفتح الزجاجة ، حاول (علي) يفتحها ولكن رآها مغلقة بأحكام فذهب إلى والده لكي يفتحها له ، لأنه يرى أبوه قويا فحاول العم أن يفتحها ففتحها وأعطاها إياه ففرح كثيرا وشكر والده على ذالك ، فذهب إلى غرفته مسرعا ليقرأ ما هو مكتوب في الورقة ، فإذا به يقرأ كلاما قليلا يشابه ما كان مكتوب في تلك الورقة التي وضعها في الصندوق من قبل ، ليس فقط مشابه ولكنه أحس أنها مكمله تلك الرسالة ومكملة للذي كان مكتوب من قبل ، حيث كان مكتوب ( أعلم أنك قرأت ما كتبته من قبل ولكن أيردك أن تساعدني ، لا أريدك فقط أن تقرأ ، أرجوك ألمي يزداد كل يوم، أني أرهم يطفون حولي كأنهم وحوش ، ساعدنـــي)....
تعجب (علي) من هذه الرسالة التي تحتوي على معانات شخص يعيش في مكان بعيد و قديم ما ، لأن الورقة التي كتبت فيها الرسالة قديمة وممزقة قليلا من جوانبها تدل على قدمها وأن الشخص الذي كتبها من زمن قديم...
أزداد الفضول عند (علي) أن يعرف ماذا يحدث لذالك الرجل ، وما الذي يحصل عليه من أمور غريبة ، وما هذه المعانات والألالم التي يعاني منها ، ولكنه أحس أن قصة ذالك الرجل ليست مكتملة ، فقرر أن يضع الرسالة مع التي كانت موجودة في الصندوق من قبل ، وأن يبحث عن بقيت الرسائل لكي يعرف ما قصة ذالك الرجل؟؟
بعد أن وضع (علي) الرسالة في الصندوق ووضع الصندوق في دولابه ذهب ليجلس مع والديه ، فجلس وهو شارد الذهن يفكر في قصة الرجل وما يجري عليه ، وهو كذالك لُحظة عليه الشرود فإذا العم (عبدالله) يسأله عن سبب شروده وعن الذي يشغل ذهنه بهذا الشكل الكبير فأجابه لا شيء سوا أنه متعب من عمل اليوم ، وأنه يفكر هل سيربحون من كمية السمك التي أصتادوها؟
قال له العم ( أن الأرزاق على الله ومهما كانت كمية الصيد فأن العمل الحلال لا يأتي منه لا حلال وان الحلال هو الأساس في العيش لكي ينام الإنسان وهو مرتاح)....
كان هذا الكلام له وقع كبير في نفس (علي) حيث أنه ربط ذالك بالرسالتين وما قرأ فيهما لذالك سأل أبيه سؤال تعجب منه الأب وأحس أن أبنه يفكر في أمور تسبق سنه ، حيث سأل عن (هل الحرام والرزق الحرام يجعل الإنسان يعاني ويتألم ويتعذب في دنياها قبل الآخرة؟)..
فأجاب الأب وهو متعجب كيف جاء هذا السؤال إلى تفكير أبنه؟
(نعم يأبني أن عدل الله سبحانه وتعالى كبير حيث أراد أن يري الإنسان كيف يكون أكل الحرام وما هي عواقب أكل الحرام في الدنيا قبل الآخرة ، وعندنا أمثله كثيرة من الأقوام السابقة التي عذبها الله من أكل الحرام وغير أكل الحرام من الذنوب أحيانا أو ارتكاب المعاصي في الدنيا)
فقال الابن (وهل العقاب يكون كبير؟)
قال الأب ( لا .. أنما على حسب العمل الذي عمله إذا كان كبير أم صغير، و و و....)
وفي هذه الأثناء أخذ (علي) يفكر في حديث والده وما قرائه من الرسالتين ، وهو يفكر فإذا بالعم (عبدالله) يطلب منه أن يستعد معه إلى السوق لبيع السمك الذي أصتادوها في الصباح فستجاب (علي) لطلب أبيه لكنه استأذن ليغير ملابسه فأذن له ، وهو ذاهب إلى غرفته وعيناه تنظران إلى الأمام ورجلاه تخطى الأرض خط وعقله شارد في حديث أبيه فإذا به يصحو من شروده على صوت يهز وجدانه يخرج من غرفته ، فإذا به يذهب مسرعا إلى غرفته وكأنه على موعد مع الموت كلما خطى خطواته بسرعة ، ولكن كلما أقترب من غرفته ينخفض الصوت تدريجا ، وحينما دخل غرفته أنقطع الصوت نهائيا وكان لم يكن الصوت الذي سمعه له وجود ، فأخذ يفكر في هذا الصوت الذي كان قويا ومن أين جاء هذا الصوت ؟
كان الصوت مفزع ينم عن ألم وعذاب وأنين لشخص يعيش معانات التعذيب والألم وأنين من حرارة قلب معذب....
أخذ يبحث (علي) عن مصدر الصوت ولكن توقفه عن البحث لأن والده أصبح يناديه لكي لا يتأخران عن السوق فلبس ملابسه فذهب مسرعا إلى أبيه وذهبه معه ولكن فكره مشغول لما جرى له ، وهم في السوق كان الناس مزدحمين يبحثون عن السمك وكأن السمك سوف يختفي في هذا اليوم إذا لم يشتروا منه، فلذلك كان الربح اليوم كبير حتى العم لم يصدق ذالك....
أما الابن فكان شاردا في ما جرى وهل يلقى رسالة جديدة تكمل حكاية الرجل و يفهم ما يحدث له، هكذا أصبح حاله من بعد الرسالة الثانية والحديث الذي جرى بينه وبين أبيه عن العقاب والمعانات التي قد تصيب شخصا ما حتى أنه كادا أن ينسى أنه في السوق وأن عليه أن ينتبه للبيع حتى أبيه تدخل وأيقظه من شروده الذي كادا أن يخسرا مبلغ من المال بسب ذالك الشرود.....
عاد (علي) مع أبيه إلى المنزل وكان الأب مسرورا من الربح الذي أجناه من بيع الأسماك التي كان يخاف أن لن تباع أو يتبقى منها كميه ولكن القدر شاء أن تباع الأسماك كلها لكي يتحسن حاله قليلا ، ويفرح بالمكسب الذي أجناه من البيع....
لما عادا إلى المنزل وكان عودتهم عند أذان المغرب أخذ الأب يغير ملابسه ويتوضأ لكي يذهب إلى صلاة المغرب وطلب من أبنه كذالك حتى يذهبا إلى المسجد...
أحس (علي) أن التفكير في أمر الرجل والصوت والرسالتين قد أتعبه فقرر أن يترك التفكير ولكنه لا يعلم أن الأمر لا يتركه ، وقال في نفسه أن عليه أن يذهب ويتوضأ ويصلي لكي ينام بعد يوم شاق من العمل والبيع في السوق لذالك ترك التفكير...
أختكم في الله(سهام النور)............. ودمتم سالمين................