من تفسير سورة البقرة (1) للامام السيد موسى الصدر
بسم الله الرحمن الرحيم
{إنّ الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون. ختم
الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم}.
الحقيقة في المنطق القرآني نجد ثلاثة عناوين مختلفة: عنوان الكذب،
وعنوان الكفر، وعنوان النفاق.
الكذب، وهو من أسوأ السيئات، حتى وصفته بعض الأحاديث بأنه مفتاح الشرور
كلها، الكذب هذا يقلب المقاييس ويهدم الشؤون الإجتماعية العامة، لأنّ علاقات
البشر بعضهم مع البعض تعتمد على واقع حاجاتهم وواقع كفاءاتهم، والحاجات
والكفاءات عندما تبرز بصدق بإمكانها أن تتفاعل فتجد أمام كل حاجة تلبية،
وأمام كل كفاءة حاجة من الآخرين، وبالتالي يستقيم الأمر بين أبناء المجتمع
الواحد ويتكون المجتمع.
والكذب يقلب هذه المقاييس ويعطي صورة مشوّهة عن الحاجات وعن الكفاءات،
وبالتالي العلاقات العامة تتوتر، والكذب ورد في القرآن الكريم في آيات عديدة
نبحث فيها بالتفصيل في الحلقات القادمة. لكن الكذب عبارة عن القول والتعبير
بخلاف ما هو الواقع.
والعنوان الثاني الذي هو أصعب من الكذب، الذي هو الكفر. الكفر هو الكذب
النفسي والكذب الذاتي، لأنّ الله (سبحانه وتعالى) عندما خلق البشر جعل لكل
إنسان ولكل موجود ولكل شيء اتجاهاً معيّناً في الموكب الأبدي الذي يشكّل هذا
الوجود.
فكما أنّ كل سراج يرتبط بالمصنع كي يكون منيراً ويفيد الجمع، كذلك لكل
معلول، إنساناً كان أم شيئاً إتجاهاً نحو العلة. حركة مرادة ومقصودة،
فالإنسان المؤمن والإيمان في منطق القرآن فكرة وذاتية، كما يُفهم من الآيات
المباركة: {فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل
لخلق الله} (الروم: 30).
الإيمان فطرة في نفس كل إنسان، فإذا كان الإنسان منسجماً مع هذه
الفطرة، فهو اتجاه صحيح في هذا الموكب الكوني، وبالتالي سبب لوحدة الكون في
المجتمع وسبب للسير نحو الخير ونحو الغاية من الخلق. أما إذا تنكر الإنسان
لواقع إيمانه فهو كافر، أي جاحد بموقفه الكوني، أو مدبر عن الموكب الكوني
الذي يسير نحو الأبدية. وهذا يعني أنه شاذ في هذه القافلة، يضعف وحدة القافلة
بل يخلق تناقضاً داخل المجتمع، بل هو يكوّن تناقضاً بين نفسه وإرادته وذاته
الواعية وبين جسمه الذي يخضع للقوانين الإلهية. فالكافر متناقض مع نفسه ومع
مجتمعه ومع الكون، والكافر المؤمن بعكس الإيمان نادر جداً لأنّ القرآن يعتبر
أنّ الإيمان هو الفطرة، الكافر مناقض لفطرته، وإذا وجدنا بصورة نادرة إنساناً
يؤمن بغير الإيمان الطبيعي، يؤمن بالحجر أو بالصنم أو يؤمن بالآلهة، إذا كان
معذوراً في ذلك مخطئاً في هذه العقيدة، فهو كافر في المنطق القرآني.
أما الكافر، هو الذي يتنكر لذاتيته ولإيمانه، وعندما يتنكر عن وعي
ونداء ضميره نحو الإيمان فهو على حد تعبير القرآن الكريم: {وجحدوا بها
واستيقنتها أنفسهم} (النمل: 14). فهو ينحرف عالماً وعامداً. ولذلك يعتبر
القرآن أنّ الإنذار والنصيحة لا تنفعه: {ان الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم
أم لم تنذرهم لا يؤمنون}، لأنه واعٍ في قلبه انحراف. {ختم الله على قلوبهم
وعلى سمعهم}. من الطبيعي أنّ الله لا يختم قلب الإنسان إذا لم يرد الإنسان
ذلك فإرادة الله تتحقق بإرادة الإنسان نفسه.. وهذا المنطق القرآني في جميع
الأسباب الكونية. مثلاً عندما يقول القرآن الكريم: {أوحى ربك الى النحل أن
اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون}، أي إرادة الله ضمن التسلسل
الطبيعي للكون. {ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة}. يعني
إذا أراد هذا الإنسان أن ينحرف عالماً عامداً فهو ختم على قلبه، وإرادة الله
تتجسد بإرادته، فالله سبحانه ختم على قلبه وعلى سمعه وعند ذلك خضوعاً لنكرانه
وانسجاماً مع غروره الذي لا يخضع للإيمان لا ينفعه الإنذار، وبالتالي قلبه
الذي يجب أن يكون منسجماً مع عقله مختوم، وسمعه الذي يجب أن يكون منسجماً مع
بقية جوارحه مختوم. وبصيرته وبصره كلتاهما منسجمتان مع واقع ذاتيته، فهو في
عذاب لأنه يناقض نفسه ويناقض مجتمعه ويناقض الكون، وهو في العذاب بعد هذه
الحياة حيث أنّ الله هيأ له الحساب العسير.
هذا هو الكافر ولكن المرحلة الأقصى والتي ركز عليها القرآن تركيزاً
عنيفاً فهو المنافق، والذي يعدّه القرآن أسوأ هذه العناوين. وسنبحث في بحث
آخر عن النفاق وعن النتائج لهذه المصيبة الكبرى للإنسان. أعتقد أنّ هذه
الليلة نكتفي بهذا المقدار على أمل التحدث فيما بعد.
والسلام عليكم.
بسم الله الرحمن الرحيم
{إنّ الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون. ختم
الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم}.
الحقيقة في المنطق القرآني نجد ثلاثة عناوين مختلفة: عنوان الكذب،
وعنوان الكفر، وعنوان النفاق.
الكذب، وهو من أسوأ السيئات، حتى وصفته بعض الأحاديث بأنه مفتاح الشرور
كلها، الكذب هذا يقلب المقاييس ويهدم الشؤون الإجتماعية العامة، لأنّ علاقات
البشر بعضهم مع البعض تعتمد على واقع حاجاتهم وواقع كفاءاتهم، والحاجات
والكفاءات عندما تبرز بصدق بإمكانها أن تتفاعل فتجد أمام كل حاجة تلبية،
وأمام كل كفاءة حاجة من الآخرين، وبالتالي يستقيم الأمر بين أبناء المجتمع
الواحد ويتكون المجتمع.
والكذب يقلب هذه المقاييس ويعطي صورة مشوّهة عن الحاجات وعن الكفاءات،
وبالتالي العلاقات العامة تتوتر، والكذب ورد في القرآن الكريم في آيات عديدة
نبحث فيها بالتفصيل في الحلقات القادمة. لكن الكذب عبارة عن القول والتعبير
بخلاف ما هو الواقع.
والعنوان الثاني الذي هو أصعب من الكذب، الذي هو الكفر. الكفر هو الكذب
النفسي والكذب الذاتي، لأنّ الله (سبحانه وتعالى) عندما خلق البشر جعل لكل
إنسان ولكل موجود ولكل شيء اتجاهاً معيّناً في الموكب الأبدي الذي يشكّل هذا
الوجود.
فكما أنّ كل سراج يرتبط بالمصنع كي يكون منيراً ويفيد الجمع، كذلك لكل
معلول، إنساناً كان أم شيئاً إتجاهاً نحو العلة. حركة مرادة ومقصودة،
فالإنسان المؤمن والإيمان في منطق القرآن فكرة وذاتية، كما يُفهم من الآيات
المباركة: {فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل
لخلق الله} (الروم: 30).
الإيمان فطرة في نفس كل إنسان، فإذا كان الإنسان منسجماً مع هذه
الفطرة، فهو اتجاه صحيح في هذا الموكب الكوني، وبالتالي سبب لوحدة الكون في
المجتمع وسبب للسير نحو الخير ونحو الغاية من الخلق. أما إذا تنكر الإنسان
لواقع إيمانه فهو كافر، أي جاحد بموقفه الكوني، أو مدبر عن الموكب الكوني
الذي يسير نحو الأبدية. وهذا يعني أنه شاذ في هذه القافلة، يضعف وحدة القافلة
بل يخلق تناقضاً داخل المجتمع، بل هو يكوّن تناقضاً بين نفسه وإرادته وذاته
الواعية وبين جسمه الذي يخضع للقوانين الإلهية. فالكافر متناقض مع نفسه ومع
مجتمعه ومع الكون، والكافر المؤمن بعكس الإيمان نادر جداً لأنّ القرآن يعتبر
أنّ الإيمان هو الفطرة، الكافر مناقض لفطرته، وإذا وجدنا بصورة نادرة إنساناً
يؤمن بغير الإيمان الطبيعي، يؤمن بالحجر أو بالصنم أو يؤمن بالآلهة، إذا كان
معذوراً في ذلك مخطئاً في هذه العقيدة، فهو كافر في المنطق القرآني.
أما الكافر، هو الذي يتنكر لذاتيته ولإيمانه، وعندما يتنكر عن وعي
ونداء ضميره نحو الإيمان فهو على حد تعبير القرآن الكريم: {وجحدوا بها
واستيقنتها أنفسهم} (النمل: 14). فهو ينحرف عالماً وعامداً. ولذلك يعتبر
القرآن أنّ الإنذار والنصيحة لا تنفعه: {ان الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم
أم لم تنذرهم لا يؤمنون}، لأنه واعٍ في قلبه انحراف. {ختم الله على قلوبهم
وعلى سمعهم}. من الطبيعي أنّ الله لا يختم قلب الإنسان إذا لم يرد الإنسان
ذلك فإرادة الله تتحقق بإرادة الإنسان نفسه.. وهذا المنطق القرآني في جميع
الأسباب الكونية. مثلاً عندما يقول القرآن الكريم: {أوحى ربك الى النحل أن
اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون}، أي إرادة الله ضمن التسلسل
الطبيعي للكون. {ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة}. يعني
إذا أراد هذا الإنسان أن ينحرف عالماً عامداً فهو ختم على قلبه، وإرادة الله
تتجسد بإرادته، فالله سبحانه ختم على قلبه وعلى سمعه وعند ذلك خضوعاً لنكرانه
وانسجاماً مع غروره الذي لا يخضع للإيمان لا ينفعه الإنذار، وبالتالي قلبه
الذي يجب أن يكون منسجماً مع عقله مختوم، وسمعه الذي يجب أن يكون منسجماً مع
بقية جوارحه مختوم. وبصيرته وبصره كلتاهما منسجمتان مع واقع ذاتيته، فهو في
عذاب لأنه يناقض نفسه ويناقض مجتمعه ويناقض الكون، وهو في العذاب بعد هذه
الحياة حيث أنّ الله هيأ له الحساب العسير.
هذا هو الكافر ولكن المرحلة الأقصى والتي ركز عليها القرآن تركيزاً
عنيفاً فهو المنافق، والذي يعدّه القرآن أسوأ هذه العناوين. وسنبحث في بحث
آخر عن النفاق وعن النتائج لهذه المصيبة الكبرى للإنسان. أعتقد أنّ هذه
الليلة نكتفي بهذا المقدار على أمل التحدث فيما بعد.
والسلام عليكم.
تعليق