لوكان يمكن للنسمة ان تتجسد وتستعير ساقين بشريتين وان تنزل من فضائها لكي تسير على الارض لكن اسمها سهيلة .
ان سهيلة هي ارق انسانة صادفتها في مامضى من حياتي ، ولااظن انني ساصادف في المقبل من عمري مَن هي ارق منها .
صوتها وحده يكفي لان يمتشق الشعراء اقلامهم ويدبجوا القصائد في تلك الموسيقى التي ابدع الخالق سبحانه وتعالى في صوغها . انها ((الهارموني) ذاته ، بلا حسد وهي ((أوركسترا)) القمر والنجوم في ليلة صافية هادئة لايعكرها سوى همس المحبين . اما نظراتها فهي موج البحر حين يصبح زيتاً ثقيلاً يترجرج بدلال من دون ان يخدش رمشاَ او يقلق نفساً مرتاحة .
عملت سهيلة طوال سنتين في المكتب المجاور لمكتبي ولم اسمع منها يوماً سوى زقزقة خجول تنطلق عند الضرورة .
اما اذا لم يكن داع ، فهي الصمت الناطق البليغ ، تستعين على العبارة بايماءة الرأس ولغة النظر ، فتخجل الكلمات وتتوارى لان اللبيب يفهم من اشارة سهيلة .
كنت اتساءل ويتساءل غيري من الزملاء عن البيت الطيب الذي تربت فيه هذه الشابة التي اكتملت انوثتها احسن اكتمال من دون ان تمنَّ على بني البشر بهذا الامتياز مثل كثيرات غيرها يسرن في الدنيا تيهاً على الرغم من انهن لايملكن الا انصاف او ارباع ماتملك سهيلة . انها هي الممنونة دائماً الشاكرة لطف الاخرين ازاءها ، المنهمكة في العمل من دون تذمر او تافف وشكوى في زمن صارت الشكوى فيه مكملات الزينة لدى النساء .
ظل البحر هادئاً والنسمة رائقة ، والهمس زقزقة الى ان ثارالبركان ذات يوم . ولاادري متى ولماذا وكيف؟
سمعت في المكتب المجاور اصوات حمحمة ثم لهاث ثم قهقهة عصبية قصيرة وبعدها انطلق صوت ناعم كنصل خنجر وراح يكيل الشتائم الرخيصة لكل الزملاء الموجودين هناك ، شتائم لم اتصور ان جدران مكاتبنا ستردد اصداءها في اي يوم من الايام حتى ولو انقلبت الدنيا عاليها سافلها .
تجمدت في مقعدي واصدقكم القول انني ظننت اني محموماً يتخيل اصواتا لاوجود لها . ثم قلت لعل احدهم جاء بجهاز مذياع صغير معه وفتحه على اذاعة ما ، ولكن أي اذاعة ستجرؤ على كل هذا الردح الذي لامكان له الا على الارصفة وفي الظلام ؟
ثم زال عني الشلل ، وتغلب الفضول على الصدمة ورأيت زملاء آخرين وزميلات يخرجون من وراء مناضدهم ويخطون في الممر نحو مصدر ذلك الصوت الحاد المزعج الذي يبز اكثر نجوم الرعب رعباً . فقمت من مكاني اقدم رجلاً وأؤخر اخرى ومددت برأسي خارج الباب اسال الزملاء عن الخطب ثم خطوات على استحياء نحو المكتب المجاور وفهمت على الفور لماذا كان الكل يقف متسمراً بعيون جاحظة من الاستغراب غير قادرين على التدخل او التفوه بكلمة لفضّ الاشتباك .
كانت سهيلة واقفة في وسط غرفة مكتبها التي تجمعها مع زميلين آخرين وزميلة ثالثة تضع كفيها حول خصرها وتطلق اصواتاً تبدو وكأنها صادرة من جهاز لاصلة لها به جهاز سقط سهواً داخل حنجرتها !
حين انتهت من وصلة الشتائم والكلام المقذع أغمضت عينيها لثوان ، ثم نفضت رأسها وتطلعت نحو الباب .. وقالت للجمع المحتشد هنا وانا بينهم : ((اسفة .. كان لابد من ان اشرح للجميع انني انسانة طبيعية .. تغضب وتشتم وتغلط وتحفظ كل ماعلى هذه الارض من عبارات سافلة )) .
قالت سهيلة عبارتها بصوتها الرقيق الهامس السابق ، ثم جلست وراء مكتبها وغطت وجهها بيديها وأجهشت في البكاء . لقد سئمت من دور النسمة والموجة الزيتبية التي يستغل الجميع رقتها وطيبتها ، وارادت ان تصحح لنا الامور ، فقط لاغير .
بقلم : رجل
تحياتي
ان سهيلة هي ارق انسانة صادفتها في مامضى من حياتي ، ولااظن انني ساصادف في المقبل من عمري مَن هي ارق منها .
صوتها وحده يكفي لان يمتشق الشعراء اقلامهم ويدبجوا القصائد في تلك الموسيقى التي ابدع الخالق سبحانه وتعالى في صوغها . انها ((الهارموني) ذاته ، بلا حسد وهي ((أوركسترا)) القمر والنجوم في ليلة صافية هادئة لايعكرها سوى همس المحبين . اما نظراتها فهي موج البحر حين يصبح زيتاً ثقيلاً يترجرج بدلال من دون ان يخدش رمشاَ او يقلق نفساً مرتاحة .
عملت سهيلة طوال سنتين في المكتب المجاور لمكتبي ولم اسمع منها يوماً سوى زقزقة خجول تنطلق عند الضرورة .
اما اذا لم يكن داع ، فهي الصمت الناطق البليغ ، تستعين على العبارة بايماءة الرأس ولغة النظر ، فتخجل الكلمات وتتوارى لان اللبيب يفهم من اشارة سهيلة .
كنت اتساءل ويتساءل غيري من الزملاء عن البيت الطيب الذي تربت فيه هذه الشابة التي اكتملت انوثتها احسن اكتمال من دون ان تمنَّ على بني البشر بهذا الامتياز مثل كثيرات غيرها يسرن في الدنيا تيهاً على الرغم من انهن لايملكن الا انصاف او ارباع ماتملك سهيلة . انها هي الممنونة دائماً الشاكرة لطف الاخرين ازاءها ، المنهمكة في العمل من دون تذمر او تافف وشكوى في زمن صارت الشكوى فيه مكملات الزينة لدى النساء .
ظل البحر هادئاً والنسمة رائقة ، والهمس زقزقة الى ان ثارالبركان ذات يوم . ولاادري متى ولماذا وكيف؟
سمعت في المكتب المجاور اصوات حمحمة ثم لهاث ثم قهقهة عصبية قصيرة وبعدها انطلق صوت ناعم كنصل خنجر وراح يكيل الشتائم الرخيصة لكل الزملاء الموجودين هناك ، شتائم لم اتصور ان جدران مكاتبنا ستردد اصداءها في اي يوم من الايام حتى ولو انقلبت الدنيا عاليها سافلها .
تجمدت في مقعدي واصدقكم القول انني ظننت اني محموماً يتخيل اصواتا لاوجود لها . ثم قلت لعل احدهم جاء بجهاز مذياع صغير معه وفتحه على اذاعة ما ، ولكن أي اذاعة ستجرؤ على كل هذا الردح الذي لامكان له الا على الارصفة وفي الظلام ؟
ثم زال عني الشلل ، وتغلب الفضول على الصدمة ورأيت زملاء آخرين وزميلات يخرجون من وراء مناضدهم ويخطون في الممر نحو مصدر ذلك الصوت الحاد المزعج الذي يبز اكثر نجوم الرعب رعباً . فقمت من مكاني اقدم رجلاً وأؤخر اخرى ومددت برأسي خارج الباب اسال الزملاء عن الخطب ثم خطوات على استحياء نحو المكتب المجاور وفهمت على الفور لماذا كان الكل يقف متسمراً بعيون جاحظة من الاستغراب غير قادرين على التدخل او التفوه بكلمة لفضّ الاشتباك .
كانت سهيلة واقفة في وسط غرفة مكتبها التي تجمعها مع زميلين آخرين وزميلة ثالثة تضع كفيها حول خصرها وتطلق اصواتاً تبدو وكأنها صادرة من جهاز لاصلة لها به جهاز سقط سهواً داخل حنجرتها !
حين انتهت من وصلة الشتائم والكلام المقذع أغمضت عينيها لثوان ، ثم نفضت رأسها وتطلعت نحو الباب .. وقالت للجمع المحتشد هنا وانا بينهم : ((اسفة .. كان لابد من ان اشرح للجميع انني انسانة طبيعية .. تغضب وتشتم وتغلط وتحفظ كل ماعلى هذه الارض من عبارات سافلة )) .
قالت سهيلة عبارتها بصوتها الرقيق الهامس السابق ، ثم جلست وراء مكتبها وغطت وجهها بيديها وأجهشت في البكاء . لقد سئمت من دور النسمة والموجة الزيتبية التي يستغل الجميع رقتها وطيبتها ، وارادت ان تصحح لنا الامور ، فقط لاغير .
بقلم : رجل
تحياتي
تعليق