إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

مقتطفات من أقوال سماحة السيد فضل الله

تقليص
هذا الموضوع مغلق.
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    اهداء لمن يدعون ان ولاية علي حصنهم
    مفهـوم الاستقامـة


    لو أردنا أن نعرّف الإسلام بكلمة يمكن أن تحكم كل سلوك الإنسان في حياته، فلا نجد أفضل من كلمة الاستقامة، وهي تعني أن ينطلق الإنسان من النقطة التي آمن بها ليتحرّك في اتجاهها إلى نهاية المطاف، دون أن ينحرف يميناً أو شمالاً، وهذا ما نستوحيه من آيات سورة الفاتحة {اهدنا الصراط المستقيم}، فقد علّمنا الله سبحانه أن نطلب منه أن يهدينا وأن يرشدنا إلى الطريق المستقيم، لأن هناك طرقاً ملتوية عندما يدخلها الإنسان لا يعرف كيف يخرج منها، أما الطريق المستقيم، فأنت تعرف نهايته منذ البداية، وهذا ما يريدنا الله أن نبتهل إليه ليرشدنا إليه.

    {صراط الذين أنعمت عليهم}، أي اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم بنعمة الوعي والإيمان والانفتاح على الحقيقة والالتزام بها، ولا تجعلنا نسير في الطريق الذي يجعلنا تحت تأثير غضبك، {غير المغضوب عليهم}، والمغضوب عليهم هم الذين عرفوا الحق وجحدوه، مثلما ورد عن بعض الناس في القرآن الكريم: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم} [النمل:14]، وهو الذي يعرف الحق ولكنه يجحده وينكره ويبتعد عنه، فهو عندما ينحرف لا ينحرف عن جهلٍ بالطريق الذي لا بد له أن يسير فيه، ولكنه ينحرف تحت تأثير شهواته وأهوائه وأطماعه. {ولا الضالين} التائهين الذين لا يعرفون الحق ولا يعرفون الباطل، كالذي يسير في الصحراء دون أن يكون هناك أية خطوط وأية علامات تدله على الطريق، فهذا يتخبط في المتاهات ولا يعرف إلى أين يصل، لأن الصحراء متشابهة في رمالها وفي آفاقها، وليست هناك أية وسيلة تدله على الهدف والغاية.
    وهداية الله تعالى تتحدد من خلال ما أعطاه الله للإنسان من وسائل الهداية، فقد أعطاه العينين اللتين يبصر بهما، والأذنين اللتين يسمع بهما، واللسان الذي يسأل به، والرِجلين اللتين يسير بهما نحو الهدف، كما أنه أعطاه العقل الذي يجمع ذلك كله، فكل هذه الحواس تعتبر من الوسائل التي تعطي للعقل المقدمات التي يحللها ويستنتج النتائج على أساسها ويحدد بذلك طريق السير، وإذا عجز العقل عن إدراك النتائج فهناك أهل الخبرة، فعلى الإنسان أن يسأل أهل العلم بذلك: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} [النحل:43].
    فالهداية المقصودة هنا ليست بمعنى أن الله يجعل الهداية فيك كما يخلق في جسمك العين والسمع والبصر، بل تعني أنّ الله هيّأ لك وسائل الهداية، ولذا يقول تعالى: {إنّا هديناه السبيل ـ يعني فتحنا له الطريق ودللناه عليه ـ إما شاكراً وإما كفوراً} [الإنسان:3]، فإما يشكر نعم الله أو يكفر بها. وهناك آية أخرى في هذا المجال يقول فيها تعالى: {وهديناه النجدين} [البلد:10]، والنجد هو الطريق، ما يعني أنّنا بينّا له طريق الخير وطريق الشر، قلنا له امشِ في طريق الخير، والذي لا يمشي فيه، فهو الذي يُسيء إلى نفسه.
    وهناك آية أخرى أيضاً في هذا المجال يقول تعالى فيها: {وإن هذا صراطي مستقيماً فاتّبعوه} [الأنعام:151]، أي أنّ الطريق المستقيم موجود أمامكم، وهو طريق توحيد الله الذي يدلكم على رسالة الرسول، وعلى اليوم الآخر، ويرشدكم إلى مسؤولياتكم وإلى ما يؤدي بكم إلى الهلاك أو إلى النجاة، {وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل}، يعني الطرق الملتوية، {فتفرق بكم عن سبيله}، تضيعكم عن الطريق الصحيح الذي يؤدي بكم إلى النتائج المحمودة.
    وهنا نلاحظ أنّ الله سبحانه خاطب النبي(ص) وطلب منه الاستقامة، والنبي هو الذي يدلّنا على خط الاستقامة، ومع ذلك، أراد الله سبحانه أن يبيّن أن المطلوب من الأنبياء أن يستقيموا على الخط الذي حدّده الله كما عليكم أن تستقيموا، فالله يقول للنبي(ص) في آياته: {فاستقِم كما أُمِرت} [هود:112]، بحيث أمره بأن ينطلق في دعوته وفي كل حركته ونشاطه من أجل أن يؤكد ما أراده الله منه، ممّا يحبه الله ليفعله، وممّا يبغضه ليتركه، {فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا}، أيضاً هي دعوة للذين تابوا عن الكفر وعن الشرك ليستقيموا معه على الخط، ولا ينحرفوا ولا يطغوا، والطغيان هو تجاوز الحد والارتفاع عن المستوى الطبيعي للأشياء، {إنه بما تعملون بصير} فالله يريد أن يقول للنبي(ص) وللمسلمين معه، إنكم تحت رقابة الله، وإن الله يبصر كلّ خطواتكم التي تتحركون بها، سواء كانت هذه الخطوات خطوات الفكر في ما يلتزمه من أفكار، أو خطوات القلب في نبضاته في ما ينفتح عليه من مشاعر وأحاسيس وعواطف، أو في مسألة حركة الإنسان في حياته.
    وهناك آية أخرى تتحدّث عن النبي(ص) كيف كان يقدم نفسه إلى الناس، فهو لا يقدم نفسه على أنه فوق البشر وإن كان في ما أعطاه الله من فضائل وألطاف يرتفع في ملكاته عن الناس وأنه هو النور كله، وقد جاء ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومع ذلك كان يقدم نفسه بهذه الطريقة البسيطة المتواضعة {قل إنما أنا بشرٌ مثلكم} [الكهف:110]، جسدي كأجسادكم، فأنا أمرض كما تمرضون، وأفرح كما تفرحون، وأحزن كما تحزنون، وأجوع كما تجوعون، وأشبع كما تشبعون، وأتألم كما تتألمون، كما هي طبيعة الجسد، ولكن هناك فرق بيني وبينكم، وهو أن الله أكرمني واصطفاني وجعلني في موقع تلقّي الوحي من قِبَلِهِ، {قل إنما أنا بشرٌ مثلكم يوحى إليّ أنما إلهكم إله واحد}وهذا ما أوحى به الله إلى كل أنبيائه.
    ولذلك، نجد أن دعوة الأنبياء كلّهم، وكما حدّثنا القرآن، كانت: {اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} [الأعراف:59] وهي دعوة التوحيد، وقد فرّع على خط التوحيد كل الإسلام في تفاصيل العقيدة والشريعة والمنهج والحركة، {فاستقيموا إليه} في هذه الوحدانية، وحاولوا أن تتحركوا في خطها، فابدأوا من التوحيد وتحركوا من خلاله في كل أموركم، بحيث يكون الله في داخل كل الأمور؛ فعندما تفكر انفتح على الله، واجعل الله في حركة فكرك وفي كل مفردات كلامك وأجواء وخطوات عملك، وعلاقاتك ومواقفك. وهناك كلمة للإمام علي(ع) يقول فيها: "ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله معه وخلفه وأمامه..."، فعندما يرى الإنسان حيواناً يفكر من الذي خلقه، وعندما يرى إنساناً يفكِّر من الذي أعطاه العقل، كذلك عندما يرى الزرع والبحار والأشجاء وكل شيء، فيرى قدرة الله وعظمته في كل واحدة من هذه المخلوقات، والله أرادنا أن نعرفه من خلال خلقه: {ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً} [آل عمران:191]، وهذا يجعل الإنسان يعي ربه في كل شيء حوله في مقابل الناس الذين يشغلهم ما حولهم عن الله، وهذا الفرق بين الإنسان الغافل والإنسان الواعي، لأن الإنسان الغافل إذا رأى شيئاً استغرق فيه وشغله ذلك عن كل الحقائق، بينما الإنسان الواعي إذا رأى أي شيءٍ فإنه يستغرق في الله سبحانه وتعالى الذي خلقه.
    وهذه عظمة الإمام علي(ع)، أنّه كان دائماً مشغولاً بالله، حتى باع نفسه لله، ونزلت فيه الآية عندما بات على فراش النبي(ص) ليلة الهجرة: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله} [البقرة:207]، وكانت كل حياته لله سبحانه وتعالى. ولذلك نلاحظ أنّه عندما ضربه ابن ملجم وهو في الصلاة، قال بسم الله وبالله، ذكر الله كنهاية لحياته كما كان في كل حياته. ومن عمق هذا التفكير الدائم بالله انطلقت هذه الكلمة التي تدل على الأفق الذي اتّسع لعلي(ع) في رحاب الله: "لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً"، أي لو انكشفت كل السموات وكل الغيوب، فلن يتغير عندي شيء، لأني عشت كل عمري وأنا أبصر الله في كل شيء حولي ومعي وفي اتجاهي.
    لم يكن علي(ع) يرى سوى الله تعالى، حتى إنّه يعظِّم رسول الله من أجل أنه رسول الله وليس لأنه ابن عمّه، وكذلك كان حب الرسول(ص) لعلي(ع) ينطلق من خلال حب علي لله، وهذا ما قاله النبي(ص) في وقعة خيبر: "لأعطينّ الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله". ومن كلمات الأمير(ع) في دعاء كميل يقول: "فهبني يا إلهي وربي، صبرت على عذابك فكيف أصبر على فراقك"، عذبني يا رب فلا مشكلة عندي، لكن العذاب سيكون حاجزاً بيني وبينك، فأنا لا أقدر على فراقك، لأني كنت أعيش معك في الدنيا، "وهبني يا إلهي صبرت على حرّ نارك فكيف أصبر عن النظر إلى كرامتك". وفي دعاء آخر يقول: "ولئن أدخلتني النار لأخبرن أهل النار أني أحبّك". هذا هو الإمام علي بن أبي طالب(ع) وهذه عظمة الإمام علي بن أبي طالب التي تنطلق من أنه عاش مع الله وكانت كل حياته لله.
    ولذلك، عندما نريد أن نحب الإمام علي بن أبي طالب، علينا أن نحب الله، نحبه في علي، بعض الناس يُغالون في علي، علي(ع) كان يعفّر خدّه في التراب بين يدي الله سبحانه وتعالى، ومما ينقل في سيرة الإمام علي(ع) أنه كان في حرب صفين ليلة الهرير، عندما اصطدم الجيش مع بعضه البعض، واستفقدوا علياً(ع)، وعندما بحثوا عنه رأوه يصلي بين الصفين "بين العسكر"، فاستغربوا، وقالوا له: يا أمير المؤمنين هل هذا وقت صلاة ونحن نخاف عليك؟ فقال لهم: "علام قاتلناهم، إنّما نقاتلهم على الصلاة".

    لذلك نرى بعض الناس يقولون نحب علياً(ع) ولكنهم لا يصلّون ولا يطيعون الله في ما أمرهم، وهذا عكس ما أراده الإمام علي(ع)، فقد أرادنا علي أن نحبّه لنحبّ الله سبحانه، وفي هذا يقول الإمام الباقر(ع): "حسب الرجل أن يقول أحب علياً وأتولاّه ثم لا يكون فعّالاً، فلو قال إني أحبُّ رسول الله(ص) ورسول الله خير من علي ثم لا يتبع سيرته ولا يعمل بسنّته ما نفعه حبّه إياه"، ثم قال(ع): "من كان لله مطيعاً فهو لنا وليّ، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدو، والله ما تُنال ولايتنا إلا بالعمل والورع"، يعني الورع عن محارم الله، وهذا هو خط الاستقامة. ونرجو أن يوفقنا الله لنستكمل الحديث في الأسبوع القادم إنشاء الله. والحمد لله رب العالمين.
    التعديل الأخير تم بواسطة mohammed fayad; الساعة 02-06-2008, 03:06 AM.

    تعليق


    • #17
      المشاركة الأصلية بواسطة mohammed fayad
      اهداء لمن يدعون ان ولاية علي حصنهم
      مفهـوم الاستقامـة




      لو أردنا أن نعرّف الإسلام بكلمة يمكن أن تحكم كل سلوك الإنسان في حياته، فلا نجد أفضل من كلمة الاستقامة، وهي تعني أن ينطلق الإنسان من النقطة التي آمن بها ليتحرّك في اتجاهها إلى نهاية المطاف، دون أن ينحرف يميناً أو شمالاً، وهذا ما نستوحيه من آيات سورة الفاتحة {اهدنا الصراط المستقيم}، فقد علّمنا الله سبحانه أن نطلب منه أن يهدينا وأن يرشدنا إلى الطريق المستقيم، لأن هناك طرقاً ملتوية عندما يدخلها الإنسان لا يعرف كيف يخرج منها، أما الطريق المستقيم، فأنت تعرف نهايته منذ البداية، وهذا ما يريدنا الله أن نبتهل إليه ليرشدنا إليه.



      {صراط الذين أنعمت عليهم}، أي اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم بنعمة الوعي والإيمان والانفتاح على الحقيقة والالتزام بها، ولا تجعلنا نسير في الطريق الذي يجعلنا تحت تأثير غضبك، {غير المغضوب عليهم}، والمغضوب عليهم هم الذين عرفوا الحق وجحدوه، مثلما ورد عن بعض الناس في القرآن الكريم: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم} [النمل:14]، وهو الذي يعرف الحق ولكنه يجحده وينكره ويبتعد عنه، فهو عندما ينحرف لا ينحرف عن جهلٍ بالطريق الذي لا بد له أن يسير فيه، ولكنه ينحرف تحت تأثير شهواته وأهوائه وأطماعه. {ولا الضالين} التائهين الذين لا يعرفون الحق ولا يعرفون الباطل، كالذي يسير في الصحراء دون أن يكون هناك أية خطوط وأية علامات تدله على الطريق، فهذا يتخبط في المتاهات ولا يعرف إلى أين يصل، لأن الصحراء متشابهة في رمالها وفي آفاقها، وليست هناك أية وسيلة تدله على الهدف والغاية.
      وهداية الله تعالى تتحدد من خلال ما أعطاه الله للإنسان من وسائل الهداية، فقد أعطاه العينين اللتين يبصر بهما، والأذنين اللتين يسمع بهما، واللسان الذي يسأل به، والرِجلين اللتين يسير بهما نحو الهدف، كما أنه أعطاه العقل الذي يجمع ذلك كله، فكل هذه الحواس تعتبر من الوسائل التي تعطي للعقل المقدمات التي يحللها ويستنتج النتائج على أساسها ويحدد بذلك طريق السير، وإذا عجز العقل عن إدراك النتائج فهناك أهل الخبرة، فعلى الإنسان أن يسأل أهل العلم بذلك: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} [النحل:43].
      فالهداية المقصودة هنا ليست بمعنى أن الله يجعل الهداية فيك كما يخلق في جسمك العين والسمع والبصر، بل تعني أنّ الله هيّأ لك وسائل الهداية، ولذا يقول تعالى: {إنّا هديناه السبيل ـ يعني فتحنا له الطريق ودللناه عليه ـ إما شاكراً وإما كفوراً} [الإنسان:3]، فإما يشكر نعم الله أو يكفر بها. وهناك آية أخرى في هذا المجال يقول فيها تعالى: {وهديناه النجدين} [البلد:10]، والنجد هو الطريق، ما يعني أنّنا بينّا له طريق الخير وطريق الشر، قلنا له امشِ في طريق الخير، والذي لا يمشي فيه، فهو الذي يُسيء إلى نفسه.
      وهناك آية أخرى أيضاً في هذا المجال يقول تعالى فيها: {وإن هذا صراطي مستقيماً فاتّبعوه} [الأنعام:151]، أي أنّ الطريق المستقيم موجود أمامكم، وهو طريق توحيد الله الذي يدلكم على رسالة الرسول، وعلى اليوم الآخر، ويرشدكم إلى مسؤولياتكم وإلى ما يؤدي بكم إلى الهلاك أو إلى النجاة، {وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل}، يعني الطرق الملتوية، {فتفرق بكم عن سبيله}، تضيعكم عن الطريق الصحيح الذي يؤدي بكم إلى النتائج المحمودة.
      وهنا نلاحظ أنّ الله سبحانه خاطب النبي(ص) وطلب منه الاستقامة، والنبي هو الذي يدلّنا على خط الاستقامة، ومع ذلك، أراد الله سبحانه أن يبيّن أن المطلوب من الأنبياء أن يستقيموا على الخط الذي حدّده الله كما عليكم أن تستقيموا، فالله يقول للنبي(ص) في آياته: {فاستقِم كما أُمِرت} [هود:112]، بحيث أمره بأن ينطلق في دعوته وفي كل حركته ونشاطه من أجل أن يؤكد ما أراده الله منه، ممّا يحبه الله ليفعله، وممّا يبغضه ليتركه، {فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا}، أيضاً هي دعوة للذين تابوا عن الكفر وعن الشرك ليستقيموا معه على الخط، ولا ينحرفوا ولا يطغوا، والطغيان هو تجاوز الحد والارتفاع عن المستوى الطبيعي للأشياء، {إنه بما تعملون بصير} فالله يريد أن يقول للنبي(ص) وللمسلمين معه، إنكم تحت رقابة الله، وإن الله يبصر كلّ خطواتكم التي تتحركون بها، سواء كانت هذه الخطوات خطوات الفكر في ما يلتزمه من أفكار، أو خطوات القلب في نبضاته في ما ينفتح عليه من مشاعر وأحاسيس وعواطف، أو في مسألة حركة الإنسان في حياته.
      وهناك آية أخرى تتحدّث عن النبي(ص) كيف كان يقدم نفسه إلى الناس، فهو لا يقدم نفسه على أنه فوق البشر وإن كان في ما أعطاه الله من فضائل وألطاف يرتفع في ملكاته عن الناس وأنه هو النور كله، وقد جاء ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومع ذلك كان يقدم نفسه بهذه الطريقة البسيطة المتواضعة {قل إنما أنا بشرٌ مثلكم} [الكهف:110]، جسدي كأجسادكم، فأنا أمرض كما تمرضون، وأفرح كما تفرحون، وأحزن كما تحزنون، وأجوع كما تجوعون، وأشبع كما تشبعون، وأتألم كما تتألمون، كما هي طبيعة الجسد، ولكن هناك فرق بيني وبينكم، وهو أن الله أكرمني واصطفاني وجعلني في موقع تلقّي الوحي من قِبَلِهِ، {قل إنما أنا بشرٌ مثلكم يوحى إليّ أنما إلهكم إله واحد}وهذا ما أوحى به الله إلى كل أنبيائه.
      ولذلك، نجد أن دعوة الأنبياء كلّهم، وكما حدّثنا القرآن، كانت: {اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} [الأعراف:59] وهي دعوة التوحيد، وقد فرّع على خط التوحيد كل الإسلام في تفاصيل العقيدة والشريعة والمنهج والحركة، {فاستقيموا إليه} في هذه الوحدانية، وحاولوا أن تتحركوا في خطها، فابدأوا من التوحيد وتحركوا من خلاله في كل أموركم، بحيث يكون الله في داخل كل الأمور؛ فعندما تفكر انفتح على الله، واجعل الله في حركة فكرك وفي كل مفردات كلامك وأجواء وخطوات عملك، وعلاقاتك ومواقفك. وهناك كلمة للإمام علي(ع) يقول فيها: "ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله معه وخلفه وأمامه..."، فعندما يرى الإنسان حيواناً يفكر من الذي خلقه، وعندما يرى إنساناً يفكِّر من الذي أعطاه العقل، كذلك عندما يرى الزرع والبحار والأشجاء وكل شيء، فيرى قدرة الله وعظمته في كل واحدة من هذه المخلوقات، والله أرادنا أن نعرفه من خلال خلقه: {ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً} [آل عمران:191]، وهذا يجعل الإنسان يعي ربه في كل شيء حوله في مقابل الناس الذين يشغلهم ما حولهم عن الله، وهذا الفرق بين الإنسان الغافل والإنسان الواعي، لأن الإنسان الغافل إذا رأى شيئاً استغرق فيه وشغله ذلك عن كل الحقائق، بينما الإنسان الواعي إذا رأى أي شيءٍ فإنه يستغرق في الله سبحانه وتعالى الذي خلقه.
      وهذه عظمة الإمام علي(ع)، أنّه كان دائماً مشغولاً بالله، حتى باع نفسه لله، ونزلت فيه الآية عندما بات على فراش النبي(ص) ليلة الهجرة: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله} [البقرة:207]، وكانت كل حياته لله سبحانه وتعالى. ولذلك نلاحظ أنّه عندما ضربه ابن ملجم وهو في الصلاة، قال بسم الله وبالله، ذكر الله كنهاية لحياته كما كان في كل حياته. ومن عمق هذا التفكير الدائم بالله انطلقت هذه الكلمة التي تدل على الأفق الذي اتّسع لعلي(ع) في رحاب الله: "لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً"، أي لو انكشفت كل السموات وكل الغيوب، فلن يتغير عندي شيء، لأني عشت كل عمري وأنا أبصر الله في كل شيء حولي ومعي وفي اتجاهي.
      لم يكن علي(ع) يرى سوى الله تعالى، حتى إنّه يعظِّم رسول الله من أجل أنه رسول الله وليس لأنه ابن عمّه، وكذلك كان حب الرسول(ص) لعلي(ع) ينطلق من خلال حب علي لله، وهذا ما قاله النبي(ص) في وقعة خيبر: "لأعطينّ الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله". ومن كلمات الأمير(ع) في دعاء كميل يقول: "فهبني يا إلهي وربي، صبرت على عذابك فكيف أصبر على فراقك"، عذبني يا رب فلا مشكلة عندي، لكن العذاب سيكون حاجزاً بيني وبينك، فأنا لا أقدر على فراقك، لأني كنت أعيش معك في الدنيا، "وهبني يا إلهي صبرت على حرّ نارك فكيف أصبر عن النظر إلى كرامتك". وفي دعاء آخر يقول: "ولئن أدخلتني النار لأخبرن أهل النار أني أحبّك". هذا هو الإمام علي بن أبي طالب(ع) وهذه عظمة الإمام علي بن أبي طالب التي تنطلق من أنه عاش مع الله وكانت كل حياته لله.
      ولذلك، عندما نريد أن نحب الإمام علي بن أبي طالب، علينا أن نحب الله، نحبه في علي، بعض الناس يُغالون في علي، علي(ع) كان يعفّر خدّه في التراب بين يدي الله سبحانه وتعالى، ومما ينقل في سيرة الإمام علي(ع) أنه كان في حرب صفين ليلة الهرير، عندما اصطدم الجيش مع بعضه البعض، واستفقدوا علياً(ع)، وعندما بحثوا عنه رأوه يصلي بين الصفين "بين العسكر"، فاستغربوا، وقالوا له: يا أمير المؤمنين هل هذا وقت صلاة ونحن نخاف عليك؟ فقال لهم: "علام قاتلناهم، إنّما نقاتلهم على الصلاة".



      لذلك نرى بعض الناس يقولون نحب علياً(ع) ولكنهم لا يصلّون ولا يطيعون الله في ما أمرهم، وهذا عكس ما أراده الإمام علي(ع)، فقد أرادنا علي أن نحبّه لنحبّ الله سبحانه، وفي هذا يقول الإمام الباقر(ع): "حسب الرجل أن يقول أحب علياً وأتولاّه ثم لا يكون فعّالاً، فلو قال إني أحبُّ رسول الله(ص) ورسول الله خير من علي ثم لا يتبع سيرته ولا يعمل بسنّته ما نفعه حبّه إياه"، ثم قال(ع): "من كان لله مطيعاً فهو لنا وليّ، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدو، والله ما تُنال ولايتنا إلا بالعمل والورع"، يعني الورع عن محارم الله، وهذا هو خط الاستقامة. ونرجو أن يوفقنا الله لنستكمل الحديث في الأسبوع القادم إنشاء الله. والحمد لله رب العالمين.
      شكرا لك اخي الكريم

      تعليق


      • #18
        السيد فضل الله لـ(باحثة ألمانية):
        الإسلام لم يفرّق في القيم الروحية والعملية بين المرأة والرجل

        شؤون المرأة العلمية والاجتماعية، مسؤولياتها القانونية والأخلاقية في إطار العلاقة الزوجية... وعن مسائل ممارسة المرأة للسلطة، والمساواة مع الرجل، محاور ناقشتها الباحثة الألمانية (راحيل فيشباخ) مع العلامة المرجع، السد محمد حسين فضل الله . وهذا نص الحوار:
        المرأة في النجف
        س: سماحة السيد، هل ترون أن دراسة شؤون المرأة العلمية تختلف عما كانت عليه أيام وجودكم في النجف الأشرف؟ وهل كنتم تهتمون بشؤون المرأة في النجف؟
        ج: لم تكن هناك أيّ حوزة نسائية في النجف الأشرف عندما كنت مقيماً هناك، ولكن كانت هناك بعض النساء المتعلمات الملتزمات بالخط الإسلامي، واللاتي كنّ يعتقدن أنّ عليهن القيام بمهمة التوعية الإسلامية في صفوف النساء، وفي مقدمة هؤلاء النساء، السيدة آمنة الصدر (بنت الهدى)، شقيقة السيد محمد باقر الصدر، والتي كانت تحاول أن تثقّف نفسها بالثقافة الإسلامية، حيث بدأت الكتابة الإسلامية في مجلة "الأضواء"، التي كان يصدرها جماعة من العلماء في النجف الأشرف، وكنت من المشرفين عليها، وكان لهذه المرأة دورٌ كبير في عملية التوعية الإسلامية للنساء وتثقيفهن إسلامياً، فقد كانت تسافر كل أسبوع إلى الكاظمية من أجل هذا الهدف، كما كانت في الوقت نفسه، تعمل على توعيتهن سياسياً في الخط الإسلامي الأصيل، وذلك من خلال حزب الدعوة الذي كان يشرف عليه شقيقها السيد محمد باقر الصدر.
        ثم بعد ذلك أصبحت هناك عدّة نساء في المنطقة الشيعية، سواء في النجف أو في بغداد، رحن يعملن على توعية المجتمع النسائي من خلال الكتابة على مستوى القصة وغير القصة، من قبيل الكلمات الحماسية أو التربوية، وقد مثّلت هذه الحالة حركةً نسائيةً إسلاميةً صغيرة، ولكنّها لم تكن في مستوى الحوزة كما هي الحال الآن في قم، حيث هناك جامعة نسائية، إضافةً إلى أنّ النساء اليوم، سواء في العراق أو في إيران أو في لبنان أو في الوسط الشيعي بعامة، أصبحن يدخلن الجامعات ويتخصّصن في مجالات كثيرة ويمارسن العمل في بعض المواقع السياسية، ونحن نرى الآن في العراق، أنّ هناك بعض النساء في قائمة الائتلاف الموحَّد من الشيعيات قد نجحن في الانتخابات النيابية، وهناك من تسلمن وظائف في الوزارة وفي المواقع الثقافية العامة.

        تعليق


        • #19
          المرأة إنسان مثل الرجل
          س: مولانا، ماذا عن اهتمامكم الشخصي بشؤون المرأة؟
          ج: المرأة إنسان كما هو الرجل، والإسلام لم يجعل موقع المرأة هامشياً بحيث تكون مجرد ربة بيت، وأنا منذ البداية، أرى أنّ من حق المرأة أن تتعلم، لأنّ الله سبحانه وتعالى أراد للإنسان كلّه، رجلاً كان أو امرأةً، أن يتعلم، ويؤكّد ذلك قوله تعالى: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ والذين لا يعلمون} [الزّمر:9]، ولم يفرق في مسألة العلم بين المرأة والرجل.
          وأنا أرى أنّ من حق المرأة أن تقوم بالأعمال الاجتماعية التي تتمثل بحركة الخدمات الإنسانية في الواقع الاجتماعي بالنسبة إلى الفئات التي تحتاج إلى رعاية، وأرى أيضاً أنّ من حق المرأة أن تدخل إلى الحياة العامة وفي العمل السياسي، فالسياسة ليست حكراً على الرجل، بل من حق المرأة أن تترشح للانتخابات، وأن تنتخب إذا حصلت على تصويت الأكثرية في مجتمعها، لأنّ من حقها أن تقوم بالعمل العام، إذا كانت تملك ثقافة العمل العام، على قاعدة أنه لا فرق بين المرأة والرجل في الجانب الثقافي أو السياسي.
          حتّى إنني كنت أتحفظ على الفتوى التي يفتي بها الكثير من علماء المسلمين، بأنّه ليس من حق المرأة أن يكون لها مركز قيادي في الدولة، وقلت إنّ هذا ليس من الأمور الدينية الأساسية، وإذا كانت المرأة تملك الموقع القيادي بحسب خبرتها وثقافتها وموقعها المسؤول، فيمكن لها أن تتسلم ذلك، لأنّ الخط الفقهي الذي يلتقي عليه المسلمون في عدم تولية المرأة مناصب قيادية، ينطلق مّما يروى عن النبي محمد(ص)، أنّه عندما أخبر بأنّ ملك فارس قد مات وأنّهم ولّوا مكانه امرأةً، قال: «ما أفلح قوم وليتهم امرأة»، ولكنّي أقول إنّ هذا ليس حكماً سلبياً ضدّ موقع المرأة في العمل القيادي، لأنّ المسألة كانت في موقع الحكم الملكي، وهو الحكم الّذي يمثل الدكتاتورية بكل أبعادها، وربما كانت المسألة تنطلق من أنها ورثت الملك من أبيها، وبالتالي لا تملك أن تحكم بالعدل.
          وأنا كنت ولا أزال أؤكّد، أنّ الإسلام لم يتحدّث عن ضعف المرأة، وإنّما تحدث عن ضعف الإنسان، قال تعالى: {وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء:28]. وكما أن الله تعالى أراد للرجل أن يقوّي شخصيته، أراد للمرأة أن تقوي شخصيتها أيضاً، لأنّ المسؤولية كما هي في موقع الرجل هي في موقع المرأة كذلك، فالله كلَّف المرأة كما كلّف الرجل، وقد قدم لنا نموذجاً قرآنياً للمرأة العاقلة الحكيمة التي تُمثّل المستوى الأقوى في العقل والحكمة، وهي ملكة سبأ (بلقيس)، عندما أرسل إليها النبي سليمان(ع) رسالةً فيها شيء من التهديد، فجمعت قومها {قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ـ فقد أرادت أن يبينوا لها ما هي الخطة التي يمكن لها من خلالها أن تواجه هذه الرسالة التهديدية، ولكن كانوا لا يملكون رأياً ـ قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ـ نحن شجعان ونستطيع أن نقاتل، ولكنّنا لا نملك الرأي السديد، فالرأي لك، وإذا أمرت، فإنّنا نخضع لأمرك في هذا الموضوع. عند ذلك أعطت الرأي ـ قَالَتْ إِنَّ المُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ* وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ المُرْسَلُونَ} (النمل:29-35)، أنا أنتظر هل إن هذا ملك يريد السيطرة والاستيلاء والقهر، أو إنّه نبيٌّ يحمل رسالة؟ وهكذا تطورت الأمور إلى أن قالت: {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ}(النمل:44)، سليمان الذي أقنعها بالإسلام فأسلمت معه، ولم تقل أسلمت وراءه، وهذا يدل على أنّها كانت صاحبة فكر وحكمة.
          ثم يحدّثنا القرآن عن امرأة فرعون التي استطاعت أن تلتزم بمبادئها الإيمانية، ولم تخضع للخط الفرعوني في الشرك بالله تعالى، وفي ظلم الناس، وقد أمر تعالى المؤمنين من الرجال والنساء بالاقتداء بهذه الإنسانة القوية التي استطاعت أن ترفض كلّ الإغراءات والملذّات وموقع القوّة الذي كانت فيه، قال تعالى: {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ} [التَّحريم:11].
          وكذلك قدم الله تعالى لنا مريم بنت عمران التي كانت في الموقع القدسي في مستوى العفة {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ القَانِتِينَ} [التَّحريم:12]، فكانت المرأة الواعية والقوية التي وقفت في وجه قومها متحديةً لهم بعد أن اتّهموها بالانحراف، مستمدةً قوتها من موقع قربها من الله تعالى.
          لذلك فإنّنا نعتقد أن القرآن لم يتحدّث عن المرأة بطريقة سلبية، وإن كان قدم لنا بعض النماذج السلبية للمرأة {ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} [التَّحريم:10]. هذا نموذج للمرأة السلبية التي كانت تملك موقعاً مميزاً كونها زوجة نبي من الأنبياء، ومع ذلك فإنّ الله لم يعطها القيمة نتيجة هذا الموقع، بل أخذها بعملها.
          وعلى ضوء هذا، نفهم أنّ الإسلام لم يفرِّق في القيمة الروحية، وفي مسألة القرب والبعد من الله، بين امرأة ورجل، كما جاء في قوله تعالى: {لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} [آل عمران:195]. فنحن نعتقد أن القرآن الكريم لم يتحدّث عن المرأة بشكل سلبي، كما يتحدّث بعض المسلمين من خلال ذهنية التخلّف التي عاشوها على أساس التراكمات التاريخية في النظرة إلى المرأة.

          تعليق


          • #20
            المسؤوليات الأخلاقية في الأسرة
            س: أليست هناك مسؤوليات أخلاقية في إطار هذه العلاقة؟
            ج: قبل الدخول في الحديث عن المسؤوليات الأخلاقية، ألفت إلى مسألة، وهي أن الإسلام من الناحية المادية، حمّل الرجل كل المسؤوليات المتعلّقة بشؤون البيت. وبناءً على ذلك، جُعلت مسألة الطلاق في يد الرجل، باعتبار أنّه هو الذي يتحمّل مسؤولية البيت، ومن الطبيعي جداً أن يكون هو من حقه أن ينهي هذه العلاقة. لكن هناك مخارج شرعية حول مسألة، وهي أنّ للمرأة الحق في عقد الزواج أن تشترط على الزوج أن تكون وكيلةً عنه في طلاق نفسها إذا رغبت في الانفصال عنه، وهو من الشروط التي لا تقبل الفسخ، فهو شرط ملزم. فالإسلام لم يحصر مسألة الطلاق في دائرة الرجل، بل للمرأة إذا اشترطت على الرجل ذلك، الحق في طلاق نفسها، وبهذا تملك أمرها، ونحن عندنا حديث يقول: "المسلمون عند شروطهم"، أي أنّه يجب على كل إنسان أن يفي بالشرط إذا تم التوافق عليه.
            أمّا في الجانب الأخلاقي، فقد ورد في الحديث: "جهاد المرأة حُسْن التبعل". فالإسلام لم يفرض على المرأة الجهاد في الحرب، ولكنّه فرض عليها الجهاد في داخل الأسرة، فعندما تتحمّل المرأة من ناحية نفسية بعض المضايقات أو بعض الالتزامات في بيتها، فإنّ الله يعطيها أجراً على صبرها ويعتبر ذلك جهاداً منها. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإنّ المرأة عندما تقوم بخدمة زوجها وأولادها وترعاهم، فإنّها تجسّد بذلك القيمة الروحية التي تقربها من الله سبحانه وتعالى، باعتبار أنّها تقوم بذلك مودةً ورحمةً.
            لذلك، فإنّ هناك فرقاً بين الجانب القانوني الإلزامي الذي يشعر فيه الرجل بأنه ليس له أيّة سلطة على المرأة في القيام بشؤون البيت، وبين الجانب الروحي الذي يجعل المرأة تقوم بشؤون البيت تبرعاً وإحساناً، ما يجعل من تبرعها بخدمة البيت، الذي لا يمثّل أي مسؤولية قانونية بالنسبة إليها، قيمة روحية يشعر الرجل من خلالها بقيمة المرأة وبفضلها عليه في هذا المجال.
            س: إذا أردنا أن نحقق المزيد من المساواة بين الرجل والمرأة، فهل علينا أن نشدّد على الجوانب الأخلاقية لا القانونية؟
            ج: إنّ القضايا القانونية في الإسلام تنفتح على القضايا الأخلاقية، لذلك فإنّ الإسلام في قضاياه ومسائله، يحاول أن يركّز الجانب الأخلاقي في خط الجانب القانوني، وقد جاء في قوله تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا ـ فهذا موجّه إلى الرجل والمرأة معاً، فالسكنى تعني الشعور بالاستقرار النفسي والطمأنينة في الجانب الروحي في العلاقة ـ وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الرُّوم:21]، باعتبار أن الزواج علاقة أساسها الحب المتبادل والرحمة المتبادلة، وذلك بأن يرحم الرجل أوضاع المرأة ويقدر ظروفها، وأن ترحم المرأة أوضاع الرجل وتقدر ظروفه.
            س: هل تعتقدون أنّه يمكن إحداث المزيد من التغيير بالنسبة إلى دور المرأة، وقد بدأتم ذلك بالفتوى التي أصدرتموها حول ضرب المرأة؟
            ج: أنا أعتقد أنّ الفتوى ليست حالاً مزاجية تنطلق من إحساس المفتي، لأنّها ليست مسألة شخصية، وإنّما تنطلق الفتوى من دراسة النصوص الإسلامية في الكتاب والسنة. ولذلك، فإنّ المجتهد الذي يعمل على إصدار الفتوى، لا بد له من أن يدرس النصوص الإسلامية في القرآن وفي أحاديث النبي(ص) بطريقة ثقافية منفتحة، لا بطريقة تقليدية تحاول السير على حسب ما قاله الأقدمون، بل لا بد للمجتهد من أن يكون حرّاً في فهمه لما يقرأه، ممّا جاء به الإسلام عن المرأة وغيرها من القضايا.

            تعليق


            • #21
              لماذا حق الطلاق للرجل ؟
              س: تقولون في كتبكم إنّ الرجل هو المسؤول عن المنـزل، وبالتالي هو من له حق الطلاق، وتقولون إنّ المرأة لديها مهام كثيرة، كأن تكون ربة منـزل، فيما يتحمل الرجل مسؤولية الإنفاق على البيت، بينما تتحمل المرأة مسؤولية الأولاد والبيت، كما أن الأبوة لا تحتاج إلى وقتٍ كبير مثل الأمومة، وبالتالي فإنّ مهمة الأمومة أكبر بالنسبة إلى الزواج، فلماذا يعطى الرجل حق الطلاق ولا يُعطى للمرأة؟
              ج: هناك مسألة يجب أن تعرف؛ وهي أنّ الأسرة تمثّل المؤسسة التي ترتكز إلى جانبين: جانب مادي وجانب روحي، لأنّ الله يقول: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الرُّوم:21]. فهناك جانب ينطلق من خلال القيمة الروحية، وهناك جانب ينطلق من الالتزامات المادية. هذا من جهة، أمّا قضية قوامة الرجل على المرأة، فهي قوامة إدارية، باعتبار أنّ الرجل هو الذي يقوم بمهمة إدارة الجانب المالي للبيت والأسرة، فهو الذي يتحمل مسؤولية الإنفاق على المرأة والأولاد، أمّا المرأة، فلم يكلفها الإسلام أية مسؤولية في البيت، فهي ليست مسؤولة من ناحية قانونية عن القيام بشؤون البيت وبخدماته، حتّى إنّه لم يفرض عليها من الناحية القانونية تربية أولادها، واعتبر أن عمل المرأة في البيت من الأعمال التي تستطيع المرأة أن تطلب أجرةً مقابل القيام بها، لأنّها عاملة كبقية العاملات. وأيضاً من الناحية القانونية المادية، للمرأة الحق في أن تطلب من الرجل أجراً على إرضاعها ولدها، وإذا طلبت أجراً كبيراً، فيمكن أن ترضعه امرأة أخرى. فالإسلام لم يحمِّل المرأة أيّ مسؤولية من الناحية القانونية في كل شؤون البيت الخدماتية.
              والزواج إنّما هو عقد بين المرأة والرجل تماماً كما هي بقية العقود الأخرى بين إنسان وإنسان. ومن ضمن هذا الالتزام، أن تلبّي المرأة حاجة الرجل الجنسية مثلاً، ونحن نرى بحسب الفتوى عندنا، أنّ الرجل مسؤول في إطار هذه العلاقة عن تلبية حاجات المرأة الجنسية أيضاً، إذا كانت بحاجة إلى ذلك، لأنّ الإسلام حمّل الرجل كل مسؤوليات البيت.

              تعليق


              • #22
                عزيزتي نحن أهل حوار ولسنا أهل تكفير وأهلا وسهلا بك في الحوار المفتوح وأتمنى أن يكون ما تملكينه من قوة إستدلال موجود عندك لكي تقنعيني

                لا عليك أخي ولكن حتى الأخت غدير الولاء هي أنثى على ما أعتقد
                نعم صدقتِ أنا أنثى
                عزيزتي إبنة البلد أهلاً بكِ إن شاء الله سنفتح مواضيع أو سننناقشها هنا بعد عدة أيام أو غداً إن شاء الله تعالى
                في حفظ الله

                اهداء لمن يدعون ان ولاية علي حصنهم
                نعم
                ولاية عَلِيّ حصني ومن دخل حصني أمن من عذابي
                شاء من شاء وأبى من أبى
                لاحول الله ولا قوته إلا بالله العلي العظيم
                بسكم تشكيك
                أختكم:غدير

                تعليق


                • #23
                  الفتاوى الجديدة والمجتمع المحافظ
                  س: مولانا، ألا تخشون من ردة فعل المجتمع المحافظ؟
                  ج: من الطبيعي جداً أنّ أيّة فتوى جديدة لا يوافق عليها المجتمع المحافظ، سوف يقف موقفاً سلبياً عنيفاً منها، كما وقف الكثيرون ضدي في بعض آرائي، عندما أصدرت فتوى، بأنّ من حق المرأة أن تدافع عن نفسها إذا حاول الرجل أن يعتدي عليها في البيت، ولم تكن لها أية وسيلة من خارج البيت لتدافع بها عن نفسها، سواء من الناحية القانونية أو من الناحية الاجتماعية، لأنّ حق الدفاع عن النفس هو حق إنساني ديني مشروع، حتى إنني نصحت النساء بالقيام ببعض التدريبات حتى يستطعن الدفاع عن أنفسهن، ويخرجن من حال الضعف التي تفرضها أجسادهن، لأنهنّ قد يتعرَّضن للاعتداء خارج البيت الزوجي، كالاعتداء بالاغتصاب مثلاً أو بالسرقة أو بأي شيء آخر، فأنا أدعو إلى أن تكون المرأة قويةً في مواجهة أيّة حالة عدوانية، سواء كانت في داخل البيت أو خارجه.
                  ومن الطبيعي أنّ الإسلام قد جعل للمرأة الحق في الدفاع عن نفسها، كما جعل للرجل هذا الحق، وجعل أيضاً إلى جانب حق الدفاع حق العفو، فإذا فرضنا أنّه كان من حق أي إنسان أن يدافع عن نفسه، ولكن له حق العفو إذا أراد، كما قال تعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة:237].

                  تعليق


                  • #24
                    المشاركة الأصلية بواسطة غدير الولاء
                    نعم صدقتِ أنا أنثى
                    عزيزتي إبنة البلد أهلاً بكِ إن شاء الله سنفتح مواضيع أو سننناقشها هنا بعد عدة أيام أو غداً إن شاء الله تعالى
                    في حفظ الله

                    نعم
                    ولاية عَلِيّ حصني ومن دخل حصني أمن من عذابي
                    شاء من شاء وأبى من أبى
                    لاحول الله ولا قوته إلا بالله العلي العظيم
                    بسكم تشكيك
                    أختكم:غدير
                    إن شاء الله ونطلب من الله أن يهدينا جميعا

                    تعليق


                    • #25
                      المرأة والشهادة والحكم
                      س: يقولون إن النساء أكثر عاطفةً من الرجال، وبناءً على هذه، نشأت بعض القوانين التي تميز بين الرجل والمرأة، مثل قانون الشهادة والحكم، فهل هذا المبنى صحيح؟
                      ج: أنا لا أوافق على هذا التحليل، لأنّ المرأة تملك الجانب الشعوري العاطفي الذي يتحرّك في حال الأمومة، وفي حركة الأنوثة في علاقتها بالرجل في عملية الحب المتبادل، أمّا في الحياة العامة، فقد تكون المرأة أكثر قسوةً من الرجل في بعض الحالات، لأنّها تختزن إحساسها بإنسانيتها بشكل قوي، وقديماً قيل إن كيدهن عظيم. ونحن نلاحظ الآن في العالم، أنّ بعض النساء في تجربتهن، سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي أو على المستويات الأخرى، يمثّلن القوّة أكثر من الرجل.
                      أمّا مسألة الشهادة، فهي لا تنطلق من ناحية عاطفية، ويؤكّد ذلك قوله تعالى: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة:282]، تضلّ بمعنى تنسى، أو تنحرف بفعل بعض المؤثرات الداخلية لا من ناحية عاطفية. والملحوظ أنه اعتبر أنّ المرأة إذا ضلّت أو انحرفت أو نسيت، فإنّ امرأة أخرى هي التي تذكّرها، ولو افترضنا أنّ المرأة تمثّل حالة سلبية، فكيف يمكن لامرأة أخرى أن ترشدها وتصحح لها؟! ثم في مسألة الرجل في عالم القضاء، هناك ما يسمى بالبينة، وهذه تحتاج إلى شهادة عدلين، بمعنى أنه لا تكفي شهادة رجل واحد إذا أقيمت دعوى أمام القاضي لإثبات مسألة من المسائل، بل لا بد من شهادة رجلين عدلين، فهل هذا يكون من جهة الجانب العاطفي؟ إن الشهادة والبيّنة تخضع لمسألة الاحتياط للعدالة، وأيضاً في عالم الشهادة في مسألة (الزنا)، فإنّ إثباته يحتاج إلى أربعة رجال يثبتون ذلك بالشهادة التفصيلية، ولا يكفي في ذلك رجل واحد، وأيضاً هناك حالات تحتاج إلى شهادة امرأة واحدة فقط في حال إثبات عذرية المرأة أو عدم عذريتها.
                      ولذلك فقضية الشهادة، هي من القضايا التي تدخل في تفاصيل المحافظة على العدالة، وليس فيها قضية عاطفة وعدم عاطفة، وكما قلت، فإنّ الرجل قد يكون أكثر عاطفيةً من المرأة من ناحية تحكم الغريزة فيه مثلاً، سواء كانت الغريزة الجنسية أو المالية أو الغرائز الأخرى.

                      تعليق


                      • #26
                        س: مولانا، لم تشيروا في كتبكم حول المرأة إلى ما قامت به امرأة عزيز مصر من إغواء ليوسف (في سورة يوسف). هل يجب حماية الرجال من النساء؟
                        ج: لا، أنا أقول إنّ الرجل هو الذي يغري المرأة، وليست المرأة دائماً هي التي تغري الرجل، ولذلك فقد كتبت في تفسير (من وحي القرآن) في تجربة النبي يوسف(ع) مع امرأة العزيز، أنّ معنى قوله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ـ أي اندفعت نحوه لتجبره على العلاقة الجنسية ـ وَهَمَّ بِهَا ـ هو شعر بحالة جسدية لا بحالة عقلية، كونه شاباً احتضنته امرأة وليست عنده تجربة، وصارت عنده تقلصات، مثل الجائع عندما يمر على مطعم وهو لا يريد أن يأكل، لكنّه يشعر بالتفاعلات الجسدية ـ لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} [يوسف:24]، فالمسألة في تجربة يوسف(ع) كانت أن المرأة هي الّتي تغري الرجل، ولكن في تجارب أخرى، فإنّ الرجال هم الذين يغرون المرأة في عملية الانحرافات الجنسية، وهناك الكثير من الحالات الموجودة عندنا الآن في المجتمع الغربي والمجتمع الشرقي.
                        فمسألة الغريزة تمثّل حالاً يتحرّك بها الرجل والمرأة. غاية ما هناك، أن المرأة باعتبار أنّها تعيش الإحساس بجمالها وأنوثتها بطريقة قوية، فإنّها تعتبر أن رغبة الرجل فيها تمثّل قيمةً لأنوثتها وإنسانيتها، وهذا ما تعمل عليه شركات الدعاية وشركات الموضة.
                        مقابلة لباحثة ألمانية مع سماحة السيد حول شؤون المرأة/13-5-2008

                        تعليق


                        • #27
                          هذا سماحة السيد لقد أولى المرأة إهتمام زائد فإني أستغرب من
                          هجوم بعض النساء له.

                          تعليق


                          • #28
                            بسم الله الرحمن الرحيم
                            الدعوة في وجه أساليب الشرك
                            درس التفسير القرآني الذي ألقاه سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله
                            الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصّلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين، وعلى جميع أنبياء الله والمرسلين، السلام عليكم أيُّها الأخوة المؤمنون والأخوات المؤمنات ورحمة الله وبركاته.
                            أساليب الضلال:
                            يقول الله سبحانه وتعالى، وهو يوجِّه خطابه إلى الرسول(ص)، ومن خلال الرسول(ص) إلى الأمَّة: {فادع واستقم كما أمرت} ، فالله سبحانه يقول لنبيه إنّي قد وضعت لك في دعوتك وفي شريعتك وفي كلِّ المنهج الذي خطّطته لك، خط الاستقامة، وعليك أن تستقيم على هذا الخط، فلا تنحرف يميناً أو شمالاً، بل عليك التحرك في هذا الخطّ من البداية إلى النهاية، {ولا تتّبع أهواءهم}(الشورى/15)، لأن هؤلاء ربما يحاولون خداعك والقيام بتقديم بعض الإغراءات لك، حتى تترك رسالتك، وتسير معهم في الخط الذي يسيرون عليه.
                            وهذا ما حدث في مكّة، عندما جاء المشركون إلى الرسول(ص)، وقالوا له تعال لنعبد إلهك سنةً وتعبد آلهتنا سنة، فقد كانوا يريدون منه الاعتراف بآلهتهم، وبذلك يبطلون دعوة التوحيد، لأن النبي إذا قبل منهم ولو ليوم واحد بأن يشرّع عبادة آلهتهم، فإن ذلك يسقط عقيدة التوحيد، لأن التوحيد هو التركيز على شهادة أن لا إله إلا الله، أي الوحدانية لله سبحانه وتعالى في الألوهية، ولذلك نزلت سورة الكافرون: {قل يا أيها الكافرون* لا أعبد ما تعبدون* ولا أنتم عابدون ما أعبد* ولا أنا عابدٌ ما عبدتم* ولا أنتم عابدون ما أعبد* لكم دينكم ولي ديني}.
                            فالمسألة هي الخطّ الفاصل بيننا وبينكم على أساس أنّ الشرك لا يلتقي مع التوحيد، فأنتم ما دمتم مصرّين على الشرك، فلا يمكن أن تلتقوا بالتوحيد، ونحن ما دمنا ملتزمين بالتوحيد، فلا يمكن أن نتقبّل الشرك {وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره} يعني أنهم كانوا يحاولون إقناعه بتغيير شيء ما في القرآن أو تبديله، حتى يربكوا حركته، ليُقال إنّ هذا القرآن منه وليس من عند الله، لأنه إذا قام بتبديل القرآن، فذلك يعني أنه من عنده، ولذا أجابهم: {قل ما يكون لي أن أبدّله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحي إليَّ} فالله أنزل عليه: {وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره إذاً لاتّخذوك خليلاً* ولولا أن ثبّتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً* إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيراً}(الإسراء/73-75).
                            وأُمرتُ لأعدل بينكم :
                            فهذه الفقرة في الآية تشير إلى الأساليب التي حاولوا أن يضلّلوه بها، وأن يفتنوه بها عن رسالته {ولا تتّبع أهواءهم وقل _ عندما تريد أن تطرح عليهم رسالتك _ آمنت بما أنزل الله من كتاب}، لأني أؤمن بالتوراة والإنجيل والقرآن، فنحن لا نفرِّق بين أحدٍ من رسله، ونحن نؤمن بكلِّ ما أنزل الله من كُتب، {وأُمرتُ لأعدل بينكم} وقد أمرني الله سبحانه وتعالى بالعدل مع كلِّ الناس الذين أتحمَّل مسؤوليّتهم وإدارة أمورهم، فأعطي لكلِّ ذي حقٍ حقَّه ولا أغمط (أمنع) حق أحد، {الله ربنا وربكم}، فالله ربُّ العالمين جميعاً، ولا يختصُّ بجماعةٍ دون أخرى، {لنا أعمالنا ولكم أعمالكم} ما دمتم لا تؤمنون بما ندعوكم إليه من الإسلام، وبقيتم على الشرك الذي سوف تحاسبون عليه، ولنا أعمالنا التي نُقدّمها غداً بين يدي الله سبحانه وتعالى، {لا حجَّة بيننا وبينكم} لأن القضايا مقطوعة، فلا تقبلون منا ولا نقبل منكم، {الله يجمع بيننا وإليه المصير}.

                            تعليق


                            • #29
                              اللين في الدعوة:
                              هذا أسلوب من أساليب الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة. وفي آيةٍ أخرى يقول الله: {يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله}، أي ليكن الإنسان ملتزماً نصرة الله سبحانه وتعالى، وذلك يكون بنصرة دينه ونصرة المستضعفين من عباده، {كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله} فالسيِّد المسيح(ع) لم يدعُ الناس إليه (كشخص )، لم يقل من أنصاري؟ من جماعتي؟ من أتباعي؟ وإنما قال من أنصاري إلى الله، يعني من هم الأنصار الذين يسيرون معي في هجرتي إلى الله، في رحلتي إلى الله وفي نصرتي له؟{قال الحواريون نحن أنصار الله}(الصف/14).
                              وهكذا نرى أن صاحب كلِّ رسالة عندما يدعو الناس، فإنَّ عليه أن لا يدعوهم إلى نفسه، بحيث يقول جماعتي أو أنصاري، أو يطلب أن يكونوا كذلك، بل عليه دعوتهم إلى أن يكونوا أنصار الله الذين يلتزمون خطّ الله مع الداعي إلى الله سبحانه وتعالى.
                              وفي نهاية المطاف، نذكر ما قاله الله سبحانه وتعالى لموسى(ع) عندما أراد له أن يذهب إلى فرعون: {اذهب إلى فرعون إنّه طغى _ حيث تجاوز الحدَّ المعقول عندما ادَّعى الربوبية وقال: {أنا ربكم الأعلى}، {فقل هل لك إلى أن تزكى _ أي هل تقبل أن تذكِّي قلبك وعقلك وحياتك لتكون في خطِّ الخير والطهارة وخطّ السموّ وخطّ الصّفاء _ وأهديك إلى ربك فتخشى}(النّازعات/17-19) فأشرح لك عن الله، لتعرفه سبحانه وتعالى في مواقع عظمته ونعمته، فتخاف منه وتعبده في نهاية المطاف، وهذا هو القول الليّن الذي أمر الله به هارون وموسى أن يقولاه لفرعون: {فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى}(طه/44).
                              وهذا ما نستوحيه للقيام به مع كلِّ إنسان نريد هدايته إلى الحق وإلى الصراط المستقيم، وهو أن نستعمل القول الليِّن والطيّب الذي يمكن أن يدخل إلى قلبه، ويرتفع إلى عقله، ليلتزم به في ما يقدِّمه إليه الرسول أو الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى.
                              والحمد لله ربِّ العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

                              تعليق


                              • #30
                                الشرك تمرد على الفطرة
                                الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين وعلى جميع أنبياء الله والمرسلين، السلام عليكم أيها الأخوة المؤمنون والأخوات المؤمنات ورحمة الله وبركاته.
                                من الظلم انحراف الإنسان عن الخط المستقيم الذي رسمه الله له سواء في الجانب العقيدي من جهة الكفر بالله أو الشرك به، أو في الجانب العملي والسلوكي، والله يؤكد دائماً أنه لم يظلم أحداً من خلقه فيما يواجهه هذا الخلق من عذاب ومن عقاب، ولكن الإنسان هو الذي يظلم نفسه.
                                وقد أشار الباري إلى ذلك في عدة آيات من سورة النحل، والتي تحدث فيها عن حقيقة العقيدة، وعن هؤلاء الذين انحرفوا عنها، مقارناً ذلك بالذين استقاموا عليها، ثم تحدث عن النتائج السلبية للمنحرفين عن العقيدة، وذلك في معرض رده على المشركين، بأنه لكم عقولاً يمكن لكم أن تحركوها لتطلقوها في خط التفكير الذي يميز فيه الإنسان الأشياء، إنكم تعبدون هذه الأصنام أو تعبدون أشخاصاً من دون الله، ولكن إذا أردتم أن تتعرفوا خط الاستقامة وخط الانحراف، خط الحق وخط الباطل، فكروا بعقولكم؛ هل يمكن أن يكون الإله عاجزاً لا يملك من أمره شيئاً؟! من الطبيعي أن عقولكم تقول إذا استنطقتموها إنه لا يمكن أن يكون هذا إلهاً، لأن الإله هو الخالق للكون، وهو الذي يملك القدرة المطلقة في كل ما يحرك فيه الكون سواء في هذه الظواهر الكونية الضخمة أو في الإنسان أو في الحيوان أو ما إلى ذلك. إن معنى أن يكون إلهاً أن يكون خالقاً، أن يكون قادراً، أن يكون مهيمناً على الأمر كله، أن يكون الذي يعطي للحياة كل طاقاتها ويحرك النعم في المخلوقات التي خلقها لتستطيع الاستمرار في الحياة، {أفمن يخلق كمن لا يخلق} (النحل/17). إن هذه الأصنام التي تعبدونها من دون الله أو الذين تطيعونهم من دون الله، هؤلاء لا يخلقون شيئاً، هو الخالق فكيف تقارنونهم بالله، {أفلا تذكّرون}، والتذكّر ليس مقتصراً فقط على الشيء الذي كان يعرفه الإنسان ثم نسيه، بل المراد من التذكر هو أن يستنطق الإنسان ما استقرَّ في فطرته وفي عناصر تفكيره فكأنه بحسب فطرته التي لو استنطقها لقالت له وبيّنت له حقيقة التوحيد وسلبيات الشرك.
                                وهذه الفكرة التي يطرحها القرآن بطريقة استنكارية، ليست في مقام السؤال، بل إن الله تعالى يستنكر على الذين يساوون بين الخالق والمخلوق، وهذه الفكرة لا تحتاج إلى فلسفة حتى يقول الواحد منا ليس عندي اختصاص في الفلسفة، لا، ولكن ليعرضها كل واحد على نفسه، لأنه عندما يطرح أحدهم السؤال على نفسه، سيرى أن هناك خالقاً لهذا الكون، وهناك من هو مخلوق لهذا الخالق، وهو لا يملك أي شيء، لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً، عندها هل يمكن المقارنة بينهما، إذا انطلق كل إنسان، حتى لو لم يكن متعلماً، من طبيعة أصالة الفطرة في نفسه، أي هذا الشيء الخفي الكامن في عمق ذاته وشخصيته؟! {فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله} (الروم/30).
                                وتذكّر، يعني لا تبقي نفسك في الغفلة، لا تهمل ما توحيه إليك عناصر الوعي واليقظة الكامنة في داخل شخصيتك. ثم إنّ الله تعالى يوجه الناس بأنكم تتقلّبون في النعم، ومنها نعمة الوجود، فنحن كنا عدماً ثم وجدنا، ونعمة حركة الحياة في هذا الجسد، والأجهزة التي خلقها الله تعالى في أجسادنا؛ نعمة العقل الذي يفكر، والقلب الذي ينبض، واللسان الذي ينطق والفم الذي يستقبل ما نأكل وما نشرب، والجهاز الهضمي الذي دوره هو دور تصنيع الأكل والشرب وتوزيعه على كل الأجهزة التي تحتاج إلى ذلك، ثم ما خلقه في هذا الكون، من الهواء الذي نتنفس، والماء الذي نشرب، والأشياء التي نزرعها، وأيضاً كقضية توالد الإنسان في عملية التناسل بهذه الطريقة التي أودعها الله تعالى في جسد الإنسان وما لى ذلك.
                                يقول سبحانه: {وإن تعدُّوا نعمة الله لا تحصوها} (النحل/18) أي لو فرضنا أنّنا أردنا أن نعدّ نعم الله في الكون، فإننا لن نقدر على ذلك، فمثلاً كما نلاحظ الآن عبر الاكتشافات العلمية، أنه نفس هذه الكواكب والأقمار الموجودة في الكون، لها دور في كل أوضاعنا، والأرض هي مجرَّد كوكبٍ من هذه الكواكب، أما ماذا يوجد في هذه الكواكب، فنحن لا نعرف، وحتى في نفس الأرض، لا نعرف كيف خلق الله المطر الذي أوجد الأنهار التي مدَّت البحار، وهذه المخلوقات الموجودة في البحر، والمخلوقات الموجودة في الجوّ، فإذا كنّا نعدّ نعم الله، فماذا نحصي؟ {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها}.
                                وأما قوله تعالى: {إن الله لغفور رحيم} أي يغفر لكم إهمالكم في بعض الحالات ويرحمكم لتنفتحوا من خلال رحمته على حقائق الأشياء، {والله يعلم ما تسرون وما تعلنون} لأنّ هناك أشياء نحن نخفيها في صدورنا، أي في عناصر شخصيتنا، لا نبوح بها لأحد، وهناك أشياء نبديها، ولكن الله {يعلم السر وأخفى} (طه/7) {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور} (غافر/19)، ولذلك فالإنسان مكشوف أمام الله تعالى، وإن كان هناك شيء نخفيه عن بعضنا البعض، فإنه ليس خفياً عند الله {والله يعلم ما تسرون وما تعلنون}، {والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئاً وهم يُخلقون} (النحل/20)، فهؤلاء الذين يدعونهم ويعبدونهم ويطيعونهم من دون الله، لا يخلقون شيئاً كما يخلق الله الأشياء وهم يخلقون، حيث كانوا عدماً ثم وجدوا، {أمواتٌ غير أحياء وما يشعرون أيّان يُبعثون} (النحل/21)، فهؤلاء أموات غير أحياء وإن كانوا يعيشون الحياة في أجسادهم، لكنهم أموات الوعي والعقل، فهم كالأموات في هذا المقام، حيث لا يشعرون في ما يقبلون عليه بعد الموت الحقيقي المحتوم.
                                ثم يؤكد الحقيقة بقوله: {إلهكم إله واحد} لأنه وحده الخالق، ووحده المنعم، ووحده الرازق، ووحده القادر والمهيمن على الأمر كله، ووحده الذي يعلم الغيب ويعلم كل الأشياء، {فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة}، أي عقولهم منكرة {وهم مستكبرون} (النحل/22)، لا يخضعون للحقيقة، لأن الاستكبار لدى الإنسان يمثل انتفاخ الشخصية، وربما في تعبير آخر ورم الشخصية، لأن الانتفاخ قد يحدث من خلال الشحم واللحم، وقد يحدث من خلال الورم. ولذلك كان الشاعر المتنبي يمدح سيف الدولة الحمداني، وكان عنده شخص آخر هو شاعر أيضاً يعارض المتنبي، فالمتنبي كان يخاطب سيف الدولة ويقول:
                                أعيذها نظرات منك صادقةً أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم
                                أي إن ما تراه في هذا الشخص السمين هو ورم وليس شحماً. وهناك ورمٌ على قسمين، هناك شحم جسدي مادي وورم مادي، وهناك شحم عقلي، وشحم روحي، والبعض قد يكون عنده ورم عندما يظن نفسه عاقلاً وهو ليس عاقلاً، ولذلك كل الذين تلاحظوهم يستعرضون عضلاتهم ويستعرضون وجاهتهم ويتكبرون على الناس، هؤلاء يعيشون ورم الشخصية ولا يعيشون قوة الشخصية، لأنك لو استنطقتهم لرأيتهم فارغين من الفكر، وفارغين من كل ما يرفع مستوى الإنسان. ومع الأسف، بعض الناس قد يتحركون مع الذين يعيشون ورم الشخصية ولا يتحركون مع الذين يعيشون قوة الشخصية وواقع الشخصية، لأن الناس قد تغرها المظاهر في هذا المقام، فهذا الذي يعيش قوة الشخصية ضعيف وهزيل لا يملأ عينك، وذاك تراه على أنه منتفخ إما بماله أو بسلطته أو منتفخ بكثرة الناس حوله، ولكن عندما تنفذ إلى داخله لا تجد هناك أي شيء يوحي بالقوة عنده.
                                ولذلك على الإنسان أن يحسن النظر، وأن يستعمل نظر عقله لا نظر وجهه، ومعنى {لا جرم} أي حقَّ وثبت أي لا محالة {أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون} لأن هناك كثيراً من الناس قد يكونون مقتنعين ولكن لا يظهرون هذا الشيء عملياً {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم} (النمل/14) {إنه لا يحب المستكبرين} (النحل/23)، لأن المستكبرين لا يعيشون عمق الحقيقة، {وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم} إشارةً إلى الرسالات والكتب التي أوحى الله تعالى بها إلى إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد {قالوا أساطير الأولين} (النحل/24)، هذه خرافات، من دون أن يفكروا ويقرأوا ويتدبروا، ومن دون أن يدخلوا في حوار مع الآخرين. وهذا أمر ربما كان موجوداً في أكثر المجتمعات، لأن بعض الناس لا يرفضون ما يرفضونه على أساس الثقافة، وإنما يرفضونه من خلال عقدة، قد لا تمنعه من الاقتناع.
                                الآن أنت في تجربتك، ألا تلتقي بمن يقول لك مثلاً إنك لو بقيت تتكلم معي من الصباح حتى المساء لست مستعداً لأن أقتنع، أنا لا أغير عقلي، هذا الذي في عقلي لو جاءت كل الدنيا فلن أبدله، لماذا لا تبدل؟! لك عقل وللناس عقول فلماذا لا تسمع لما يفكر به الآخرون؟!
                                وهناك نقطة يجب أن نلتفت إليها، وهي أن أكثر مسائلنا العقلية إما إننا ورثناها من أهلنا، أو تأثرنا بها من خلال بيئتنا، أو أننا فكرنا بها أو اقتنعنا بها، أي لو فرضنا أننا أردنا أن ندرس كل أفكارنا وكل انطباعاتنا، نرى أن هذه لم تُخلق معنا، فالطفل عندما يولد هل تكون هذه الأفكار جزءاً منه كعينه أو أذنه، هذه أشياء دخلت في عقولنا أو في قناعاتنا من خلال ما ورثناه، فالشخص يتأثر بوالده وبوالدته أو بالبيئة، أو أنه قرأ ودرس وتأثر. إذاً هذه كلها أشياء طارئة، وإذا كانت أشياء طارئة فيمكن أن تتغيّر، الأفكار التي يقتنع بها الإنسان قد يأتي من يقنعه بغيرها، وعليه أن يبقى عليها ما دام لا يأتي غيرها أقوى منها فعلى الإنسان أن لا يكون متعصباً لفكرته، لأن علاقة الإنسان بالفكرة علاقة طارئة وليست ذاتية.
                                لذلك فالعصبية لا تنطلق من حالة وعي ومن حالة علم واحترام الإنسان لذاته، فالعصبية جمود، كالشخص الذي يعيش في سجن فيألف هذا السجن، كذلك العصبية هي أن تسجن ذاتك في دائرة خاصة، الهواء الطلق موجود، اليوم تكون في بيت وغداً تنتقل إلى بيت ثانٍ أوسع منه، اليوم تكون في بلد ظروفه صعبة ثم تنتقل إلى آخر، يقول الإمام علي (ع): «ليس بلد أولى بك من بلد خير البلاد ما حملك»، قيمة هذا البلد أنه يحملك، وإلا فتذهب إلى بلد ثانٍ فيحملك، ليس هناك مانع أن تكون لك ذكرياتك في بلد الآباء والأجداد، لكن ليس معناه أن تتعصَّب بحيث إنك تخنق حياتك لأنك تريد أن تبقى في هذا البلد الذي لا يوفر لك شروط حياتك.
                                فهؤلاء الناس عندما يقال لهم {ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين} من دون تفكير ومن دون تدبر أو حوار، {ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة}، لأن هذه أثقال غير أصيلة، يعني من قبيل أن يجمع الواحد الأثقال ويحملها على ظهره، لا أن يختارها اختياراً واعياً عقلانياً منفتحاً على الحقيقة، {ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم}، أيضاً من أثقال الذين يخدعونهم ويغشونهم ويضلونهم من دون أساس ومن دون علم، {ألا ساء ما يزرون}.
                                هذا نموذج من الناس، وتبقى بعض الآيات التي نستكملها إن شاء الله في الأسبوع القادم حتى نصل إلى مسألة أنهم ظلموا أنفسهم ولم يظلموا الله.
                                والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

                                تعليق

                                اقرأ في منتديات يا حسين

                                تقليص

                                المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                                أنشئ بواسطة مروان1400, 03-04-2018, 09:07 PM
                                ردود 13
                                2,149 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة مروان1400
                                بواسطة مروان1400
                                 
                                أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 30-06-2024, 10:47 PM
                                ردود 0
                                79 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة وهج الإيمان
                                بواسطة وهج الإيمان
                                 
                                أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 14-07-2023, 11:53 AM
                                استجابة 1
                                110 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة وهج الإيمان
                                بواسطة وهج الإيمان
                                 
                                أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 23-12-2021, 11:24 AM
                                استجابة 1
                                211 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة وهج الإيمان
                                بواسطة وهج الإيمان
                                 
                                أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 31-08-2019, 08:51 AM
                                ردود 2
                                348 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة وهج الإيمان
                                بواسطة وهج الإيمان
                                 
                                يعمل...
                                X