3) عصمة النبي موسى عليه السلام:
فقال المأمون: بارك الله فيك يا أبا الحسن! فأخبرني عن قول الله:
( فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان ).
قال الرضا عليه السلام: إن موسى دخل مدينة من مدائن فرعون على حين غفلة من أهلها - وذلك بين المغرب والعشاء - (فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى) فقضى موسى على العدو بحكم الله تعالى ذكره فمات. قال: ( هذا من عمل الشيطان ) يعني الاقتتال الذي وقع بين الرجلين، لا ما فعله موسى من قتله إياه ( أنه - يعني:الشيطان - عدو مضل مبين ) .
قال المأمون : فما معنى قول موسى: ( رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي ) ؟
قال: يقول: إني وضعت نفسي غير موضعها، بدخولي هذه المدينة ، فاغفر لي أي : استرني من أعدائك . لئلا يظفروا بي فيقتلوني ( فغفر له ) أي :
ستره من عدوه ، (إنه هو الغفور الرحيم ) قال: ( ربي بما أنعمت علي ) من القوة حتى قتلت رجلا بوكزة، ( فلن أكون ظهيرا للمجرمين ) بل أجاهد في سبيلك بهذه القوة حتى ترضى. ( فأصبح موسى في المدينة خائفا يترقب فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه قال له موسى إنك لغوي مبين ) قاتلت رجلا بالأمس ، وتقاتل هذا اليوم لأؤدبنك ، فلما أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما ظن الذي هو من شيعته أنه يريده ( قال: - يا موسى - أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين ).
قال المأمون: جزاك الله عن أنبيائه خيرا يا أبا الحسن! فما معنى قول موسى لفرعون: ( فعلتها إذا وأنا من الضالين ) ؟
قال الرضا عليه السلام: إن فرعون قال لموسى لما أتاه: ( وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين ) ( قال موسى فعلتها إذا وأنا من الضالين ) عن الطريق بوقوعي إلى مدينة من مدائنك، ( ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين ) وقد قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وآله: ( ألم يجدك يتيما فآوى ) يقول: ألم يجدك وحيدا فآوى إليك الناس؟ ( ووجدك ضالا ) يعني:
عند قومك ( فهدى ) أي: هداهم إلى معرفتك. ( ووجدك عائلا فأغنى ) يقول: أغناك بأن جعل دعاءك مستجابا.
قال المأمون: بارك الله فيك يا بن رسول الله! فما معنى قول الله: ( ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ) كيف يكون كليم الله موسى بن عمران لا يعلم أن الله تعالى ذكره لا يجوز عليه الرؤية حتى يسأله هذا السؤال؟!
فقال الرضا عليه السلام: إن كليم الله موسى بن عمران علم أن الله جل عن أن يرى بالأبصار، ولكنه لما كلمه الله تعالى وقربه نجيا، رجع إلى قومه فأخبرهم:
أن الله عز وجل كلمه وقربه، فقالوا: لن نؤمن لك حتى نسمع كلامه كما سمعت، وكان القوم سبعمائة ألف رجل، فاختار منهم سبعين ألفا، ثم اختار منهم سبعة آلاف، ثم اختار منهم سبعمائة، ثم اختار منهم سبعين رجلا لميقات ربه، فخرج بهم إلى طور سيناء، فأقامهم في سفح الجبل وصعد موسى إلى الطور، وسأل الله عز وجل أن يكلمه ويسمعهم كلامه، فكلمه الله تعالى: وسمعوا كلامه من فوق وأسفل ويمين وشمال، ووراء وأمام، لأن الله عز وجل أحدثه في الشجرة، ثم جعله منبعثا منها حتى سمعوه من جميع الوجوه. فقالوا: لن نؤمن لك بأن هذا الذي سمعناه كلام الله حتى نرى الله جهرة، فلما قالوا هذا القول العظيم واستكبروا وعتوا، بعث الله عليهم صاعقة فأخذتهم بظلمهم فماتوا.
فقال موسى: يا رب ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم وقالوا: إنك ذهبت بهم فقتلتهم لأنك لم تكن صادقا فيما ادعيت من مناجات الله إياك؟
فأحياهم الله وبعثهم معه، فقالوا: إنك لو سألت الله أن يريك تنظر إليه لأجابك، وكنت تخبرنا كيف هو فنعرفه حق معرفته.
فقال موسى: يا قوم! إن الله لا يرى بالأبصار ولا كيفية له، وإنما يعرف بآياته ويعلم بعلاماته.
فقالوا: لن نؤمن لك حتى تسأله.
فقال موسى: رب إنك قد سمعت مقالة بني إسرائيل وأنت أعلم بصلاحهم، فأوحى الله جل جلاله إليه يا موسى سلني ما سألوك فلن أؤاخذك بجهلهم، فعند ذلك قال موسى: ( رب أرني أنظر إليك ) ( قال لن تراني ولكن أنظر إلى الجبل فإن استقر مكانه - وهو يهوى - فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل - بآية من آياته - جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك ) يقول:
رجعت إلى معرفتي بك؟ عن جهل قومي، ( وأنا أول المؤمنين ) منهم بأنك لا ترى.
http://www.yahosein.com/vb/showthread.php?t=92832
تعليق