وقفات وردود على كتاب السيد جعفر مرتضى
"ابن عربي ليس بشيعي"
الوقفة الأولى
"ابن عربي ليس بشيعي"
الوقفة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم،
أقول، وأنا أقل العباد علماً وعملاً، أنه قد خفي عن المحقق والمدقق آية الله السيد جعفر مرتضى حفظه الله معنى هذه العبارة الصريحة بتشيع الشيخ ابن عربي قدس سره، وقد رد عليها السيد العاملي حفظه الله بردّ لا يوضح حقيقة مرامها، وهذا يبين عدم إلمام السيد حفظه الله بالمصطلحات الفلسفية، أو عدم التفاته إلى حقيقة معنى الكلام الوارد، وذلك على أحسن الظن ..
قال السيد العاملي حفظه الله نقلاً عن الشيخ الأكبر قدس سره:
" ... «فكان صلى الله عليه [وآله] وسلم مبدأ ظهور العالم، وأول موجود. قال الشيخ محيي الدين. وكان أقرب الناس إليه في ذلك البهاء علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، الجامع لأسرار الأنبياء أجمعين.. "
إلى أن علّق السيد حفظه الله:
"سابعاً: أضف إلى ذلك: أن مجرد قرب علي عليه السلام من حيث الظهور في الوجود لا يعني أنه الأفضل بعد رسول الله صلى الله عليه وآله.. فإن النبي آدم عليه السلام كان أباً للبشر كلهم، ولم يكن أفضل من النبي إبراهيم، أو من نبينا الأعظم صلى الله عليه وآله وعلى النبي إبراهيم وآله.."
أقول: كيف خفي على السيد حفظه الله أن كلام الشيخ الأكبر هنا في إطار إثبات قاعدة إمكان الأشرف التي يعتقد بها الفلاسفة، وقد فهمها السيد حفظه الله على خلاف وجهها الصحيح، فوقع في خطىء فادح حين حللها، إذ أنها تثبت عكس ما ذهب إليه في تفسير كلام الشيخ الأكبر، والعجيب أنه قد غفل عن عبارات "مبدأ ظهور العالم" و "أول موجود" رغم أن الروايات الواردة عن أهل العصمة عليهم السلام مليئة ومستفيضة بهذا المعنى كما سيأتي لاحقاً، وقد أثبت السيد العاملي حفظه الله هذا المعتقد في الكثير من كتبه، وبيّن أن النبي صلى الله عليه وآله هو النور الأول، والأعجب من ذلك أن السيد حفظه الله رغم دقته في مباحثه، إلا أنه قد غفل عن مراد الشيخ الأكبر قدس سره وذهب إلى تفسير كلامه بظهور الخلق لا بأصل الوجود. والكلام فيه اشكال وذلك لعدة أمور:
توضيح مسألة قاعدة إمكان الأشرف: يقول المولى محمد النراقي رضوان الله عليه (صاحب كتاب جامع السعادات) في كتابه الإلهي القيّم "اللمعات العرشية" ما يلي:
المعروف من المعلم الاول ان الممكن الاشرف يجب ان يكون اقدم من الممكن الاخس في مراتب الوجود و ان الاخس اذا وجد لابد ان يكون الاشرف قد وجد قبله; و هذا اصل عظيم نافع في كثير من المباحث، منشعب من اصل امتناع صدور الكثرة عن الواحد; و يسمى بقاعدة «الامكان الاشرف» و قد استعملها الشيخ في ترتيب نظام الوجود و بيان سلسلة البدء و العود; و صاحب الاشراق في اثبات العقول و المثل النورية; و صاحب الشجرة الالهية في بعضالمباحث.
و بالجملة: هي قاعدة مبرهنة مقبولة مسلمة عند القدماء و المتاخرين ... " انتهى النقل.
خلاصة الأمر أن هذه القاعدة تتحدث عن الوجود، لا الخلقة، وظهور الوجود لا يكون في عالم الأجسام، بل في عالم الأنوار (على أقل تعبير)، ولذلك ورد عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: أول ما خلق الله نور نبيك، وقد ثبت عند الشيعة أيضاً نقلاً عن الأئمة الأطهار عليهم السلام أن النور الثاني كان علياً عليه السلام، وهذا ما قصده الشيخ الأكبر قدس سره في كلامه، وعليه يكون مثال السيد العاملي حفظه الله وإشكاله على كلام الشيخ الأكبر بقوله "فإن النبي آدم عليه السلام كان أباً للبشر كلهم، ولم يكن أفضل من النبي إبراهيم، أو من نبينا الأعظم صلى الله عليه وآله وعلى النبي إبراهيم وآله" لا يصح، ولا علاقة بما ذكره بأصل الكلام لا من بعيد ولا من قريب، فإن السيد يتكلم عن ظهور آدم عليه السلام في النشأة الدنيوية، بينما كلام الشيخ الأكبر قدس سره في عالم الأنوار (سلسلة الوجود وظهور العلل والمعلولات)، والثابت عند الشيعة والعامة أن أول موجود في ذلك العالم هو النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، فلا أدري على أي أساس ربط السيد حفظه الله هذا الكلام بخلق النبي آدم عليه السلام في عالم الأجسام ؟!
وبناءً على هذه القاعدة، يوضح المولى النراقي قدس سره:
"فيثبت ان وجود الممكن الاخس قبل الاشرف محال; فيمتنع ان يتخلف عن وجود الواجب الذي لايتصور اشرف منه وجود الممكن الاشرف و يجب ان يكون اقرب اليه و ان يكون الوسائط بينه و بين آخر المعلولات التي لااخس منه الاشرف; فالاشرف من مراتب العلل و المعلولات بان يصدر الاخس من الاشرف من دون جواز العكس الى آخر المراتب للادلة المذكورة. "
ولعمري، إن هذا أوضح دليل على كون سائر الخلائق تستفيض نورانيتها ووجودها من الإمام أمير المؤمنين عليه السلام على حد تعبير الشيخ الأكبر، وأن سائر الخلائق إنما صدرت عن أمير المؤمنين عليه السلام - وهو العلة لها - ، فلا يكون هناك وجود أشرف منه صلوات الله عليه غير النبي الأعظم صلى الله عليه وآله، ولذلك يكون "الجامع لأسرار الأنبياء أجمعين"،
وعليه تكون هذه العبارة هي الأصح، لا ما ذهب إليه السيد العاملي حفظه الله، وذلك موافقة للقاعدة الفلسفية التي لم يلتفت إليها السيد حفظه الله.
وبهذا يسقط جميع ما حاول بيانه السيد حفظه الله من أن الشيخ الأكبر قدس سره يفضل أحداً على علي عليه السلام، أو أنه يذكر مقامات لغيره هي أعلى من مقامات الأمير صلوات الله عليه، إذ أنه -طبقاً للقاعدة الفلسفية التي يتبعها الشيخ الأكبر وأثبتها في نفس هذا الكلام المنقول عنه - يستفيض جميع الخلق من وجود الأمير صلوات الله عليه، فيكون بذلك أعلى منهم مرتبة وأفضل منهم منزلة، بل يكون كل فضل ينسب إلى أحد من الموجودات إنما هو من فضل أمير المؤمنين عليه السلام.
وهذه إشارة واضحة في كلام الشيخ الأكبر لبيان عقيدته الحقيقية بأمير المؤمنين عليه السلام.
وكتبه مليئة بهذه الإشارات التي لا يعقلها إلا القليل النادر من العلماء.
والله الموفق
تعليق