إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

بسم الله الرحمن الرحيم نداء للشيعه اسلموو

تقليص
هذا الموضوع مغلق.
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #31
    ( 76 )الله بك رجلاً واحداً خير لك مما طلعت عليه الشمس » .
    وغادرت العراق بعد قضاء عشرين يوماً في ربوع الائمة وشيعتهم ، مرت كأنها حلم لذيذ يتمنى النائم أن لا يستيقظ حتى يستوفيه ، غادرت العراق متأسفاً على قصر المدة ، متأسفاً على فراق الافئدة التي أهوي إليها والقلوب التي تنبض بمحبة أهل البيت وتوجهت للحجاز قاصداً بيت الله الحرام وقبر سيد الاولين والآخرين صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين .

    *** ( 77 )
    <A href="http://www.rafed.net/books/aqaed/thuma/index.html">السفر إلى الحجاز

    وصلت إلى جدة والتقيت صديقي البشير الذي فرح بقدومي وأنزلني في بيته ، وأكرمني غاية الاكرام ، وكان يقضي أوقات فراغه معي في النزهة والمزارات بسيارته ، وذهبنا للعمرة معا وعشنا أياما كلها عبادة وتقوى ، واعتذرت له عن تأخري لبقائي في العراق وحكيت له عن اكتشافي الجديد أو الفتح الجديد ، وكان متفتحا ومطلعا فقال : فعلا أنا أسمع أن فيهم بعض العلماء الكبار وعندهم ما يقولون ، ولكن عندهم فرقا كثيرة كافرة منحرفة يخلقون لنا مشاكل متعددة في كل موسم للحج .
    سألته ما هي هذه المشاكل التي يخلقونها ؟ .
    أجاب : إنهم يصلون حول القبور ، يدخلون البقيع جماعات فيبكون وينوحون ويحملون في جيوبهم قطعا من الحجارة يسجدون عليها ، وإذا ذهبوا إلى قبر سيدنا الحمزة في أحد فهناك يقيمون جنازة بلطم وعويل وكأن الحمزة مات في ذلك الحين ، ومن أجل كل ذلك منعتهم الحكومة السعودية من الدخول إلى المزارات .
    ابتسمت ، وقلت له : ألهذا تحكم عليهم بأنهم منحرفون عن الاسلام ؟ .
    قال : هذا وغيره ، أنهم يأتون لزيارة النبي ولكنهم في نفس الوقت يقفون
    ( 78 )على قبر أبي بكر وعمر ويسبونهما ويلعنونهما ومنهم من يلقي على قبر أبي بكر وقبر عمر القذارات والنجاسات .
    وذكرني هذا القول بالرواية التي سمعتها من والدي غداة رجع من الحج ولكنه قال بأنهم يلقون القذارات على قبر النبي ، ولا شك بأن والدي لم يشاهد ذلك بعينيه لانه قال : شاهدنا جنودا من الجيش السعودي يضربون بعض الحجاج بالعصي ولما استنكرنا عليهم إهانتهم لحجاج بيت الله الحرام : أجابونا بأن هؤلاء ليسوا من المسلمين فهم من الشيعة جاؤوا بالقذارات ليلقوها على قبر النبي ، قال والدي : عند ذلك لعناهم وبصقنا عليهم .
    وها أنا الآن أسمع من صديقي السعودي المولود في المدينة المنورة بأنهم يأتون لزيارة قبر النبي ولكنهم يلقون النجاسات على قبر أبي بكر وعمر ، وشككت في صحة الروايتين ، لاني حججت ورأيت أن الحجرة المباركة التي يوجد فيها ضريح النبي وأبي بكر وعمر مغلقة ولا يمكن لاي شخص أن يقترب منها للتمسح على بابها أو شباكها ، فضلا على أن يلقي فيها أشياء ، أولا ، لعدم وجود فجوات وثانيا لوجود حراسة مشددة من الجنود الغلاظ الذين يتداولون على الرقابة والحراسة أمام كل باب وفي أيديهم سياط يضربون بها كل من يقترب أو يحاول أن ينظر داخل الحجرة ، والغالب على الظن أن بعض الجنود من السعودية وهم يكفرون الشيعة ، رماهم بهذه التهمة ليبرر ضربه لهم ، وحتى يستفز المسلمين لمقاتلتهم أو على الاقل ليسكتوا على إهانتهم ، ويروجوا إذا رجعوا إلى بلدانهم أن الشيعة يبغضون رسول الله ويلقون على قبره النجاسات ، وبذلك يضربون عصفورين بحجر واحد .
    وهذا نظير ما حكاه أحد الفضلاء ممن أثق بهم إذ قال : كنا نطوف بالبيت فإذا بشاب « أصابه مغص من شدة الزحام فتقيأ » ، وضربه الجنود الذين كانوا يحرسون الحجر الاسود وأخرجوه وهو في حالة يرثى لها واتهموه بأنه جاء بالنجاسة لتوسيخ الكعبة وشهدوا عليه وأعدم في نفس اليوم .
    وجالت بخاطري هذه المسرحيات وبقيت أفكر برهة في تعليل صديقي
    ( 79 )السعودي لتكفير هؤلاء الشيعة ، فلم أسمع غير أنهم يبكون ويلطمون ويسجدون على الحجر ويصلون حول القبور ، وتساءلت أفي هذا دليل على تكفير من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ؟ ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويصوم رمضان ويحج البيت ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر .
    وما أردت معاندة صديقي والدخول معه في جدال لا طائل من ورائه فاقتصرت على القول : هدانا الله وإياهم إلى صراطه المستقيم ولعن الله أعداء الدين الذين يكيدون للاسلام والمسلمين .
    وكنت كلما طفت بالبيت العتيق خلال العمرة وفي كل زيارة لمكة المكرمة ، ولم يكن يطوف بها الا نفر قليل من المعتمرين ، صليت وسألت الله سبحانه من كل جوارحي أن يفتح بصيرتي ويهديني إلى الحقيقة .
    وقفت على مقام ابراهيم ( ع ) واستعرضت الآية الكريمة ( وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس ، فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير )(1) صدق الله العظيم .
    وبدأت أناجي سيدنا إبراهيم أو أبانا إبراهيم كما سماه القرآن :
    - يا أبتاه ، يامن سميتنا المسلمين ، ها قد اختلف أبناؤك من بعدك فأصبحوا يهودا ونصارى ومسلمين ، واختلف اليهود فيما بينهم إلى أحدى وسبعين فرقة واختلف النصارى إلى اثنتين وسبعين فرقة ، واختلف المسلمون إلى ثلاث وسبعين فرقة وكلهم في الضلالة حسبما أخبر بذلك ابنك محمد وفرقة واحدة بقيت على عهدك يا أبتاه ! .
    أهي سنة الله في خلقه كما يقول القدرية ، فالله سبحانه هو الذي كتب على كل نفس أن تكون يهودية أو نصرانية أو مسلمة ، أو ملحدة ، أو مشركة ، أم أنه
    ____________
    ( 1 ) سورة الحج : آية 78 .

    تعليق


    • #32
      ( 80 )حب الدنيا والابتعاد عن تعاليمه سبحانه ، ذلك بأنهم نسوا الله فأنساهم أنفسهم ، إن عقلي لا يطاوعني بتصديق أن القضاء والقدر هو الذي حتم مصير الانسان ، بل أميل وأكاد أجزم بأن الله سبحانه خلقنا وهدانا وألهمنا الفجور والتقوى ، وأرسل إلينا رسله ليوضحوا لنا ما أشكل علينا ويعرفوننا الحق من الباطل ، ولكن الانسان غرته الحياة الدنيا وزينتها ، الانسان بأنانيته وكبريائه ، بجهله وفضوله ، بعناده ولجاجته ، بظلمه وطغيانه مال عن الحق واتبع الشيطان وابتعد عن الرحمن فورد غير مورده ، وأكل غير مأكله ، وقد عبر القرآن الكريم عن ذلك أحسن تعبير وأوجزه بقوله تعالى : ( إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون )(1) .
      ياأبانا إبراهيم ، لا لوم على اليهود والنصارى الذين عاندوا الحق بغيا بينهم لما جاءتهم البينة ، فها هي الامة التي أنقذها الله بولدك محمد وأخرجها من الظلمات إلى النور وجعلها خير أمة أخرجت للناس ، فهي الاخرى اختلفت وتفرقت وكفر بعضها بعضا ، وقد حذرهم رسول الله ونبههم إلى ذلك وضيق عليهم حتى قال : « لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاث » فما بال هذه الامة قد انقسمت وافترقت وأصبحت دويلات يعادي بعضها البعض ويحارب بعضها البعض ويكفر بعضها البعض وحتى لا يعرف بعضها البعض الآخر ، فيهجره طيلة حياته ، ما لهذه الامة ياأبانا إبراهيم بعد ما كانت خير الامم وقد ملكت الشرق والغرب وأوصلت للناس الهداية والعلوم والمعرفة والحضارة ، إذا بها اليوم أصبحت أقل الامم وأذلها فأراضيهم مغتصبة وشعوبهم مشردة ومسجدهم الاقصى تحتله عصابة من الصهاينة ولا يقدرون على تحريره ، وإذا زرت بلدانهم فإنك لا ترى إلا الفقر المدقع والجوع القاتل والاراضي القاحلة ، والامراض الفتاكة والاخلاق السيئة ، والتخلف الفكري والتقني ، والظلم والاضطهاد ، والاوساخ والحشرات ، ويكفيك فقط أن تقارن بيوت الراحة « المراحيض » العمومية كيف هي في أوروبا وكيف هي عندنا ، فإذا دخل المسافر إلى المراحيض
      ____________
      ( 1 ) سورة يونس : آية 44 .
      ( 81 )في أوروبا بأسرها وجدها نظيفة تلمع كالبلور وفيها روائح طيبة بينما لا يطيق المسافر إلى البلاد الاسلامية الدخول إلى المراحيض لعفونتها ونجاستها ونتونتها ونحن الذين علمنا الاسلام « إن النظافة من الايمان والوسخ من الشيطان » ، فهل تحول الايمان إلى أوروبا وسكن الشيطان عندنا ؟ لماذا أصبح المسلمون يخافون من إظهار عقيدتهم حتى في بلدانهم ، ولا يتحكم المسلم حتى في وجهه فلا يتمكن من إعفاء لحيته ولا من لبسه الزي الاسلامي بينما يتجاهر الفاسقون بشرب الخمر والزنا وهتك الاعراض ولا يقدر المسلم دفعهم بل ولا حتى أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر وقد بلغني أن في بعض البلاد الاسلامية مثل مصر والمغرب من يبعث الاباء بناتهم للبغاء من شدة الفقر والبؤس والاحتياج فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
      ياإلهي لماذا ابتعدت عن هذه الامة وتركتها تتخبط في الظلمات ، لا ، لا ، أستغفرك ياإلهي وأتوب إليك ، فهي التي ابتعدت عنك عن ذكرك ، واختارت طريق الشيطان ، وأنت جلت حكمتك ، وتعالت قدرتك قلت ، وقولك الحق : ( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين )(1) وقلت أيضا : ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين )(2).
      ولا شك أن ما وصلت إليه الامة الاسلامية من الانحطاط والتخلف والذلة والمسكنة لدليل قاطع على بعدها عن الصراط المستقيم ، ولا شك أن القلة القليلة أو الفرقة الواحدة من بين ثلاثة وسبعين ، لا تؤثر في مسيرة أمة بأكملها .
      وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله « لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر ، أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم » .
      ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ربنا لا تزغ قلوبنا
      ____________
      ( 1 ) سورة الزخرف : آية 36 .
      ( 2 ) سورة آل عمران : آية 144 .
      ( 82 )بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين .
      سافرت إلى المدينة المنورة محملا برسالة من صديقي بشير إلى أحد أقربائه لكي أقيم عنده مدة بقائي هناك ، وقد كلمه من قبل بالهاتف ، واستقبلني هذا الاخير ورحب بي وأنزلني في بيته وتوجهت فور وصولي إلى زيارة رسول الله ، فاغتسلت وتطيبت ، ولبست أحسن ثيابي وأطهرها ، وكان الزوار قليلين بالنسبة إلى موسم الحج فتمكنت من الوقوف أمام قبر رسول الله وأبي بكر وعمر ، ولم أكن أتمكن من ذلك في موسم الحج لكثرة الازدحام ، وحاوت عبثا أن أمس أحد الابواب للتبرك ، فانتهرني الحرس الواقف هناك ، وكان على كل باب حرس يحرسه ، ولما أطلت الوقوف للدعاء وإبلاغ السلام الذي حملني إياه أصدقائي ، أمرني الحراس بالانصراف ، وحاولت أن أتكلم مع واحد منهم ولكن دون جدوى .
      ورجعت إلى الروضة المطهرة حيث جلست أقرأ ما تيسر من القرآن ، وأحسن الترتيل وأعيده مرات لاني تخيلت وكأن رسول الله صلى الله عليه وآله يستمع إلي ، وقلت في نفسي أيمكن أن يكون الرسول ميتا كسائر الاموات ، فلماذا نقول في صلاتنا ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته بصفة المخاطب ، وإذا كان المسلمون يعتقدون بأن سيدنا الخضر عليه السلام لم يمت ويرد السلام على كل من يسلم عليه بل وأن مشايخ الطرق الصوفية يعتقدون جزما بأن شيخهم أحمد التيجاني أو عبد القادر الجيلاني يأتون إليهم جهارا ويقظة لا مناما ، فلماذا نشح على رسول الله بمثل هذه المكرمة وهو أفضل الخلق على الاطلاق ، ولكن يخفف على نفسي أن المسلمين لا يشحون بذلك على رسول الله ، إلا الوهابية الذين بدأت أنفر منهم لهذا ولعدة أسباب أخرى منها الغلظة التي شاهدتها فيهم والشدة على المؤمنين الذين يخالفونهم في معتقداتهم . زرت البقيع وكنت واقفا أترحم على أرواح أهل البيت ، وكان بالقرب مني شيخ طاعن في السن يبكي وعرفت من بكائه أنه شيعي ، واستقبل القبلة وبدأ يصلي وإذا بالجندي يأتي إليه بسرعة وكأنه كان يراقب تحركاته وركله بحذائه ركلة وهو في حالة سجود فقلبه على ظهره وبقي

      تعليق


      • #33
        المسكين فاقد الوعي بضع دقائق وانهال عليه الجندي ضربا وسبا وشتما ، ورق قلبي لذلك الشيخ وظننت أنه مات ودفعني فضولي وأخذتني الحمية وقلت للجندي : حرام عليك لماذا تضربه وهو يصلي ؟ فانتهرني قائلا : أسكت أنت ولا تتدخل حتى لا أصنع بك مثله .
        ولما رأيت في عينيه الشر تجنبته وأنا ساخط على نفسي العاجزة عن نصرة المظلوم ، وعلى السعوديين الذين يفعلون بالناس ما بدا لهم بدون رادع ولا وازع ولا من ينكر عليهم ، وكان بعض الزائرين حاضرا فمنهم من حوقل(1) ومنهم من قال : إنه يستحق ذلك لانه يصلي حول القبور وهو محرم ، فلم أتمالك وانفجرت على هذا المتكلم قائلا : من قال لك أن الصلاة حول القبور حرام ؟ أجابني : قد نهى رسول الله عن ذلك .
        فقلت بدون وعي : تكذبون على رسول الله ، وخشيت أن يتألب علي الحاضرون أو ينادوا الجندي فيفتك بي ، فتلطفت قائلا : إذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله قد نهى عن ذلك فلماذا يخالف نهيه الملايين من الحجاج والزوار ويرتكبون حراما لانهم يصلون حول قبر النبي وقبر أبي بكر وقبر عمر في المسجد النبوي الشريف ، وفي مساجد المسلمين في كل العالم الاسلامي ، وعلى افتراض أن الصلاة حول القبور حرام ، أفبهذه الغلظة والشدة نعالجها ؟ أم باللين واللطف ، واسمحوا لي أن أروي لكم قصة ذلك الاعرابي الذي بال في مسجد رسول الله بحضرته وبحضرة أصحابه بدون حياء ولا خجل ، ولما قام إليه بعض الصحابة شاهرين سيوفهم ليقتلوه ، نهاهم رسول الله صلى الله عليه وآله ومنعهم وقال : « دعوه ولا تزرموه وهريقوا على بوله دلوا من الماء ، إنما بعثتم لتيسروا لا لتعسروا ، لتبشروا لا لتنفروا » وما كان من الصحابة إلا أن امتثلوا أمره ، ونادى رسول الله الاعرابي وأجلسه إلى جانبه ورحب به ولاطفه وأفهمه أن ذلك المكان هو بيت الله ولا يمكن تنجيسه فأسلم الاعرابي ولم ير بعد ذلك إلا وهو آت المسجد في أحسن ثيابه وأطهرها ، وصدق الله العظيم إذ يقول لرسوله : ( ولو كنت فظا

        ____________
        ( 1 ) حوقل : قال لا حول ولا قوة إلا بالله .
        (84)غليظ القلب لانفضوا من حولك )(1) .
        وتأثر بعض الحاضرين عند سماع القصة فاختلى بي أحدهم إلى جانب وسألني : من أين أنت : قلت من تونس : فسلم علي وقال : يا أخي بالله عليك أن تحفظ نفسك ولا تتكلم مثل هذا هنا أبدا . أنصحك لوجه الله . وازددت بغضا وحنقا على هؤلاء الذين يدعون أنهم حماة الحرمين ويعاملون ضيوف الرحمن بهذه القسوة ، ولا يقدر أحد أن يبدي رأيه أو يروي أحاديث لا تتفق وما يروونه ، أو يعتقد غير ما يعتقدونه .
        رجعت إلى بيت الصديق الجديد الذي لم أعرف اسمه وقد جاءني بالعشاء وجلس مقابلي وقبل أن نبدأ في الاكل سألني أين ذهبت ، ورويت له قصتي من أولها إلى آخرها وقلت في معرض كلامي : يا أخي أنا بصراحة بدأت أنفر من الوهابية وأميل إلى الشيعة ، فتغير وجهه وقال لي : إياك أن تتكلم مثل هذا الكلام مرة اخرى ! وغادرني ولم يأكل معي ، وانتظرته طويلا حتى غلبني النوم ، وأفقت باكرا على أذان المسجد النبوي فرأيت أن الاكل لا يزال في مكانه كما تركته وعلمت بأن مضيفي لم يرجع ، وتشككت في أمره وخشيت أن يكون من المخابرات ، فنهضت مسرعا وغادرت البيت بدون رجعة وقضيت كامل اليوم في الحرم النبوي أزور وأصلي وأخرج لقضاء الحاجة والوضوء وبعد صلاة العصر سمعت أحد الخطباء يلقي درسا وسط جماعة من المصلين ، واتجهت وعلمت من بعض الجالسين أنه قاضي المدينة ، واستمعت إليه وهو يفسر بعض آيات من الذكر الحكيم ، وبعد ما أتم ، درسه وهم بالخروج استوقفته وسألته قائلا : سيدي هل لك أن تعطيني مدلول الآية من قوله تعالى : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )(2).
        فمن هم أهل البيت المقصودون بهذه الآية ؟
        ____________
        ( 1 ) سورة آل عمران : آية 159 .
        ( 2 ) سورة الاحزاب : آية 32 .
        ( 85 ) أجابني على الفور : هم نساء النبي وقد بدأت الآية بذكرهن ( يا نساء النبي لستن كأحد من النساء أن اتقيتن ).
        قلت له : إن علماء الشيعة يقولون بأنها خاصة بعلي وفاطمة والحسن والحسين ، وقد اعترضت عليهم طبعا وقلت بأن بداية الآية تقول : «يا نساء النبي» ، فأجابوني لما كان الكلام عليهن جاءت الصيغة كلها بنون النسوة ، فقال تعالى : لستن ، ان اتقيتن ، فلا تخضعن ، وقلن ، وقرن في بيوتكن ، ولا تبرجن ، وأقمن الصلاة ، وآتين الزكاة ، وأطعن الله ورسوله ، ولما كان هذا المقطع من الآية خاضعا بأهل البيت تغيرت الصيغة فقال : ليذهب عنكم ، ويطهركم ، فنظر إلي رافعا نظارته وقال : إياك وهذه الافكار المسمومة ، إن الشيعة يؤولون كلام الله على حسب أهوائهم ولهم في عليّ وذريته آيات لا نعرفها وعندهم قرآن خاص يسمونه مصحف فاطمة ، فأنا أحذرك أن يخدعوك .
        قلت : لا تخف يا سيدي فأنا على حذر وأعرف عنهم الكثير ولكني أردت أن أتحقق ، قال : من أين أنت ، قلت من تونس ، قال فما اسمك ؟ قلت : - التيجاني فضحك مفتخرا ، وقال هل تدري من هو أحمد التيجاني ؟ قلت هو شيخ الطريقة ، قال وهو عميل للاستعمار الفرنسي ، وقد تركز الاستعمار الفرنسي في الجزائر وتونس بإعانته ، وإذا زرت باريس فاذهب للمكتبة القومية واقرأ بنفسك القاموس الفرنسي في باب « أ » فسترى أن فرنسا أعطت وسام الشرف لاحمد التيجاني الذي قدم لها خدمات لا تقاس فتعجبت من قوله وشكرته وودعته وانصرفت .
        بقيت في المدينة أسبوعا كاملا حيث صليت أربعين صلاة وزرت المزارات كلها ، وكنت دقيق الملاحظة خلال إقامتي هناك فلم أزدد من الوهابية إلا بعدا ونفورا وارتحلت من المدينة المنورة إلى الاردن حيث التقيت أصدقاء هناك كنت تعرفت عليهم في ملتقى الحج الذي أشرت إليه سابقا .
        وبقيت معهم ثلاثة أيام ، ووجدت عندهم حقدا على الشيعة أكثر مما عندنا في تونس فالروايات نفسها ، والاشاعات ذاتها ، وليس هناك واحد سألته عن

        تعليق


        • #34
          ( 86 )الدليل إلا وقال بأنه يسمع عنهم ولم أجد احدا منهم جالس الشيعة أو قرأ كتابا للشيعة ولا حتى التقى شيعيا في حياته .
          رجعت من هناك إلى سوريا وفي دمشق زرت الجامع الاموي وإلى جانبه مرقد رأس سيدنا الحسين كما زرت ضريح صلاح الدين الايوبي والسيدة زينب ومن بيروت قطعت مباشرة إلى طرابلس ودامت الرحلة أربعة أيام في البحر استرحت خلالها بدنيا وفكريا واستعرضت شريط الرحلة التي أوشكت على النهاية فإذا بي أستنتج ميلا واحتراما للشيعة وفي نفس الوقت بعدا ونفورا وسخطا على الوهابية التي عرفت دسائسها وحمدت الله على ما أنعم به علي وما أولاني من عناية ورعاية داعيا إياه سبحانه وتعالى أن يهديني إلى طريق الحق .
          ورجعت إلى أرض الوطن وكلي شوق وحنين إلى أسرتي وأهلي وأصدقائي ، ووجدت الجميع بخير ، وفوجئت عند دخولي إلى منزلي بكثرة الكتب التي وصلت قبلي وعرفت مصدرها .
          ولما فتحت تلك الكتب التي ملات البيت ازددت حبا وتقديرا لاولئك . الذين لا يخلفون وعدهم وقد وجدت هنا أضعاف ما أهدي إلي هناك

          *** ( 87 )
          <A href="http://www.rafed.net/books/aqaed/thuma/index.html">بداية البحث
          فرحت كثيرا ونظمت الكتب في بيت خاص سميته بالمكتبة ، واسترحت أياما ، وتسلمت جدول أوقات العمل بمناسبة بداية السنة الدراسية الجديدة فكان عملي ثلاثة أيام متوالية من التدريس وأربعة أيام متوالية من الراحة في الاسبوع.
          وبدأت أقرأ الكتب فقرأت كتاب عقائد الامامية ، وأصل الشيعة وأصولها وارتاح ضميري لتلك العقائد وتلك الافكار التي يرتئيها الشيعة ، ثم قرأت كتاب المراجعات للسيد شرف الدين الموسوي ، وما أن قرأت منه بضع صفحات حتى استهواني الكتاب وشدني إليه شدا فكنت لا أتركه إلا غضبا وكنت أحمله في بعض الاحيان إلى المعهد ، وأدهشني الكتاب بما حواه من صراحة العالم الشيعي وحله لما أشكل على العالم السني شيخ الازهر ، وجدت في الكتاب بغيتي لانه ليس كالكتب التي يكتب فيها المؤلف ما يشاء بدون معارض ولا مناقش فالمراجعات هو حواريين عالمين من مذهبين مختلفين يحاسب كل منهما صاحبه على كل شاردة وواردة ، على كل صغيرة وكبيرة متوخيين في ذلك المرجعين الاساسيين لكافة المسلمين وهما القرآن الكريم والسنة الصحيحة المتفق عليها في صحاح السنة . فكان الكتاب بحق يمثل دوري كباحث يفتش عن الحقيقة ويقبلها أينما وجدت وعلى هذا كان الكتاب مفيدا جدا وله فضل عليّ عميم .
          ووقفت مبهوتا عندما كان يتكلم عن عدم امتثال الصحابة لاوامر الرسول ويسوق لذلك عدة أمثلة ، ومنها حادثة رزية يوم الخميس ، إذ لم أكن أتصور أن
          ( 88 )سيدنا عمر بن الخطاب يعترض على أمر رسول الله ويرميه بالهجر ، وظننت بادئ الامر أن الرواية هي من كتب الشيعة ، وازدادت دهشتي وحيرتي عندما رأيت العالم الشيعي ينقلها من صحيح البخاري وصحيح مسلم ، وقلت في نفسي « إن وجدت هذا في صحيح البخاري فسيكون لي رأي » .
          وسافرت إلى العاصمة ومنها اشتريت صحيح البخاري وصحيح مسلم ومسند الامام أحمد وصحيح الترمذي وموطأ الامام مالك وغيرها من الكتب الاخرى المشهورة ، ولم أنتظر الرجوع إلى البيت فكنت طوال الطريق بين تونس وقفصة وأنا راكب في حافلة النقل العمومية أتصفح كتاب البخاري وأبحث عن رزية يوم الخميس متمنيا أن لا أعثر عليها ، ورغم أنفي وجدتها وقرأتها مرات عديدة فكانت كما نقلها السيد شرف الدين ، وحاولت تكذيب الحادثة برمتها واستبعدت أن يقوم سيدنا عمر بذلك الدور الخطير ولكن أنىّ لي تكذيب ما ورد في صحاحنا وهي صحاح أهل السنة والجماعة التي ألزمنا بها أنفسنا وشهدنا بصحتها ، والشك فيها ، أو تكذيب بعضها يستلزم طرحها لانه هو الآخر يستلزم طرح كل معتقداتنا ، ولو كان العالم الشيعي ينقل من كتبهم ما كنت لاصدق أبدا ، وأما أن ينقل من صحاح أهل السنة التي لا مجال للطعن فيها ، وقد أخذنا على أنفسنا بأنها أصح الكتب بعد كتاب الله فيصبح الامر ملزما وإلا استلزم الشك في هذه الصحاح وعند ذلك لا يبقى معنا من أحكام الاسلام شيء نعتمده ، لان الاحكام التي وردت في كتاب الله جاءت مجملة غير مفصلة ، ولاننا بعيدون عن عصر الرسالة وقد ورثنا أحكام ديننا أبا عن جد عن طريق هذه الصحاح ، فلا يمكن بحال من الاحوال طرح هذه الكتب .
          وأخذت على نفسي عهدا وأنا أدخل هذا البحث الطويل العسير ، أن أعتمد الاحاديث الصحيحة التي اتفق عليها السنة والشيعة ، وأن أطرح الاحاديث التي انفرد بها فريق دون الآخر ، بهذه الطريقة المعتدلة ، أكون قد ابتعدت عن المؤثرات العاطفية ، والتعصبات المذهبية والنزعات القومية أو الوطنية ، وفي الوقت نفسه أقطع طريق الشك لاصل إلى حبل اليقين وهو صراط الله المستقيم .
          ( 89 )
          <A href="http://www.rafed.net/books/aqaed/thuma/index.html">بداية الدراسة المعمقة
          الصحابة عند الشيعة والسنة

          من أهم الابحاث التي أعتبرها الحجر الاساسي في كل البحوث التي تقود إلى الحقيقة ، هو البحث في حياة الصحابة وشؤونهم وما فعلوه وما اعتقدوه لانهم عماد كل شيء ، وعنهم أخذنا ديننا وبهم نستضيء في الظلمات لمعرفة أحكام الله ، ولقد سبق لعلماء الاسلام - لقناعتهم بذلك - البحث عنهم وعن سيرتهم .
          فألفوا في ذلك كتبا عديدة أمثال : اُسد الغابة في تمييز الصحابة ، وكتاب الاصابة في معرفة الصحابة ، وكتاب ميزان الاعتدال وغيرها من الكتب التي تناولت حياة الصحابة بالنقد والتحليل ولكنها من وجهة نظر أهل السنة والجماعة .
          وثمة إشكال يتلخص في أن العلماء الاوائل غالبا ما كانوا يكتبون ويؤرخون بالنحو الذي يوافق آراء الحكام من الامويين والعباسيين الذين عرفوا بعدائهم لاهل البيت النبوي ، بل ولكل من يشايعهم ويتبع نهجهم ، ولهذا فليس من الانصاف الاعتماد على أقوالهم دون أقوال غيرهم من علماء المسلمين الذين اضطهدتهم تلك الحكومات وشردتهم وقتلتهم لانهم كانوا أتباع أهل البيت وكانوا مصدر تلك الثورات ضد السلطات الغاشمة والمنحرفة .
          والمشكل الاساسي في كل ذلك هو الصحابة ، فهم الذين اختلفوا في أن يكتب لهم رسول الله ذلك الكتاب الذي يعصمهم من الضلالة إلى قيام الساعة واختلافهم هذا هو الذي حرم الامة الاسلامية من هذه الفضيلة ورماها في

          تعليق


          • #35
            ( 90 )الضلالة حتى انقسمت وتفرقت وتنازعت وفشلت وذهبت ريحها .
            وهم الذين اختلفوا في الخلافة فتوزعوا بين حزب حاكم وحزب معارض وسبب ذلك تخلف الامة وانقسامها إلى شيعة علي وشيعة معاوية ، وهم الذين اختلفوا في تفسير كتاب الله وأحاديث رسوله فكانت المذاهب والفرق والملل والنحل ، ونشأت من ذلك المدارس الكلامية والفكرية المختلفة وبرزت فلسفات متنوعة أملتها دوافع سياسية محضة تتصل بطموحات الهيمنة على السلطة والحكم ...
            فالمسلمون لم ينقسموا ولم يختلفوا في شيء لولا الصحابة وكل خلاف نشأ وينشأ إنما يعود إلى اختلافهم في الصحابة .
            فالرب واحد والقرآن واحد والرسول واحد والقبلة واحدة وهم متفقون على ذلك وبدأ الخلاف والاختلاف في الصحابة من اليوم الاول بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله في سقيفة بني ساعدة ، واستمر إلى يوم الناس هذا وسيستمر إلى ما شاء الله .
            وقد استنتجت من خلال الحديث مع علماء الشيعة أن الصحابة في نظرهم ينقسمون إلى ثلاثة أقسام :
            فالقسم الاول وهم الصحابة الاخيار الذين عرفوا رسول الله حق المعرفة وبايعوه على الموت وصاحبوه بصدق في القول وبإخلاص في العمل ، ولم ينقلبوا بعده ، بل ثبتوا على العهد وقد امتدحهم الله جل جلاله ، في كتابه العزيز في العديد من المواقع ، وقد أثنى عليهم رسول الله في العديد من المواقع أيضا ، والشيعة يذكرونهم باحترام وتقديس ويترضون عليهم كما يذكرهم أهل السنة باحترام وتقديس أيضا .
            والقسم الثاني ، وهم الصحابة الذين اعتنقوا الاسلام واتبعوا رسول الله ولكنهم كانوا في بعض الاوقات لا يمتثلون لاوامره ونواهيه بل يجعلون لآرائهم
            ( 91 )مجالا في مقابل النصوص الصريحة والشيعة لا يذكرونهم إلا بأفعالهم بدون احترام ولا تقديس كالصنف الاول .
            أما القسم الثالث من الصحابة : فهم المنافقون الذين صحبوا رسول الله للكيد له وقد أظهروا الاسلام وانطوت سرائرهم على الكفر وقد تقربوا ليكيدوا للاسلام والمسلمين عامة وقد أنزل الله فيهم سورة كاملة وذكرهم في العديد من المواقع وتوعدهم بالدرك الاسفل من النار وقد ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وحذر منهم وعلم بعضا من أصحابه أسماءهم وعلاماتهم ، وهؤلاء يتفق الشيعة والسنة على لعنهم والبراءة منهم .
            وهناك قسم خاص وإن كانوا من الصحابة فهم يتميزون عليهم بالقرابة وبفضائل خلقية ونفسية وخصوصيات اختصهم الله ورسوله بها لا يلحقهم فيها لاحق ، وهؤلاء هم أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا(1) وأوجب الصلاة عليهم كما أوجبها على رسوله ، وأوجب لهم سهما من الخمس(2) كما أوجب مودتهم على كل مسلم كأجر للرسالة المحمدية(3) ، فهم أولوا الامر الذين أمر بطاعتهم(4) وهم الراسخون في العلم الذين يعلمون تأويل القرآن ويعلمون المتشابه منه والمحكم(5) ، وهم أهل الذكر الذين قرنهم رسول الله بالقرآن في حديث الثقلين وأوجب التمسك بهما(6) ، وجعلهم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق(7) ، والصحابة يعرفون قدر أهل البيت ويعظمونهم ويحترمونهم ، والشيعة يقتدون بهم ويقدمونهم على كل الصحابة ، ولهم في ذلك أدلة من النصوص الصريحة .
            ____________
            ( 1 ) سورة الاحزاب : آية 33 .
            ( 2 ) سورة الانفال : آية 41 .
            ( 3 ) سورة الشورى : آية 23 .
            ( 4 ) سورة النساء : آية 59 .
            ( 5 ) سورة آل عمران : آية 7 .
            ( 6 ) حديث الثقلين ، ومن مصادره ؛ كنز العمال ج 1 ص 44 ، مسند أحمد ج 5 ص 182.
            ( 7 ) حديث السفينة ؛ المستدرك للحاكم ج 3 ص 151 تلخيص الذهبي ، الصواعق المحرقة لابن حجر ص 184 و 234 .
            ( 92 ) أما أهل السنة والجماعة فإنهم مع احترامهم لاهل البيت وتعظيمهم وتفضيلهم إلا أنهم لا يعترفون بهذا التقسيم للصحابة ولا يعدون المنافقين في الصحابة ، بل الصحابة في نظرهم خير الخلق بعد رسول الله .
            وإذا كان هناك تقسيم فهو من باب فضيلة السبق للاسلام والبلاء الحسن فيه فيفضلون الخلفاء الراشدين بالدرجة الاولى ثم الستة الباقين من العشرة المبشرين بالجنة على ما يروونه .
            ولذلك تراهم عندما يصلون على النبي وأهل بيته يلحقون بهم الصحابة أجمعين بدون استثناء .
            هذا ما أعرفه من علماء أهل السنة والجماعة ، وذاك ما سمعته من علماء الشيعة في تقسيم الصحابة ، وهذا ما دعاني إلى أن أجعل بحثي يبدأ بهذه الدراسة المعمقة حول الصحابة وعاهدت ربي - إن هداني - أن أتجرد من العاطفة لاكون حياديا ، موضوعيا ولاسمع القول من الطرفين فأتبع أحسنه ، ومرجعي في ذلك :
            1 - القاعدة المنطقية السليمة ؛ وهي أن لا أعتمد إلا ما اتفقوا عليه جميعا بشأن التفسير لكتاب الله والصحيح من السنة النبوية الشريفة .
            2 - العقل ؛ فهو أكبر نعمة من نعم الله على الانسان ؛ إذ به كرمه وفضله على سائر مخلوقاته ، ألا ترى أن الله سبحانه عندما يحتج على عباده يدعوهم للتعقل بقوله :
            « أفلا يعقلون ، أفلا يفقهون ، أفلا يتدبرون ، أفلا يبصرون الخ ... » .
            وليكن إسلامي مبدئيا إيمانا بالله وملائكته وكتبه ورسله وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن الدين عند الله الاسلام ، ولا أعتمد في ذلك على أي واحد من الصحابة مهما كانت قرابته ومهما علت منزلته فأنا لست أمويا ولا عباسيا ولا فاطميا ، ولا سنيا ولا شيعيا وليست لي أي عداوة لابي بكر ولا لعمر ولا لعثمان

            تعليق


            • #36
              ( 93 )ولا لعلي ولا حتى لوحشي قاتل سيدنا الحمزة مادام أنه أسلم والاسلام يجب ما قبله وقد عفا عنه رسول الله صلى الله عليه وآله .
              وما دمت أقحمت نفسي في هذا البحث بغية الوصول للحقيقة وما دمت قد تجردت من كل الافكار المسبقة بكل إخلاص فأنا أبدأ هذا البحث على بركة الله في مواقف الصحابة .

              <A href="http://www.rafed.net/books/aqaed/thuma/index.html">1 - الصحابة في صلح الحديبية
              مجمل القصة ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله خرج في السنة السادسة للهجرة يريد العمرة مع ألف وأربعمائة من أصحابه فأمرهم أن يضعوا سيوفهم في القرب ، وأحرم هو وأصحابه بذي الحليفة وقلدوا الهدي ليعلم قريشا أنه إنما جاء زائرا معتمرا وليس محاربا ، ولكن قريشا بكبريائها خافت أن يسمع العرب بأن محمدا دخل عنوة إلى مكة وكسر شوكتها ، فبعثوا إليه بوفد يرأسه سهيل بن عمرو بن عبد ود العامري وطلبوا منه أن يرجع في هذه المرة من حيث أتى على أن يتركوا له مكة في العام القادم ثلاثة أيام ، وقد اشترطوا عليه شروطا قاسية قبلها رسول الله لاقتضاء المصلحة التي أوحى بها إليه ربه عزوجل .
              ولكن بعض الصحابة لم يعجبهم هذا التصرف من النبي وعارضوه في ذلك معارضة شديدة وجاءه عمر بن الخطاب فقال : ألست نبي الله حقا ؟ قال : بلى ، قال عمر : ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟ قال : بلى ، قال عمر : فلم نعطي الدنية في ديننا إذاً ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري ، قال عمر : أو لست كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به ؟ قال : بلى ، أفأخبرتك أنا نأتيه العام ؟ قال عمر : لا ، قال : فإنك آتيه ومطوف به .
              ثم أتى عمر بن الخطاب إلى أبي بكر فقال : ياأبابكر أليس هذا نبي الله حقا ؟ قال : بلى . ثم سأله عمر نفس الاسئلة التي سألها رسول الله ، وأجابه أبو بكر بنفس الاجوبة قائلا له : أيها الرجل إنه لرسول الله وليس يعصي ربه وهو
              ( 94 )ناصره فاستمسك بغرزه ، ولما فرغ رسول الله من كتاب الصلح قال لاصحابه : قوموا فانحروا ثم أحلقوا ، فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات ، فلما لم يمتثل لامره منهم أحد دخل خباءه ثم خرج فلم يكلم أحدا منهم بشيء حتى نحر بدنة بيده ، ودعا حالقه فحلق رأسه ، فلما رأى أصحابه ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا ، حتى كاد بعضهم يقتل بعضا(1) . . .
              هذه مجمل قصة الصلح في الحديبية وهي من الاحداث المتفق عليها عند الشيعة والسنة وقد ذكرها المؤرخون وأصحاب السير كالطبري وابن الاثير وابن سعد وغيرهم كالبخاري ومسلم .
              وأنا لي هنا وقفة ، فلا يمكن لي أن أقرأ مثل هذا ولا أتأثر ولا أعجب من تصرف هؤلاء الصحابة تجاه نبيهم ، وهل يقبل عاقل قول القائلين بأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يمتثلون أوامر رسول الله صلى الله عليه وآله وينفذونها ، فهذه الحادثة تقطع عليهم ما يرومون ، هل يتصور عاقل بأن هذا التصرف في مواجهة النبي هو أمر هين ؛ أو مقبول ؛ أو معذور ؛ قال تعالى :
              ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما )(2) .
              فهل سلم عمر بن الخطاب هنا ولم يجد في نفسه حرجا مما قضى الرسول صلى الله عليه وآله ؟ ! أم كان في موقفه تردد في ما أمر النبي ؟ وخصوصا في قوله : أولست نبي الله حقا ؟ أو لست كنت تحدثنا ؟ إلى آخره ، وهل سلم بعد ما أجابه رسول الله بتلك الاجوبة المقنعة ؟ كلا لم يقتنع بجوابه وذهب يسأل أبابكر الاسئلة نفسها ، وهل سلم بعد ما أجابه أبو بكرونصحه أن يلزم غرز النبي ، لا أدري إذا كان سلم بذلك ، أو اقتنع بجواب النبي أو بجواب أبي بكر ! ! وإلا لماذا تراه يقول عن
              ____________
              ( 1 ) هذه القصة أخرجها أصحاب السير والتواريخ كما أخرجها البخاري في صحيحه من كتاب الشروط باب الشروط في الجهاد ج 2 - ص 122 - صحيح مسلم في باب صلح الحديبية ج 2 .
              ( 2 ) سورة النساء : آية 65 .
              ( 95 )نفسه : « فعملت لذلك أعمالا . . ولا أدري سبب تخلف البقية الباقية من الحاضرين بعد ذلك إذ قال لهم رسول الله : قوموا فانحروا ثم أحلقوا ، فلم يستمع إلى أمره أحد منهم حتى كررها عليهم ثلاث مرات بدون جدوى .
              سبحان الله ! أنا لا أكاد أصدق ما أقرأ ، وهل يصل الامر بالصحابة إلى هذا الحد في التعامل مع أمر الرسول ، ولو كانت هذه القصة مروية من طريق الشيعة وحدهم لعددت ما قالوا افتراء على الصحابة الكرام ، ولكن القصة بلغت من الصحة والشهرة أن تناقلها كل المحدثين من أهل السنة والجماعة أيضا ، وبما أنني ألزمت نفسي توثيق ما اتفقوا عليه ، فلا أراني إلا مسلما ومتحيرا : ماذا عساني أن أقول ؟ وبم أعتذر عن هؤلاء الصحابة الذين قضوا مع رسول الله قرابة عشرين عاما من البعثة إلى يوم الحديبية ، وهم يشاهدون المعجزات وأنوار النبوة ، والقرآن يعلمهم ليلا نهارا كيف يتأدبون مع حضرة الرسول وكيف يكلموه ، حتى هددهم الله بإحباط أعمالهم إن رفعوا أصواتهم فوق صوته .
              ويدفعني إلى الاحتمال بأن عمر بن الخطاب هو الذي أثار بقية الحاضرين ودفعهم إلى التردد والتخلف عن أمر الرسول - زيادة على اعترافه بأنه عمل لذلك أعمالا لم يشأ ذكرها - ما يردده هو في موارد أخرى قائلا : ما زلت أصوم وأتصدق وأصلي وأعتق مخافة كلامي الذي تكلمت به .. إلى آخر ما هو مأثور عنه في هذه القضية(1) ...
              مما يشعرنا بأن عمر نفسه كان يدرك بعد الموقف الذي وقفه ذلك اليوم إنها قصة عجيبة وغريبة ولكنها حقيقية . .

              <A href="http://www.rafed.net/books/aqaed/thuma/index.html">2 - الصحابة ورزية يوم الخميس
              ومجمل القصة أن الصحابة كانوا مجتمعين في بيت رسول الله قبل وفاته بثلاثة أيام ، فأمرهم أن يحضروا له الكتف والدواة ليكتب لهم كتابا يعصمهم من
              ____________
              ( 1 ) السيرة الحلبية باب صلح الحديبية ج 2 - ص 706 .

              تعليق


              • #37
                ( 96 )الضلالة ، ولكن الصحابة اختلفوا ومنهم من عصى أمره واتهمه بالهجر ، فغضب رسول الله وأخرجهم من بيته دون أن يكتب لهم شيئا ، وإليك شيئا من التفصيل :
                قال ابن عباس : يوم الخميس وما يوم الخميس اشتد برسول الله وجعه ، فقال : هلم أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده ، فقال عمر إن النبي قد غلبه الوجع ، وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله ، فاختلف أهل البيت واختصموا ، منهم من يقول قربوا يكتب لكم النبي كتابا لا تضلوا بعده ، ومنهم من يقول ما قال عمر ، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي ، قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله ، قوموا عني ، فكان ابن عباس يقول : إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم(1) ولغطهم . هذه الحادثة صحيحة لا شك فيها ، فقد نقلها علماء الشيعة ومحدثوهم في كتبهم ، كما نقلها علماء السنة ومحدثوهم ومؤرخوهم ، وهي ملزمة لي على ما ألزمت به نفسي ومن هنا أقف حائرا في تفسير الموقف الذي وقفه عمر بن الخطاب من أمر رسول الله ، وأي أمر هو ؟ أمر « عاصم من الضلالة لهذه الامة ، ولا شك أن هذا الكتاب كان فيه شيء جديد للمسلمين سوف يقطع عليهم كل شك » .
                ولنترك قول الشيعة : « بأن رسول أراد أن يكتب إسم علي خليفة له ، وتفطن عمر لذلك فمنعه » .
                فلعلهم لا يقنعوننا بهذا الزعم الذي لا يرضينا مبدئيا ، ولكن هل نجد تفسيرا معقولا لهذه الحادثة المؤلمة التي أغضبت الرسول حتى طردهم وجعلت ابن عباس يبكي حتى يبل دمعه الحصى ويسميها أكبر رزية ؛ أهل السنة يقولون بأن عمر أحس بشدة مرض النبي فأشفق عليه وأراد أن يريحه ، وهذا التعليل لا يقبله
                ____________
                ( 1 ) صحيح البخاري ج 3 باب قول المريض : قوموا عني .
                صحيح مسلم ج 5 ص 75 في آخر كتاب الوصية .
                مسند الامام أحمد ج 1 ص 355 وج 5 ص 116 .
                تاريخ الطبري ج 3 ص 193 - تاريخ ابن الاثير ج 2 - ص 320 .
                ( 97 )بسطاء العقول فضلا عن العلماء ، وقد حاولت مرارا وتكرارا التماس بعض الاعذار لعمر ولكن واقع الحادثة يأبى علي ذلك ، وحتى لو أبدلت كلمة يهجر « والعياذ بالله » بلفظة « غلبه الوجع » فسوف لن نجد مبررا لقول عمر : « عندكم القرآن » « وحسبنا كتاب الله » ، أو كان هو أعلم بالقرآن من رسول الله الذي أنزل عليه ، أم أن رسول الله لا يعي ما يقول « حاشاه » أم أنه أراد بأمره ذلك أن يبعث فيهم الاختلاف والفرقة « أستغفر الله » .
                ثم لو كان تعليل أهل السنة صحيحا ، فلم يكن ذلك ليخفى على الرسول ولا يجهل حسن نية عمر ، ولشكره رسول الله على ذلك وقربه بدلا من أن يغضب عليه ويقول أخرجوا عني .
                وهل لي أن أتسأل لماذا امتثلوا أمره عندما طردهم من الحجرة النبوية ، ولم يقولوا بأنه يهجر ؟ ألانهم نجحوا بمخططهم في منع الرسول من الكتابة ، فلا داعي بعد ذلك لبقائهم ، والدليل أنهم أكثروا اللغط والاختلاف بحضرته (ص) ، وانقسموا إلى حزبين منهم من يقول : قربوا إلى رسول الله يكتب لكم ذلك الكتاب ومنهم من يقول ما قال عمر أي إنه « يهجر » .
                والامر لم يعد بتلك البساطة يتعلق بشخص عمر وحده ولو كان كذلك لاسكته رسول الله وأقنعه بأنه لا ينطق عن الهوى ولا يمكن أن يغلب عليه الوجع في هداية الامة وعدم ضلالتها ولكن الامر استفحل واستشرى ووجد له أنصارا كأنهم متفقون مسبقا ، ولذلك أكثروا اللغط والاختلاف ونسوا أو تناسوا قول الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون )(1) .
                وفي هذه الحادثة تعدوا حدود رفع الاصوات والجهر بالقول إلى رميه صلى الله عليه وآله بالهجر والهذيان « والعياذ بالله » ثم أكثروا اللغط والاختلاف وصارت معركة كلامية بحضرته .
                ____________
                ( 1 ) سورة الحجرات : آية 2 .
                ( 98 ) وأكاد أعتقد بأن الاكثرية الساحقة كانت على قول عمر ولذلك رأى رسول الله صلى الله عليه وآله عدم الجدوى في كتابة الكتاب لانه علم بأنهم لم يحترموه ولم يمتثلوا لامر الله فيه في عدم رفع أصواتهم بحضرته ، وإذا كانوا لامر الله عاصين فلن يكونوا لامر رسوله طائعين .
                واقتضت حكمة الرسول بأن لا يكتب لهم ذلك الكتاب لانه طعن فيه في حياته ، فكيف يعمل بما فيه بعد وفاته ، وسيقول الطاعنون : بأنه هجر من القول ولربما سيشككون في بعض الاحكام التي عقدها رسول الله في مرض موته .
                إذ أن اعتقادهم بهجره ثابت .
                أستغفر الله ، وأتوب إليه من هذا القول في حضرة الرسول الاكرم ، وكيف لي أن أقنع نفسي وضميري الحر بأن عمر بن الخطاب كان عفويا في حين أن أصحابه ومن حضروا محضره بكوا لما حصل حتى بل دمعهم الحصى وسموها رزية المسلمين .
                ولهذا فقد خلصت إلى أن أرفض كل التعليلات التي قدمت لتبرير ذلك ، ولقد حاولت أن أنكر هذه الحادثة وأكذبها لاستريح من مأساتها ، ولكن كتب الصحاح نقلتها وأثبتتها وصححتها ولم تحسن تبريرها .
                وأكاد أميل إلى رأي الشيعة في تفسير هذا الحدث لانه تعليل منطقي وله قرائن عديدة .
                وإني لا زلت أذكر إجابة السيد محمد باقر الصدر عندما سألته : كيف فهم سيدنا عمر من بين الصحابة ما يريد الرسول كتابته وهو استخلاف علي - على حد زعمكم - ، فهذا ذكاء منه .
                قال السيد الصدر : لم يكن عمر وحده فهم مقصد الرسول ، ولكن أكثر الحاضرين فهموا ما فهمه عمر ، لانه سبق لرسول الله صلى الله عليه وآله أن قال مثل هذا إذ قال لهم إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا ، وفي مرضه قال لهم : هلم أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده

                تعليق


                • #38
                  ( 99 )أبدا ، ففهم الحاضرون ومن بينهم عمر أن رسول الله يريد أن يؤكد ما ذكره في غدير خم كتابيا ، وهو التمسك بكتاب الله وعترته ، وسيد العترة هو علي ، فكأنه صلى الله عليه وآله أراد أن يقول : عليكم بالقرآن وعلي ، وقد قال مثل ذلك في مناسبات أخرى كما ذكرالمحدثون .
                  وكان أغلبية قريش لا يرضون بعلي لانه أصغر القوم ولانه حطم كبرياءهم وهشم أنوفهم وقتل أبطالهم ، ولكنهم لا يجرؤون على رسول الله مثل عمر فقد كان جريئا على النحو الذي حصل في صلح الحديبية وفي المعارضة الشديدة للنبي عندما صلى على عبدالله بن اُبي ، المنافق ، وفي عدة مواقف أخرى سجلها التاريخ ، وهذا الموقف منها ، وأنت ترى أن المعارضة لكتابة الكتاب في مرض النبي شجعت بعض الآخرين من الحاضرين على الجرأة ومن ثم الاكثار من اللغط في حضرة الرسول صلى الله عليه وآله .
                  إن هذه المقولة : جاءت ردا مطابقا تماما لمقصود الحديث ، فمقولة : عندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله مخالفة لمحتوى الحديث الذي يأمرهم بالتمسك بكتاب الله وبالعترة معا ، فكأن المقصود هو : حسبنا كتاب الله فهو يكفينا ، ولا حاجة لنا بالعترة .
                  وليس هناك تفسير معقول غير هذا ، - بالنسبة إلى هذه الحادثة - اللهم إلا إذا كان المراد هو القول بإطاعة الله دون إطاعة رسوله ، وهذا أيضا باطل وغير معقول . . .
                  وأنا إذا طرحت التعصب الاعمى والعاطفة الجامحة وحكمت العقل السليم والفكر الحر لملت إلى هذا التحليل وذلك أهون من اتهام عمر بأنه أول من رفض السنة النبوية بقوله : « حسبنا كتاب الله » .
                  وإذا كان بعض الحكام قد رفض السنة النبوية بدعوى أنها متناقضة ، فإنه اتبع في ذلك سابقة تاريخية في حياة المسلمين .
                  وإني لاعجب لمن يقرأ هذه الحادثة ويمر بها وكأن شيئا لم يكن ، مع أنها من أكبر الرزايا كما سماها ابن عباس ، وعجبي أكبر من الذين يحاولون جهدهم
                  ( 100 )الحفاظ على كرامة صحابي وتصحيح خطئه ولو كان ذلك على حساب كرامة رسول الله وعلى حساب الاسلام ومبادئه .
                  ولماذا نهرب من الحقيقة ونحاول طمسها عندما لا تتماشى مع أهوائنا ، لماذا لا نعترف بأن الصحابة بشر مثلنا ، لهم أهواء وميول ويخطئون ويصيبون .
                  ولا يزول عجبي إلا عندما أقرأ كتاب الله وهو يروي لنا قصص الانبياء عليهم الصلاة والسلام ، وما لاقوه من شعوبهم في المعاندة رغم ما يشاهدونه من معجزات . . ( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ) .
                  وهكذا أصبحت أدرك خلفية موقف الشيعة من بعض الصحابة الذين يحملونهم مسؤولية الكثير من المآسي التي وقعت في حياة المسلمين منذ رزية يوم الخميس التي حرمت الامة من كتاب الهداية الذي أراد الرسول صلى الله عليه وآله أن يكتبه لهم.

                  <A href="http://www.rafed.net/books/aqaed/thuma/index.html">3 - الصحابة في سرية أسامة
                  مجمل هذه القصة : أنه صلى الله عليه وآله ، جهز جيشا لغزو الروم قبل وفاته بيومين ، وأمر على هذه السرية أسامة بن زيد بن حارثة وعمره ثمانية عشر عاما ، وقد عبأ صلى الله عليه وآله في هذه السرية وجوه المهاجرين والانصار كأبي بكر وعمر وأبي عبيدة وغيرهم من كبار الصحابة المشهورين فطعن قوم منهم في تأمير أسامة ، وقالوا : كيف يؤمر علينا شاب لا نبات بعارضيه ، وقد طعنوا من قبل في تأمير أبيه ، وقد قالوا في ذلك وأكثروا النقد ، حتى غضب صلى الله عليه وآله غضبا شديدا مما سمع من طعنهم وانتقادهم ، فخرج صلى الله عليه وآله معصب الرأس محموما ، يتهادى بين رجلين ورجلاه تخطان في الارض بأبي هو وأمي ، من شدة ما به من لغوب ، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :
                  « أيها الناس ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأمير أسامة ، ولئن طعنتم في تأميري أسامة فقد طعنتم في تأميري أبيه من قبله ، وأيم الله إنه كان خليقا

                  تعليق


                  • #39
                    ( 101 )بالامارة ، وإن ابنه من بعده لخليق بها . . »(1) .
                    ثم جعل صلى الله عليه وآله يحضهم على التعجيل وجعل يقول : جهزوا جيش أسامة ، أنفذوا جيش أسامة أرسلوا بعث أسامة ، يكرر ذلك على مسامعهم وهم متثاقلون وعسكروا بالجرف وما كادوا يفعلون .
                    إن مثل ذلك يدفعني إلى أن أتسأل : ما هذه الجرأة على الله ورسوله ؟ ! ، وما هذا العقوق في حق الرسول الاكرم الذي هو حريص عليهم بالمؤمنين رؤوف رحيم ؟ لم أكن أتصور كما لا يمكن لاحد أن يتصور تفسيرا مقبولا لهذا العصيان ، وهذه الجرأة .
                    وكالعادة ، عند قراءة مثل هذه الاحداث التي تمس كرامة الصحابة من قريب أو بعيد أحاول تكذيب مثل هذه القضايا وتجاهلها ، ولكن لا يمكن تكذيب ما أجمع عليه المؤرخون والمحدثون من علماء السنة والشيعة ، وتجاهل ذلك .
                    وقد عاهدت ربي أن أكون منصفا ، فلا أتعصب لمذهبي ولا أقيم وزنا لغير الحق ، والحق هنا مر كما يقال ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : « قل الحق ولو كان على نفسك وقل الحق ولو كان مرا . . . » والحق في هذه القضية : هو أن هؤلاء الصحابة الذين طعنوا في تأمير أسامة قد خالفوا أمر ربهم وخالفوا الصريح من النصوص التي لا تقبل الشك ولا تقبل التأويل ، وليس لهم عذر في ذلك ، إلا ما يلتمسه البعض من أعذار باردة حفاظا على كرامة الصحابة و « السلف الصالح » والعاقل الحر لا يقبل بحال من الاحوال هذه التمحلات . اللهمّ إلا إذا كان من الذين لا يفقهون حديثا ، ولا يعقلون ، أو من الذين أعمت العصبية أعينهم فلم يعودوا يفرقون بين الفرض الواجب طاعته والنهي الواجب تركه ، ولقد فكرت مليا عساني أجد عذرا لهؤلاء مقبولا ، فلم يسعفني تفكيري بطائل ، وقرأت اعتذار أهل السنة على هؤلاء بأنهم كانوا مشايخ قريش وكبراءها ، ولهم
                    ____________
                    ( 1 ) طبقات ابن سعد ج 2 - ص 190 - تاريخ ابن الاثير ج 2 - ص 317.
                    السيرة الحلبية ج 3 - ص 207 - تاريخ الطبري ج 3 - ص 226 .
                    ( 102 )الاسبقية في الاسلام بينما أسامة كان حدثا ولم يشارك في المعارك المصيرية لعزة الاسلام ، كمعركة بدر وأحد وحنين ، ولم تكن له سابقة بل كان صغير السن عندما ولاه رسول الله إمارة السرية ، وطبيعة النفوس البشرية تأبى بجبلتها إذا كانت بين كهول وشيوخ أن تنقاد إلى الاحداث وتنفر بطبعها من النزول على حكم الشبان ولذلك طعنوا في تأميره وأرادوا منه صلى الله عليه وآله أن يستبدله بأحد من وجوه الصحابة وكبرائهم .
                    إنه اعتذار لا يستند إلى دليل عقلي ولا شرعي ولا يمكن لاي مسلم قرأ القرآن وعرف أحكامه إلا أن يرفض مثل هذا ، لان الله عزوجل يقول :
                    ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )(1) ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا )(2) .
                    فأي عذر بعد هذه النصوص الصريحة يقبله العاقلون وماذا عساني أن أقول في قوم أغضبوا رسول الله وهم يعلمون أن غضب الله في غضبه ، وذلك بعد أن رموه بالهجر وقالوا بحضرته ما قالوا وأكثروا اللغط والاختلاف وهو مريض ، بأبي هو وأمي ، حتى أخرجهم من حجرته ، أو لم يكفهم كل هذا ، وبدلا من أن يثوبوا إلى رشدهم ويتوبوا إلى الله ويستغفروه مما فعلوا ويطلبوا من الرسول أن يستغفر لهم كما علمهم القرآن ، عوضا عن ذلك فقد زادوا في الطين بلة كما يقول المثل الشعبي عندنا ، فطعنوا في تأميره أسامة بعد يومين من رميه بالهجر والجرح لما يندمل ، حتى أجبروه أن يخرج صلى الله عليه وآله بتلك الحالة التي وصفها المؤرخون ، لا يقدر على المشي من شدة المرض وهو يتهادى بين رجلين ، ثم يقسم بالله بأن أسامة خليق بالامارة ، ويزيدنا الرسول بأنهم هم أنفسهم الذين طعنوا في تأميره زيد بن حارثة من قبل ليعلمنا أن هؤلاء لهم معه مواقف سابقة متعددة وسوابق شاهدة على أنهم لم يكونوا من الذين لا يجدون في أنفسهم حرجا مما قضى ويسلمون تسليما ،
                    ____________
                    ( 1 ) سورة الحشر : آية 7 .
                    ( 2 ) سورة الاحزاب : آية 36 .

                    تعليق


                    • #40
                      بل كانوا من الذين جعلوا لانفسهم حق النقد والمعارضة حتى ولو خالفوا بذلك أحكام الله ورسوله .
                      ومما يدلنا على المعارضة الصريحة ، أنهم رغم ما شاهدوه من غضب رسول الله ومن عقد اللواء له بيده الشريفة والامر لهم بالاسراع والتعجيل ، تثاقلوا وتباطأوا ، ولم يذهبوا حتى توفي بأبي هو وأمي وفي قلبه حسرة على أمته المنكوبة التي سوف تنقلب على أعقابها وتهوى في النار ولا ينجو منها إلا القليل الذي شبهه رسول الله بهمل النعم .
                      وإذا أردنا أن نتمعن في هذه القضية فإننا سنجد الخليفة الثاني من أبرز عناصرها إذ أنه هو الذي جاء بعد وفاة رسول الله إلى الخليفة أبي بكر وطلب منه أن يعزل أسامة ويبدله بغيره فقال له أبو بكر : ثكلتك أمك يا ابن الخطاب ! أتأمرني أن أعزله وقد ولاه رسول الله(1) .
                      فأين هو عمر من هذه الحقيقة التي أدركها أبو بكر ، أم أن في الامر سراً آخر خفي عن المؤرخين ، أم أنهم هم الذين أسروه حفاظاً على كرامته كما هي عادتهم وكما أبدلوا عبارة « يهجر » بلفظ « غلبه الوجع » .
                      عجبي من هؤلاء الصحابة الذين أغضبوه يوم الخميس واتهموه بالهجر والهذيان وقالوا حسبنا كتاب الله ، وكتاب الله يقول لهم في محكم آياته :
                      ( قل إن كنتم تحبون الله ، فاتبعوني يحببكم الله )(2) .
                      وكأنهم هم أعلم بكتاب الله وأحكامه من الذي أنزل عليه وها هم بعد يومين فقط من تلك الرزية المؤلمة وقبل يومين فقط من لحوقه بالرفيق الاعلى يغضبونه أكثر فيطعنون في تأميره ولا يطيعون أمره ، وإذا كان في الرزية الاولى مريضا طريح الفراش ، فقد اضطر في الثانية أن يخرج معصب الرأس مدثراً بقطيفة يتهادى بين رجلين ورجلاه تخطان في الارض وخطب فيهم خطبة كاملة من
                      ____________
                      ( 1 ) الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 - ص 190 - تاريخ الطبري ج 3 - ص 226 .
                      ( 2 ) سورة آل عمران : آية 31 .
                      ( 104 )فوق المنبر بدأها بتوحيد الله والثناء عليه ليشعرهم بذلك بأنه بعيد عن الهجر ثم أعلمهم بما عرفه من طعنهم ، ثم ذكرهم بقضية أخرى طعنوا فيها من قبل أربع سنوات خلت ، أفهل يعتقدون بعد ذلك بأنه يهجر أو أنه غلبه الوجع لدرجة أنه لم يعد يعي ما يقول ؟ .
                      سبحانك اللهم وبحمدك كيف يجرؤ هؤلاء على رسولك فلا يرضون بالعقد الذي أبرمه ، ويعارضونه بشدة حتى يأمرهم بالنحر والحلق ثلاث مرات فلا يستجيب منهم أحد ، ومرة أخرى يجذبونه من قميصه ويمنعونه من الصلاة على عبدالله بن اُبي ويقولون له : إن الله قد نهاك أن تصلي على المنافقين ! وكأنهم يعلمونه ما نزل إليه في حين أنك قلت في قرآنك : ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم )(1).
                      وقلت أيضا : ( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله )(2) .
                      وقلت وقولك الحق : ( كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون )(3).
                      عجبا لهؤلاء القوم ! فمرة لا يمتثلون لامره ومرة يتهمونه بالهجر ويكثرون اللغط بحضرته في غير احترام ولا أدب ، وأخرى يطعنون في تأميره زيد بن حارثة ومن بعده في تأمير ابنه أسامة بن زيد فكيف يبقى بعد كل هذا شك عند الباحثين من أن الشيعة على حق عندما يحيطون مواقف بعض الصحابة بعلامات الاستفهام ويمتعضون منها احتراما وحبا ومودة لصاحب الرسالة وأهل بيته .
                      على أني لم أذكر من المخالفات غير أربع أو خمس وذلك للاختصار ولتكون أمثلة فقط ، ولكن علماء الشيعة قد أحصوا مئات الموارد التي خالف فيها الصحابة
                      ____________
                      ( 1 ) سورة النحل : آية 44 .
                      ( 2 ) سورة النساء : آية 105 .
                      ( 3 ) سورة البقرة : آية 151 .
                      ( 105 )النصوص الصريحة ولم يستدلوا إلا بما أخرجه علماء السنة في صحاحهم ومسانيدهم .
                      وإني عندما أستعرض بعض المواقف التي وقفها بعض الصحابة من رسول الله أبقى حائرا مدهوشا ، لا من تصرفات هؤلاء الصحابة فحسب ولكن من موقف علماء السنة والجماعة الذين يصورون لنا الصحابة دوما على حق لا يمكن التعرض لهم بأي نقد ، وبذلك يمنعون الباحث من الوصول إلى الحقيقة ويبقى يتخبط في التناقضات الفكرية .
                      وزيادة على ما سبق أسوق بعض الامثلة التي تعطينا صورة حقيقية على هؤلاء الصحابة ونفهم بذلك موقف الشيعة منهم :
                      أخرج البخاري في صحيحه ج 4 ص 47 في باب الصبر على الاذى وقول الله تعالى ( إنما يوفى الصابرون أجرهم ) من كتاب الادب ، قال : حدثنا الاعمش قال سمعت شقيقا يقول قال عبدالله : قسم النبي صلى الله عليه وآله قسمة كبعض ما كان يقسم فقال رجل من الانصار والله إنها لقسمة ما أريد بها وجه الله ، قلت أما أني لاقولن للنبي صلى الله عليه وآله فأتيته وهو في أصحابه فساورته فشق ذلك على النبي وتغير وجهه وغضب حتى وددت أني لم أكن أخبرته ثم قال : قد أوذي موسى بأكثر من ذلك فصبر .
                      كما أخرج البخاري في الكتاب نفسه أعني كتاب الادب في باب التبسم والضحك .
                      قال حدثنا أنس بن مالك قال كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وآله وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجبذ بردائه جبذة شديدة قال أنس فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وآله وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته ، ثم قال : يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء .
                      كما أخرج البخاري في كتاب الادب في باب من لم يواجه الناس بالعتاب قال : قالت عائشة صنع النبي صلى الله عليه وآله شيئا فرخص فيه ، فتنزه عنه قوم فبلغ ذلك

                      تعليق


                      • #41
                        ( 106 )النبي صلى الله عليه وآله فخطب فحمد الله ثم قال : ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه فوالله أني لاعلمهم بالله وأشدهم له خشية ... ! .
                        ولعمري ان الذين يعتقدون أن رسول الله صلى الله عليه وآله يميل به الهوى ويحيد به عن طريق الحق فيقسم قسمة لا يريد بها وجه الله وإنما تبعا لهواه وعاطفته ، والذين يتنزهون عن أشياء يصنعها رسول الله اعتقادا منهم بأنهم أتقى لله وأعلم به من رسوله ، فهؤلاء ليسوا جديرين بذلك التقديس حيث ينزلهم البعض منزلة الملائكة فيحكمون بأنهم أفضل الخلق بعد رسول الله وأن المسلمين مدعوون لاتباعهم والاقتداء بهم والسير على سنتهم لا لشيء إلا لانهم صحابة رسول الله وهذا يتناقض مع أهل السنة والجماعة الذين لا يصلون على محمد وآله إلا ويضيفون إليهم الصحابة أجمعين وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد عرف قدرهم وأنزلهم منزلتهم فأمرهم بأن يصلوا على رسوله وأهل بيته الطاهرين ليا لاعناقهم ليخضعوا ويعرفوا مكانة هؤلاء عند الله فلماذا نجعلهم نحن في منزلة فوق منزلتهم ونسويهم بمن رفع الله قدرهم وفضلهم على العالمين .
                        ودعني أستنتج بأن الامويين والعباسيين الذين ناصبوا أهل البيت النبوي العداء فأبعدوهم وشردوهم وقتلوهم وأتباعهم وشيعتهم ، تفطنوا لما في هذه المزية من الفضل العميم والخطر الجسيم ، فإذا كان الله سبحانه لا يقبل صلاة مسلم إلا إذا صلى عليهم ، فبماذا يبررون عداءهم وانحرافهم عن أهل البيت ، ولذلك تراهم ألحقوا الصحابة بأهل البيت ليموهوا على الناس بأن أهل البيت والصحابة في الفضل سواء .
                        وخصوصا إذا عرفنا أن ساداتهم وكبراءهم هم بعض الصحابة الذين استأجروا ضعفاء العقول ممن صحبوا رسول الله أو من التابعين ليرووا الاحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة وبالاخص في من اعتلوا منصة الخلافة وكانوا سببا مباشرا في وصولهم - أي الامويين والعباسيين - إلى الحكم والتحكم في رقاب المسلمين والتاريخ خير شاهد على ما أقول ؛ إذ أن عمر بن الخطاب الذي اشتهر بمحاسبة ولاته وعزلهم لمجرد شبهة نراه يلين مع معاوية بن أبي سفيان ولا يحاسبه قط وقد ولاه أبو بكر وأقره عمر طيلة حياته ولم يعترض عليه حتى بالعتاب
                        ( 107 )واللوم ، رغم كثرة الساعين الذين يشتكون من معاوية ويقولون له إن معاوية يلبس الذهب والحرير اللذين حرمهما رسول الله على الرجال ، فكان عمر يجيبهم : « دعوه فإنه كسرى العرب » واستمر معاوية في الولاية أكثر من عشرين عاما لم يتعرض له أحد بالنقد ولا بالعزل ولما ولي عثمان خلافة المسلمين أضاف إليه ولايات أخرى مكنته من الاستيلاء على الثروة الاسلامية وتعبئة الجيوش وأوباش العرب للقيام بالثورة على إمام الامة والاستيلاء على الحكم بالقوة والغصب والتحكم في رقاب المسلمين وإرغامهم بالقوة والقهر على بيعة ابنه الفاسق شارب الخمر يزيد وهذه قصة أخرى طويلة لست بصدد تفصيلها في هذا الكتاب والمهم هو أن أعرف نفسيات هؤلاء الصحابة الذين اعتلوا منصة الخلافة ومهدوا لقيام الدولة الاموية بصفة مباشرة نزولا على حكم قريش التي تأبى أن تكون النبوة والخلافة في بني هاشم(1) .
                        وللدولة الاموية الحق بل من واجبها أن تشكر أولئك الذين مهدوا لها ، وأقل الشكر أن تستأجروا رواة مأجورين يروون في فضائل أسيادهم ما تسير به الركبان وفي نفس الوقت يرفعون هؤلاء فوق منزلة خصومهم أهل البيت ، باختلاق الفضائل والمزايا التي يشهد الله أنها إذا ما بحثت تحت ضوء الادلة الشرعية والعقلية والمنطقية ، فلن يبقى منها شيء يذكر ، أللهم إلا إذا أصاب عقولنا مس وآمنا بالتناقضات .
                        وعلى سبيل المثال لا الحصر ، فإننا نسمع الكثير عن عدل عمر الذي سارت به الركبان حتى قيل « عدلت فنمت » وقيل دفن عمر واقفا لئلا يموت العدل معه وفي عدل عمر حدث ولا حرج ، ولكن التاريخ الصحيح يحدثنا بأن عمر حين فرض العطاء في سنة عشرين للهجرة لم يتوخ سنة رسول الله ولم يتقيد بها ، فقد ساوى النبي صلى الله عليه وآله بين جميع المسلمين في العطاء فلم يفضل أحدا على
                        ____________
                        ( 1 ) للتفصيل إقرأ :
                        الخلافة والملك : أبو الاعلى المحمودي .
                        يوم الاسلام : أحمد أمين .
                        ( 108 )أحد ، واتبعه في ذلك أبو بكر مدة خلافته ، ولكن عمر بن الخطاب اخترع طريقة جديدة وفضل السابقين على غيرهم وفضل المهاجرين من قريش على غيرهم من المهاجرين ، وفضل المهاجرين كافة على الانصار كافة ، وفضل العرب على سائر العجم ، وفضل الصريح على المولى(1) وفضل مضر على ربيعة ، ففرض لمضر ثلاثمائة ولربيعة مائتين(2) وفضل الاوس على الخزرج(3) .
                        فأين هذا التفضيل من سنة رسول الله ؟ ونسمع عن علم عمر بن الخطاب الكثير الذي لا حصر له حتى قيل أنه أعلم الصحابة وقيل أنه وافق ربه في كثير من آرائه التي ينزل القرآن بتأييدها في العديد من الآيات التي يختلف فيها عمر والنبي صلى الله عليه وآله .
                        ولكن الصحيح من التاريخ يدلنا على أن عمر لم يوافق القرآن حتى بعد نزوله ، عندما سأله أحد الصحابة أيام خلافته فقال : يا أمير المؤمنين أني أجنبت فلم أجد الماء فقال له عمر : لا تصل واضطر عمار بن ياسر أن يذكره بالتيمم ولكن عمر لم يقنع بذلك وقال لعمار : إنا نحملك ما تحملت(4) .
                        فأين عمر من آية التيمم المنزلة في كتاب الله وأين علمه من سنة النبي صلى الله عليه وآله الذي علمهم كيفية التيمم كما علمهم الوضوء ، وعمر نفسه يعترف في العديد من القضايا بأنه ليس بعالم ، بل بأن كل الناس أفقه منه حتى ربات الحجال وبقوله عدة مرات ، لولا علي لهلك عمر ، ولقد أدركه الاجل ومات ولم يعرف حكم الكلالة التي حكم فيها بأحكام متعددة ومختلفة كما يشهد بذلك التاريخ .
                        كذلك نسمع عن بطولة عمر وشجاعته وقوته الشيء الكثير حتى قيل إن قريش خافت عندما أسلم عمر ، وقويت شوكة المسلمين بإسلامه ، وقيل إن الله أعز الاسلام بعمر بن الخطاب وقيل إن رسول الله لم يجهر بدعوته إلا بعد إسلام
                        ____________
                        ( 1 ) شرح ابن أبي الحديد ج 8 - ص 111 .
                        ( 2 ) تاريخ اليعقوبي ج 2 - ص 106 .
                        ( 3 ) فتوح البلدان ص 437 .
                        ( 4 ) صحيح البخاري - ج 1 - ص 52 .
                        ( 109 )عمر ، ولكن التاريخ الثابت الصحيح ، لا يوقفنا على شيء من هذه البطولة والشجاعة ، ولا يعرف التاريخ رجلا واحدا من المشاهير أو حتى من العاديين الذين قتلهم عمر بن الخطاب في مبارزة أو في معركة كبدر وأحد والخندق وغيرها ، بل العكس هو الصحيح فالتاريخ يحدثنا أنه هرب مع الهاربين في معركة أحد وكذلك هرب يوم حنين ، وبعثه رسول الله لفتح مدينة خيبر فرجع مهزوما ، وحتى السرايا التي شارك فيها كان تابعا غير متبوع ، وآخرها سرية أسامة التي كان فيها مأمورا تحت قيادة الشاب أسامة بن زيد .
                        فأين دعوى البطولات والشجاعة من هذه الحقائق . . ؟ ونسمع عن تقوى عمر بن الخطاب ومخافته وبكائه من خشية الله الشيء الكثير ، حتى قيل إنه كان يخاف أن يحاسبه الله لو عثرت بغلة في العراق لانه لم يعبد لها الطريق ، ولكن التاريخ الثابت الصحيح يحدثنا بأنه كان فظا غليظا لا يتورع ولا يخاف فيضرب من يسأله عن آية من كتاب الله حتى يدميه بدون ذنب اقترفه ، بل وتسقط المرأة حملها لمجرد رؤيته هيبة ومخافة منه ، ولماذا لم يتورع مخافة من الله عندما سل سيفه وهدد كل من يقول بأن محمدا قد مات وأقسم بالله أنه لم يمت وإنما ذهب يناجي ربه كما فعل موسى بن عمران وتوعد من يقول بموته بضرب عنقه(1) .
                        ولماذا لم يتورع ولم يخش الله سبحانه في تهديد حرق بيت فاطمة الزهراء بالنار إن لم يخرج المتخلفون فيه للبيعة(2) وقيل له إن فيها فاطمة فقال : وإن ؛ وتجرأ على كتاب الله وسنة رسوله فحكم في خلافته بأحكام تخالف النصوص القرآنية والسنة النبوية الشريفة(3) .
                        وإنما أخذت هذا الصحابي الكبير الشهير كمثل واختصرت كثيرا لعدم الاطالة ولو شئت الدخول في التفاصيل لملات كتبا عديدة ، ولكن كما قلت : إنما أذكر هذه الموارد على سبيل المثال لا الحصر .
                        ____________
                        ( 1 ) تاريخ الطبري - وتاريخ ابن الاثير .
                        ( 2 ) الامامة والسياسة ابن قتيبة .
                        ( 3 ) راجع النص والاجتهاد ، عبدالحسين شرف الدين ، فقد أحصى كثيرا من الموارد التي اجتهد فيها عمر مقابل النصوص ، مع ذكر المصادر المقبولة لدى الفرق الاسلامية كافة

                        تعليق


                        • #42
                          ( 110 ) والذي ذكرته هو نزر يسير يعطينا دلالة واضحة على نفسيات الصحابة وموقف العلماء من أهل السنة المتناقض ، فبينما يمنعون على الناس نقدهم والشك فيهم ، يروون في كتبهم ما يبعث على الشك والطعن فيهم ، وليت علماء السنة والجماعة لم يذكروا مثل هذه الاشياء الصريحة التي تمس كرامة الصحابة وتخدش في عدالتهم إذن لاراحونا من عناء الارتباك .
                          وإني أتذكر لقائي مع أحد علماء النجف الاشرف وهو أسد حيدر مؤلف كتاب « الامام الصادق والمذاهب الاربعة » وكنا نتحدث عن السنة والشيعة ، فروى لي قصة والده الذي التقى في الحج عالما تونسيا من علماء الزيتونة ، وذلك منذ خمسين عاما ، ودار بينهما نقاش في إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، فكان العالم التونسي يستمع إلى والدي وهو يعدد الادلة على إمامته ( ع ) وأحقيته في ا لخلافة فأحصى أربعة أو خمسة أدلة ، ولما انتهى سأله العالم الزيتوني هل لديك غير هذا ؟ قال : لا ، فقال التونسي : أخرج مسبحتك وأبدا في العد ، وأخذ يذكر الادلة على خلافة الامام علي ( ع ) حتى عدد له مائة دليل لا يعرفها والدي ، وأضاف الشيخ أسد حيدر : لو يقرأ أهل السنة والجماعة ما في كتبهم ، لقالوا مثل مقالتنا ولانتهى الخلاف بيننا من زمان بعيد .
                          ولعمري إنه الحق الذي لا مفر منه لو يتحرر الانسان من تعصبه الاعمى وكبريائه وينصاع للدليل الواضح .

                          * * *( 111 )
                          <A href="http://www.rafed.net/books/aqaed/thuma/index.html">أولا - رأي القرآن في الصحابة

                          قبل كل شيء لابد لي أن أذكر أن الله سبحانه وتعالى قد مدح في كتابه العزيز في العديد من المواقع صحابة رسول الله الذين أحبوا الرسول واتبعوه وأطاعوه في غير مطمع وفي غير معارضة ولا استعلاء ولا استكبار ، بل ابتغاء مرضاة الله ورسوله ، أولئك رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه .
                          وهذا القسم من الصحابة الذين عرف المسلمون قدرهم من خلال مواقفهم وأفعالهم معه صلى الله عليه وآله أحبوهم وأجلوهم وعظموا قدرهم وترضوا عنهم كلما ذكروهم .
                          وبحثي لا يتعلق بهذا القسم من الصحابة الذين هم محط الاحترام والتقدير من السنة والشيعة .
                          كما لا يتعلق بالقسم الذي اشتهر بالنفاق والذين هم معرضون للعن المسلمين جميعا من السنة والشيعة .
                          ولكن بحثي يتعلق بهذا القسم من الصحابة الذين اختلف فيهم المسلمون ، ونزل القرآن بتوبيخهم وتهديدهم في بعض المواقع ، والذين حذرهم رسول الله صلى الله عليه وآله في العديد من المناسبات أو حذر منهم .
                          نعم الخلاف القائم بين الشيعة والسنة هو في هذا القسم من الصحابة إذ أن الشيعة ينتقدون أقوالهم وأفعالهم ويشكون في عدالتهم ، بينما يحترمهم أهل السنة
                          ( 112 )والجماعة رغم كل ما ثبت عنهم من مخالفات .
                          وبحثي إنما يتعلق بهؤلاء « هذا القسم من الصحابة » حتى أتمكن من خلاله من الوصول إلى الحقيقة أو بعض الحقيقة .
                          أقول هذا حتى لا يتوهم أحد أني أغفلت الآيات التي تمدح أصحاب رسول الله وأبرزت الآيات القادحة فقط ، بل إني خلال البحث اكتشفت أن هناك آيات مادحة تتضمن في طيها قدحا أو ما هو نقيض ذلك .
                          وسوف لن أكلف نفسي جهدا كبيرا كما فعلت ذلك خلال السنوات الثلاث من البحث ، بل سأكتفي بذكر بعض الآيات كأمثلة ، كما جرت العادة وذلك للاختصار ، وعلى الذين يريدون التوسع أن يتكبدوا عناء البحث والتنقيب والمقارنة كما فعلت لتكون هدايتهم بعرق الجبين وعصارة الفكر كما يطلبه الله من كل أحد وما يتطلبه الوجدان لقناعة راسخة لا تزحزحها الرياح والعواصف ومن المعلوم بالضرورة أن الهداية التي تكون عن قناعة نفسية أفضل بكثير من التي تكون بمؤثرات خارجية .
                          قال تعالى يمدح نبيه : ( ووجدك ضالا فهدى )(1). أي وجدك تبحث عن الحق فهداك إليه ، وقال أيضا : ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا )(2).

                          <A href="http://www.rafed.net/books/aqaed/thuma/index.html">1 - محمد رسول الله
                          والمثال الاول على ذلك هو آية محمد رسول الله ، يقول الله تعالى : ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ، تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الانجيل كزرع أخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستوى على
                          ____________
                          ( 1 ) سورة الضحى : آية 7 .
                          ( 2 ) سورة العنكبوت : آية 69 .
                          ( 113 )سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار ، وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما ) (1) .
                          فهذه الآية الكريمة كلها مدح لرسول الله والصحابة الذين معه الذين هم - على الوصف الذي ذكره الله تعالى - من الشدة على الكفار ومن الرحمة على بعضهم البعض ، وتمضي الآية الكريمة في مدح هؤلاء وذكر أوصافهم حتى تنتهي بوعده سبحانه وتعالى بالمغفرة والاجر العظيم ليس لكل الصحابة المذكورين ولكن للبعض منهم ، الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، فكلمة منهم التي ذكرها الله تعالى دلت على التبعيض وأوحت أن البعض من هؤلاء لا تشملهم مغفرة الله ورضوانه ودلت أيضا على أن البعض من الصحابة انتفت منهم صفة الايمان والعمل الصالح . فهذه من الآيات المادحة والقادحة في آن واحد فهي بينما تمدح نخبة من الصحابة تقدح في آخرين .
                          ومن المؤسف المثير أن الكثيرين يستدلون بهذه الآية الكريمة على عصمة الصحابة وعدالتهم ويحتجون بها على الشيعة ، في حين أنها حجة عليهم واضحة جلية في تأييد الشيعة القائلين بتقسيم الصحابة إلى مؤمن مخلص استكمل الايمان وعمل الصالحات فوعده الله المغفرة والرضوان والاجر العظيم ، وآخر أسلم ولما يدخل الايمان في قلبه أو آمن وعمل صالحا في عهد الرسالة ولكنه إنقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وقد توعده الله بإحباط أعماله لمجرد رفع صوته فوق صوت النبي ، فما بالك بمن عصى الله ورسوله ، وضل ضلالا مبينا . ثم ما بالك بمن حكم بما لم ينزل إليه أو بدل أحكام الله فأحل ما حرمه الله وحرم ما أحله الله ، واتبع في كل ذلك رأيه وهواه .

                          <A href="http://www.rafed.net/books/aqaed/thuma/index.html">2 - آية الانقلاب
                          قال تعالى في كتابه العزيز :
                          ____________
                          ( 1 ) سورة الفتح : آية 29 .
                          ( 114 )

                          تعليق


                          • #43
                            ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين )(1) صدق الله العظيم .
                            فهذه الآية الكريمة صريحة وجلية في أن الصحابة سينقلبون على أعقابهم بعد وفاة الرسول مباشرة ولا يثبت منهم إلا القليل كما دلت على ذلك الآية في تعبير الله عنهم - أي عن الثابتين الذين لا ينقلبون - بالشاكرين ، فالشاكرون لا يكونون إلا قلة قليلة كما دل على ذلك قوله سبحانه وتعالى : ( وقليل من عبادي الشكور )(2).
                            وكما دلت عليه أيضا الاحاديث النبوية الشريفة التي فسرت هذا الانقلاب ، والتي سوف نذكر البعض منها وإذا كان الله سبحانه لم يبين عقاب المنقلبين على أعقابهم في هذه الآية واكتفى بتمجيد الشاكرين الذين استحقوا جزاءه سبحانه وتعالى ، غير أنه من المعلوم بالضرورة أن المنقلبين على الاعقاب لا يستحقون ثواب الله وغفرانه ، كما أكد ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله في أحاديث متعددة سوف نبحث في البعض منها إن شاء الله في هذا الكتاب .
                            ولا يمكن تفسير الآية الكريمة بطليحة وسجاح والاسود العنسي ، وذلك حفاظا على كرامة الصحابة ، فهؤلاء قد انقلبوا وارتدوا عن الاسلام وادعوا النبوة في حياته صلى الله عليه وآله وقد حاربهم رسول الله وانتصر عليهم ، كما لا يمكن تفسير الآية الكريمة بمالك بن نويرة وأتباعه الذين منعوا الزكاة في زمن أبي بكر لعدة أسباب ، منها : أنهم إنما منعوها ولم يعطوها إلى أبي بكر تريثا منهم حتى يعرفوا حقيقة الامر ، إذ أنهم حجوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله في حجة الوداع وقد بايعوا الامام علي بن أبي طالب في غدير خم بعد ما نصبه رسول الله للخلافة كما بايعه أبو بكر نفسه ، ففوجئوا عند قدوم رسول الخليفة بنعي رسول الله وطلبه الزكاة باسم الخليفة الجديد أبي بكر ، وهي قضية لا يريد التاريخ الغوص في أعماقها حفاظا على كرامة الصحابة أيضا ، ومنها أن مالكا وأتباعه مسلمون شهد بذلك عمر وأبو
                            ____________
                            ( 1 ) سورة آل عمران : آية 144 .
                            ( 2 ) سورة سبأ : آية 13 .
                            ( 115 )بكر نفسه وعدة من الصحابة الذين أنكروا على خالد بن الوليد قتله مالك بن نويرة ، والتاريخ يشهد أن أبا بكر أدى دية مالك لاخيه متمم من بيت مال المسلمين واعتذر له عن قتله ، ومن المعلوم أن المرتد عن الاسلام يجب قتله ولا تؤدي ديته من بيت المال ، ولا يعتذر عن قتله .
                            والمهم أن آية الانقلاب تقصد الصحابة مباشرة الذين يعيشون معه صلى الله عليه وآله في المدينة المنورة وترمي إلى الانقلاب مباشرة بعد وفاته صلى الله عليه وآله بدون فصل والاحاديث النبوية توضح ذلك بما لا يدع مجالا للشك وسوف نطلع عليها قريبا إن شاء الله . والتاريخ أيضا خير شاهد على الانقلاب الذي وقع بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله ومن يستعرض الاحداث التي وقعت بين الصحابة عند وفاة النبي لا يبقى لديه أي ريب في أن الانقلاب وقع في صفوفهم ولم ينج منهم إلا القليل .

                            <A href="http://www.rafed.net/books/aqaed/thuma/index.html">3 - آية الجهاد
                            قال تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الارض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل . إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير )(1) صدق الله العظيم .
                            هذه الآية صريحة أيضا في أن الصحابة تثاقلوا عن الجهاد واختاروا الركون إلى الحياة الدنيا رغم علمهم بأنها متاع قليل ، حتى استوجبوا توبيخ الله سبحانه وتهديده إياهم بالعذاب الاليم ، واستبدال غيرهم من المؤمنين الصادقين بهم .
                            وقد جاء هذا التهديد باستبدال غيرهم في العديد من الآيات مما يدل دلالة واضحة على أنهم تثاقلوا عن الجهاد في مرات عديدة ، فقد جاء في قوله تعالى : ( وأن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم )(2).
                            ____________
                            ( 1 ) سورة التوبة : آية 38 ، 39 .
                            ( 2 ) سورة محمد : آية 38 .
                            ( 116 ) وكقوله تعالى أيضا : ( يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم )(1).
                            ولو أردنا استقصاء ما هنالك من الآيات الكريمة التي تؤكد هذا المعنى وتكشف بوضوح عن حقيقة هذا التقسيم الذي يقول به الشيعة بشأن هذا القسم من الصحابة لاستوجب ذلك كتابا خاصا ، وقد عبر القرآن الكريم عن ذلك بأوجز العبارات وأبلغها حين قال : ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ، ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم ، يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ، فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ، وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون )(2) صدق الله العلي العظيم . وهذه الآيات كما لا يخفى على كل باحث مطلع تخاطب الصحابة وتحذرهم من التفرقة والاختلاف من بعد ما جاءهم البينات وتتوعدهم بالعذاب العظيم وتقسمهم إلى قسمين قسم يبعث يوم القيامة بيض الوجوه وهم الشاكرون الذين استحقوا رحمة الله ، وقسم يبعث مسود الوجوه وهم الذين ارتدوا بعد الايمان وقد توعدهم الله سبحانه بالعذاب العظيم .
                            ومن البديهي المعلوم أن الصحابة تفرقوا بعد النبي واختلفوا وأوقدوا نار الفتنة حتى وصل بهم الامر إلى القتال والحروب الدامية التي سببت انتكاس المسلمين وتخلفهم وأطمعت فيهم أعداءهم ، والآية المذكورة لا يمكن تأويلها وصرفها عن مفهومها المتبادر للاذهان .
                            ____________
                            ( 1 ) سورة المائدة : آية 54 .
                            ( 2 ) سورة آل عمران : آية 104 ، 105 ، 106 .
                            ( 117 )
                            <A href="http://www.rafed.net/books/aqaed/thuma/index.html">4 - آية الخشوع
                            قال تعالى : ( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ، ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الامد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون )(1) صدق الله العلي العظيم .
                            وفي الدر المنثور جلال الدين السيوطي قال : لما قدم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله المدينة ، فأصابوا من لين العيش ما أصابوا بعد ما كان بهم من الجهد ، فكأنهم فتروا عن بعض ما كانوا عليه فعوتبوا فنزلت : ( ألم يأن للذين آمنوا ) وفي رواية أخرى عن النبي صلى الله عليه وآله أن الله سبحانه استبطأ قلوب المهاجرين بعد سبع عشرة سنة من نزول القرآن فأنزل الله ( ألم يأن للذين آمنوا ) .
                            وإذا كان هؤلاء الصحابة وهم خيرة الناس على ما يقوله أهل السنة والجماعة ، لم تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق طيلة سبعة عشر عاما حتى استبطأهم الله وعاتبهم وحذرهم من قسوة القلوب التي تجرهم إلى الفسوق ، فلا لوم على المتأخرين من سراة قريش الذين أسلموا في السنة الثامنة للهجرة بعد فتح مكة .
                            فهذه بعض الامثلة التي استعرضتها من كتاب الله العزيز كافية للدلالة على أن الصحابة ليسوا كلهم عدولا كما يقوله أهل السنة والجماعة .
                            وإذا فتشنا في أحاديث النبي صلى الله عليه وآله فسنجد أضعاف الاضعاف من الامثلة الاخرى ولكن توخيا للاختصار أسوق بعض الامثلة وعلى الباحث أن يتوسع إذا أراد ذلك .
                            ____________
                            ( 1 ) سورة الحديد : آية 16 .

                            تعليق


                            • #44
                              ( 118 )( 119 )
                              <A href="http://www.rafed.net/books/aqaed/thuma/index.html">ثانيا - رأي الرسول في الصحابة

                              <A href="http://www.rafed.net/books/aqaed/thuma/index.html">1 - حديث الحوض
                              قال رسول الله صلى الله عليه وآله :
                              « بينما أنا قائم فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال ، هلم ، فقلت إلى أين ؟ فقال : إلى النار والله ، قلت ما شأنهم ؟ قال : إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى ، فلا أرى يخلص منهم إلا مثل همل النعم »(1).
                              وقال صلى الله عليه وآله :
                              « إني فرطكم على الحوض من مر علي شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا ، ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفونني ثم يحال بيني وبينهم فأقول : أصحابي ، فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول : سحقا سحقا لمن غير بعدي »(2).
                              فالمتمعن في هذه الاحاديث العديدة التي أخرجها علماء أهل السنة في صحاحهم ومسانيدهم ، لا يتطرق إليه الشك في أن أكثر الصحابة قد بدلوا
                              ____________
                              ( 1 ، 2 ) صحيح البخاري ج 4 ص 94 إلى 99 وص 156 وج 3 ص 32 ؛ صحيح مسلم ج 7 ص 66 حديث الحوض .
                              ( 120 )وغيروا بل ارتدوا على أدبارهم بعده صلى الله عليه وآله إلا القليل الذي عبر عنه بهمل النعم ، ولا يمكن بأي حال من الاحوال حمل هذه الاحاديث على القسم الثالث وهم المنافقون ، لان النص يقول : فأقول أصحابي .
                              ولان المنافقين لم يبدلوا بعد النبي وإلا لاصبح المنافق بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله مؤمنا .
                              كما أن هذه الاحاديث هي مصداق وتفسير لما سجلناه سابقا من الآيات الكريمة التي تحدثت عن انقلابهم وارتدادهم وتوعدهم بالعذاب الاليم .

                              <A href="http://www.rafed.net/books/aqaed/thuma/index.html">2 - حديث اتباع اليهود والنصارى
                              قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
                              « لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم ، قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال فمن »(1).
                              وللباحث أن يتسأل عندما يقرأ هذا الحديث المجمع على صحته ، ماذا فعل الصحابة المقصودون بهذا الحديث من فعل اليهود والنصارى حتى وصفهم رسول الله بأنهم يتبعونهم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلوا مدخلهم .
                              ومن المعلوم من القرآن الكريم ومن التاريخ الصحيح أن اليهود تمردوا على موسى رسول الله إليهم وعصوا أمره وآذوه ، وعبدوا العجل في غيابه وتآمروا على أخيه هارون وكادوا يقتلونه ، وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله جزاء بما كانوا يفعلون ، وقد ارتدوا بعد إيمانهم وتآمروا على أنبياء الله وكلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم ففريقا كذبوا وفريقا يقتلون ، ووصل بهم الامر أن تآمروا على سيدنا عيسى وبهتوا أمه الطاهرة ولم يهدؤوا حتى قتلوه وصلبوه بزعمهم(2) واختلفوا بعد ذلك وتفرقوا فيه فمن قائل بأنه دجال كذاب ، ومن
                              ____________
                              ( 1 ) أخرج هذا الحديث كل من البخاري في صحيحه ج 4 ص 187 ومسلم في صحيحه ج 8 ص 57 .
                              والامام أحمد بن حنبل في مسنده ج 3 ص 84 و 94 .
                              ( 2 ) يصادف تاريخ كتابة هذه السطور : أن البابا يوحنا بولس الثاني زار بالامس كنيسة اليهود في محاولة
                              =
                              ( 121 )مغال أنزله منزلة الاله فقال هو ابن الله .
                              ولمصداق هذا الحديث فمن حقي أن أتصور بأن الصحابة أيضا عصوا أمر رسول الله في أمور كثيرة منها منعهم أن يكتب لهم الكتاب الذي يصونهم من الضلالة ، ومنها طعنهم في تأميره أسامة ورفضهم أن يخرجوا معه حتى بعد وفاة الرسول وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المتخلف عنه ممن عبأهم ، ومنها تفرقهم واختلافهم في سقيفة بني ساعدة لاستخلاف الخليفة ، ولم يقبلوا بمن نص عليه رسول الله في غدير خم وهو علي بن أبي طالب حسبما يدعيه الشيعة ولهم شواهد لا تقبل التأويل في صحاح السنة وتواريخهم وهددوا إبنته فاطمة الزهراء سيدة النساء بحرق دارها إذا لم يخرج المتخلفون للبيعة قهرا ، ومن المعقول جدا أن يقبل الباحث المنصف النص الصريح على علي بن أبي طالب ، لانه ليس من المعقول أن يموت رسول الله ولا يعين أحدا ، وهو الذي لم يخرج من المدينة إلى غزوة أو سفر إلا واستخلف عليهم أحدا ، ومن المعقول أيضا أن يقبل الباحث المنصف بقول الامام شرف الدين في كتابه « المراجعات » حيث قال لشيخ الازهر الشيخ سليم البشري :
                              - سلمتم - ـ سلمكم الله تعالى - بتأخرهم في سرية أسامة ، على السير ، وتثاقلهم في الجرف تلك المدة مع ما قد أمروا من الاسراع والتعجيل وسلمتم بطعنهم في تأمير أسامة مع ما وعوه ورأوه من النصوص قولا وفعلا على تأميره وسلمتم بطلبهم من أبي بكر عزله بعد غضب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من طعنهم في إمارته ، وخروجه بسبب ذلك محموما معصبا مدثرا ، وتنديده بهم في خطبته تلك على المنبر التي قلتم إنها كانت من الوقائع التاريخية وقد أعلن فيه كون أسامة أهلا لتلك الامارة .
                              وسلمتم بطلبهم من الخليفة إلغاء البعث الذي بعثه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحل اللواء الذي عقده بيده الشريفة ، مع ما رأوه من اهتمامه في
                              ____________
                              = تقريب اليهود من النصارى على حساب تبرئة اليهود من قتل المسيح ونسيان الماضي والتحالف لضرب الاسلام والمسلمين .

                              تعليق


                              • #45
                                ( 122 )إنفاذه وعنايته التامة في تعجيل إرساله ، ونصوصه المتوالية في وجوب ذلك .
                                وسلمتم بتخلف بعض من عبأهم صلى الله عليه وآله وسلم ، في ذلك الجيش وأمرهم بالنفوذ تحت قيادة أسامة .
                                وسلمتم بكل هذا كما نص عليه أهل الاخبار ، واجتمعت عليه كلمة المحدثين وحفظة الآثار ، وقلتم إنهم كانوا معذورين في ذلك ، وحاصل ما ذكرتموه من عذرهم أنهم إنّما آثروا في هذه الامور مصلحة الاسلام بما اقتضته أنظارهم لا بما أوجبته النصوص النبوية ونحن ما ادعينا - في هذا المقام - أكثر من هذا .
                                وبعبارة أخرى فإن تساؤلنا يدور حول ما يلي : هل كانوا في تعبدهم وفق النصوص جميعها أم بعضها ؟ لقد اخترتم الاول ، ونحن اخترنا الثاني ، فاعترافكم الآن بعدم تعبدهم في هذه الاوامر يثبت ما اخترناه ، وكونهم معذورين أو غير معذورين خارج عن موضوع البحث كما لا يخفى ، وحيث ثبت لديكم إيثارهم في سرية أسامة مصلحة الاسلام بما اقتضته أنظارهم على التعبد بما أوجبته تلك النصوص ، فلم لا تقولون أنهم آثروا في أمر الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، مصلحة الاسلام بما اقتضته أنظارهم على التعبد بنصوص الغدير وأمثالها .
                                إعتذرتم عن طعن الطاعنين في تأمير أسامة بأنهم إنما طعنوا بتأميره لحداثته مع كونهم بين كهول وشيوخ ، وقلتم إن نفوس الكهول والشيوخ تأبى بجبلتها وطبعها أن تنقاد إلى الاحداث ، فلم لم تقولوا هذا بعينه فيمن لم يتعبدوا بنصوص الغدير المقتضية لتأمير علي وهو شاب على كهول الصحابة وشيوخهم ، لانهم بحكم الضرورة من أخبارهم ، قد استحدثوا سنه يوم مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، كما استحدثوا سن أسامة يوم ولاه صلى الله عليه وآله وسلم عليهم في تلك السن وشتان ما بين الخلافة وإمارة السرية ، فإذا أبت نفوسهم بجبلتها أن تنقاد للحدث في سرية واحدة ، فهي أولى بأن تأبى أن تنقاد للحدث مدة حياته في جميع الشؤون الدنيوية والاخروية ، على أن ما ذكرتموه من أن نفوس الشيوخ والكهول تنفر بطبعها من الانقياد للاحداث ممنوع ، إن كان مرداكم
                                ( 123 )الاطلاق في هذا الحكم ، لان نفوس المؤمنين من الشيوخ الكاملين في إيمانهم لا تنفر من طاعة الله ورسوله في الانقياد للاحداث ، ولا في غيره من سائر الاشياء ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك في ما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) إنتهى كلامه نقلناه من كتاب المراجعات « المراجعة رقم 92 » .

                                <A href="http://www.rafed.net/books/aqaed/thuma/index.html">3 - حديث البطانتين
                                قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
                                « ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه فالمعصوم من عصمه الله »(1).
                                وهذا الحديث فيه دلالة واضحة على أن الصحابة كانوا قسمين بطانة تأمر الرسول بالمعروف وتحضه عليه وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه ، وإذا أردنا التوسع في هذا الموضوع لازددنا يقينا بأن بعض الصحابة كانوا يشيرون على رسول الله بغير المعروف .
                                ومثال ذلك ما أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد من جزئه الاول وحكم ابن جرير بصحته ، قال :
                                جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أناس من قريش فقالوا : يا محمد إنا جيرانك وحلفاؤك وإن أناسا من غلماننا قد أتوك ليس بهم رغبة في الاسلام ولا رغبة في الفقه إنما فروا من ضياعنا ، فقال النبي لابي بكر ما تقول قال صدقوا إنهم جيرانك وحلفاؤك فتغير وجه النبي بما أشار به ثم قال لعمر ما تقول قال صدقوا إنهم جيرانك وحلفاؤك فتغير وجه النبي بما أشار به هو الآخر عليه(2).
                                ____________
                                ( 1 ) الحديث أخرجه البخاري في صحيحه ج 4 ص 173 مسند الامام أحمد ج 3 ص 39 .
                                ( 2 ) تاريخ بغداد ج 1 ص 133 .
                                ( 124 ) وهذه القصة هي مصداق لحديث البطانتين والذي أشار به أبو بكر وعمر لم يكن من الخير ولا من المعروف وإلا لما تغير وجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
                                كما أخرج الامام أحمد بن حنبل في مسنده ومسلم في صحيحه قال سمعت عمر يقول : قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قسمة فقلت يا رسول الله لغير هؤلاء أحق منهم ، أهل الصفة ، قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إنكم تسألوني بالفحش ، وتبخلوني ولست بباخل(1) .
                                وهذه القصة هي الاخرى صريحة في أن عمر بن الخطاب ليس من البطانة التي تأمر بالمعروف وتحضّ عليه بل هو من الذين يسألون بالفحش ويأمرون بالبخل على ما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .

                                <A href="http://www.rafed.net/books/aqaed/thuma/index.html">4 - حديث التنافس على الدنيا
                                قال صلى الله عليه وآله وسلم :
                                « إني فرط لكم وأنا شهيد عليكم وإني والله لانظر إلى حوضي الآن وإني أعطيت مفاتيح خزائن الارض ( أو مفاتيح الارض ) وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها »(2).
                                صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقد تنافسوا على الدنيا حتى سلت سيوفهم وتحاربوا وكفر بعضهم بعضا ، وقد كان بعض هؤلاء الصحابة المشهورين يكنز الذهب والفضة في حين يموت بعض المسلمين جوعا ويحدثنا المؤرخون كالمسعودي في مروج الذهب والطبري وغيرهم أن ثروة الزبير وحده بلغت خمسين ألف دينار وألف فرس وألف عبد وضياعا كثيرة في البصرة وفي الكوفة وفي مصر وغيرها(3)
                                ____________
                                ( 1 ) صحيح مسلم ج 2 ص 730 مسند الامام أحمد بن حنبل .
                                ( 2 ) صحيح البخاري ج 4 ص 100 - 101 .
                                ( 3 ) مروج الذهب للمسعودي ج 2 ص 341 .
                                ( 125 ) كما بلغت غلة طلحة من العراق وحده كل يوم ألف دينار ، وقيل أكثر من ذلك(1).
                                وكان لعبد الرحمن بن عوف مائة فرس ، وله ألف بعير وعشرة آلاف شاة ، وبلغ ربع ثمن ماله الذي قسم على زوجاته بعد وفاته أربعة وثمانين ألفا(2).
                                وترك عثمان بن عفان يوم مات مائة وخمسين ألف دينار عدا المواشي والاراضي والضياع مما لا يحصى وترك زيد بن ثابت من الذهب والفضة ما كان يكسر بالفؤوس حتى مجلت أيدي الناس ، ما عدا الاموال والضياع بقيمة مائة ألف دينار(3).
                                هذه بعض الامثلة البسيطة وفي التاريخ شواهد كثيرة لا نريد الدخول في بحثها الآن ونكتفي بهذا القدر للدلالة على صدق الحديث وأنهم حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها ، فكدسوا الاموال على حساب المستضعفين من المسلمين .

                                * * *____________
                                ( 1 ، 2 ، 3 ) مروج الذهب للمسعودي ج 2 ص 341 .

                                تعليق

                                اقرأ في منتديات يا حسين

                                تقليص

                                المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                                أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, اليوم, 07:21 AM
                                ردود 2
                                10 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة ibrahim aly awaly
                                بواسطة ibrahim aly awaly
                                 
                                يعمل...
                                X