ذكَرَ جلالُ الدين السيوطي[67] في كتابه الدُّرّ المنثور في التأويل بالمأثور:
وأخرج أبو عبيد وابن الضريس وابن الأنباري في المصاحف عن ابن عمر قال: لا يقولَنَّ أحدكم: قد أخذْتُ القرآنَ كلَّه، ما يدريه ما كلُّه؟ قد ذهبَ منه قرآنٌ كثير. ولكنْ ليقُلْ: قد أخذْتُ ما ظهرَ منه.
هناك آيات غير موجودة في القرآن ولكنْ بقيَ حكْمُها سائرًا، أيْ: رُفِعَ لفظُها وبقي حكْمُها. وهناك آيات موجودٌ لفظُها في القرآن ومنسوخ حكْمُها. وهناك قراءات تؤدي إلى اختلاف المعنى. مثال على ذلك الآية 30 من سورة يونس: "هنالكَ تَبْلُواْ كلُّ نفسٍ ما أسلفَتْ." قراءة حفص لهذه الآية هي: "هنالكَ تَبْلُو كلُّ نفسٍ ما أسلفَتْ." أيْ: تختبر؛ بينما قراءة حمزة والكسائي لهذه الآية هي: هنالكَ تَتْلُو كلُّ نفسٍ ما أسلفَتْ." أيْ: تقرأ.[68] ليس في هذا تحريف إنما هو قراءة. التحريف هو التغيير في مؤدَّى الرسالة ومعناها وفحواها لخدمة أغراض سياسية ورغبات دنيوية.
ومن الأمثلة على التحريف في المعنى تفسيرهم للآية 15 من سورة الحج: "مَنْ كانَ يَظُنُّ أنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إلى السَّماءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ، فَلْيَنْظُرْ هلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ." فقد أوردَ المفسرون في تفسيرها معانيَ تتناقض مع أبسط قواعد اللغة والمنطق. نوردُ باختصار أقوال أشهر المفسرين:
1- تفسير الطبري:
اختلف أهل التأويل في المعنيِّ بالهاء التي في قوله: (أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ الله). فقال بعضهم: عُنِي بها نبيّ الله صلى الله عليه وسلم، فتأويله على قول بعض قائلي ذلك: من كان من الناس يحسب أن لن ينصر الله محمدًا في الدنيا والآخرة، فليمدد بحبل، وهو السبب إلى السماء: يعني سماء البيت، وهو سقفه، ثم ليقطعْ السببَ بعد الاختناق به، فلينظر هل يذهبن اختناقه ذلك، وقطعه السبب بعد الاختناق ما يغيظ، يقول: هل يذهبن ذلك ما يجد في صدره من الغيظ.
2- تفسير ابن كثير:
قال ابن عباس: من كان يظن أن لن ينصر الله محمدًا صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ} أي: بحبل {إِلَى السَّمَاءِ} أي: سماء بيته، {ثُمَّ ليَقْطَعْ} يقول: ثم ليختنق به. وكذا قال مجاهد، وعكرمة، وعطاء، وأبو الجوزاء، وقتادة، وغيرهم. وقول ابن عباس وأصحابه أولى وأظهر في المعنى، وأبلغ في التهكم؛ فإن المعنى: من ظن أن الله ليس بناصر محمدًا وكتابه ودينه، فليذهب فليقتل نفسه، إن كان ذلك غائظه، فإن الله ناصره لا محالة.
3- تفسير القرطبي:
قال أبو جعفر النحاس: من أحسن ما قيل فيها أن المعنى من كان يظن أن لن ينصر الله محمدًا صلى الله عليه وسلم وأنه يتهيأ له أن يقطع النصر الذي أوتيه. (فليمدد بسبب إلى السماء) أي فليطلب حيلة يصل بها إلى السماء. (ثم ليقطع) أي ثم ليقطع النصر إن تهيأ له. (فلينظر هل يذهبن كيده) وحيلته ما يغيظه من نصر النبي صلى الله عليه وسلم.
نلاحظ أنَّ الأخطاء التي ارتكبها المفسرون سواء عن قصد أم عن غير قصد هي:
1. اعتبارهم أنَّ عائدَ ضمير الغائب المنصوب (الهاء) في الفعل "ينصره" هو محمد، في حين أن القاعدة النحوية تقول بأنَّ إسناد الضمير إلى أقرب مذكور أجلى وأوضح من إسناده إلى دلالة السياق. عِلْمًا أنه لم يؤْتَ في سياق الآيات السابقة على ذِكْر محمد. وعليه فإن الصواب أنْ تعودَ الهاءُ على "مَنْ".
2. تفسيرهم لكلمة "سبب" بحبْل! كما لو أنهم فسَّروا عبارةَ "أسباب النزول": بـ"حِبال النزول"! في حين أن كل شيء يُتَوَصَّل به إلى الشيء فهو "سبب". و"السَّبَبُ": اعتِلاقُ قَرابة. و"أَسبابُ" السماء: مَراقِيها. (لسان العرب) فالسبب هو الصلة، الرابطة، العلاقة.
3. تفسيرهم لكلمة "السماء" المُعَرَّفة بـ"ألْ" بسقف البيت! حيث أن كلَّ ما علاك فأظلَّك فهو "سماء" وليس "السماء"، وأن السماء تطلق على ما هو فوق الأرض، ما يغلِّف الأرض، وتطلق أيضًا على المطر، وأن سياق الآية يستبعد تمامًا معنى سقف البيت، وأن القرآن لم يستخدم قط كلمة "السماء" معرَّفة بأل بمعنى سقف البيت.
4. تفسيرهم للفعل "فليقطع" بالاختناق!! مع أنَّ الفعلَ "يقطع" مرسل على الإطلاق، أي أنه متعدٍّ حُذِفَ مفعولُه. ولا أدري كيف أوَّلوا أن المفعول به المحذوف لا بد أن يكون "السبب" وأن معنى "السبب" لا بد أن يكون "الحبل" وأن معنى السماء لا بد أن يكون "سقف البيت". ولكنهم لم ينتبهوا على الأرجح إلى أن الفعل "فليقطعْ" تلاه الفعل "فلينظرْ"، فإذا كان المقصود بالقطع هو قطع الحبل أي الاختناق فكيف سينظر بعد أن يكون قد اختنق؟!
وعليه يكون المعنى اللغوي الأقرب إلى الصواب هو: أيُّ شخص متشائم يعتقد أن الله لن يؤيده في أمور الحياة الأرضية أو في أمور الحياة الآخرة ينبغي عليه أنْ يبنيَ رابطةً وصلةً مع السماء (كل ما هو سامٍ) ثم يجب عليه أيضًا أنْ يقطعَ كلَّ شيء جعلَه يسيء الظنَّ بالإله، عندئذٍ فلينظرْ كيف أنَّ فِعلَه هذا سيُذهِبُ غيظَه وحزنَه.
وشتانَ بين هذا المعنى وبين معنى الانتحار الذي قال به المفسرون.
منقول
وأخرج أبو عبيد وابن الضريس وابن الأنباري في المصاحف عن ابن عمر قال: لا يقولَنَّ أحدكم: قد أخذْتُ القرآنَ كلَّه، ما يدريه ما كلُّه؟ قد ذهبَ منه قرآنٌ كثير. ولكنْ ليقُلْ: قد أخذْتُ ما ظهرَ منه.
هناك آيات غير موجودة في القرآن ولكنْ بقيَ حكْمُها سائرًا، أيْ: رُفِعَ لفظُها وبقي حكْمُها. وهناك آيات موجودٌ لفظُها في القرآن ومنسوخ حكْمُها. وهناك قراءات تؤدي إلى اختلاف المعنى. مثال على ذلك الآية 30 من سورة يونس: "هنالكَ تَبْلُواْ كلُّ نفسٍ ما أسلفَتْ." قراءة حفص لهذه الآية هي: "هنالكَ تَبْلُو كلُّ نفسٍ ما أسلفَتْ." أيْ: تختبر؛ بينما قراءة حمزة والكسائي لهذه الآية هي: هنالكَ تَتْلُو كلُّ نفسٍ ما أسلفَتْ." أيْ: تقرأ.[68] ليس في هذا تحريف إنما هو قراءة. التحريف هو التغيير في مؤدَّى الرسالة ومعناها وفحواها لخدمة أغراض سياسية ورغبات دنيوية.
ومن الأمثلة على التحريف في المعنى تفسيرهم للآية 15 من سورة الحج: "مَنْ كانَ يَظُنُّ أنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إلى السَّماءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ، فَلْيَنْظُرْ هلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ." فقد أوردَ المفسرون في تفسيرها معانيَ تتناقض مع أبسط قواعد اللغة والمنطق. نوردُ باختصار أقوال أشهر المفسرين:
1- تفسير الطبري:
اختلف أهل التأويل في المعنيِّ بالهاء التي في قوله: (أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ الله). فقال بعضهم: عُنِي بها نبيّ الله صلى الله عليه وسلم، فتأويله على قول بعض قائلي ذلك: من كان من الناس يحسب أن لن ينصر الله محمدًا في الدنيا والآخرة، فليمدد بحبل، وهو السبب إلى السماء: يعني سماء البيت، وهو سقفه، ثم ليقطعْ السببَ بعد الاختناق به، فلينظر هل يذهبن اختناقه ذلك، وقطعه السبب بعد الاختناق ما يغيظ، يقول: هل يذهبن ذلك ما يجد في صدره من الغيظ.
2- تفسير ابن كثير:
قال ابن عباس: من كان يظن أن لن ينصر الله محمدًا صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ} أي: بحبل {إِلَى السَّمَاءِ} أي: سماء بيته، {ثُمَّ ليَقْطَعْ} يقول: ثم ليختنق به. وكذا قال مجاهد، وعكرمة، وعطاء، وأبو الجوزاء، وقتادة، وغيرهم. وقول ابن عباس وأصحابه أولى وأظهر في المعنى، وأبلغ في التهكم؛ فإن المعنى: من ظن أن الله ليس بناصر محمدًا وكتابه ودينه، فليذهب فليقتل نفسه، إن كان ذلك غائظه، فإن الله ناصره لا محالة.
3- تفسير القرطبي:
قال أبو جعفر النحاس: من أحسن ما قيل فيها أن المعنى من كان يظن أن لن ينصر الله محمدًا صلى الله عليه وسلم وأنه يتهيأ له أن يقطع النصر الذي أوتيه. (فليمدد بسبب إلى السماء) أي فليطلب حيلة يصل بها إلى السماء. (ثم ليقطع) أي ثم ليقطع النصر إن تهيأ له. (فلينظر هل يذهبن كيده) وحيلته ما يغيظه من نصر النبي صلى الله عليه وسلم.
نلاحظ أنَّ الأخطاء التي ارتكبها المفسرون سواء عن قصد أم عن غير قصد هي:
1. اعتبارهم أنَّ عائدَ ضمير الغائب المنصوب (الهاء) في الفعل "ينصره" هو محمد، في حين أن القاعدة النحوية تقول بأنَّ إسناد الضمير إلى أقرب مذكور أجلى وأوضح من إسناده إلى دلالة السياق. عِلْمًا أنه لم يؤْتَ في سياق الآيات السابقة على ذِكْر محمد. وعليه فإن الصواب أنْ تعودَ الهاءُ على "مَنْ".
2. تفسيرهم لكلمة "سبب" بحبْل! كما لو أنهم فسَّروا عبارةَ "أسباب النزول": بـ"حِبال النزول"! في حين أن كل شيء يُتَوَصَّل به إلى الشيء فهو "سبب". و"السَّبَبُ": اعتِلاقُ قَرابة. و"أَسبابُ" السماء: مَراقِيها. (لسان العرب) فالسبب هو الصلة، الرابطة، العلاقة.
3. تفسيرهم لكلمة "السماء" المُعَرَّفة بـ"ألْ" بسقف البيت! حيث أن كلَّ ما علاك فأظلَّك فهو "سماء" وليس "السماء"، وأن السماء تطلق على ما هو فوق الأرض، ما يغلِّف الأرض، وتطلق أيضًا على المطر، وأن سياق الآية يستبعد تمامًا معنى سقف البيت، وأن القرآن لم يستخدم قط كلمة "السماء" معرَّفة بأل بمعنى سقف البيت.
4. تفسيرهم للفعل "فليقطع" بالاختناق!! مع أنَّ الفعلَ "يقطع" مرسل على الإطلاق، أي أنه متعدٍّ حُذِفَ مفعولُه. ولا أدري كيف أوَّلوا أن المفعول به المحذوف لا بد أن يكون "السبب" وأن معنى "السبب" لا بد أن يكون "الحبل" وأن معنى السماء لا بد أن يكون "سقف البيت". ولكنهم لم ينتبهوا على الأرجح إلى أن الفعل "فليقطعْ" تلاه الفعل "فلينظرْ"، فإذا كان المقصود بالقطع هو قطع الحبل أي الاختناق فكيف سينظر بعد أن يكون قد اختنق؟!
وعليه يكون المعنى اللغوي الأقرب إلى الصواب هو: أيُّ شخص متشائم يعتقد أن الله لن يؤيده في أمور الحياة الأرضية أو في أمور الحياة الآخرة ينبغي عليه أنْ يبنيَ رابطةً وصلةً مع السماء (كل ما هو سامٍ) ثم يجب عليه أيضًا أنْ يقطعَ كلَّ شيء جعلَه يسيء الظنَّ بالإله، عندئذٍ فلينظرْ كيف أنَّ فِعلَه هذا سيُذهِبُ غيظَه وحزنَه.
وشتانَ بين هذا المعنى وبين معنى الانتحار الذي قال به المفسرون.
منقول
تعليق