إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

( عـِش طـبـيـبـا !! )

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ( عـِش طـبـيـبـا !! )

    ( عـِش طـبـيـبـا !! )


    ((( 1 )))







    الساعة الحادية عشر ...
    الوقت الذي يخلد فيه الناس للنوم ...
    طبيعية الجسم ( البيولوجية ) تفرض عليه خمولا و نعاسا جبارين ...
    الطريق إلى عيادتي لا يستغرق الكثير ... و الشارع شبه خال ٍ من السيارات .
    الظلام شديد و الهلال بالكاد يرى تقوسه الضئيل الأشبه بطرف جفن نائم !
    كل شيء يدعو للنوم !

    انصدمت حين رأيت (طابور ) المرضى المكتضين عند باب العيادة ! يدور برأسي سؤال محير :
    ( أ لا يشعر هؤلاء بالنعاس مثلي ؟ )


    الطبيب السابق أنهى ( دوامه ) أراه يغادر سريع الخطى نحو الباب يتنفس الصعداء ! كم أحسده !
    سينعم بنوم قرير بعد قليل !

    بدانا مشوار العمل الروتيني .
    مضت الساعة تلو الأخرى ... و النعاس يلاحقني !
    يا إلهي ! إنها الرابعة فجرا ... متى ينتهي هذا الطابور ؟
    السؤال يكرر نفسه : ( ألا يشعر هؤلاء الناس بالنعاس ؟ )

    أخيرا ارتفع صوت المؤذن ...
    لم يبق أحد من المرضى في غرفة الإنتظار

    أستطيع الآن الذهاب للمسجد لأداء الصلاة ...
    و بعد عودتي ... أسندت رأسي الى ( الطاولة ) و سمحت للسلطان ( نوم ) أن يحتلني ...


    ماهي إلا دقائق ... ربما خمس ... أو عشر ... أو أكثر ...
    و اسيقظت بفزع على صوت الممرضة تخبرني بوصول مريض جديد ...


    غسلت وجهي لأطرد النعاس و أهدىء من روعي ... أظنني رأيت وجه رئيسي في العمل يهدد بتمديد دواماتي الليلية أسبوعين آخرين ! إنني أعدها منذ بدأتها قبل أيام ! ليس أصعب من أن تبقى مستيقظا فيما يطالبك جسمك بالنوم لشدة التعب !


    - أيها الطبيب لا أعرف ماذا جرى لطفلتي !


    ألقيت نظرة على الطفلة الصغيرة المحمولة على ذراع و كتف أمها ، تغط في سبات عميق ...


    - خيرا ؟ ماذا جرى لها ؟


    سألت و أنا أحدق بالطفلة ....


    - لا تريد أن تنام !



    حدقت أكثر و أكثر ...
    أهي نائمة أم أن رغبتي الملحة في النوم هي التي صورت لي الأشياء نائمة من حولي ؟



    - أليست نائمة الآن ؟


    سألتها لأتأكد ...


    - بلى ! بعدما ركبنا السيارة و في إلى هنا نامت .... !



    الآن ... رفعت بصري إلى ساعة الحائط أتأكد من الوقت ...


    إنها الخامسة إلا ربع ... !


    سألتها :

    هل هذا ما جعلك تأتين بها الآن ؟


    ردت ... بكل بساطة :


    - كلا في الواقع !

    كانت تبكي و أراد والدها الذهاب للصلاة في المسجد فتشبثت به ! أضطررت لمرافقتهما في السيارة ..
    لقد نامت أثناء انتظارنا لوالدها عند المسجد ...
    و لكن ... بما أننا مرنا بالعيادة أثناء طريق العودة للمنزل ... فكرت في إحضارها إليك لترى ما بها !



    الطفلة قد حضرت و علي أن أفحصها بمطلق الأحوال !


    و عندما هممت بفحصها قالت الأم :


    - أخشى أن تستيقظ إن أنت فحصت عليها أيها الطبيب ! دعها نائمة !

    سأعود إن تكررت المشكلة !




    تبادلنا أنا و الممرضة النظرات ذات المعنى !



    تمنيت لو كنت طفلا مكانها ... أنعم بنوم هادىء بكل عفوية !



    مزيدا من الصبر ! لم تبق سوى بضع ليال و تنتهي دواماتي الليلية المرهقة !

    إلهي ... لا تجعل كابوسي يتحقق !





    شعشع الفجر ...

    أشرقت الدنيا ...

    منظر جميل أتمتع برؤيته كل صباح عبر نافذة عيادتي المطلة على بعض الأشجار و الحشائش ...


    و أخيرا حانت الساعة السابعة !


    و حضر الطبيب التالي ... بوجه مشرق و في قمة الحيوية و النشاط !



    و أنا في طريقي للمنزل مررت بأحد المخابز و جذبتني رائحة الخبز الشهية !


    ركنت السيارة جانبا و وقفت ...

    في طابور الزبائن المزدحمين عند الخباز !




    ترى ... كيف يشعر ( الخباز ) و هو يستقبل يوم عمله من بدايته ، مع إشراقة الشمس ؟








    ... يتبع ...

  • #2
    ((( 2 )))









    أخيرا حل شهر ذي الحجة !

    من يرى الإشراقة التي ظهرت على وجهي حين نزعت ورقة اليوم السابع و العشرين من شهر ذي القعدة من دفتر التقويم ... يظن أن بنيتي الحج لهذا العام !

    في الحقيقة ... هي نيتي في كل عام ! و لم تتحقق ... و ليس هذا العام هو موعد تحققها فلا زلت مطلوب التواجد في حرم المستشفى و ليس في الحرم المكي !



    أنتظر شهر الحجة - رغم علمي المسبق بأنني سأكون ضمن الطاقم المكلف بالعمل في أجازة الحج و العيد - فقط لأنني ساتخلص من العمل في العيادة المفتوحة ... و أنتقل للعمل في أجنحة المرضى الداخليين !


    يمكن للناظر أن يقارن بين وجهي في الحالة السابقة ، و في هذه اللحظة و أنا أتفحص جدول عملي الجديد خلال فترة الحج ...


    بالضبط و تحديدا في اليوم المسمى بالعيد لدي مصطلح يسمى ( مناوبة ) ... أي أنني سأكون محروما من ارسال او تلقي عبارة ( عيدكم مبارك ) إلا لزملائي المفروض عليهم العمل في المستشفى في مثل هذا اليوم العظيم !


    حسن أيها العيد !


    سنقضيك مع المرضى وسط المستشفى ... و حسب توقعي ... فإن الناس سيكونون مشغولين إن بالحج أو بالعيد ... أو بالأجازة ... ما يجعل أمر حضورهم و تكدسهم في المستشفيات بعيد التوقع !



    لقد صادف و ان كان يوم العيد هو يوم جمعة ! ....

    علي أن أضحي ...

    بيوم العيد ... و يوم الجمعة ... و العطلة ...

    هذا شيء يمكن تعويضه لاحقا ...

    فالجمعة يتكرر مرة كل أسبوع ...

    و العيد يتكرر مرتين في كل سنة ...

    و العطلة تتكرر مرات في العمر ...

    الشيء الذي لا يمكن أن يتكرر ... الشيء الذي من أجله أحسست بالغيظ و الحسرة الحقيقين ...

    هو زواج صديقي .


    لقد صادف أن تم تحديد يوم العيد بالذات ... لزواج صديقي العزيز المقرب .


    لم يكن أمامي أي فرصة لاحداث أي تغيير في جدولي المشؤوم !

    خجلت حتى من مجرد الطلب ... من أحد زملائي أن يتولى مناوبة يوم العيد و الجمعة عوضا عني ...

    فلابد أن العيد ... و الجمعة .... يعني للأمة المحمدية الكثير بحيث لا يفرط أحد بهما من أجل طبيب مسكين صادف يوم زواج صديق طفولته ... ذلك اليوم !


    تربينا سوية منذ الطفولة ... و درسنا معا و تخرجنا معا ... لم يكن بمجرد الصديق العادي ... كان أخا حبيبا عزيزا ...


    سامحني أيها الصديق ...

    فأنا مضطر لعدم التواجد معك في يوم عمرك ...

    كما لم أكن متواجدا في أيام أعمار الكثيرين من أصحابي و أقاربي ...

    فقد كنت في ( مكان ٍ ما ) في هذه المستشفى ... أستمع إلى آهات المرضى في آواخر أيام أعمارهم !

    تعليق


    • #3
      ((( 3 )))








      أشعر بالجوع !

      كل يوم في مثل هذا الوقت تبدأ معدتي بالصراخ ...

      حسن ... سأؤدي صلاتي ثم أذهب للمطعم الرديء لتناول أي نوع من الطعام مهما ساء طعمه لمجرد سد هذه النداءات المخجلة !

      مساكين هم المرضى ! عليهم تحمل مثل هذه الأطعمة الخالية من الطعم ... ثلاث وجبات يوميا ... طوال مدة وجودهم هنا !


      كذلك أنا ! فمنذ متى لم أعد أشارك أفراد أسرتي مائدة غذائنا الشهية ... أطباق الأرز المنوعة ... المكرونة الحمراء ... السمك المشوي ! آه ... ما ألذ طهو أمي ! ...


      إنه يوم الخميس ... و سيذهب أفراد أسرتي كالعادة إلى بيت جدي مساءا ... و سيتناولون هذه المرة العشاء هناك
      لا بد أن جدتي منشغلة الآن في إعداد احد أطباقها التقليدية اللذيذة !



      إنها الواحدة ظهرا ... لازلت منهمكا في عملي الذي لا أظن أنه سينتهي !


      أنهيت كتابة آخر الأوامر المستجدة ... وقعت أسفل الورقة ... و دفعت بملف المريض الى الممرضة و أنا أقول :

      - سأذهب لتأدية الصلاة ... اتصلي بي إذا ما جدّ شيء على الرقم المعتاد



      و أسرعت الخطى نحو غرفة مكتبي ... فهي الأقرب إلى غرفة العناية المركزة ، و سأصل بسرعة في حال تردي وضع أي مريض ...


      توضأت للصلاة ... وضعت سجادتي و بدأت أصلي ...


      بدأت معدتي تصدر أصواتا مضحكة ... كم أحرجتني أمام الممرضة قبل قليل ! ... اصبري قليلا ... بعد الصلاة سأتفرغ لإسكاتك !


      الصوت التالي الذي أربك صلاتي كان صوت الهاتف ... يرن بشكل متواصل ...

      أول شيء يقفز إلى ذهني في وضع كهذا هو أنها الممرضة تريد اخباري بانتكاسة ما لأحد مرضاي !

      ليتها انتظرت قليلا حتى أتم هذه الصلاة !

      قطعت صلاتي - و سأعترف بأنها ليست المرة الأولى - و رفعت سماعة الهاتف بسرعة :

      - نعم ؟ ماذا هناك ؟

      - احضر بسرعة أيها الطبيب مريض السرير الثاني انتكس فجأة !



      وضعت السماعة بعصبية و هرولت عائدا إلى العناية المركزة ....

      هل على المريض أن يتدهور بعد مغادرتي العناية المركزة و أثناء تأديتي للصلاة !




      استغرق الوقت ساعتين اثنتين أو أكثر ..... بين تحسن و انتكاس ... إلى أن فاضت روحه إلى خالقه ....

      رحمه الله ....




      أشعر بدوار ... فأنا لم أتناول شيئا منذ نهار الأمس !

      و هاهي الساعة تتجاوز الثالثة و النصف عصرا ...

      سجادتي في مكانها ... تنتظرني منذ ساعات ...

      أعدت صلاتي ... ثم ارتميت على أحد المقاعد .... أنا بحاجة لبعض الطعام ! و المطعم التابع للمستشفى يغلق أبوابه عند الثانية ظهرا ...


      فتشت جميع الأدراج و الخزانات الموجودة من حولي ! قد يكون هناك ( طعام ما ) ... أي ( طعام ما ) يعطيني بعض الطاقة لحين موعد فتح المطعم عند السادسة و النصف ...


      كان نصيبي هو بعض البسكويت و إصبع من ( تويكس ) ...

      التهمتها بشراهة ... ! لا أذكر ... هل ( تويكس ) من ضمن قائمة المقاطعة المفروضة على المنتجات الغربية ؟

      لم أفكر يوما في قراءة الكلام المكتوب على أغلفة الأطعمة المختلفة التي نتناولها في حياتنا اليومية ... لماذا علي أن
      أفكر في هذا الآن ؟
      و قد التهمته من شدة الجوع و انتهى الامر !



      رميت بالغلاف في سلة المهملات ... و ذهبت قاصدا تنظيف أسناني مما علق بها من بقايا الطعام ... و ما كدت أفعل ... حتى رن الهاتف ....


      تركت الفرشاة جانبا و أسرعت لرفع السماعة ....


      - أيها الطبيب ... وصل طفل مريض جديد !

      - و ما حالته ؟

      - تسمم ! بعد تناول كمية من الشيكولا الفاسدة !

      - شيكولا فاسدة !

      - نعم أيها الطبيب ! إصبعين من شيكولا ( تويكس ) المنتهية الأجل !

      تعليق


      • #4
        ((( 4 )))





        إن هي إلا أسابيع ... و تبدأ العطلة الصيفية ( عطلة المدارس )

        الجميع ينتظر هذه العطلة ... منذ انتهت العام الماضي ‍!

        الطلبة ...

        المدرسون ...

        الأمهات ...

        الآباء ...

        و حتى الأطباء ... !




        قدمت طلبي للأجازة السنوية ( ثلاثين يوما لا أكثر و هي كل ما يحق لي من أجازة )

        قبل فترة ليست بالقصيرة ... كم أنا بحاجة للراحة ... بعد شقاء هذا العام المنهك ...




        أنا بحاجة إليها ... أكثر من هؤلاء الطلبة ... و أولئك المدرسين ... و من أي موظف آخر .... !




        في هذه المرة ... إن شاء الله ... سأسافر لأداء العمرة و زيارة مسجد الرسول ... و بعدها ... سأقضي عدة أيام

        في الأردن ... فالجو في بلدي حار و رطب أثناء الأجازة الصيفية ....





        لم أحظ َ بسفر لا قصير و لا طويل منذ عدة سنوات ...



        في العام الماضي ..... و الذي يسبقه .... و كذلك الذي يسبقهما ... و أظن ... الذي يسبقهم أيضا .... سافر أفراد عائلتي إلى عدة بلدان و نعموا بالراحة و الترويح عن النفس ....




        في الوقت الذي .... كنت أنا فيه ... أما سجين مكتبي الدراسي ... محاطا بكتبي السجانة من كل جانب ...

        في فترة امتحانات مهلكة لم أعرف للراحة أو الترويح عن النفس أي معنى ...





        أو ... أسير جدران المستشفى ... بين مرضاي .... في عمل مكثف بسبب تعارض الأجازات و تكدسها في فترة الصيف .... و أيضا .... لم أذق للراحة أو التريح عن النفس أي معنى !




        في هذا العام ... بادرت بتقديم طلب أجازتي مبكرا حتى لا يتعذر رئيس القسم كالمعتاد بذريعة تعارض الأجازات و تكدسها ....





        أنا شبه مطمئن إلى أنني سأحصل أخيرا على أجازة أنام في لياليها 7 ساعات متواصلة عوضا عن السهر المتواصل ... دون أن يرن هاتف طارىء يصيب رأسي بالصداع الشديد بين دقيقة و أخرى ... و يأتيني صوت الممرضة قائلا : تعال أيها الطبيب !





        فيما أنا أفكر بذلك أخبرني زميلي بأن رئيسنا يود الإجتماع بنا الآن ...



        إنها فرصة لأذكره بطلب أجازتي ... و بأنني كنت السباق لـ ( حجز ) وقت الأجازة قبل غيري ... !



        انتهى الأجتماع .... و انتهت معه ( أحلام طبيب متعب ) !




        في هذه المرة ... نعم كنت السابق لحجز الموعد .... و لكن ... و نظرا لظروف العمل القاهرة ... فإن أجازتي قد تقلصت و اختزلت إلى مدة أسبوعين !




        مرحا لك أيها الصيف !




        فبعد العمل المتواصل .... و سهر الليالي ... و مناوبات الجمعة ... و دوامات آخر الليل ... و القلق ...

        و التوتر ... و الإجهاد النفسي الذي عشته بشكل متواصل طوال عام كامل ... يكون نصيبي ...

        أجازة لمدة أسبوعين فقط ... أتناول فيها البطيخ الأحمر .... و أتمدد بعدها على فراشي الوثير ....

        أستمع إلى صوت المكيف .... و أغط في نوم كئيب ... لأصحو مفزوعا في الصباح التالي ... و

        ( أشطب ) بقلمي فوق تاريخ يوم أمس الماضي من التقويم المعلق على الجدار ...





        نعم ... فقد انقضى أسبوع ...

        و بقي أسبوع !

        تعليق


        • #5
          (( 4 )))




          يوم من الأيام



          * * * * * *




          استيقظت من النوم عند السادسة صباحا ...

          حدقت في الساعة أتأكد من الوقت !

          ما الذي يجعلني أصحو باكرا في هذا اليوم بالذات ؟ ... كنت أصحو كل يوم على رنين المنبه المزعج ...

          و أول شيء أفعله هو اعادة ضبط توقيته ليرن بعد عشر دقائق أخرى ... فأنا في ألذ مراحل النوم و أريد أن أواصل !




          و غضبي ... لأنه كان يوم الجمعة ... حيث ينام الناس لساعة متأخرة ... و ينعمون بالراحة و الكسل ...

          فلماذا أنهض أنا هذا اليوم بالذات في هذه الساعة ... و عملي في هذا اليوم - على خلاف بقية أيام الأسبوع - يبدأ بعد فارق ساعتين ...



          نهضت و كان أمامي ساعتان و نصف ... قبل الإنصراف . على الأقل ... سأذهب و أنا في كامل نشاطي و تركيزي ... لا نعسان و متكاسل كمعظم الأيام الأخرى !




          وصلت عن التاسعة . كان في انتظاري 37 مريضا في الجناح ، أمر لفحصهم و متابعة حالاتهم و رعايتهم .

          37 مريضا مرقد في المستشفى تحت رعايتي بعد رعاية الله .

          آه ! ألا يبدو العدد كبير ؟

          هذا طبعا باستثناء المرضى الجدد الذين سيتم ادخالهم للمستشفى هذا اليوم ... كم أتوقع العدد ؟




          و كالعادة لم أنته من المرور عليهم إلا بعد أذان الظهر ( و صلاة الجمعة ) بساعة أو يزيد .

          و قبل أن أذهب للصلاة ... حضر المريض الجديد الأول ، و بدأنا العد ...




          و للمرة الثامنة و الثلاثين أغسل يدي بسائل الصابون القوي المفعول ... الأمر الذي زاد من تهيج الحساسية التي أعاني منها منذ سنتين بسبب الصابون !




          وجبتي الأولى لهذا اليوم كانت مكونة من بعض الشاي و ( الشابورة ) ، التهمتها بسرعة ثم عدت لمراقبة أحد المرضى في العناية المركزة .



          لم يكن وضعه مستقرا منذ فحصته صباحا ... و استمر في تدهور ... و بقيت ملازما له أجدد في العلاج و الأدوية و ما يلزم حتى استقر أخيرا قبيل أذان المغرب .




          و لا أدري لم اختار مريضان آخران هذا اليوم بالذات لتتدهور حالتهما هما أيضا - بعد استقرار عدة أيام -

          و يصبح الوضع حرجا ...






          و في أثناء وقت الزيارة ... و فيم أنا مشغول جدا مع المرضى المتدهورين ... يأتي الأهالي من كل مكان ...

          كل يود السؤال عن ذويه ...




          ( أيها الطبيب ... أيها الطبيب ... أيها الطبيب ... )




          أيها الناس !

          دعوني أقوم بعملي ! لدي ما هو أهم من طمأنتكم على ذويكم المرضى ... لدي أرواح توشك أن تنتزع !






          السابعة مساءا ... حضر المريض الجديد الثاني ...

          ( التاسع و الثلاثين )



          السابعة و 45 دقيقة مساءا ... حضر المريض الثالث ...

          ( الأربعون )



          العاشرة مساءا ... حضر المريض الرابع ...

          ( الواحد و الأربعون )



          الواحدة ليلا ... حضر المريض الخامس ...

          ( الثاني و الأربعون )






          ألن يتوقف هذا السيل ... ؟


          لازال وضع مريضين في العناية المركزة حرجا ...

          قررت القيام بالمزيد من الفحوصات و ما يلزم لمزيد من العلاج ...

          قبيل الرابعة فجرا ... زميلي الموجود في غرفة قسم الطوارىء احتاج للمساعدة . أديت صلاتي و ذهبت لمساعدته .




          كان هناك مريض مصاب بنزلة معوية و يحتاج لملازمة المستشفى .


          المريض السادس

          ( الثالث و الأربعون )





          قمت بفحصه و كتابة الأوامر ... و أرسلته إلى الجناح ، فيم تابعت فحص المرضى الآخرين و المستمرين في التوافد على قسم الطوارىء - في مثل هذا الوقت - حتى لأبسط الشكاوي ... !




          السادسة صباحا ... وضعت رأسي المصاب بالصداع ... على الوسادة في غرفتي الخاصة ...

          تمددت على السرير و أنا في قمة التعب ة الإرهاق ...

          هل جربت أن تعمل 24 ساعة متواصلة بمعنى الكلمة ؟

          و ليس أي عمل !






          بعدها بـ 15 دقيقة صحوت مفزوعا على صوت الهاتف - الذي بت ّ لا أطيقه - التقطت السماعة فإذا بها الممرضة تخبرني ببعض الأمور ...





          السابعة ... ذهبت أتفقد مرضى العناية المركزة مرة أخيرة .... قبل أن يحضر زملائي أخيرا و يتولون العمل ...





          ثم إلى غرفة الإجتماعات ، و التي نجتمع فيها كل صباح لنستعرض حالات المرضى الجدد و أي تطور في المرضى السابقين ...

          أحضرت أوراقي و بدأت أسرد ما لدي ... كنت متعبا و صوتي بدا باهتا ضعيفا ...

          وددت لو أنني أرفع الشكوى لرئيس القسم ... بدلا من استعراض ما حدث ... !

          ليته يشعر بذلك ... ! بتعبي و إرهاقي ... بأنفاسي التي بالكاد أستطيع التقاطها ...

          لم علي أن أبقى وحيدا للعناية بكل هؤلاء الناس يوم الجمعة !؟

          و لم علي أن أعيش نفس الأحداث جمعتين من كل شهر ؟

          و ثمان مرات في كل شهر ؟






          كنت أنظر إليه و أنا أتمنى أن يعير اهتماما لإنسانيتي ... و لكن لا يبدو أنني أصنف كإنسان أو بشر ... !

          إنما كآلة عليها إنجاز عملها مهما كان و بدون أي تقصير ... أي شكوى أو تذمر ...




          لا زال لدي الكثير لأستعرضه ... عما حدث لمرضى العناية المركزة يوم الأمس و كيف ساءت أحوال ثلاثة منهم و ما الذي قمت به ...

          بدأت الحديث ... لكنه قاطعني ...

          فالوقت تأخر ...

          و هناك مندوبون من شركة أحد المنتجات الغذائية ... حضروا هذا الصباح ليستعرضوا آخر تطورات منتجاتهم ...

          و يقدموا لنا ( فطورا ) مجانيا لقاء ( حسن الإستقبال ) !

          تعليق


          • #6
            ((( 5 )))





            أعرف أن أحدا لا يهتم بـ أو يكترث لـ حياة الأطباء !

            هناك فئة من الناس تعتقد أن على الطبيب أن يعرف كل شيء و أي شيء !

            و في الواقع ... لا يبدع الأطباء في شيء غير الطب ... !

            فلو كنت تعمل ( خياطا ) فمن المتوقع منك أن تكون ملما بكل أمور الخياطة ... و قد تفهم أيضا في التجارة !

            و إن كنت تعمل بائعا ... فلا شك أن على دراية كبرى بشؤون التجارة ... و قد تفهم أيصا في الصيد !

            و إن كنت سياسيا فلا عجب أن فهمت كل شيء عن السياسة ... و قد تفهم أيضا في الزراعة !

            و إن كنت طبيبا ... فالواجب و المفروض و المطلوب منك أن تعرف كل شيء عن الطب و الصحة و الأمراض ...

            و يتوقع منك أن تفهم في الكثير من الأمور الأخرى ... و التي ... غالبا ما لا يكون لديك أدنى فكرة عنها !




            عندما تعمل طبيبا ... فإن المساحة التي يشغلها دماغك في جمجمتك سوف تغطى و تحشى بالمعلومات الطبية اللانهائية بحيث لا يعود هناك أي مجال أو أية فجوة لمعلومة من نوع آخر !




            هذا طبعا إن كنت طبيبا من الدرجة المثالية

            ربما تفقد اهتمامك بالأمور الأخرى أو يتعود دماغك على ( تطنيشها ) لانشغاله بما هو أهم !






            حسن ٌ ...


            قد تكون وجهة نظر خاطئة لحد ما ...


            المجال الذي ستبدع فيه هو المجال الذي تحبه و تهواه ...


            فإذا كنت تهوى الكتابة مثلا ...


            و عملت في مجال الإدارة على سبيل المثال ... فلا نتوقع منك الإبداع الذي نتوقعه منك ... لو عملت في الصحافة








            المريض كانت حالته سيئة للغاية ...

            مصاب بمرض خبيث انتشر في كل جسمه ... و أصبح يموت كل يوم شيئا فشيئا ...

            كنت أراه أحيانا في قسم الأورام و معه والدته ... منذ عدة أشهر ...

            لم أكن المشرف على علاجه ذات يوم ...

            و لكن ، حين أكون مناوبا في المساء ... يحدث و أن تستدعيني الممرضة لرؤيته إذا ما حدث له شيء طارىء ...

            كانت نوبات التشنج هي أكثر ما استدعيت لعلاجها في تلك الليالي ...



            اليوم ... مريضنا المنكوب نقل إلى العناية المركزة ... مثواه الأخير ...



            كل يوم يمر ... و أراه هناك ... أدعي له بالرحمة ... و أتمنى ألا تكون نهايته بين يدي ...

            و لأنني صديق محبوب جدا للأمنيات ... فما أسرع ما تتحقق .... ! و لكن معكوسة ...



            بقيت حالته العامة مستقرة ...

            قلت للممرضة المشرفة عليه :

            - عسى أن يظل هكذا حتى الغد ! لا أتمنى موته بين يدي !



            و عند الثانية عشرة ... في منتصف الليل ... كنت أقف أزاء المريض في محاولة يائسة لإنعاش قلبه الذي توقف ...


            كانت والدته جالسة بالقرب مني ... تدعو و تردد الآيات القرآنية ...

            و حصل ما كنت أخشاه ...

            و قضى المريض نحبه ... و فاضت روحه إلى خالقه ...

            الأم ... و يا لقوة إيمانها ... لم تفعل أكثر من شكر الله و حمده على كل حال ...

            ذهبت إلى جسد ابنها الميت ... و رتبت الغطاء فوقه ... ثم غسلت وجهه بالماء و هي تقول :

            - ليتني أموت مثل موتتك ... إلى الجنة ....



            نعم إلى الجنة ....



            فهذا الطفل الذي لم يتجاوز العاشرة من العمر .... تعذب بمرض سرطان الدم الخبيث منذ سنين ...

            فقد مناعته و أصيب بكل أنواع التسمم الجرثومي ... و بالصرع ... و بالعمى ... و بالفشل الكلوي ... و بالفشل في بقية أعضاء الجسم ...



            و هي ترش الماء البارد على وجهه المخيف ... و تردد كلماتها الحزينة ....

            لم أستطع منع دموعي من الانهمار ...





            رغم أنه منظر أصبح مألوفا ... و ما أقسى قلوب الأطباء ... فقد اعتادوا على رؤية الموت و الموتى حتى أصبح أمرا عاديا لا يثير في قلوبهم الرهبة و لا ينزل على أجسادهم القشعريرة ....



            رغم ذلك ...


            ذرفت الدمع لأجله ...


            و كم تمنيت ساعتها - و أعرف الأماني لا تعيرني أي استجابة - تمنيت لو كنت مكانه !


            ليس للعذاب الذي عاشه ...


            بل للنعيم الذي يحظى به الآن في الجنة ....








            إنا لله و إنا إليه راجعون

            تعليق


            • #7
              ((( 6 )))











              330 ساعة ...

              هي مجموع عدد ساعات عملي لهذا الشهر ... !

              أيمكنكم مقارنتها بمجموع عدد ساعات عملكم ؟

              330 ساعة في الشهر ... أي ما يقارب 46 % من الشهر ... 46 % من عمري ... ينقضي في العمل ...

              كيف يفترض أن يقسم المرء عمره ؟

              ثلث للعمل ... ثلث للراحة الجسدية ... و ثلث للعبادة ؟

              330 ساعة ... أقضيها داخل المبنى الكبير ... و جوّه الملوث بأنواع الباكتيريا المستعصية العلاج ...

              أذكر أن أحد الزملاء قد أصيب بعدوى خطيرة من أحد المرضى المصابين بمرض معد ٍ ... خطير ...

              يختل النظام البيولوجي الذي خلق الله الجسم البشري عليه .

              الغدد مؤقتة لتفرز هرمونات معينة في أوقات معينة و تتوقف عن إفرازها في أوقات أخرى .

              الجسم البشري الطبيعي ... و هذا يشمل جسم الجزار و المهندس و بائع البالونات و الحلاق ... و الطبيب أيضا ...

              يحتاج للنوم حوالي 6 ساعات يوميا ، ليعيد تنظيم و تنشيط أعضائه .

              هكذا خلق الله الجسم البشري و هو الأعلم بمن خلق سبحانه فجعل النهار معاشا و جعل الليل لباسا .

              عندما يعود الجزار إلى بيته فإنه يغتسل و يرتدي ملابس السوم و يتناول وجبة العشاء - لحما كانت أم غيره - ثم يتمدد على سريره بهناء ... و ينعم بـ 6 أو 7 ساعات متواصلة من النوم ... فيصحو في اليوم التالي مليئا بالنشاط و الطاقة و قادرا على ذبح مئة شاة و تقطيع لحومها !






              عندما غادرت البيت عند السابعة صباح الأمس لم أكن بمزاجي الجيد ، فأنا مقبل على مناوبة جديدة تحرم دماغي المزحوم بالمعلومات من حقه البسيط في النوم لبضع ساعات !




              و عندما عدت اليوم عند الواحدة ظهرا ارتميت على أقرب وسادة صادفتي في طريقي و سمحت لدماغي أن يغيب عن الوعي قدر ما يشاء ....



              لقد كنت مشغولا طوال الوقت و لست أبالغ .... و غددي الصماء وفقا للنظام البيولوجي خلدت للنوم قرب منتصف الليل ... و أحدثت ارباكا و خللا للنظام الطبيعي حين أجبرت أعضاء جسمي المغلوبة على أمرها على البقاء و مواصلة العمل حتى ظهر هذا اليوم ....



              عند الثانية و النصف ليلا ... دخلت إلى غرفتي في المستشفى و رميت بجسدي المنهك على السرير المهترىء ... و مرتبته القديمة ...



              كنت أحس بكل النتوءات و التموجات الموجودة في تلك المرتبة المعثي عليها ... و حيثما أتقلب أشعر بآلام و عدم ارتياح منها ... و مع ذلك ... استسلمت للنوم في غضون ثوان ...



              بعدها بنصف ساعة ... رن الهاتف ...



              لقد أصبحت أكره هذا الهاتف و كل ما ياتي من وراءه و كأنه المسؤول عن معاناتي !



              هذا الهاتف ... يرن في اليوم الواحد مئات المرات لمئات الأسباب ... آه كم أتمنى أن أخرسه ! لو كانت سكين الجزار إلى جواري لكنت ذبحت أسلاكه و انتزعت روحه ! لم لم أتخصص في الجزارة ! ألا يبدو عملا أكثر إنسانية من عمل الطبيب ....؟؟



              رفعت السماعة مباشرة و هذه الأفكار تمر بدماغي المفزوع بسرعة ، و أخبرتني الممرضة عن قدوم مريض جديد - كالعادة




              استفسرت عن وضعه الحالي فعلمت انه مستقر ... مصاب بنزلة معوية و بحاجة للسائل الوريدي ليس إلا ...



              حمدت الله أنها كانت حالة مستقرة ... أخبرت الممرضة بأن ترسل المريض إلى غرفته مباشرة و أنني سأمر لفحصه بعد قليل ...



              و أعدت رأسي الى الوسادة فاحتضنته بلطف و تعاطف ... أي رأس هذا !؟ و لماذا عليه أن يبتعد عن حضني بين دقيقة و أخرى ... ليجيب ذلك الهاتف المزعج .... ؟




              هل جرب أحدكم أن يكون مرهقا جدا ... ثم يرتمي على سريره وهو في غاية التعب و غاية النعاس ... ثم يأتي صوت الهاتف ليوقظه من النوم مرة كل 15 دقيقة ... و يضطر للنهوض ... و القيام بمجهود ذهني - لاحظ : ذهني و أنت في غاية النعاس - يجبر على التفكير و الركيز ... فهو مقبل على علاج مرض ... علاج روح ... علاج جسد ... قد تكون حياته بين يديه بعد الله .... ؟



              و هذا يتكرر ثمان ليال ٍ في الشهر الواحد ...


              ثمان ليال ٍ من الحرمان من النوم ...


              من التلاعب مع الغدد الصماء ... !


              و لو نطقت هذه الصماء لصرخت : الرحمة !







              أفكر ... في أنني في وقت أجازتي المقبلة ... و التي لن تتجاوز الأسابيع الثلاثة ... أفكر في أنني في الليل ...
              و حين يحين وقت النوم الطبيعي ... سأسافر إلى كوكب آخر ... لا أسمع فيه صوتا لأي مخلوق أو رنينا لأي جهاز ذي أسلاك طالت أم قصرت ... لأنام 6 أو 7 أو 8 او حتى 10 ساعات متواصلة هانئة ... كل ليلة !

              تعليق


              • #8
                ((( 7 )))







                تذكرون كيف كنت مستاءا بعد مناوبتي الأخيرة و التي خرجت منها يوم الأربعاء عند الواحدة ظهرا !



                عندما عدت للبيت قضيت وقتا ليس بالطويل في النوم ، و كنت أفكر في أنني سأنال قسطي من الراحة بما أن غدا الخميس و دوامي نصف دوام و بعد الغد هو الجمعة و أخيرا سأقضي أحد الجمع خارج المستشفى !




                اتفقت مع بعض أصحابي على الذهاب في جولة ما في مكان ما ... فأنا لم أعد أذكر متى كانت آخر مرة تجولت فيها معهم !



                لم يكن علي أن أتذمر . بل أشكر الله أنها لم تكن أسوأ من ذلك !


                ذهبت للعمل صباح يوم الخميس ، و أنا مرتاح نسبيا لأنني سأعود بعد خمس ساعات و أنعم بعطلة نهاية الأسبوع أخيرا ....



                أخرجت قلمي من جيب معطفي الأبيض لأسجل اسمي في قائمة الحضور ....

                ظهر في الصورة نائب رئيسي ...

                لم يكن حضوره ليلقي علي تحية الصباح فأنا و هو لسنا صديقين حميمين !

                هذا ما قاله لي بمجرد أن رآني - دون أي تحية -


                - نظرا لحصول ظرف طارىء جدا لزميلك ( فلان ) فإنه لن يحضر اليوم و إن عليك تولي المناوبة اليوم عوضا عنه !





                ذهلت ! و وقف شعر رأسي ... كما توقفت أنفاسي ...و نبضاتي ...و حتى قلمي ... توقف في منتصف التوقيع !



                - ماذا ! و لكنني خرجت من مناوبتي يوم الأمس فقط !

                - إنه ظرف طارىء جدا و لا يوجد من يحل مكانه غيرك أنت





                اعترضت ... لماذا أنا ‍ ! ألا يوجد في هذه المستشفى المترامية الأطراف مخلوقا يدعى طبيب غيري ؟؟


                ذكرت له أن لدي ارتباطات أخرى و أنني لست مستعدا للمناوبة هذا اليوم - الخميس - خصوصا و أنا قد خرجت للتو من مناوبتي السابقة المهلكة !





                في نهاية الأمر .... خرج جميع الأطباء ليحظوا بعطلة نهاية أسبوع هانئة ... و بقيت أنا في سجن المستشفى

                أواصل العمل ...





                ألم أقل أنه كان علي أن أحمد الله بدلا من التذمر ! هذا ما استحقه الآن ! مناوبة مباشرة و في عطلة الأسبوع

                التي لم أذق لها طعما منذ شهور ....





                ألا يحق لي أن أغضب !

                هل ألام إن أنا بدوت ( ضائق الصدر ) متعكر المزاج !


                اتصلت بأصحابي أعتذر لهم عن حضوري - كالعادة - بسبب ظروف طارئة في العمل


                أصحابي لم يفاجئهم الأمر ... بل على العكس ... لو كنت حضرت معهم لصعقتهم الدهشة ... فهم قد اعتادوا


                على اعتذاري عن الحضور في كل اجتماع و كل مناسبة و كل مأتم !





                لم تمر الساعات الـ 24 بسلام .... قضيتها و أنا غاية في الحزن و ( القهر ) ... متى سأعيش !


                لماذا علي أن أبقى مع المرضى و الذين ينازعون الموت ... و أكون الرفيق الأخير للراحلين عن الدنيا

                و ليس للمقبلين عليها !

                فكم من الأفراح و الأعراس و الأعياد و كل ما يدعو للبهجة قد فاتني ...

                و فيما يقضي أصحابي هذه الساعات معا في هذا المطعم أو ذاك ... عند الشاطىء أو في البر ...

                يضحكون و يمرحون و يتبادلون الأخبار ... و يتناولون البوضا اللذيذة من أحد المحلات الشهيرة ...

                بكل راحة بال و بلا مسؤولية أو تفكير ...

                أقضي أنا الوقت ذاته قرب هذا المريض أو ذاك ... أسمع آهاته بدل الضحكات و أشهد غروب الروح بدلا من

                غروب الشمس ... و أستنشق رائحة الأدوية و المعقمات بدلا من زهور الحديقة و نسيم البحر ...






                هل جربت أن تعيش طبيبا !


                لا أتمنى أن تجرب !









                كانت الساعة التاسعة صباح الجمعة حين استيقظت بعد عفوة قصيرة على صوت زميلي الذي حضر لتوه

                لتولي مناوبة يوم الجمعة ...





                استيقظت فزعا ... ثم بدأت بالابتسام !



                سألني :

                - ما يدعو لهذه الإبتسامة ! هل كانت ليلة هادئة !

                - أبدا ! تعرف كيف هي ليالي الجمع في المستشفى ! الذي جعلني أبتسم هو حلمي المضحك الذي أفقتني منه !






                بم يمكن لطبيب تعيس مرهق و متعب و مجهد و غاضب و متذمر ... أن يحلم في غفوة صباحية قصيرة بعد

                مناوبة متعبة ... في يوم كان يفترض فيه أن يكون مع أصحابه يرفه عن نفسه بين أحضان الطبيعة !؟




                - حلمت يا صديقي ... بأن رئيسنا كان يخبرني بأنه و لظروف طارئة جدا ... سيتعين علي تولي

                مناوبة الخميس المقبل كما في هذه المرة !!!

                تعليق


                • #9
                  ((( 8 )))








                  في كل صباح أبدأ مروري اليومي على مرضاي في العناية المركزة ، بصغيرتي هذه

                  لم تتجاوز من عمرها الأشهر الثمانية

                  و لأنها ( نوع خاص ) من البشر فقد خلقت بكليتين مشوهتين عديمتي النفع ، الأمر الذي انتهى بها إلى

                  فشل كلوي مزمن !

                  أي نوع من الحياة يمكن لطفلة في الشهر الثامن من عمرها ستعيش !؟

                  و بعد 8 أشهر فقط ، فقد الوالدان الأمل ... و الإهتمام كليا !




                  نقلت المريضة إلى العناية المركزة بعد أن أصيبت بالتالي :

                  فشل قلبي

                  فشل رئوي

                  ضيق النفس الحاد

                  هبوط في ضغط الدم

                  التعفن

                  و الفشل الكلوي المتدهور





                  كانت الطفلة شديدة الجمال ... و البراءة ...

                  أدخلت أنابيب جهاز التنفس الإصطناعي عبر فمها إلى قصبتها الهوائية

                  و هي ... بكل بساطة كانت ( تمص ) الأنبوب ( أنبوب الحياة ) و هي نائمة !

                  كنت أتأملها و ابتسم !





                  فقدت الوعي ، و دخلت في غيبوبة استمرت عدة أيام

                  لم تعد تمص الأنبوب ...

                  لم تعد تتحرك ...

                  غابت عن هذه الدنيا تماما





                  كل يوم كنت أقف إلى جوارها و أتحسس وجهها البريء و شعرها الأملس ...

                  و ألاحظ جسدها ينتفخ يوما بعد يوم ... حتى أصبحت أشبه ببالونة مملوءة بالماء




                  والداها الفاقدان للأمل و الإهتمام لم يوافقا على إجراء عملية ( الغسيل البيريتوني) الضرورية ،

                  و الطريقة الوحيدة لإنقاذ حياتيها




                  - لا نريدها أن تتعذب أكثر من ذلك أيها الطبيب ! فليتولاها الله برحمته !








                  في كثير من الأحيان كانا يغيبان ، ثم يتصلان لمعرفة ما إذا كانت لا تزال حية !





                  كنت أتامل هذا الملاك البريء المتفخ ...

                  كم هي جميلة ... و بريئة ...

                  ألا تستحق العيش ؟

                  لقد استعادت وعيها أخيرا و أصبحت تحس بمن حولها ... و تمص الأنبوب !




                  و أنا أفحصها كانت تنظر إلى بتمعن !

                  كأنني ( أسمع ) نظرتها تقول : انقذني ....




                  نعم كانت تقول انقذني ...

                  و لكنني لا أستطيع فعل شيء ما لم يوافق والداها عليه




                  دققتْ النظر إلى عينيّ ... و تأملتُها بعطف و أنا أحاول مداعبتها

                  كانت تحس بلمساتي و تخدق في عيني ّ

                  كأنها تسأل :

                  أهذه آخر عيون أراها !؟




                  عندما تحركت ُ قليلا ... ظلت عيناها مثبتتين في الفراغ ... في اللاشيء ... في المصير المجهول ...




                  أكانت نظرة وداع للدنيا ؟

                  هل أخذت ِ نصيبك الكامل يا صغيرتي ؟؟




                  أما عيناي أنا ...


                  فقد بللتهما الدمعة المكبوتة ...






                  ماذا بيدي أيتها الصغيرة لأجلك ...؟؟؟


                  سامحيني ...













                  أخيرا ...


                  وافق والداها على إجراء العملية اللازمة ، موافقة ( شفهية ) عبر الهاتف و المفترض في مثل هذه

                  الأوضاع أن يوقع ولي الأمر كتابيا على الموافقة


                  لم ننتظر !


                  خلال ساعة أو أكثر بقليل ، كان الجراح ممسكا بمشرطه يفتح فتحة صغيرة في بطنها و يدخل

                  ( أنبوب النجاة ) الخاص بالغسيل البيريتوني لداخله ، و في غرفة العناية المركزة ذاتها !





                  كنت أراقبه ، و أنا قرير العينين !

                  و بلا دموع ...





                  أخيرا طفلتي ستعود للحياة

                  تشجعي أيتها الصغيرة فقد كتب لك عمرا جديدا ....






                  و أي عمر ؟؟






                  عمر ٌ ستقضينه بين المستشفيات ، و بكيس مربوط إلى بطنك ... و سوائل تدخل بطنك و سوائل تخرج منه ...

                  عبر أنبوب الحياة !

                  تعليق


                  • #10
                    ((( 9 )))





                    قلما كنت أصافح الناس في حياتي اليومية ...

                    لم تكن يدي تلمس غير الجماد ... قلما كانت تضطر أو تتفاجأ بلمس ( شيء حي ) ...

                    لم يكن هناك أي داع ٍ يلزمها لمس كائن بشري لأي سبب - عدا المصافحة .





                    الآن ...

                    كم يبلغ عدد البشر الذين لمستهم ؟

                    هل لمس شخص منكم عددا مشابه من االبشر ؟

                    و حتى و إن كان موظف استقبال يقضي يومه في مصافحة القادمين ، فإنه سيلمس فقط أيديهم !





                    يدي هذه التي ألامس أزرار الجهاز بها .... قد لامست مئات و مئات الأيدي ... و الأرجل ... و الأقدام ...
                    و البطون ... و الصدور ... و الأعناق .... و الرؤوس البشرية !





                    هل يملك أي موظف آخر ( شرف ) لمس كل هذه ( الأجزاء ) غير الطبيب !


                    هل لكم أن تتصورا حجم الآفة التي كنت سأسببها لو أن يدي - لا سمح الله - كانت مصابة بوباء ما !


                    لم أكن أحب ملامسة أيدي الآخرين - حتى للمصافحة ...


                    و لكنني بحكم عملي ... أصبحت مجسا مشتركا للعديد ... العديد ... من الأجسام ... !


                    كل أنواع الأجسام !


                    النظيفة و الـ .... ؟


                    المؤنثة و المذكرة ....


                    المحلية و المستوردة !....


                    الحية و الميتة ! ...







                    لن يذكر أحد المرضى أنه كان قريبا جدا لشخص ما أكثر من قربه للطبيب الذي أخذ يتفحص جسمه شبرا شبرا !








                    لم أكن تناولت فطوري بعد ... و كنت - كالعادة كل صباح - أشعر ببعض الجوع ...


                    علي أن انتهي من فحص مرضاي جميعا ثم أتفرغ لنفسي ...


                    كان يعاني من مرض مزمن ... كان ملازما للفراش ... قليل الحركة ... قليل الكلام ... قليل الاستحمام !


                    حين وقفت بجوار سريره ، و اثنيت ظهري و أنا أضع السماعة على صدره ... لأفحصه ...


                    ربما لأ أجد الكلمة المناسبة فأنا لست خبيرا باللغة العربية !


                    الغثيان ! ... الدوار ! ... الإشمئزاز ... ! التقزز ... ! لا أعلم !


                    لن تكون مضطرا لشم رائحة كهذه حين تعمل موظفا في أحد البنوك !


                    لست أقصد السخرية - لا سمح الله .... إنما أعكس لكم شيئا نعاني منه نحن الأطباء و قد لا يخطر ببال

                    شخص آخر ...





                    شعرت بعدها بالرغبة في التقيؤ ...

                    و لكنني بقيت متماسكا ... لم أستطع اجبار معدتي على تقبل أي نوع من الأطعمة فالشعور بالغثيان نفرني منها

                    جميعا طوال اليوم - و لست أبالغ ...





                    غسلت يدي ّ غسلا مكثفا ... أشعر بأن الرائحة قد علقت بأنفي ... و اللمسة قد علقت بيدي ... و الصورة قد علقت بعيني ...





                    الموقف كله قد علق بذاكرتي للأسف ....






                    أتمنى ألا يعلق بذاكرتكم !

                    تعليق


                    • #11
                      ((( 10 )))





                      الأفلام السينامائية صورت لنا الاطباء النفسانيين ( مجانين ) لحد ما !

                      فالمقولة ( من عاشر قوما 40 يوما صار منهم ) تنطبق على العقلاء و المجانين .

                      و عندما يتخصص ( عاقل ما ) في أمراض المجانين ... فلابد أن ( يصير ) منهم !





                      في دراسته ، كان فرعا محببا إليّ ... الطب النفساني ، بالرغم من أن مرضاه المزمنين لا يشفون أبدا .

                      ربما يكون التعايش مع هؤلاء اللاعقلاء أيسر من التعايش مع العقلاء من حولنا .









                      كان مريضا مصابا بانفصام الشخصية . مرض جنوني من الدرجة الأولى . لم يكن التعامل معه سهلا .
                      فالأفكار الراسخة في عقله لا يمكنك ... و إن قضيت الشهور الأثني عشر القادمة في محاولة اقناعه بعدم
                      صحتها أن تقنعه بخطئها ... بل سينتهي باقتناعك أنت بصحتها ! ...

                      أنت ستفكر ... و ستتذكر ما قاله ... أما هو ... ؟؟





                      كان يخشى من الإستحمام ! اتخذت الحشرات المؤذية من شعره الكثيف مستوطنا أشبه باسرائيل !
                      و بالرغم من كونه يبلل فراشه أثناء الليل أو النهار ... لم يكن يقبل أن يستحم مطلقا .
                      هل يجدي استخدام العنف ؟








                      ليس أسوأ من تنتابك نوبة الجنون الحادة ... عندما تكون إمرأة على وشك الوضع !


                      و رغم أن المتوقع من إمرأة في أشهر حملها الأخيرة أن تكون ( مرهقة و متعبة ) ... ألا أن مريضتي كانت
                      من القوة و الشراسة بحيث اضطررنا لربط أطرافها الأربع بالسرير ...


                      سيطرنا على تهيجها و عنفها اليدوي ... و بقينا نستقبل كلماتها الشاتمة الغير لائقة ... و اللا أخلاقية !

                      ربما ... عندما تزول قيود ( الأدب و اللياقة و الذوق ) التي نسيطر بها على أقوالنا و أفعالنا و نتحكم بها ...

                      يصبح بمقدور الإنسان التعبير ( الحقيقي ) عما يكمن في داخله ! دون قيود ... و أي يعمل حسابا لأي شيء !


                      انتهى الأمر إلى ولادة قيصرية ...

                      و ظل الطفل المسكين محروما من أمه لفترة من الزمن ... لأنها كانت ( مربوطة إلى السرير ) في المستشفى !








                      المريضة الثالثة كانت تملك من العقل و الذكاء ما يجعلها تدرك أن ابتلاع 30 قرصا من الدواء الفلاني قد يودي بحياتها . لكنها ابتلعتها لتكون على مقربة من الموت ، ثم تنقل الى المستشفى ، و يجرى لها الغسيل المعدي ، و تنوم في قسم الأمراض النفسية حتى إشعار آخر !
                      و السبب ؟ ؟
                      شجار مع والتها التى منعتها من ارتداء ( البنطال الجينز ) !





                      عندما سألتها :

                      - هل ستكررين ذلك ؟
                      - لا !
                      - و بعد عودتك إلى المنزل ماذا ستفعلين ؟
                      - يجب أن أخرج من المستشفى بسرعة إذ أن لدي حفلة تعدها المدرسة الأربعاء المقبل و يجب أن أحضرها !
                      متى أخرج يا دكتور ؟





                      لم تكن مكتئبة أو محبطة ، بل مقبلة على الدنيا ببهجة ... ألا أنها قررت في لحظة ما أن تضع نهاية لحياتها - بالأحرى لشجارها مع والدتها - و ابتلعت تلك الأقراص !

                      مجرد ردة فعل فتاة مراهقة متهورة و غير حكيمة ...

                      و آه ٌ من المراهقات !








                      البنادول ... دواء متوفر جدا ... حتى في أتفه البقالات ... يستخدمه الجميع لمختلف الأسباب ...

                      الصداع ...

                      آلام المفاصل ...

                      ارتفاع درجة الحرارة ...

                      الإنتحار !




                      لم تكن مراهقة متدللة تود جذب الإهتمام و تنفيذ رغبتها الطائشة الملحة ...

                      و لم تكن أمرأة مجنونة ... أو حتى إمرأة عادية ... !

                      كانت ... زميلة لنا ...

                      طبيبة ...




                      عندما ابتلعت أقراص البانادول ... لم تكن تشكو من أي ألام جسدية ...

                      لكنها كانت تعاني من أوجاع نفسية شديدة ... بسبب انفصالها عن زوجها ...

                      لم يكن هدفها لفت الانتباه و جذب اهتمام ذويها بها ...

                      كانت تقصد الإنتحار ...

                      فهي تعرف كم يلزمها ... لتصاب بالتسمم ...




                      لقد كنت موجودا في غرفة العناية المركزة ... عندما كان الطاقم الطبي يحاول مستميتا أن يعيد روحها المزهوقة إلى جسدها المتسمم ...




                      و شهدت اللحظة التي أمر طبيبها المشرف عليها بالتوقف عن الإنعاش ... و قال :


                      - إنا لله و إنا إليه راجعون !






                      كانت حادثة مؤلمة !

                      الأطباء أيضا ينتحرون !







                      حتى و إن بلغت مرتبة عالية ... كجراح استشاري رئيس لقسم الجراحة في أكبر المستشفيات ...
                      فقد نجدك مشنوقا في أحدى غرف المخازن ... ذات يوم !

                      تعليق


                      • #12
                        ((( 11 )))








                        يقع بيتي الثاني في مبنى ضخم ... يسكنه مئات الأشخاص ، و يتردد عليه مئات الأشخاص كل يوم .

                        330 ساعة في الشهر الواحد ... أي ما يقارب 46 % من الشهر ... أقضيها هنا في هذا البيت ...

                        كيف يفترض أن يكون هذا البيت ؟






                        الغرفة التي أقضي فيها مناوباتي هي بيتي الثاني ...

                        و هذا البيت ، و الذي لا تتجاوز مساحته 4 × 4 أمتار ، يضم ( كل متطلبات الحياة ) !

                        لا يشاركني في بيتي ( الحبيب ) غير 3 زملاء حاليا ، فقد تقلص العدد مؤخرا من 9 إلى 4 .




                        إذا كنت ستقضي 330 ساعة في مثل هذا البيت ، فليس عليك أن تتذمر ! فما هي إلا 330 ساعة فحسب !

                        عليك أن ترضى بالسجاد ( الأثري ) ، الذي شهد وطء أقدام و أحذية و ( أنعلة ) الأجيال السابقة ، و الأجيال

                        القادمة ... عاما بعد عام ...




                        كما و تسر ، لرؤية الجدران و الكتابات المخلدة عليها منذ الأزل !




                        السرير ... الذي احتضن عشرات الأطباء قبلك و ( حمل همومهم و أوجاعهم و آلام مفاصلهم ) ... لا يزال

                        في صدره المتسع لحضنك أنت و زملائك ... و الأجيال القادمة من بعدك ....




                        و لا تقلق ...

                        فأي ( كسر ) يحدث في أحد ( ضلوعه ) لكثرة من حضن ، فإن الصيانة ستسعفك بمسمار آخر ...

                        و يبقى السرير الأم الحاضن ... فاتحا ذراعيه لكم للأبد ... !





                        و خوفا عليك من تأثير الأشعة الفوق بنفسجية أو حتى التحت حمراء ، فقد صمم بيتك الجميل بدون نوافذ ...!




                        و إذا عبق هواء البيت برائحة ما من مصدر ما ... فلا أيسر من أن تفتح الباب الوحيد و المطل على الممر ...

                        و تبتسم للمارة و تحيي الجيران !




                        و لأنك مثل بقية البشر ... قد تشعر بالعطش في فصل الصيف ( دونا عن بقية الفصول ) فلا بأس بأن

                        يزود بيتك المثالي بثلاجة صغيرة تضعها فوق الطاولة ، إذ لا مساحة على الأرض تكفي لها !




                        و في هذه الثلاجة ، يمكنك أن تحفظ بعض الماء ... و العصيرات ... و الأطعمة المعلبة ... و أقراص البانادول

                        فأنت ستحتاج إليها حتما ... إن بسبب الصداع الناتج عن السهر المتواصل ... أو بسبب الآلام الناتجة عن حضن

                        السرير الأم و عناقه الحار الشديد !




                        يمكنك استغلال المساحة فوق الثلاجة لوضع ( غلاية ) للماء ... لتحضر الشاي أو القهوة الذي يساعدك في طرد

                        النعاس من البيت ، بلا عودة !




                        و لا تتذمر من المكتب المهترىء ، ففائدته في سطحه و ليس في أعمدته ! و لو استغنيت عنها و أبقيته جالسا

                        على الأرض ... فسيضل سطحه مفيدا ... و سيضل مكتبا !




                        أما الخزانة ... فلا بأس ببابها المكسور ... فأنت في مكان آمن ... و لن يتجرأ شخص ما على سرقة شيء ما

                        من أغراضك الخاصة المبعثرة و المختلطة مع أغراض زملائك داخل الخزانة !




                        و لأن وقت فراغك ( طويل جدا ) ... و حرصا منهم على راحتك في هذا البيت ، فقد زود بجهاز تلفاز

                        أثري توارثه الأجداد .. و في أوقات فراغك ... و حتى لا تتعب نفسك قياما و قعودا في لتغيير القنوات ...

                        فقد اقتصرنا على قناة واحدة هي قناة السعودية الأولى - المفضلة لدى الأطباء و الناس أجمعين !!




                        و حتى لا تشعر بالوحدة ... فقد تجمعت ( شلة ) حشرات لتؤنسك ...

                        إن بعرض طيرانها المدهش ...

                        أو بأصواتها الغناءة ...

                        أو بأشكالها ( الفاتنة ) !




                        لن أتحدث عن ( دورة المياه ) لأنها يجب أن تظل مغلقة حتى عن الحديث !




                        و هناك إلى جانب السرير الحاضن ... ترتكز أول دعامة أنشأت في البيت قبل انشائه ...

                        و الشيء الوحيد الذي يتم اصلاحه بمجرد أن يعطب ... الشيء الوحيد الذي سيظل يعمل دائما و أبدا ...

                        و إن تعطل التكييف ... أو احترق المصباح ... أو انقطعت المياه ... او حتى تهدّم البيت !




                        إنه ... الهاتف !




                        - ألو ... أيها الطبيب ... تعال فقد وصل مريض جديد !





                        بعد إذنكم ! تمتعوا في بيتي كما يحلو لكم ... فأنا ذاهب ! عسى ألا أعود !

                        تعليق


                        • #13
                          ((( 12 )))


                          ~ ~ ~ ~ ~




                          الإزدحام يكون أشده في الفترة المسائية ... في عيادة الطوارىء .

                          لكل الأسباب ... كبيرها و صغيرها ... ستجد مرضى يراجعون تلك العيادة المزحومة . المواطنون ...

                          موظفو المستشفى ... و كل من مر بشارع المستشفى متجها إلى أي كان .. و تذكر لحظة رؤية لافتة المستشفى

                          أنه كان يعاني من ألم ما في مكان ما في جسمه قبل فترة ما !






                          و في وسط هذه الزحمة ... فإن آخر شيء تتمنى أن تتورط معه هي قضية بوليسية !






                          بينما كنت أعالج مرضاي في تلك العيادة ... أقبل أحد رجال الشرطة و إلى جانبه أحمد عمال النظافة يحمل

                          صندوقا ورقيا كبيرا ... ( كرتون )




                          قال لي الشرطي :


                          - تفحص هذا أيها الطبيب .





                          نظرت إله و إلى العامل ببلاهة !


                          - عفوا ؟؟؟

                          - تفحص هذا و أعطنا تقريرك الطبي .




                          لازلت واقفا بمكاني لا أعرف ماذا يقصد !

                          تقدمت نحو ذلك العامل ... ما عساه يكون قد أصابه ؟ و لم علي أنا أن أفحصه ؟ و ما صلته بهذا الشرطي ؟




                          عندما اقتربت من العامل و أنا لازلت أنظر باستغراب ... تطوع هو بتقريب الصندوق إلي !!




                          هل علي أن أفحص الصناديق أيضا ؟

                          ألا يكفي المواطنين و الموظفين و العمال !؟؟




                          أشار العامل إلى الصندوق فمددت رأسي ألقي نظرة على ما بداخله ....


                          و صدقوا ...

                          أو لا تصدقوا ....


                          لقد كان طفلا رضيعا ! ! !






                          تقوس حاجباي دهشة و رفعت رأسي إلى الشرطي بذهول و قلت :



                          - ما هذا ؟؟؟؟



                          أجاب :


                          - طفل وجدناه في هذا الصندوق موضوعا في مواقف السيارات !

                          و قد انتبه إليه أحد الموظفين صدفة و تم استدعاؤنا ....








                          سأترك لكم تصور الموقف ...





                          كان الرضيع لم يتم الأسبوع الأول من عمره ...

                          ملبسا ملابس عادية ...

                          و إلى جنبه وضعت ( زجاجة الحليب ) و التي يدل ملمسها الدافىء قليلا على أنها قد أعدت قبل ساعة تقريبا ...






                          الجو في الخارج كان باردا ....



                          الطفل كان يبكي من الجوع ....



                          لم أستطع أن أحدد من ملامحه ما إذا كان أجنبيا أم من البلد ...



                          أقحمت في قضية مع الشرطة و تم تسجيل اسمي و تقريري في محضر الشرطة بصفتي الطبيب الذي فحص

                          الطفل المجهول أول مرة ....





                          سألت الشرطي :


                          - و ما سيكون مصيره ؟

                          - سيؤخذ إلى دار خاصة بالأطفال ( المجهولي الأصل ) بعدما تستكمل الإجراءات القانونية !






                          بعد شهر ...


                          و فيما كنت مارا مرورا عابرا بحضانة الأطفال .... رأيت طفلا ( كبيرا ) في الحضانة .

                          علمت بعد ذلك أنه الطفل المجهول الذي فحصته قبل شهر .... لا يزال مجهول المصير و المستقبل ...

                          كما كان مجهول الأصل و الماضي .... !






                          ملامحه بدأت تظهـِـر ( عرقا أجنبيا ) ...





                          أتسأءل .... هل فكر ( والداه ) في معرفة ما آل إليه مصيره بعد ذلك ؟


                          و كيف يمكن لطفل ( مجهول الأصل ) أن يعيش في المجتمع فيما بعد .... ؟


                          لا يمكن ... لأي أبوين ( شرعيين ) أن يقدما طفلهما الرضيع هدية للمستشفى في ( كرتون ) ورقي !


                          يا للمصير البائس ....








                          أما الصندوق و زجاجة الحليب فلا بد أن الشرطة قد احتفظت بهما ( للذكرى )


                          فقد يتعرف ( والده ) إليه ذات يوم من (( زجاجة الحليب )) ! ! !

                          تعليق


                          • #14
                            ((13))

                            الساعة العاشرة صباحا ، يبدأ الدوام الرمضاني الرسمي بالإجتماع الصباحي الذي يستمر قرابة الساعة .

                            الساعة الحادية عشرة ، أبدأ مروري بالمرضى الجدد في غرفة العناية المركزة، خمسة مرضى ، و غرفة المرضى المستقرين ، ثلاثة مرضى


                            الساعة الثانية عشر و الربع ، أنتهي من مروري ، و تدويني لملاحظاتي و كتابتي لتقارير الخروج ، ثم أذهب لتأدية الصلاة .

                            الساعة الواحدة ، أعود أنا و زملائي للمرور على المرضى الخمسة و تسعة غيرهم ، مرورا مفصلا شاملا ، ينتهي عند الثالثة و النصف .


                            الثالثة و النصف ، أذهب لاستلام الإشراف على مرضى العناية المركزة الكبرى حيث أنني في غرة هذا الشهر مناوب !


                            الساعة الخامسة ، أنقل مريض من غرفة العناية الكبرى إلى الصغرى ، هو و جهاز تنفسه الإصطناعي و منفخة الهواء و أسطوانة الإوكسجين و الكمامة !


                            أقضي في مراقبة وضع المريض هذا وقتا ...


                            الساعة السادسة ، أذهب لتناول فطور اليوم الأول من رمضان ، الخبز و الحمص و الزيتون !


                            و الشاي طبعا !


                            الساعة السابعة و النصف ، أعود إلى غرفة العناية المركزة لمتابعة وضع المريض ذاته ... و بقية المرضى .


                            الساعة الثامنة و 45 دقيقة ، يصل المريض الجديد ، مصاب بحالة جفاف شديد إضافة إلى إلتهاب المجرى البولي (أعزكم الله) و فشل الكلى ، و مشاكل أخرى ...



                            الساعة العاشرة و الربع ، أخرج من غرفة العناية المركزة و فيما أنا أسير مبتعدا عدة خطوات ، تستدعيني الممرضة :

                            " مريض يتشنج ! أسرع "


                            أعود للمريض و آمر بإعطائه العلاج اللازم و أبقى لمراقبته بعض الوقت ...


                            الحادية عشر و الثلث ، أغادر غرفة العناية المركزة و أذهب إلى غرفتي الخاصة .


                            الساعة الثانية عشر و النصف ، تتصل الممرضة لتخبرني عن وصول مريض جديد .

                            إذهب لأخذ المعلومات منه و عنه ، و أفحصه و أسجل تعليماتي .


                            أمر بغرفة العناية المركزة لتفقد أحوال المرضى


                            الساعة الواحدة و أربعين دقيقة ، أعود إلى غرفتي


                            الساعة الثانية و خمس و أربعين دقيقة أستدعى من أجل مريض جديد آخر


                            الرابعة و خمس دقائق ، أذهب لشرب الماء قبل الإمساك ! أنا عطشان ...


                            ثم يحين وقت صلاة الفجر ، فأؤديها و ركعتين تطوعا - كل ما خرج من يدي !


                            الخامسة و النصف ، تتصل ممرضة لتخبرني بنتائج بعض التحاليل لبعض المرضى


                            التحاليل لم تكن طبيعية و علي تغيير بعض العقارات


                            أذهب إلى غرفة العناية المركزة و أكتب بعض الأوامر ، ثم أعود إلى غرفتي


                            السادسة و خمس و خمسون دقيقة بالضبط ، تتصل بي ممرضة تطلب مني الحضور لفحص مريض تغير فجأة !


                            أذهب فإذا به يتشنج !


                            أعطيه العلاج اللازم و أبقى لمراقبته ، فيما تخرج الممرضة و تعود إلى بيتها - بعد 8 ساعات عمل .


                            الثامنة صباحا ، أتصل بالممرضة في غرفة الحضانة :

                            " كم طفل ولد بالأمس و سيخرج اليوم من المستشفى ؟ "

                            " أربعة عشر طفلا أيها الطبيب ! "



                            أربعة عشر !

                            سبحان الله !



                            أذهب إلى غرفة الحضانة ، و أفحص سبعة منهم ، و أسجل ملاحظاتي و تعليمات الخروج .


                            التاسعة صباحا ، تقريبا ، أذهب إلى مرضى العناية المركزة الصغرى الخمسة أعيد فحصهم و تدوين الملاحظات و التعليمات ...


                            العاشرة و الربع يأتي زميلي ، و نبدأ المرور على المرضى من جديد .


                            أطلب من زميل آخر المساعدة :

                            " أنا متعب ! سأنهي عملي بسرعة و أغادر ! "

                            " لا ! بل ابق حتى الواحدة ظهرا فهذا هو الدوام المفروض ! إلا إذن لك الرئيس ! "




                            الثانية عشر و الربع ...


                            أحمل حقيبتي و أغادر المستشفى !


                            أصل إلى البيت ، فيتصل بي زميلي يخبرني بأن الرئيس قد سمح لي بالمغادرة قبل 45 دقيقة من نهاية الدوام !


                            و يتصل أهلي بعدها مباشرة فيخبرونني :


                            " لقد سافرنا بعد صلاة الظهر ! أنت وحيد في المنزل الآن ! "


                            و كل عام و أنتم بخير !

                            تعليق


                            • #15
                              سلام


                              هل شاهد أحدكم ممرضة و هي تحقن مريضا في عضلته ، أم تسحب دما من عروقه

                              أو حتى توخز ابهامه لأخذ نقطة دم واحدة ؟؟

                              هل تغمص عينيك ؟ هل تخفي وجهك خلف يديك ؟؟

                              أتحس بالدوار أو الغثيان ؟

                              أم تصاب بإغماء ؟

                              جمّد قلبك !

                              كيف إذن إن وقفت في غرفة العمليات .. تغوص بيديك في أحشاء مريض ما و ترى الدماء تتدفّق امام عينيك .. و تشم راحة الجلد المكوي !؟

                              كلها أمور ينفر منها (رهفاء القلوب) اما الاطباء أمثالنا .. فهم (قساة جامدون !)

                              يدخل طفل بريء إلى غرفة العلاج ، و هي مكان يشعر بالفزع و الرهبة منه.. ففي هذا المكان تقوم الممرضات بتعذيبه مع الإبر...

                              يصرخ مستنجدا بوالدته ، و التي لا نسمح لها بالدخول

                              تحاول استدرار عطفنا و تعاطفنا

                              " ممنوع يا سيدتي ، رجاء ً ابقي في الخارج لحين فراغنا "

                              و نوصد الباب و نحمل الطفل الصغير عنوة و رغما عنه و نضعه على السرير

                              يصرخ ، يستنجد ، يرفس ، يركل ... يتعذّب و يعذّبنا معه !

                              تمسك به الممرضات بعنف ليثبّتنه في الوضع المطلوب

                              " اهدأ حتى لا تجعل من الأمر مأساة أيها الصغير ، فمهما صرخت و قاومت سنحقنك بهذه الإبرة يعني سنحقنك بهذه الإبرة ! اختصر المعاناة و ارحنا ! "

                              بصعوبة تتمكن الممرضات من تثبيته في الوضع المطلوب ..

                              أعقم المكان جيدا ثم أمسك بتلك الإبرة الطويلة المرنة...

                              و أغرسها بلا رحمة في ظهر الطفل المتألم !

                              ينساب السائل الشوكي خارجا نقطة نطقة ، و كلما صرخ الطفل تسارع انسياب السائل...

                              نجمع القدر المطلوب ، ثم آخذ حقن الأدوية الخطرة ، و أحقنها عبر تلك الإبرة إلى داخل نخاع الصغير...

                              انتهى كل شيء ، انزع الإبره من ظهره و أضع شريطا لاصقا على المكان و نطلق صراح العصفور !

                              " انتهينا عزيزي .. "

                              يطير الصبي إلى أمله يتسلقها طالبا الأمان و الحماية من أولئك الوحوش !

                              تغادر الأم و طفلها .. فألتفت إلى الممرضات :

                              " المريض التالي ! "

                              و هكذا حتى أنتهي من طابور المرضى ، سوى الأخير..

                              الأخير أحضر محمولا على سرير متنقل ، و هو تحت تأثير المخدر القوي ليبقى نائما طوال عملية التعذيب !

                              بسهولة أحقنه بالدواء كسابقيه ، و هو جالس تسنده الممرضات.. ثم نكبه على وجهه و نبدأ المرحلة التالية !

                              أداة حديدية حادة قاسية لا مرونة فيها و لا رحمة و لا عطف .. مسمارية الشكل أمسكها بيدي و بكامل قوتي أغرسها في عظم حوض الصغير .. و أسمع صوت التكسّر و الحفر .. بل و أحسهما أيضا

                              هكذا نستخرج عينة من نخاع العظم .. و هي عينة لابد منها من أجل تشخيص بعض الأمراض الخبيثة و متابعة تطورها ...

                              أنجز مهمتي ، و أخفي آثار الجريمة تحت قطعة من (الشاش) الأبيض أضعها فوق مكان الحفرة !

                              نعيد وضع المريض النائم على السرير المتنقل... و نرسله إلى أمه، و أحلام سعيدة !

                              هؤلاء المرضى يتلقون العلاج شهريا بهذه الطريقة على مدى سنوات ...

                              يعود المريض بعد شهر لنعيد تعذيبه من جديد... هو و عشرات الأطفال الأبرياء الواقفين بذعر و دموع ينتظرون دورهم خارج غرفة العلاج...

                              و الذين أصبحت انا أشكّل بالنسبة لهم : دراكولا !

                              تعليق

                              المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                              حفظ-تلقائي
                              x

                              رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                              صورة التسجيل تحديث الصورة

                              اقرأ في منتديات يا حسين

                              تقليص

                              المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                              أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 09:44 PM
                              استجابة 1
                              11 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة ibrahim aly awaly
                              بواسطة ibrahim aly awaly
                               
                              أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 07:21 AM
                              ردود 2
                              12 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة ibrahim aly awaly
                              بواسطة ibrahim aly awaly
                               
                              يعمل...
                              X