إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

( عـِش طـبـيـبـا !! )

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    ركبت سيارتي، و انطلقت متجها نحو وطني الحقيقي، المليء بالجراثيم و الأوبئة و الأسقام !

    يقول المثل : من يطلع من داره يقل مقداره !

    لا أعرف مدى صحة هذا المثل، لكنه في أحيان ليست بالقليلة ينطبق علي !

    سرت و الشارع و نور الشمس المستتر خلف طبقة من الغيوم الماطرة، أدوس على بحيرات المطر الصغيرة التي خلفتها الغيوم بعد نوبة بكاء قصيرة..أظنها كانت تبكي انتهاء الإجازة !

    و أنا أقترب من المستشفى، شعرت بارتياح عجيب !
    و الأعجب هي الأفكار التي داعبت دماغي الناعس !

    كنت معتادا على السهر طيلة الـ 14 يوما التي قضيتها بعيدا عن الوطن، في إجازة من الطب !

    ( إنه أول أيام العمل، الصغار ذهبوا لمدارسهم و الكبار إلى أعمالهم، و بالتأكيد فإن العيادة ستكون شاغرة و هادئة، و سأحظى ببعض النوم في الغرفة! ما ألذ النوم في صباح أول أيام العمل ! أين أنت يا سرير ! )

    ذهبت إلى العيادة مباشرة، قبل ترتيب أشيائي في خزانة غرفتي، راغبا في إلقاء نظرة سريعة مثلجة للصدر على (العيادة الشاغرة) و إبلاغ الممرضة عن مكان تواجدي (أو نومي) حتى تتصل بي فيما لو حدث و أن جاء مريض ما في هذا اليوم الأول !

    أحلام دماغ نعسان !

    أول نظرة ألقيتها على العيادة ، تبعتها تنهيدة ، و تمتمة :

    ( يا فتّاح يا عليم ! )

    على ذلك السرير كانت تستلقي المريضة رقم واحد، و زميلي كان قد انتهى لتوه من فحص مريضه الأخير، و سلّمني زمام الأمور قائلا :

    " العالم فوضى! الجناح مزحوم ، لا أسرّة شاغرة ! "

    أما في غرفة الملاحظة، فترك تحت رعياتي - بعد الله - مريضين مصيبان بنزلة معوية !

    (أصبحنا و أصبح الملك لله !)

    تركت حقيبتي على المنضدة المجاورة، و باشرت العمل من الدقيقة قبل الأولى !

    المريضة رقم واحد، أول الغيث ، كانت مريضة مصابة بالفشل الكلوي المزمن، تجري غسيلا بيريتونيا ست مرات يوميا، و أتت تشكو آلام حادة في البطن و ارتفاع شديد في درجة الحرارة !

    " ألو ، صباح الخير، أنا الطبيب المنسي ! "

    " صباح الخير أيها الطبيب ! كل عام و أنت بخير ! "

    " و أنت ِ بخير، إليك ِ هدية العيد ! "

    بالتأكيد توقّعت رئيسة الممرضات ما هو نوع الهدية التي سأهديها لها!

    " مريضة مصابة بالفشل الكلوي ، و التهاب في الغشاء البيريتوني ، أدخلتها إلى الجناح و ستصلكم بعد قليل ! "

    لم يكن في القسم غير سريرين اثنين شاغرين، حجزتُ لمريضتي هذه أحدهما، و ادخرت الآخر ..للمطرة الأخرى !

    أزمة ربو شديدة جدا، نقل المريض بها من مستشفى آخر إلينا، لعدم توفّر الأسرّة !

    " ألو، سأدخل مريضا ثان ٍ ، بأزمة ربو حادة ، و قد يحتاج إلى الملاحظة عن كثب ! "

    " دكتور، لا يوجد سرير ثالث! تذكّر ذلك ! "


    و كما يجري السيل المنحدر من أعلى سفح جبل ، تدفّق المرضى إلى عيادتي بغزارة !

    أليس هذا يوم عمل ؟؟

    ألا يذهب الصغار إلى المدارس؟؟

    ألا يذهب الكبار إلى العمل ؟؟

    ألم تنته إجازة الجميع !

    بلى ! لقد انتهت ! و لأنها انتهت ، عدنا للعمل، و عدنا للعمل يعني عدنا للعمل !


    تصر والدة أحد المريضين النائمين في غرفة الملاحظة على إرقاد المريض في المستشفى !

    " يا دكتور إنه متعب منذ أسبوع ! أدخله ليتلقى المزيد من العلاج "

    " سيدتي لا يوجد سرير شاغر ! أين أضعه ؟"

    " ألست الطبيب ؟ دبّر الأمر..! يجب أن يدخل المريض إلى المستشفى الآن ! "

    من الطبيب فينا ؟؟

    عجبا !


    طفلة يأتي بها والدها محمولة على ذراعيه

    " ما الأمر ؟ "

    " آلام حادة في البطن يا دكتور "

    أفحص على المريضة، و تساورني الشكوك بأنها الزائدة الدودية الملتهبة !

    لابد من إدخال المريض !

    نحن بحاجة إلى سرير !



    يأتي مريض آخر، مصاب بآلام شديدة في العظام...

    " كنت ُ هنا يوم أمس، و لكني رفضت الرقود في المستشفى معتقدا بأنني سأتحسن مع الوقت، و لكني لا أزال متعبا ، لذا عدتُ لأرقد عندكم ! "

    سبحان الله !

    " لا يوجد سرير شاغر ! سأبقيك في غرفة الملاحظة حتى يشغر سرير ! "

    كلمات لم يقتنع بها فذهب يشتكي عند أحد معارفه ، الموظفين في المستشفى !

    و يأتي الموظّف ( يتوسّط ) له عندي !

    ربّاه !

    " لا يوجد سرير شاغر ! "

    هل كنت إلا بشرا طبيبا ! أنى لي أن أختلق سريرا ؟

    لو كان ذلك يندرج ضمن قدراتي العجيبة لأختلقت واحدا لي و نمت عليه من أول الصباح !

    قرب نهاية مناوبتي، حضرت المريضة التالية!

    مصابة بمرض سيولة الدم، و تنزف من أنفها الجريح منذ أيام !

    لأجل هذه يجب أن أختلق سريرا من أي شيء !

    اتصلت بالجناح و كررت سؤالي الغبي :

    " ألم يغادر أحد المرضى المرخصين من المستشفى ؟ لدي أربعة مرضى في الإنتظار ! "

    " ليس بعد يا دكتور منسي، اصبروا قليلا بعد ! "

    و تنتهي ساعات عملي في العيادة، و أسلم زمام الأمور إلى زميلي أخيرا :

    " لا يوجد أسرّة شاغرة حتى الآن ، و لديك أربعة مرضى بحاجة إلى إرقاد ! دبّر لهم أسرّة ! "

    تعليق


    • #17
      السلام عليكم

      . . . . . . . . .


      الناس أطباع ! و حين تعمل في مجال يجعلك على احتكاك مباشر بالناس، فسترى العجب !

      درود فعل البشر تختلف من واحد إلى آخر، على نفس الموقف

      و كون هذا الشخص تصرّف بهذا الشكل، و الآخر بالشكل الآخر، لا يعني أن أحدهما على صواب و الآخر على خطأ

      ردود الفعل المختلفة ليست مقياسا لصحة التصرف من خطئه ، إنها مجرد تفاعلات بشرية تعكس نفسية البشر و ثقافتهم و سلوكهم و طباعهم، و ما إلى ذلك

      نعود إلى المستشفى، ذلك المبنى الضخم الذي يضم مئات البشر ، بمختلف طبائعهم و سلوكياتهم و نفسياتهم

      كنت ُ في عيادة الإسعاف، أفحص المريض تلو الآخر، و كانت الحالات
      ( كالعادة ) لا إسعافية لا طارئة لا تستلزم زيارة عيادتي من الأساس !

      و يدرك الناس أنها حالات بسيطة، كالزكام و التهاب الحلق، ألا أن
      ( ظروفهم ) لا تمكّنهم من زيارة أي طبيب في أي وقت، سوى الطبيب المنسي و زملائه في عيادة الطوارىء !

      و في أوقات...الله الغني عن ذكرها !


      انتهيت من علاج المريض الأخير في قائمة المتواجدين حاليا، و وجدت فسحة متاحة لي، فأردت الذهاب إلى دورة المياه( أعزكم الله )
      و دورة المياه التابعة لغرفتي تقع في أبعد نقطة عن عيادتي !

      أخبرت الممرضة بذلك و طلبت منها الإتصال بغرفتي متى ما حضر أحد المرضى.

      فيما أنا في دورة المياه رن ّ الهاتف !

      ( يا إلهي ! أعطوني فرصة للضرورة ! اصبروا قليلا ! )

      خرجت، و توجّهت إلى الهاتف

      ألا يستطيع (الزكام ) الإنتظار بضع دقائق !

      " نعم ؟ هنا الدكتور منسي "

      " دكتور.. مريضة في العاشرة من العمر تتشنّج الآن ! "

      ( لا حول و لا قوّة إلا بالله ! الآن و الآن بالذات ! )

      " حسنا ، أعطيها الجرعة الفلانية من العقار الفلاني في الوريد، أنا قادم فورا ! "

      و أسرعت إلى العيادة، و المسافة بين الغرفة و العيادة طويلة نسبيا ، ألا أن مهندس المستشفى لم يضع في عين الإعتبار أن يحتاج الطبيب المسؤول عن العيادة إلى دورة مياه بعض الأحيان !

      في طريقي إلى هناك و مع تسارع خطاي تسارعت أفكاري !

      القلق على المريض، تصوّر حالته، عتاب النفس على مغادرة العيادة هذه اللحظة بالذات، و وضع والديه !

      و وضع والديه هو شيء يثير التوتر ! لابد أنهما الآن يصرخان، و بالتأكيد شكوني إلى مسؤول العلاقات العامة، و إلى مدير المستشفى، و إلى الشرطي المناوب، و إلى وزير الصحة، و حتى إلى أمير المنطقة !

      ( استر يا رب ! )

      وصلت إلى العيادة، و هالني أن أجد الوالدين واقفين بكل هدوء إلى جانب ابنتهما التي لا تزال تتشنج، فيما الممرضة تحقنها بالعقار المطلوب !

      عالجنا الفتاة و انتهت نوبة التشنج بسلام، و بينما أنا شاعر بالذنب لتأخري بعض الوقت، ألاقي الشكر الجزيل و الدعوات بالخير من الوالدين !

      سبحان الله !

      يمر الوقت، و تقترب مناوبتي من الإنتهاء .. و تزدحم العيادة أكثر فأكثر، و تمتلىء غرفة الملاحظة بالمرضى، و غرفة الملاحظة هذه لا تحوي غير ستة أسرّة نعمل جاهدين لتوفير أحدها على الأقل للحالات الحرجة، و مع ذلك، تبقى أغلب الأحيان ممتلئة عن آخرها

      فرغت من فحص مريضي السابق، فغادر العيادة، و بقيت أسجل المعلومات في ملفه الطبي قبل استدعاء المريض التالي

      كانت كومة الملفات في تزايد !

      تدخل فتاة في العاشرة من عمرها، و تجلس على الكرسي المقابل لمكتبي !

      " ما اسمك يا صغيرتي ؟ "

      " نرجس "

      أراجع الملفات المكومة أمامي فلا أجد اسمها بينها

      " هل مررت ِ من الإستقبال لاستخراج ملف لك ؟ أين أمك أو أبوك ؟ "

      و يظهر الآن والدها داخلا العيادة ، يحمل الملف المطلوب

      " حسنا أتركه هنا ، و اذهبا و انتظرا دوركما ! "

      يزمجر أبو نرجس :

      " لكنها متعبة جدا ! كيف تطلب منّا الإنتظار ؟ "

      " متعبة يعني ما بها ؟ "

      " لا تستطيع التنفس ! "

      و لأنني طبيب، فأنا أستطيع تمييز (المتعب ) من ( غير المتعب ) ! ، و
      ( الذي يتنفس جيدا ) من ( الذي لا يستطيع التنفس ) و الأب ( المتفهّم ) من الأب ( المتعصّب ) ذي المشاكل !

      " حسنا ، سأفحص تنفسها ، ثم تنتظران دوركما "

      و وقفت، و توجّهت نحو السرير مشيرا إلى نرجس بالحضور

      أبو نرجس قال معترضا :

      " ننتظر دورنا ؟ "

      ثم أشار إلى ابنته بالنهوض، و السير معه.. و سحب ملفّها الطبي، و غادر حانقا ، متأبطا شرا !

      عجبا !

      عدت ُ أنا فجلست على كرسيي الدوار، فإذا به يدخل عيادتي مرة أخرى و يسأل :

      " عفوا أيها الطبيب ، ما هو اسمك ؟ "

      قلت :

      " اسأل عنه ! "

      و استدعيت المريض التالي و تابعت العمل ...

      دقائق، و إذا بأبي نرجس يعود و معه ابنته و مسؤول العلاقات ، و قد شكاني إلى هذا الأخير !

      تكلم الأخير :

      " أيها الطبيب، لديك حالة اسعافية حرجة هنا ! كيف تطلب منه انتظار دوره ؟ "

      سبحان الله في طبع البشر !

      من الطبيب هنا ؟ من يقرر الحالة الإسعافية الحرجة من غير الحرجة !؟

      بأي حق يتدخّل هذا المسؤول ( اللا مسؤول ) في أمر لا يمت إليه بصلة !

      كيف له أن يتجرأ و يجزم بأنها حالة إسعافية حرجة ! ما أدراه !؟

      و دار ( شجار ) على مرأى و مسمع من الممرضات و المراجعين ، كان أسخف من أن يدور في الشارع، فضلا عن عيادة طبيب !

      طلبت من نرجس أن تستلقي على السرير ، بعدما أخرجت المريض الذي كنت أفحصه، و قمت بفحصها

      سليمة 100 % !

      أوصلت بإصبعها جهازا خاصا لتحديد نسبة الأوكسجين في الدم : 100 %

      و هي أعلى أعلى نسبة تركيز للأوكسجين في الدم ، ما يكشف أن الفتاة سليمة و لا تعاني من أي صعوبة في التنفس و ليست لديها أي مشكلة في الأوكسجين !

      قلت غاضبا :

      " أنظر ! 100 % ! ابنتك في حالة مستقرة جدا ، و لا تستدعي أن أفحصها قبل الغير، و لا أن تثير كل هذه البلبلة من أجلها ! "

      والد نرجس شعر ببعض الحرج، و أخذ يبرر و يتمتم ببعض الجمل التي لم أعرها أي اهتمام ، غير جملة واحدة :

      " نحن نعرف أنكم مضغوطون كثيرا في هذه العيادة أيها الطبيب، و ندعو الله أن يساعدكم ! "

      رددت بغضب :

      " أن يساعدنا ، ثم تشتكي علينا ! "

      أي مساعدة تلك !



      انتهت مناوبتي بعد دقائق معدودة من هذا الموقف السخيف، سلّمت زمام الأمور إلى زميلي التالي، و أعطيته فكرة شاملة عن المرضى الخمسة في غرفة الملاحظة، و سادسهم ( نرجس ) التي سأترك له التصرف معها و مع أبيها( المساعد) حسبما يرى !

      تعليق

      المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
      حفظ-تلقائي
      x

      رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

      صورة التسجيل تحديث الصورة

      اقرأ في منتديات يا حسين

      تقليص

      المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
      أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, 02-05-2025, 07:21 AM
      ردود 2
      13 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة ibrahim aly awaly
      بواسطة ibrahim aly awaly
       
      أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, 02-05-2025, 09:44 PM
      استجابة 1
      12 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة ibrahim aly awaly
      بواسطة ibrahim aly awaly
       
      يعمل...
      X