نعم لقد إختلف المؤرخون في إيمان أبي طالب و لكن أي محقق منصف يعلم أن هذا الكلام الذي يدّعي كفر أبي طالب هو صادر من أعداء الإمام علي بن أبي طالب من الخوارج و النواصب أرادوا من خلاله الحط من كرامة الإمام و تنزيل مقامه المنيع و تقليل شأنه الرفيع .
إن هذا الخبر نقل من دون تدبير أو تحقيق و تناقل من كتاب إلى كتاب حتى وصل إليكم اليوم و أنتم تأخذونه أخذ المسلمات و لو كنتم تحققون قليلاً بالروايات لما تفوهتم بهذا الكلام و ما قلتم أن أبا طالب مات مشركا ً , فإن أئمة أهل البيت الذين هم عدل القرآن و كذلك الكثير من علمائكم أمثال : السيوطي , إبن أبي حديد , الهمداني , الإسكافي , البلخي , و إبن الأثير قالوا أن أبا طالب أسلم في حياته و إعتنق الإسلام و مات مؤمنا ً و آمن بالنبي , و نحن الشيعة نقول أن إيمان أبا طالب كان فطريا ً بالله تعالى و لم يكفر بالله طرفة عين و إنه كان على دين إبراهيم الخليل .
ذكر إبن الأثير في كتابه جامع الأصول : و ما أسلم من أعمام النبي سوى : حمزة , العباس و أبي طالب . لكن العجب منكم أنكم تتركون اقوال آل البيت و أقوال الإمام علي و تأخذون كلام المغيرة بن شعبة الفاجر و بني أمية و النواصب و الخوارج الذين دعاهم الحقد و الحسد إلى جعل الأخبار و الروايات الموضوعة للحط من كرامة علي بن أبي طالب .
قال إبن أبي الحديد في شرح النهج ج14 \65 : إختلف الناس في إيمان أبي طالب فقالت الإمامية و الزيدية : ما مات إلا مسلما ً و قال بعض العلماء بذلك أمثال الإسكافي و البلخي و غيرهم .
و المشهور عند الشيعة أن أبا طالب ما تظاهر بالإسلام بل أخفى ليتمكن من نصرة الرسول و الذب عنه فإن المشركين من قريش كانوا يراعون ذمته و يقفون عند حدهم إذا نظروا إليه , يهابونه و يعظمون جانبه إذ كانوا يحسبونه منهم .
أما جمع أهل السنة فإنهم يعتمدون بتكفيرهم لأبي طالب على حديث ينسبوه زورا ًإلى النبي: إن أبا طالب في ضحضاح من نار.
أما هذا الحديث فهو مثل كثير غيره من الأحاديث المكذوبة عندكم و هو إفتراء على رسول الله و هو موضوع من قبل أعداء آل محمد و ذلك في عهد بني أمية و لو عرفتم راوي هذا الخبر و فسقه و فجوره لما شككتم في كذبه و إفتراءه . إن الراوي هو المغيرة بن شعبة من ألد أعداء الإمام علي و هو الذي أتهم بالزنى في البصرة و شهد عليه ثلاثة من الشهود عند عمر و لما أراد الرابع أداء الشهادة قاطعه عمر بجملة فأبى الرابع أدائها فخلص المغيرة و أقام عمر الحد على الشهود .
و رواة هذا الحديث هم ايضا ً : عبد الملك بن عمير , عبد العزيز الرارودي , سفيان الثوري الذين عدّهم علمائكم المتخصصون بعلم الرجال في الجرح و التعديل من الضعفاء و ردوا رواياتهم بل و عدوهم من المدلسين الكاذبين .
فلا ادري كيف يعتمد أهل السنة على رواية أولئك الكاذبين الوضاعين و لعل أبرز الدلائل على إيمان أبي طالب هي

قول النبي

و روى كل علماء السنة أن كثيرا ً ما كان أبو طالب يأمر علي أن يبيت في فراش النبي و يغير مكان نوم محمد خوفا ً منه على سلامته , فقال له علي ذات ليلة : يا أبي إني مقتول ؟ فرد أبو طالب و قال :
إصبرن يا بني فالصبر أحجى كل حي مصيره لشعوب
قـدر الله و الــبـلاء شــديــد لفداء الحبيب و إبن الحبيب
لفداء الأغر ذي الحب الثا قب و الباع و الكريم النجيب
أن تصبك المنون فالنبل تبرى فمصيب منها و عيد مصيب
كل حي و إن تملى بعمر آخذ من مذاقها بنصيب
فرد الإمام علي و قال :
أتأمرني بالصبر في نصرة أحمد و و الله ما قلت الذي قلت جازعا ً
و لكن أحببت أن ترى نصرتي و تعلم أني لم أزل لك طائعا ً
سأسعى لوجه الله في نصر أحمد نبي الهدى المحمود طفلا ً و يافعا ً
يا أهل السنة هل يمكن لأحد أن يضحي إلا في سبيل العقيدة , هل من المعقول أن أبا طالب يقدم إبنه علي فداء ً لرسول الله و هو غير مؤمن برسالته السماوية .
ذكر المؤرخون أمثال إبن الجوزي , و إبن سعد في طبقاته عن الواقدي قال : قال علي : (( لما توفي أبي أخبرت رسول الله فبكى بكاء ً شديدا ً ثم قال : إذهب فغسله و كفنه و واره غفر الله له و رحمه .)) و جعل رسول الله يستغفر له أياما ً لا يخرج من بيته و قد قال عليا ً راثيا ً:
أبا طالب عصمة المستجير و غيث المحول و نور الظلم
لقد هد ّ فقدك أهل الحفاظ فصلى عليك ولي النعم
و لقاك ربك رضوانه فقد كنت للطهر من خير عم
و قد قال الله تعالى :

إن الإفتراء على أبي طالب و إتهامه بالكفر و قذفه بالشرك هو تبديل للحقيقة بين كثير من الناس , فقد أغلق الله على قلبكم و أعمى بصيرتكم فلم تعودوا تفقهون .