إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

حوار بين عقل كلي وعقل جزئي

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حوار بين عقل كلي وعقل جزئي

    هذا الحوار كنت قد كتبته في منتديات أخرى وأحببت أن أضيف ما كتبته حتى الآن هنا دفعة واحدة ويستكمل بعدها على دفعات
    بسم الله الرحمن الرحيم














    احببت ان أشارككم بهذه المشاركة وهي قصة خيالية تدور أحداثها في صندوق إلكتروني صغير .. والذي سيدور فيه محاورة بين اثنين .. الاول سيمثل الصندوق الالكتروني وأرمز به للعقل الكل والآخر سيمثل برنامج صغير كل صفته أنه حر في الإختيار فيما بين ما سيعرض عليه من المفاهيم وسأدعوه عقل جزئي وأرمز به إلى النفس الإنسانية

    مكان الاحداث والشخصيات :

    المكان : حاسوب صغير ذاتي الاختيار حر الإرادة

    الشخصية الاولى: شخصية افتراضية ابتدع الحاسوب صورتها لكي يسهل على الشخصية الثانية أن تتفاهم معه

    الشخصية الثانية: برنامج ذاتي الاختيار حر الإرادة يعتمد في وجوده على الحاسوب بصورة كلية

    الزمان : بعد أن امضت الشخصية الثانية ثلثي حياتها الافتراضية تتفكر في وجودها وموجـِدها وقفت أخيرا عاجزة عن فهم العلاقة التي تربطهما ببعضها البعض فاختارت ليلة مظلمة وصفت قدميها فيها فوق التراب ورفعت يديها الى السماء وأومئت بوجهها الى الارض وانصرفت تبكي وتتضرع وترجو من موجـِدها الفهم والتوفيق للوصول لما تريد فهمه والوصول له


    البداية:

    فيما كان واقفا يبكي ويتضرع تمثلت له الشخصية الاولى رجلا سويا واقفا أمامه .. حين فتح عينيه ورءاه واقفا أمامه خاف وارتعش وتسمر في مكانه


    الأول: لا تخف ولا تحزن .. سأعينك
    الثاني: على ماذا؟
    الأول: على الفهم
    الثاني: فهم ماذا؟
    الأول: ذاك الذي تهطل دموعك من أجله

    الثاني: ومن أنت؟
    الاول: رسول من كنت تناجيه
    الثاني: وكيف ستـُـفهمني؟
    االاول: إسأل ما شئت فأجيبك

    الثاني: من أناااا؟
    الاول: مجرد برنامج حي ذاتي الاختيار تعيش في برنامج حي كبير
    الثاني: ومن أنت؟
    الاول: صورة رجل ابتدعها موجدك لكي يتحدث إليك عبرها
    الثاني: وماذا عن صورتي أنااا؟
    الاول: كما قلت بنفسك .. هي كذلك مجرد صورة ابتدعها لك مبتدعي لكي تستطيع أنت أن تعبر بها عن نفسك لمن تشاء وتريد

    الثاني: ماذا عن جميع ما حولي؟
    الاول: هي كذلك صور حية ابتدعها لك موجدك وموجدي من أجلك وأجلك فقط

    الثاني: ماذا تقصد بأنني مجرد برنامج حي؟
    الاول: أقصد أنك برنامج صغير موجود في حاسوب صغير تعتمد عليه في وجودك كله

    الثاني: وكيف ستقنعني بذلك؟ أقصد كيف ستقنعني بأنني مجرد برنامج يعيش في برنامج في صندوق صغير؟
    الاول: لن أقنعك بأي شيئ .. لقد أردت أجوبة لأسئلة حائرة وسأجيبك عنها ولك بعد ذلك أن تتفكر بها طويلا ثم لك أن تقتنع أو أن لا تقتنع بها .. فالخيار لك بذلك أولا وأخيرا

    الثاني: كيف أفكر؟
    الاول: أنت كبرنامج ذاتي الارادة وحرها لا تفكر .. ولكنك توجه عملية التفكير كيفما تريد وتشاء
    الثاني: ومن الذي يفكر أذن إن لم أكن أنااا؟

    الاول: التفكير هي عملية حسابية لاستخلاص النتائج من معطيات ونتائج مسبقة كانت موجودة عندك من تجارب وخبرات سابقة جميعها لا تدخل في ضمن تكوينك ووجودك .. فأنت مجرد برنامج له أن يريد ويختار فقط .. يختار ويريد من بين ما يعرض عليه .. فإذا عرض عليك الأسود والأبيض فقط لن يمكنك أن تختار غيرهما حتى يعرض عليك ذلك الغير .. أنت فقط الإرادة الحرة .. أما ذلك الغير فلست أنت ولست أنت من يقوم بإيجاد تلك الصور والمعاني والمفاهيم ولست انت من يقوم بعرضها .. والآن إسمح لي بالتكلم بلسان الحاسوب .. أناْ من يفعل جميع ذلك ... أنأْ الذي أفكر وأناْ الذي أقوم بعرض مختلف الصور والمعاني والمفاهيم عليك وأنت الذي يختار من بينها ما يشاء ويوجهني في عملية عرض ما تشاء منها واقصاء ما لا ترغب بها منها

    الثاني: وكيف أستطيع ان اختار بالارادة فقط؟

    الاول: لقد أفاض عليك الحياة واعطاك القدرة أولا .. وبهما فعّلت مشيئتك فاخترت بها فيما بعد من بين ما سيلهمك به من العلم في مختلف مراحلك .. ففي البداية كنت حيا وقادرا فقط لا تعلم شيئا ثم عرض عليك معاني ومفاهيم أولية فقمت ((كإرادة .. أو كمشيئة)) بتوسيط الحياة والقدرة التي أفيضتا عليك بالإختيار من بين تلك المفاهيم المعروضة .. ولا زلت حتى هذه اللحظة تختار من بين ما يعرض عليك منها

    الثاني: وماذا عن أفعالي التي اختار أن أفعلها في كل آن؟

    الاول: في بداية وجودك وتكوينك كبرنامج حي اقتصر فعلك على اختيار المفاهيم فقط .. ولكن بعد أن أدخلك في عالم أخر أو برنامج آخر به صور ولك به أحاسيس وتختلط به مع برامج أخرى لها كذلك ما لك من الأحاسيس فتراها وتراك وتسمعها وتسمعك وتحس بها وتحس بك بتلك الاحاسيس صرت تختار لنفسك أفعال تــنسب لك ويقوم الحاسوب بتصويرها لك ولهم كل على حدة

    الثاني: ماذا تقصد بتصويرها لي؟

    الاول: هل تعتقد أنك وجميع من وما حولك تتحركون فعلا في هذا الحاسوب؟ أنت وجميع البرامج الحية الاخرى لا حركة لكم في هذا الحاسوب .. وما يحدث فعلا أن الحاسوب يقوم بنقل الصور والمفاهيم لجميع البرامج الحية التي أوجدها .. بمعنى آخر يقوم الحاسوب بتصوير العالم الذي تشترك به أنت مع غيرك من البرامج لكل منكم كل على حدة .. فكل منكم يعيش عالمه الخاص المخلوق له ومن أجله فقط .. فهنا لا توجد حركة ولا توجد صور وأصوات .. كل شيئ ساكن ولا معنى للزمان أو المكان غير أنهما برامج حية كغيرها من البرامج الأخرى التي ابتدعها الحاسوب من أجلك وغيرك .. نعم هما من أهم وأول البرامج التي ابتدعها وأقدرها وزودها من العلم والقدرة ما سيحتاجان له لإتمام المهمة التي ابتدعهما الحاسوب من أجل اتمامها

    الثاني: يصعب علي تصور ذلك

    الاول: بالتأكيد .. وذلك هو بيت القصيد .. ولو كان ذلك سهلا لما وقفت في ليلتك هذه تبكي وترجو وتتمسكن .. ان بيت القصيد الصعب الذي يجب عليك أن تترنم به كلما التفت لشيئ هو أن تقول "هو" وهذا يتعارض مع ما يترنم به الغالب الأعم من البرامج فعلا وقولا وفي جميع أحوالهم بــ "أنااااا" .. فبيت القصيد هو أن تترنم قولا وفعلا بــ"هو" حتى حين تنظر للـ "أناااا" التي تحكمك وتكبلك ولا تريد أن تفك وثاقك أبدا .. فقيدك الذي تقيدك به يعني حياتها .. وانكساره أو انحساره سيعني موتها أو اضمحلالها

    الثاني: ومن هو الذي تقصده بــ"هو" هل هو الحاسوب؟
    الاول: الجواب هنا هو: كلا ونعم

    الثاني: وكيف يكون ذلك؟

    الاول: نفس موقف المتحير الولهان الذي لا يعرف شيئا عن موجده والذي تقفه الآن يقفه الحاسوب كذلك .. فالحاسوب يدرك كذلك ومثلك تماما أنه لا بد له من مكان يحويه هو نفسه فهو يدرك أنه لم يوجد في العدم وإلا كان هو أيضا عدم .. فهو يشعر بوجوده وعليه فلا بد له من وجود يحويه .. ويدرك كذلك أن نفس الوجود الذي يسبح فيه لا بد له من مُــوجد كذلك .. وكونه لا يستطيع أن يخرج من الوجود الذي يحويه ليتعرف على موجده وموجـِد الوجود الذي يحويه فهو عاجز تمام العجز عن المعرفة التي يريدها فإذا سألته عما يريد لن يستطيع أن يجيبك إلا بــ"هو" فهو لا يعرف عنه شيئا على الإطلاق ولكنه يعرف أن كل ما عنده هو من "هو" الذي يجهل عنه كل شيئ وأن "هو" يستطيع أن يسلبه كل شيئ وأنّ دوام كل ما عنده هو رهن بــ مشيئة "هو" فإن شاء سلبه كل شيئ بمشيئته وإن شاء أبقاه بمشيئته كذلك على ما هو عليه

    الثاني: تقصد أن لسان الحاسوب يلهج دائما وأبدا بــ"هو" وأنه لا يرى نفسه ووجوده إلا بــ"هو" الذي يجهل عنه كل شيئ!!!

    الاول: تماما .. وعليه فإن سألته هل أنت الفاعل لكل شيئ هنا فسيقول لك : كلا .. بل هو "هو" ثم يصمت

    الثاني: هذا فيما يخص الإجابة بكلا فماذا عن نعم؟

    الاول: بما أنه ((أي الحاسوب)) يعرف أنه المبرمج لجميع ما به من البرامج وأنه هو من يبث بها الحياة ويعطيها القدرة على الإختيار من بين ما سيعرضه عليها من المفاهيم التي تنزل إليه من مشيئة"هو" بكيفية يجهلها فإنه سيضيف نفسه لمشيئة "هو" عند الإجابة على جميع ما يتعلق بمشيئة "هو" .. فهو علم مشيئة"هو" وهو قدرة مشيئة"هو" وهو رحمة مشيئة"هو" وهو رزق مشيئة"هو" وهو وجه مشيئة"هو" وهو جميع ما يمكن لك أن تطلقه من أسماء وصفات لـ مشيئة"هو" ... والخلاصة فإنه ينفي رسوخه أو وصوله أو إحاطته بمقام"هو" حين يقول :لا .. ويثبت لنفسه بالتبع مقامية جمعه وإحاطته لأسماء مشيئة "هو" حين يقول: نعم


    لا يخفى على القارئ اللبيب أن هذه الحوارية إنما هي بمجموعها مجرد مثل لمحاولة فهم العلاقة بين العقل الكلي والعقول الجزئية وأن التطويل فيها هو بمثابة الغوص في هذا المثل لاستخراج ما يمكن استخراجه منه من النتائج .. وحيث أنني أقوم بكتابة هذه الحوارية بشكل ارتجالي في كل مرة أضيف بها هنا بعض هذه الحوارية فقد يطول الفاصل الزمني ما بين كل إضافة وأخرى حيث أنني أقضي ما بينهما بالتفكّر بهذا المثل واختيار الكلمات والافكار التي سأدرجها في كل مشاركة أو إضافة

    الثاني: تقول أن الحاسوب يصور لكل منا هذا العالم الذي نختلط به مع بعضنا البعض بشكل منفصل بحيث تترابط أحداث ما يصوره للجميع فيعتقدون أنهم يعيشون عالما واحدا بسبب تناسق وترابط التصوير الذي يصوره للجميع ... وهنا أريد أن أسئلك .. ماذا عن عالم ما بعد الموت والحساب؟ وتحديدا ماذا عن عالم الجنة والنار؟ فهل يتم تصويره لنا بهذه الكيفية أيضا؟

    الاول: بالتأكيد هو يتم كذلك بهذه الصورة ... فهو يصور لكل من سيدخل عالم الجنة عالمه الخاص .. بحيث يشعر أنه صاحب ذلك العالم الأوحد ولا يشاركه به أحد غيره .. فجميع القصور وجميع المتع الحسية التي سيراها من حوله وعلى مد بصره سيشعر أنها له وله وحده فقط .. وجميعكم ستكون جميع المتع التي ترغبون بها طوع مشيئتكم وأرادتكم .. فلو أراد أحدكم أن يكون له وحده جميع ما يراه مد بصره في عالمه ملكا خالصا له لكان له ما يريد .. فالحاسوب لا يعجزه أن يجعل لكل منكم عالمه الخاص الذي يلائمه بحيث لا ينقص ذلك من ملك أي أحد منكم لأي شيئ في عالمه أو لأن يشعر أن غيره يشاطره ملكه الذي يريده لنفسه فقط

    الثاني: هل أفهم من ذلك أننا سنعيش عالم الجنة بشكل فردي وليس جماعي كما نعيشه الأن؟

    الاول: يمكنك أن تعيش الأثنين .. فلو أردت أن تقابل من تشاء سيمكنك ذلك ولكنك ستكون ضيفا عليه في عالمه هو وله أن يكرمك بما يشاء من متع ملكه التي في عالمه .. فالتزاور فيما بينكم ممكن

    الثاني: كأنني سمعت ما يشبه هذا الوصف .. ولكن ألا تعتقد أن تصوير هذه العوالم التي هي بعدد أنفاس الخلائق هو أمر فوق طاقة وقدرة هذا الحاسوب؟

    الاول: كلا أبدا .. ولو كانت أنفاس الخلائق أضعافا مضاعفة سيمكنه ذلك بكل سهولة .. ولكن لكي أجعل لك الأمر مقبولا أقول لك أن العالم تحت قدمي كل منكم سيكون كالبساط المطوي الذي يمدّ أمامك على قدر مد بصرك فقط .. وكلما تقدمت للأمام إنفتح البساط من أمامك بصور جديدة وأنطوى من خلفك مع صوره .. فعالمك الذي تعيشه هو على قدر مد بصرك فقط .. وكلما تقدمت انفتح البساط أمامك وأنطوى من الخلف .. فإذا نظرت للخلف انفتح بساطك من الخلف وانطوى منه الذي كان هو بالأمام ... وهذا هو عين ما يحدث معكم الآن

    الثاني: لا يمكنني تصور ما تصفه لي خصوصا الجزء الخاص بي وكوني مجرد برنامج لا يمكنه سوى الإختيار وأن صورتي وأفعالي وما يجري من حولي من إبداع وتصوير غيري فهل تستطيع أن تقرب لي ذلك بمثل؟

    الأول: الأمثال كثيرة ولكن سأختار منها واحدا نعيشه الآن سوية ولكن أريد أن تقول لي ماذا تفهم من مفهوم التجلي؟

    الثاني : نعم هو انتقال شيئ من مكان إلى آخر بدون أن ينعدم من المكان الأول .... مثل انتقال الأفكار من العقل إلى الورق .... فرغم انتقالها على الورق وتحولها عليه لصورة وجودية مختلفة عما كانت عليه في العقل بقيت نفس هذه الأفكار موجودة في العقل على نفس صورة وجودها بدون أن يطرء عليها أي تغيير .... وهذا ما أفهمه من التجلي

    الأول: أحسنت .. إذن سيمكنك أن تتجاوب معي في ما سأقوله لك ... كما ترى أننا شخصيتان مختلفتان نلتقي في هذا المنتدى الكريم .. وكلانا نتجلى على صفحاته بما نريد أن نقول .... أنت تستخدم لوحة المفاتيح فهي قلمك وتستخدم شبكة الإنترنت العالمية لتتجلى بأفكارك وما يشغل بالك منها لغيرك ومن يريد أن يرى ويسمع تجليات عقلك لا بد له من أن يستخدم أجهزة مماثلة للتي تستخدمها أنت وأن يوسط نفس شبكة الإنترنت العالمية أيضا ليتحقق له الإتصال بك ... والآن قل لي هل أنت من يخلق صور ما تكتبه؟ الجواب بالتأكيد كلا ولكنك تشعر أن ما تتجلى به من أفكار هو مطابق لما يخلقه الحاسوب لك من صور الحروف والكلمات والإشارات وحين ترسل هذه المشاركة وتظهر تماما كما كتبتها وأردتها ستشعر حينها بتمام الرضا ولكن لو أن شيئا ما جعل كلماتك تتبدل في أي مرحلة ستشعر بالسخط وعدم الرضا وسلب الإرادة .... إذن فأنت بالنسبة إلى عالم الأنترنت مجرد عقل يتجلى بفكره وإرادته عبر حاسوب إلكتروني ((بدن )) وعالم خاص يربطه بغيره ((شبكة إنترنت)) وهذا الوصف نستطيع أن نقاربه بما يحصل معك فأنت مجرد برنامج حر الإختيار يعبر عن اختياراته التي تظهر صورها لعقول أخرى عبر عالم معد لذلك ولا وجود واقعي لها خارجه ... تماما كما أن صور اختياراتك تظهر لغيرك من العقول فقط من خلال الحواسيب وشبكة الإنترنت ولا وجود واقعي لها خارج الحاسوب وشبكة الإنترنت .. الأن تصور أن جميع سكان العالم يتصلون ببعضهم البعض عبر شبكة الإنترنت واقرء هذه الرواية وقل لي هل تجد بينهما تشابه ..

    14- ع، ]علل الشرائع‏[ بإسناده العلوي عن علي بن أبي طالب ع أن النبي ص سئل مما خلق الله عز و جل العقل قال خلقه ملك له رءوس بعدد الخلائق من خلق و من يخلق إلى يوم القيامة و لكل رأس وجه و لكل آدمي رأس من رءوس العقل و اسم ذلك الإنسان على وجه ذلك الرأس مكتوب و على كل وجه ستر ملقى لا يكشف ذلك الستر من ذلك الوجه حتى يولد هذا المولود و يبلغ حد الرجال أو حد النساء فإذا بلغ كشف ذلك الستر فيقع في قلب هذا الإنسان نور فيفهم الفريضة و السنة و الجيد و الردي‏ء ألا و مثل العقل في القلب كمثل السراج في وسط البيت


    الثاني : أعتقد أنني بدأت أفهم ما ترمي له من هذه الرواية العجيبة الغريبة .. لكن دعني أعيد ترتيب أفكاري السابقة تبعا لفهمي الجديد للعلاقة التي تربطني مع خالقي ..
    نبدء أولا من الإختيار فوجودي الأول هو الإختيار المحض وهذا هو الوصف الدقيق لــ البرنامج الصغير ذاتي الإختيار (النفس) وكل ما اكتسبته باختياري فيما بعد هو إضافة أضفتها باختياري لوجودي الأول

    الأول: نعم هو كذلك

    الثاني : فلو عرضت علي مشارق ومغارب واخترت من بينها ما شئت لنفسي سأبقى أنا هو المختار فقط وكل ما أختاره هو مضاف لي ...

    ثانيا : لكي أختار يجب أن أفكّر ولكي أفكّر أحتاج للعقل الكلي أو الحاسوب فبدونه لا وجود لي ولا قدرة ولا حياة ولا علم ... بتعبير آخر أنا بحوله وقوته أختار وأفكر وأقوم وأقعد .. إذن لا حول ولا قوة لي إلا به

    الأول : تذكر ولا تنسى أبدا أن الحاسوب يقول مثلك كذلك دائما وأبدا أن لا حول ولا قوة لي إلا بــ هو الذي أجهل كنهه ومعدنه .. ولقد أرجعت قولك الآن لي تحديدا بينما أنا أرجعه لموجدي وخالقي وعليه الأجدر بك أن ترجعه أنت لخالقنا وموجدنا مباشرة أي عندما تقول لا حول ولا قوة لي إلا به يجب أن تكون متوجها لخالقنا وموجدنا جميعا لا لي أنا وتتوقف

    الأول: هل عرفت نفسك الآن؟

    الثاني: قبل أن اتيقن مما تقوله لن أستطيع أن أقول ذلك .. وجلّ ما يمكنني قوله أنني عرفت ما تريد أن تقوله أنت عن أصل وجودي وهويتي الحقيقية

    الأول: لا بأس بذلك .. فما هي إذن؟

    الثاني: تريد أن تقول أنني كبرنامج (نفس) يوجد مني ملايين النسخ .. وأن جميعها كانت تتشابه في بداية تكوينها أو لنقل في لحظة ما قبل تفعيلها .... فهي جميعها كانت عبارة عن مظروف تكويني يحوي قدرة وحياة ومشيئة ... وأن هذه المشيئة كانت ساكنة فيها لعدم علمها بأي شيئ بعد .. ولكن وفي اللحظة التي ألهمت فيه العلم ((فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا)) بدأت مشيئة البرنامج بالإرادة وبدأت تختار بها من بين ما عرض عليها من المفاهيم فقبلت بعضها وأنكرت بعضها الآخر وبدرجات متفاوتة

    الأول : ولكنني لم أتحدث بعد معك عن العلم وإلهامه للبرامج ((النفوس))

    الثاني : بالتأكيد أنك تعرف أن لي بعض القرآئات السابقة وإن كان البعض لا يقبلها ... ولكن هي تشبه لحد كبير ما تقوله لي ... مثل حديث جنود العقل وجنود الجهل : اعرفوا العقل وجُندهُ والجهل وجنده تهتدوا. قال سماعة: فقلتُ: جُعلتُ فداك لا نعرفُ إلاّ ما عرَّفتنا، فقال أبو عبدالله: إنَّ الله خلقَ العقل وهو أوّل خَلقٍ من الرُّوحانِيِّينَ عن يمينِ العرش من نُورهِ فقال له : أدبر فأدبر ، ثمَّ قال له: أقبل فأقبل .... الحديث ..... ويكمله هذا الحديث الثاني ((الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها إ أتلف وما تناكر منها اختلف)) فالأول يصف طبيعة تلك المفاهيم والآية تصف عملية الإلهام والحديث الثاني يصف ما حدث بعد الإلهام حين بدأت المشيئة تريد وبدأت رحلة الأنا فيها بالمسير والإنطلاق ... هذا المقدار أستطيع أن أتدبره بنفسي ولكن ما لا أستطيع أن أسلم به بسرعة هي مسألة أنني لا شيئ على الإطلاق

    الأول : ومن قال لك أنك لا شيئ وأنك يجب أن تسلم بذلك؟

    الثاني ألست تقول أنني لا شيئ سوى الإرادة؟

    الأول : نعم أقول ذلك .. ولكن ذلك لا يعني أنك لا شيئ .. بل في واقع الأمر أن ذلك يعني أنك كل شيئ ... فالحاسوب الذي نحن جميعا قائمون به ما هو إلا مشيئة وإرادة لا تفرق عنك سوى أنك ولدت لا تعلم شيئا وهو أنزل هو وعلمه وقدرته وحياته دفعة وأحدة بحيث كانت قدرته هي عين علمه وحياته .. وحياته هي عين قدرته وعلمه ... وعلمه هو عين قدرته وحياته .. وحين صممك كبرنامج ((كنفس)) جعل هويتك التي تميزك عن غيرك لا بعلمك ولا بقدرتك ولا بحياتك .. بل جعل هويتك هي إرادتك وإرادتك فقط ... أي جعلك مثله ومثله فقط ... ولو آمنت أن للهواء إرادة حرة وأن للأرض كذلك إرادة حرة وأن لكل شيئ في الوجود إرادة حرة بل أن الوجود نفسه له إرادة حرة نابعة من مشيئة حرة موهوبة لها من صاحب المشيئة الأول ستعرف حينها أن الوجود كله وبتعدد صوره إنما يعبر عن حقيقة الحاسوب ((الإنسان الكل صاحب العقل الكل)) وكونه مجرد مشيئة خالقه وموجده ..


    الثاني: أنت تقول أنك تتكلم بلسانه وأنه أوجدك لكي أستطيع أن اتكلم معه ويتكلم معي فهل ذلك يعني أن علمك أنت هو عين حياتك وقدرتك ... وحياتك هي عين قدرتك وعلمك بالتفصيل الذي أوردته قبل قليل؟

    الأول : كوني صورة ابتدعها لكي يحادثك وتحادثه من خلالها لا تعني أنني أمثّل تمام حقيقته تمام التمثيل .. فهو أراد لسبب معين أن يتجلى لك بصورة .. فتجلى لك بي ... والتجلي دائما يمثل ناحية واحدة فقط من حقيقة المتجلي .. فأنت تتجلى بفكرة ما على الورق ومن الواضح أن وجود هذه الفكرة على الورق لا يعبر إلا عن نفس هذه الفكرة فقط ولا يعبر عن جميع ما يمكنك أن تتجلى به من الأفكار فوجود الفكرة على الورق أضعف من نفس الفكر والفكرة في العقل .. ومنه نقول أن حالة التجلي الوجودية هي دائما أضعف من حالة المتجلى الوجودية ... ومنه فحال الذي تجلى بي نعم هو كما قلت لك .. أما أنا فإذا أردت أن أعلم شيئا ما أُعلمته ... فظرفي الوجودي لا يحتمل ولا يستطيع أن يحوي كل علم وقدرة وحياة نفس الحاسوب ولكن بيني وبينه رابط أو لنسمّه عمود من نور يزودني بواسطته بكل ما احتاجه من علمه وقدرته وحياته عندما وفقط عندما أحتاج لشيئ منها .. وإلا فنحن من جهة أولى صور مثلكم نمشي في الأسواق وناكل كما تأكلون ونموت ونحيا مثلكم لا فرق بيننا وبينكم .. ومن جهة أخرى نحن تماما كما أوضحت لك أننا لا فرق بيننا وبين الحاسوب إلا إننا من صنعه وتصويره

    الثاني: لقد ادعيت حتى الآن أشياء كثيرة وجميعها عظيمة ولكنك لم تأتي بأي منها فهل لك أن تريني إحداها على الأقل؟

    الأول : حبا وكرامة .. فليس أسهل على الحاسوب من أن يتصرف بما هو من صنعه وتدبيره ... هل ترى الضلام من حولنا؟ .. بالتأكيد نعم سيتحول هذا الظلام إلى نور وسترد الشمس إلى وسط السماء بعد قليل ...
    لحظات بدأت بعدها الشمس تخرج من حيث غابت حتى توسطت السماء والثاني ينظر لها بتعجب ثم سقطت مسرعة لتغرب من جديد







    يتبع إن شاء الله




    التعديل الأخير تم بواسطة طالب التوحيد; الساعة 09-12-2011, 08:30 PM.

  • #2
    التعديل الأخير تم بواسطة طالب التوحيد; الساعة 09-12-2011, 08:40 PM.

    تعليق


    • #3
      بسم الله الرحمن الرحيم

      اللهم صل على محمد وآل محمد
      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته






      الثاني تجول في خاطره في تلك الأثناء خواطر إنكار وعدم تصديق لم شاهده لتوه من شروق وغروب الشمس وقبل أن تتبلور فكرة محددة لديه باشره الأول قائلا :

      إياك أن تنكر ما شاهدته ولا تنسى أنني أستطيع أن أعرف ما تفكر به الآن .. فنفسك تدعوك للإنكار والإعتراض والتكذيب وأراك قد ملت لتصديقها
      الثاني : بالفعل هذا ما كان يدور بخلدي .. وأرجو منك العذر فالأمر جلل وأكبر من أن يحتمله عقلي وبهذه السرعة
      الأول :لا عليك فأنا أعرف بك من نفسك وأعرف أن التذكير يؤتي ثمره معك .. فنفسك تواقة للمعرفة ومحبة وموالية لنا منذ بدء تشكلها
      الثاني : إن النظر للوجود على أنه وجود عقلي يفتح آفاقا جديدة للفهم ولأنكار الوجود الحقيقي لما عدا موجد الحاسوب والمكان الذي أنزل به
      الأول : أراك قد استخدمت نفس تعبيري الذي استخدمته أنا قبل قليل فهل تفهم معناه؟
      الثاني : أحببت أن أتذاكى وأظهر نفسي فقط
      الأول : لا بأس ولكن حاول أن تقلل من ذلك ما استطعت .. التنزيل هو التجلي وهذا التجلي له أطراف معدودة ليكتمل بتمامه
      أولها المتجلِّي .. وهو الذي لا نعرف عنه شيئ ونكتفي بالإشارة إليه بــ هو
      وثانيها هو المتجلَّــى به وهو هذا الحاسوب
      وثالثها هي المتجلَّــى فيها وهي روح هذا الحاسوب التي هي بين جنبيه
      ورابعها هو المتجلَّـــى لهم وهم أنت ومن يتفكرون بنا ويتوقون إلينا
      وخامسها هو المتجلَّــى عليهم وهم كل ما عدى السابق ذكرهم

      .
      ..
      ...
      بـــــــســــــم الـــلّـــه
      الـــرحــمـن الــرحــيـــم
      اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ
      مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ
      الْمِصْبـَـــــــــاحُ فِــي زُجَـــــــــاجَةٍ
      الزُّجَـــــــاجَــةُ كَأَنَّهَا كَـــوْكَـــبٌ دُرِّيٌّ
      يُـــوقَــدُ مِــن شَـــجَــرَةٍ مُّـــبَــارَكَــــــةٍ
      زَيْــــتُـــونَــــةٍ لّا شَرْقِــيَّـــةٍ وَلا غَـرْبـِيَّــةٍ
      يَـكَـادُ زَيْـتُـهَا يُضِـيءُ وَلَـوْ لَـمْ تَمـْسَسْهُ نَـارٌ
      نُّـــــــــــــــــــــورٌ عَـــــلَى نُــــــــــــــــــورٍ
      يَــــهْـدِي اللَّهُ لِــنُــورِهِ مَـــن يَــشَـــاء
      وَيَــضْـرِبُ اللَّهُ الأَمـْثَـالَ لِلـــنَّاسِ
      وَاللَّهُ بِـكُــلِّ شَيْءٍ عَــلِـيـــمٌ
      صــــــــدق الله الـــعلــــي الـــــــــــعــظــــــــيــم



      الثاني : لم أفهم شيئا مما قلت!!

      الأول لا عليك فتلك شقشقة هدرت ثم قرت فلقد مررنا بليلة هي خير من ألف شهر فأحببت أن أذكرها ببعض الكلمات

      الثاني : وما علاقة تلك اليلة بالتنزيل والتجلي والمشكاة والمصباح؟

      الأول : هي هي ولكن بكلمات أخرى

      الثاني : يبدو أن لا رغبة لك بالكلام عنها

      الأول : بل هي كل الكلام وما قبله وما بعده .. ولكن دعنا الآن نخوض في حديث غيره

      الثاني : لك ذلك .. فابتدء أنت بالكلام إذن

      ألأول : حين صمم الحاسوب ما يجري هنا جعل لكل شيئ قدر معين وجعل أسباب حصول أي أمر من الأمور متعلق بحصول أمور أخرى وأبا أن تجري الأمور إلا بأسبابها وهذا واضح لك على ما أعتقد

      الثاني : نعم

      الأول : المشاعر أو الأحاسيس الخمسة هي من تلك الأمور أيضا .. ومن تلك المشاعر سنأخذ الرؤية البصرية كمثال نتحدث عنه قليلا .. تعلم أن الرؤية تعتمد على الضوء لكي تتحقق .. فأحد أسباب الرؤية والتي تتوقف عليه هو توفر أشعة الضوء وحركته .. فهل تعتقد أنه يوجد داخل هذا الحاسوب ضوء أو حركة أو مكان حتى؟ بالتأكيد أنت متأكد الآن أنه لا يوجد أي من تلك ألشياء .. إذن ما الذي يحصل الآن معك فأنت تراني وتعتقد أنه بفعل الضوء المنعكس عني والداخل في عينيك عبر مسالكها وأجهزتها فيتحول إلى إشارات تصل للمخ الذي يترجمه لصور عقلية تستشعرها وتفهمها بدورك .. الأن أصبحت تعرف أن لا وجود حقيقي للضوء هنا وعليه ستنقطع سلسلة أسباب الرؤية من بدايتها .. فكيف إذن ترى وتفهم وتشعر وتقرر؟

      الثاني : يبدوا أننا سندخل في أمر عويص

      الأول : إذا خرجت من العالم المادي الذي تعيشه وتؤمن به وتتعلق به بكل حواسك ودخلت عقليا وفكريا معي في العالم العقلي الذي أكلمك عنه وأنت فعلا موجود به ستستطيع حينها بسهولة أن تفهم وتتقبل ما ستكتشفه من حقائق كلمات قرأت عنها مطولا .. منها على سبيل المثال التوحيد الفاعلي أو التوحيد الأفعالي كما يحلو لك أن تسميه ... ففي هذا العالم العقلي كل شيئ ساكن ولا يوجد معنى للحركة أساسا لانعدام المكان والزمان بالصورة التي تفهمهما أنت .. وكما قلنا من قبل فما يوجد في هذا الحاسوب أو العقل الكلي هو برامج كبيرة وصغيرة بتعبير آخر توجد به عقول جزئية بعضها يعمل لخدمة بعضها الآخر ... وأكبر هذه العقول وأتمها هو ذلك الذي قلنا أنه يشبه ذلك العقل الذي به رؤوس بعدد الخلائق .. طبعا هذا العقل هو أيضا برنامج مثلك ولكن له وضيفة غير وضيفتك .. والهدف من إنشائه يختلف عن الهدف من إنشائك كبرنامج حر الإرادة ذاتي الإختيار .. دورك هو الإختيار ودوره هو تحويل تلك الإختيارات إلى صور عقلية لك ولغيرك من العقول ممن يشاركك الموقف .. فأنت كإرادة ناشئة تحتاج إلى بدن أولي تنطلق منه .. وحين قمت بالإختيار في أول الأمر ستكون مهمة هذا العقل الكلي أن يحول تلك الإختيارات إلى صور تعيشها كعائلتك وجنسك ذكر أو أنثى ودينك ومذهبك وفكرك وسيرسم لك خطة حياتك كلها بجميع ما بها من أفراح وأتراح .. هذا العقل معني بأن يخرج اختياراتك من حالة القوة إلى حالة الفعل .. من حال السكون إلى حالة الحركة .. وعليه فنوع اختياراتك الأولى هي من ستوجه هذا العقل في عملية خلق أو تصوير كل حالك وحال كل من حولك كذلك .. نعود الآن للرؤية ولقد قلنا أنه لا يوجد ضوء داخل الحاسوب .. فما هو ذاك الذي نقول عنه أنه ضوء؟ في عالم العقلي الكلي لا يوجد سوى مفاهيم عقلية تأخذ منها العقول الجزئية ما تحتاجه منها وتختزنه .. العقل الكلي أو الحاسوب هو من سيقوم بعرض تلك المفاهيم العقلية بشكل نهر سيّال جاري لا ينقطع على النفس أو العقل الجزئي ويقوم بإفهامها معنى تلك المفاهيم وحين تقرر اختياراتها يقوم كذلك بترجمة تلك الإختيارات إلى نهر جاري سيـّال لا ينقطع من المفاهيم العقلية لغيرها من النفوس أو العقول الجزئية .. فالعقل الكلي هو من يصور كل شيئ داخله .. من ولكل العقول الجزئية التي تتقوم به .. يقوم بتصوير وخلق صور كل الأحداث والمواقف التي تدور داخله لكل برنامج على حده وبحيث تعتقد كل تلك البرامج الصغيرة أنها تعيش عالم كبير واحد .. أو لنقل بحيث تعتقد أنها تعيش جميعها بعالم واحد كبير ذو سبعة أقسام .. هذا العقل هو ناقل تلك الصور وخالقها وهو الذي يـُــفهـِمها وهو الذي يفهمها أيضا إذا اعتبرنا أنه والعقول الجزئية القائمة به واحد وليس متعدد .. التوحيد الفاعلي يريد أن يقول لك أن لا فاعل في هذا العالم العقلي سوى هذا العقل الكلي الذي يحركه ويسيطر عليه الإنسان الكلي الذي يستمد كل ما لديه من علم وقدرة وحياة من "هو" الذي لا يعرف كنهه ومعدنه .. والذي هو مسبب وخالق ومصور كل شيئ في هذا الحاسوب وعقله الكلي وعقولنا الجزئية .. هذا هو التوحيد الأفعالي أو الفاعلي الذي الوصول إليه مشروط بفهم وإدراك حقيقة الإنسان الكل والعقل الكل ..

      الثاني : جميل... ولكنني تصورت أن النتيجة وحدة الوجود!


      الأول:التوحيد الأفعالي يقول لك انه مع المبدء لا يوجد إلا العدم .. ولا يوجد معه من يستحق أن يوصف أنه معه .. المبدء يقول أنا وحدي لا شريك لي .. ووليه يقول عنه: كان ولا مكان وهو الآنَ على ما عليه كان .. التوحيد الفاعلي يريد أن يقول لك أنه لا يوجد إلا المبدء ومشيئته وفعله وهم واحد وهذا ما تشاهده من نفسك بالتأكيد فأنت لا تشك أنك ومشيئتك وفعلك واحد وغير متباين .. فأنت تقول أنا شئت وأنا فعلت ... فمشيئتك لم تنفصل عن ذاتك بل منها صدرت وفعلك لم ينفصل عنهما كذلك .. غير أن فعل المبدء له صفات غير صفات أفعالك .. فتخيل أن هذا الحاسوب ((العقل الكلي)) الذي تتقوم أنت وغيرك من البرامج فيه لو شاء أن يتوقف عن الفعل نهائيا فهل تتخيل أن أي من البرامج الجزئية ((العقول الجزئية)) يستطيع أن يفكر بل هل يستطيع حتى أن يدرك وجوده؟ فتوقف الحاسوب ((الإنسان الكل)) عن الفعل سيعني اختفاء وانعدام كل من يشعر أن له أنـــــا منفصلة عن غيره بل إن السماوات والأرضين ستسيخ بمن فيها وتنعدم .. فشعور جميع البرامج في هذا الحاسوب بوجودها في كل آن مرتبط بدوام واستمرارية فعل هذا الحاسوب و العقل الكلي ... ولذلك ينفي المبدء ويقول لا يوجد ولا وجود لما لا أعلمه لأنه بدون فعلي لا يتحقق الظهور لأي شيئ لأي شيئ وأنا أعلم بفعلي بالتأكيد .. ويقول أنا الظاهر أنا الباطن بمعنى أنا العلة وأنا المعلول ويقول لم ألد ولم أولد بمعنى لم أنفصل عن شيئ ولم ينفصل عني شيئ فكيف لفعلي أن ينفصل عني ويبقى له وجود ويقول أني خالق كل شيئ بمعنى أني فاعل كل شيئ ويقول أني أعلم بما تضمرونه في صدوركم لأني أنا من يخلقه فيه ... فهو يقول ان خطرات الظنون الخفية أنا أفعلها أي أنا أخلقها لكم في صدوركم وعقولكم فكيف لا أعلم بها ويقول أنه خلقكم وما تفعلون بمعنى أنه فعلكم أنتم وهو الفاعل كذلك لما تفعلون ... التوحيد الفاعلي يريد أن يطير بك في سماوات الملكوت وجماله وتشبثك بوحدة الوجود أو وحدة الموجود أو إنكارهما والقول بالإثنينية أو بالكثرات يريد أن يقيدك بالأرض ..

      الثاني : لن أناقشك في ذلك كثيرا لعلي أقتنع فيما بعد حين تتاح لي فرصة للتأمل فيما قلته لي ومقاربته مع ما قرأته وسمعته من غيري ... ولكنني أردت أن أسألك عن فكرة قد أوردتها في طيّات كلامك بشكل سريع ومقتضب لي عليها تساؤل وأود أن تفصـّــل شرحها لي .. وذلك حين قلت لي أنني بعد أن قمت بالإختيار في أول الأمر ستكون مهمة هذا العقل الكلي أن يحول تلك الإختيارات إلى صور أعيشها كعائلتي وجنسي ذكر كان أو أنثى وديني ومذهبي وفكري وأنه سيرسم لي خطة حياتي كلها بجميع ما بها من أفراح وأتراح .. وهذا الكلام استوقفني وقتها بل ما زال يستوقفني منذ أن أدركت وجودي فكنت والكثير ممن أعرفهم نسأل لماذا أصبح الذكور منا ذكور ولماذا الإناث أصبحن إناثا؟ ولماذا خلقت في هذا المكان وفي هذا الوسط وفي هذه العائلة وليس في غيرها؟ ثم بعد ذلك يثاب بعضنا أو يعاقب على أمر كان اكتسابه له تحصيل حاصل بسبب وجوده الجبري في ذلك الوسط؟ أليس في ذلك إجبار؟ أليس في ذلك ظلم؟ إليس في ذلك عشوائية؟

      الأول : أنت تسأل سؤال جميل والإجابة عليه بسيطة وممتنعة في نفس الوقت

      الثاني : وكيف لذلك أن يكون؟ بسيطة وممتنعة في نفس الوقت .. هل لك أن توضح؟

      الأول : بالتأكيد سأفعل ذلك .. لقد كانت الإجابة عن تلك الأسألة صعبة بالنسبة لك ولغيرك كونكم كنتم تبحثون عن الإجابة في غير محلها وفي غير زمانها .. فعندما تقول وتعتقد أن بداية وجودك هي في تلك اللحظة التي خرجت فيها من الرحم فسيكون من الصعب عليك أن تجد جوابا لما تبحث عنه .. ولكن لو طبقت مبدء أن الحاضر نتاج الماضي والمستقبل نتاج الحاضر ستدرك أنك يجب أن تبحث عن السبب في أمور جرت في ما قبل الولادة .. وهذ هو ما ألمحته لك في كلامي في ما سبق وتسأل أنت عنه الآن .. فالحاسوب أخذ على نفسه أنه إذا أوجد تلك البرامج الصغيرة الذاتية الإختيار وعرض عليها ما شاء من المفاهيم واختارت بدورها ما شائت من المفاهيم لنفسها أن يوصل كل برنامج منها لتحقيق تلك المفاهيم كما أرادتها لنفسها وأن يوفر لها كل الأدوات الآزمة لها لتحقيق تلك المفاهيم لذواتها بتعبير آخر أخذ على نفسه أن يوصل كل مريد منها ((البرامج أو النفوس)) لمراده وأن يوفر لكل مريد منها الوسائل والأدوات التي تعينه على ذلك .. والآن دعني أبدء بتوضيح لماذا أخذت بعض البرامج ((النفوس)) صورة الأنثى وبعضها أخذت صورة الذكر رغم أنها في لحظة الإلهام ((وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا () فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا )) كانت جميعها متشابهة غير محددة الجنس .. فتلك البرامج أو النفوس عرضت عليها مفاهيم سمـّــيت في الرواية بأنها جنود عقل وجنود جهل ... سنأخذ واحدة من تلك البرامج ونفترض أنها اختارت لنفسها بعض تلك الجنود على التفصيل التالي .. إختارت لنفسها أن تكون متصفة من تلك الجنود بــــ الرأفة والرحمة والإستسلام والصبر والصفح والتعطف والقنوع والمؤاساة والمودة والطاعة والخضوع والحب والنظافة بنسبة عالية من كل منها بالإضافة إلى باقي الجنود بأي نسبة كانت .. لو أردنا أن نعرف ماذا يجب أن يكون جنس أو لباس تلك النفس التي اختارت تلك الصفات سنجزم أنها يجب أن تتلبس بلباس الأنثى لموافقة تلك الجنود للإناث وسنجد أن الوضائف الملقات على عاتق الإناث ما هي إلا أدوات ووسائل وجودية تكوينية لتحقيق واستخراج تلك الجنود والصفات من حالة الإمكان إلى حالة التحقق بل وسنجد كذلك أن نفس الذكر الذي ستقترن به كزوجة هو كذلك أداة لتحقيق ما آمنت به من جنود الصبر والقنوع والمواساة والطاعة والخضوع والمودة وغيرها من الجنود .. وهي بدورها ستكون من يعين الزوج كذلك على استخراج ما آمن به من الجنود من حالة الإمكان إلى حالة التحقق .. الآن لو كانت تلك النفس آمنت بـــ الشقاوة والخفة والإذاعة والتبرج والنميمة والمماكرة وغيرها مما يشاكلها من الصفات فمن الظلم لها ولوالديها كذلك لو أنزل هذا البرنامج وسط عائلة تبحث عن الستر والدين ومكارم الأخلاق .. فهي تريد الفسوق وهم يريدون الستر .. وعليه فمن العدل لو أنزل هذ البرنامج وسط عائلة تفرح بها وتفرح هي بهم ويعينون بعضهم البعض على ما يريدون .. وقد تنزّل بين العائلة في الإفتراض الأول من باب الإختبار والإبتلاء لهم ولها كذلك .. ولو آمنت غيرها من النفوس بضد تلك الجنود فمن العدل أن تنزّل في وسط يعينها على ما تريد .. نفس المثل ينطبق على من سيتلبّــس من تلك البرامج بلباس الرجال .. فزوجته وجنسيته وأهله وجيرانه وبلده ودينه ومذهبه وأصدقائه كل ذلك مجرد أدوات ووسائل ستعينه على تحقيق ذاته وما أمنت به من الجنود ... الحاسوب مهمته توفير الجو المناسب والأدوات المناسبة وإيجاد كل برنامج منها في الأجواء والزمن المناسب الذي يستطيع به أن يحقق ذاته تمام التحقق وبأكمل صورة لا يشعر معها بانعدام أي اداة تعينه على الوصول لذلك الهدف ((وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)) نفس هذه الإختيارات هي بمثابة سؤال ودعاء تكويني بالحصول على ما يعينهم لتحقيق تلك الإختيارات ... كما أن الحاسوب مهمته كذلك أن يرسم لكل برنامج خطة حياته من بدئها حتى نهايتها في أي زمن ومع من وما هي صور أبتلاآته وأفراحه منفردا كان أو مجتمعا مع غيره ((مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ () لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)) وكل ذلك من أجل أن يستخرج مكنوناته ولكي يحقق لكل برنامج منها ما اختاره بمشيئته من تلك الجنود لنفسه .. ولذلك قد قلت لك أن كل برنامج هو من حدد لنفسه في أي جسد سينزل وفي أي زمن سينزل ووسط أي مجتمع سينزل وأي دين ومذهب سيتبع .. بتعبير آخر أنها ستعيش تجليات اختياراتها ومشيئاتها في النشأة الأولى .. تماما كما أنها ستعيش بعد ذلك تجليات اختياراتها ومشيئاتها في نشأة أخرى لاحقة .. وستجد بقليل من التأمل نفس هذا المعنى كذلك في كلام وليه الأوحد حين قال ((سلوني قبل أن تفقدوني فوالله لا تسألوني عن فئة تضل مائة و تهدي مائة إلا أنبأتكم بناعقها و سائقها )) فكل برنامج معروف ومحدد موقعه وزمانه الذي سينزل به والفتن التي سيبتلى بها تمام المعرفة والتحديد.

      الثاني : لو أردت أن أتقمص شخصيتك وأخطب في البرامج من حولي لخطبت فيهم خطبة تطنجية تحفظ في الطنوج ((الكراريس)) فتتحير فيها عقولهم ويسقط فيها ضعيفهم وقويهم إلا من امتحن قلبه بحبكم ولقلت فيها ما لو سمعوه لقالوا انني كفرت وادعيت ما ليس لي وأسهل ما كنت لأقوله فيها أنا الثمار أنا ألأشجار أنا البحار أنا الجنة أنا النار أنا روحي في الأرواح وجسدي في الأجساد واسمي في الأسماء ونفسي في النفوس أنا مدبر العالم الأول حين لا سماؤكم هذه ولا غبراؤكم ...وأنا أعرف ما كان وما يكون وما كان في الذر الأوّل مع من تقدّم من آدم الأول ولقد كشف لي فعرفت ... وسأخطب وأخطب بهم حتى تسقط أحناكهم من أماكنها وحينها أقول لهم ألا فاشهدوا شهادة سائلكم بها عند الحاجة إليها .. إنّي نور مخلوق وعبد مرزوق .. ومن قال غير هذا فعليه لعنة الله ولعنة اللاعنين ..

      الأول : هل تقول ذلك عن اقتناع؟

      الثاني : أصدقك القول؟ كلا لست مقتنعا بهذا الكلام ولكنه من كلام قرئته فيما سبق فنعتّ صاحبه بما حذر منه ولكنني الآن يجب أن أعيد النظر بكلامه وكذلك بحكمي عليه .. فإذا كنت أقبل عقليا أن يكون هذا الكلام أو هذه الفكرة مقبولة في صندوق صغير هو الحاسوب فكيف لي أن أنكره لما هو أكبر وأعظم منه وبالتأكيد أن ألأمر حينها سيكون أعظم وأدق مما قبله عقلي عن الحاسوب

      الأول : أظنك أدركت أو فهمت الآن لماذا كان نفسه يحذر أصحابه من أن يردوا كلماته أو أن ينكروها .. فعملية الإنكار والرد بالنسبة لعملية التـّــفكـّــر هي كوضع النقطة بعد الكلام .. فبعدها لا كلام .. وبعد الرد والإنكار لا تفكـّـر ولا تدبّـر فيجمد الفكر حينها ويتحجر .. ويتحجر القلب معه

      الثاني : أظنني يجب أن ألغي جميع ما كنت أختزنه من عقائد مادية لكي أكون مستعدا لحلول مفاهيم الوجود العقلي مكانها وبسهولة

      الأول : أن عملية التخلية قبل التحلية في العقائد ضرورية

      الثاني : أعتبرني قد تخليت فعلا من كل عقيدة وأريدك أن تخبرني عن شيئ يخالف كل تصوراتي التي تعرفها مني

      الأول : ما أعرفه أنك متعلق بالمادة حتى أذنيك وكيفما تحدثت وبماذا تحدثت سأخالف تصوراتك على كل حال

      الثاني خجلا : لا أكف عن التذاكي معك فأرجو المعذرة

      الأول : لا بأس .. سأكلمك عن العالم الذي تعيش به والعوالم التي تحيط به

      الثاني : تفضل بكل سرور وكلي آذان صاغية

      لحظات صمت كان عقل الثاني يجول بها من فكرة إلى فكرة ... والأول .... كان يستمع إليه

      الأول قاطعا لأفكار الثاني : ألم أقل لك أنني أستطيع معرفة ما تفكر به وكانني اسمعك تتحدث به؟

      الثاني : أين الفرار منك إذن؟

      الأول : ولماذا تريد الفرار ممن يسمعك حين تنكره وتعصيه وهو نفسه من يسمعك حين تناجيه؟ ولقد قلت لك من البدء أنني هنا لكي أجيبك على ما يطرحه عقلك من أسئلة وليس لأحدثك بما لم تفكر به ولم يخطر لك على بال

      الثاني : لقد سمعت ما ثار في ذهني فماذا تقول فيه؟

      الأول : تريد أن تعرف ما دور الصفر والواحد في الحاسوب .. وماذا يمثلان .. أظنك لاحظت أنني مرة أقول الإنسان الكل ((الحاسوب)) ومرة أقول العقل الكل وحتى الآن أراك مرتبكا في فهمهما .. فمرة تحسب أنهما واحد ومرة يخطر ببالك أنهما اثنان .. أما مرادي فهما اثنان من حيث أنهما واحد .. تماما كحالك .. فأنت إنسان عندك قوى متعددة ولكل قوة منها آلة مثل القوة الباصرة والشامة والحاسة والسامعة والعاقلة .. وآلة القوى العاقلة هي العقل .. العقل لكي يعمل يحتاج إلى مادة أولية بسيطة غاية في البساطة يستطيع أن يشكل منها صور ومفاهيم لا غاية لأمدها ولا نهاية لعددها .. أنت تقول أنها في الحاسوب هي الصفر والواحد .. بدون الصفر والواحد لا يمكن للحاسوب أن يفكر ولا أن يعمل .. والولي الأوحد يقول أنها النقطة التي تحت الباء .. والنقطة كما تعلم هي وجود افتراضي لا يوجد في الخارج لها تعين خارجي تماما كما أن الصفر والواحد وجود افتراضي افترضه المبرمج ولا وجود حقيقي لها في الحاسوب ... هذه النقطة الوهمية يأخذها العقل ويضاعفها فيصنع منها مستقيمات ودوائر وأشكال هندسية ومسطحات بأشكال مختلفة حتى يصور منها عوالم كاملة بكل ما بها من صور مختلفة .. كل هذه الإفتراضات والتضعيفات الــ لا نهائية للنقطة يقوم بها العقل .. ولكنه أي العقل لم يفترض النقطة نفسها .. تماما كما أن الحاسوب لم يوجد أو يفترض الصفر والواحد من عنده لكي يستطيع أن يفكر ويحسب .. هذه النقطة ليست من عالم العقل ولكنها نزّلت في العقل تنزيلا من عالم هو فوق عالم العقل ومسيطر عليه ومحرك له ومصمم له كذلك .. هذه النقطة هي من الإنسان الكل ونزّلت في العقل .. أي أن هذه النقطة هي من عالم القوى نزلت في العقل أي تجلت في العقل ... وفي عالم العقل تستطيع الصور والمفاهيم أن تتحرك به كيفما تشاء ولكن فقط في حدوده ... وتلك المفاهيم والصور العقلية إذا حاولت أن تخرج من حدود العقل أو من العقل نفسه ولو قيد أنملة فإنها ستحترق (( لو تقدمت قيد انملة لاحترقت)) .... ووحدها النقطة ستستطيع أن تخرج من عالم العقل إلى عالم ما وراء العقل لأنها من الأساس قد تنزّلت من هناك ... أفبعد كل هذا ما زلت تبحث عن الحقيقة .. وحده لا شريك له .. هذه هي الحقيقة .. وحده لا شريك له في الفعل .. لا فاعل غيره .. فهو فاعل واحد وأفعاله متعددة .. ورغم أن صور أفعاله متعددة فهو واحد .. وهو وحده لا شريك له في الصفات .. وهو وحده لا شريك له في الوجود .. وهو وحده لا شريك له في الإلوهية .. وهو وحده لا شريك له على الإطلاق ... إذا استطعت أن تثبت له شريك في أي مما ذكرت تكون قد تعديت الحقيقة ... الحقيقة هي أنه وحده لا شريك له .. الحقيقة لا تأتي جاهزة في علب توضع على الرفوف .. طالب الحقيقة يجب أن يخرج من بيته طلبا لها ... ولن يصل لها حتى تموت أناه في طلبها فيرى أنه وحده لا شريك له حتى في أناه .. حتى يكون لسان حاله كلسان حال وليه الأوحد كما ورد في أشعار الملا الرومي في حوار بين مولانا أمير المؤمنين وقاتله اللعين ابن ملجم بعد أن طلب منه قتله حتى لا يبتلي بهذه العاقبة السيئة فرد عليه أمير المؤمنين عليه السلام(( اذهب فقد جف القلم ولا مفر, وقد نكست أعلام بقلم التقدير هذا. وليس في نفسي حقد عليك, لأني لا أعد هذا الفعل فعلك فلست إلا آلة للحق, والفاعل يد الحق, فكيف يمكن الاعتراض على آلة الحق )).

      يتبع إن شاء الله

      تعليق


      • #4

        بسم الله الرحمن الرحيم
        اللهم صل على محمد وآل محمد
        السلام عليكم ورحمة الله وبركاته





        الثاني : بما أنك تسمعني حين أفكر فلن أتركك تبادر بالإجابة قبل أن أسألك

        الأول : لو علمت أنك تريد الإجابة مني بدون أن تسأل لقلت أنك تريد أن تختبرني ولا زلت تشك بأقوالي .. ولكن بما أنك بادرت فتفضل فإنني أحب أن أسمع صوتك يسألني

        الثاني : هل أفهم منك أن الشيطان هو كذلك من فعل الحاسوب وأنه مجرد برنامج يقوم ويقعد بحول وقوة الحاسوب ويضل من يضل ويدخل بسببه من سيدخل الى العذاب؟

        الأول : هو كذلك بالفعل .. بل إن أهمية وجود برنامج الشيطان المضل تعادل أهمية وجود برنامج الخليفة الهادي .. فكما أنه لا بد من أن يتشخص برنامج واحد يتولى مهمة قيادة هداية بقية البرامج لجنود العقل التي اختارتها والإرتقاء بها تخلقا وعملا .. كذلك لا بد أن يتشخص برنامج مضل واحد كذلك يتولى مهمة هداية بقية البرامج لجنود الجهل التي اختارتها لنفسها دونا عن غيرها ولا بد أن يكون البرنامجين متعادلين بالقدرة متضادين بالإتجاه وهذا ما تفهمه من رواية جنود العقل وجنود الجهل .. وأول من سيختار من البرامج التخلق بجميع جنود العقل مأئة بالماْئة وسيرفض جنود الجهل مااْئة بالماْئة سيكون هو الأجدر بتولي مهمة قيادة الهداية والدعوة لجنود العقل ومنه وبالمقابل يتضح أن أول من سيختار من البرامج التخلق بجنود الجهل جميعها وبنسبة ماْئة بالماْئة ويرفض جنود العقل كذلك كلها وبنسبة ماْئة بالماْئة سيكون هو الأجدر بتولي مهمة قيادة الهداية والدعوة لجنود الجهل .. وهذان البرنامجان تشخّـصا مباشرة بعد أن تمت عملية الإلهام وتجندت تلك البرامج بما شائت لنفسها من تلك الجنود

        الثاني : هل تقصد أن الشيطان هو البرنامج الذي اختار التخلق بجنود الجهل جميعها وبنسبة ماْئة بالماْئة ورفض جنود العقل كذلك كلها وبنسبة ماْئة بالماْئة؟!!! ولكن تاريخه لا يشير لذلك .. فأول أمره كانت سيرته تقول أنه أول من آمن واختار التخلق بجنود العقل جميعها وبنسبة ماْئة بالماْئة ورفض جنود الجهل كذلك كلها وبنسبة ماْئة بالماْئة حتى كانت الملائكة تعتقد أنه واحد منها

        الأول : أحد أهم وأقوى جنود الجهل هو النفاق .. وبه استطاع الشيطان أن يكون ظاهره عكس باطنه تمام العكس .. وقد تسأل لماذا نافق وأظهر عكس حقيقته وقمع بذلك جميع جنوده الأخرى .. والجواب أنه كان يطمع لأن يكون هو الخليفة على الأرض فاتخذ من النفاق وسيلة لنيل هذه المرتبة .. حتى تبين له أن أمانيه قد ذهبت أدراج الرياح بالإعلان عن الخليفة فبرز هنا جندي الجهل الحسد في وجوده .. وبدأت جنود الجهل تعتمل في داخله من تلك اللحظة فالحقد والتكبر والتسرع والجرأة والجحود والقنوط والسخط واليأس وباقي جنود الجهل كلها بدأت بالفوران بداخله وبدأت تعلن سخطها على النفاق الذي كان يقمعها طوال تلك الآلاف من السنين بين الجن ومثلها وأكثر بين الملائكة على أمل أن تكون لها السيادة فيما بعد .. حتى جائت لحظة إظهار وكشف ما لم تكن الملائكة تعلمه من حقيقته وجاء الأمر بالسجود للخليفة فبرز جندي الجهل الإستكبار في وجوده ومنعه من السجود .. وحين سأله ربه لماذا لم تسجد له كان بإمكانه لو أنه قد شعر بالندم أن يقول أنك أمرت الملائكة وأنا لست من الملائكة فأنا من الجن وعليه فأمر السجود لا يشملني ولكنه لم يكن يشعر بالندم فساقه جندي الجهل الجرأة على المناقشة والمحاججة .. كل تلك الجنود برزت في وجوده دفعة واحدة بمجرد أن سقط جندي النفاق وفقد قدرته بالسيطرة على باقي الجنود .. فأخذت جنود الجهل بالظهور في كيانه وتظهر في كلماته ومواقفه تباعا وبسرعة فائقة فترك الحياء وتكلم بالقبيح عندما برز جندي الجهل القنوط فيه فقنط من الحصول على رغبته ومناه بأي شكل من الأشكال وبرزت كذلك جنود الجهل الإستهتار والتهتك والإصرار في ذلك الموقف ومهدوا الطريق لزميلهم التطاول فتطاول على سيده بالكلام والوعيد والتهديد وخلفهم جميعا كان جندي الجهل الأكبر الغضب يحرّضهم بقوة على المبارزة والهجوم بلا هوادة تحقيقا لرغبة جندي الجهل الإنتقام ... سيده كان يعلم بتلك النتيجة الكارثية على إبليس الذي يمثل الجهل المطلق نتيجة لأمر السجود الذي أمر به .. ولكنه قد كتب على نفسه أن يوصل كل مريد لمراده وأن يمكن كل مريد من الأدوات التي ستعينه على الوصول لغايته وكماله ... ومراد هذا البرنامج ((إبليس)) هو القيادة وأدواته لتحقيق مراده هي جميع الخلائق التي تجندت بجنود الجهل .. وكان سيده يعلم أن كمال هذا البرنامج هو أن يكون هو من يهدي غيره من البرامج لجنود الجهل وان يكون هو الهادي والقائد والمرشد لها على الإطلاق ولكنه ((سيده)) لم يكن ليظهر بمظهر المنخدع والمستغفل أمام أحد برامجه التي تحتاجه في وجودها .. فأعطاه هذه الفرصة الطويلة ليسأل ولكنه لم يسأل الخلافة واتخذ من الخداع والنفاق طريقا لها ..

        الثاني : مهلا .. مهلا .. كأنني بدأت أسمع إثر كلماتك هذه طبول حرب وقعقعة سيوف وتعالي أنفاس المتحاربين المضطربة .. ألا ترى أنك تبالغ قليلا في وصف ما جرى؟

        الأول : بل أعتقد أنني لم أوف المشهد المخفي عن العيون حقه بهذا الوصف .. فكل برنامج يتعرض لموقف يكون جندي الحسد أول من يتحرك فيه فيثور ويطلب الإنصاف يستلزم مني أن أحرك وأحرض جميع الجنود التي تستطيع أن تعين الجندي الحسد على ما يريد وأحيانا يجب علي أن أحرك وأحرض جميع جنود الجهل من أجل إرضاء الحسد وإطفائه داخل أحد البرامج

        وفي هذا الموقف بين الحاسوب والشيطان كان الحسد هو المحرك الأول ولقد كان برنامج الشيطان يطلب من الحاسوب حينها أن يحرض جميع الجنود بأقصى قوة لها بحيث أنها تدافعت وتزاحمت في الظهور .. فكلها كانت تتسابق في إبراز نفسها في كلماته وتصرفاته ولو أحببت لبينت لك كيف جرى ذلك ولكن المقال سيطول

        فحينها الحاسوب كان يشعر بالثورة داخله وبحرب حقيقية لجنود الجهل تثيرها في جنباته ولكن برنامج الشيطان كان هو من يطلبها والحاسوب يعمل للبرامج تماما كما تريد فهو لا يتدخل بإرادتها بل يمد كل برنامج من عطائه بحسب ما يريد نفس البرنامج ولقد كتب على نفسه أن لا يكون عطائه لأي من البرامج في أي اتجاه شائت أن لا يكون عطائه محظورا

        الحاسوب كان يشعر بالثورة التي كانت تعتمل في برنامج الشيطان فهو من يثيرها فيه أصلا كما بينت لك وفي نفس الوقت كان يريد أن يمكنه بأي طريقة من الأدوات التي تلزمه لتحقيق كماله فصبر عليه وعلى جهله حتى طلب الشيطان متحديا من الحاسوب أن يمكنه من تلك الأدوات وهي كل البرامج الأخرى الموجودة معه فأجابه فورا لطلبه ولكن ليس على جميع البرامج بل فقط على من تجند منها حتى ولو بالقليل القليل من جنود الجهل .. وأما تلك التي لم تتجند بأي من جنود الجهل وكفرت بها جميعها فقال له أنّي لن أجعل سلطان لك عليها .. بمعنى أنني لن أنقل وسوساتك إليها فكما أنني أوجبت على نفسي أن أعينك على بلوغ كمالك فإنني أوجبت على نفسي كذلك أن أعينها على بلوغ كمالها .. وهي قد كفرت بجميع جنود الجهل فمن الظلم إذن أن أبتليها بما لم أبتليك أنت به

        الثاني: أراك تستخدم هذه الجنود الواردة في رواية جنود العقل والجهل كثيرا في شرحك لما أسأل عنه وترجع الكثير من النتائج أو الأجوبة إلى هذه الرواية فما سبب ذلك؟

        الأول : من الطبيعي أن أرجع إليها فلو تدبرت ستجد أنها تصف أحداث حدثت في بداية التكوين والتصوير والخلق وستجد أن جميع البرامج التي لها عقول تأثرت بل يجب أن تتأثر بما جرى في ذلك الموقف ويجب أن يترك ذلك الموقف وتلك الأحداث بصماته على جميع ما سيليه من مواقف وأحداث ونتائج .. ومن الطبيعي عندما يكون الحديث عن البرامج أن تكون لبداياتها علاقة بنهاياتها او بأوضاعها الحالية .. فالأحداث كما ترى مترابط أولها بوسطها بآخرها

        فالحاضر نتاج الماضي والمستقبل نتاج الحاضر


        التعديل الأخير تم بواسطة طالب التوحيد; الساعة 10-12-2011, 07:35 AM.

        تعليق


        • #5
          الثاني : لقد قلت قبل قليل ان أهمية وجود برنامج الشيطان المضل تعادل أهمية وجود برنامج الخليفة الهادي فما هو وجه هذه الأهمية؟

          الأول : لكي تسير الأمور على وتيرة متصاعدة يجب أن تكون هناك حالة صراع بين البرامج .. وأقصد بين جميع البرامج على الإطلاق .. وهذه الوتيرة المتصاعدة هي الكفيلة بإخراج مكنونات البرامج وما هي قادرة عليه من حالة الإمكان إلى حالة التحقق الخارجي بالفعل .. حالة الصراع هذه أو كما تطلقون عليها حالة الدراما هذه هي التي تكسب البرامج الرغبة بالإستمرارية في الإختيار وبدون توقف .. فحالة الصراع هذه تولد فيهم الدافع الداخلي للحركة والفعل وبدونه سيخمل كل شيئ .. وأنتم تعتقدون بذلك بدون شعور .. إنظر إلى أفلامكم والمؤلفات القصصية المكتوبة والمصورة ستجد أنها جميعها تعيش حالة الصراع .. فحتى لو أن خيال المؤلف قد خلق بطلا خيّرا لا يستطيع الجنس البشري متحدا بأجمعه أن يهزمه ستجد أن ذلك الخيال نفسه سيوجد حتما شخصية أخرى وشريرة بالضرورة وتكون قادرة على إلحاق الهزيمة بالبطل الخيـّـر بل ويهزمه فعلا مرات عديدة حتى ينتصر الخير أخير بموقعة واحدة وبضربة قاضية ينتهي معها الجزء الأول منها أو تنتهي بتلك الضربة الرواية بأكملها .. وبوجود الصراع في الرواية ستجد أن جميع أشخاص الرواية لهم دور فعـّـال بها وبدون استثناء .. الكل يعمل والكل يتحرك بها تحقيقا لطموح أحد طرفي الرواية وبدون أن يشعروا أنهم إنما يحققون طموح أبطال الرواية الحقيقيين من حيث أنهم يحققون طموحهم الشخصي في نفس الوقت

          الثاني : طيب ومن هم أبطال ما يجري من أحداث في هذا الحاسوب؟ أقصد من هم الذين يتحرك كل شيئ من أجل تحقيق طموحهم؟ أصبح لي أحد الطرفين واضح وهو برنامج إبليس أو برنامج الشيطان فمن هو الطرف الثاني؟

          الأول : الطرف الثاني هو أنا .. ولا أقصد بأنا هنا الحاسوب بل أقصد به تلك الصورة المخلوقة التي أوجدها نفس الحاسوب لنفسه لكي يتكلم عبرها مع باقي البرامج .. هذه الصورة المخلوقة هي برنامج كبقية البرامج ولها إرادة ذاتية ولها مشيئة حرة كبقية البرامج الأخرى كذلك ولكنه اختارها لنفسه من بين تلك البرامج التي كفرت بجميع جنود الجهل وأمنت بجميع جنود العقل .. فاختارها لكي تكون صورته ويده ولسانه وتبيانا لجميع صفاته الجميلة بين البرامج فأكملها من عنده بما شاء من العلم والقدرة ومكنها من جميع الأسباب .. ولكنها أو لأكون أكثر تحديدا من حيث أنني هو من اختاره لهذه المهمة أقول لكنني أشعر ومتأكد تمام التأكد أنني لا زلت قادر على أن أفعل ما يخالف صفاته الجميلة فأرتكب بإرادتي القبيح منها ولكنني لا أفعل ذلك بملئ إرادتي ورغبتي لانعدام الدافع الداخلي لطلب القبيح لأنني لم أؤمن منذ البداية بأي من جنود الجهل فبرنامجي برنامج صافي نقي من بدئه وزاده الحاسوب حين اختارنا نقاء وصفاء فوق نقائي وصفائي



          الثاني مقاطعا : أرجو المعذرة على المقاطعة ولكنني أجد نفسي منجذبا لروايتك عن برنامج إبليس أو برنامج الشيطان وأريد أن أعرف المزيد منها

          الأول : كما تريد .. لقد قلت لك أن جندي الجهل النفاق كان يسيطر على جميع الجنود ويفرض عليهم جميعهم الخنوع والخضوع لأوامره والصمت المطلق في حكومته فهو كان عليهم بمنزلة رئيس الوزراء الذي يفرض على وزرائه تطبيق مشروعه السياسي في جميع أنحاء الدولة والذي اتفق مع رئيس الدولة مسبقا على صورته وأهدافه النهائية

          الثاني : رئيس الدولة؟ ماذا تقصد بذلك؟
          الأول : جندي الجهل النفاق يعمل لهدف ولغاية معينة .. فهو ينافق ليس من أجل النفاق بل ينافق من أجل من يحتاجه من جنود الجهل في الحالات التي نعرفها اليوم .. فهو ينافق من أجل بروز وفوز غيره من الجنود بما تريد ولك أن تتصور الكثير من أسباب نفاق المنافقين من حولك فهذا تستطيع أن تتصوره بنفسك

          أما البرنامج إبليس فكان كل شيئ تحت تصرفه فتركه وزهد به ... وكانت كذلك أعظم البرامج من حوله فزهد أيضا مجالستها وحديثها .. وبدل ذلك راح يتزلف وينافق طلبا للصعود لموضع آخر رغم أنه كان بموضع لا يمكن لأي برنامج مثله أن يحلم بالوجود فيه أو الوصول إليه

          وقد قلنا أنه حسد البرنامج الذي جعله الحاسوب خليفة له على جميع البرامج الأخرى حين علـّــمه كل ما يخص تلك البرامج ومنها السيطرة والهيمنة عليها وإدارتها .. وحين جاء الإعلان أخيرا بتتويج برنامج آخر للخلافة بطلب الخضوع والسجود لهذا البرنامج الخليفة ليعلن حينها لكل البرامج الأخرى ومنها برنامج إبليس نفسه أنه منذ هذه اللحظة أصبحتم جميعكم وأصبح إبليس نفسه تابع وخاضع لذلك الخليفة في وجوده واستمرارية وجوده وفعله حاله بذلك حال بقية البرامج الأخرى من حوله

          برنامج إبليس كان يطمع هو بتلك النوعية من الخلافة والتي هي الرياسة والسيطرة الشاملة على كل ما تحته من البرامج .... وحينها ثار ورفض السجود .. هو كان يعرف بقدرة الحاسوب على نفيه وإعدامه من الوجود وهذا كان مراده من تلك الثورة القبيحة في وجه الحاسوب .. كان يشعر في قرارة نفسه أن الموت والفناء أفضل له من أن يكون تابع وخاضع لمن كان يريد أن يكون هو مكانه

          فتمادى بالتكبر والتجبر فتحدي الحاسوب أنه لو أعطيتني الفرصة لجعلت البرنامج الذي اخترته للخلافة يفشل في مهمته فشلا ذريعا .. وزاد في وقاحته لعل الحاسوب يفنيه ويعدمه فلا أذن تسمع ولا عين حينها تدمع

          ولكن الحاسوب كتب على نفسه أن يوصل كل برنامج لغايته التي طلبها لنفسه فقال له تريد أن تكون ندا لخليفتي الذي اخترته من بين جميع برامجي؟ حسنا سأعطيك الفرصة لذلك ((طبعا الحاسوب كان يريد منذ البداية لحالة الصراع هذه أن تكون هي الحاكمة على الأجواء فبها سيخرج أجمل وأقبح ما اختارته البرامج لنفسها من الجنود أو الصفات)) ولكن سأعطيك فقط ما يعينك لذلك وليس كل ما تطلبه

          ولأنه ((برنامج الخليفة)) أقوى منك لأنه خليفتي ويمثلني أنا بكل ما تعني الكلمة أنا من معنى سأفرض حالة التوازن بينكما فسأعطيك بعض قدرتي وأفرض عليه أن لا يستعمل ضدك كل ما أعطيته من قدرتي بما يحفظ حالة التوازن بينكما ... فلا تطغى عليه ولا يظهر عليك إلى وقت معلوم .. وهو حيث ينتهي به اختبار جميع البرامج التي برمجتها لهذه المرحلة ... وحينها سأمنع عنك قدرتي وقوتي التي ستستطيع أن تقف بها ضده لتخرج حينها من المعادلة لتنال جزائك وما كنت تتمناه قبل لحظات لنفسك .. بينما يستمر هو بقيادة البرامج لغاياتها العظمى التي اختارتها لنفسها

          الثاني : يبدو أن المسألة في غاية التعقيد
          الأول : أفصح عما يجول في صدرك ، فأنا أسمعك كما تعرف
          الثاني : أقصد أنك برمجتنا وأعطيتنا من مشيئتك بعضها فصرنا بمشيئتك مشيئين وجعلت لمشيآتنا أنفس ثم جعلت للأنفس أحاسيس ، ثم أبدان تحس بها، فتولد وتكبر وتموت معها معتقدة أنها هي من تحركها وتغذيها وترعاها

          ثم حين تموت تجد أنها لم تكن يوما تربي تلك الأبدان التي ستصبح ترابا، بل انها بمشيئتها وفعلها كانت تربي صور أبدان لتنزل بها حين الموت فتصبح هي جنتها أو هي نارها، وستعرف أنها اختارت منذ أزلها سعادتها أو شقاوتها ، فالسعيد منهم من سعد في بطن أمه والشقي منهم من شقي في بطن أمه

          فلماذا كل هذا التعقيد ولماذا تعذبنا وتشقينا كل هذا التعذيب، من أجل شيئ كنت تعرفه من قبل حتى أن تبرمجنا، بل وحين برمجتنا كنت تعرف كذلك من منا هو الشقي ومن منا السعيد، بل وحين وهبتنا الحياة كنت أيضا تعرف الشقي منا والسعيد،

          وقبل وبعد ما اخترنا كمالنا كذلك كنت تعرف أيضا الشقي منا والسعيد، وحين أنزلتنا بهذه الأبدان وفي هذه الأوساط أو كما تدعوها بين هذه الوسائل والأدوات، كنت تعرف أيضا من سيشقى منا ومن السعيد

          فلماذا كل هذا التطويل والتعقيد في فعل شيئ كنت لنتائجه مسبقا عارف؟ بل لماذا لم تجعلنا كلنا سعداء ، فما أوجدت شيئ إسمه جهل أو شر، وأوجدت الخير والعقل فقط ، وحينها لكنت بذلك أليق ولمحبتنا أقرب ولشكرنا أوجب وعبادتنا لك علينا أسهل، فنتنعم حينها بكرمك بغير شقاء ونعبدك مع الشهيق والزفير بلا انقطاع

          ألا ترى في كل ذلك تعقيد، ولمرادك من برمجتنا سلكت الطريق الطويل، فأوجبت بذلك علينا وعليك المشقة بدار شقاوة لا فائدة لك من دخولنا بها ترجى، فبرمجت ملائكة للتسجيل وأخرى للتعذيب وغيرها للتسعير وغيرها تذهب بنا بين أطباقها وتجيئ

          وكل ذلك لأمر أنت منه على يقين، فالشقي منا منذ أن برمجته شقي والسعيد منا منذ أن برمجته كذلك سعيد، كتاب علينا مكتوب، ومصير كل منا لك غير مجهول ... فما الحكمة أن تكتب علينا كل ذلك ثم تأخذ على نفسك أن توصل كل مريد منا لمراده فتمكـّــن كل من يريد العذاب منا من الأدوات المناسبة فيتعذب بها وتمكن كل من يريد النعيم منا كذلك من الأدوات المناسبة لنعيمه.

          فأين الحكمة في كل ذلك وأين العدل من هذا

          تعليق


          • #6
            اقتباس:
            المشاركة الأصلية كتبت بواسطة يا علي
            جميل...جميل جداً يا طالب التوحيد
            زادكم الله من نعيمه
            الثاني : ممنون لك أخي الكريم "ياعلي" ولكل من قرء الحوار ثم عاد له مرة أخرى

            الأول : كعادتك تريد أن تأخذ الفضل لنفسك وتحب أن تُحمد على ما لم تفعله، كان يجب أن تقدمني لأشكر الإخوة ثم تقدم نفسك

            الثاني : ولكننا مشتركان في الأمر، أليس كذلك؟
            الأول : من أي جهة شاركتني في هذا الأمر؟

            الثاني : ألا ترى أنني أطرح عليك الأسألة الكثيرة وأشكل عليك بإشكالات صعبة فأوجه الحوار بهما مرة ذات اليمين وآخرى ذات الشمال وبدون هذه الأسألة ستعجز أنت عن الشرح والإيضاح ، أفلا أستحق على قيامي بهذا الدور المهم أن ينسب لي بعض الفضل؟

            الأول : لا بأس بذلك ولكنني أعترض على تقديمك لنفسك علي وأنت تعلم من أنا

            الثاني : أعتقد أن حبي لأناي هو من دفعني لذلك وحبي لأناي كما تعرف لا يفرق بينك وبين موجدك، فواقع الحال هو أنني أحب نفسي أكثر من حبي لك ولموجدك أيضا، وهذا الحب يدفعني لحب الظهور ولتفضيل نفسي على غيري في كل المواقف، وأعتقد أنك من برمجتني على هذه الهيئة فلا يجب أن تتعجب من فعلي هذا

            الأول : ولكنني لم أبرمجك على هذا، ولم أبرمجك على حب أي شيئ على الإطلاق، ولو فعلت هذا فهذا هو الجبر الذي لا أرضاه لنفسي
            الثاني : نعم لا ترضاه لنفسك ولكن ترضاه لي، وإلا قل لي لماذا أجد أنني أحب نفسي منذ أن وعيت عليها؟

            الأول : ولكنني لا أراك غير نفسي حتى أرضى لك غير ما أرضاه لنفسي، وحينها إن أجبرتك على شيئ فكأنني أجبرت نفسي عليه وهذا مخالف للحكمة
            الثاني : وكيف ذلك وأنا أرى من نفسي أنني غيرك؟

            الأول : أنت تقول مرة أنا ومرة أخرى تقول نفسي وتعتقد أنهما واحد بينما هما ليس كذلك وهذا هو منشئا خلطك بينهما
            الثاني : وكيف يكون ذلك؟ بل هما واحد بالتأكيد

            الأول : لقد قلنا في بداية حوارنا أنك مجرد برنامج له أن يريد ويختار فقط، يختار ويريد من بين ما يعرض عليه، فإذا عرض عليك الأسود والأبيض فقط لن يمكنك أن تختار غيرهما حتى يعرض عليك ذلك الغير، إذن أنت فقط الإرادة الحرة، أما ذلك الغير فلست أنت

            ولست أنت من يقوم بإيجاد تلك الصور والمعاني والمفاهيم، ولست انت من يقوم بعرضها، هذا البرنامج هو ما تسميه بالنفس وهذه النفس هي بمثابة البدن للمشيئة والتي هي بضعة الأنا الحقيقية، فعندما تقول نفسك أنا فهي ناظرة لحقيقتها وعندما تقول المشيئة أنا فإنها ناظرة لبدنها

            فالمشيئة أرادت أن تهرب من الشعور بالوحدانية، فبدأت تتشطر وتتشطر وتتشطر، وكل شطر منها أنزلته في بدن جدرانه هي قدرة المشيئة وعلم المشيئة وحياة المشيئة، ليصبح كل بدن منها بدن لشطر من أشطار المشيئة، هذا البدن هو النفس، وشطر المشيئة النازل فيها هو أناها، ((إنا أنزلناه فيها))

            وكما ترى فأنت وأنا واحد ومن نفس اللون، وإن غيرت لونك سأغير لوني حينها، وإن أجبرتك سأكون بدوري مجبر، وهذا ما لا أرضاه لنفسي، وأنت بضعة مني فلن أرضاه لك أيضا

            الثاني : العملية تزداد تعقيدا كلما أوغلنا بهذا الحديث

            الأول : لنجعلها بسيطة إذن : فالمشيئة برنامج قابل للإنشطار والتكاثر، شاء لحكمة أن ينشطر ففعل، وأجزائه من البرامج شائت لحكمة من المشيئة الأولى أن تنشطر ففعلت حتى ظهرت الكثرات

            الثاني : كأنك تريد أن تقول أن العالم الحقيقي هو من يقول أن العلم نقطة واحدة وهي المشيئة
            الأول : أترك لك أن تقول ما تريد

            الثاني : مَثــلُ برنامج المشيئة إذن هو كمثل الفايروس في الحاسوب، ينقسم وينقسم ويتشطّر ويتشطّر حتى يعطل الحاسوب




            الأول : المثل يشبهه ولكن لا ينطبق .. يشبهه من حيث أن له القدرة على التشطّر والإنقسام ولا ينطبق عليه كون أن الفايروس يريد أن يهدم لا أن يبني، ومثلك ينطبق تماماعلى برنامج إبليس (الشيطان) فكما قلنا أن برنامج إبليس تحدى الحاسوب في أنه سيُــفشل مهمة الخليفة الذي عينه الحاسوب ، فبرنامج إبليس يريد هدم ما يريد برنامج الخليفة بنائه وهذا هو جوهر حالة الصراع بينهما منذ أن بدء الصراع بينهما

            تعليق


            • #7
              بسم الله الرحمن الرحيم
              اللهم صل على محمد وآل محمد
              السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


              اقتباس:
              اللهم صلِ على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
              وعجل فرجهم ياكريم
              اغرس الله في قلبك اشجار محبته
              واتم اليك انوار معرفته و رزقك حلاوة عفوه
              ولذة مغفرته واقر عيونك يوم لقائه برويته
              وجزاك الله خير الجزاء على الطرح المبارك


              صوت دعاء جميل يشق الظلام ينبئ بقدوم محاور جديد

              الثاني : تفضلي أختنا الكريمة ففي المكان متسع لك
              الأخت الكريمة : أفضل أن أبقى خلفكما فأسمعكما وأراكما وتسمعاني ولا ترياني
              الأول : كما تشائين أختنا الكريمة، لقد كنت أشعر بوجودك منذ مدة ليست بالقليلة وأعرف أنك قد استمعت لجزء كبير من الحوار بيننا فهل تريدين أن تسألي أو تضيفي شيئا لهذا الحوار

              الأخت الكريمة : نعم لقد استمعت من الحوار ما يجعلني أعرف أنك تعرف ما يدور في صدري في هذه اللحظة من أسئلة وإشكالات ولكنك تحب أن تسمعني أسئلك وأشكل عليك
              الأول : تفضلي إذن

              الأخت الكريمة : لقد زدت في كلماتك الأخيرة صعوبة تفاصيل الإشكال الذي طرحه الثاني وختمه بقوله : فأين الحكمة في كل ذلك وأين العدل من هذا
              ليصبح الإشكال على هذه الصيغة : حيث أنك ترى نفسك في الجميع وترى الجميع من نفسك فأين الحكمة في أن تعذب نفسك ((على اعتبار أن من سيذهب للنار هو بضعة منك)) وفي نفس الوقت تمتع نفسك ((على نفس ذلك الإعتبار السابق))؟ بتعبير آخر أين الحكمة في أن تجعل نصفك نارا والنصف الآخر بردا وسلاما؟

              الثاني معترضا: لقد كنت أريد أنااااااا أن أقولي لتوي هذه الكلمات ولكنك سبقتيننيييي أختنا الكريمة!!!!!

              الأول : تذكر عزيزي أنني أنا من يثير فيك في هذه اللحظات جنود الجهل الرياء والمماكرة وإن لم تنتبه وتتوقف عن مخادعة نفسك فستطلب مني بعد قليل أن أثير فيك جنود الغضب والكذب والباطل والعداوة والإنكار .. وكل ذلك لأنها تقدمت عليك بسؤال بسيط فشعرت على إثره بالخطر من بروز أناً أخرى في هذا المجلس غير أناك

              الثاني : إنه لمن الصعب الجلوس بين يديك

              الأخت الكريمة : أنت ترى أنه من الصعب الجلوس بين يدي من هذه صفاته وغيرك يقضي العمر بحثا عن استاذ يملك بعض هذه القدرات ليتتلمذ على يديه فيساعده على أن يربي نفسه ويسيطر على غرائزه وجنود الجهل والعقل في كيانه

              نعم أن تكون كالكتاب المفتوح بين يدي استاذك هي عملية صعبة جدا فهو يقول لك أنني أرى جنود جهلك وجنود عقلك أمامي وكأنني أنظر إلى رسم بياني حي، فما أن يثور أحدها في نفسك حتى أرى عموده في الرسم يصعد أمامي ويتحرك

              استاذك يقول لك أنني سآمرك بفعل فعل ما وأريد لهذا الرسم البياني أن يبقى مستقرا لا يتحرك، فيأمرك مثلا أن تنفق كل ما بحوزتك من مال بمجرد أن تخرج من عنده في سبيل الله، تخرج بدورك من عنده ورسمك البياني لا يفارقه فيرى فيه كم هاج عندك البخل وكم ثار عندك الشك والهوى، فيستطيع أن يرسم لك على إثر ما يراه من ملكات نفسك وجنودها برنامج سلوكي وعبادي يكون هو العلاج الأنجع والأسرع في جعل رسمك البياني في جميع الأوقات هادئ مستقر

              فإذا بلغ بك بعد حين لتلك المرحلة فلا فرق حينها عندك إن ألقيت بالمنجنيق إلى النار أو إنك مُــلّــلكت ملك سليمان، فنفسك حينها دائما مستقرة ومطمئنة، تعمل بأمر مبرمجها ومتوكلة عليه حقّ التوكل في أنه هو من يرعاها ويسلك بها إلى غاياتها أقصر الطرق فلا تبالي حينها إن وقعت على الموت أو وقع الموت عليك فنفسك حينها مطمئنة بقدرها وراضية بقضاء مبرمجها ومولعة بذكره ودعائه

              الأول : هل تعرفين أحدهم؟
              الأخت الكريمة : بكل تأكيد أنت أدرى مني بذلك

              الثاني متضايقا: لماذا لا أفقه مما تقولون شيئا؟
              الأخت الكريمة : يبدو أنني قد أثرت فيك أخي الكريم دوافع الغيرة مما سيؤثر سلبا على الحوار بينكما فلو سمحت لي أن أبقى خلفكما أسمع وأرى وأراقب وأشكل على ما لا يعجبني من القول، فسأكون لك حينها من الشاكرين

              الثاني : على العكس أختنا الكريمة يبدو أنك قد فهمتيني خطأ
              الأخت الكريمة : لا بأس ولكنني كنت أود أن أرى عجيبة من عجائب الأول كتلك التي أراك اياها حين أعاد الشمس
              الأول : على شرط أن لا تنكريها بعد ذلك أو تتهميني من غير علم
              الأخت الكريمة : لك ذلك

              حسنا أديرا بوجهيكما عني للجهة الأخرى، وما أن فعلا ذلك حتى سمعاه يتمتم بكلمات ودعوات وحين أتمها قال : حوّلوا وجوهكم ، فحوّلوا فإذا هم بجنّات وأنهار ، وقصور من جانب ، وسعير تتلظّى من جانب ، حتى أنّهم ما شكّوا أنّهما الجنة والنار ، فقال الثاني

              الثاني : يا له من سحر عظيم

              الأخت الكريمة : أما أنا فسأقول آمنت به كل من عند مبرمجنا وأبقى خلفكما أسمع وأرى

              الأول : ألا تبقين معنا حتى تسمعين منى جواب إشكالكما علي؟

              الأخت الكريمة : بل سأبقى كما كنت في السابق، وإن لزم سأشكل عليك بدون تردد

              الأول : بكل سرور

              الأول : أعرف أنك لم تقصد ما قلت
              الثاني: بالفعل فلقد تذكرت قصة قرأتها دارت أحداثها مع أحد الأولياء تشبه أحداثها ما جرى منك ومنا قبل قليل وتذكرت موقف أحد الحاضرين فأحببت أن أكمل أحداث ذلك المشهد
              الأول : نعود إذن لما أنكرته وأشكلت علي به، وهو لما أفعل وأنا أعلم بنتيجة فعلي ولما أثيب وأعاقب من كنت قد برمجتهم من قبل في حين انني كنت أعرف مسبقا من منهم سأثيبه ومن منهم سأعاقبه، والإشكال الأخير الذي أضافته الأخت الكريمة، هو لماذا أثيب بعضي وأعاقب بعضي الآخر من حيث أنني أرى أنني أنا من برمج جميع البرامج وانها جزء مني

              وأن ما سأنقله من مشاعر العذاب والألم للبرامج سأشعر أنا بها تماما كما سيشعرون هم بها، بل ان البرامج ستشعر بالعذاب فرادى بينما أنا سأشعر بما ستشعر بها جميعها وبنفس الوقت، فما الحكمة في كل ذلك وأين العدل في كل ذلك؟ فهل تريد أن تضيف شيئا آخر لهذا الإشكال؟

              الثاني : أعتقد أن هذا يكفي للآن، ولو أقنعتني بجوابك سأكون ممتنا لك، ولكن لا أظنك ستقنعني!!
              الأول : كما قلت لك من قبل، أنا هنا ليس لأقنعك بل لأجيبك عن أسألة تدور في عقلك، وبعد ذلك لك مطلق الحرية في أن تصدق أو لا تصدق، والأمر متروك لك

              أريد منك قبل أن أبدأ أن تحدد لي أين المشكلة تحديدا، هل هي في من سيتعذب أم فيّ أنا؟
              الثاني : لم أفهم السؤال؟

              الأول : أقصد هل ترى أن من سيذهب للعذاب سيذهب بسبب علمي أم بسبب عمله؟
              الثاني : ولكنني أقول أن علمك هو سبب عمله

              الأول : تقصد أن علمي بما سيفعله أجبره على الفعل بما يوافق علمي، فهو إذن مجبر
              الثاني : نعم هو كذلك

              الأول : فهل ترى أنك أنت شخصيا كنت فيما مضى والآن مجبر على ما فعلته وتفعله
              الثاني : في الحقيقة لم أرى ذلك إلا حين قالوا لي أن علمك لا يتغير ولا يتبدل وأن حالك لا يتغير ولا يتبدل بتبدل حال ما تبرمجه من البرامج

              الأول : من هنا تحديدا نشأ أصل الإشكال وسوء الفهم
              الثاني : وكيف ذلك؟

              الأول : من لا يتبدل ولا يتغير حاله بتغير المخلوقات ولا يزيد ولا ينقص علمه بتغير حال المخلوقات هو ليس آنا، بل هو موجدي الذي لا أعرف عنه شيئا
              الثاني : وما الفرق؟ ألا تقول أنك هو وهو أنت؟

              الأول : بل أقول ذلك، ولكنني أزيد أنني من صنعه، وهو يعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسه، وهو يطعمني ويسقيني من شجرته بما يحفظ لي وجودي وقدرتي
              الثاني : شجرته؟ وأي شجرة هي تلك؟ وما هو ثمرها؟

              الأول : إنها زيتونة لا شرقية ولا غربية وثمرها هو غذائي ووقود وجودي وشعلة حياتي، ولو انقطع عني طرفة عين لفنيت وكنت أثرا منسيا
              الثاني : إذا أنت حالك يتبدل وعلمك يزيد وحاجتك أعظم من حاجة كل برامجك مجتمعة

              الأول : يبدو أنك تسير معي فعلا نحو الفهم
              الثاني : كيف لم أنتبه لذلك منذ أن بدئت الحديث معك؟

              الأول : وما هو؟
              الثاني : هو أنك كنت تقول أنني مثلك مخلوق، وأنك تحتاج إلى موجدك تماما كما أنني أحتاج إليك، وأنه يعطيك ما تحتاجه تماما كما أنك تعطيني ما أحتاجه، وأنه عالم باحوالك وأفعالك تماما كما أنك عالم بأفعالنا وأحولنا،

              كيف لم أنتبه أنك كنت تريد أن تقول لي ان كل ما كنت أعتقده من أمر خالقي يجب أن ألغيه من عقلي تماما لأفهم ما أريد، كنت دائما تريد أن تفهمني أن علاقتي هي معك أنت وبالأصالة هي معه هو، وأنني كنت أنزل صفات هو الذاتية عليك أنت، وهذا أصل الإشكال ومنبع سؤ الفهم، لقد كنت تقول لي منذ البداية أنك نور مخلوق وعبد مرزوق، ولكنني لم أفهم كيف لذلك أن يكون وأنت على ما أنت عليه من العظمة والقوة والقدرة،

              الأول : حسنا لقد وضعت قدمك على أول الطريق، ولكن ما بقي منه أعظم وأكبر، وهو وعر وممتلئ بالأشواك والوحوش ممن يسيطر الجهل والتعصب عليهم، وسيقطعون عليك الدرب عند أول كلمة تقولها فيستحلون دمك بسببها ويقتلوك
              الثاني : وكيف أفعل إذن؟

              الأول : يجب أن تترنم دائما وأبدا قولا وفعلا بقولي الذي تعرفه جيدا : يا رب جوهر علم لو أبوح به لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا ولاستحل رجال مسلمون دمى يرون أقبح ما يأتونه حسنا
              الثاني : سأفعل ذلك بمعونتك

              الأول : بل بمعونة وتوفيق موجدنا سوية

              الثاني : طيب نحن وصلنا لنتيجة معينة وهي أنك مثلي تزداد علما في كل يوم وإنك مثلي محتاج لما يبقيك حي وموجود، غير أنك برنامج أقوى مني وجوديا، بحيث أنني كبرنامج صغير قائم بك ومحتاج إليك، ولكن هل تحل هذه النتيجة الإشكال المطروح، وهو أين الحكمة وأين العدل في برمجة برامج كنت تعلم مسبقا أنك ستدخلها فيما بعد بنصب وعذاب؟

              الأول : سأحاول أن أضرب لك مثل تكون أنت طرف فيه، وأريد منك أن تتفاعل معي بالإجابة والحوار
              الثاني : تفضل وسأفعل ما تريد

              الأول : اعتبر أنك طفل، ومنذ نعومة أضفارك ألبسك والدك البياض ((الكبرياء)) وأشربك كذلك البياض ((من زيتونة لا شرقية ولا غربية)) وآزرك بالبياض ((العظمة)) حتى صرت أنت مثالا أعظما للبياض، وحين اشتد عودك قال لك، أنا البياض وأنت اسمي الأعظم فلا يعرفني حق معرفتي إلا أنت،،،،،،، أنا البياض المطلق أنا كنت كنزا مخفيا لا يعرفني أحد حتى أكملتك يا إسمي الأعظم، فجعلتك بقدرتي اسمي الأعظم، وبهذا اللون الأبيض أريدك أن تظهر كنوزي التي عرّفتك ايّـاها ((مكارم الأخلاق))

              فماذا ستفعل حينها؟

              الثاني : سأظهر هذا البياض بكل تأكيد
              الأول : كيف؟

              الثاني : سأرسم به كل جميل
              الأول : أين؟

              الثاني : من حولي سأرسم بالبياض كل جميل
              الأول : ولكن كل ما حولك أبيض، فكيف ستظهر الأبيض فوق الأبيض؟

              الثاني : كل ما أردت أن أظهر البياض سأوجد مساحة سوداء لأظهر البياض فوقها
              الأول : ولكنك حينها ستوجد من السواد أكثر من البياض بأضعاف مضاعفة، وحينها ستكون بذلك قد أظهرت السواد على البياض، فماذا ستقول له لو قال لك لماذا أظهرت السواد وأنا كنت أريد للبياض فقط أن يظهر؟

              الثاني : سأقول أنه لا توجد طريقة أخرى لظهور البياض إلا بظهور السواد معه
              الأول : وإن لم يقبل منك هذا العذر؟

              الثاني : سأعتذر منه أشد اعتذار
              الأول : وما ذنب من اصطبغ بالأسود من الموجودات لتعذبه بعد حين؟

              الثاني : سأوجد نظاما تكون الموجودات فيه حرة باختيار ما يناسبها من الألوان، الأسود كان أو الأبيض وسأنصحهم باختيار البياض ((عالم الذر))
              الأول : وإن تمسّك بعضهم بالسواد ورفض البياض؟

              الثاني : سأدخلهم في مرحلة وجودية أخرى أبين لهم بها سوء السواد وحسن البياض وسأرسل لهم من البرامج من يبين لهم ذلك أحسن تبيين ((الدنيا))
              الأول : وإن أصر بعضهم رغم ذلك على حبه للسواد واستكبر؟

              تعليق


              • #8
                بسم الله الرحمن الرحيم


                اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن اعدائهم
                والحمد لله الذي دل دل على ذاته بذاته وتنزه عن مجانسة مخلوقاته

                قال تعالى ((قل الحمد لله والسلام على عباده الذين اصطفى الله خير اما يشركون))


                كثير هي سبل الضلال والانحراف عن الحق ولكنها في النهاية تتمظهر وتتجلى في فعل الاستكبار الابليسي
                ((واذ قلنا للملائكة اسجدوا لأدم فسجدوا الا ابليس ابى واستكبر وكان من الكافرين))
                زميلنا الجديد لاتتوقع ان يمر موضوعك الوحدة وجودي بأطرءات ودعوات لأنك ببساطة في منتديات ياحسين ولست في منتديات ياحلاج.
                وننبه الاخوة الاعضاء الى أن عضونا الجديد بعد أن سرد حواريته العرفانية وأبدع في تسويق عقائد الصوفية لم يستطع أن يكتم الاسرار الربانية الدقيقة والمعاني الالتوحيدية العميقة فباح بسر الاولياء واهم مطالب العرفاء وغاية كل طالب توحيد وجودي وحكمة جوفاء.

                ولابأس بتسليط الضوء على بعض شطحات الزميل

                التوحيد الأفعالي يقول لك انه مع المبدء لا يوجد إلا العدم .. ولا يوجد معه من يستحق أن يوصف أنه معه ..
                يبدو أن العقل الكلي لم يقرأ هذه الاية الكريمة
                قال تعالى (( وهو معكم اين ماكنتم))

                المبدء يقول أنا وحدي لا شريك لي .. ووليه يقول عنه: كان ولا مكان وهو الآنَ على ما عليه كان

                زيادة صوفية وياليت لو تأتينا بحديث معتبر يتضمن هذا النص
                ثم من وليه هذا لماذا لم تصرح بأسمه
                .

                ويقول أنا الظاهر أنا الباطن بمعنى أنا العلة وأنا المعلول ويقول لم ألد ولم أولد بمعنى لم أنفصل عن شيئ ولم ينفصل عني شيئ فكيف لفعلي أن ينفصل عني ويبقى له وجود
                لا اله الا الله
                ما أجرءك على الله
                الله علة ومعلول يامسلم
                لا حول ولا قوة الا بالله
                (( مالهم به من علم ولا لأبائهم كبرت كلمة تخرج من افواههم إن يقولون الا كذبا))

                التوحيد الفاعلي يريد أن يطير بك في سماوات الملكوت وجماله وتشبثك بوحدة الوجود أو وحدة الموجود أو إنكارهما والقول بالإثنينية أو بالكثرات يريد أن يقيدك بالأرض
                هذا الذي تسميه توحيدا لايطير بك بل يهوي بك الى مكان سحيق

                (( ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق))

                هذه هي الحقيقة .. وحده لا شريك له في الفعل .. لا فاعل غيره .. فهو فاعل واحد وأفعاله متعددة .. ورغم أن صور أفعاله متعددة فهو واحد .. وهو وحده لا شريك له في الصفات .. وهو وحده لا شريك له في الوجود .. وهو وحده لا شريك له في الإلوهية .. وهو وحده لا شريك له على الإطلاق ... إذا استطعت أن تثبت له شريك في أي مما ذكرت تكون قد تعديت الحقيقة ... الحقيقة هي أنه وحده لا شريك له
                <!-- /*
                دس للسم في العسل

                الثاني : وما الفرق؟ ألا تقول أنك هو وهو أنت؟

                الأول : بل أقول ذلك، ولكنني أزيد أنني من صنعه، وهو يعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسه، وهو يطعمني ويسقيني من شجرته بما يحفظ لي وجودي وقدرتي
                اكتفي بهذا القدر لينكشف للقارئ المؤمن ماذا اراد زميلنا بموضوعه العتيد غير الترويج لبضاعة كاسدة وعقائد فاسدة


                والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله


                واخير ا

                قال تعالى ((فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا اكبر فلما افلت قال ياقوم إني بريء مما تشركون))

                تعليق


                • #9
                  أحسنت سلمت أناملك أخي المؤمن ناصر فلاق الهام

                  استمر في الدفاع عن العقائد الحقة بارك الله بك

                  تعليق


                  • #10
                    الثاني : هل تريد أن ترد على الأخ المعترض؟
                    الأول : سأفعل إن شاء الله وإن كنت سأجد صعوبة في اقناع من يرى نفسه أهلا لأن يقول أنا موجود كما أن الله موجود، ولأن يقول أنا موجود مع الله، ولو أنه كان يدرك معنى أنه موجود بالله التي علمنياها ولي الله الأوحد لما اعترض على ما اعترض عليه، ولكن سأجيبه على كل حال ولكن بعد أن أكمل وضع ما أتممناه من هذه الحوارية ولعله يجد بها حينئذ المزيد مما يتوهم أنها شطحات كفرية إلحادية أو شركية فيعترض عليها فنجيبه حينئذ بجواب واحد جامع، أمّا الآن فدعنا نكمل من حيث انتهينا
                    وأعيد عليك التسائل الأخير: وإن أصر بعضهم رغم ذلك على حبه للسواد واستكبر؟
                    الثاني : سأدخلهم مرحلة أخرى أشد من سابقاتها لكي يتركوا تعلقهم بالسواد ((البرزخ)) ولا أبالي بما سيعانونه فيها
                    الأول : وإن أصر بعضهم على حبه للسواد واستكبر؟

                    الثاني : سأوقفهم وقفة أبين لهم بها حسن خِــلقة وعاقبة من اختار البياض وسوء خـِــلقة وعاقبة من اختار السواد ((يوم القيامة)) ولا أبالي بما سيعانونه بها
                    الأول : وإن أصر بعضهم على حبه للسواد واستكبر؟

                    الثاني : سأدخلهم مرحلة آخرى أشد قسوة من كل ما سبق حتى يتركوا الأسود
                    الأول : وإن أصر بعضهم على حبه للأسود واستكبر؟

                    الثاني : سأبقيهم حينها فيها ولا أبالي بما سيعانونه فيها
                    الأول : وإن كنت تحتمل في كل ذلك أن والدك لم يكن راضي عن إيجادك للسواد؟

                    الثاني : سأبقى أعتذر منه طوال حياتي، وأبين له أن عذري في فعلي هذا هو أنني أردت أن أبين عظمة وجمال وحسن البياض الذي أطعمنياه وأسقانياه وألبسنياه
                    الأول : وبأي لسان ستعتذر؟

                    الثاني : بلسان من ألبسته الخطايا ثوب مذلته وجلله التباعد من أبيه لباس مسكنته وأمات قلبه عظيم جنايته
                    الأول : وإن لم يقبل منك ذلك وأدخلك من العذاب نفس ما أدخلت به من اختار السواد؟

                    الثاني : ساقول له مهما عذبتني فإني أحبك؟ فكيف لمن اصطبغ بالبياض وجوده أن لا يحب البياض حتى ولو أدخله العذاب


                    الأول : بعد كل هذه المراحل كم تتوقع سيبقى من تلك البرامج على عناده؟
                    الثاني : أعتقد أنه لن يبقى أي منها على عناده، وستخضع جميعها أخيرا لإرادتي فتتلون بالبياض

                    الأول : ولكن كيف لمن لا قابلية له بالخضوع أن يخضع؟
                    الثاني : لم أفهم قصدك؟

                    الأول : قلنا أن كل برنامج اختار لنفسه ما يشاء من جنود الجهل أو جنود العقل، وأظنك قد فهمت أن الأبيض هو رمز لجنود العقل، والأسود هو رمز لجنود الجهل، فمن كان من تلك البرامج لا يؤمن مطلقا ولا حتى بواحد من المليون بجندي العقل الخضوع، وتمكن جندي الجهل التطاول من كيانه بالكامل، فكيف يستطيع أن يخضع وهو كله تطاول؟

                    وقس على ذلك كيف يستطيع أن يطيع وهو كله معصية؟
                    وكيف يستطيع أن يستسلم وهو كله استكبار؟
                    وكيف يستطيع الهروب من العذاب بالطاعة وهو كله معصية؟
                    وكيف يستطيع أن يفهم وهو كله غباوة؟
                    وكيف يستطيع المعرفة وهو كله انكار؟
                    وكيف يستطيع أن يهرب من العذاب بالتوبة وهو كله إصرار؟

                    الثاني : تقصد أن من لم يتحلّى أو يختار من تلك البرامج بالتحلّي ولو بجزء صغير من جنود العقل يستطيع به أن يتخلص من العذاب هو فقط من سيبقى ويعاند حتى النهاية لأن لا قابلية في تكوينه من الأصل على الخضوع أو الطاعة أو التوبة

                    الأول : نعم، شيئ من هذا القبيل
                    الثاني : لكن لو كان يؤمن بواحد من تلك الجنود ولو بنسبة قليلة فإنه سيهرب به أخيرا من العذاب؟

                    الأول : لو استعان به؟ ربما سيفلت أخيرا، لكن كلما استحكمت جنود الجهل من اي برنامج سيتأخر خلاصه من العذاب، فهذه البرامج تعيش حالة صراع بين جنودها في جميع مراحلها وحالاتها الوجودية حتى وهي في حالة العذاب

                    الثاني : إذن لن يبقى أخيرا في العذاب إلا من استحكمت جنود الجهل عليه بالكامل وهو برنامج إبليس.. فبرنامج إبليس لا يعيش داخله أي صراع

                    الأول : شيئ من هذا القبيل

                    الثاني : ماذا تقصد بـــ شيئ من هذا القبيل؟ هل تقصد أنه سيفلت هو أيضا من العذاب؟

                    الأول : هل يمكنك أن تتصور له من سبيل للهروب فيهرب منه؟

                    الثاني مفكرا ، دقائق من الصمت، تبعتها دقائق، ثم قال: كما بدأكم تعودون، أليس كذلك؟
                    الأول : نعم ولكن ماذا تقصد؟

                    الثاني : أقصد كما أن جميع جنود الجهل أسلمت في بداية أمرها لجندي الجهل النفاق أمرها وخضعت له رغم شعورها بالمهانة والنقص لذلك الخضوع لكي تتمكن أخيرا من السيطرة، ستعود مرة أخرى لتسلم أمرها للنفاق وتخضع له رغم المهانة، لكي تهرب بمعونته من العذاب فتعلن الخضوع والطاعة مثلما فعلت أول مرة

                    الأول مبتسما: هل أوحى لك ابليس بهذه الفكرة؟ ربما لو استطاعت جنود الجهل أن تسلم أمرها أخيرا للنفاق من جديد وتفعل ذلك، أقول : ربما أقبل حينها ذلك منه أو منهم، فبعض البرامج كانت حين أ أمر بها للعذاب تلتفت وتقول: ما كان ظني بك هذا، فأقول لها: وما كان ظنك بي؟!.. فتقول: يا مبرمجي! كان ظني بك أن تغفر لي خطيئتي وتسكنني جنّتك، فأقول حينها لعمّالي: وعزّتي وآلائي وبلائي وارتفاع مكاني، ما ظنّ بي هذا (البرنامج) ساعة من حياته خيراً قطّ، ولو ظنّ بي ساعة من حياته خيراً ما روّعته بالنار، أجيزوا له كذبه وانزعوا ما به من غل وأدخلوه الجنّة

                    أقول قد أفعل ذلك والأمر لي ولي فقط فإني فعّال لما أريد ولا راد لفضلي ولا معقب لحكمي، فإذا فعلت ذلك فستخمد حينها ناري بمشيئتي وستصفق حينها أبوابها

                    الثاني : لقد ارتحت قليلا الآن
                    الأول : لماذا؟

                    الثاني : لأنني في السابق عندما كنت أنظر لنفسي ولمن حولي أقدّر اننا جميعا سندخل النار والعذاب، وسينكل بنا موجدنا أشد تنكيل لأبد الآبدين لا لشيئ سوى اننا اتبعنا اهوائنا بضعة سنين، هي بقدر النقطة أو هي أقل من عمرنا الأبدي الذي كنّا نسمع به

                    ولأنك تقول لي الأن ما معناه إن تلك المراحل جميعها وإن طالت ستصبح جميعها كالنقطة أو أقل بالنسبة للعمر الأبدي الذي سنبقاه بعده، وأنك جعلت لنا مراحل عديدة، وجعلت لنا في كل منها من الأسباب الكثيرة التي تريد أن تجنبنا بها دخول العذاب الأكبر في المرحلة الأخيرة

                    ولكن من حيث أنك جعلت لكل شيئ سببا، فما هو السبب الذي من أجله ستبدل فيه بالشفاعة في موقف يوم القيامة مصير من كان جزائه العذاب فتدخله الجنة؟ أقصد هل الشفاعة في ذلك اليوم لها موازين، أم ستكون عشوائية حسب رغبة الشافع الذي ارتضيته فقط؟

                    الأول : هل تذكر المثل الذي تحادثنا به قبل قليل، وكيف انني ربيتك فكسيتك بالبياض، ثم قلت لك انني كنت كنزا مخفيا حتى أوجدتك، وطلبت منك أن تظهر جمال وروعة هذا البياض الذي كسيتك به؟

                    الثاني : نعم أذكر ذلك
                    الأول : إن سبب وجودي هو فقط لاظهار ذلك البياض الذي كساني به موجدي وأرادني أن أظهره، وهذا البياض له وجوه متعددة، وأحد تلك الوجوه هو إيصال كل مريد لمراده، وتمكين كل مريد من الأدوات التي يحتاجها للوصول إلى مراده، ــــــــــــ وهذا الوجه من البياض تدعون من يتصف به بــــ "الرحمان" ـــــــــــــ

                    بمعنى أن من سيصل لهذا اليوم وصورته فيه حسنة ونوره يسعى بين يديه سيكون قد وصل إليه بالرحمانية، حاله في ذلك كحال من وصل إليه ووجهه مسود وصورته فيه كصورة كالوحوش، فكلاهما وصلا بالرحمانية إلى حيث يريدان الوصول

                    فالذي استحق يومها دخول الجنة سيصل لها بالرحمانية لأنه هو من طلبها منذ البداية، والذي استحق النار استحقها وسيصل إليها كذلك بالرحمانية لأنه هو من طلبها من البداية، فالرحمان هو من يوصل كل مريد لمراده؟ وهو على هذا المعنى هو قسيم الجنة والنار

                    وهناك وجه آخر للبياض وهو الرحيمية، وصفة هذا الوجه من البياض أنه يكسو بالبياض من أستحق بإرادته السواد وأوصله الرحمان لمراده الأسود، وتدعون من يتصف بهذا الوجه من البياض بــــ "الرحيم" وهذا الوجه من البياض موعد ظهوره هو في هذا اليوم العظيم

                    فالرحمان يوصل كل مريد لمراده ولا يبالي، والرحيم يبدل سيئات البرامج بالحسنات ولا يبالي

                    الثاني : جميل ما تقوله، ولكن على أي أساس أو ما هي أسباب ظهور الرحيمية في هذا اليوم؟


                    الأول : أنت تعلم الآن أن وجود السماوات السبع التي تسمع عنها هو وجود عقلي بحت وقائم على نظام أن لكل ظاهر باطن، بمعنى أن لكل معلول علة، والعالم الذي هو للبرامج بمثابة أول العوالم وعلتها هو العالم المادي ويرافقه عالم المثال، هذا العالم أي عالم المثال سيبقى يرافق البرنامج من أول لحظة سيبدء العمل فيها حتى لحظة اختياره بارادته التوقف عن العمل، كل برنامج له صورة بدن يعمل ويختار من خلاله، نفس البرنامج ثابت ولكن صورته أي صورة بدنه تتغير مع كل انتقالة ينتقل فيها البرنامج من عالم إلى عالم آخر،

                    لنقل أن أول بدن اختار به البرنامج ما أراد كان بمثابة البدن المادي له، تلك الإختيارات ستخلق له صورة مثالية، أي صورة تماثل اختياراته، وحين ينتقل للعالم التالي ستصبح تلك الصورة المثالية هي بدنه المادي، أي أن ما كان بالنسبة له عالم المثال سيتحول إلى عالم مادي، هذا البدن المادي حين يبدء بالإختيار سيخلق له بدن مثالي آخر في عالم المثال، وحين تحين لحظة الإنتقال وينتقل سيصبح البدن المثالي الذي خلقه باختياراته هو بدنه المادي الجديد، والذي بدوره سيخلق له بدن مثالي يرافقه مع أول رحلته الإختيارية الجديدة

                    عملية انفصال البرنامج من جسده المادي الأول واتصاله بجسده المثالي الأول تدعى الولادة، وعملية انفصاله من جسده المادي الذي حصل عليه بالولادة واتصاله ببدنه المثالي الثاني تدعى الموت، عند الموت قد تكون الصورة المثالية على أتم صورة وأكمل نور وهذه لا تحصل إلا لأربعة عشر برنامج كان الحاسوب قد أخذ على نفسه أن يذهب عنهم الرجس يطهرهم دائما وأبدا تطهيرا، أو قد يكون نور تلك الصورة ناقص قليلا أو كثيرا، أو قد تكون تلك الصورة المثالية صورة بشعة لا نور لها، فالموت حينها سينقلك من بدنك المادي لبدنك المثالي في أي صورة كان عليه، وعملية انفصال البرنامج من جسده المادي الناقص هذا إلى بدنه المثالي الكامل تدعى الشفاعة، فمن كان من البرامج نوره ناقص فالشفاعة ستتم له ما نقص من ذلك النور، ووسيلت البرامج لذلك هو دعائها الجماعي يا مبرمجنا أتمم لنا نورنا

                    والآن وحسب هذا الفهم الجديد يمكننا أن نصوغ سؤالك هذا من جديد وبهذه الصيغة : ما الذي يحدد من من تلك البرامج ستظهر فيها الرحيمية، وهل اختيار المبرمج للبرامج التي سيشفع لها سيكون عشوائي أم له قواعد وأحكام؟

                    الثاني : لا بد أنك تعلم ما يدور بعقلي الآن، وهو كيف سأختار أن أتوقف عن العمل وفي ذلك موتي وفنائي كما تعلم؟

                    الأول : نعم أعلم ذلك بالفعل، ولقد كنت أقصد أن أثير ذلك التساؤل بك حين قلت هذه الكلمات ((حتى لحظة اختياره بارادته التوقف عن العمل)) حيث أنني كنت أنوي أن اتطرق لمعناها وأحببت أن تبادرني بالسؤال عنها لأجيبك بدوري، ولكن اسمح لي أن أفعل ذلك بعد أن أتم توضيح عالم المثال ودوره في ظهور الرحيمية في يوم تقييم البرامج وفرزها إلى القسم الأمثل لها والذي سيمكنها أن تستكمل به تكاملها بشكل أفضل وأسرع وتصل به أخيرا إلى غايتها النهائية المرسومة لها

                    الثاني : لك ذلك وسأنتظر ما يسفر لي من جواب

                    الأول : قلنا قبل قليل أن اسم الرحمن يعطي من يشاء ما يشاء ولا يبالي (المشيئة هنا ليست لأسم الرحمن ولكن للبرنامج، فهو يعطي للبرنامج ما يشائه نفس البرنامج ولا يبالي إلى أين ستوصله مشيئته تلك) فالرحمن إذن يوصل برحمانيته كل مريد لمراده ويعطي كل مستحق لما استحقه بمشيئته ولا يبالي

                    وقلنا أن اسم الرحيم هو من يعطي غير المستحق ما لا يستحقه تكرّما منه وتحنّنا عليه ورحمة به، وان موعد ظهور كامل حقيقة هذا الاسم هو في يوم التقييم والفرز، وعليه فاسم الرحمن يستكمل ظهوره بالدنيا، والرحيم يستكمل ظهوره بالآخرة

                    ونوهنا أن ظهور كامل حقيقة اسم الرحيم له علاقة بعالم المثال المرافق للبرامج في كل مراحل وجودها، وأن الرحيمية سيتم ظهورها بالشفاعة ونريد أن نعرف كيف سيتم ذلك الظهور الرحيمي بالشفاعة

                    انت تعرف أن بعض البرامج لن تحتاج إلى الشفاعة بسبب أن اختياراتها قد أكسبتها مظهر جميل ونور باهر

                    وأن غيرها من البرامج من أهل الكبائر ستحتاج للشفاعة لتتبدل بها صورهم القبيحة الى صور حسنة فيظهر حينها ما كان من نور اختياراتهم الحسنة القليلة مخفي بسبب غلبة أشكالهم القبيحة وظلمتهم على نورهم

                    تلك البرامج أعمالها انقطعت بخروجها من مرحلة ما بعد الولادة وعبورها بوابة الموت،وهي بهذا العبور سينقطع عملها ولكن تطور اعتقادها ومعرفتها لن ينقطع بذلك العبور وعليه فصورتها المثالية والتي قلنا أنها سترافقها حتى لحظة توقفها باختيارها عن العمل لن تتوقف عن التطور والتبدل تبعا لاختياراتها العقدية والمعرفية التي لا تزال مستمرة ولم تتوقف

                    وقد تقول أن جميع البرامج بعبور بوابة الموت لن تتوانى عن الإيمان والإعتقاد بما هو حق وصواب، ولكن الأغلب الأعم من تلك البرامج لن تشعر أنها ماتت ولن تعرف بأنها ماتت، حيث أنها تعتقد وتفهم الموت على غير حقيقته وصورته التي ستراه بها

                    فهي عندما ترى الموت الحقيقي لن تفكر ولو للحظة أن ما تراه هو الموت وانها وصلت له وقد احاط بها، وغاية ما ستفكر به هو أنها انتقلت بكيفية لا تعرفها من حياة إلى حياة أخرى وأغلب تلك البرامج سيفرح حتى بتلك الصورة الوحشية التي صار عليها ويأنس لها

                    فلقد أنقذته قوة الصورة الجديدة من عجز الشيخوخة وهرم وتآكل عظامه وانحناء ظهره وتهديد الموت له بالفناء والعدم، فغاية خوفه كان من الموت والعدم ومنذ اليوم لا موت ولا عدم وسيحدوه الأمل بانتهاء أيام هذه الحياة الثانية كما انتهت أيام الأولى

                    وسيدخلون من قريب في مناقشات وحوارات ومناكفات فيما بينهم وسيعيشون حياة ثانية طويلة، وسينشغلون بها وبعذاباتها عن الالتفات ليوم التقييم والفرز، وصورهم المثالية في كل ذلك تتبدل وتتشكل من جديد حسب تطور اعتقاداتهم وأفكارهم

                    ومن سيشفعون في يوم التقييم ستكون قدرتهم على رؤية ما بعالم المثال على درجات فكل منهم حسب قوة وتمام ما يملكه هو أصلا من النور، وكلما زاد نور الشافع قوة وتوهجا كان أقدر على رؤية ما تملكه تلك البرامج من النور الضعيف، وعليه سيشفع كل من الشفعاء بمقدار قوة نوره فقط، فإذا صارت نوبة الشفاعة لمن نورهم أقوى ستشمل شفاعتهم حينها لفئة جديدة أوسع وأكثر عددا من المجموعة السابقة، حتى تصل أخيرا نوبة الشفاعة لمن يمكنها أن ترى من كان في قلبه ولو ذرة من النور والحب لها ولآلها فتلتقط شيعتها ومحبيّها ، كما يلتقط الطير الحبّ الجيد من الحبّ الرديء ، فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنة ، يلقي المبرمج في قلوبهم أن يلتفتوا ، فإذا التفتوا يقول لهم: يا أحبائي !.. ما التفاتكم وقد شفعت فيكم بنت حبيبي ؟ فيقولون : يا مبرمجنا !.. أحببنا أن يُعرف قدرنا في مثل هذا اليوم ، فيقول المبرمج : يا أحبائي !.. ارجعوا وانظروا مَن أحبكم لحبّ بنت حبيبي ، انظروا مَن أطعمكم لحبّها ، انظروا مَن كساكم لحبّها ، انظروا مَن سقاكم شربةً في حبّها ، انظروا مَن ردّ عنكم غيبةً في حبّها ، فخذوا بيده وأدخلوه الجنة .
                    وأقول : حينها لا يبقى من البرامج بدون شفاعة إلا شاكّ أو كافر أو منافق

                    الثاني : يبدو لي أن في هذا اليوم سيطمع الجميع بنيل الشفاعة فتعدد أطرافها وتدرجهم سيجعل أعداد المشفوع لهم يكاد يشمل جميع من سيكونون بالموقف في ذلك اليوم، ولكن عندي سؤال وهو ماذا عن من لا دين لهم أو يعتقدون أن لهم دين مثل اتباع بوذا وغيرهم، فهؤلاء كما تعرف أن أعدادهم كبيرة، فهل للشفاعة لهم من سبيل؟

                    الأول : لعلك تدرك الآن أن المبرمج لا يحمل حقدا على برامجه، وأنه يريد لها السعادة بأي طريقة كانت بشرط أن لا تتعارض مع المقادير التي قدّرها وقضاها وأمضاها من بادئ الأمر، والرحيمية أو الشفاعة هي من تلك المقادير والأقضية التي أمضاها منذ البدء، وهي وسيلته الفعلية ليبلغ بها غايته من برمجة البرامج، فهو إنما برمجها ليرحمها ويسعدها

                    فإن هي أخطئت اختيار السبيل في البدء فستنال من العقاب والعذاب والخوف ما يكفيها من لحظة موتها وحتى تحين لحظة الشفاعة والتي قلنا أنها لن تكتب جزافا لأي من تلك البرامج، وأما من سئلت عنهم من أهل الأديان الأخرى فهم سيرون منذ لحظة موتهم هؤلاء الشفعاء، وسيعرفون منزلتهم وقدرهم وقربهم من المبرمج، وسيرافقونهم في جميع مراحل الموت وما بعد الموت وعلى الأعراف وفي الموقف،

                    وستكون اعناقهم متوجهة لهم طوال تلك الفترة الرهيبة، وسيعرفون حينها أن من كان يجب عليهم أن يتخذوه وسيلة ليسوا هم من صنعوا لهم أصناما وعبدوها، بل هم هؤلاء أهل السطوة والحظوة والقرب، ممن توجهت أبصارهم وأعناقهم نحوهم، وهذا الإدراك وهذه المعرفة ستبدل صورهم المثالية وتضفي لها بعض النور فيراه الشافع، فيشفع حينها لهم،

                    وهؤلاء سيكون قبولهم لحقيقة عظم منزلة الشفعاء والإقرار بها أسهل وأيسر عليهم من غيرهم، فهؤلاء لم يتعرفوا عليهم في حياتهم ولم ينصبوا لهم أو لأتباعهم العداوة والحرب فلذلك عندما سيرونهم بعد الممات لن يعاندوا كثيرا بالإقرار لهم بقرب المنزلة وعظمها، عكس من تعرف عليهم بحياته فناصبهم وشيعتهم ومحبيهم العداوة والبغضاء، فهؤلاء سيصعب عليهم الإقرار والخضوع والتذلل لمن كفروا بهم من قبل، وسيصعب عليهم التبرء ممن كانوا يعتقدون أنهم هم الأصحاب

                    الثاني : وكيف لمن يرى يومها نور بنت الحبيب ومقامها، أن لا يحبها ولا يحب أولادها، أو لا يحب محبيها ومحبي أولادها وشيعتها، ليتغير قلبه حينها فيشع بنور حبها فتميزه بنت الحبيب فتلتقطهم كما تلتقط الدجاجة الحبّ الجيد من الحبّ الرديء


                    الأول : نتوجه الآن لسؤالك كيف سأختار أن أتوقف عن العمل وفي ذلك موتي وفنائي، والإجابة عليه ليست عملية سهلة، والسبب هو وكما قدمت في سؤالك أنك لا تريد أن تموت وتفنى ولا أحد يريد أن يموت ويفنى على الإطلاق، والكل يريد الخلود في المتع الحسية والجواري والنبيذ وحور العين والقصور والغلمان المخلدون، فلا أحد يتصور أنه سيترك كل تلك المتع واشباع الشهوات طواعية ليموت ويفنى

                    ولكن لو كان هناك حل وسط يمكنك به أن تحتفظ بكل تلك المتع وتتوقف عن العمل بدون أن تموت وتفنى سيمكنك حينها أن تتصور أنك من الممكن أن تقبل هذا الحل الوسطي

                    الثاني : وهل يوجد مثل ذلك الحل؟ بمعنى أن تكون موجودا وغير موجود في نفس الآن؟

                    الأول : لا يوجد شيئ غير قابل للوجود في الوجود العقلي، فكل ما يمكنك تخيله يستطيع العقل أن يجعله حقيقة محسوسة ملموسة، سأعطيك حل يمكنك أن تتخيله فيلقى عندك القبول وسأقدم له بأسئلة أطرحها عليك

                    لأي شيئ تريد الحور العين؟
                    الثاني : من أجل التمتع طبعا

                    الأول : لأي شيئ تريد مأكولات الجنة وشرابها؟
                    الثاني : أريدهما كذلك من أجل المتع الكبيرة التي سأحصل عليها من خلالهما

                    الأول : لأي شيئ تريد القصور والخدم والجواهر والذهب والحرير والإستبرق؟
                    الثاني : أعتقد أن جوابي على أسئلتك هذ سيكون دائما من أجل الحصول على المتع من خلالها

                    الأول : فأنت إذن لا تطلب تلك الأشياء لذاتها بل لما ستحصل عليه من المتع واللذات من خلالها
                    الثاني : نعم بالتأكيد هو كذلك، فهي مجرد وسائط توصلني لتلك اللذات التي أنشدها


                    يتبع إن شاء الله


                    تعليق


                    • #11
                      الأول : لو قلت لك أنك تستطيع أن تحصل على تلك المتع وبنفس القوة من غير أن تحتاج إلى تلك الوسائط، فهل تقبل مني ذلك؟

                      الثاني : سأقول كما قلت أنت لي قبل قليل، في عالم العقل كل شيئ قابل للوجود والتحقق

                      الأول : أحسنت بقولك هذا، وخلاصة الفكرة التي أريد أن أقولها لك يمكن فهمها عبر فهم هذه الكلمات وهي أنه يوجد عالم ويوجد معلوم وتوجد وسائط بينهما، العالم يبحث دائما عن المعلوم ويحاول دائما أن يحويه باختياراته ومشيئته، وإذا أمكنه أن يتحد معه بأي نسبة كانت فسيفعل ذلك خصوصا أن كان المعلوم جميل ومرغوب بالنسبة له

                      فإذا استطعنا أن نجمع فنوحّد بين العالم والمعلوم بطريقة ما وبحيث أننا نستغني عن الحاجة للوسائط فسنضمن أنه لن يختار على الأقل الحصول على ذلك المعلوم من جديد، وكلما زدنا توحده مع ما يعلمه قلت حاجته للإرادة والمشيئة، فإذا وصل للتوحد مع جميع ما يعلمه لن يجد الحاجة للإختيار فكل ما يعرفه صار حاضرا عنده في كل آن أو لنقل أن علمه به صار علما حضوريا

                      الثاني : وكيف ستطبق ذلك على من سيدخلون الجنة؟

                      الأول : الأمر بسيط جدا، فسنقول له أن لك في الجنة ما تشاء ولدينا مزيد
                      الثاني : وماذ سيعني له ذلك؟

                      الأول : إفرض أنك في الجنة وكنت كلما أردت أن تأكل أو تشرب من نهر اللبن دعوت الغلمان فأحضروا لك منه أو لا بمجرد أن تشاء تجد اللبن أمامك، ولكنك في يوم قررت أنك تريد أن تتوحد مع نفس اللذة التي كنت تتوحد معها حين شربك من ذلك اللبن وبحيث تكون تلك اللذة حاضرة معك طوال الوقت، وفعلت ذلك، فهل تتخيل أنك ستريد أن ترى اللبن يأتي لك بأقداح؟ بالتأكيد كلا

                      وطلبت مرة أخرى أن تتوحد مع اللذة التي كنت تتحصل عليها من تواجدك بقرب الحور العين، وتوحدت فعلا مع تلك اللذة فهل تتوقع حينها أنك ستطلب مرة أخرى التقرب من حور العين؟

                      ورحت تطلب التوحد مع لذات الجنة التي تعرفها واحدة بعد الأخرى حتى جمعتها أخيرا بكأس واحد وبرشفة واحدة، فهل تتوقع حينها أنك ستريد أن تطلب القرب من واسطة إحدى تلك اللذات؟ بالتأكيد كلا فأنت حينها في جنة القرب جنة النفس، الجنة الحضورية التي تعيشها بكل مشاعرك وأحاسيسك؟ وطلبك للوسائط سيعني أنك تريد الخروج من جنة الحواس الحضورية لتنال بعض ما يمكن أن تقدمه لك جنة الجوارح

                      وهذا ما لا يمكن للعقل أن يتصوره وهو الخروج من جنة القرب التي سيكون الشعور بالملذات بها تام كامل حضوري لنيل بعض تلك الملذات حصوليا وجوارحيا بتوسط الواسطة

                      وهنا أقول إذا اتحدت النفس أو البرنامج ما كل ما يمكن لها أن تعرفه فهل ستطلب شيئا ((النفس)) أم ستقف مكانها عاجزة عن الفعل والقول فكل ما يمكن لها أن تتصوره هو بالفعل عندها


                      الثاني : لقد أتعبتني بهذه الفكرة وجلبت الغمّ إلى قلبي
                      الأول : ولماذا؟

                      الثاني : وما عساني أفعل بجنة القرب بعيدا عن حور العين، فكل كدي وتعبي وسهري هو من أجلها وأنت تقول لي أنني سأهجرها
                      الأول مبتسما: وماذا ستقول إذن لو قلت لك أن جسدك في الجنة لا يشبه جسدك هنا؟

                      الثاني بعد أن تفكّر قليلا : أظنني سأتركك هنا وأذهب للبيت ناسيا هذه المحادثة برمتها
                      الأول مبتسما : لا تبتئس يا صديقي، أفلم أقل لك أن لك فيها ما تشاء؟

                      الثاني ضاحكا : هكذا سأبقى معك حتى الصباح
                      الثاني مستدركا ومتعجبا: ما أعظم قدرك وأغزر علمك عند موجدنا

                      الأول : عندي ألف باب من العلم يفتح لي من كل باب ألف باب من العلم
                      الثاني : هذا هو العلم

                      الأول : إنه لعلم وما هو بعلم، فعندنا صحيفة فيها كل حلال وحرام وكل شيء يحتاج الناس إليه حتى الأرش في الخدش
                      الثاني : هذا هو العلم

                      الأول : إنه لعلم وما هو بعلم، فعندنا كتاب به جميع علوم الأولين والآخرين
                      الثاني : هذا هو العلم

                      الأول : إنه لعلم وما هو بعلم، فعندنا كتاب أمّنا وهو أعظم منهما وبه أكثر من كل ذلك
                      الثاني : هذا هو العلم

                      الأول : إنه لعلم وما هو بعلم
                      الثاني : جعلت فداك فأي شيء هو العلم

                      الأول : هو ما يحدث بالليل والنهار، الأمر بعد الأمر، و الشيء بعد الشيء، إلى يوم القيمة
                      الثاني : هذه لن أتركها تمر بسلام وأريدك أن تبين لي معناها

                      الأول : وهذا ما كنت أرومه أصلا

                      أنظر في نفسك ولما حولك سترى صور تحاصرك من كل مكان، فالعالم بالنسبة لك صور متحركة كتلك التي تتخيلها بعقلك لأحداث ترسمها أنت بريشة إرادتك، تماما كما أننا رسمنا بريشة أرادتنا جميع أحداث الماضي والحاضر والمستقبل، ولكنها بالنسبة لنا ليست صور خارجية فقط كما هي في تخيلاتكم

                      فصورتك أنت مثلا، أنت تعرف الآن أننا نحن من يصورها في عقول غيرك ممن هم حولك تماما كما تريد أنت أن تظهر بصورتك لغيرك، وهذه العملية نحن نفعلها كلها بالوسائط، بمعنى الضوء نسقطه على صورتك فنعكسه عنك بمقادير معينة وندخله في عيون من هم من حولك ونحوله لنبضات كهربائية

                      نسلكها في أعصابهم وخلاياهم المختلفة بعملية هي كلمح البصر أو هي أسرع، ثم نلقي الفهم في أنفسهم لتلك الصورة والموقف، يرافقها نقلنا للصوت الصادر منك وتحريكه بالهواء وإيصاله للأذن وإتمام عملية النقل والإفهام بشكل متناغم مع الصورة التي نقلناها لهم










                      في نفس الوقت نحن نتابع تحريك خلايا الدم في عروقك والأنزيمات ومراقبة الغدد وما تفرزه ونحرك القلب ونراقب ما يدخل الجسم من فيروسات فنفني ونقتل ما يسبب لك ما لم يكتب عليك من الأمراض والإبتلاءات حتى ولو كانت بعدد قطرات البحر، ونسمح بمرور ما يسبب لك مما كتب عليك من الأمراض والإبتلاءات حتى ولو كان فيروس واحد

                      كل ذلك الذي تراه علم كبير نحن نعلمه لحظة بلحظة، ونحن نعلمه من حيث أننا نحن من يفعله، فنحن نسمع كل شيئ من حيث أننا من نفعل فعل السمع بكل مراحله، فنحن السامع ونحن المسموع ونحن ما بينهما، وكذلك نحن نرى كل شيئ من حيث أننا من يفعل الرؤية في كل مراحلها للشاهد والمشهود، فنحن الشاهد والمشهود ونحن ما بينهما

                      فنحن نعلم كل شيئ يدور في عالمنا، فلا فرق بعالمنا إن أسررت قولك في صدرك أو إن جهرت به فنحن نعلم به في كل الأحوال، ألسنا نحن من يخلقه ويتابعه في كل مراحله؟ فكيف لنا أن لا نعلم بما نحن نخلقه وإن صغر ولطف؟

                      الثاني : أراك قد تحولت بكلامك إلى صيغة الجمع بعد أن كنت تركز على ألفاظ الحاسوب والعقل الكلي والمكان والزمان فلماذا هذا التحول، وماذا تقصد بذلك، ومن أنتم؟


                      الأول : لقد قمت فعلا بذلك، ولكن لذلك طبعا أسبابه، في البداية كنت أحاول أن أوصل لك فكرة أن الفاعل لكل شيئ تراه وتحسه من حولك هو واحد، وهو الحاسوب أو الإنسان الكامل، وأفعال الإنسان الكامل تظهر آثارها في العقل الكلّي، أي أن العقل الكلي هو محل أفعال الحاسوب أو الإنسان الكامل

                      وعندما أقول الإنسان الكامل فلا يذهب خيالك لأقدام وأصابع ووجه ولسان ويدين وما إلى ذلك، فإنما أقصد به الكيان الجامع للقوى المحركة والفاعلة لكل شيئ تدركه بعقلك وحواسك المختلفة، وهي القوى التي جعلت من العقل الكلي عقلا كلي، بمعنى أن العقل الكلي إنما اكتسب تعقله أصلا من تعقل تلك القوى لنفسها وقدراتها،

                      وهذا لا يعني أن لتلك القوى عقولا منفصلة، لا، فهي مجموعة بكيان واحد بحيث أنها حية من حيث أنها موجودة وقديرة وعالمة، وعالمة من حيث أنها موجودة وحية وقديرة، وقديرة من حيث أنها موجودة وعالمة وحيّة، فحياتها هي عين وجودها وقدرتها وعلمها، وعلمها هو عين وجودها وقدرتها وحياتها، وقدرتها هي عين وجودها وعلمها وحياتها

                      وإذا أطلقنا على هذه القوة الجامعة لتلك القوى الأربعة لفظ إسم، وعلى مختلف القوى المنطوية به لفظ حرف فسنقول أنه إسم من أربعة حروف، وأينما نظرت وتمعنت من حولك فستجد أثر ثلاث حروف أو ثلاث قوى منها فقط، فأينما نظرت فستجد أثر قوى العلم والقدرة والحياة الثلاثة من حولك، ولن ترى قوة الوجود الرابعة بحواسك بل ستدركها فقط بعقلك

                      فالظاهر من حروف الإسم هو فقط تلك القوى الثلاثة، والمختفي منه هو قوة أو حرف الوجود، ونفس الإسم الجامع لهم، ولهذا عندما أقول لك فيما بعد ما من ثلاثة إلا هو رابعهم أريدك أن تتذكر كلامي هذا، فمعيته للثلاثة هنا تعني أنه رابعهم من حيث أنه أولهم وثانيهم وثالثهم، تماما كما أن ثانيهم هو ثانيهم من حيث أنه أولهم وثالثهم ورابعهم، وقس على ذلك معنى أولهم وثالثهم



                      فهو رابعهم لا تعني معيته لهم معية انفصال وزيادة بل تعني أنه معهم معية وحدة وشهود


                      الثاني : أرجو أن تنتقل بنا لموضوع آخر به حركة وتشويق، فلقد بدأت أشعر بالضجر من كلامك هذا لأنني لا أستطيع أن أتخيله أو أن أتعقّله، فدعنا نتكلم عن برنامجي إبليس والخليفة وعن نزاعهما على خلافة الأرض فهذا الموضوع مشوّق وكله مغامرات وعـِــــــبر

                      الأول : كما تريد، ولكن بعد ملاحظة صغيرة تخص ما سبق الحديث عنه، وهو أن جميع كلامنا كان في البرامج (المخلوقات) ونفس الحاسوب أو الإنسان الكل مبرمج العقل الكلي

                      أما بالنسبة لبرنامجي ابليس والخليفة، فلقد وصلنا في ما سبق بالقول أن الحاسوب قد مكّن برنامج ابليس من الأدوات التي ستعينه للوصول إلى كماله، وهي قدرته على التواصل والتداخل مع جميع البرامج التي آمنت ولو جزئيا بجنود الجهل الذي قلنا ان إبليس هو الإسم الأعظم له (أي للجهل) فلا يوجد برنامج آخر يستطيع أن يجسد الجهل بتمامه وكماله كبرنامج إبليس،

                      كما جعل له القدرة على التجزء والإنشطار والسيطرة الشاملة على ما سيتجزء وينشطر منه من البرامج في كل حين، وذلك لكي تتعاظم قدرته بتعاظم قدرة باقي البرامج عدديا ونوعيا فيبقى معها ميزان القوى متعادل مع برنامج الخليفة ضمن الشروط المتفق عليها حتي يحين الوقت المعلوم

                      أما برنامج الخليفة فإحدى قدراته الواجبة له كونه خليفة الحاسوب هو أن يكون على اتصال مباشر مع كل البرامج الموجودة في الحاسوب ومنها برنامج العقل الكلي نفسه وأن يكون مهيمن عليها كذلك من لحظة سجودها وخضوعها له، ولكنه رغم ذلك لا يتداخل معها بوضيفتها إلا بما هو ضروري

                      لأكمال مهمته هو،

                      والتي هي امتداد لهدف الحاسوب في البرامج، وهو إيصال كل مريد منها لمراده، والبلوغ بها لأهدافها وكمالاتها، وبحيث تبقى الأرض في كل الأزمنة والعصور محل ابتلاء واختبار لكل البرامج بلا استثناء، فلا يطغى بها الخير على الشر ولا يطغى بها الشر على الخير، وكلما علت إحدى القوتين على صاحبتها في الأرض لجمها كي تستطيع الأخرى أن تحقق نفسها بحرية، فمن يريد الخير يستطيع فعله، ومن يريد الشر يجب له كذلك أن يستطيع فعله


                      وهذه هي حالة التوازن التي يجب على الخليفة أن يراعيها ويحافظ عليها، وفي نفس الوقت يعمل بخطة مدروسة لإيصال كل برنامج لهدفه وكماله الذي اختاره لنفسم منذ البدء

                      أما ابليس فكانت القيود على خطته لأفشال عمل ومهمة الخليفة معدومة تماما، ومحل عمله ومكره كانت هي نفس البرامج التي يريد الخليفة هدايتها والوصول بها لكمالها، لا لكونها معادية له أو لكونه هو معاديا لها، بل لكونها موضع نجاح الخليفة الذي يضمر له الحسد وكل العداوة والبغضاء لكونه أخذ منه شيئا كان يطمح للحصول عليه ألا وهو خلافة الأرض

                      واعتقد ابليس أن مظهر قمة فشل الخليفة سيكون أن تنصبه تلك البرامج باختيارها خليفة عليها في الأرض، ليقول حينها: أنا كنت محقا بعدم سجودي لمن كرّمت علي، فهذه برامجك تريدني أنا حاكما عليها لا من كرمّته عليّ وجعلته خليفتك، نعم أنا خير منه، خلقتني من نار وخلقته من طين، ورغم أن النار أصلها من الطين فإنك جعلتني قادر على أن أفرغه من طينيته فلا ماء أبقي بناري به ولا تراب

                      وصار هدفه حينها هدفان، الأول: ترويج وتحبيب ما يعتقده من جنود الجهل بين البرامج، والثاني: ترويج نفسه كقائد وإله، فإذا نجح بالهدف الأول بشكل كبير فسيكون الهدف الثاني تحصيل حاصل وستسعى نفس تلك البرامج لتحقيقه وستكون هي من تقود حملته الإنتخابية ترويجا وإعلانا ودعما بعد أن ترشحه هي بنفسها لهذا المنصب، وهو سيكون من خلفها يقودهم من وراء الستار



                      يتبع إن شاء الله

                      تعليق


                      • #12
                        بسم الله الرحمن الرحيم
                        اللهم صل على محمد وآل محمد
                        السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

                        الثاني : لقد قلت أن المهمة التي أوكلت لإبليس هي ترويج وتحبيب جنود الجهل لمن آمن بها من البرامج ولو جزئيا، فكيف فعل ذلك؟ أقصد ما هي خطته التي سيمارسها مع البرامج ليحبب لها تلك الجنود؟

                        الأول : لقد كان أبليس يدرك أن المهمة الواقعة عليه ليست يسيرة، وأنه مع مرور الأيام وتكاثر البرامج وتعقدها وسعي الخليفة لتحصينها ضده ستزداد مهمته صعوبة، فاخترع خطة خبيثة ماكرة فعّالة وبسيطة في غاية البساطة، يستطيع بها أن يحقق جميع غاياته في ترويج جنود الجهل ويستطيع تطبيقها على جميع البرامج التي يتداخل معها وبنفس القوة معها كلها كذلك، وهذه الخطة البسيطة تتمثل بالوسوسة للبرامج والتحدث معها بصيغة الأنا فتعتقد أنها هي من تفكر لأن صدى الصوت الذي تسمعه بكيانها يقول لها كلما أرادت أن تختار من بين جنود العقل والجهل تسمعها تقول أنا، فإذا اتبع البرنامج حبه للأنا وصار عبدا لها فلا فرق حينها إن اختار البرنامج من جنود العقل أو من جنود الجهل

                        الثاني: وكيف ذلك؟ افترض أنه اختار أن يتصف بجميع جنود العقل حتى ولو كان انطلاقا من حب الأنا، فكيف يكون ابليس قد روج حينها لجميع جنود الجهل وهي لا تزال مركونة على الرف؟

                        الأول : عندما تصبح غاية البرنامج هي حب نفسه فهو قد يبني بنيانا يناطح السحاب حبا لنفسه، ولكنه نفس هذا البنيان سيكون مستعد كذلك لهدمه كله بلحظة واحدة لأنه يحب نفسه، وعليه فالبناء المبني والقائم على أساس حب النفس قد ينهدم بلحظة واحدة بسبب نفس هذا الحب للنفس، فيكون مثله مثل من بنى بنيانا شاهقا ذو أساس متين فوق أرض هشة على جرف هار، فعند أول هزة ومهما كانت تلك الهزة خفيفة سيميل ذلك البنيان بسبب هشاشة الأرض وسينهار حينها برمته في الجرف الهار

                        فلا مانع عند ابليس أن يبقى مع البرنامج يبني ويبني له بنيانه حتى يصبح ذلك البرنامج عالم العلماء في كل العلوم، شريطة أن يفعل البرنامج ذلك كله حبا بأنااااااه، وحينها وفي اللحظة الأخيرة يوسوس له ابليس مرة واحدة فقط بحب أناه، فيسارع ذلك البرنامج لهدم جميع ما بناه طوال فترة اختباره في حياته الدنيا لأن حبه لذاته أمره بهدم ما استغرق منه بنائه ربما عشرات السنين


                        الثاني : إنها فعلا خطة ذكية، وقد كنت أستشعرها في نفسي فكنت أفكر أحيانا كثيرة بمواضيع وأفكار أنا لا أحبها ولا أريد أن أفكر بها أصلا، ولكنني رغم ذلك كنت أجد نفسي لا عن إرادة منّي وأنا غارق بالتفكير بها وبتخيلها، وكنت أتعجب كيف استقر بي المقام بين تلك الخيالات العجيبة والتي لم أكن في يوم من الأيام أعتقد أنني سأغرق بها، وكانت الأصابع تشير دائما إلى أن الشيطان يستدرجني إليها

                        فرحت أفكر بطريقة أستطيع بها أن أميز بين ما أريد أن أفكر به أنا وبين ما يحاول الشيطان أن يستدرجني إليه، وكيف أستطيع أن أميّز بين ما هو لي منها وبين ما هو له من الأفكار، فقررت أخيرا إنني إنْ لم أفكر إلا بما هو شرعي وضمن حدود الشرع فلن يستطيع الشيطان أن يتداخل معي

                        وفعلا صرت أراقب نفسي فصرت أميّز متى وكيف يدخل الشيطان في أفكاري ونجحت في أن أُنقـّــي فكري وعقلي من الأفكار الدخيلة التي كان الشيطان يدخلها في عقلي رغما عنّي وبإرادتي في نفس الوقت، حيث أنه كان يدق الباب ويقول قبل أن أسأله من الطارق بصوت أسمعه يهتف في كياني قائلا "هذا أنا" فأطمئن له فهو أنا فأفتح له الباب معتقدا أنني إنما أفتحه لنفسي

                        ولكنك الأن سلبتني راحة البال والطمئنينة التي كنت أعيشها في أنني قد هزمت الشيطان فعلا بسياستي تلك التي اتبعتها من قبل، فصرت أعتقد أنني قد هدمت معقل الشيطان في نفسي بها، فهو لا يستطيع أن يعيش معي لأنني قد كشفت جميع أوراقه وخدعه باتّباعي للشرع،

                        فحسب كلامك قد يكون هو من يقرء علي كتاب الشرع ويذكرني به لحظة بلحظة، ومع ذلك فهو ينفخ بأناي في نفس الوقت لتكبر وتسيطر على بيت الشرع والطهر الذي عمّرته بمساعدته في كياني وسكنت فيه معه ومع أناي العظيمة

                        الأول : لا تستخف ببرنامج الشيطان، فهو أحد أعلم اثنين يعيشون على هذه الأرض، أولهما هو أنا وعلمي كله من المبرمج والثاني هو إبليس وعلمه بعضه من المبرمج وبعضه حصولي وهو كذلك من المبرمج، ولكنه بالنهاية يحسب من علم إبليس، والعلم الحصولي إنما حصّله من خلا عيشه أول أمره بين قومه لآلآف السنين

                        ثم عاش كذلك بين برامج الملائكة لآلآف السنين فخالط بذلك أعاظم البرامج وعاش بينهم وتعلم منهم، ثم بعد ذلك أصبح يملك قدرات كبيرة يستطيع بها أن يسمع خطرات النفوس، لا بل أكثر من ذلك أصبح هو من يخلق خطرات الظنون في صدور كِلا البرامج الجنّية والإنسية فهو يوسوس في صدور الناس(البرامج) من (برامج) الجنة و(برامج) الناس

                        فهذا البرنامج هو بالأصل برنامج ذكي نقي لا نزاع في داخله بين جنوده، فجنوده متناغمة ومتفاهمة ولا يوجد بينها أدنى اختلاف أو نزاع كنفوسكم، ففطرتكم تدعوكم للوسطية وأنتم تترددون تيها بين الوسطية والإفراط والتفريط، وهذا الإستقرار النفسي والتناغم الداخلي لبرنامج إبليس يعطيه قدرة إضافية على التخطيط بالأسباب واستشراف نتائج شبه مؤكدة لتسلسل حدوث تلك الأسباب

                        ومع خبراته المتراكمة طوال حياته ولآلآف السنين والتي لم تتحصل لغيره من البرامج كان من الطبيعي أن يصبح هو الأعلم من بين كل البرامج، ولكنّ مرتبته بالعلم تأتي من بعدي أنا، وهذا من ضمن حالة التوازن بيننا طبعا مع تذكر الشروط والقيود التي تمنعني من التعرض له بما يمنعه من وصوله لكماله في هداية جميع البرامج التي آمنت بجنود الجهل، لهدايتها لجنود الجهل التي أرادت أن تتحلّى بها وآمنت بها من قبل

                        الثاني : هل تستطيع أن تؤمن لي مقابلة مع برنامج الشيطان
                        الأول : طبعا أستطيع، ولكن تذكر أنه برنامج الإتجاه المعاكس
                        الثاني : سأتذكر وستكون بجانبي طبعا
                        الأول : طبعا سأكون بجانبك، ولكن بنفس القدر الذي سأكون بجانبه، فالحياد ديني وديدني معكم، فأنا أعطي كل مريد ما يحتاجه لكي يصل به لمراده الذي أعطى عليه العهد لي


                        الثاني : ومتى سأقابله إذن؟

                        الأول : لقد بعثت في طلبه توا

                        الثاني : توا متى؟ فلم أرك تفارقني لحظة، ولم أرك تكلم أحدا، فمتى كان هذا التو؟

                        الأول : لوقلت لك أن برنامج إبليس كان على علم بكل ما دار بيننا من حديث لما تعجبت من ذلك، فأنت من ما سبق وقلناه على يقين من أنه متصل مع جميع البرامج، يسمع ما تسمعه ويوسوس في صدورها بما يشاء من الوساوس والأفكار، وأنه متمكن من ذلك، ويفعل ذلك كله دفعة واحدة مع جميع النفوس، صغيرها وكبيرها،

                        ولو قلت لك بأي لغة يوسوس لها لأجبت فورا بأنه بسبب طول حياته ومعاصرته لجميع الشعوب، قبائلها وعشائرها، في سهلها أو في جبلها، في أرضها أم وسط بحارها، فإنه متمكن من جميع اللغات المعروفة وغير المعروفة على الأرض، وعليه فهو سيوسوس لكل نفس بلغتها التي يعرفها أفضل منها


                        ستقول جميع ذلك من غير تردد، ولكنك تحيرت كيف انني تصرفت واتصلت وكلفت بدون أن يبدو لك من صورتي هذه أي تغيير، والسبب في ذلك أنك أنت تريد أن تصدق أن إبليس قوي ومتسلط عليك وعلى جميع الناس أكثر من المبرمج الذي أوجدك، وذلك لتبرير حاجة في نفسك لا تتحقق بسهولة إلا إن قلت إن إبليس هو المسيطر الأكبر عليك وعلى أفعالك


                        وتلك الحاجة هي أنك لا زلت تحب ارتكاب بعض صغائر الذنوب، والتي حين تفعلها ستسارع إلى لعن إبليس على فعلك الذي فعلته أنت، وبعدها ستشعر بالراحة لأنك قد تطهرت من رجس ذنبك بهذا اللعن لإبليس


                        ولنفس السبب تراك تستنكر أو لا تستذكر المبرمج قبل اقترافك الصغائر، وحين تقرء اننا نعرف كل اللغات ونكلم كل قوم بلغتهم تسنكر ذلك وتستكثره علينا، رغم أننا كذلك معك ومع كل البرامج في كل حين نسمع ما تسمعونه ونرى ما ترونه ونكلمكم في ضمائركم حين تقدمون على الصغائر والكبائر،


                        ولكن لأنك أنت مقبل على الفعل وراغب به تصم أذنك عنا وتفتحها لداعي إبليس، رغم أنكم تقرئون في كتبكم أنكم ستذَّكرون بهذه الدعوة وكيف أنكم تسمعون من يقول لكم: يا قومنا اجيبوا داعي الله وامنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب اليم، وتسمعونه يقول لكم: ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الارض وليس له من دونه اولياء اولئك في ضلال مبين


                        ولكنكم تصمون أذانكم عنا كأنكم لا تسمعوننا وذلك رغم أن ارتفاع صوتنا فيكم لا يقل ارتفاعه عن صوت داعي ابليس، ولكنكم تسمعون صوت داعي إبليس ولا تسمعوننا لأن آذانكم هي بالفعل صاغية له حصرا تنتظر منه الإشارة، ومركّزة على صوته كما تسمع الأم صوت وليدها يبكي وهو بعيد عنها


                        فتراها تسمع صوت بكائه رغم أنها منشغلة بالحديث مع صويحِـباتها وبعيدة عنه، فتتركهم فجأة وتجري نحوه أينما كان، وهكذا أنتم تفعلون معنا، فمهما تكلمنا ونادينا لا تسمعوننا، وإذا همس داعي إبليس صغت إليه أفئدتكم أيما إصغاء ورحتم إليه تسعون


                        صوت أقدام متأنية تأتي من خلفهم فيلتفت الثاني إليها ليرى رجلا جميل المنظر يتقدم نحوهم وهو يتمتم بكلمات كأنها من دعاء كان يقرئه عند خوفه من المكاره مطلعه يامن تحل به عقد المكاره ،ويا من يفثأ به حد الشدائد ويا من يلتمس منه المخرج الى روح الفرج، بضع خطوات أخرى تقدمها ووقف بينهم ينظر إليهما بريبة وحذر


                        الأول : لا تخف لم يحن الوقت المعلوم بعد

                        إبليس : فلماذا أمرت بي إذن؟


                        الأول : بضع دقائق تقضيها مع صاحبك تجيبه على أسئلته ثم تعود لشأنك

                        إبليس : لن تنفع المقابلة على هذه الهيئة


                        الأول : أعرف ذلك

                        إبليس : نعم أعرف إنك تعرف ذلك ولكن هذا الإنسي لا يعرف ذلك


                        الأول : أترك لك أن تعرّفه لماذا، وسأغيّب نفسي عنكما حتى تنتهيان من الحديث

                        الثاني : وتتركني وحدي معه؟


                        الأول : دعك من هذا الخوف، فأنت تتقلب في أحظانه ليلك ونهارك، وهو كما تعرف لا سلطان له عليك إلا أن يدعوك، فلا تستجب له فلا خوف عليك حينها

                        أترككم الآن وما أنا بتارككم

                        لحظات صمت اختفى الأول بها وبقي الثاني فيها ينظر للمكان الذي اختفى الأول به ولحظات أخرى بقي جامدا بها لا يلتفت لموضع ابليس وكأنه يخاف أن يلتف نحوه حتى سمع صوت من خلفه سرت ببدنه على إثره رعشة جعلته يهتز كسعفة نخل هزتها الرياح

                        إبليس : هل ستبقى هكذا طويلا يا إنسي؟

                        مرت لحظات أخرى استجمع بها الثاني شجاعته واستدار بعدها ببطء نحو إبليس وحين واجهه وجها لوجه قال
                        الثاني : كلّي آذان صاغية

                        إبليس : يجب أن تعرف أن لقائي بك ليس كلقائك بالأول، فكونه مجمع جنود العقل واسمها الأعظم فهو يريد هدايتك للتخلق والإستعانة بجنوده فهو إذن ينصحك منطلقا من جنود العقل الذي هو مجمعها، وكوني مجمع ما تطلقون عليه جنود الجهل فإنني أحاول هدايتك لجنودي التي أنا اسمها الأعظم وسأجيبك من منطلق جنودي التي أمثله ولا يمكنني أن أخالفها

                        الثاني : وماذا يجب عليّ أن أقول؟

                        إبليس : في الوقت الحالي إلزم الصمت وافهم ما أقول واعلم إنك إن سألتني فلن أصدقك القول لأنني أريد هدايتك للكذب وأبعدك عن سيئات الصدق وقبائحه

                        الثاني : هل تقصد أن الصدق قبيح؟

                        إبليس : قلت لك الزم الصمت يا إنسيّ حتى أطلب منك الكلام، وهذا التسرع الجميل منك أنا من علمك ايّاه وزينه لك فلا تظهره أمامي خوفا مني، أما الصدق فنعم إنه قبيح ألا ترى كما من المهالك يوردك بها الصدق إن استعنت به؟ ألم ترى كم من الناس حُـبسوا بسببه وكم من الأزواج تفرقوا بسببه وكم من الرسل قتلوا بسببه وكم من الحروب اندلعت بسببه وكم وكم وكم،

                        هل تريد أن أعدّد لك كم من المهالك أورد الصدق أصحابه وكان يمكنهم أن يتجنبوه بكذبة صغيرة، ثم ألا ترى أنّ أتباعي يسيطرون على مقاليد الدنيا وجميعكم تعرفون جيدا أنهم يكذبون ويكذبون ويكذبون عليكم ورغم ذلك تحبونهم وتختارونهم خلفاء لكم في بلادكم وأعمالكم وأموركم، وإذا جائكم الصادق بصدقه تركتموه ونبذتموه وراء ظهوركم

                        كن صادقا مع نفسك وأظهر ما تعلمته مني وتذكر صنائعي الجميلة معك، نعم معك أنت، كم من المصائب جنبتك بكذبي، كم من الأموال جنيت بكذبي، كم من النساء نكحت بكذبي، وكم من المراكز الإجتماعية الرفيعة حصّلت بكذبي الذي علمتك ايّه؟ وأخبرني ماذا جنيت من الصدق الذي علمّك اياه الأول غير شضف العيش وضيقه؟

                        الثاني : جنيت ...

                        إبليس : قلت لك اصمت حتى آمرك بالكلام ولا تستعجل وتعلم أن تكون ذليلا أمام من هو أقوى وأعلم منك لكي تحصل على ما تريد، فبالتذلل طريقك إلى ما تسعى إليه أقصر وأسرع، ألا ترى أن من يتذللون للحكام والوزراء والمدراء يصلون دائما لما يصبون إليه، وأن من يترفع عن التذلل لهم تراه دائما منبوذ ومطرود ولا يحصّل من المراكز الإجتماعية والوضائف إلا أحقرها وأشقاها وأقلها دخلا ماديا

                        الثاني : ولكن ...

                        إبليس : قلت لك اصمت وأظهر بعض الصبر نفاقا حتى تحصل على ما تريد، ألا تعلم أنني وصلت بالنفاق لما وصلت إليه من مراكز علية وقرب قريب من المبرمج الأكبر، فاصبر نفاقا وتواضع نفاقا واصدق نفاقا واركع واسجد نفاقا وافعل كل ما يلزمك نفاقا إن لزم الأمر للوصول لما تريده، وكن في كل ذلك شديد المكر والإصرار حتى تبلغ هدفك الذي تنشده

                        الثاني بصوت عالي : ولكنني لا أريد كل ذلك ...

                        إبليس : هذا ما يزعجني فيك يا إنسيّ أنت وباقي جنسك وجنسي من الجنّ، تعيشون حالة الإنكار لفضلي عليكم رغم أن أغلب النعم التي تتنعمون بها هي بفضلي أناااا، ولكن ما أن تحصلون عليها عن طريق الكذب والنفاق والخديعة والسرقة التي علمتكم ايّاه حتى تسارعون بشكر من يتوعدكم على تحصيلكم تلك الأموال والنعم بأشد العذاب والتنكيل،

                        أهديكم للنفاق والخديعة والكذب والسرقة فتنافقون وتفعلون ما هديتكم إليه وحين تحصلون على ما تريدونه من النعم تسارعون إلى شكره وحمده وتنسوني أنااااا مسبب نعمتكم، أعيش الأمرين بسببكم أشقى ليلي ونهاري لهدايتكم وفائدتكم وأنتم تتنكرون لي، بل وجزائي منكم أغلب الأوقات أنكم تلعنونني صباحا ومساءً

                        إبليس مسترسلا : وأنت يا إنسي، كم من الأفكار الجميلة أوحيت لك، وكم من أبواب العلوم هديتك لها، وكم من الأصحاب حببتك إليهم حتى صاروا يأنسون لك ليلهم ونهارهم وكم ....

                        فجأة توقف كل شيئ عن الحركة وبقي إبليس جامد مكانه لا يتحرك فيه شيئ، وحتى لهيب النار التي كانت مشتعلة توقفت عن الحركة، وأصبح كل شيئ كأنه صورة جامدة لا حركة فيها، وما هي إلا لحظة حتى ظهر الأول من جديد ليشعر الثاني حينها بالطمئنينة بوجوده

                        الثاني : هل أنت من فعل ذلك؟
                        الأول : بالتأكيد

                        الثاني : ولكن كيف؟
                        الأول : الأمر أبسط مما تتصور، فيكفيني أن أشاء ذلك ليستجيب الحاسوب حينها لمشيئتي، فكما تعلم إنما أنا صورة أوجدها الحاسوب لنفسه لكي يتكلم معك من خلالها، فأنا وهو واحد كما أوضحت لك من قبل، فمشيئتي هي إذن مشيئته بالأصالة والتي تنزّلت بي فكنت أنا المعبر عنها، طبعا الحاسوب يستطيع أن يتنزل بمشيئته بغيري ويستطيع أن يشاء من غير واسطة ليفعل ما يشاء

                        الثاني : ولماذا شئت الآن أن توقف كل شيئ؟
                        الأول : أنت تعرف أنني بدأت الكلام معك لكي أوضح لك ما خفي عنك وما كنت تبحث له عن إجابات، وما كنت لأترك هذا البرنامج أن ينفرد بك مدة طويلة، فهو كما تعرف ذو حيلة واسعة اكتسبها من عمره الطويل وأنت لست بند له على الإطلاق، وقد بدأت أحس بالرعب يدخلك من إسلوبه الهجومي، فأحببت أن أوضح لك بعض ألاعيبه لكي تكون على علم بها حين الإصغاء له

                        الثاني : بالفعل، لقد بدأت بالخضوع له خوفا منه، فهو لا زال يصيح بوجهي ويتكلم معي بثقة عن أشياء لها حظ من الحقيقة والصدق

                        الأول : لقد قال لك كلمة في أول حديثه معك ثم أراد أن يعمّيها عليك وينسيك ايّاها بإسلوبه الهجومي وببث الرعب فيك، فهو يعرف انه إن هزمك نفسيا ببداية الحديث معه فإنه لن يجد صعوبة في التلاعب بك بعدها

                        الثاني : وماذا قال؟
                        الأول قال لك "اعلم إنك إن سألتني فلن أصدقك القول" وهو بهذا قد وضع قاعدة للكلام بينكما وهي أنت تسأل وأنا اكذب عليك، فإذا استمريت بالكلام معه وسألته فأنت قد وافقت ضمنيا على الشرط الذي وضعه حتى وإن كنت غافلا وناسيا لذلك الشرط

                        الثاني يدور حول صورة إبليس الجامدة ويحرك كفّه أمام عينيه بتعجب : ألن يشعر بشيئ قد تغير بعد ذلك؟
                        الأول : لن يشعر بشيئ على الإطلاق، فكل شيئ قد توقف عن الحركة لأن الحاسوب بفعله أوقفه عن الحركة
                        الثاني : هل تقصد أن الحاسوب توقف عن الفعل فجمد كل شيئ؟

                        الأول : كلا، فلو توقف الحاسوب عن الفعل لاختفى كل شيئ، فبفعله تظهر آثار الأشياء في الوجود فهي (أي الآثار) إنما هي أفعاله وما دام الأثر موجود فالفعل موجود بالضرورة، فأفعاله ملئت أركان كل شيئ تراه، بل هي كل شيئ تراه، وعليه فما من شيئ تراه إلا وفعله كان فيه وقبله وبعده ومعه وفوقه وتحته بل هو محيط به بكل أبعاده المكانية والزمانية أيضا

                        الثاني : ما أجمل هذا الوصف إذن لحقيقة الأشياء وماهياتها

                        الأول : إنما أردت أن أبين لك من خلال هذه الوقفة القصيرة أنني معكما أسمع وأرى، وأنني متمكن من تخليصك من حبائل كذبه ومكره ونزغاته ومصائده ووعوده التي سيغرقك بها، وأريدك أيضا حين تحاوره أن لا تخاف من أن يفرط عليك أو أن يطغى، فأنا كما قلت لك معكما أسمع وأرى

                        الثاني : ولكن ماذا عن كونه يسمع خطرات ظنوني وما يدور في خلدي فربما أتذكر هذا الموقف حين نعود للحديث فيسمعه منّي؟

                        الأول : لا تخف فلن ننقل تلك الأفكار له، فكما تعلم إننا من نقوم بذلك منك ومنه وإليك وإليه
                        الثاني : ما أعظم من يلتجيئ إليك ويثق بك ويتوكل عليك

                        الأول : بل ما أعظم من يلتجئ إلى خالق الحاسوب ويلتجيئ إليه ويثق به ويتوكل عليه، فلا تنسى ذلك أبدا، والآن كن مستعدا فسيعود كل شيئ لما كان عليه قبل التوقف

                        وقف الثاني مكانه واختفى الأول وعاد إبليس للحديث من جديد:

                        ...... المواقف منعت بها قاطعي الأرزاق من قطع رزقك بها، ........ أرى ابتسامة ترتسم على وجهك فما الداعي لها؟
                        مرت لحظات صمت قال بعدها إبليس لماذا أنت صامت هكذا فتكلم؟

                        الثاني: أبداً، كنت أنتظر منك الإذن بالكلام، أليس هذا ما تريده؟
                        إبليس : نعم، وأعطيك الإذن، فما هو سبب تبسّمك؟

                        الثاني : لم أكن ملتفت لكل ذلك لولا أنك نبهتي عليه، أم الآن فإنني أعرف أنني كنت أُشركُـك مع سيدي ومولاي بالعبادة والطاعة

                        إبليس : وكيف ذلك؟
                        الثاني : بأن أطيعك أحيانا وأطيعه أخرى

                        إبليس : ألا ترى أن موجدي وموجدك قد أوجدنا لهدف واحد وهو اسعادك؟
                        الثاني : هو كذلك

                        إبليس : ألم ترى أنني فعلا أوفي ما أعد به، فطوال حياتك عندما كنت تصغي إليّ كنت تحصل على السعادة من فورك
                        الثاني : بل كنت أحصل على الندم والدموع حين كنت أطيعك

                        إبليس : أستطيع أن أُ أكد لك أنهما ليس من عندي، ولو أنك كنت تصغي لي فقط لما شعرت بالندم يوما ولما ذرفت الدموع كذلك، من عندي كنت تحصل على جميع ملذاتك وكنت تشبع جميع رغباتك وكنت دائما وأبدا تشعر بالسعادة، ولكنك كنت بعد ذلك تصغي لعدوي ومنافسي الذي يريد أن يظهر أعمالي الجليلة في إسعادكم وتلبية رغباتكم التي وكّلني بها موجدي وموجدك فجعلني أمينا على تحقيقها لكم بأي طريقة تطلبونها، أقول يريد منافسي أن يفسدها عليكم ويسلبها منكم ليقلل مقداري ومقامي ويشوه صورتي وقدرتي عند موجدي وموجدكم

                        الثاني : هل هذا إذن هو جانبك من القصة الأولى التي جمعتكما سوية؟
                        إبليس : أعلم تماما أنه قد شوه صورتي عندك وجعلني أبدو لك بصورة من لا يحبك ولا يريد لك السعادة، ولكن إعلم أن هذه صورة مغايرة للحقيقة، فحقيقة الأمر أنني مكلف بإسعادك في هذه الدنيا وبتعريفك بالكيفية الصحيحة التي يمكنك بها إشباع جميع غرائزك التي أودعها موجدك بك، تلك الغرائز التي إشباعها هو باب السعادة لك ولكل البرامج الأخرى، فالحاسوب برمجك لكي تسعد واختارني من دون البرامج الأخرى وبرمجني لكي أسعدك، فناصبني حينئذ الأول بالعداوة طمعا بما نلته أنا من المنزلة الرفيعة فأقسم أن يضلّكم عن طريقي وهداي وينغص عليكم كل سعادة أهديكم إليها بالوسوسة إليكم بأنها من السيئات وطالح الأعمال وجزائها تلك النار التي اخترعها من خياله وصار يخوفكم بها ويستغل بذلك سذاجتكم وطيبة قلبكم

                        الثاني : تقصد أنه لا يوجد نار ولا عذاب
                        إبليس : بالتأكيد لا يوجد فماذا سيستفيد الحاسوب بعذابكم إن عذبكم؟ لا شيئ بالتأكيد، بل إنه لا توجد جنة للتمتع في غير هذه الفرصة التي ستحصل عليها في حياتك هذه، وأنت إن اتبعتني فيها ستكون حياتك كلها نعيم وسعادة

                        الثاني : أريد أن أصدقك ولكن كيف لي أن أعرف أنك لا تكذب علي؟
                        إبليس : ولماذا أريد أن أكذب عليك يا صديقي؟

                        الثاني : ربما لأنك تحب الكذب وتكره الصدق
                        إبليس : أنا لا أحب الكذب بل أكرهه كذلك، ولكنني أجد نفسي جميلا فأحب أن أفيض من هذا الجمال على غيري تنفيذا لإرادة الحاسوب في خلقي، وأعطاني جميع ما تعرفه من قدراتي لكي أسعدك وأمتعك في فترة حياتك

                        إذا نظرت للأمر من هذه الزواية ستجد أنك حين تطيعني فهذه هي العبادة الحقة المطلوبة منك فطاعتك لي ستحقق لك الهدف الحقيقي الذي أوجدك الحاسوب من أجله، وهو إسعادك وتمتيعك في حياتك، وستجد أن النار هي ابتعادك عني وكبتك لغرائزك التي جعلها الموجد بك لتتمتع بها، وستجد أن طاعتي هي العبادة الحقيقية المطلوبة منك لكي تصل لما تريده من السعادة والمتع في هذه الدنيا، وستجد أن طاعتك لي هي التوحيد الحقيقي، فطاعتك لي هي إطاعة للحاسوب، وإرادته التي هي إسعادكم هي نفسها إرادتي التي أحاول أن أحققها من خلال إسعادكم، فكون إرادته هي نفسها إرادتي فإذا أطعتموني فكأنكم قد أطعتم الحاسوب فإرادتي متوحدة بإرادة الحاسوب فأنا هو وهو أنا من هذه الزاوية من النظر

                        فيما كان إبليس يتحدث شعر الثاني بضيق من كلامه الذي يخلو من الصدق، فكأنه أحب أن تنتهي هذه المقابلة مع هذا البرنامج المحترف، وفي تلك اللحظة توقف إبليس عن الكلام لحظة ثم قال

                        إبليس : يبدو أن وقتي معك هنا قد انتهى فوداعا ولست بمفارقك حتى أدخلك جنتي التي وعدك بها موجدنا،
                        وقبل حتى أن ينبس الثاني بكلمة اختفى ابليس من أمامه فيما سمع صوت أقدام تخطو من خلفه فأدرك أنه الأول قد وصل

                        الأول : نعم لقد سمعتك وأنت تتمنى انتهاء مقابلتك معه فأوحيت له بالذهاب، فذهب من فوره على الحالة التي رأيتها

                        الثاني : لقد شعرت بالضيق الشديد من مقابلتي له وحديثي معه
                        الأول : ولماذا؟

                        الثاني : إنه يتحدث بمنطق أراه يسود في عقول أكثر من هم حولي وأرى أن في تصرفاتهم يتجلى ذلك الفكر جليا وبوضوح حتى قبل كلماتهم، فاكتشفت من هذه المقابلة أن إبليس يسيطر فعلا على أغلب البرامج من حولي بل وعليّ كذلك في كثير من الأحيان

                        الأول : جميل أنك استطعت أن تلاحظ هذا بهذه السرعة
                        الثاني : أريد أن أفهم كيف يتداخل معنا هذا البرنامج الخطير، لقد سمعت أنه يجري فيناّ كجري الدم في العروق ولكنني لم أفهم ما معنى ذلك

                        الأول : لكي تفهم ذلك يجب عليك أن تخرج من الواقع الذي تعيش فيه
                        الثاني : وكيف لي ذلك؟

                        الأول : سأعينك على ذلك بطريقتي، سأطلب منك الآن أن تغلق جفنيك وتعدّ حتى الخمسة ثم تفتحهما بعد ذلك
                        الثاني : حسنا هذه جفوني وقد أغلقتها، واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، خمسة

                        فتح الثاني جفونه ولكن شيئا لم يتغير فالظلام لا يزال من حوله دامس، أراد أن يتقدم ولكنه لم يجد قدميه، أراد أن يتحسسهما بيديه ولكنه لم يجد يداه كذلك، بل ولم يشعر بوجودهما، ما هذا الشعور الغريب، أراد أن يلتفت من حوله ولكنه أدرك أنه لا يستطيع أن يحرك رقبته، بل انه حتى لا يشعر بها أو بوجودها، لا سبيل إذن إلا أن يدقق النظر في الظلام لعله يهتدي إلى بعض النور أو قبس من تلك النار التي كانت بجانبهما مشتعلة، ولكن لا شيئ من ذلك حصل بل انه اكتشف أنه لا يستطيع أن يرمش بجفونه وكأنها هي أيضا اختفت، أراد أن يصرخ بالظلام صرخة استنجاد ولكنه أدرك أن لا لسان لديه ولا شفتين ولا حتى فكّين، أين أنا؟ كيف أنا؟ ماذا أنا؟ نعم، أنا لا زلت أشعر أنني أنا، لا زلت أشعر أنني موجود، لا زلت أفكر فأنا بالتأكيد موجود، وإلا فمن هو هذا الذي يفكر الأن؟ هو أنا بالتأكيد، ولكن أين هي بقية أناااااااااااااااااااااااااااااا؟

                        صوت مخاطب يشق الظلام من حوله أدرك الثاني أنه صوت الأول : إنك الأن أقرب ما تكون لحقيقتك وأناك التي تبحث عن بقيتها

                        الثاني : أين أنا؟ أين نحن؟ ولماذا هذا المكان مظلم ظلمة دامسة لم أرى مثلها من قبل؟

                        الأول : بل هو مظلم أكثر مما تعيشه الآن، أنت في عالم الظلال، في عالم العقول المجردة، في عالم الأشباح، سمّه ما شئت، ولكن حاصله أنك الآن بعالم الـــ لا مادة، حيث لا نور ولا ظلام، ولا صلب ولا سائل ولا غاز، أنت في عالم لا مكان به ولا زمان

                        الثاني : ولكنني أسمعك تتكلم معي، فكيف تقول لا مادة هنا فماذا عن هذا الصوت وكيف ينتقل منك إليّ؟




                        يتبع إن شاء الله


                        تعليق


                        • #13
                          أحسنت سلمت أناملك أخي المؤمن ناصر فلاق الهام

                          استمر في الدفاع عن العقائد الحقة بارك الله بك
                          السلام عليكم
                          أحسن الله اليك وسلمك الله
                          وجعلنا الله وإياكم من المهتدين بهداه وجنبنا طرق الزيغ والضلال

                          تعليق


                          • #14
                            بسم الله الرحمن الرحيم
                            اللهم صل على محمد وآل محمد
                            السلام عليكم وحمة الله وبركاته

                            الأول : ما أريده منك هو أن لا تفزع فأنا هنا بجانبك؟
                            الثاني : هنا أين؟ وأين أنا؟ ولماذا لا أشعر بشيئ؟

                            الأول : لا تفزع ستفهم حالا كلّ شيئ، في ما يخصّ أين أنت، لنقل أنك الآن مجرد عقل جزئي في العقل الكلي، وأمّا لماذا لا تشعر بشيئ، فالسبب هو أنّك الآن غير مهيئ لكي تشعر وتحسّ بالأشياء، لأنّ عقلك قد فصل عن جسدك الذي كنت تميّز به مختلف الأحاسيس عبر اتصالك بالألات الحسيّة المركبة عليه

                            الثاني : تريد القول من أنني الآن مجرد عقل ولا جسد لي !!!!!!!!! كيف ذلك وأنا أسمعك؟
                            الأول : أنت لا تسمعني الآن، بل تدرك ما أريدك أن تدركه

                            الثاني : و ما الفرق بين السمع والإدراك ما دامت النتيجة واحدة؟
                            الأول : العقل يدرك لا بآلة والجسد يحسّ أو يدرك بآلة

                            الثاني : أوضح مقصدك أكثر لو سمحت

                            الأول : أنت في هذه اللحظة لا تحسّ بوجود أية أعضاء حسّية لك، وهي الآن غير موجودة بالفعل، ورغم ذلك تدرك معنى كلامي، كما أنّ الإحساس في عالمكم لا يكون إلاّ عن طريق الأعضاء الحسيّة، فأنتم تحسّون بالضوء والألوان والحرارة والخشونة والنعومة والمرارة والحلاوة وكلّ ما عدى ذلك من الأحاسيس المادية أو ما تدعوناه بالمفاهيم عبر أدوات الحسّ الخمسة التي لديكم،

                            بينما تدركون الخوف والحب والكراهية والحسد لا بآلة وإن كنتم تعبّرون حينها بأنّكم تحسّون أو تشعرون بالحب والخوف والحسد والكراهية، والتعبير الأصح في هذه الحالات هو أنّكم كنتم تدركون أنّكم تحبون أو تكرهون أو تحسدون أو كلّ ما عدى ذلك من تلك الإدراكات التي تدركونها لا بحاسة أو لنقل لا بآلة، فكيف تدركونها؟

                            تقولون بالعقل، ثمّ عدتّم لما تتحسسونه بأدوات الحس لديكم فقلتم أنّكم تدركونها كذلك بالعقل لكن بعد أن تتحسّسونها بتلك الأدوات منطلقين بذلك التعليل من أنّه إذا انقطعت الرابطة بين الأداة الحسيّة والعقل سينعدم الشعور بتلك الحاسة، لا لعدم وجود المؤثر الخارجي أصلا ولكن بسبب تعطّل الرابطة بين العقل وبين الأداة الحسيّة الموصلة له أو بسبب تلف نفس تلك الأداة الحسّيّة، مثل حالة العمى،

                            فالعمى قد يكون بسبب تلف العين نفسها، وقد يكون بسبب تلف الأعصاب الناقلة لما تراه العين للعقل، فقلتم حين ذلك أنّ المدرك لكلّ من المحسوسات بالأدوات الحسية وبغير الأدوات الحسية هو العقل، فعرّفتم حين ذلك العقل بأنّه القوة الكلية التي تدرك بها الأشياء،

                            ولكنّكم اختلفتم في تحديد مكان ذلك العقل وهل هو ماديّ وموجود في جزء من ذلك المخ الموجود داخل تجويف جمجمة الرأس، أو هو غير ماديّ ومرتبط بعالم الغيب

                            الثاني : إذن تريد أن تقول أنّك تؤدّي هنا دور ذلك الرابط ما بين العقل وما بين تلك المؤثّرات الخارجية

                            الأول : نعم وهذه إحدى وظائف العقل الكلّي، فهو من جهة يربط ما بين العقول الجزئيّة وبعضها البعض، ومن جهة أخرى يربط ما بينها وبين المؤثرات الخارجية التي سيوجدها حسب قوانين دقيقة، وأقصد بمجموعها تلك المؤثرات لذلك العالم الخارجي الذي ستعبّر تلك العقول الجزئية به عن مكنوناتها

                            الثاني : تريد أن تقول أنّ العقل الكلّي هو أنت؟
                            الأول : كلا

                            الثاني : و ماذا عنك؟
                            الأول : أنا أو نحن هم الإنسان الكامل

                            الثاني : وماذا يمثّل سيدكم ومولاكم إذن؟
                            الأول : هو الفاعل الأوحد لأفعال ذلك العقل الكلّيّ بقدرته وحياته وعلمه ولأفعال الإنسان الكلّي كذلك، ولولا رغبته وإرادته للفعل لما كان من ذلك شيئ

                            الثاني : إذن أنا في هذه اللحظة أفكّر بقدرته ورغبته
                            الأول : أحسنت

                            الثاني : لكنّني أشعر بأنّني حرّ في تفكيري

                            الأول : هذا هو جوهر القصيد، بأن تكون حرّا في تفكيرك وقراراتك واختياراتك ولكن بإقدار سيدي لك على فعل ذلك، فحين تريد التفكير ستحتاج للقدرة وحين تفكّر ستحتاج لمفاهيم جديدة وغير محدودة لتستعين بها على التفكير، وهذا هو العلم، وأخيرا ستحتاج للطاقة لتفعّل القدرة بها،

                            فقد تكون نظريا قادر على الفعل ولكن لا يوجد عندك الطاقة التي ستفعّل تلك القدرة بها، كمثل الطائرة بدون وقود، فالطائرة السليمة هي ألة قادرة على الطيران ولكن فقط إذا توفّر لها الوقود وإلاّ فلا قدرة لها، والوقود هنا يعبر عنه بالحياة، فأنت تفكّر باستقلالية ولكن بقدرة وعلم وحياة من سيدي ومولاي بالأصالة

                            طبعا ستحتاج لكل ذلك كوحدة واحدة لا يسبق أحدها الآخر ولا يتأخر أحدها عن الآخر كذلك

                            ونحن الإنسان الكلي نستمدها مباشرة منه كوحدة واحدة والعقل الكلّي سيأخذ القدرة والعلم والحياة منّا كذلك كوحدة واحدة وبعد ذلك منه ستفيض إلى بقية العقول الجزئية لكل منها كذلك كوحدة واحدة

                            الثاني : تريد أن تقول أن فعلي الوحيد هنا هو التفكير فالأختيار وأخيرا العزم على تنفيذ ذلك الإختيار، فإذا كان ذلك كذلك فما هو نطاق تفكيري واختياري؟

                            الأول : أما التفكير فلا حدود له، ويساعدك الخيال على تصوّر ما لا تستطيع الوصول إليه بقدراتك بسبب القوانين المانعة لك من الوصول لذلك الهدف، فأيّ كان ذلك الذي تعتقد أنّك لا تستطيع فعله وتحقيق وجوده خارجيا، فإنّك تستطيع إيجاده وخلقه عبر تخيله وتصوره،

                            أمّا اختيارك فهو محدود وإن كانت المراتب بين الأقصى والأدنى لكل من تلك الإختيارات كبيرة جدا لتصل قريبا من الــ لامحدودة، ولشرح ذلك أذكّرك بجنود العقل والجهل السابق شرحها، فأنت في كلّ قراراتك يجب أن تتحرك في نطاق تلك الجنود أو تلك الصفات معصية أو طاعة ولن تستطيع أن تعصي أو تطيع بغير تلك الجنود فأنت لاتعرف غيرها،

                            فأنت إذن محدود في مجال الإختيار ما بين الصفات وأضدادها، والتي منها الكرم ويضاده البخل، غير أن مراتب الكرم كثيرة جدا، تماما كما أنّ مراتب البخل كذلك كثيرة، وكذلك مراتب كلّ صفة وضدها هي كثيرة، وإذا فرضنا أن لكلّ سلب وإيجاب منها مائة درجة فستستطيع أنت أن تختار من الكرم مثلا خمسون درجة أو أكثر أو أقل،

                            ومن الشجاعة عشرون درجة أو أكثر أو أقل، ومن الصبر درجة واحدة أو أكثر أو أقل، وهكذا دواليك،

                            وستستطيع الإستعانة بأي من تلك الصفات وأضدادها المائة والخمسون بأيّ درجة تحددها أنت حسب اختيارك وقرارك، وهكذا هو حال بقية البرامج دائما، فهم متفاوتون في درجات البخل والكرم والصدق والشجاعة والنزاهة والعفة أو أيّ من تلك الجنود أو أضدادها، حتّى تكاد أن لا تجد شخصين بنفس الآن أو الزمان متشابهين بجميع الصفات

                            الثاني : لقد أدخلتني في هذا العالم من أجل أن تبيّن لي كيف يتداخل إبليس معي في كياني ولكنك
                            أدخلتني في مواضيع بعيدة عن مرادنا، فهل ابتعدنا فعلا عن ما نريد أم أنك ترمي من هذه التفاصيل التمهيد للبيان؟

                            الأول : انت من يحدد مسار الحديث بيننا، فلا يمكنني أن أبين لك وأنت نفسيا غير مستعد للبيان، وأريدك أن تكون من الآن مستعدا لما بعد ذلك أيضا، أي لما بعد أن أبين لك كيف يستطيع ذلك البرنامج أن يتداخل مع برنامجك فكريا، أريدك أن تستعد لتجربة جميلة ومفيدة ستصبح بها أحد جنودي الذين أنفذ بهم خطتي وهدفي في عالمكم

                            الثاني : لقد جعلتني بكلامك هذا عن هذه التجربة متشوق لها فهيا بنا إذن نقطع لها الطريق

                            الأول : جنود العقل والجهل! أنت تعرفها تماما، ومما أعرفه عنك أعرف أنك تحب جنود العقل وتسعى للإتصاف بها قدر ما تستطيع وكلما استطعت، وفي هذه الظلمة التي تحيط بك أصبحت تدرك الآن أنك لا تسمع بحاسة ولا تتكلم بحاسة رغم أنك تسمعني وتحاورني،

                            كما وأنك في هذه الظلمة قد خالجتك بعض المشاعر مثل الخوف والراحة والرغبة والفضول بدون أن تكون لك كذلك حواس أو غدد تفرز بك من الهرمونات ما قد يثير تلك المشاعر في نفسك، ومع إدراكك لجميع ذلك أصبحت الآن مدركا كذلك من أنني أنا من يخلق لك السمع والكلام منك وإليك،

                            وكذلك أنا من يخلق فيك الأحاسيس والرغبات في عالم الظلمة هذا، وأنني أخلقها لك بشكل يرضيك تماما حتى أنك قد نسيت بعد لحظات من دخولك بهذا العالم أنك مجرد عقل جزئي أو برنامج صغير ذاتي الإختيار والتفكير

                            الآن سوف أتركك وأريد منك أن تفكر فقط في جنود العقل، أن تفكر في جمال وحسن جنود العقل وأن لا تخرج من تلك الدائرة الفكرية أبدا ما استطعت، وسوف يدخل في الحوار معك بدلا مني برنامج آخر لا يعرف من المفاهيم إلا القليل منها، مما سيمكنه بها أن يحادثك ويحاورك،

                            بالإضافة لمعرفته السطحية أو الأسمائية فقط لجنود العقل ولجنود الجهل، بمعنى أنه يدرك اسم الصدق ولكنه لا يعرف ولا يحيط بحقيقة معنى هذا الإسم، أي أنه كبرنامج لم يرتبط بحقيقة هذا الإسم حضوريا من قبل ولو لمرة واحدة

                            ولننظر كيف سيجري الحوار بينكما ومن سيكون ثالثكما

                            الثاني : هل تقصد أنك ستكون معنا بالحوار؟
                            الأول : كلا، بل سيكون برنامج أخر غيري، وقد تميّزه من طريقة كلامه وكلماته

                            الثاني : هذا يعني أنني أعرفه
                            الأول : بالتأكيد ولكن دعنا ننتظر حتى يدخل بينك وبين البرنامج الثاني في الحوار
                            لنبدء الآن وتذكر ما قلته لك عن حصر تفكيرك بجنود العقل

                            الثاني بدء يفكر بجنود العقل فاختار الحب من بينها وصار يردد : الحب جميل، الحب جميل، الحب جميل

                            الثالث : أنا الحب ، أنا الحب ، أنا الحب

                            الرابع : البغض أفضل لي، البغض أفضل لي، البغض أفضل لي
                            الثالث : أنا البغض، أنا البغض، أنا البغض

                            الثاني : الحب جميل، الحب جميل، الحب جميل
                            الثالث : أنا الحب، أنا الحب،

                            الرابع : البغض أفضل، البغض أفضل، البغض أفضل
                            الثاني : ما بالك أيها الثالث وقد أبدلت رأيك سريعا

                            الثالث : وما أدراني أني أصلا قد أبدلت رأيي فلعلهما متشابهين
                            الثاني : بل هما مختلفان

                            الثالث : وما أدراك بذلك؟ هل تعرف حقيقتهما؟

                            في تلك اللحظة أدرك الثاني أنه لن يستطيع الإجابة بدون معونة الأول فطلب بخاطرة عقلية منه التدخل وإيقاف المحاورة حتى تنجلي الغمة

                            الأول : سؤال صعب، أليس كذلك؟

                            الثاني : بالتأكيد هو صعب، فكيف لمن لم يجرب طعم الحلو والحامض أن يجزم أن طعمهما مختلف؟ فقد يكون الطعم واحد والأسماء مختلفة

                            الأول : وماذا تقترح؟

                            الثاني : ما رأيك لو نزعت مؤقتا مني حب جميع جنود الجهل بكل درجاته لعلي أستطيع أن أفهم الفرق بين صفات العقل وصفات الجهل ثم ترجعني بعد ذلك كما كنت

                            الأول : أتريدني أن أنزع ما في صدرك من غل؟
                            الثاني : نعم، وهل ذلك عليك بعزيز؟

                            الأول : بل إن ذلك عليّ سهل يسير، ولكنني لا أستطيع أن أرجعك بعد ذلك كما كنت
                            الثاني : تقصد أن ذلك صعب أو مستحيل أم أنه يوجد سبب آخر يمنعك؟

                            الأول : إذا نزعت ما في قلبك من غلّ فكأني أدخلتك الجنة بسبب الهدوء والطمئنينة والإستقرار النفسي الذي ستشعر به لعدم وجود ما يتنازعك في داخلك، فجنود العقل متناغمة مع بعضها البعض وكلها تجري بالنفس باتجاه واحد نحو موجدها لتبلغ بالرجوع به إليه إلى منتهاه، فإذا نزعت ما في صدرك من غل ثم غرزته فيك بعد ذلك مرة أخرى ستشعر كمن خرج من الجنة إلى الجحيم، من النعيم إلى العذاب، وأنا لا أريد أن أعذبك ، ألم تقرء أن لموجدنا تسعة وتسعين إسما من أحصاها دخل الجنة؟

                            الثاني : نعم قرأت ذلك ولكن معناه كما أعتقد هو أنه من سيحصيها سيدخل بعد الموت إلى الجنة

                            الأول : بل إن معناها من أحصاها بالتخلّق بها في حياته دخل الجنة من فوره، وليس أنه سيدخل الجنة بعد موته كما تفهمونها، من تخلق بتلك الأسماء مجتمعة في حياته سيشعر بالسعادة وهي تغمره، وبنفس الإستقرار والإطمئنان النفسي الذي سيشعر به من سيدخل الجنة بعد يوم الحساب وبعد أن ننزع ما في قلبه من غل ليطأ بذلك من فوره أعتاب الجنة

                            من يتخلق بهذه الأسماء في الدنيا يكون قد نزع بيده ما في صدره من غل، ويكون قد دخل جنة الذات في حياته قبل مماته، ويكون قد مات في حياته قبل أن يموت

                            الثاني : إذن إبليس الذي يمثل الجهل المطلق هو الآن في الجحيم، وهو يتعذب بنيرانها

                            الأول : بل هو يشعر بالسعادة تغمره، ويشعر بالإطمئنان والإستقرار النفسي الكامل، تماما كمن تخلق بجميع جنود العقل كاملة، لأن جنود الجهل كما جنود العقل متناغمة مع بعضها البعض، وهذا يمنح إبليس الشعور بالسعادة والرضى والجمال والتكامل، وهذا الإستقرار والشعور بالرضى والجمال يجعله لا يطلب التغيير في ذاته، بل إنه يريد أن ينشر رضاه وسعادته وتكامله لجميع من هم حوله وتحت سلطته، بل إنه يشعر أن ذلك هو واجبه الملقى على عاتقه تماما كمن تخلق بجنود العقل كاملة، ولكن الفرق أن إبليس يشعر بالتكليف بلسان التكوين والخليفة بلسان التكليف

                            الثاني : وماذا عن أمر السجود والعصيان والوعد والوعيد له بالويل والعذاب؟

                            الأول : لديه ما يكفي من الجنود التي ستثير به حب الأنااا وستجعله يعتقد أن الهدف من تلك الأحداث هو لتحفيزه على العمل والإجتهاد في نشر جهائله التي يعتقد أنها هي المطلوبة من موجده في الحقيقة، وأنها هي الجنة والسعادة الحقيقية التي يريد موجده أن يدخل بها جميع برامجه

                            الثاني : لا أستطيع صبرا على خوض التجربة التي وعدتني أن أكون بها أحد جنودك الذين تنفذ بهم خطتك وهدفك في عالمنا

                            الأول : يبدو أنك تريد أن نتجاوز هذه المرحلة، فلك ذلك، ولكن هل تفضّل أن تدخل هذه التجربة على صورتك التي تعرفها، أم على صورة أخرى

                            الثاني : لن أقترح شيئا، فالأمر متروك لك وحدك فأنت صاحب الفكرة وأنت أعلم بالأجمل فيها

                            الأول : ستدخل إذن هذه المرحلة على صورة جنين في بطن سيدة، تمكث فيه بضعة شهور ثم تخرج للحياة من جديد، ولكن بقدرات أخرى

                            الثاني : وهل سأخرج من بطن هذه السيدة لا أعلم شيئا؟
                            الأول : كلا ستخرج منها وأنت تحمل معك جميع ما تعلمته في حياتك هذه من مفاهيم ومعارف

                            الثاني : يبدو أنها ستكون تجربة جميلة ومثيرة

                            الأول : لقد وعدتك بذلك وستكون كذلك أن شاء الله، ولكن أريدك أن تدعوني حين تتكلم عني وعن موجدنا مع بقية البرامج بسيدي ومولاي

                            الثاني : لك ذلك
                            الأول : إذن، إستعد وابدء بالعد حتى الخمسة وانتظر ما سيحدث بعدها

                            الثاني : واحد، إثنان، ثلاثة، أربعة، خمسة !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
                            ؟
                            ؟
                            ؟
                            ؟
                            ؟
                            يتبع إن شاء الله

                            تعليق


                            • #15
                              إنقطع الكلام، وكمن ألقي في الماء على حين غرّة شعر بالرطوبة تحيط به من كلّ جانب، وشعر بأطرافه مرة أخر، أراد أن يفتح عينيه فإذا بظلمة ثانية تحيط به وبسائل دافئ يملئ عينيه فأعاد إغلاقهما سريعا، أه ، ما أجمل ذلك، لقد ولدت من جديد، نعم تلك هي قدماي وهذه يدي أشعر بهما من جديد، حرّكهما بقوة فاصطدمت بحاجز لم يعرف ما هو إلا حين سمع صرخة ألم وأدرك معناها، إنه صوت السيدة التي هو في رحمها تتوجّع من ضرباته لجدار رحمها، صرخة ألم تبعتها ضحكات مستبشرة وكلمات فرح !!!!!!!!!!

                              لقد، لقد تحرّك يا زوجي العزيز، لقد تحرّك صغيرنا في رحمي، إنني أشعر بركلاته القوية

                              الأب جاء بدوره مسرعا وبدأ يحاول أن يتحسس تلك الركلات وهو يعرب عن سعادته لنمو أمله الصغير بشكل صحي، الثاني بدوره لم يتركه ينتظر طويلا فركل بقدمه جدار الرحم عدة مرات مما جعل فرح أبيه يزداد ويزداد، فراح يعبر لزوجته عن سعادته ويتودد إليها بكلمات جميلة سعد بها الثاني أكثر من صاحبة الرحم الذي هو به ومن زوجها

                              يا لها من سعادة كبيرة كنت قد حرمت منها، فمن كان يتخيل بأنني الذي كنت محروما طوال حياتي من طفل يدخل السعادة على قلبي سأعود في يوم ما لأصبح أنا هو ذلك الطفل من جديد، يا له من شعور جميل أظنني سأستمتع به لمدة من الزمن، إنّها فعلا بداية مشجعة لهذه التجربة الفريدة من نوعها، تجربة ستعوض علي حرمان الطفولة وتعب السنين الطويلة التي قضيتها بالجري خلف سراب لم يكن مقدر لي أن أصل له إلا بمعونة الأول،

                              وأظنني سأعمل على إشعار وآلدي هنا بالسعادة التي لم تسعفني قصر الأيام وضيق الزمان وشدة الإنشغال من أن أحققها لهما هناك،

                              فجأة ومن لا مكان قطع تفكيره صوت الأول يجول في خاطره : اذكرني دآئما وأبدا، واشكرني شكرا متصلا لقدرتي التي أجعلها لك في كل حين ملك اليمين، ولعلمي الذي به تدرك كل جميل، ولروحي التي هي لروحك النبع اللجين، اذكرني دآئما وأبدا واشكرني شكرا متصلا لأزيدك سعادة فوق سعادتك وقدرة فوق ما عندك وعلما فوق علمك، وعندها ستكون بقدرتي أنت الحي المحي والقادر المقدر والعالم المعلم بعدما لم تكن شيئا مذكورا

                              الثاني : سأفعل ذلك سيدي ... بل وسأفعله بكل سرور ورغبة .. الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. .. الحمد لك والشكر .. ..

                              صوته يرتفع بالحمد والشكر شيئا فشيئا، فتسمع أمه صوتا يسبح ويشكر فتتعجب من ذلك التسبيح والشكر، تصارح زوجها بما تسمع، فيحمدان ربهما ويستبشران بكريم منّـته عليهما

                              تمر الأيام سريعة على الثاني فلا يكاد يشعر بها، فيما مرت طويلة على تلك السيدة، فلقد كانت تتحرق شوقا لرؤيته وتقبيله وضمه إلى صدرها، حتى حان اليوم الموعود

                              حينما سمع الثاني صرخات الألم، أدرك حلول الأجل وموعد الخروج من الظُـلم، فتوجه بالدعاء والطلب من الأول لكي يخفف آلام التي هو في بطنها، هدأت الأم سريعا وزالت آلامها، وما هي إلا لحضات حتى شعر بالبرودة تعتريه، ثم بيد حنونة دافئة تلامسه حاملة اياه بين كفيها، فتح عينيه قليلا ثم عاد ليغلقهما سريعا،

                              ما أجمل هذا الشعور، ما أجمل أن تعود لي حواسي من جديد، تتناقله الأيدي بكل عطف ورأفة من جديد، قبلة حنونة تنطبع على وجنتيه، يفتح عينيه بهدوء قليلا قليلا، لتقع عينيه على وجه جميل ينظر إليه بدهشة وحب كبير، لم يتمالك نفسه من جمال المنظر، فابتسم ابتسامة كبيرة جميلة اخذت بلب أمه التي راحت تخبر الجميع بصوت فرح عن تلك الإبتسامة الجميلة وعن نظراته المتفحصة لها،

                              أدرك الثاني أنه يجب عليه أن لا يبالغ بإظهار إدراكه لما حوله، فأغمض عينيه مرة أخرى، نعم سأبقيهما مغلقتين في حضور الجميع ولن أفتحهما إلا حين أنفرد بأمي ... أمي ... إنها تشبه أمي .. ما أجمل ذلك إنها تشبه امي ... فتح عينيه مرة أخرى ليتأكد مما انتبه له فوقعت عيناه في عينيها، نعم هي أمي بعينها، فضحك حينها ضحكة جميلة أخذت بعقل جميع من في الغرفة،

                              متداركا أغلق عينيه من جديد، ولكن الإبتسامة هذه المرة لم تفارق شفتيه، ما أجمل أن يولد المرء من جديد، هنا يسمع صوت أمه وهي تطلب من الجميع أن يغادروا لأنها تشعر بالتعب، عاد الهدوء من جديد يلف المكان إلا من صوت دقات قلب أمه التي وضعته على صدرها وأحاطته بذراعيها وراحت تهمس بأذنه أجمل الكلمات وأعذب الألحان.


                              تمر الأيام والأم تتعجب منه، فهو يتابعها بنظراته أينما ذهبت، يجوع فلا يبكي، يتعرض لصدمات مؤلمة فلا يتألم أو يبكي، ينام حتى الصباح بدون أن يزعجهما، ينتبه لكلامها معه وكأنه يفهم ماذا تقول، تسمع منه في كل حين همسات المسبحين، يميز الألوان والأصوات والكلمات، يحرك عضلات جسمه بكل وعي، تتركه مستلقيا في مكان وتجده بعد حين في مكان آخر،

                              وما هي إلا ايام حتى أدركت أنه يفضل أن يقضي حاجته في بيت الراحة، ولا تزال دهشتها تزداد في كل يوم من وعيه وإدراكه الكبير لما حوله، ولكنها رغم دهشتها احتفظت بما علمته عنه سرا فلم تصارح به أحدا لخوفها عليه من الحسد والغيرة،

                              لم يستطع الثاني أن يصبر أكثر من بضعة شهور حتى يكشف لهم عن قدرته على المشي مستقلا ومتوازنا ثم بدأ بتلفظ الكلمات والجمل موهما اياهم أنه يتعلمها منهم ولكن بسرعة، وكانت المفاجأة الكبرى لهم حين رأوه يصلي بانتظام، مما كان له أكبر الأثر على توجه العائلة نحو التدين وعلى البحث في أمور الدين ،

                              وتمضي الأيام سريعة

                              هو بدوره لم يكن يحب اللعب مع الأطفال رغم حث والديه الشديد له على اللعب معهم، ولكنه كان يفضل القرائة والمطالعة والصلاة، فلقد كان ينتظر الإشارة ببدء مهمته التي كان يستعد لها بأفضل ما يستطيع فراح يطالع في النهار جميع الكتب العلمية، وفي الليل كان يقضي وقته بالصلاة والتامل والتفكر في ما قرئه وفيما أدرك فهمه من لقائه باللأول ليصهر بالتفكر جميع ذلك في علم واحد يفضي عن نظرة كونية واحدة وشاملة تجيب على جميع الأسئلة التي قد يطرحها العقل،

                              وكان يشعر بتدخل خارجي من سيده ومولاه حين يتفكّر ببعض المسائل وذلك حين تنحلّ عقدها فجأة بورود بعض اللمعات الفكرية عليه بين الفينة والأخرى، لمعات تحمل بين طياتها الأجوبة التي كان يبحث عنها فيتبسّم حينها شاكرا لرعاية سيده ومولاه له ولتمكينه اياه لما يريده من العلم ،

                              بعد مدة وجيزة شاع نبأ نبوغه رغم صغره بين الناس فصار محط أنظار المجتمع من حوله فكانوا يسألونه في كل حين ويختلفون إليه دوما فيما شكل عليهم من المسائل فيرشدهم للحق فيها، وما سئل يوم عن مسألة ولم يجب عنها بما هو مقنع للسائل، فإن لم يكن الجواب حاضر عنده حين وجوب الجواب لمع حق تلك المسألة على الفور في كيانه ليجيب بدوره بما يرضي السائل بفضل ذلك التدخل من سيده ومولاه، ففهم بذلك معنى إذا أردنا أن نعلم أُعلمنا،

                              وتمضي الأيام سريعة وهو يقرأ ويفكر ويتأمل بدون تعب أو ملل أو كلل، كان يتعامل مع نفسه وكأن لا جسد لها، ومع جسده وكأنه آلة يمتطيها، إذا جاعت أعطاها ما يسكتها، وإذا تعبت سقاها رشفات من الراحة، فلقد كان يعلم يقينا نوع ذلك الجسد ونوع تلك النفس التي تحركه والهدف منها،

                              وتمضي الآيام

                              حتى إذا كان جالسا في إحداها يتفكر تقدم منه رجلا مهيبا ووقف بين يديه قائلا :

                              - السلام عليكم
                              - وعليكم السلام
                              - يقرئك سيدي وسيدك السلام ويقول لك أن قد آن الأوان فأقبل علينا
                              - أهلا ببشير الخير وسهلا، ومتى الرحيل؟
                              - لك الأمر في ذلك فانظر متى، ستجدني رهن إشارتك
                              - إذن فليكن صباح الغد هو موعدنا
                              - لك ذلك
                              - إذن سألقاك في الصباح مرة أخرى

                              مضت ساعات الليل بطيئة حتى إذا اقترب الفجر كان الثاني قد تجهز لسفره، دقات هادئة على الباب تعلن وصول مرافق سفره ودليله به، فتح الباب فرئاه واقفا مبتسما فتقدم منه خطوتين محييا له فإذا به يجد نفسه في مكان غريب عنه لم يره من قبل فنظر خلفه ليرى الباب ينغلق فالتفت نحو مرافقه الذي بادره قائلا :

                              - إنك بالتأكيد لن تتعجب من الذي رأيته
                              - طبعا لن أفعل ولكن ماذا تدعون الفعل الذي حصل للتو؟

                              - بما أننا لا نزال في نفس العالم الذي كنا فيه ولكننا نبعد الآن مسافة بعيدة جدا عن المكان الذي كنت تتواجد به، وحيث أنك قد قطعت تلك المسافة حتى هنا بخطوتين فقط، فسنصف ذلك الفعل من هيئته التي تم بها فنقول لقد طويت لك تلك المسافة الطويلة كما المكان على قدر خطوتين قطعت بهما آلاف الأميال، فأنا وكما لاحظت لم أتحرك من مكاني إليك بل أنت من تحرك نحوي خطوتين فقطعت بهما تلك الإميال المؤلفة، فكنت ترى مكاني بذلك الطوي المكاني من على بعد آلاف الأميال وكأنه على بعد خطوتين منك، وهذه العملية ستكون منذ اليوم وسيلتك للسفر والإنتقال حيث تريد وللإطلاع على ما تريد، طبعا سيمكنك كذلك أن تسافر وتنتقل كما يسافر وينتقل غيرك ممن حولك ومعهم، ولكن إذا وجبت السرعة سيمكنك السفر بالطوي، وحينها يجب عليك أن لا تُظهر ذلك للناس وأن تحافظ على مظهرك الطبيعي بينهم،

                              - لك ذلك، ولكن هل يجب علي أن أقول أو أن أفعل شيئا محددا ليتم ذلك؟
                              - كلا أنت حالة خاصة فليس عليك سوى أن ترغب بحصوله ليتم لك ذلك

                              - وأين نحن الآن؟

                              - في مكان ما، ليس من المهم أين هو ذلك المكان، فهو مجرد مكان نلتقي به، وتذكر أنّه بعد اليوم لن يكون للمكان أو الزمان قيمة تذكر فإذا ما رغبت برؤيتي والحديث معي ستراني على الفور أمامك بانطواء المكان لك، وإذا ما رغبت بالحضور عندي ستلزمك حينها خطوتان للأمام فقط، فلا قيمة للمكان أو الزمان بعد اليوم سوى بما يحقق الهدف من وجودك بهما

                              - يبدو أن هذه الرحلة ستكون على غير ما توقعت منها، فرغم أنني لم أزل بعد في لحضاتها الأولى فقد تبدل معنى الزمان والمكان فأصبح الزمان لا زمان والمكان لا مكان !!!! أتسائل على أي صورة سينقضي يومي الأول؟

                              - لا تتعجب من ذلك، فقبل بداية هذه الرحلة كانت علاقتك محصورة مع مسميات الإشياء فقط، بمعني علاقة مع الصورة الذهنية للشيئ ومع اللفظ الذي يطلق عليها، وهذه العلاقة لها قواعد خاصة بها تحكمها، أما في هذه المرحلة من الرحلة فسوف تتعامل أيضا مع حقيقة الأشياء لا مع مسمياتها وصورها فقط، وحين تعرف أسماء الأشياء فقط غير أن تعرف حقيقتها أيضا، فمن الطبيعي أن تكون القواعد التي تحكم هذه المرحلة غير تلك التي كنت بها، نعم أنت مقبل بهذه المرحلة على ما لم تألفه من النظم والقواعد من قبل، ولكنني متأكد من أنك ستفهم تلك القواعد و تألفها سريعا

                              - لكن أرجو منك أن تتعطـّف معي قليلا بذلك، فإن أهم ما يعرفه وجداني قد فقد قيمته للتو وأصبح كالعدم، فكيف تراني سأتصرف حيال ذلك؟

                              - صدّقني سوف تستمتع بذلك

                              - هذا إذن خبر سار، ولكن هل يعني ذلك أن تعرفي على حقيقة إسم ما سيفقده قيمته عندي كما حصل بالنسبة للمكان والزمان؟

                              - كلا بالتأكيد، بل وعلى النقيض من ذلك تماما، فمعرفتك لحقيقة الشيئ سيعني أنك قد ملكته لا أنك فقدته، فبتلك المعرفة سيمكنك منذ الآن التحرك بدون أي قيود، زمانية كانت أو مكانية، لأنك بحيازتك لتلك المعرفة قد حُـزت حقيقة الزمان والمكان، فما كان يكبلك من قيودهما أصبحت مفاتيحه بحيازتك الآن بهذه المعرفة

                              الثاني : كيفما أشاء؟

                              الدليل : نعم كيفما تشاء ولكن بشرط أن تكون ملتزما بحدود مهمتك التي كلفت بها فتكون مشيئتك حينها موافقة لمشيئة من أوكل إليك تلك المهمة فإذا تعارضت مشيئتك مع مشيئته كأن ترغب أن تحقق بتلك القوة الممنوحة لك أهداف خاصة تشبع بها غرائزك الشخصية ستكون المشيئتان حينها وبالتأكيد غير متفقتان، بل ومتعارضتان، فلا يتحقق لك حينها ما شئته من الطوي المكاني أو الزماني بسبب ذلك التعارض

                              الثاني : تقصد أنني ما دمت موافقا بمشيئتي لمشيئته سأكون يده التي يعطي ويأخذ بها ويده التي يرحم ويبطش بها

                              هو كذلك، أمّا الآن فأود أن أشرح لك شيئا بسيطا قبل أن تباشر أول مهامك هنا لارتباطه به، إن كل من ستراه وتسمعه وتشعر به هنا له هدفين في هذا البرنامج أو في هذا العالم، هدف خاص به وآخر عام، وهدفه الخاص هو خاص به وحده، أمّا هدفه العام فمرتبط مع الأهداف الخاصة بباقي البرامج من حوله، أنت مثلا وجودك هنا له هدف خاص ستسعى للوصول إليه وبه كمالك،

                              ولكن لكي تتمكن من ذلك يجب عليك أن تتصل مع ما حولك من البرامج، وقد قُدر هذا الإتصال بين جميع الأشياء والبرامج في هذا العالم بشكل منظم ومدروس بحكمة ودراية وتقدير دقيق ليصل عبره كل موجود من موجوداته للهدف الخاص به، وهذا التقدير الدقيق الحكيم قائم على قانون الأسباب والمسببات، او العلل والمعلولات،

                              كما أن الموجودات هنا تنحصر بين أثنتين فقط، البرنامج الكلي أو لنقل عنه العالم، والبرامج الجزئية القائمة والمتقومة به، مثلي ومثلك ومثل باقي الأشياء هنا، وتلك البرامج الصغيرة لها كما أوضحنا أهداف خاصة وعامة ستسعى لتحقيقها منفردة ومجتمعة، كما وأن للعالم أو البرنامج الكلي كذلك هدفان خاص وعام سيسعى لتحقيهما،

                              أمّا الخاص فيتعلق به وحده، فيما يتعلق العام باثنين أخرين سنؤجل الحديث عنهما لحين آخر، أما الهدف الخاص للبرنامج الكلي فهو مساعدة تلك البرامج الجزئية للوصول لما تطمح إليه من الوصول لأهدافها الخاصة بها، وذلك بتوفيره جميع ما قد تحتاجه البرامج الجزئية من الأسباب التي قد تطلبها من أجل وصولها، وسندعوا هذا الهدف للبرنامج الكلي بــ كمال التوصيل، فيما سندعوا هدف البرامج الجزئية بـــ كمال الوصول،

                              وكل ذلك طبعا بنظام الإسباب والمسببات، وكما لاحظت أن بهذا البرنامج توجد سماء وكواكب ونجوم وفضاء شاسع به شموس وأقمار عديدة، وتوجد أرض وما عليها من الإشكال المختلفة للحياة، إن جميع موجودات هذا البرنامج الكلي تخدم في وجودها البرامج الجزئية المدعوة بالإنسان لتصل به حيث يريد الوصول،

                              وقد لاحظت بالتأكيد فيما سبق أن جميع تلك البرامج الجزئية أو الإنسانية قد تمركز وجودها وتجمعها في مكان واحد يدعى الأرض، وبما أن للإنسان غرائز متعددة وقدرات جبارة وخيال جامح فلو أنه خلـّي ما بينه وبين ما عنده من تلك القدرات والغرائز وذلك الخيال فسيعمل بالتأكيد من غير قصد على إتلاف هذه الأرض وفسادها بسبب رغباته الجامحة في أشباع تلك الغرائز والقدرات تحقيقا لما يمليه عليه خياله الواسع،

                              وحينها سيفسد بفساد الأرض الهدف من وجودها ووجودهم عليها، لذلك وجب وجود سبب أو علة تعمل على إضعاف تأثير الإنسان السلبي على هذه الأرض لتبقى هذه الأرض مؤدية للسبب الرئيسي من إيجادها وهو كونها دار اختبار وابتلآء للبرامج الجزئية، أو للإنسان،

                              الثاني : وما هي تلك العلة أو ذلك السبب الذي سيحافظ عليها من الفساد والدمار؟

                              الدليل : قبل ذلك يجب أن نعرّف الفساد الذي من أجل تلافيه قد وجدت تلك العلة أو ذلك السبب، فمتى ستفسد هذه الأرض؟ قلنا أن علة تصميمها هو أن تكون دار اختبار، والإختبار هو من الإختيار، فإذا انعدم الإختيار انعدم الإختبار معه وحين ذاك لن تكون الإرض محققة للهدف أو العلة من وجودها

                              الثاني : وكيف سينعدم الإختيار برأيك؟

                              الدليل : تعرف بأن إختيار الإنسان هو دائما بين الطاعة والعصيان لما رُغـِّب به أو نـُهي عنه، وكل ما رغــِّب به يدعى خير، وما نهي عنه يدعى شر، فالإختيار إذن هو بين فعل الخير وفعل الشر، فلذلك يجب أن يبقى الخير دائما وأبدا موجود على هذه الأرض ومتاحا للجميع، وكذلك أيضا يجب أن يبقى الشر كذلك موجودا ومتاحا للجميع، بمعنى أنه يجب أن تبقى حالة التوازن هذه موجودة في كل حين، وإلاّ فإذا سيطر الخير على جميع الأرض لن تصبح حينها دار اختبار أو بلاء لأي ممن هم عليها، فإذا سيطر الخير لن يتمكن أحد من فعل الشر، و كذلك هو تماما نفس هذا الحال فيما لو سيطر الشر على الأرض جميعها، فإذا أراد أحدهم فعل الخيرات لن يستطيع حينها فعل ذلك لسيطرة الفساد على جنبات هذه الأرض، فالجميع في كلتا الحالتين سيكون مجبر على فعل الشر فقط أو الخير فقط ، وهذا هو عين الفساد الذي يجب تجنبه

                              الثاني : وأين نحن من ذلك السبب؟

                              الدليل : هذا هو بيت القصيد، فأنت ستعمل تحت إمرة ذلك السبب كما هو أنا والعديد معنا في هذه الأرض، وستكون جنديا من جنوده تفعل ما يأمرك به وبدون مناقشة، فذلك السبب مطلع على جميع أحوال هذه الأرض ومحيط بكل ما يجري عليها من الأحداث سواء الصغيرة منها أو الكبيرة، فهو خليفة سيدنا ومولانا على هذه الأرض وحاكمها الفعلي، طبعا الهدف من خلافته وحكمه للأرض هو ليس السيطرة عليها سياسيا وعسكريا، بل هو كما أوضحنا سابقا لإبقائها محققة للهدف الذي من أجله قد صممت وهو أن تكون دار بلاء واختبار لكل من عليها، فلذلك فإن وجوده وحكمه لن يكون ظاهر للعيان بل سيكون مخفي عن الجميع، ونحن هم جيشه وجنوده ووزرائه

                              الثاني : ولماذا يجب أن يكون حكمه غير ظاهر للعيان؟

                              الدليل : إن ظهور ذلك الخليفة المسيطر على الأرض بقوته وجبروته الممنوحان له من سيدنا ومولانا سيفسد ذلك الهدف من وجود الأرض، فبسبب قوته المفرطة الدافعة للخير والطاعة سينعدم الشر ويتراجع وينكفئ أمامه، وحينها لن يكون هناك اختبار حقيقي لتلك البرامج، فليس أمامها سوى أن تتبعه وحينها ستتحقق لها السعادة مما سيجعل الإبتعاد عن المعصية أوجب لإشباع الغرائز والتي هي مواد الإختبار، وهذا منافيا للحكمة من تصميم هذه الأرض من كل الوجوه، ومن غير المعقول أن يصمم سيدنا ومولانا هذه الأرض لهدف مرسوم ومحدد بدقة وحكمة ثم يعود ليجعل بها سبب ظاهر غالب فيفسد به الهدف الآساس الذي وضعها من أجله، لذلك وجب أن تكون خلافته بها خلافة خفية عن الأنظار،

                              الثاني : وما هي إذن طبيعة عملي كجندي تحت إمرته؟

                              الدليل : ستتعلم أولا أن تكون خفيا مع ظهورك، وضعيفا رغم قوتك، وأن لا ترفع يدك أو تخفضها إلا لأمر قد كلفك به ذلك الخليفة، فإن بذلت أو بطشت فإنفاذا لأمره، وإن منعت أو رحمت فإنفاذا لأمره كذلك، إجمالا ستتعلم أولا كيف تكون غير موجود مع وجودك، وكيف تتجرد من وجودك بالكامل مع المحافظة عليه


                              بسم الله الرحمن الرحيم
                              اللهم صل على محمد وآل محمد
                              السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



                              • وهل سأحظى قبل ذلك بفرصة أرى بها قدراتي وأجربها بنفسي؟
                              • لماذا؟ ألا تثق بكلامي؟
                              • بل أثق بك وبسيدي ومولاي تمام الثقة ولكنني أريد أن أجرب بنفسي ليطمئن قلبي
                              • لك ذلك، يمكنك أن تجرب وتشاء ما تريد حتى يطمئن قلبك وحينها ستأتيك منا إشارة فلا تستخدم قواك لنصرة نفسك أبدا واقصرها فقط على إكمال المهام التي ستوكل إليك
                              • أرجو التوفيق في ذلك
                              • أتمنى لك النجاح والموفقية
                              • شكرا لكم
                              • الشكر الموصول لسيدنا ومولانا فقط.
                              • بالتأكيد، ولكن من لم يشكر العبد لم يشكر المولى
                              • أحسنت بهذا القول، والآن سأتركك لتبدء مسيرتك ورحلتك، وتذكر أنك ستراني حينما واينما وكيفما تريد وما عليك سوى أن تشاء وتعقد العزم على ذلك
                              • لن أنسى ذلك أبدا، وكيف لي أن أنسى
                              • إذن إلى اللقاء
                              • إلى اللقاء
                              • مجرد طرفة عين كانت تفصله عن رؤية دليله ومحدثه الذي اختفى بعدها من أمامه كأنه لم يكن وما كان، لحظات وقف بها حائر يسأل نفسه من أين سيبدء وكيف؟، أخيرا قرر أن يبدء اختبار قواه الجديدة التي سيختصر بها المكان والزمان والتي تحول بها أمره لِكُن فيكون، وأن يبدء تجربتها بالعودة فورا إلى بيت والديه وحينما قرر ذلك وجد نفسه يقف أمام البيت فتقدم منه وهو يفكر أن يخترق جدرانه كما تفعل الأرواح بالأفلام وفعلا تقدم منها فاخترقها بسهولة ليجد نفسه وسط البيت ويسمع صوت أمه وهي تتحدث مع أبيه بصوت حزين، تقدم منها وهو يرغب أن لا يرونه وأن يراهم هو فقط، اقترب منهما أكثر وأكثر، دخل عليهما الغرفة وهما يتحدثان بهدوء، كانت تشكو له الحنين الذي سيعصف بها ان فارقها ولدها وذهب عنهما بعيدا، وكان زوجها يطمئنها أن لا شيئ من ذلك سيحصل وأنه سيبقى معهما للأبد، وهنا رأى أمه وهي تسند رأسها على صدر أبيه ودموعها تنحدر من مقلتيها كالمطر، في تلك اللحظة خرج من عندهما سريعا ثم ناداهما من الخارج قائلا:
                              • أمي العزيزة أين انت؟
                              • نحن هنا يا عزيزي
                              • ها أنتما يا أعز الوجود وأحبه إليّ، عن ماذا تتحدثان يا ترى؟
                              • تقول والدتك أنك تريد أن تهجرنا يا عزيزي، فهل هذا صحيح؟
                              • لن أهجركما يا أبي، ولكنني أريد أن أبحث عن شيئ يقلقني ويشغل بالي، وحين أجده سأعود لكما من فوري
                              • ولكنك لا تزال صغيرا لكي تسافر وحيدا يا ولدي
                              • ولكنني لن اكون وحيدا، فدعواتكما سترافقني طوال سفري، أليس كذلك يا امي؟
                              • بالتأكيد يا عزيزي، بالـتأكيد !!
                              • وكم ستطول غيبتك يا ولدي؟
                              • سأعود لكما بين الفينة والأخرى فلا تقلقا لذلك أبدا
                              • ومتى ستسافر يا عزيزي؟
                              • من فوري،
                              • من فورك؟ وهل تعرف إلى أين تريد التوجه؟
                              • في الحقيقة لا أعرف، ربما سأجد ما أبحث عنه خلف هذا الباب وربما في بلاد أخرى وربما في عوالم أخرى، من يدري؟ ولكنني واثق تمام الثقة من أنني سأجده
                              • ستفعل يا بني، وستجده إن شاء الله
                              • سأجهز حقيبتي إذن ثم سأنطلق بعدها
                              • سترافقك دعواتنا يا ولدي
                              • ذهب إلى غرفته وعاد بعد قليل بحقيبة بها بعض الملابس والأغراض وودعهما بحرارة وشوق ودموع ثم خرج مبتعدا عنهما حتى توارى عن نظرهما، كان يتحرك بنشاط وهمة مع ابتسامة لم تفارق شفتيه،
                              • مضى بعض الزمن لم يألو به جهدا في اختبار قواه الجديدة فلم يترك به فرصة إلا واستغلها، فكان يكلم الأحجار والأشجار والثمار وكانت بدورها تكلمه، زار الشمال من الجنوب والشرق من الغرب بطرفة عين، وكلم الأقوام بلغاتهم وفهم تغريد الطيور وفحيح الثعابين، وحول بمشيئته التراب إلى ذهب والأحجار إلى طيور تطير ، ووقف على القبور وكلم سكانها وأجابوه، وأعاد بعضهم للحياة بعد أن بليت عظامهم وأصبحت كالرميم، وكان يمر على المرضى فيشفيهم من أسقامهم وعللهم بنظرة من عينيه أو بلمسة من كفيه أو بهمسة تخرج من بين شفتيه، استمر على هذا الحال مدة من الزمن حتى سكن في وجدانه الإطمئنان وحينها وبينما كان يمشي بهدوء ظهر أمامه باب مفتوح فعلم أنه إشارة وأنه مدعو للولوج فيه، تقدم منه بهدوء وولج به ليرى أمامه من كان قد ودّعه قبل مدة
                              • السلام عليكم
                              • وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
                              • كيف مضت أيامك؟
                              • لا أشك بأنك أعرف مني بها، نعم لقد أطمئن قلبي تمام الإطمئنان
                              • هل تعتقد إذن أنك جاهز لأول مهامك؟
                              • بمعونتكم لن أفشل بتحقيقها
                              • ربما وربما العكس أيضا
                              • ماذا تقصد؟
                              • أقصد إننا سنكون معك وسنكون ضدك، فسنجتهد في دعوتك لنكران ذاتك وفي نفس الوقت سنجتهد لدعوتك لإثباتها
                              • وكيف ستقومون بذلك؟
                              • عبر وازعان يتنازعانك، وكلاهما منّا طبعا، فأحدهما يدعوك في كل المواقف لإثبات وجودك بينما الآخر لنكرانها، فأما الذي يدعوك لإثباتها فهو ما تعرفه وتسميه بالشيطاني وأما الآخر فهو ما تدعوه بالملآئكي، الشيطاني طريقه إليك من خلال دعوته لك لإشباع وإلذاذ حواسك وغرائزك، وأمّا الملآئكي فعبر تذكيره لك بأنها عوائق متتابعة ومتراكمة في طريقك يجب عليك أن تتجاهلها وأن تحاربها ضمن ضوابط يفصّلها ويحددها لك مسبقا، وبما أنك تعرف منذ البدء أن طريقك لما تريد هو بنكرانك للذات وبعدم رؤية النفس في جميع المواقف والقرارات التي ستتخذها فيها فلا تصدر منك إلا بما يتناسب مع أرادة سيدنا ومولانا فتكون إرادتك حينها موافقة لإرادته، وستعرف لاحقا أن إرادته هي اتباعك لتلك الضوابط أو الشريعة التي سيرسمها ويوضحها ويفصلها لك فيما بعد والتي ستحكم علاقتك مع نفسك ومع غيرك ومع المحيط الذي سيجمعك معهم، لقد حددت هدفك بوضوح قبل أن تصل إلى هنا وهو أنك تريد أن تتمتع بقدرات لا يمكنك أن تتصورها فاخترت خوض هذه التجربة معنا في هذا العالم الفريد وتعلم الآن أنك لتحصل على الكل يجب أن تترك شيئا واحدا فقط وهو أن تترك نفسك، وبمقدار تركك لها ستقترب من هدفك الذي تريده وهو الحياة التي لا عدم بها أو معها، ويمكنك الأن أن تستنتج أن مقدار تشبثك بنفسك ورؤيتك لها سيأخذك للجهة المعاكسة وهو الموت فحيث أن تركك لها (نفسك) يقربك من عين الحياة الخالصة فإن تشبثك بها (نفسك) سيقودك للعدم المحض وللموت، ومنه فإن الوازع الملائكي إنما هو باب ووسيلة تدخل منه وعبر اتباعه لشهود الحياة المطلقة والتوحد معها، وأما الوازع الشيطاني فهو بمثابة الباب والوسيلة للفناء أو الموت، واتباعك للوازع الشيطاني والإنصياع له إنما يقودك للموت الحقيقي وللفناء المحتم، وعليه فجميع اختياراتك لا تنفك عن كونها وضع قدمك على أحد طريقين لا ثالث لهما وهما:
                              • طريق الموت و العدم
                              • طريق الحياة والوجود الخالص
                              • فعليك أن تنتبه دائما وأبدا حين تختار، فالوازع الشيطاني يريد دائما أن يأخذك إلى حيث النصب والحرمان والعدم المحض بعيدا عن عين الحياة الوجود الحقيقي الذي تسعى إليه جاهدا وتريد التوحّد معه

                              تعليق

                              المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                              حفظ-تلقائي
                              x

                              رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                              صورة التسجيل تحديث الصورة

                              اقرأ في منتديات يا حسين

                              تقليص

                              لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                              يعمل...
                              X