بسم الله الرحمن الرحيم
1- أنا أوضحت مراراً أن ذكري بعض الروايات التي ذكرتها لم يكن من باب الاستدلال العلمي الكامل و إنّما كان من باب التنبيه لأصحاب الفطرة السليمة الذين يرون أنه لا يمكن أن يكون دين الله بهذه السطحية التي يعرضها الأخ (شعيب العاملي) و أمثاله ممن اقتفوا أثر بعض المحدّثين والإخباريين في تفسير الروايات الراقية فجعلوا كلام الإمام في سطح واحد. فلا فرق عندهم بين ردّ الإمام لشبهة مشتبه، و بين مناجاته مع ربه.
على كل حال، ما نلفت النظر إليه هاهنا مجرّد تنبيه و أما الاستدلال فسيكون بطريق آخر و في مقام آخر إن شاء الله. أليس الصبح بقريب.
2- أرجو من الإخوة التأمل قليلا في أجوبة الأخ شعيب العاملي و كيفية تفسيره لروايات أهل البيت الراقية المضامين، و كيف أنه يجعلها معاني بسيطة سطحية. و لن أتعرّض إلا لمثال واحد تاركاً الباقي على الإخوة، فإن تمكّنوا من اكتشاف الخلل بأنفسهم فبها، و إلا سنبين الخلل مفصلا في وقت لاحق.
أنظروا إلى قول أمير المؤمنين في مناجاته الشعبانية :
- اِلـهي هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ اِلَيْكَ، وَاَنِرْ اَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها اِلَيْكَ، حَتّى تَخْرِقَ اَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ اِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ، وَتَصيرَ اَرْواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ...
- اِلـهي وَاْجَعَلْني مِمَّنْ نادَيْتَهُ فَاَجابَكَ، وَلاحَظْتَهُ فَصَعِقَ لِجَلالِكَ، فَناجَيْتَهُ سِرّاً وَعَمِلَ لَكَ جَهْراً.
- اِلـهي وَاَلْحِقْني بِنُورِ عِزِّكَ الأبْهَجِ، فَاَكُونَ لَكَ عارِفاً.
- اِلـهي وَاْجَعَلْني مِمَّنْ نادَيْتَهُ فَاَجابَكَ، وَلاحَظْتَهُ فَصَعِقَ لِجَلالِكَ، فَناجَيْتَهُ سِرّاً وَعَمِلَ لَكَ جَهْراً.
- اِلـهي وَاَلْحِقْني بِنُورِ عِزِّكَ الأبْهَجِ، فَاَكُونَ لَكَ عارِفاً.
و لاحظوا أن القائل عليّ بن أبي طالب عليه السلام (إمامنا الذي نفاخر به الملائكة و الأنبياء قبل الإنس و الجن).. علي بن أبي طالب الذي يقول: "ما عَبَدْتُكَ خَوْفاً مِنْ نَارِكَ وَ لَا طَمَعاً في جَنَّتِكَ، بَلْ وَجَدْتُكَ أهْلًا لِلْعِبَادَةِ فَعَبَدْتُك"، و هو القائل: "لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً". و هو القائل: "فهبني صبرت على حر نارك فكيف أصبر عن النظر إلى كرامتك" ... علي بن أبي طالب هذا يأتي في خلوته مع الله و في ليالي شهر شعبان المبارك و يقول هذه العبارات التي تهزّ كيان الإنسان و تشدّه إلى الله بشكل عجيب.
حسناً، كيف فسرها الأخ شعيب العاملي؟ (طبعاً هو لم يحاول أن يفسّر إلا العبارة الأخيرة من الدعاء ظاناً أنها الأسهل من بين العبارات التي نقلتها، كما أعرَض عن الدعاء الصريح الذي نقله أحد الإخوة. و مع ذلك انظروا كيف فسر المعرفة زاعماً أن هذا استشهاد من كلام الأئمة :
يصدق الله ويصدق محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله في موالاة علي والإئتمام به وبأئمة الهدى من بعده
لقد جعل هذه المرتبة العادية من المعرفة التي يكون بها الشيعي شيعيا، و التي علمها الإمام لأحد أصحابه (راجعوا الروايات التي بعدها في تفسير العياشي لتتأكدوا من ذلك) .. أقول لقد جعل الأخ شعيب هذه المرتبة هي غاية أمل أمير المؤمنين عليه السلام من ربه و الحاجة التي أفنى عمره من أجلها. فإذا كنا نريد أن ننزل بالإمام إلى هذا المستوى فهل نلوم من أنكر الولاية التكوينية للأئمة عليهم السلام بعد ذلك؟! أقول: بعد هذا انا لا ألوم الأخ شعيب إذا اعتبر أن ما يقوله العرفاء هرطقة و زنقة.
بصراحة أنا صرت متشجعاً لإكمال الموضوع لا لأجل الدفاع عن العلامة الطهراني و لا عن مدرسة العرفاء بل لبيان مقام الأئمة صلوات الله عليهم، فأنتم في حقيقة الأمر لا تنكرون هذه المقامات للعرفاء بل في الحقيقة تنكرونها لرسول الله و الائمة أيضاً قبلهم. ثمّ تقولون إذا كان هذا حال الإمام فكيف بمن هو دون الإمام؟! العرفاء يثبتون هذه المراتب بأعلى درجاتها للأئمة و يقولون إنما كان الإمام إماماً لأنه يأخذ بأيدينا إلى هذه المراتب العالية. و أنتم تقولون: أصلا الإمام لا يعرف الله و غاية ما يطلبه التصديق بالله و رسوله!!
هاهنا يعرف الإنسان لماذا أعرض العلامة الطباطبائي و العلامة الطهراني عن تدريس الفقه و الأصول و فرّغوا جهودهم لبيان حقائق الدين و الدفاع عن التشيع. فقام الأول بتأليف تفسير الميزان مجابهاً به الدنيا بأسرها فأعاد للقرآن الكريم بريقه و تلألؤه الذي يستحقّه بعد أن كاد يكون مهجوراً. و ألّف الثاني موسوعة: "معرفة الإمام" فبين أدلة الإمامة لأهل السنّة ببيان متين كما برهن على مقامات الإمام عليه السلام للشيعة قبل السنة.
حسناً ماذا كان جزاؤهما منا ؟ التكفير و التنجيس بحجة الحفاظ على الدين و الدفاع عن الولاية و أهل البيت!
3-و مع ذلك سنمشي مع الأخ شعيب قليلاً، و نحاول أن نفهم كلام أمير المؤمنين على أساس ذلك، إن حاصل كلام أمير المؤمنين على تفسير الأخ شعيب:
"إلهي و ألحقني بنور عزّك الأبهج فأكون ممن يصدق الله ويصدق محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله في موالاة علي والإئتمام به وبأئمة الهدى من بعده"
هل أحتاج أن أعلّق على ذلك أكثر؟! و هل أحتاج أن أبين فساد هذا التفسير؟ أين المتشدّقون بأنهم عرب و ليسوا أتراكاً؟! هل يرضى أحد منكم أن يفسّر كلامه هو بهذه الطريقة.
ألم يكن الأولى أن نتقي الله و نقول : لا أعلم !!
تعليق