إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

<اللوازم الفاسدة والباطلة والكفرية> للقول <بوحدة الوجود والموجود>

تقليص
هذا الموضوع مغلق.
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • <اللوازم الفاسدة والباطلة والكفرية> للقول <بوحدة الوجود والموجود>

    كنت قد ذكرت في هذا الموضوع <دوس وشوف> منشأ واصل نظرية <وحدة الوجود والموجود> وانها ماخوذة من <الهندوس والفرس والزرادشت واليونان> وانتقلت منهم الى السنة ثم الى بعض جهلة الشيعة

    وذكرت في هذا الموضوع <دوس وشوف> انها ليست من عقائد الشيعة في شيء بل ان علماء الشيعة وفقهاءهم على مر التاريخ حكموا على قائلها ب<الكفر والزندقة والنجاسة>

    وهذه العقيدة
    1. باطلة بنفسها <بل وممتنعة> فهي عقيدة مضمونها الكفر <ولو ادعى بعضهم انه خافٍ عليه>
    2. باطلة ايضا لعدم وجود اي دليل يدل عليها بل قامت الادلة كلها على خلافها
    3. باطلة ايضاً لترتب لوازم فاسدة عليها يؤدي الالتزام بها الى الكفر


    وانها باطلة بنفسها بل و<ممتنعة> يؤكده فهم معنى <الوجود> الذي نثبته لله عز وجل فإنه <مغاير> للوجود الذي نثبته لانفسنا فليس وجوده كوجودنا لان وجودنا في قبال العدم وربنا منزه عن هذا العدم فهو الذي أوجد كل الحدود بما فيها حد الوجود وحد العدم
    والا لو كان وجوده كوجودنا وعلمه كعلمنا وسمعه كسمعنا لما صح ان يقول <ليس كمثله شيء> ولكان مقتضى ذلك التجسيم والتجسيد وووو
    وهذا باطل عند كل الشيعة <الموحدين>


    وانها باطلة لعدم وجود دليل عليها فهذا واضح جداً وقيام الادلة على بطلانها اوضح


    وانها باطلة لترتب لوازم فاسدة عليها فهذا ما صرح به العلماء وعقدت هذا الموضوع لنقل مجموعة من اشكالاتهم التي يكفي ان يكون واحد منها تاماً حتى تبطل النظرية <من جهة اللوازم الفاسدة> والا فهي باطلة بنفسها كما ذكرنا

    ومن هذه اللوازم التي ذكرها العلماء

    1. لزوم اشتراكه تعالى مع سواه في حقيقة الذات
    2. لزوم تعيين الذات وتعريف الكنه
    3. لزوم عدم امكان تحققه تعالى واثباته
    4. لزوم السنخية بل العينية بينه تعالى وبين خلقه
    5. لزوم إنكار مخلوقية ما سوى الله
    6. لزوم اتصافه سبحانه بصفات المخلوقين
    7. لزوم قدم العالم
    8. لزوم الخوض في ذات الله تعالى واكتناهه
    9. لزوم سلب الألفاظ عن معانيها الواقعية
    10. لزوم نفي خالقية الله تعالى
    11. لزوم انحلال الوجود الواحد البسيط الى وجودات متعددة
    12. لزوم سراية كمالاته تعالى في الموجودات
    13. لزوم انكار الخالقية والمخلوقية بل العلية والمعلولية
    14. لزوم انكار الثواب والعقاب
    15. لزوم نسبة اللهو واللعب اليه تعالى
    16. لزوم القول بالجبر
    17. لزوم كون الأشياء الخسيسة مظاهره تعالى
    18. لزوم عدم اتصاف الوجود بالإمكان والوجوب
    19. لزوم أن لا يكون الواجب واجباً بذاته
    20. لزوم كونه تعالى محدوداً


    فهذه قائمة ب20 لازماً فاسداً <من مصدر واحد> اكثرها تام ان لم يكن كلها <وان كان يكفي واحد منها> <بل وان كانت النظرية باطلة بنفسها حتى مع عدم اللوازم> وسانقل بعض كلمات العلماء حولها لمن اراد التفصيل ثم قد انقل غيرها بعد ذلك

    واذا اراد احد ان يقول هذه اللوازم غير لازمة لانكم لم تفهموا النظرية اقول له خش هنا واقرا هذا الموضوع

    والنتيجة
    ان هذه النظرية بنفسها مخالفة لعقيدة المسلمين الشيعة
    وانها غير قابلة للاثبات بل الثابت خلافها
    وانه يلزم منها لوازم باطلة فاسدة تؤدي الى الكفر

    فمن اراد ان يسير على سنة محمد وعلي وفاطمة والحسنين والأئمة الطاهرين فيمكنه ان يسلك مسلك الشيعة

    ومن اراد ان يسير على سنة الكفار ما قبل البعثة بل وما قبل ميلاد السيد المسيح والتي تسربت الى بعض الجهلة من الشيعة فليقل <بوحدة الوجود والموجود> وصحتين على قلبه

    والنصر للإسلام


  • #2
    اذكر المجموعة الاولى من اللوازم الفاسدة وهي ماخوذة من كتاب <تنزيه المعبود> وكاتبه كتب بعضها وجمع البعض الآخر

    1. لزوم اشتراكه تعالى لما سواه في حقيقة الذات
    انّ القول بوحدة الوجود يلزم منه مشاركته تعالى لما سواه في حقيقة الكنه والذات الّتي هو الوجود ، ويلزم حينئذ إثبات المثل والشبه له سبحانه ، وهو ينافي قوله سبحانه : «ليس كمثله شيء»(257) بقول مطلق ، حيث نفى شيئا مثله ، أي كلّ ما هو غيره فهو ليس مثله ، والأخبار الدّالّة على بطلان المثل والشبه والشركة في الوجود بين‏اللّه‏ تعالى وبين غيره من المخلوقات .
    وينافي أيضا تفرّده وتوحّده تعالى في حقيقة الذّات .


    فذلكة
    لا ريب في أنّه لا يعرف كنه ذاته سبحانه وصفاته ؛ إذ إنّ ذاته لا تكشف لا بإشارة ولا عبارة « وقد أخطأ من اكتنهه » (258) ، « ولا به صدّق من نهّاه » (259) ، « ولا ينال بجور الاعتساف كنه معرفته » (260) ، ولم يعلم من ذاته سبحانه إلاّ أنّه موجود وأنه شيء بخلاف الأشياء ، والعلم بالوجود لا يلازم العلم بالذّات ، فلا يقال كيف يعلم وجوده ولا يعلم ذاته ؟ كما مرّ .
    ولا يخفى أنّ الأصل في امتناع إدراكه تعالى امتناع الذّات لا قصور المدرِكات ـ وإن كانت هي قاصرة بالذات ـ كما ستأتي الإشارة إليه في الروايات .
    وعلى هذا ، فمن سئل عن كنه ذاته سبحانه فأجاب : إنّه تعالى وجود ، فقد أخبر عن حقيقة ذاته تعالى(261) وإن لم يفهم حقيقة الوجود ، واعترف بعجزه عن درك حقيقة الوجود وقال بأنّ كنهه لا يدرك .(262)
    وبناءا على هذا ما الفرق بين الخالق والمخلوق في هذه الجهة ؟ ! أي العجز عن درك حقيقة الوجود .
    وإذا كان كنه الأشياء ـ وما سوى اللّه‏ ـ في غاية الخفاء فما الوجه في ورود الأحاديث المتواترة عن الأئمّة المعصومين ـ عليهم آلاف التحيّة والتسليم ـ في المنع عن التفكّر والتكلّم والبحث والخوض و . . في كنهه سبحانه وحقيقة ذاته وتجويز ذلك في مخلوقاته(263) ـ كما سيأتي بعضها ـ مع أنه لا فرق بين الخالق والمخلوق في خفاء كنههما المشترك بينهما وهو الوجود على هذا المسلك !
    والحاصل : أنّ القول بانّ الباري تعالى يتطوّر ويتجلّي بصور المخلوقات ليس هو إلاّ نوع من التكلّم في حقيقته سبحانه ، والخوض في كيفيّة ذاته تعالى المنهي عنهما في الشريعة وهكذا القول بأنّ اللّه‏ تعالى وجود بمعنى أنه حقيقة الوجود وكنهه الوجود المشترك بينه وبين خلقه .
    ولا يخفى أنّ الشركة في الوجود تستدعي المناسبة بينهما ؛ بل هي في الحقيقة نوع من التشبيه ، بخلاف القول بأنّه تعالى موجود ، فإنّه بمعنى أنه ثابت ومتحقّق ، أو أنّه ذي الثبوت والتحقق .
    وببيان أوضح : إنّ الإخبار على نوعين : إمّا إخبار عن ذاته تعالى ككونه تعالى موجودا عالما قادرا ، وإمّا إخبار عن حقيقة الذّات والكنه .
    أمّا الإخبار عن ذاته تعالى فذاك جايز تشهد عليه الآيات والأخبار الواردة فيه ، كقوله‏تعالى : «إنّ اللّه‏ واسع عليم» .(264)
    وقوله عزّ شأنه : «اللّه‏ لطيف بعباده يرزق من يشاء . . » .(265)
    وقوله سبحانه : «إنّه هو العليم الحكيم» .(266)
    وقوله جلّ وعزّ : «هو السميع البصير» .(267)
    قوله عز من قائل : «اللّه‏ خالق كلّ شى‏ء . . » .(268)
    فإنّها إخبار عن أوصافه الذاتيّة والفعليّة ، فلا إشكال في الإخبار عنه تعالى .
    وأمّا الإخبار عن حقيقة الذات كالقول بأنّه سبحانه وجود ( أي حقيقة الوجود الّتي هي حقيقة جميع الأشياء على زعمهم ) والقول بالتطوّر وتجلّيه تعالى فإنّها إخبار عن حقيقته تعالى وهو ممنوع عقلاً وشرعا .(269)
    وعلى هذا ظهر الفرق بين القول بأنّه تعالى منزّه عن الإدراك والتصوّر والجسميّة والقول بأنّه تعالى وجود حيث إنّ في الأوّل إخبارا عن ذاته تعالى وليس عن حقيقة الذات وفي الثاني إخبارا عن حقيقة ذاته تعالى وكنهه .
    وقد ورد في الأخبار عنهم عليهم‏السلام : « ولا إيّاه وحّد من اكتنهه »(270) ، و« كلّ ما ميّزتموه بأوهامكم في أدقّ معانيه فهو مخلوق مصنوع مثلكم مردود إليكم »(271) ، و« ليس بإله من عرف بنفسه »(272) ، و« كلّ معروف بنفسه مصنوع »(273) ، و« ما تصوّر في الأوهام فهو خلافه »(274) ، و« ما توهّمتم من شيء فتوهّموا اللّه‏ غيره »(275) ، « ولا يقع عليه الأوهام ، ولا تصفه الألسن »(276) ، و« مدح اللّه‏ اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما ، وسمّى تركهم التعمق فيما لم يكلّفهم البحث عن كنهه رسوخا »(277) ، و« إن قالوا : فأنتم الآن تصفون من قصور العلم عنه وصفا حتّى كأنّه غير معلوم ، قيل لهم : هو كذلك من جهة إذا رام العقل معرفة كنهه والإحاطة به ، وهي من جهة أخرى أقرب من كلّ قريب إذ استدلّ عليه بالدلائل الشافية ، فهو من جهة كالواضح لا يخفى على أحد ومن جهة كالغامض لا يدركه أحد »(278) ، و« لا يخطر ببال أولي الرويّات خاطرة من تقرير جلال عزّته لبعده أن يكون في قوى المحدودين ، لأنه خلاف خلقه فلا شبه له من المخلوقين ، وإنّما يشبه الشيء بعديله ، فأمّا ما لا عديل له فكيف يشبه بغير مثاله »(279) ، و« إن قالوا : أو ليس نصفه ؟ فنقول : العزيز الحكيم الجواد الكريم ، قيل لهم : كلّ هذه صفات إقرار ، وليست صفات إحاطة ، فإنّا نعلم أنّه حكيم ولا نحيط بكنه ذلك منه وكذلك قدير وجواد وسائر صفاته » .
    « فإن قالوا : فكيف يكلّف العبد الضعيف معرفته بالعقل اللطيف ولا يحيط به ؟ قيل لهم : إنّما كلّف العباد من ذلك ما في طاقتهم أن يبلغوه وهو أن يوقنوا به ويقفوا عند أمره ونهيه ولم يكلّفوا الإحاطة بصفته » (280) ، و« يصيب الفكر منه الإيمان به موجودا ووجود الإيمان لا وجود صفة »(281) ، و« ليس علم الإنسان بأنّه موجود موجب له أن يعلم ما هو وكيف هو ، كما أنّ علمه بوجود النفس لا يوجب أن يعلم ما هي وكيف هي ، وكذلك الأمور الروحانية اللطيفة » .(282)
    وبالجملة فالمستفاد من الكتاب والسنّة : أنّه تعالى لا تدرك ذاته ولا صفاته ، وأنّ اللّه‏ تعالى ذات مبائن لمخلوقاته ومنزّه عن الإدراك والتصوّر والتوهّم ، مع أنّ له تحقّق وثبوت في الخارج ، وليست مباينته تعالى للأشياء من جهة الأمر الاعتباري ( أي الماهيّة ) ببيان أنّ الممكن زوج تركيبيّ له ماهيّة ووجود ، وهو تعالى منزّه عن الماهيّة ، وأمّا في حقيقة الوجود فهو متّحد مع سائر الأشياء .
    بل المستفاد من القرآن والعترة أنّه تعالى باين الأشياء بالذات تباينا كلّيّا حقيقة وواقعا .
    وبعبارة أخرى : كان اللّه‏ تعالى متعاليا عن ملاك المصنوعيّة والمخلوقيّة ( وهو قابليّة الوجود والعدم والزيادة والنقيصة وكونه ذا جزء وعدّ ومقدار وزمان ومكان و . . ) وليس هو تعالى حقيقة الوجود الّتي تشترك فيها الممكنات أو مصداقا لمفهوم يطلق على الأمور المشتركة في حقيقة الوجود .
    وأمّا على ما ذكروه ليست الممكنات والمخلوقات موجودات حقيقة بل الموجود هو حقيقة الوجود الواحد الساري في الجميع .
    وعليه فتنعدم البينونة ـ المستفادة من القرآن والأخبار والأدعيّة ـ بين الخالق والمخلوق والداعي والمدعوّ والمرسل والرسول ، فتكون اعتباريّة صرفة ، وهذا إنكار أبده البديهيّات والفطريّات .
    فالقول باشتراك الخالق والمخلوق في حقيقة الوجود ـ مع القول باعتباريّة الماهيّة ـ ينافي الآيات والأخبار الواردة في تنزيهه تعالى عن مسانخة المخلوقات ، بل لا يبقى إلاّ الوجود وهو الخالق وهو المخلوق وهو الآمر وهو المأمور ! وكيف يخلق الوجود شيئا بعد القول بأصالة الوجود ووحدة حقيقة الوجود ؟ !
    مضافا إلى أنّ العلّيّة في المتماثلات ليست بالعلّيّة الفاعليّة ؛ لأنّ الشّيء إن كان في حقيقته محتاجا إلى الفاعل من سنخه ـ بفرق من المرتبة ـ يوجب عدم انقطاع الحاجة إلى الفاعل ؛ لأنّ الحاجة إلى الفاعل إنّما هو في أصل الشيء لا في حدّه الّذي هو اعتباريّ ، لأنّه لو لم يجعل الأصل لم يصر مجعولاً ، والأصل مفروض في كلّ مرتبة ، كما لا يخفى .
    وحاصل دعوانا ـ تبعاً لساداتنا أهل البيت عليهم‏السلام ـ أنّ ذاته تعالى لا يعرف ولا يوصف ولا يدرك . كما عن أبي الحسن عليه‏السلام : « إنّ الخالق لا يوصف إلاّ بما وصف به نفسه ، وأنّى يوصف الّذي تعجز الحواس أن تدركه ، والأوهام أن تناله ، والخطرات أن تحدّه ، والأبصار عن الإحاطة به » ؟
    « جلّ عمّا وصفه الواصفون ، وتعالى عمّا ينعته الناعتون » .(283)
    وعن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهماالسلام : « لا تتجاوز في التوحيد ما ذكره اللّه‏ تعالى ذكره في كتابه فتهلك . . . تعالى عن صفات المخلوقين علوّا كبيرا » .(284)
    عن أبي الحسن الرضا عليه‏السلام : « من وصف اللّه‏ بخلاف ما وصف به نفسه فقد أعظم الفرية على اللّه‏ » .(285)
    وعن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهماالسلام أنّه قال : « إنّ اللّه‏ أعلى وأجلّ وأعظم من أن يبلغ كنه صفته ، فصفوه بما وصف به نفسه وكفّوا عمّا سوى ذلك » .(286)
    ولكن الفلاسفة أرادوا الوصول إلى ما ليس من طورهم وحدّهم وأخطأوا فضلّوا وأضلّوا ، وقد قال مولانا الرضا عليه‏السلام : « من يصف ربّه بالقياس لا يزال الدهر في الالتباس ، مائلاً عن المنهاج ، ظاعنا في الإعوجاج ، ضالاًّ عن السبيل ، قائلاً غير الجميل . . » .(287)
    وواضح عند أولي الألباب أنّ تنزيهه تعالى عن التوصيف والتعريفات لا يلازم نفي صفاته ونعوته الّتي هي كمال حقيقيّ لابدّ من إثباته في حقّه سبحانه .
    فإنّا ننزّهه ـ سبحانه وتعالى ـ من مشابهة خلقه في ذاته وصفاته ، ونصفه بصفات ذاته ونقول : إنّه تعالى حيّ ، عالم ، سميع ، بصير ، قادر ، قيّوم ، خبير ، بمعنى أجلّ وأعلى ممّا يتصوّره العقل ، على ما نبّه عليه الأئمّة الهادون المعصومون عليهم‏السلام في شرح الأسماء الحسنى .
    ونقدّسه جلّ وعزّ من صفات المخلوقات مطلقا سواء كانت صفة نقصان كالعجز والحاجة والافتقار ، أو صفة كمال كالعلم والإرادة والقدرة والإختيار ، فإنّ هذه الصّفات وإن كانت كمالات للمخلوق إلاّ أنّ إثباتها للخالق بالاعتبار الثابت للمخلوق موجب لاتّصافه بصفات المحدثات ، فتكون بالنسبة إليه ـ سبحانه وتعالى ـ نقصا لا كمالاً .





    فائدة :
    وحريّ بنا أن ندرج جملة من الرّوايات الناصّة على أنّه تعالى منزّه عن مجانسة مخلوقاته ، والمفيدة للبينونة والإثنينيّة ، والمكفّرة للوحدويّة ، ثمّ نستعرض لبعض الروايات الدالة على أنّه سبحانه منزّه من التحديد والتّشبيه فنقول :
    إنّ نسبة الأشياء إلى الخالق تعالى ليست إلاّ نسبة الخالقيّة والمخلوقيّة ، لا نسبة العينيّة والسنخيّة ولو مع تحقّق الغيريّة الاعتباريّة الوهميّة كما :
    عن سيّد الشهداء عليه‏السلام : « أنت الّذي أنشأت الأشياء من غير سنخ » .(321)
    وعن أميرالمؤمنين عليه‏السلام : « وتنزّه عن مجانسة مخلوقاته » .(322)
    وعن الإمام عليه‏السلام : « . . بل أنشأته ليكون دليلاً عليك بأنّك بائن من الصنع » .(323)
    وعن مولانا الرضا عليه‏السلام : « . . ذاته حقيقة وكنهه تفرقة بينه وبين خلقه . . » (324)
    وعن أميرالمؤمنين عليه‏السلام : « . . مباين لجميع ما أحدث في الصفات . . » .(325)
    عنه عليه‏السلام : « . . ليس بجنس فتعادله الأجناس ، ولا بشبح فتضارعه الأشباح ، ولا كالأشياء فتقع عليه الصفات . . » .(326)
    عنه عليه‏السلام : « . . خلق اللّه‏ الخلق حجاب بينه وبينهم ومباينته إيّاهم مفارقته إنّيتهم . . . بمفارقته بين الأمور عرف أن لا قرين له . . . فكلّما في الخلق لا يوجد في خالقه ، وكلّ ما يمكن فيه يمتنع من صانعه . . . ولا في إبانته عن الخلق ضيم إلاّ بامتناع الأزليّ . . » .(327)
    وعن أبي عبد اللّه‏ عليه‏السلام : « أمّا التوحيد فأن لا تجوز على ربّك ما جاز عليك » .(328)
    وعن أميرالمؤمنين عليه‏السلام : « . . بان من الخلق فلا شيء كمثله » .(329)
    وعنه عليه‏السلام : « . . حدّ الأشياء كلّها عند خلقه إيّاها إبانة لها من شبهه وإبانة له من شبهها » .(330)
    إلى ما شاء اللّه‏ من أحاديث الباب ، والمتحصّل منها : أنّ اللّه‏ سبحانه وتعالى منزّه عن تشبيهه بخلقه ، وتطوّره بأطوار خلقه ، وتنزّله في مرتبة مخلوقاته ، وتعيّنه بحدودها ، وقبوله الأحكام الجارية على ما سواه سبحانه .

    وأما الرّوايات الناصّة على أنّه تعالى منزّه عن الحدّ والشبه وأنّ القائل بهما مشرك فهي كثيرة جدّاً ، منها : ما عن أميرالمؤمنين عليه‏السلام : « . . ولا حقيقته أصاب من مثّله . . . ولا إيّاه عنى من شبّهه » .(331)
    فإنّه صريح في التنزيه من التمثيل والتشبيه ، لا الجمع بين التنزيه والتشبيه كما يقولون !
    وعنه عليه‏السلام : « حدّ الأشياء عند خلقه لها إبانة له من شبهها » .(332)
    وعنه عليه‏السلام : « . . تعالى عمّا ينحله المحدّدون من صفات الأقدار ، ونهايات الأقطار ، وتأثّل المساكن ، وتمكّن الأماكن ، فالحدّ لخلقه مضروب وإلى غيره منسوب » .(333)
    وعنه عليه‏السلام : « لمّا شبّهه العادلون بالخلق المبعّض المحدود في صفاته ، ذي الأقطار والنواحى المختلفة في طبقاته ، وكان عزّوجلّ الموجود بنفسه لا بأداته ، انتفى أن يكون قدّروه حقّ قدره ، فقال تنزيها لنفسه عن مشاركة الأنداد وارتفاعا عن قياس المقدّرين له بالحدود من كفرة العباد : « وما قدروا اللّه‏ حقّ قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويّات بيمينه سبحانه وتعالى عمّا يشركون » .(334)
    وعن المفضّل بن عمر ، عن أبي عبد اللّه‏ عليه‏السلام أنه قال : « من شبّه اللّه‏ بخلقه فهو مشرك ، إنّ اللّه‏ تبارك وتعالى لا يشبه شيئا ولا يشبهه شيء ، وكلّما وقع في الوهم فهو بخلافه » .(335)
    وعنه قال : كتبت إلى الرجل ( يعني أبا الحسن عليه‏السلام ) إنّ من قبلنا من مواليك قد اختلفوا في التوحيد ؛ فمنهم من يقول : جسم ! ومنهم من يقول : صورة ! فكتب عليه‏السلام بخطّه : « سبحان من لا يحدّ ولا يوصف ، ليس كمثله شيء وهو السميع العليم » أو قال : « البصير » .(336)
    وعنه عليه‏السلام أيضا أنّه قال : « سبحان من لا يعلم أحد كيف هو إلاّ هو ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، لا يحدّ ولا يحسّ ولا تدركه الأبصار ولا يحيط به شيء ولا هو جسم ولا صورة ولا بذي تخطيط ولا تحديد » .(337)
    وعن هشام بن إبراهيم أنه قال : قال العبّاسيّ : قلت له ( يعني أبا الحسن عليه‏السلام ) : جعلت فداك ! أمرني بعض مواليك أن أسألك عن مسألة ، قال عليه‏السلام : « ومن هو » ؟ قلت : الحسن بن سهل ، قال : « في أيّ شيء المسألة » ؟ قال : قلت : في التوحيد ، قال : « وأيّ شيء من التوحيد » ؟ قال : يسألك عن اللّه‏ جسم أو لا جسم ؟ قال : فقال لي : « إنّ للناس في التوحيد ثلاثة مذاهب : مذهب إثبات بتشبيه ، ومذهب النفي ، ومذهب إثبات بلا تشبيه ، فمذهب الإثبات بتشبيه لا يجوز ، ومذهب النفي لا يجوز ، والطريق في المذهب الثالث إثبات بلا تشبيه » .(338)
    وعن يونس بن ظبيان أنّه قال : دخلت على أبي عبد اللّه‏ عليه‏السلام فقلت له : إنّ هشام بن الحكم يقول قولاً عظيما ، إلاّ أنّي أختصر لك منه أحرفا ، يزعم أنّ اللّه‏ جسم ؛ لأنّ الأشياء شيئان ، جسم وفعل جسم ، فلا يجوز أن يكون الصانع بمعنى الفعل ويجوز أن يكون بمعنى الفاعل !
    فقال أبو عبد اللّه‏ عليه‏السلام : « ويله ! أما علم أنّ الجسم محدود متناه ، والصورة محدودة متناهية ؟ ! فإذا احتمل الحدّ احتمل الزيادة والنقصان ، وإذا احتمل الزيادة والنقصان كان مخلوقا » .
    قال : قلت : فما أقول ؟ قال : « لا جسم ولا صورة ، وهو مجسّم الأجسام ، ومصوّر الصور ، لم يتجزّأ ولم يتناه ولم يتزايد ولم يتناقص . لو كان كما يقول لم يكن بين الخالق والمخلوق فرق ، ولا بين المنشى‏ء والمنشأ ، لكن هو المنشى‏ء ، فرق بين من جسّمه وصوّره وأنشأه ، إذ كان لا يشبهه شيء ولا يشبه هو شيئا » .(339)
    والأحاديث في ذلك كثيرة جدّا .
    أقول : هذه الأخبار دالّة على إبطال مقالة العرفاء والصوفية القائلين بأنّ جميع ما للمخلوقات من الصفات فهي صفات الخالق ؛ لأنّهم مظاهر الحقّ ومجاليه ، وقد علم من هذه الأحاديث أنّه تعالى منزّه عن التحديد والتشبيه ، وأنّ القائل بهما مشرك كافر ، فكم فرق بين هذا وقولة ابن العربيّ من أنّ القول بهما عين التوحيد ! وأنّ القائل بهما مؤمن موحّد كامل . . ! ! والنّافي لهما عنه تعالى جاهل ! والمنزّه إمّا جاهل وإمّا صاحب سوء أدب ! ! كما مرّ نصّ كلامه قريباً .
    ثمّ بعد كلّ هذا فما أروع قول مولانا سيّدالشهداء حسين بن عليّ عليهماالسلام : « أيّها الناس ! اتّقوا هؤلاء المارقة الّذين يشبّهون اللّه‏ بأنفسهم ، يضاهئون قول الّذين كفروا من أهل الكتاب ، بل هو اللّه‏ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير . . . لا يوصف بشيء من صفات المخلوقين ، وهو الواحد الصمد ، ما تصوّر في الأوهام فهو خلافه » .(340)
    ووصيّة سيّدنا أميرالمؤمنين عليه‏السلام : « يا معشر شيعتنا والمنتحلين مودّتنا ! إيّاكم وأصحاب الرأي ، فإنّهم أعداء السنن ، تفلّتت منهم الأحاديث أن يحفظوها ، وأعيتهم السنّة أن يعوها ، فاتخذوا عباد اللّه‏ خولاً وماله دولاً ، فذلّت لهم الرقاب ، وأطاعهم الخلق أشباه الكلاب ، ونازعوا الحق أهله ، وتمثّلوا بالأئمّة الصادقين ، وهم من الجهّال‏الكفّار الملاعين ، فسئلوا عمّا لا يعلمون ، فأنفوا أن يعترفوا بأنّهم لا يعلمون ، فعارضوا الدّين بآرائهم فضلّوا وأضلّوا » .(341)
    وناهيك بهذا الحديث الشريف في أهل الرأي كفايةً ، وبه عما سواه درايةً ، وهو شامل لما كان في أصول الدين وفروعه ، بل الأمر في الأصول أصعب وأخطر وأشكل ، والملاك المستفاد من هذا الحديث عام لا يختصّ بالعامّة العمياء ، كمالايخفى.

    التعديل الأخير تم بواسطة تحت أطباق الثرى; الساعة 12-04-2012, 03:03 PM.

    تعليق


    • #3
      2. لزوم تعيين الذات وتعريف الكنه
      القائل بوحدة الوجود يعرّف كنهه سبحانه ؛ لأنّ القول بأنّه سبحانه وجود هو إخبار عن كنهه تعالى كما مرّ ، والقول بأنّ كنه الوجود لا ينال ولا يعرف ـ بعد تعيين الكنه ـ ليس إلاّ تناقضا بيّنا في الكلام .
      ولا ريب أنّ معرفة كنه ذاته سبحانه محال عقلاً إذ لا إحاطة هناك ، ونقلاً كما وردت أخبار متواترة في النهي عن التفكّر والتكلّم والخوض و . . فيه تعالى .
      وببيان آخر : إنّ مدّعي القول بأنّه سبحانه هو الوجود ( أي إنّه حقيقة الوجود ) فقد وقع في عدّة محاذير نذكر منها أمرين :
      الأوّل : التشبيه بالمخلوق ؛ إذ الانبساط والشعاع والفيء والعكس و . . من خواصّ المخلوق المتجزّي ذا مقدار وعدد و . . وهذا ظاهر على مسلك وحدة الوجود كما مرّ .
      الثاني : التعيين ؛ إذ القائل بوحدة الوجود ـ مضافا إلى خوضه في ذاته تعالى وهو منهيّ عنه ـ فقد عيّن الكنه حيث قال : إنّ ذاته الوجود ، ووصفه بأنّه كيف هو(342) حيث قال : بأنّ الموجودات وجوداته ، وأنّه منبسط على الماهيّات بالذات أو بشعاعه وفيئه أو بعكسه ، وأنّه واحد في عين الكثرة ، وكثير في عين الوحدة وأمثال ذلك ، وحينئذ لا ينفعه قول السبزوارى في المنظومة : ( وكنهه في غاية الخفاء ) في إدّعاء عدم الإكتناه بعد تعيين ذاته سبحانه بأنّه الوجود ، لصدق الاكتناه على مجرّد التعيين . مع أنّهم إذا لم يعرفوا حقيقته فمن أين عرفوا أنّه هو الوجود ؟
      والحاصل : الجمع بين القول بأنّه تعالى هو الوجود والقول بعدم اكتناهه فاسد .
      ولنتساءل ، أيّ فرق بين القول بأنّ الإنسان هو الجوهر الجسم النامي الحسّاس المتحرّك بالإرادة الناطق . . وبين القول بأنّ اللّه‏ هو الوجود . . في أنّ الأوّل اكتناه والثاني ليس باكتناه ، مع أنّ هذه المفاهيم في الذهن في كلا المقامين ـ بزعم الفلاسفة ـ عين ما في الخارج ، حتّى أنّ بعضهم صرّح بأنّ مشاهدة النفس مفهوم الوجود عين مشاهدة اللّه‏ تعالى إلاّ أنّه مشاهدة له من البعيد كمن يرى شبحا من البعيد !
      فهل المعرفة بحقائق المفاهيم في المقامين تختلف اكتناها في المصداقين ؟ فلِم سمّوا أحدهما : معرفة بالوجه والآخر : معرفة بالكنه ؟
      وقد مرّ أنّ القول بأنّه سبحانه موجود ليس إخبارا عن الكنه وحقيقة الذات ، بل هو إخبار عن كونه تعالى شيئا بحقيقة الشيئيّة وثبوته واقعا ، وإخراجه عن حدّ التعطيل . ولا نقصد به إثبات أنّه تعالى وجود والوجود أمر حقيقيّ وكذا وكذا .
      قال مولانا الرضا عليه‏السلام : « فليس اللّه‏ عرف من عرف بالتشبيه ذاته ، ولا إيّاه وحّد من اكتنهه ، ولا حقيقته أصاب من مثّله » .(343)


      3. لزوم عدم امكان تحقّقه تعالى وإثباته
      انّ القول بأنّ الوجود حقيقة واحدة ذات تشكّك ومراتب متفاوتة يستلزم عدم تصوّر مرتبة إلاّ وهي قابلة للزيادة والكمال ، فلا تقف إلى حدّ ومرتبة غير قابلة للاشتداد إلاّ ويتصوّر أشدّ وأتمّ منها ؛ لأنّ ذلك خلاف ذاتها ، فلا يمكن ـ والحال هذه ـ إثبات الباري تعالى كما لا يخفى .
      وببيان آخر : إنّ القول بأنّه عزّ وجلّ في أعلى درجات الوجود المشكّك يستلزم عدم إمكان تحققه تعالى ؛ لأنّه لا يتصوّر مرتبة إلاّ وهي قابلة للزيادة والكمال .

      تعليق


      • #4
        4.لزوم السنخية بل العينية بينه تعالى وبين خلقه

        والأدلّة النقليّة الدالّة على تنزّه حقيقته عن سنخيّة الحقائق ، ونزاهة ذاته تعالى عن جنسيّة الخلائق متواترة جدّاً ، وقد سلف منّا بمناسبة جملة من الروايات المفيدة لذلك ـ تعرّضنا لها طرداً للباب ـ وهنا نذكرها وغيرها كدليل مستقلّ مع الإشارة إلى الوجه العقلي في ذلك .
        أقول : إنّ القول بوحدة الوجود يستلزم السنخيّة بينه تعالى وبين خلقه ، وهو فاسد من أصله كما لا يخفى ؛ لأنّه تعالى لا يشبه شيئا من المخلوقين ومباين لهم في ذاتهم وأوصافهم ، ومنزّه عنها ، وهذه المعرفة ( أي معرفة البينونة وعدم الشباهة بينهما ) هي العمدة في باب معرفة اللّه‏ تعالى ، وبها تمتاز المعارف الإلهيّة الحقّة عن غيرها .
        وقد ذكر بعض الأعاظم رحمه‏الله في بطلان السنخيّة بين الخالق والمخلوق وجوها أربعة وهي :
        الأوّل : إنّ السنخيّة متقومة بالمماثلة والمشابهة ، واللّه‏ تعالى لا شبيه له ولا مثيل ولا نظير ولا حدّ له ، ولذا فهي محالة في حقّه تعالى .
        الثّاني : إنّ وحدته تعالى ليست من سنخ وحدة سائر الموجودات ، فوحدتها عدديّة قابلة للتّكرّر والتكثّر بخلاف وحدته ؛ فإنّها ليست من باب الأعداد ، فهو لا يتثنّى ، ولا يمكن أن يكون له ثان ، فلا شبيه له ولا نظير . فأي تسانخ بينه تعالى وبين سائر الموجودات بعد عدم إمكان الشبيه والمثيل له ؟ !
        الثالث : إنّ جميع ما عداه من الموجودات فهو مركّب ، ولا يوجد موجود له الوحدة الحقيقيّة إلاّ اللّه‏ جلّ وعلا . فأي سنخيّة بينه ـ وهو لا تركيب فيه لا عقلاً ولا وهما ولا خارجا ـ وبين سائر الموجودات وهي مركّبة ؟
        الرابع : إنه لو صحّت المسانخة بين العلّة والمعلول فموردها العلّة الموجبة ، لا الفاعل المختار ، واللّه‏ سبحانه وتعالى فاعل مختار .
        هذا ، وقد وردت الأحاديث المتواترة من المعصومين عليهم‏السلام على التباين الكلّي ذاتا وصفة بينه تعالى وبين خلقه ، ننقل هنا بعض الآيات والأخبار المنساقة على طبق الفطرة المستقيمة الدالّة على نفي المشابهة والسّنخيّة .
        وقبل سردها لا بدّ من التوجّه إلى نكتة مهمّة وهي : أنّ غرضنا هنا وإن كان بحكم العقل لا بحكم الشرع ولكن أداء حكم العقل بلسان الشرع ـ الّذي هو أبلغ الألسنة ـ أدخل في الغرض .(344)
        مع أنّ في مثل هذه الأحكام يكفي فيه الضرورة الشرعيّة ـ مع الإغماض عن الضرورة العقليّة ـ لأنّ التنزيهات الواقعة على ألسنة الأنبياء والأوصياء عليهم‏السلام ـ كسائر الأحكام ـ يكفي في وجوب تصديقهم فيها والإقرار بها ما ظهر على أيديهم من المعجزات الظاهرة ، وما جرى على ألسنتهم من الحكم الباهرة .
        وببيان آخر : بعد إثبات الصانع تعالى وكونه عالما وقادرا وصانعا وصادقا و . . وإثبات الرسول صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم وكونه معصوما بالبراهين العقليّة يمكن التمسّك بقولهما على إثبات سائر المسائل الّتي لا تتوقّف عليها إثبات النّبوّة .(345)
        وعلى هذا ، لا ينحصر إثبات هذه المسائل ـ ومنها : تنزيهه تعالى عن سنخيّة الخلائق و . . ـ بالدليل العقليّ فقط ، بل حيث قد قام عليه الدليل الشرعيّ كذلك فيكفينا - بل يجب علينا - الأخذ به مع قطع النظر عن وجود أيّ دليل آخر ، مع أنّ أكثر السمعيّات مشتمل على شواهد واضحة وبراهين عقليّة لائحة يهتدي الطّالب بالتأمّل فيها إلى لبّ المعرفة .

        ..................................

        فتحصّل إلى هنا : أنّ اللّه‏ سبحانه من جهة قدسه عن معادلة مفعولاته وتنزّهه عن مجانسة مخلوقاته لا يستوي مع شيء من مخلوقاته بوجه من الوجوه ، وليست نسبة الأشياء إلى الخالق تعالى إلاّ نسبة الخالقيّة والمخلوقيّة(385) لا نسبة العينيّة والسنخيّة ، وملاك التشبيه الّذي اقتضت الضرورة العقليّة والنقليّة بعدمه هو هذه العينيّة والسنخيّة .
        وببيان آخر : ليس الترشّح والصدور والتجلّي والتطوّر والتشؤّن من الخلق في شيء ؛ لأنّ الخلق بمعنى الإيجاد لا من شيء ، مضافا إلى أنّ الذات المتعالية عن المقدار والأجزاء و . . . تباين الموجود المخلوق المتجزّى‏ء الحادث ، ولا تكون معرفة التوحيد إلاّ بمعنى تنزيهه عزّ وجلّ عن خلقه وتباينهما ، كما أنّ الاعتقاد بالتشابه والمسانخة بين الخالق والمخلوق ـ فضلاً عن العينيّة ـ هو الشرك(386) .
        .................

        تعليق


        • #5
          5. لزوم إنكار مخلوقيّة ما سوى اللّه‏


          إنّ الاعتقاد بوحدة حقيقة الوجود لا يجتمع مع القول بوجود ما سوى اللّه‏ تعالى ، إذ الاعتقاد بعينيّة الخالق والمخلوق، أو كون المخلوق مرتبة من ذات الخالق ينافي القول بوجود ما سوى اللّه‏ تعالى ومخلوقيّته؛ فإنّ ما سوى اللّه‏ سبحانه فعل له تعالى ، أوجده وأبدعه بمشيّته وإرادته لا من شيء ، أي لا من رشح وإشراق من نفسه ؛ فإنّه الولادة منه الملازمة للتغيّر بفعله ، ولا من تطوّر وتشؤّن في نفسه ؛ فإنّه عين التغيّر في الذات الأزليّ ، ولا من مادّة أزليّة تكون مشاركة له في التحقق والوجود ، فإنّ الخلقة بأحد الوجوه الثّلاثة ليست لا من شيء .
          لأنّها لو كانت من المادّة الأزليّة لكانت من شيء فيلزم وجود قديم سوى اللّه‏ وهو عين الشرك ؛ لأنّ التأثير بالإرادة والاختيار لا يعقل إلاّ في الحادث ، وأنّ القدم مستلزم لوجوب الوجود .
          ولو كانت من نفسه تعالى بأن تكون بالفيضان والرشح أو بالتطوّر والتشؤّن ، ففي كلا الفرضين تكون الخلقة من الشيء ـ وهو الذات الأزليّ ـ بل لا يكون من معنى الخلقة في شيء أصلاً فلا يصحّ التعبير بأنّها لا من شيء ، كما صرّحت به الروايات الكثيرة .
          وعلى هذا ، فليس ما سوى اللّه‏ تعالى صادرا عن ذاته سبحانه حتّى يكون جزءه أو كلّه أو مرتبة من مراتب وجوده أو تطوّره وتشؤّنه ، بل اللّه‏ تعالى أحدث واخترع الخلق ، وكانت فاعليّته تعالى للأشياء بالإرادة والمشيّة لا بالذات .
          ثمّ ، لا شك في أنّ إرادته تعالى ومشيّته لا تكون من صفات ذاته المعتبرة له في الأزل مثل العلم والقدرة ، فإنّ نفيهما عنه تعالى يوجب النقص فيه للزوم الجهل والعجز ، بل من أفعاله الّتي يصحّ سلبها عنه تعالى في الأزل ولا يلزم منه نقص .
          والمستفاد من القرآن والعترة أنّ إرادة اللّه‏ تعالى هي فعل اللّه‏ وإحداثه وايجاده وليست الإرادة بمعنى الابتهاج ولا بمعنى المراد ولا بمعنى الاختيار ولا بمعنى العلم .
          والأخبار في ذلك كثيرة جدّا ، ونحن نشير إلى بعضها إجمالاً ، ومن أراد الوقوف عليها تفصيلاً فليراجع إلى مظانّها .(421)
          روى الشّيخ الصدوق رحمه‏الله بسند صحيح عن عاصم بن حميد ، عن أبيعبداللّه‏ عليه‏السلام قال : قلت له : لم يزل اللّه‏ مريدا ؟ فقال : « إنّ المريد لا يكون إلاّ لمراد معه ، بل لم يزل اللّه‏ عالما قادرا ثمّ أراد » .(422)
          أقول : فيه إشارة إلى أنّ الإرادة الإلهيّة لو كانت ذاتيّة لزم قدم العالم ، وهو باطل بل محال .
          وروى أيضا بإسناده عن سليمان بن جعفر الجعفريّ ، قال : قال الرضا عليه‏السلام : « المشيّة والإرادة من صفات الأفعال ، فمن زعم أنّ اللّه‏ تعالى لم يزل مريدا شائيا فليس بموحّد » .(423)
          أقول : هذه الرواية صريحة في أنّ إرادته سبحانه ليست عين ذاته كالعلم ، والقدرة ، والحياة .
          وروي في الصحيح عن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد اللّه‏ عليه‏السلام : « المشيّة محدثة » .(424)
          وروى في الصحيح أيضا عن صفوان بن يحيى ، قال : قلت لأبي الحسن عليه‏السلام : أخبرني عن الإرادة من اللّه‏ ومن المخلوق ، قال : فقال عليه‏السلام : « الإرادة من المخلوق الضمير وما يبدو له بعد ذلك من الفعل ، وأمّا من اللّه‏ عزّ وجلّ فإرادته إحداثه لا غير ذلك ؛ لأنه لا يروّي ولا يهمّ ولا يتفكّر وهذه الصفات منفيّة عنه ، وهي صفات الخلق ، فإرادة اللّه‏ الفعل لا غير ذلك ، يقول له : كن فيكون ، بلا لفظ ولا نطق بلسان ولا همّة ولا تفكّر ولا كيف لذلك كما أنه لا كيف له » (425) .
          وقد روى الصدوق رحمه‏الله باسناده عن بكير بن أعين ، قال : قلت لأبي عبداللّه‏ عليه‏السلام : علم اللّه‏ ومشيّته هما مختلفان أم متّفقان ؟ فقال : « العلم ليس هو المشيّة ، ألا ترى أنّك تقول : سأفعل كذا إن شاء اللّه‏ ، ولا تقول : سأفعل كذا إن علم اللّه‏ ، فقولك : إن شاء اللّه‏ دليل على أنّه لم يشأ ، فإذا شاء كان الذي شاء كما شاء ، وعلم اللّه‏ سابق للمشيّة » .(426)
          وفي رواية الهاشمي ـ الطويلة المشتملة على مباحثة مولانا الرضا عليه‏السلام مع أهل الملل ـ قال عمران : فأيّ شيء غيره ؟ قال الرضا عليه‏السلام : « مشيّته واسمه وصفته وما أشبه ذلك ، وكلّ ذلك محدث مخلوق مدبّر » .
          وقال عليه‏السلام فيها أيضا : « واعلم أنّ الإبداع والمشيّة والإرادة معناها واحد وأسمائها ثلاثة » .(427)
          قال العلامة المجلسي رحمه‏الله : هذا الخبر يدلّ على أنّ إرادته تعالى من صفات الفعل وهي عين الإبداع وهي محدثة .(428)
          وللإمام الرضا عليه‏السلام كلام طويل ـ في مناظرته مع سليمان المروزي(429) ـ في إبطال قدم الإرادة وكونها من صفات الذات ، وكونها نفس العلم ، وكونها نفس الأشياء كما قال به أصحاب الفلسفة ، وقسّموا الإرادة إلى الذاتيّة والفعليّة ، والرواية ـ بطولها وتشديدها ـ حجة ساطعة لمرادنا ، وكأنّ الإمام عليه‏السلام كان ناظرا إلى أقوال الفلاسفة فردّ عليهم .
          وصحيحة ابن أذينة عن الصادق عليه‏السلام قال : « خلق اللّه‏ المشيّة بنفسها ثمّ خلق الأشياء بالمشيّة » .(430)
          قال القاضي سعيد القمي في شرحها : لمّا كان المقرّر عندهم عليهم‏السلام وعند أصحابهم المقتفين لآثارهم أنّ المشيّة محدثة ؛ لأنّها نفس الإيجاد والإحداث ، وعند ذلك ترد شبهة هي أنّ كلّ حادث لابدّ له من محدث ، وإحداث ذلك الحادث يتوقّف على المشيّة ، فإذا كانت المشيّة حادثة فهي مسبوقة بمشيّة أخرى حادثة وهكذا يتسلسل ، أجاب الإمام عليه‏السلام عن هذه الشبهة بقوله : « خلق اللّه‏ المشيّة بنفسها » يعني أنّ المشيّة بمعنى الإيجاد والإحداث أمر مصدري ـ كما أشير إليه في الخبر السابق : أنّ « المريد لا يكون إلاّ لمراد معه » وهكذا حكم المشيّة ـ والأمر المصدري لا يستدعي جعلاً برأسه ؛ لأنّه لا يمكن أن يكون المراد بها النسبة المتحقّقة بين الجاعل والمجعول ، إذ النسبة متأخّرة عن الطرفين ، وذلك ينافي قوله عليه‏السلام : « خلق الأشياء بالمشيّة » فتعيّن أنّ تكون المشيّة عبارة عن كون الفاعل موثّرا . .(431)
          ثمّ إنّه ليس في شيء من هذه الروايات وغيرها إيماء فضلاً عن الدّلالة على أنّ له تعالى إرادة ذاتيّة أيضا ، بل فيها ما يدلّ على نفي كون إرادته تعالى ذاتيّة كصحيحة عاصم بن حميد ورواية الجعفريّ و . . فلو كانت للّه‏ تعالى إرادتان ذاتيّة وفعليّة لأشارت الرّوايات إلى ذلك .(432)
          لكنّ الفلاسفة أغمضوا أعينهم عن صراحة هذه الروايات ، فوجّهوها بتوجيهات باردة وحملوها على محامل بعيدة فاسدة ، بل بعضها مخالف لصراحة بعض الرّوايات المذكورة فلاحظ .(433)
          وكيف يمكن أن نقول : إنّ الأئمة عليهم‏السلام بيّنوا العلم والقدرة والحياة ، وعينيّتها لذاته القدّوس ، ولكن لمّا وصل بيانهم عليهم‏السلام إلى الإرادة لم يبيّنوها ، لعدم استعداد الأذهان ؟ ! ـ كما يقوله بعض هؤلاء ـ أو أنّهم عليهم‏السلام بيّنوا الإرادة الفعليّة وأهملوا ذكر الإرادة الذاتيّة ؟ ! مع أنه لا أثر لها إلاّ في أوهام هذا القوم .
          فلاحظ الأخبار الواردة في المقام هل تجد رواية ـ ولو ضعيفة السند والدلالة ـ على أنّ الإرادة قديمة ؟ أو عين ذاته ؟ أو هي راجعة إلى العلم ؟ مع أنّ الصفات الذاتيّة مصرّح بها في الروايات الكثيرة عن مجاري العصمة ومعادن الحكمة !
          والمسألة واضحة جدّا إلى حدّ يقول القاضي سعيد القمي ـ وهو من الفحول في المسائل الفلسفيّة ـ : هي ( أي الإرادة ) من صفات الفعل كما هو المتلقّى من أهل بيت النبوّة والحكمة ، والضروري من أهل بيت العصمة والطهارة حيث عارضهم متكلّموا زمانهم ، وكان ذلك ممّا يعدّ من مذهبهم وممّا اشتهر منهم بين الموافق والمخالف ، فإنكار ذلك مستلزم للردّ عليهم ، والرادّ عليهم كالرادّ على اللّه‏ ، والرادّ على اللّه‏ على حدّ الكفر .(434)
          وقال في موضع آخر منه : اعلم أنّ حدوث الإرادة والمشيّة من مقرّرات طريقة أهل البيت ، بل من ضروريّات مذهبهم ـ صلوات اللّه‏ عليهم ـ فالقول بخلاف ذلك فيهما مثل القول بالعينيّة والزيادة الأزليّة وأمثالهما إنّما نشأ من القول بالرأي في الأمور الإلهيّة ، وأكثر العقلاء من أهل الإسلام لمّا لم يفكّوا رقبتهم عن ربقة تقليد المتفلسفة بالكليّة وأرادوا تطبيق ما ورد عن أهل البيت على هذه الآراء المتزيّفة ، فتارة يقولون : نحن لا نفهم حقائق هذه الأخبار الّتي هي أخبار الآحاد ، ولعلّهم أضمروا في أنفسهم أنّ الأمر ليس كذلك لكن لا يجرؤون على إظهاره .(435)
          وعلى هذا ، فلا يكون ما سوى اللّه‏ تعالى مرتبة من مراتب ذاته تعالى ولا إشراق ورشح من نفسه ، ولا تطوّر وتشؤّون في نفسه تعالى ؛ لأنّه إذا كانت الإرادة والمشيّة محدثة وجميع الأشياء موجودة بالإرادة والمشيّة ، فهي أولى بالحدوث .

          تعليق


          • #6
            6. لزوم اتّصافه بصفات المخلوقين

            الأدلّة الدالّة على تنزّهه سبحانه عن كلّ ما يتّصف به المخلوقات من قبيل الزمان والمكان والحركة والسكون والجسم والصورة والشبه والمثل والقابليّة للوجود والعدم ، والزيادة والنقيصة ، والجزء والكلّ ، والمقدار والعدد والتجزئة والتغيّر ، والانتقال والامتداد ـ إلى نهاية أو لا نهاية ـ والدخول والخروج ، والتصوّر والتوهّم والإدراك وغيرها من الأوصاف الّتي تجري على المخلوقات ، ولا يجوز اتصافه سبحانه بها ، وقد قامت الضرورة فضلاً عن البرهان على أنّ ما لا يكون كذلك يلزم أن يكون ذاتاً متفرّدا متوحّدا منزّهاً عن كلّ ما سواه .
            ولا شك أنّ الالتزام بوحدة الوجود وبسط الوجود على هياكل الموجودات ، وأكمليّة الوجود وأشدّيته بالنسبة إليه تعالى ، وكونه كلّ الوجود والوجود المطلق والإحاطة الذاتيّ الوجوديّ إلى ما لا نهاية و . . كلّ ذلك وما شاكله يستلزم منه الاتصاف بالأوصاف المذكورة الخاصّة للمخلوقات ؛ لأنّ القبض والبسط والشدّة والضعف والأكمليّة والامتداد والزيادة والنقيصة والمكان والزمان والحواية والشمول وما قاربها من تعابيرهم ، كلّ هذه الأوصاف لا تجري عليه سبحانه(436) ، بل هي آية للمصنوعيّة والاحتياج ، كما لا يخفى .



            7. لزوم قدم العالم

            إنّ القول بوحدة حقيقة الوجود يناقض الأدلّة الدالّة على حدوث العالم ، وقد ثبت بإجماع أهل الملل والنصوص المتواترة حدوث جميع ما سوى اللّه‏ تعالى .
            والمراد بالحدوث هو أنّ أزمنة وجود ما سواه تعالى في جانب الأزل متناهية ، ولوجوده ابتداء ، وأنّ اللّه‏ سبحانه وتعالى أبدع وأحدث وأوجد الأشياء بعد أن لم تكن ، كما هو مضمون الآيات والأخبار والأدلة العقليّة ،(437) خلافا للفلاسفة ، إذ المشهور منهم يقولون بأنّ ما سوى اللّه‏ حادث بالذّات وقديم بالزّمان .
            فلو كان وجوده تعالى عين وجود خلقه ، أو كان الخلق مرتبة من مراتب وجوده تعالى فلا معنى لمسبوقيّته بالعدم الحقيقيّ .
            ولنذكر هنا بعض الروايات الدالّة على الحدوث بالمعنى المذكور :
            فعن أميرالمؤمنين عليه‏السلام أنّه قال : « . . لم يخلق الأشياء من أصول أزليّة ، ولا من أوائل أبديّة ، بل خلق ما خلق . . » .(438)
            وعن أبي جعفر الباقر عليه‏السلام أنّه قال : « يا إبراهيم ! إنّ اللّه‏ تبارك وتعالى لم يزل عالما قديما خلق الأشياء لا من شيء ، ومن زعم أنّ اللّه‏ خلق الأشياء من شيء فقد كفر ؛ لأنّه لو كان ذلك الشيء الّذي خلق منه الأشياء قديما معه في أزليّته وهويّته كان ذلك الشيء أزليّا ، بل خلق اللّه‏ تعالى الأشياء كلّها لا من شيء » .(439)
            وسئل أبو جعفر عليه‏السلام عن الشيء هل خلقه من شيء أو من لا شيء ؟ فقال : « خلق الشيء لا من شيء كان قبله ، ولو خلق الشيء من شيء إذا لم يكن له انقطاع أبدا ، ولم يزل اللّه‏ إذا ومعه شيء ، ولكن كان اللّه‏ ولا شيء معه . . » .(440)
            وعن أميرالمؤمنين عليه‏السلام : « . . إنّما كلامه سبحانه فعل منه أنشأه ومثّله ، لم يكن من قبل ذلك كائنا ، ولو كان قديما لكان إلها ثانيا» .(441)
            وعن مولانا أبي الحسن الرضا عليه‏السلام أنّه قال : « . . فقد بان لنا بإقرار العامة مع معجزة الصفة أنّه لا شيء قبل اللّه‏ ولا شيء مع اللّه‏ في بقائه ، وبطل قول من زعم أنّه كان قبله أو كان معه شيء ، وذلك أنّه لو كان معه شيء في بقائه لم يجز أن يكون خالقا له ، لأنّه لم يزل معه ، فكيف يكون خالقا لمن لم يزل معه ؟ ! » .(442)
            وعنه عليه‏السلام أنّه قال : « . . كذلك التوراة والإنجيل والزبور ، وهي كلّها محدثة مربوبة ، أحدثها من ليس كمثله شيء هدىً لقوم يعقلون ، فمن زعم أنّهنّ لم يزلن معه فقد أظهر أنّ اللّه‏ ليس بأوّل قديم ولا واحد ، وأنّ الكلام لم يزل معه . . » .(443)
            وعنه عليه‏السلام : « . . إنّ الشيء إذا لم يكن أزليّا كان محدثا وإذا لم يكن محدثا كان أزليّا ، ألا تعلم أنّ ما لم يزل لا يكون مفعولاً وقديما وحديثا في حالة واحدة ؟ ! » .(444)
            وغيرها من الأخبار الكثيرة في هذا الباب والّتي غفل عنها هؤلاء ـ ويا للأسف ـ ولذا انحرفوا عن جادّة الصواب وألحدوا بربّ الأرباب .
            ولا يخفى أنّ هذه الأحاديث صريحة في مسبوقيّة العالم بالعدم ، فلا معنى للقول بعينيّته تعالى مع الخلق ، أو كون الخلق مرتبة من ذاته الأزليّ أو غير ذلك .

            تعليق


            • #7
              8- لزوم الخوض في ذات اللّه‏ تعالى واكتناهه


              إنّ القول بوحدة الوجود يستلزم الخوض في ذاته تعالى واكتناهه مع ورود النهي عنه ،(445) بل من مسلّمات الدين الحنيف أنّه لا سبيل للمخلوق إلى معرفة ذات الخالق والإحاطة به ومعرفة حقيقته .
              وقد قال اللّه‏ تعالى : « يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما »(446) ، وقال سبحانه : « لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار »(447)
              وعن أبي عبداللّه‏ عليه‏السلام في قوله عزّ وجلّ : « لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار » قال عليه‏السلام : « إحاطة الوهم ، ألا ترى إلى قوله : « وقد جاءكم بصائر من ربّكم » ليس يعني بصر العيون ، « فمن أبصر فلنفسه » ليس يعني من البصر بعينه ، « ومن عمى فعليها » لم يعن عمى العيون ، إنما عنى إحاطة الوهم كما يقال : فلان بصير بالشعر ، وفلان بصير بالفقه ، وفلان بصير بالدراهم ، وفلان بصير بالثياب ، اللّه‏ أعظم من أن يرى بالعين » .(448)
              وورد في دعاء المشلول المروي عن أمير المؤمنين عليه‏السلام : « يا من لا يعلم ما هو ولا كيف هو ولا أين هو ولا حيث هو إلاّ هو »(449) .
              وروي عن مولانا وسيّدنا الإمام الصادق عليه‏السلام أنه قال : « الحقّ الّذي تطلب معرفته من الأشياء هو أربعة أوجه : فأوّلها أن ينظر أموجود أم ليس بموجود .
              الثاني : أن يعرف ما هو ذاته وجوهره .
              الثالث : أن يعرف كيف هو . . . »
              إلى أن قال : « فليس من هذه الوجوه شيء يمكن المخلوق أن يعرفه من الخالق حقّ معرفته غير أنّه موجود فقط ، فإذا قلنا : كيف ؟ وما هو ؟ فممتنع علم كنهه وكمال المعرفة به » .(450)
              وعن الإمام عليّ بن الحسين عليهماالسلام أنّه قال : « سبحان من لم يجعل من معرفة نعمه إلاّ بالتقصير عن معرفتها ، كما لم يجعل في أحد من معرفة إدراكه أكثر من العلم أنّه لا يدركه » .(451)
              وعن أميرالمؤمنين عليه‏السلام أنّه قال : « لم تجعل للخلق طريقا إلى معرفتك إلاّ بالعجز عن معرفتك » .(452)
              وعنه عليه‏السلام : « اتّقوا اللّه‏ أن تمثّلوا بالربّ الّذي لا مثل له ، أو تشبّهوه بشيء من خلقه ، أو تلقوا عليه الأوهام ، أو تعملوا فيه الفكر ، أو تضربوا له الأمثال ، أو تنعتوه بنعوت المخلوقين ، فإنّ لمن فعل ذلك نارا » .(453)
              وعن مولانا عليّ بن موسى الرضا عليه‏السلام أنه قال : « فليس اللّه‏ عرف من عرف بالتشبيه ذاته ، ولا إيّاه وحّد من اكتنهه ، ولا حقيقته أصاب من مثّله . . . ولا إيّاه عنى من شبّهه » .(454)
              وعن مولانا الإمام الباقر عليه‏السلام أنه قال : « يا جابر ! إنّ اللّه‏ تبارك وتعالى لا نظير له ولا شبيه ، تعالى عن صفة الواصفين » .(455)
              وعن الإمام الباقر عليه‏السلام أنه قال : « كلّ ما ميّزتموه بأوهامكم في أدقّ معانيه فهو مخلوق مصنوع مثلكم مردود إليكم » .(456)
              وعن أميرالمؤمنين عليه‏السلام : « ليس بإله من عرف بنفسه » .(457)
              وعن أبي الحسن الرضا عليه‏السلام : « كلّ معروف بنفسه مصنوع » .(458)
              وعن الإمام الصادق عليه‏السلام : « كيف أصف ربّي بالكيف والكيف مخلوق ؟ واللّه‏ لا يوصف بخلقه » .(459)
              وعن مولانا الحسين عليه‏السلام : « ما تصوّر في الأوهام فهو خلافه » .(460)
              وعن مولانا الرّضا عليه‏السلام : « ما توهّمتم من شيء فتوهّموا اللّه‏ غيره » .(461)
              وعن الإمام الصادق عليه‏السلام : « ولا يقع عليه الأوهام ، ولا تصفه الألسن ، فكلّ شيء حسّته الحواس أو جسّته الجواس أو لمسته الأيدي فهو مخلوق » .(462)
              عن أميرالمؤمنين عليه‏السلام أنه قال : « إنّ الراسخين في العلم هم الّذين أغناهم اللّه‏ عن الاقتحام على السّدد المضروبة دون الغيوب إقرارا بجهل ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب ، فقالوا : آمنّا به ، كلّ من عند ربّنا ، فمدح اللّه‏ اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما ، وسمّى تركهم التعمق فيما لم يكلّفهم البحث عن كنهه رسوخا ، فاقتصر على ذلك ولا تقدّر عظمة اللّه‏ سبحانه على قدر عقلك فتكون من الهالكين » .(463)
              وعن الإمام الصادق عليه‏السلام : « فإن قالوا : فأنتم الآن تصفون من قصور العلم عنه وصفا حتّى كأنّه غير معلوم ، قيل لهم : هو كذلك من جهة إذا رام العقل معرفة كنهه والإحاطة به ، وهي من جهة أخرى أقرب من كلّ قريب إذ استدلّ عليه بالدلائل الشافية ، فهو من جهة كالواضح لا يخفى على أحد ، ومن جهة كالغامض لا يدركه أحد » (464)
              وعنه عليه‏السلام : « ولا يخطر ببال أولي الرويّات خاطرة من تقرير جلال عزّته لبعده أن يكون في قوى المحدودين ؛ لأنه خلاف خلقه فلا شبه له من المخلوقين ، وإنّما يشبه الشيء بعديله ، فأمّا ما لا عديل له فكيف يشبه بغير مثاله » .(465)
              وعنه عليه‏السلام : « فإن قالوا : أو ليس نصفه ؟ فنقول : العزيز الحكيم الجواد الكريم ، قيل لهم : كلّ هذه صفات إقرار ، وليست صفات إحاطة ، فإنّا نعلم أنّه حكيم ولا نحيط بكنه ذلك منه ، وكذلك قدير وجواد وسائر صفاته » .
              « فإن قالوا : فكيف يكلّف العبد الضعيف معرفته بالعقل اللطيف ولا يحيط به ؟ قيل لهم : إنّما كلّف العباد من ذلك ما في طاقتهم أن يبلغوه وهو أن يوقنوا به ويقفوا عند أمره ونهيه ، ولم يكلّفوا الإحاطة بصفته . . » .(466)
              وعنه عليه‏السلام أنّه قال : « فهو بالموضع الّذي لا يتناهى ، وبالمكان الّذي لم يقع عليه الناعتون لا بإشارة ولا عبارة ، هيهات ! هيهات ! » .(467)
              وعنه عليه‏السلام : « ويصيب الفكر منه الإيمان به موجودا ووجود الإيمان لا وجود صفة » .(468)
              وعنه عليه‏السلام : « وليس علم الإنسان بأنّه موجود موجب له أن يعلم ما هو وكيف هو ، كما أنّ علمه بوجود النفس لا يوجب أن يعلم ما هي وكيف هي ، وكذلك الأمور الروحانية اللطيفة » .(469)
              والحاصل أنّه تعالى عندهم عليهم‏السلام لا تدرك ذاته ولا صفاته لا بإشارة ولا عبارة . وقد ورد النهي الأكيد منهم عليهم‏السلام عن الخوض والتعمّق والتكلّم والتفكّر في ذاته تعالى ، وأنّ البحث عنه موضوع ، بل ورد النهي عن المجالسة مع الخائضين في ذلك .
              وعن عليّ بن الحسين عليهماالسلام أنّه قال : « إنّ اللّه‏ تعالى علم أن يكون في آخر الزّمان أقوام متعمّقون فأنزل اللّه‏ « قل هو اللّه‏ أحد اللّه‏ الصمد »(470) والآيات من سورة الحديد إلى قوله : « وهو عليم بذات الصدور »(471) ، فمن رام ما وراء ذلك فقد هلك » . (472)
              قال العلاّمة المجلسي رحمه‏الله : ظاهره المنع عن التفكّر والخوض في مسائل التوحيد والوقوف مع النصوص . .(473)
              وعن أمير المؤمنين عليه‏السلام : « . . والغلوّ على أربع شعب : على التعمّق بالرّأي والتنازع فيه والزيغ والشقاق ، فمن تعمّق لم ينب إلى الحقّ ولم يزدد إلاّ غرقا في الغمرات ولم تنحسر عنه فتنة إلاّ غشيته أخرى وانخرق دينه . . »(474)
              وعنه عليه‏السلام : « تكلّموا في خلق اللّه‏ ولا تتكلّموا في اللّه‏ ، فإنّ الكلام في اللّه‏ لا يزداد صاحبه إلاّ تحيّرا » .(475)
              وعنه عليه‏السلام : « تكلّموا في كلّ شيء ولا تتكلّموا في ذات اللّه‏ » .(476)
              وعنه عليه‏السلام : « إنّ الناس لا يزال لهم المنطق حتّى يتكلّموا في اللّه‏ ، فإذا سمعتم ذلك فقولوا : لا إله إلاّ اللّه‏ الواحد الّذي ليس كمثله شيء » .(477)
              وعنه عليه‏السلام : « من نظر في اللّه‏ كيف هو هلك » .(478)
              وعنه عليه‏السلام : « إذا انتهى الكلام إلى اللّه‏ فأمسكوا » .(479)
              وعنه عليه‏السلام : « إيّاكم والتفكّر في اللّه‏ . . » . (480)
              وأيضا قد وردت روايات أخر بأنّه لا يوصف ولا يجوز توصيفه إلاّ بما وصف به نفسه وذلك مثل :
              ما روي عنه عليه‏السلام : « إنّ اللّه‏ عزّ وجلّ لا يوصف » . (481)
              وعنه عليه‏السلام : « سبحان من لا يحدّ ولا يوصف » . (482)
              وعنه عليه‏السلام : « لا يوصف اللّه‏ بمحكم وحيه ، عظم ربّنا عن الصفة وكيف يوصف من لا يحدّ وهو يدرك الأبصار ولا تدركه الأبصار » . (483)
              وعنه عليه‏السلام : « عزّ وجلّ عن صفة الواصفين ونعت الناعتين وتوهّم المتوهّمين » . (484)
              وعنه عليه‏السلام : « . . من جزّأه فقد وصفه ، ومن وصفه فقد ألحد فيه » . (485)
              وعنه عليه‏السلام : « الممتنع من الصفات ذاته ، ومن الأبصار رؤيته ، ومن الأوهام الإحاطة به » . (486)
              وعنه عليه‏السلام : « فمن وصف اللّه‏ فقد حدّه ، ومن حدّه فقد عدّه ، ومن عدّه فقد أبطل أزله . . » . (487)
              وعنه عليه‏السلام : « من وصف اللّه‏ سبحانه فقد قرنه ومن قرنه فقد ثنّاه . . » . (488)
              وعنه عليه‏السلام : « فلا دهر يخلقه ولا وصف يحيط به » . (489)
              وعنه عليه‏السلام : « فليست له صفة تنال ، ولا حدّ يضرب فيه الأمثال ، كلّ دون صفاته تحبير اللغات ، وضلّ هنالك تصاريف الصّفات . . . سبحانه ، هو كما وصف نفسه والواصفون لا يبلغون نعته » . (490)
              وعنه عليه‏السلام : « لا يحويه مكان ولا يصفه لسان » . (491)
              وعنه عليه‏السلام : « لا يقع عليه الأوهام ولا تصفه الألسن » . (492)
              وعنه عليه‏السلام : « الحمد للّه‏ الّذي أعجز الأوهام أن تنال إلاّ وجوده وحجب العقول أن تتخيّل ذاته » . (493)
              وعنه عليه‏السلام : « . . وجهل اللّه‏ من استوصفه » . (494)
              وعنه عليه‏السلام : « كلّ موصوف مصنوع ، وصانع الأشياء غير موصوف بحدّ » . (495)
              وعنه عليه‏السلام : « الّذي سئلت الأنبياء عنه فلم تصفه بحدّ ولا ببعض ، بل وصفته بأفعاله ودلّت عليه بآياته » . (496)
              وعنه عليه‏السلام : « انحسرت الأبصار عن أن تناله ، فيكون بالعيان موصوفا ، وبالذات الّتي لا يعلمها إلاّ هو عند خلقه معروفا ، وفات لعلوّه على الأشياء مواقع رجم المتوهّمين ، وارتفع عن أن تحوى كنه عظمته فهّاهة رويّات المتفكّرين . . » . (497)
              وعنه عليه‏السلام : « سبحان من لا يعلم كيف هو إلاّ هو ، ليس كمثله شيء » . (498)
              وعنه عليه‏السلام : « من يصف ربّه بالقياس لا يزال الدهر في الالتباس ، مائلاً عن المنهاج ، ظاعنا في الإعوجاج » .(499)
              وعنه عليه‏السلام : « إن كنت صادقا ـ أيّها المتكلّف لوصف ربّك ـ فصف جبرئيل وجنود الملائكة المقرّبين في حجزات القدس مُرجَحِنّين ، متولّهة عقولهم أن يحدّوا أحسن الخالقين ، وإنّما يدرك بالصفات ذووا الهيئات والأدوات » . (500)
              وعنه عليه‏السلام : « الخالق لا يوصف إلاّ بما وصف به نفسه ، وكيف يوصف الخالق الّذي يعجز الحواس أن تدركه والأوهام أن تناله والخطرات أن تحدّه والأبصار عن الإحاطة به ؟ ! جلّ عمّا يصفه الواصفون . . . فهو الأحد الصمد كما وصف نفسه والواصفون لا يبلغون نعته » . (501)
              وعنه عليه‏السلام : « سبحانك ما عرفوك ولا وحّدوك ، فمن أجل ذلك وصفوك سبحانك لو عرفوك لوصفوك بما وصفت به نفسك ، سبحانك كيف طاوعتهم أنفسهم أن شبّهوك بغيرك . . . ما توهّمتم من شيء فتوهّموا اللّه‏ غيره » . (502)
              وعنه عليه‏السلام : « عجزت دونه العبارة ، وكلّت دونه الأبصار ، وضلّ فيه تصاريف الصفات » . (503)
              وعنه عليه‏السلام : « لا إيّاه وحّد من اكتنهه » . (504)
              وعنه عليه‏السلام : « وقد أخطأه من اكتنهه » . (505)
              وعنه عليه‏السلام : « . . معترفة بأنّه لا ينال بجور الاعتساف كنه معرفته » . (506)
              وعنه عليه‏السلام : « ممتنع عن الأوهام أن تكتنهه ، وعن الأفهام أن تستغرقه وعن الأذهان أن تمثّله » . (507)
              وعنه عليه‏السلام : « قد يئست من استنباط الإحاطة به طوامح العقول » . (508)
              وعنه عليه‏السلام : « قد ضلّت في إدراك كنهه هواجس الأحلام ؛ لأنّه أجلّ من أن تحدّه ألباب البشر بالتفكير » . (509)
              وعنه عليه‏السلام : « ردعت عظمته العقول ، فلم تجد مساغا إلى بلوغ غاية ملكوته » . (510)
              وعنه عليه‏السلام : « ارتفع عن أن تحوي كنه عظمته فهّاهة رويّات المتفكّرين » . (511)
              وعنه عليه‏السلام : « كمال الإخلاص له نفي الصفات عنه » . (512)
              وعنه عليه‏السلام : « كيّف الكيفيّة فلا يقال له : كيف ؟ ، وأيّن الأين فلا يقال له : أين ؟ هو منقطع الكيفوفيّة والأينيّة ، فهو الأحد الصمد كما وصف نفسه ، والواصفون لا يبلغون نعته » . (513)
              وغيرها من الأحاديث المتواترة معنىً أو إجمالاً ، مع صحة السند ووضوح الدلالة المؤيّدة ببعض الآيات .
              ولكنّ الفلاسفة والصوفيّة تركوا ما أمروا بعلمه ، وتكلّفوا ما لم يؤمروا بعلمه حتى تكلّموا في معرفة كنه ربّ العالمين(514) ، وأوقعوا أنفسهم في الهالكين ، وقالوا بمقالات ليست من الدين حيث ادّعوا : أنّ ذاته تعالى هو الوجود المطلق ، وغيره من الموجودات بأسرها تنزّلاته وأطواره ! وحقيقتها أيضا هو الوجود المحدود بحدود التعيّنات الاعتباريّة مع بقائه على بساطته ، فهو عينها وغيرها اعتبارا .




              تنبيه
              لابدّ من الإشارة إلى نكتة مهمة وهي : انّه لا يعلم كنهه تعالى أحدٌ من الخلائق ، وأنّ إدراك ذاته سبحانه وكشفه ممتنع بالذات مطلقاً ، خلافاً لما ذهب إليه بعض المعاصرين من أنه : لا مانع من أن يعرّف اللّه‏ تعالى أولياءه الخاصة ذاته المقدسة بالذات المقدسة بنوره عرفاناً شهودياً بقدر ما شاء من غير طريق الفناء ـ الّذي يقول به الصوفية ـ وزعم أنه من معرفة الذات بالذات ، وأنّ فساد الكشف لأجل عدم أهلية مدّعيه ، أو لأجل قولهم بالفناء ، وقد مرّ سابقاً أنّ الأصل في امتناع إدراك ذاته تعالى امتناع الذات لا قصور المدركات ، وإن كانت هى أيضاً قاصرة بالذات ؛ لأنّ المخلوق محدود والخالق حادّ ، والمحدود مبائن للحادّ ذاتاً ، كما عن مولانا الإمام الرضا عليه‏السلام : « لافتراق الصانع والمصنوع والرّب والمربوب والحادّ والمحدود » .(515) فلا تدرك ولا تنال ذاته تعالى بأيّ نحو من التصوّر والنيل .
              وعلى هذا ، لا فرق هناك بين الكامل والناقص في امتناع إدراك الكنه ؛ لأنّ نصوصهم وتعليلاتهم عليهم‏السلام آبية عن التخصيص كقول الإمام الصادق عليه‏السلام : « وهو من جهة كالغامض لا يدركه أحد » .(516)
              وعنه عليه‏السلام أيضا : « سبحان من لا يعلم كيف هو إلاّ هو » .(517)
              وعن أمير المؤمنين عليه‏السلام ـ بعد قوله : إنّه سبحانه لا يوصف إلاّ بما وصف نفسه ـ قال : « سمّى تركهم التعمق فيما لم يكلّفهم البحث عن كنهه رسوخاً » .(518)
              وعن مولانا الصادق عليه‏السلام : « فان قالوا أو ليس قد نصفه فنقول هو العزيز الحكيم الجواد الكريم ؟ قيل لهم : كلّ هذه صفات إقرار وليست صفات إحاطة ، فإنّا نعلم أنّه حكيم ولا نعلم بكنه ذلك منه ، وكذلك قدير وجواد وسائر صفاته ، كما قد نرى السّماء ولا ندري ما جوهرها ، ونرى البحر ولا ندرى أين منتهاه ، بل فوق هذا المثال بما لا نهاية له ؛ لأنّ الأمثال كلها تقصر عنه ، ولكنّها تقود العقل إلى معرفته » .(519)
              وعنه عليه‏السلام : « فإذا قلنا كيف ؟ وما هو ؟ فممتنع علم كنهه وكمال المعرفة به » .(520)
              أقول : أُنظر ، كيف صرّح الإمام عليه‏السلام عن نفسه بمساواته مع غيره في امتناع الاكتناه !
              فمفاد هذه الروايات وغيرها هو عدم إمكان معرفة الكنه لكلّ أحد ، ويشهد بذلك ما نقله العلاّمة المجلسي رحمه‏الله عن بعض الأعلام حيث قال : الاطلاع على حقيقة الذات المقدسة فممّا لا مطمع فيه للملائكة المقربين والأنبياء المرسلين فضلاً عن غيرهم ، وكفى في ذلك قول سيّد البشر : « ما عرفناك حقّ معرفتك » .
              وفي الحديث : « إنّ اللّه‏ احتجب عن العقول كما احتجب عن الأبصار ، وأنّ الملأ الأعلى يطلبونه كما تطلبونه أنتم »(521) ، فلا تلتفت إلى من يزعم أنّه قد وصل إلى كنه الحقيقة المقدسة ، بل أحث التراب في فيه ، فقد ضلّ وغوى وكذب وافترى ، فإنّ الأمر أرفع وأظهر من أن يتلوّث بخواطر البشر ، وكلّما تصوّره العالم الراسخ فهو عن حرم الكبرياء بفراسخ ، وأقصى ما وصل إليه الفكر العميق فهو غاية مبلغه من التدقيق ، وما احسن ما قال :
              آنچه پيش تو غير از او ره نيست
              غايت فهم تو است اللّه‏ نيست
              بل الصفات الّتي نثبتها له سبحانه إنّما هي على حسب أوهامنا وقدر أفهامنا ، فإنّا نعتقد اتصافه بأشرف طرفي النقيض بالنظر إلى عقولنا القاصرة ، وهو تعالى أرفع وأجلّ من جميع ما نصفه به ، وفي كلام الإمام أبي جعفر محمّد بن علىّ الباقر عليهماالسلام إشارة إلى هذا المعنى حيث قال : « كلّما ميزتموه بأوهامكم في أدقّ معانيه فهو مخلوق مصنوع مثلكم مردود إليكم ، ولعلّ النمل الصغار تتوهم أنّ للّه‏ تعالى زبانيتين ؛ فإنّ ذلك كمالها ويتوهّم أنّ عدمهما نقصان لمن لا يتصّف بهما ، وهذا حال العقلاء فيما يصفون اللّه‏ تعالى به » انتهى كلامه ، صلوات اللّه‏ عليه وسلامه .

              تعليق


              • #8
                9- لزوم سلب الألفاظ عن معانيها الواقعيّة

                إنّه يلزم على هذا المبنى سلب الألفاظ عن معانيها الواقعيّة ودلالتها اللفظيّة ، فلا مناص من أن يكون ألفاظ الخالق والمخلوق والخلق ، والرازق والمرزوق والرزق ، والجاعل والمجعول والجعل وأمثالها لا تدلّ على ما وضعت له من المفاهيم والمعاني ، بل تفسّر هذه الألفاظ بما هو غير المتبادر منها ، كتفسير الخالق والجاعل والصانع والمحيي والمميت و . . بالعلّة ، كما ويفسّر المخلوق والمجعول والمصنوع و . . بالمعلول .
                وعليه ، فتكون كلّها ظهوراته سبحانه وتجلّياته وشؤونه وأطواره ، ويكون هو تعالى حقيقة هذه الأشياء وعينها .
                وإن شئت قلت : ليس على مذهبهم خلق وإيجاد وصنع ، بل الإيجاد عندهم عبارة عن تجلّي الحق ونزوله في منازل الهويّات وتشؤّن الوجود بشأن من الشؤون وتطوّره بطور من الأطوار ، وأنّه لا يمكن أن يكون وجود وموجود حقيقةً غير الحقّ وليس غيره موجودا ، وذوات الممكنات ما شمّت رائحة الوجود ، والمراتب الوجودية اعتبارات صرفة . . .
                ولا ريب أنّ ما ورد من ألفاظ قرآنية أو نصوص شرعيّة كـ : السّماء ، والأرض ، والشّمس ، والقمر ، والنجوم ، والحجر ، والشجر ، والأنبياء ، والرّسل ، والملائكة . . كلّها حقائق وواقعيّات متحققة ، وإلاّ للزم بطلان الاستدلال بالآيات الأنفسيّ والآفاقي الموجودة في الآيات والأخبار ، إذ يكون استدلالاً بالأوهام والأعدام . كما يلزم أن تكون الخطابات القرآنيّة بلا مخاطب بل غير حقيقيّة ، كقوله سبحانه : « إنّما إلهكم إله واحد »(523) وقوله عزّ وجلّ : « إنّما إلهكم اللّه‏ الّذي لا إله إلاّ هو »(524) وقوله تعالى : « اشكروا للّه‏ إن كنتم إيّاه تعبدون »(525) . .
                ومن هنا كان استناد هذا المذهب ـ أي مذهب الفلاسفة والقائلين بالحكمة المتعالية ! الّذي يشترك فيه جميع عرفاء الملل والمذاهب حتّى عبّاد الأصنام و . . ـ إلى الإسلام والكتاب والسنّة افتراء محض واجتراء بلا ريب ، كيف فإنّ دعوة الأنبياء والقرآن والعترة على أنّه تعالى موجود محقّق ، وليس كمثله شيء ، وهو هو ، وذاته ذاته ، وتنزّه عن مجانسة مخلوقاته ومشابهة مصنوعاته . .
                فعلى هذا ، توحيد القرآن والحديث لا ينافي غيريّة الخالق والمخلوق والبينونة الذاتيّ بينهما ، وليس في توحيده تعالى نفي غيره سبحانه ، بل وحدة الخالق والربّ والرازق تتضمّن الإقرار بوجود الغير أي المخلوق والمربوب والمرزوق .
                فتحصّل : أنّ القول بأنّ حقيقة ذاته تعالى هو الوجود وليس في دار التحقّق سوى الوجود ، وما سوى وجوده سبحانه مراتب ضعيفة للوجود ، فما هو المحقّق الموجود الخارجي هو الوجود خلاف المعارف الأوّليّة الدينيّة سواء قلنا بوحدة شخصيّة للوجود أو وحدة السنخيّة له والتمايز بالمراتب ، أكمله وأتمّه هو وجود الواجبي ، أو قلنا بأنّ الوجود منحصر به تعالى ، والوجودات الأخر خيال وهمي أو ظلّي أو . . مضافا إلى أنّه تعالى أخبر في كتابه الكريم من خلق السماء والأرض وآدم والجنّة والنار و . . والقائل بوحدة الوجود يقول : إنّ الجعل تعلّق بوجودها(526) لا بماهيّتها ، وأيضا يقول : بأنّ الوجود واحد بسيط غير متجزّى‏ء وغير متعدّد ، فعلى هذا كيف أخبر اللّه‏ تعالى بخلق السماء والأرض و . . مع أنّ الخلق والجعل تعلق بالوجود ، والوجود واحد والماهيّة أمر اعتباريّ ؟
                هل يمكن أن يخلق الوجود وجودا مستقلاً آخر ؟ أو مرتبة من نفسه ؟
                وهل يمكن أن يكون العالم والموجودات حادثا مسبوقا بالعدم مع كون الأصل الأصيل في التحقّق عندهم هو الوجود والماهيّة أمر اعتباريّ ؟
                فوحدة الوجود لا معنى محصّل لها سوى التزويق اللفظي والتلاعب بالكلمات ونوع من السفسطة وإنكار البديهيّات الأوليّة !!







                10- لزوم نفي خالقيّة اللّه‏ تعالى

                قبل ذكر هذا الدليل على بطلان القول بوحدة الوجود لابدّ من التنبيه على نكتة مهمّة وهي : أنّه لمّا كان الوجود عندهم هو الأصل الأصيل لا يتعدّد ولا يتجزّى‏ء وهو الخالق وهو المخلوق ، وأنّ التعدد والامتياز بالماهية ، وهي عندهم اعتبارية ؛ فلا يبقى شيء إلاّ الوجود ، وقد ذكرنا فيما سبق ـ وسيأتي بيانه تفصيلاً ـ بأنّه لا فرق بين القول بوحدة الوجود الفلسفي ـ أي أنّ الوجود حقيقة واحدة مشكّكة ـ وبين القول بوحدة الوجود العرفاني ـ أي وحدة الوجود والموجود ـ لأنّ هذه المراتب إمّا أن تكون عين الوجود الحقيقي أم غيره ، وعلى الأوّل : يستلزم وحدة الوجود الحقيقية ، وهو الواجب وهو الممكن ، كما أقرّوا بمقتضى مذهبهم من أنه ( ليس في دار الوجود غيره ديّار ) و( أنّ الشرك عبارة عن الاعتقاد بوجود غيره تعالى ) كما في كلام غير واحد منهم . وعلى الثاني : يلزم تعدّد الحقائق ، وهو عين القول بالماهيات .(527)
                فعلى هذا الأساس نقول : ومن مفاسد القول بوحدة الوجود :
                إنّه يلزم على ما ذكروه من وحدة الوجود نفي خالقيّته تعالى وكذا مخلوقيّة ما سواه رأسا ! أمّا نفي مخلوقيّة الوجود ؛ إذ الوجود عندهم هو ذاته تعالى وهو غير مخلوق ، فإن وجد منه وجود آخر مخلوق يلزم تعدّد الوجود ( وجود قديم ووجود حادث ) ؛ لأنّ وجود المخلوق غير الوجود الّذي هو الخالق إذ لا يكون الشيء موجدا لنفسه ، وهم يقولون بوحدة الوجود .
                وأمّا نفي مخلوقيّة غير الوجود(528) ؛ فغير الوجود ليس عندهم شيئا مطلقا حتّى يبحث عن كونه مخلوقا أو غير مخلوق ، وبسط الذّات ليس بخلق حقيقة وواقعا ، فلا خالقيّة ولا مخلوقيّة ، وهذا خلاف الضرورة والوجدان والبرهان .
                وقد أفاد بعض الأعاظم في هذا المقام ما نصّه :
                إنّ الخالق جاعل بالذّات ، والمخلوق مجعول بالذات ، فإنّ المجعول بالعرض ـ وهو المهيّة ـ على هذا القول في الحقيقة ليس مجعولاً ، وإنّما المجعول الوجودات الخاصّة ، ولا شك أنّ خصوصيّات الوجود غير قابلة للمجعوليّة إلاّ بتبع أصله وبالعرض ؛ لأنّ الضعف أمر عدميّ ـ كالماهيّة ـ لا يقبل الجعل بالذات ، فرجع الجعل إلى سنخ الحقيقة ، فسنخ الحقيقة مجعول بالذّات ، فلو كان الجاعل بالذات من سنخ الحقيقة لزم كون الجاعل بالذات عين المجعول بالذات ، واختلاف المرتبة ليس بين مرتبة اللّه‏ وسنخ حقيقته ، وإنّما هو بينها وبين المراتب النازلة ، وقد عرفت أنّ حدود المراتب ليست بمجعولة إلاّ بتبع أصل الحقيقة .

                تعليق


                • #9
                  11- لزوم انحلال الوجود الواحد البسيط إلى وجودات متعدّدة

                  على القول ببساطة الوجود كيف صار الوجود الواحد البسيط وجودات متعددة حقيقة ؟ ! إذ البسيط كيف يتجزّى‏ء بالحصص ؟ ! وكيف ينحلّ إلى وجودات متعددة سماوية وأرضية ؟
                  فإنّ بسط وجوده تعالى عن نفسه على هياكل الموجودات غير معقول ؛ لأنّ القبض والبسط والانتفاح والامتداد يتصوّر في الموجودات الجسمانيّ ومحال في حقّه «سبحانه وتعالى عمّا يقولون علوّا كبيرا» (530) .
                  مضافا إلى أنّه يلزم التأثّر والتغيير في ذاته الأقدس بسبب حدوث الوجودات الظلّية الحبابيّة وانعدامها .
                  وقريب من هذا البيان ما ذكره بعض الأعلام رحمه‏الله بقوله :
                  لو كان وجود اللّه‏ عين وجود خلقه - سواء كان على وجه الاتّحاد أو وحدة الوجود - لزم انقسام ذات الواجب ؛ إذ لا شك في تعدّد أفراد الممكنات ، فإمّا أن يكون كلّ واحد من وجوداتها ـ الّتي هي من الأجزاء الوجوديّة للواجب ـ إلها لزم تعدّد الآلهة ، وإن كان المجموع إلها توقّف إلهيّة المجموع على أجزائه واجتماعها وائتلافها على جامع ومؤلّف ، وهو إن كان ذاته لزم كونه إلها قبل كونه إلها ، وإن كان غيره لزم توقّف إلهيّته على غيره فيكون ممكنا ، وقد فرضناه واجبا .









                  12- لزوم سراية كمالاته تعالى في الموجودات


                  يلزم على هذا القول سراية كمالات الخالق تعالى حتّى في الهيولى ؛(532) لأنّها متّحدة الحقيقة مع الوجود ، فكما أنّ الوجود منبسط على الهيولى وإن اختلفت بالشّدّة ، فكذلك العلم والقدرة مثلاً(533) ، وضرورة الوجدان والبرهان حاكمة بكذبه .











                  13- لزوم انكار الخالقيّة والمخلوقيّة بل العليّة والمعلوليّة

                  انّه يستلزم إنكار الخالقيّة والمخلوقيّة(534) ، بل العلّيّة والمعلوليّة(535) ، وهو كما ترى .
                  بيان ذلك : لمّا قالوا بأنّه ليس إلاّ الوجود الواحد ، والماهيّة غير مجعولة ، فلا تكون صادرة ، والصادر لا يكون إلاّ متحقّقا ولا تحقّق للماهيّة .
                  وعلى هذا يلزم ـ كما قيل ـ إنكار العلّيّة والمعلوليّة ؛ إذ ليس عندهم إلاّ بسط الوجود من دون انثلام في وحدته ، فلا معنى لكون بعضه علّة وبعضه معلولاً .
                  فإن أضيفت العلّة إلى نفس الوجود بلحاظ البسط فليست إلاّ اعتباريّة ، وإن أضيفت إلى الماهيّة فكذلك ؛ لعدم قبولها الجعل ولكونها اعتباريّة ، وإن أضيفت إلى الوجود من حيث الفيء والعكس فليس المراد بهما الحقيقة وإلاّ لزم أن يكون للّه‏ تعالى فيء وعكس ، فلا تكون أيضا إلاّ اعتباريّة .
                  بل يستلزم نفي كلّ علّة ومعلول على الإطلاق في جميع الأشياء ؛ إذ الوجود بسطه شمولي عامّ لا يختصّ ببعض دون بعض ، فما به التحقّق في الجميع واحد وهو الوجود ، فلا معنى لكون شيء علّة لوجود آخر .
                  وأمّا الماهيّات فهي عندهم متباينات ، والمباين لا يكون علّة للمباين لعدم السنخيّة ، ومع ذلك فهي اعتباريّة منتزع كلّ ماهيّة عن حصّة وجودها ، وأيضاً الاعتباريّ لا يمكن أن يكون علّة ولا معلولاً إلاّ بالاعتبار .
                  بل ليس للأشياء إذن تباين ؛ لأنّ تجوهر كلّ شيء بحقيقته ، وحقيقة كلّ شيء بوجوده ، والوجود واحد بالفرض ، فالموجودات مشتركة في الحقيقة فكلّها بمنزلة أفراد حقيقة واحدة والماهيّة اعتباريّة ، والاعتبار لا يصيّر الحقيقة الواحدة حقيقتين ، مع أنّها ليست إلاّ من مشخّصات الحدود الفرضيّة ، والمشخّصات لا توجب التباين في الحقيقة ، فالأشياء إذن كلّها متّفقة الحقيقة ، والتباين في الأمر الاعتباريّ .
                  أقول : إنّ هذا الدليل ينحلّ في الحقيقة إلى ثلاثة أدلّة ، كما لا يخفى ، فتدبّر .

                  تعليق


                  • #10
                    14 - لزوم إنكار الثواب والعقاب

                    إنّ ذلك يستلزم إنكار الثواب والعقاب ؛ فإنّهما يعودان إلى نفس المثيب والمعاقِب ، والشخص لا يثيب ولا يعاقب نفسه .(536)
                    إذ بعد قبض الوجود وارتفاع الماهيّة رجع الجزء إلى الكلّ والخاص إلى العام والمقيّد إلى المطلق والظلّ إلى ذي الظلّ ، فلا يبقى إلاّ حقيقة الوجود وهي نفسه .
                    وكذا يستلزم إنكار التكليف والحدود ، إذ الماهيّة غير قابلة للتكليف ؛ لأنّها اعتباريّة ، وهي ليست منشأ للآثار ، والوجود هو حصّة من المعبود ! ولا معنى لتكليف نفسه وتأديبه بالحدود ولا الأمر بعبادته ؛ إذ ليس العابد إلاّ المعبود ! كما أُفيد .
                    أقول : فيلزم جواز الافتراء والكذب والزور والظلم والخيانة والسّرقة وغيرها من المنكرات ؛ لأنّ الخوف والترهيب و . . لابدّ أن يكون من اللّه‏ ، وبعد الاعتقاد بأنّ اللّه‏ تعالى هو حقيقة الوجود المشتركة بينه وبين سائر الموجودات ، وكونهما موجوداً بوجود واحد لا معنى لخوفه عن نفسه ، مضافاً إلى أنّ الفعل فعله تعالى ـ على ما مرّ بيانه ـ فلا معنى للخوف والترهيب و . . فعلى هذا لا يبقى دينٌ ولا مذهب ، ويبطل الشرع والثواب والعقاب ؛ لأنّ الجنّة والنار والأنبياء والأشقياء و . . كلّها هي حقيقة الوجود الّتى ليس في دار الوجود غيرها ديّار ، وهو اللّه‏ تعالى عندهم .






                    15- لزوم نسبة اللهو واللعب اليه تعالى


                    هو أنّ الغور في الكتاب الكريم وآياته وسبر سوَره وأجزائه يفيد مغايرة المنزِل والمنزَل إليه والمنزَل فيه ، وذلك بالغيريّة الحقيقيّة الواقعيّة لا الاعتباريّة الفرضيّة ، بل جميع الآيات المباركات ـ من أوّل القرآن إلى آخره ـ يدلّ بدلالة الاقتضاء(537) على ذلك المغايرة .
                    مع أنّ القول به ـ أي وحدة الوجود ـ يستلزم صحّة نسبة اللّهو واللّعب إلى نفسه القدّوس في جميع أفعاله من بعث الرّسل وإنزال الكتب وما حوته من البشارات والإنذار ونحوهما .





                    16- لزوم القول بالجبر
                    إنّ لازم هذا القول هو إنكار كون الأفعال للعباد ؛ بل لازمه القول بأنّ اللّه‏ سبحانه هو الفاعل لكلّ فعل يقع في عالم الوجود ، وأنّه أيضا المفعول ، إذ الوجود عندهم فاعل إراديّ ؛ لأنّه المنشأ للآثار ، والماهيّة ساقطة عن الاعتبار ، وليس الوجود إلاّ اللّه‏ ، وهذا هو الجبر المطلق .
                    وعلى هذا ، فاللّه‏ تعالى ـ العياذ باللّه‏ ـ فاعل للفجور كلّها ؛ إذ هو فاعل الأمور كلّها ، فيلزم نسبة الفواحش إليه سبحانه ، تعالى اللّه‏ عمّا يقول الظالمون علوّا كبيرا .
                    و ببيان آخر : إنّ لازم هذه الدعوى هو القول بالجبر ؛ فإنّ الخلق إذا كان عين الحقّ وكان الحق سمعه وبصره ولسانه ويده ورجله وجميع جوارحه ـ على زعمهم الفاسد ـ يلزم كون جميع ما يصدر منه مستندا إلى اللّه‏ سبحانه .
                    وفساده واضح لا يحتاج إلى البحث هنا بعد قيام الأدلة العقليّة والنقليّة على بطلانه ، وبسط القول في تلك المسئلة وإيراد الدلائل والبراهين على ذلك ودفع الشكوك والشبهة عنها لا يناسب ما هو المقصود من هذه الرسالة (538) .


                    تنبيه
                    إنّ العلم والقدرة وغيرهما من الكمالات في العلوم البشريّة راجعة إلى الوجود ، والمشية والارادة أيضا نفس ذاته التي هي عين الوجود - عندهم - وحينئذ تكون تحقق الأشياء الممكنة في مذهب الفلاسفة بالوجوب والضرورة بالمشيّة الذاتيّة الأزليّة لا بالمشيّة والإرادة التي هي فعل حادث للّه‏ سبحانه ، ( وتعبيرهم عن المشيّة بالأزليّة عجيب ، فلرعاية الشرايع عبّروا بالمشيّة ولرعاية أصول الفلسفة عبّروا بالأزليّة ) ، وبعد كون علمه تعالى وقدرته تعالى عين ذاته ، ومشيّته عندهم عين علمه قالوا بعليّة العلم لتحقّق الأشياء ، وأنكروا الفعل الحادث للّه‏ تعالى ويقولون : إنّ اثبات الفعل الحادث له تعالى موجب لتغيّر الذات ، وقالوا : إنّ هذا النظام هو النظام الأتمّ في الكائنات واستحالة تغييرها عمّا هو في علمه تعالى ، فوقعوا في القول بالجبر في أفعال العباد ؛ لأنّ مشيّتهم منتهية إلى مشيّة الأزلية ، ونتيجة ذلك إبطال الشرايع ولغوية إرسال الرّسل وإنزال الكتب والوعد والوعيد من غير تخلّص من هذه العويصة ، وأمّا في الواجب تعالى فقالوا : بالايجاب فيما يصدر عنه تعالى ، هذا على مذهب الفلاسفة .
                    وأما العارف فهو في فسحة من هذا بعد القول بوحدة الوجود بل الموجود ، فانظر أيّها العاقل المتشرّع إلى ثمرات العلوم البشرية !

                    تعليق


                    • #11
                      17- لزوم كون الأشياء الخسيسة مظاهره تعالى

                      ويلزم على هذا أن يكون المبدء تعالى ( والعياذ باللّه‏ ثمّ العياذ باللّه‏ ) عين المخلوقات حتى الأشياء النجسة والقاذورات و . . ! !(541) و« سبحانه وتعالى عمّا يقولون علوّا كبيرا »(542) ، ولا حول ولا قوّة إلاّ باللّه‏ .
                      وببيان آخر : إنّ الأشياء كلّها ـ بناءا على التجلّي والانبساط ـ تكون مظهرا للذات ، وهم يصرّحون بذلك كثيرا ، فإنّا لو لم نقل باستلزامه العينيّة ـ كما اعترف به ابن العربي ومن حذا حذوه ـ فإنّه لا شبهة عندهم في المظهريّة ، وكيف يرضى المسلم العاقل بأن يقول : إنّ الأشياء الخسيسة مظاهر لذاته تعالى ؟ بأن كان وجود الخسيس وجوده المحدود . . ! ! تعالى اللّه‏ عمّا يصفه الجاهلون علوّا كبيرا ، « وما قدروا اللّه‏ حقّ قدره »(543) ، « وسيعلم الّذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون »(544) .






                      18- لزوم عدم اتّصاف الوجود بالإمكان والوجوب


                      أنه على القول بوحدة الوجود واشتراكه بين الخالق والمخلوق يلزم أن لا يكون الوجود ـ مع قطع النظر من مرتبتيه ـ متّصفاً بصفة الإمكان والوجوب ، والاتّصاف بهما إنّما يحدث فيه بواسطة مرتبتيه ، فيكون الاتّصاف بهما عرضياً لا ذاتياً وهو باطل بالضرورة .
                      وببيان آخر: الوجود المشترك بين المرتبتين إمّا واجب ، أو ممكن ، أو ليس بواجب ولا ممكن ، فإن كان واجباً لزم أن يكون جميع مراتبه واجبا ، وإن كان ممكناً لزم أن يكون جميع مراتبه ممكنا بذاته ولو صار واجباً بالعرض ، وإن لم يكن ممكناً ولا واجباً فمع فرض تصوّره يلزم أن لا يكون وجوبه وإمكانه ذاتيين بل عرضيين وهو أقبح فساداً .
                      فإن قلت : إنّما يلزم ما ذكرت إذا كانت المراتب صفات خارجة عارضة على الوجود ، وأمّا إذا كان اختلاف المرتبة باعتبار شدة الوجود وضعفه كالنّور القوي والضعيف فلا يلزم ذلك ، إذ المرتبة حينئذ من جنس الوجود لا أمر خارج عنه ، قلت : ما يقبل المتقابلين من الشدة والضعف فهو في حدّ نفسه خال عنهما ، فاتّصافه بأحدهما زائد على ذاته موجب لتغيره عما هو عليه ، ولا يتصف بصفة الإمكان أو الوجوب إلاّ بعد اتّصافه بأحد المتقابلين من الشدة والضعف الخارجين عن ذاته ، بل يلزم حينئذ أن يكون الواجب وهو الوجود الشديد منقسما في عقل أو وهم ، لرجوعه تحليلاً إلى صفة وموصوف .





                      19- لزوم أن لا يكون الواجب واجبا بذاته


                      انه إذا فرض اشتراك الوجود بين وجود الواجب ووجود الممكن وفرض أنّ الوجود الضعيف ممكن ذاتاً لا يعقل أن يكون الشديد واجباً بذاته ؛ لأنّ شدّة الشيء وقوّته إنّما توجب الشدّة في الأثر لا انقلابه عمّا كان عليه ذاتاً كالنّور ، فإنّ الضعيف منه يوجب رفع الظلمة في الجملة ، والقويّ منه أشدّ تأثيراً في رفع الظلمة لا انقلابه عمّا كان عليه ذاتاً .







                      20- لزوم كونه تعالى محدودا
                      انّ الوجود الشديد عندهم ما كان مطلقا مجرّدا عن القيود لعمومه وشموله جميع الموجودات ، والضعيف ما كان مقيداً ، وتختلف مراتب ضعفه باختلاف مراتب القيود ، فالجزئي الخارجي أضعف من النوع وجوداً ، والنوع أضعف من الجنس القريب كذلك ، وهو أضعف من الجنس البعيد إلى أن ينتهي إلى الوجود المطلق ، فهو لإطلاقه وتجرّده عن القيد أشدّ وأقوى من الجميع ، وهو واضح البطلان ؛ لأن الوجود الذي يتطرّق فيه التحديد والاتحاد مع الماهية هويةً وخارجاً لا يتم إلاّ بالتعيّن التام وهو التشخّص ، ضرورة أنّ الشيء ما لم يتشخّص لم يوجد كما أنه ما لم يوجد لم يتشخّص ، فمطلق الوجود الذي يتطرّق فيه التحديد والاتحاد مع الماهية في الخارج لا يكون وجودا إلاّ بعد تشخّصه وتعيّنه في الخارج ، وقبله يكون مبهما ومفهوما محضا لا عين ولا أثر له في الخارج ، ووجود الواجب تعالى شأنه لا يكون محدوداً بمعنى أنّه لا يتطرق فيه التحديد ، لا أنه يتطرق فيه التحديد ويكون غير محدود ، فليس وجوده تعالى من سنخ وجود الممكن مختلفاً معه في المرتبة كما زعمته جماعة من الصّوفية ومن يحذو حذوهم .

                      تعليق


                      • #12
                        وأخيرا نقول : إنّه يكفي في بطلان القول بوحدة الوجود عدم ورود نصّ ودليل معتبر من الكتاب والسنّة وأخبار الأئمّة المعصومين عليهم‏السلام على ذلك مع أنهم عليهم‏السلام دعاة الناس إلى التوحيد وهداة البشر إلى المعرفة وبهم عرف اللّه‏ ولولاهم ما عرف اللّه‏ وما وحّد اللّه‏ ، ويمتنع عادة مع تمام شفقتهم بالشيعة وكمال اعتنائهم ببيان الشريعة أن لا يتعرّضوا لهذا الّذي هو من أعظم مهمّات الدين وأجلّ أركان معرفة ربّ العالمين ، ويهملوه بغير دليل !

                        فعدم دليل قطعيّ على صحّة هذه الدعوى كاف في بطلانها ، ولا ريب أنّ العمل بالظنّ هنا ممنوع ، بل بطلانه اتفاقيّ ، ولم يذكروا لهذا القول في كتبهم دليلاً قابلاً للالتفات إليه ، وقد سمعت أهمّ دليلهم من صاحب المنظومة السبزواريّ . وما تشبّثوا بها من الشبهات الواهية فقد مرّت مع أجوبتها .

                        هذا ؛ مع أنّ هناك أحاديث متواترة من طريق أهل البيت عليهم‏السلام تخالف هذه الدعوى صريحاً بل تنفيها قطعاً وتحكم بكفر قائلها بتاً ، تعرّضنا نزراً يسيراً منها فيما سبق وسنرجع لها بإذن اللّه‏ تعالى .

                        تنبيه
                        وإذا انجرّ الكلام إلى هنا لابدّ من التنبيه على نكتة مهمّة وهي :
                        إنّ اللّه‏ تعالى أكمل دينه بنبوّة خاتم الأنبياء صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم وخلافة سيّد الأوصياء أميرالمؤمنين عليّ عليه‏السلام والأئمّة الطاهرين عليهم آلاف التحيّة والثناء ؛ فإنّهم عليهم‏السلام ذكروا لهذه الأمّة المرحومة كلّ ما تحتاج إليه إلى يوم القيامة من أصول الاعتقاديّة والأحكام العمليّة حتّى أرش الخدش وأحكام الكنيف والبالوعة وسائر المكروهات والمستحبّات ، فلا يبقى عذر لمن تخلّف عن الثقلين الّذين لن يفترقا إلى يوم القيامة ، ولا ذريعة لمن تمسّك بعروة غيرهم وسلك غير طريقتهم .
                        وقد ورد من طريق الخاصّة والعامّة عن النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم أنّه قال : « مثل أهل بيتي كسفينة نوح ، من ركبها نجى ومن تخلّف عنها غرق » .(545)
                        وليس في الكتاب الّذي« لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه »(546) ، ولا في السنّة النبويّة ولا أخبار الأئمة الطاهرة الّذين هم معادن علم اللّه‏ وتراجم كتاب اللّه‏ ودعاة الناس إلى التوحيد وهداة البشر إلى معرفة اللّه‏ ما يشعر بقول الفلاسفة والعرفاء . . ! فهل عجز الكتاب والسنّة عن إيراد مقالة الفلاسفة والعرفاء في وحدة الوجود .

                        والقائل بوحدة الوجود وتأصّله يقول بـ : أنّ الإله الّذي نعتقده ونعبده هو حقيقة الوجود المشترك بين الخالق والمخلوق ، فالوجود واحد وهو الخالق وهو المخلوق وهو السماء وهو الأرض وهو الشمس وهو القمر ، وليس في دار التحقّق سوى حقيقة الوجود ، وما سواه مرتبة من مراتبه أو طور من أطواره أو . . ويصرّحون بأنّ الاعتقاد بوجود موجود غيره تعالى يساوق الشرك .(547)

                        والمنكرون لهذه المقالة ـ وهم جمهور علمائنا من الفقهاء والمحدّثين ـ أنكروا ألوهيّة الإله الّذي يعبده ويعتقده الفلاسفة والعرفاء ، بل يعبدون ويعتقدون الإله الّذي هو هو وذاته ذاته وتنزّه عن مجانسة الأغيار ومشابهة الآثار ، فليس إلههم هو حقيقة الوجود الكذائيّ .
                        فما السبب في تقصيرهم عليهم‏السلام ـ والعياذ باللّه‏ ـ مع بيانهم لأقلّ المستحبّات وأدنى التكاليف أن لا يشيروا لهذا الأمر الخطير الجليل الّذي هو مدار الإيمان والكفر والتوحيد والشرك ؟ !
                        بل لم تكن بعثة الأنبياء والأوصياء إلاّ لأجل إعلان التوحيد وتبليغ أحكام اللّه‏ ، ومع هذا كيف أهمل اللّه‏ تعالى في كتابه وأهمل سيّد الأنبياء وأهل بيته ـ صلوات اللّه‏ وسلامه عليهم ـ هذا الأمر العظيم ؟ ! وهل يقبل مثل هذا ذومسكة أو يرتضيه ذو دراية ؟ ! وقد قال جلّ‏ وعزّ : « سبحانه وتعالى عمّا يقولون علوّاً كبيراً »(548)
                        وهؤلاء الفلاسفة والعرفاء لابدّ أن يقولوا بأنّ علماء الأمّة وأساطين الشريعة ونقلة الأخبار والآثار ـ الّذين هم لم يعرفوا هذه الحقيقة ولم يدركوا كنه هذه الجوهرة الثمينة ! بل أنكروها أشدّ الإنكار ورموا القائل بهذه المقالة إلى ما يستحقّه القائل بالتثليث والثنويّ ـ لم يكونوا موحّدين مؤمنين ، كما قال بعض المعاصرين(549) بأنّ هذا التوحيد ـ أي وحدة الوجود ـ هو الّذي خفي على الأعلام الماضين والقدماء و . . حتّى صار في القرون الأخيرة واضحة ومكشوفة !
                        هل يعقل مثل هذا أم يقول به من له أدنى إنصاف ؟ ! هيهات هيهات أن ننسب جميع علماء الشيعة وأساطين الشريعة إلى الفساد في العقيدة والشرك في التوحيد ـ والعياذ باللّه‏ ـ ، ونحكم بنقص الدين والشرع طوال هذه القرون الطويلة والأعصار السحيقة ، وكانوا ينتظرون توحيد العرفاء والفلاسفة ، بل لم يكن لهم توحيد حتى أكمل لهم على يد المقلّدين لإبن العربي ومن جاراهم .
                        وهذا نزر يسير ممّا يترتب على القول بوحدة الوجود وتأصّله من المفاسد وتشهد بفساده وبطلانه ، وإلاّ فالمتأمّل يظفر بأزيد من ذلك بكثير .






                        وهكذا تم نقل عشرين لازماً فاسداً وقد ياتي غيرها ايضا او هي نفسها بتقريبات أخرى

                        تعليق


                        • #13
                          السلام عليكم
                          احسنتم اخي تحت اطباق الثرى

                          تعليق


                          • #14
                            السلام عليكم
                            احسنتم اخي تحت اطباق الثرى

                            تعليق

                            اقرأ في منتديات يا حسين

                            تقليص

                            لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                            يعمل...
                            X