هل يفيد قوله تعالى: (وكونوا مع الصادقين) حصرَ الصادقين بالمعصومين؟
السؤال:
يقول بعض المفسّرين بأنّ قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)، يدلّ على أنّ الصادقين هم المعصومون؛ لأنّ الصدق هنا مطلقٌ، ولا يمكن لأحدنا أن يكون صادقاً بشكل مطلق إلا المعصوم، كما أنّ الآية لم تقل: كونوا من الصادقين، وإنما قالت: كونوا مع الصادقين، فما هو تعليقكم على ذلك؟ وهل توافقون على هذه المداخلة التفسيريّة؟ (علي، العراق).
الجواب: [ كلام الشيخ حيدر حب الله ]
هذه المقاربة التفسيريّة غير صحيحة في تقديري المتواضع، بصرف النظر عن الروايات التفسيرية في هذا الإطار؛ لأنّ الآية القرآنية لا يوجد فيها إطلاق من هذه الناحية، فلو جاءت رواية تقول: يجب في إمام الجماعة أن لا يرتكب الحرام ويفعل الواجب، فهل هذا يعني أنه فيه إطلاقاً، فيشترط فيه العصمة؟!
القضيّة هي أنّ مجال التوصيفات يكفي فيه صدق الأوصاف صدقاً عرفيّاً، فقوله: كونوا مع الصادقين، أي كونوا مع من يتصف بالصدق، والاتصاف بالصدق يصدق على المعصوم وعلى غيره، فالعادل صادق، وهم يقولون خبر الثقة حجّة، والثقة هو الصادق في قوله، فلا معنى للإطلاق هنا. وأنت تقول: اتبع الإنسان الورع، ولا يعني ذلك اشتراط العصمة، وتقول: يشترط في القاضي والمفتي والمرجع وغيرهم العدالة والتي هي الاستقامة على جادّة الشرع، ولا يعني ذلك اشتراط العصمة فيهم بحجّة إطلاق الاستقامة، وهذا الذي أقوله هو الذي يسير عليه الفقهاء والمجتهدون والأصوليّون عادةً في دراساتهم وأبحاثهم ما لم تذكر قرينة خاصّة.
وأما التعبير بكونوا مع، وليس كونوا من، فيعني أن تكونوا في زمرة الصادقين ومناصرين لهم، ولا يعني ذلك بالضرورة التمييز بين (مع) و (من)؛ لأنّ (مع) تستخدم في اللغة بمعنى (من)، فأنت تقول لولدك: كن مع المؤمنين ولا تكن مع الفاسقين، ومقصودك أن يصبح مؤمناً مثلهم، ولا يكون فاسقاً مثل أولائك، ولعلّه يشهد لذلك قوله تعالى: (فاكتبنا مع الشاهدين) أي منهم، وقوله سبحانه: (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبييّن والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً)، فإنّ من يطع الله والرسول هو من الصالحين، وليس غيرهم، وهكذا. أ.هـ
---------------
منقول.
تعليق