المشاركة الأصلية بواسطة خام الأطهار
وحياك الله
أجمعت الامة الاسلامية وعلمائها من الفريقين بأن هذه فرية وتهمة لا تجوز على نساء الانبياء عليهم السلام! لان ذلك يعتبر خدشة في شرفهم، ونقصا في الأنبياء عليهم السلام، والله تعالى برّأ جميع أنبيائه من النقص والعيب.
وقد اشار السيد شرف الدين العاملي لذلك بقوله:
وعلى ذلك إجماع مفسري الشيعة ومتكلميهم وسائر علمائهم.
وهذا ما أيده الآلوسي بقوله:
ونسب للشيعة قذف عائشة رضي الله تعالى عنها بما براها الله تعالى منه وهم ينكرون ذلك أشد الإنكار وليس في كتبهم المعول عليها عندهم عين منه ولا أثر أصلاً. وكذلك ينكرون ما نسب إليهم من القول بوقوع ذلك منها بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وليس له أيضا في كتبهم عين ولا أثر.
وأما الفريق الذي تقول انه اتهم فلم نعرف من علمائنا ممن عليهم المعوّل من قال بهذه الفرية والعياذ بالله!!
وأمّا اهل العامة فقد ذكر الاجماع على ذلك العلامة الشوكاني بقوله:
وقد وقع الإجماع على أنه ما زنت امرأة نبي قط.
ونقل الاجماع ايضا كبار العلماء، القنوجي الحنفي والسبتي الاموي!
نعم هناك من يقول بإمكان وقوعها! ولم يذكره صراحة كالبخاري، فهو ينقل شك النبي بطهارة عائشة، وكذلك الطبراني في معجمه.
بل منهم من صرح بوقوعها كمجاهد والحسن البصري.
ومنهم من قال بإمكان ذلك، كالالباني واستنادا لرواية البخاري فقد نسب امكان ارتكاب الفحشاء لنساء الانبياء عليهم السلام ولنساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بإدعاء عدم عصمتهم عن هذا الخطأ!!:
يعني أن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم لم يقطع ببراءة عائشة رضي الله عنها إلا بعد نزول الوحي. ففيه إشعار قوي بأن الأمر [الفحشاء] في حد نفسه ممكن الوقوع.
هذا أولا.
وثانيا:
لا يمكن لنا أن نستفيد من كلمة (الفاحشة) الاتهام بالزنا؛ لان معنى الفاحشة الإتيان بكل عمل نهى الله تعالى عنه.
ونقل علماء اللغة معان متعددة لهذه الكلمة.
قال ابن منظور في لسان العرب في بيان معنى (فحش) :
فحش: الفُحْش: معروف.
ابن سيدة: الفُحْش والفَحْشاءُ والفاحِشةُ القبيحُ من القول والفعل... فالفاحِشُ ذو الفحش والخَنا من قول وفعل، والمُتَفَحِّشُ الذي يتكلَّفُ سَبَّ الناس ويتعمَّدُه، وقد تكرر ذكر الفُحْش والفاحشة والفاحش في الحديث، وهو كل ما يَشتد قُبْحُه من الذنوب والمعاصي؛
قال ابن الأَثير: وكثيراً ما تَرِدُ الفاحشةُ بمعنى الزنا ويسمى الزنا فاحشةً، وقال اللَّه تعالى: «إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ» قيل: الفاحشة المبينة أَن تزني فتُخْرَج لِلْحدّ، وقيل: الفاحشةُ خروجُها من بيتها بغير إِذن زوجها.
وقال الشافعي: أَن تَبْذُوَ على أَحْمائِها بِذَرابةِ لسانها فتُؤْذِيَهُم وتَلُوكَ ذلك. في حديث فاطمة بنت قيس: أَن النبي، صلى اللَّه عليه [وآله] وسلم، لم يَجْعل لها سُكْنى ولا نفقةً وذَكر أَنه نَقَلها إِلى بيت ابن أُم مَكتوم لبَذاءتِها وسَلاطةِ لِسانِها ولم يُبْطِلْ سُكْناها لقوله عزّوجل: «لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ».
وكلُّ خَصْلة قبيحةٍ، فهي فاحشةٌ من الأَقوال والأَفعال؛ ومنه الحديث: قال لعائشة لا تقولي ذلك فإِن اللَّه لا يُحبُّ الفُحْشَ ولا التفاحُشَ. أَراد بالفُحْش التعدّي في القول والجواب لا الفُحْشَ الذي هو من قَذَعِ الكلام ورديئه...
وكلُّ أَمر لا يكون موافقاً للحقِّ والقَدْر، فهو فاحشةٌ...
وأَما قول اللَّه عزّوجلّ: «الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ» قال المفسرون: معناه يأْمركم بأَن لا تتصدقوا، وقيل: الفحشاء هاهنا البُخْل، والعرب تسمي البَخيلَ فاحشاً.
ونجد في كتب العامة رواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه استعمل كلمة (فاحشة) بحق عائشة وهي هنا بمعنى سوء اللفظ والاهانة:
قال ابن أبي شيبه في كتابه المصنف:
حدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة أن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم قال لها: يَا عَائِشَةُ لاَ تَكُونِي فَاحِشَةً.
ونقل مسلم النيشابوري هذه الرواية بتفصيل أكثر:
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِم، عَنْ مَسْرُوق، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُنَاسٌ مِنَ الْيَهُودِ، فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ.
قَالَ «وَعَلَيْكُمْ».
قَالَتْ عَائِشَةُ: قُلْتُ: بَلْ عَلَيْكُمُ السَّامُ وَالذَّامُ.
فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا عَائِشَةُ لاَ تَكُونِي فَاحِشَةً».
فَقَالَتْ: مَا سَمِعْتَ مَا قَالُوا.
فَقَالَ: «أَوَلَيْسَ قَدْ رَدَدْتُ عَلَيْهِمُ الَّذِي قَالُوا قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ».
وقال النووي في شرح هذه الرواية ورواية أخرى بهذا المضمون عن عائشة:
وأما الفحش فهو القبيح من القول والفعل وقيل الفحش مجاوزة الحد.
وقال الملا علي الهروي:
وفي رواية لمسلم قال: «لا تكوني فاحشة» أي قائلة للفحش ومتكلمة بكلام قبيح.
وأمّا ثالثا:
فتهمة الزنا بحسب الموازين الشرعية والفقهية تثبت بشهود أربعة يشهدون دخول الميل في المكحلة! فهل لدينا مثل هؤلاء الشهود؟!!
واتصور أنك تعرف حكم من يتهم بدون دليل أنه يحد حد القذف، ومن يحد الحد يكون فاسقا! والفاسق تجري عليه أحكام مترتبة عليه!! هل وضح الأمر!
قال تعالى إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا!
يقول الشيخ الطبرسي في مجمع البيان في تفسير آيات الافك:
"إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنْ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ * لَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ * لَوْلاَ جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ * وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ"
والمعنى: هلا إذا سمعتم هذا الحديث، ظننتم بها ما تظنونه بأنفسكم، لو خلوتم بها، وذلك لأنها كانت أم المؤمنين. ومن خلا بأمه لا يطمع فيها، وهي لا تطمع "وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ" أي: وهلا قالوا هذا القول كذب ظاهر.
"لَوْلاَ جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ" أي: هلا جاءوا على ما قالوه ببينة، وهي أربعة شهداء يشهدون بما قالوه.
"فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ" أي: فحين لم يأتوا بالشهداء "فأولِئَكَ" الذين قالوا هذا الإفك "عِنْدَ اللهِ" أي: في حكمه "هُمُ الكاذِبونَ".
"وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا" بأن أمهلكم لتتوبوا، ولم يعاجلكم بالعقوبة "لَمَسَّكُمْ" أي: أصابكم "فِي مَا أَفَضْتُمْ" أي: خضتم "فيهِ" من الإفك "عَذَابٌ عَظِيمٌ" أي: عذاب لا انقطاع له
رابعا:
من المضحك طلب دليل من أقوال النبي أو الائمة صلوات الله عليهم بنفي الزنا!! فهل لدى المتّهِم أقوال تثبت الزنا وردت عنهم؟
ومن ثم هل يثبت الزنا بالأقوال؟ وهل يوجد في سيرة النبي وآله صلوات الله عليهم من أثبتوا عليه الزنا بالقول وأقاموا عليه الحد؟!!
خامسا:
اترك الادلة النقلية، واليك الحجة العقلية الرصينة على ذلك:
إن تسرب الفحشاء إلى أهل النبي ينفر القلوب عنه فمن الواجب أن يطهر الله سبحانه ساحة أزواج الأنبياء عن لوث الزنا والفحشاء وإلا لغت الدعوة، وتثبت بهذه الحجة العقلية عفتهن واقعا لا ظاهرا فحسب.
قوله: من الواجب: في الحكمة الالهية.
قوله: عن لوث الزنا: أي تنزيه ساحة نساء الانبياء لا عن الزنا فقط بل كل ما يمس أعراض أزواج الانبياء.
فعليه لا الشرع ولا العقل ولا النقل يثبت ما يريد بعض المغرضين اثباته والعياذ بالله!
وقول أن هذا قبل وفاة النبي أو بعده باطل ومغالطة واضحة لا معنى له!
يبقى أمر مهم:
كلامنا هذا لا يعني أن كل أزواج النبي صلى الله عليه وآله أو أن بعض أزواج النبي لم تكن لهن مواقف ثبت خطأه، ولكن إثبات الخطأ لبعض مواقف أزواج الأنبياء شيء والاهانة والإساءة والتعرض لعرضهن شيء آخر، لا توجد ملازمة بينهما.
وحكم الكفر بمخالفة النبي والخروج على الولي غير حكم الزنا، والدليل عليه غير الدليل على الفاحشة المقصود بها الزنا والعياذ بالله.
والحمد لله رب العالمين.
تعليق