رسائل في الغيبة - الشيخ المفيد - ج 4
الرسالة الرابعة في الغيبة تأليف الإمام الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان ابن المعلم أبي عبد الله ، العكبري ، البغدادي
لو اجتمع على الإمام عدة أهل بدر لوجب عليه الخروج " بسم الله الرحمن الرحيم لماذا لم يظهر المهدي ؟ ومتى سيظهر ؟ سؤال كثيرا ما يسمع من المعتقدين بالإمام صاحب الزمان عليه السلام عندما يمتلئون غيظا من الأعداء ، فيحسبون أن الدنيا ملئت ظلما وجورا ، وقد عين ذلك وقتا لظهوره عليه السلام كي يملأها عدلا ورحمة .
ويبدو أن توقيتا آخر كان معروفا في زمان الشيخ المفيد ، حيث قد روي حديث عن الإمام الصادق جعفر بن محمد عليه السلام يقول : إنه لو اجتمع على الإمام عدة أهل بدر ، ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا ، لوجب عليه الخروج بالسيف . وقد طرح على الشيخ المفيد سؤال عن هذا الحديث ، فأقر الشيخ أنه حديث مروي . فحاول صاحب السؤال أن يناقش الشيخ حول الغيبة وشؤونها من خلال هذا الحديث ، وقد ضمهما مجلس في بيت السائل الذي عبر عنه ب " رئيس من الرؤساء " . قال السائل : إنا نعلم - يقينا - أن الشيعة في هذا الوقت أضعاف عدة أهل بدر ، فكيف تجور للإمام الغيبة مع تلك الرواية ؟ أجاب الشيخ : إن الشيعة وإن كانت كثيرة من حيث العدد والكم ، لكن العدد المذكور في الرواية ليس المراد بهم العدد والكم فقط ، وإنما هم على كيفية خاصة ، (هنا يبدأ المفيد بتعداد صفات اهل بدر صحابة الرسول)
وتلك الكيفية لم نعلم حصولها بعد بصفتها وشروطها ،
حيث أنه يجب أنيكونوا على :
1- حالة مأمونة من الشجاعة ،
2- والصبر على اللقاء ،
3- والاخلاص في الجهاد ،
4- إيثارا للآخرة على الدنيا ،
5- ونقاء السرائر من العيوب ،
6- وصحة الأبدان والعقول ،
7- وأنهم لا يهنون ،
8- ولا يفترون عند اللقاء ،
ويكون العلم من الله لعموم المصلحة في ظهورهم بالسيف . ولم نعلم أن كل الشيعة بهذه الصفات وعلى هذه الشروط . ولو علم الله أن في جملتهم من هذه صفته على العدد المذكور ، ولم يكن معذورا عن حمل السيف ، لظهر الإمام عليه السلام لا محالة ، ولم يغب بعد اجتماعهم طرفة عين . لكن من الواضح عدم حصول مثل هذا الاجتماع ، فلذلك استمرت الغيبة .
واعترض السائل : ومن أين عرفت لزوم هذه الصفات والشروط مع خلو النص المذكور عن شئ منها ؟ أجاب الشيخ : إن مسلمات الإمامة تفرض علينا إثبات هذه الصفات الأصحاب الإمام عليه السلام ، فحيث ثبت لنا وجوب الإمامة ، وصحت عندنا عصمة الأئمة بحججها القويمة ، فلا بد أن نشرح الحديث المذكور بما يوافق تلك الثوابت ، حتى يصح عندنا معناه . فتلك الأصول وصحة الخبر المذكور تقتضي أن يكون العدد المذكور موصوفا بتلك الصفات .
وقد مثل الشيخ لما ذكر ، بما ثبت من جهاد النبي صلى الله عليه والله و سلم يوم بدر ب ( 313 ) رجلا من أصحابه ، لكنه يوم الحديبية أعرض عن الحرب ، وقعد ، مع أن أصحابه يومئذ كانوا أضعاف أهل بدر في العدد . وبما أنا نعلم عصمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وأنه لا يقوم بأمر إلا ما هو الصواب ، علمنا أن أصحابه في الحديبية لم يتصفوا بما اتصف به أصحابه يوم بدر وإلا لما وسعه صلى الله عليه وآله القعود عن جهاد المشركين ، ولوجب عليه كما وجب عليه في بدر ، ولو وجب عليه لما تركه لما نعلم من عصمته وصوابه
تعليق