ربما يبدو غريبا أمام إخواني المؤمنين أن أكشف لهم حقيقة أنني لم أكن أقلّد السيد الإمام
الشيرازي (رضوان الله تعالى عليه) إلا قبل استشهاده بسنوات ليست بالبعيدة، بل أضيف
أنه لم يكن يخطر ببالي يوما أن أقلّد هذا المرجع أو أن أعمل في سبيل الله بما يوافق رؤاه.
والاستغراب الذي قد ينتاب كثيرا من إخواني المؤمنين عند تصريحي بهذه الحقيقة علّته أنهم
يعرفون عني أني من أشد المتحمسين للإمام الشيرازي (قدس سره) بل من الذين قد يراهم
البعض يبالغون في تقديسه. والحق أن وراء هذا التحمّس الشديد والتقديس الكبير؛ قصة :
***وليس من ضروب المبالغة أو المغالاة أن أعتبره رجلا نادرا كان بحق نائبا مرضيا عند إمام
الزمان صلوات الله وسلامه عليه. ومن يكون كذلك، فإن من المحتوم أن يشمله الإمام
(عليه السلام) بمنّه وفضله وكرمه، فيودع فيه الأسرار، ويمدّه بالعلوم، ويمنحه قدرة خارقة منه
لقد نشأت في بيئة لم تكن فحسب بعيدة عن المناخ الشيرازي – إن جاز التعبير – بل كانت
بيئة معادية لكل ما يمت إليه بصلة! ولم يكن عداء تلك البيئة في حدود المعقول، ولا في
مستوى المتوسط، بل كان عداء في أقصى مداه! لقد كان عداء مستحكما مستمرا
في وسط تلك البيئة نشأت، ولا أقصد البيئة الأسرية، وإن كانت أسرتنا - بالمعنى الأصغر
لا الأكبر - قد وضعت حاجزا نفسيا بين أفرادها وبينه رضوان الله تعالى عليه؛ لكن هذا
الحاجز كان نتاجا من تلك البيئة التي طغت علينا جميعا، وهي بيئة كان صانعها حزب
الدعوة الذي استطاع أن يجعل من إحدى المساجد الشهيرة في الكويت رأس حربة ضد
هذا المرجع المظلوم الذي تعاظمت شعبيته في البلاد والتف حوله أهلها مما كان سببا
لأن يخسر ذلك الحزب نفوذه فأبى إلا أن يوقع الناس في فتنة عمياء لم تبقِ ولم تذر!
في ذلك المسجد كنت أتلقى الدروس، وفيه منذ الصبى كنت أرفع الأذان وأرتل القرآن وأقرأ
الأدعية للمصلين، ومنه كنت أمارس نشاطاتي الدينية، وفيه كنت ألتقي بمن خدعوني بمظهرهم
الإيماني فملأوا عقلي عداء للمرجع المظلوم، ومع أنني كنت أوافقهم، إلا أن قلبي كان ينقبض
أحيانا انقباضا يبعث في نفسي الشك منهم، وكنت أقول: هل يُعقل أن لا تكون لهؤلاء "المتدينين"
همة سوى إسقاط عالم دين؟!
كانت هذه الحال صعبة عليّ، أعني أن أرى أناسا قد وقعوا في فخّ هذا الحزب وتدّمرت
حياتهم الاجتماعية بسبب هذه الفتنة، ولكني مع ذلك لم أكن أجرؤ أن أعترض أو أن أبدي
شيئا من ذلك، فقد علّمنا ذلك الحزب أن نكون عبيدا مطيعين، لا حق لنا في نقاش "القيادات"!
كنا صبية صغارا لا نعرف أين يُسار بنا سوى أن أسرنا سلّمتنا إلى هؤلاء لكي "يحفظونا"
من الانحراف.. فإذا بهم ينحرفون بنا إلى منعطفات أشد خطورة وأكثر وعورة!
وهي حالة قاتمة إلا من بضع شموس مضيئة مازالت تعطينا الأمل وتبعث فينا الأمان فنشعر
بأن "الحوزات مازالت بخير".. هؤلاء هم المعممون المخلصون، ولكن هؤلاء معدودون على
الأصابع، يندر وجودهم فهم كالكحل في العين والملح في الزاد.
لم أجد في السيد الشيرازي انحرافا عقيديا واحدا، ولا مثلبة أخلاقية يتيمة، ولا خللا
فكريا شاذا، فلماذا إذن يقعون فيه ويغتابونه بهذا الشحن والتحريض المستمر؟!
وأكثر ما أثار سخطي في تلك الفترة هو محاولة بعضهم تبرير هذا الموقف العدائي بالقول
أن السيد الشيرازي يدّعي أنه الإمام المهدي المنتظر عليه السلام!! ولمّا أن سألناهم عن
بيّنة ذلك قالوا: "اقرؤوا كتبه وسترون أنه يكتب اسمه على هذا النحو: محمد المهدي
الحسيني الشيرازي!! فهو يقول أنه "محمد المهدي"! والحق أني لم أكن أتصوّر أن
يبلغ سخف هؤلاء واستخفافهم بعقول البشر هذه الدرجة.
يوما بعد يوم كنت أتدبّر في أمر هؤلاء القوم فلا تطيب لي نفس للاستمرار في مخالطتهم
فما هم بمؤمنين ولو كانوا كذلك لما ارتكبوا ما ارتكبوه ضد هذا السيد التقي المجاهد الذي
لم يفعل لهم شيئا سوى أنه حلّ بهذه الديار وقاد موجة إصلاحية شيعية واسعة النطاق
بينما هم كانوا غارقين في نهبهم للحقوق الشرعية ونشر الفكر المنحرف المضل!
وفي سنة من السنوات، حيث وقفت على قبائح شائنة لا يمكن أن تصدر من مؤمنين، وكان
هؤلاء ممن نعتبرهم أصحاب المُثُل والمبادئ الدينية، فكان الذي وقفت عليه سببا لأن تهتز
قناعاتي من الأعماق، فشككت في كل شيء، حتى كاد شكي أن يقع في الدين نفسه
لولا رحمة الله تعالى!
بعد تلك الهزّة، ابتعدت واعتكفت في منزلي وقاطعت المساجد والحسينيات إلا في
أوقات نادرة جدا، إذ بدأت أحس بأن كل هؤلاء المتدينين يكذبون! وأنهم في الظاهر
شيء وفي الباطن شيء آخر! وازدادت عندي دائرة الشك والقلق حتى شملت
الذين يزعمون أنهم من المراجع والفقهاء الكبار.. "ما الذي يضمن لي أن هؤلاء ليسوا
أيضا كذابين مراوغين"؟! هكذا كنت أتساءل في قرارة نفسي بصمت، إذ لم أكن أملك
الجرأة إطلاقا على الجهر بهذا التساؤل، لأنه كان يعني مروقا بكل ما لهذه الكلمة من معنى!
إنني أعلم أن كثيرين يخشون أن يصرّحوا بهذه الحقيقة، فهم يخشون الناس، ولكن
الله أحق أن نخشاه، وليس من الصحيح أن نخفي مساوئ البعض الطالح من أجل أن
لا تتلوث سمعة البعض الصالح، فإن هذا الطالح قد أفسد سمعة الصالح لأننا لم نميّزه
ولم ننفِ نسبته إلى سلك العلماء. لقد كتبت سابقا عن زمان استغلال العمامة، ونبّهت
إخواني المؤمنين بضرورة أن يتفحصوا حال كل من اعتمرها ويتأكدوا من تقواه وعدالته
يجب أن لا ننخدع بأي أحد، ولا يمكن تحاشي الانخداع إلا بالوعي والفحص والتدقيق
والتحقيق. وهذا ما قمت به عندما عزمت على العودة إلى الوسط الديني والعمل
الإسلامي بعد انقطاع كاد أن يكون نهائيا لما رأيته بأم العين من مساوئ وانحرافات
ودجل وكذب وغيبة ونميمة!
قررت في ذلك الحين أن لا أسلّم زمام أمري لأحد، وأن أبحث بمفردي عن الحقيقة وعن
إجابة سؤال: "من هو العالم والفقيه الذي يستحق أن نتبعه في هذا الزمن"؟! فجرّدت
نفسي عن كل العواطف، وبحثت مدة طويلة عن الأصلح والأعلم والأتقى والأعدل، وعن الذي
لا تشوبه شائبة، وعن الذي يملك مشروعا يرتقي بالأمة ويبعث فيها الروح من جديد.
وجدت صالحين، ووجدت من يملك مشروعا لا بأس به أيضا، ولكني لم أجد من تجتمع فيه
تلك الشروط وتتوافر فيه كل تلك العناصر سوى رجل واحد هو: الإمام آية الله العظمى
السيد محمد الشيرازي.
كانت التجربة صعبة ومريرة بعض الشيء، ولكني أسجد لله (جل وعلا) شكرا على أنها
أفضت إلى خير، وأوصلتني إلى حيث أجد نفسي وديني ودنياي وآخرتي. ولن أتحدّث هنا
عن مسألة "الأعلمية" فهذه مفروغ منها، ولكني سأتحدث عن جوانب وعوامل أخرى قادتني
إلى اتباع هذا المرجع العظيم في وقت كانت تنعدم في نفسي الثقة بمن يدّعي العلم، سيّما
مع تنامي المستوى العلمي والإدراكي لديّ حيث اكتشفت أن كثيرا من هؤلاء المدّعين ليسوا
بشيء لا في العلم ولا في الاجتهاد! فكنت في أحيان كثيرة لا أتمكن من حبس ضحكة
على ما يدّعونه من "أعملية" ليس لها واقع!
إن الأسباب والعوامل التي جعلتني أتبع ذلك السيد الجليل (أعلى الله درجاته) تتلخص في
الكلمة العظيمة التي قالها سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إذ قال:
"لا تجلسوا عند كل عالم يدعوكم، إلا عالم يدعوكم من الخمس إلى الخمس: من الشك
إلى اليقين، ومن الكبر إلى التواضع، ومن الرياء إلى الإخلاص، ومن العداوة إلى
النصيحة، ومن الرغبة إلى الزهد". (الاختصاص للمفيد رضوان الله عليه ص335).
إن نبينا (صلى الله عليه وآله) يدعونا في هذه الوصية العظيمة لأن لا ننخدع بكل
عالم يطرح نفسه، فهناك علماء فاسدون، فلا يجب أن نجالسهم ونستمع إلى أحاديثهم
ونتبعهم بشكل أعمى كما يفعل كثير من قومنا مع الأسف. كلا.. ليس هناك اتباع لأحد
إلا للذي ينهانا عن خمسة أشياء، ويأمرنا بخمسة أشياء، كما
قال النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.
وببركة هذا التقليد والاتباع والتأسي والاقتداء غدوت اليوم وعندي ما عندي بفضل الله تعالى
من قوة في الإيمان، وسلامة في العقيدة، واطمئنان في النفس، وتحصيل للعلم، واستثمار
للطاقات في خدمة مولاي إمام الزمان عليه الصلاة والسلام وروحي له الفداء
وإني مدين للإمام المظلوم الشيرازي (قدس سره) بكل شيء، وسيصب كل ما عملته
في ميزان حسناته أولا، ثم في ميزان حسناتي إن رزقني الله حسن العاقبة، لأنه كان
السبب وصاحب الفضل. وأسأل من الله تعالى أن يكون العمل مقبولا، والأثر مرضيا
اللهم آمين بحق محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
العلامة الشيخ ياسر الحبيب
الشيرازي (رضوان الله تعالى عليه) إلا قبل استشهاده بسنوات ليست بالبعيدة، بل أضيف
أنه لم يكن يخطر ببالي يوما أن أقلّد هذا المرجع أو أن أعمل في سبيل الله بما يوافق رؤاه.
والاستغراب الذي قد ينتاب كثيرا من إخواني المؤمنين عند تصريحي بهذه الحقيقة علّته أنهم
يعرفون عني أني من أشد المتحمسين للإمام الشيرازي (قدس سره) بل من الذين قد يراهم
البعض يبالغون في تقديسه. والحق أن وراء هذا التحمّس الشديد والتقديس الكبير؛ قصة :
***وليس من ضروب المبالغة أو المغالاة أن أعتبره رجلا نادرا كان بحق نائبا مرضيا عند إمام
الزمان صلوات الله وسلامه عليه. ومن يكون كذلك، فإن من المحتوم أن يشمله الإمام
(عليه السلام) بمنّه وفضله وكرمه، فيودع فيه الأسرار، ويمدّه بالعلوم، ويمنحه قدرة خارقة منه
لقد نشأت في بيئة لم تكن فحسب بعيدة عن المناخ الشيرازي – إن جاز التعبير – بل كانت
بيئة معادية لكل ما يمت إليه بصلة! ولم يكن عداء تلك البيئة في حدود المعقول، ولا في
مستوى المتوسط، بل كان عداء في أقصى مداه! لقد كان عداء مستحكما مستمرا
في وسط تلك البيئة نشأت، ولا أقصد البيئة الأسرية، وإن كانت أسرتنا - بالمعنى الأصغر
لا الأكبر - قد وضعت حاجزا نفسيا بين أفرادها وبينه رضوان الله تعالى عليه؛ لكن هذا
الحاجز كان نتاجا من تلك البيئة التي طغت علينا جميعا، وهي بيئة كان صانعها حزب
الدعوة الذي استطاع أن يجعل من إحدى المساجد الشهيرة في الكويت رأس حربة ضد
هذا المرجع المظلوم الذي تعاظمت شعبيته في البلاد والتف حوله أهلها مما كان سببا
لأن يخسر ذلك الحزب نفوذه فأبى إلا أن يوقع الناس في فتنة عمياء لم تبقِ ولم تذر!
في ذلك المسجد كنت أتلقى الدروس، وفيه منذ الصبى كنت أرفع الأذان وأرتل القرآن وأقرأ
الأدعية للمصلين، ومنه كنت أمارس نشاطاتي الدينية، وفيه كنت ألتقي بمن خدعوني بمظهرهم
الإيماني فملأوا عقلي عداء للمرجع المظلوم، ومع أنني كنت أوافقهم، إلا أن قلبي كان ينقبض
أحيانا انقباضا يبعث في نفسي الشك منهم، وكنت أقول: هل يُعقل أن لا تكون لهؤلاء "المتدينين"
همة سوى إسقاط عالم دين؟!
كانت هذه الحال صعبة عليّ، أعني أن أرى أناسا قد وقعوا في فخّ هذا الحزب وتدّمرت
حياتهم الاجتماعية بسبب هذه الفتنة، ولكني مع ذلك لم أكن أجرؤ أن أعترض أو أن أبدي
شيئا من ذلك، فقد علّمنا ذلك الحزب أن نكون عبيدا مطيعين، لا حق لنا في نقاش "القيادات"!
كنا صبية صغارا لا نعرف أين يُسار بنا سوى أن أسرنا سلّمتنا إلى هؤلاء لكي "يحفظونا"
من الانحراف.. فإذا بهم ينحرفون بنا إلى منعطفات أشد خطورة وأكثر وعورة!
وهي حالة قاتمة إلا من بضع شموس مضيئة مازالت تعطينا الأمل وتبعث فينا الأمان فنشعر
بأن "الحوزات مازالت بخير".. هؤلاء هم المعممون المخلصون، ولكن هؤلاء معدودون على
الأصابع، يندر وجودهم فهم كالكحل في العين والملح في الزاد.
لم أجد في السيد الشيرازي انحرافا عقيديا واحدا، ولا مثلبة أخلاقية يتيمة، ولا خللا
فكريا شاذا، فلماذا إذن يقعون فيه ويغتابونه بهذا الشحن والتحريض المستمر؟!
وأكثر ما أثار سخطي في تلك الفترة هو محاولة بعضهم تبرير هذا الموقف العدائي بالقول
أن السيد الشيرازي يدّعي أنه الإمام المهدي المنتظر عليه السلام!! ولمّا أن سألناهم عن
بيّنة ذلك قالوا: "اقرؤوا كتبه وسترون أنه يكتب اسمه على هذا النحو: محمد المهدي
الحسيني الشيرازي!! فهو يقول أنه "محمد المهدي"! والحق أني لم أكن أتصوّر أن
يبلغ سخف هؤلاء واستخفافهم بعقول البشر هذه الدرجة.
يوما بعد يوم كنت أتدبّر في أمر هؤلاء القوم فلا تطيب لي نفس للاستمرار في مخالطتهم
فما هم بمؤمنين ولو كانوا كذلك لما ارتكبوا ما ارتكبوه ضد هذا السيد التقي المجاهد الذي
لم يفعل لهم شيئا سوى أنه حلّ بهذه الديار وقاد موجة إصلاحية شيعية واسعة النطاق
بينما هم كانوا غارقين في نهبهم للحقوق الشرعية ونشر الفكر المنحرف المضل!
وفي سنة من السنوات، حيث وقفت على قبائح شائنة لا يمكن أن تصدر من مؤمنين، وكان
هؤلاء ممن نعتبرهم أصحاب المُثُل والمبادئ الدينية، فكان الذي وقفت عليه سببا لأن تهتز
قناعاتي من الأعماق، فشككت في كل شيء، حتى كاد شكي أن يقع في الدين نفسه
لولا رحمة الله تعالى!
بعد تلك الهزّة، ابتعدت واعتكفت في منزلي وقاطعت المساجد والحسينيات إلا في
أوقات نادرة جدا، إذ بدأت أحس بأن كل هؤلاء المتدينين يكذبون! وأنهم في الظاهر
شيء وفي الباطن شيء آخر! وازدادت عندي دائرة الشك والقلق حتى شملت
الذين يزعمون أنهم من المراجع والفقهاء الكبار.. "ما الذي يضمن لي أن هؤلاء ليسوا
أيضا كذابين مراوغين"؟! هكذا كنت أتساءل في قرارة نفسي بصمت، إذ لم أكن أملك
الجرأة إطلاقا على الجهر بهذا التساؤل، لأنه كان يعني مروقا بكل ما لهذه الكلمة من معنى!
إنني أعلم أن كثيرين يخشون أن يصرّحوا بهذه الحقيقة، فهم يخشون الناس، ولكن
الله أحق أن نخشاه، وليس من الصحيح أن نخفي مساوئ البعض الطالح من أجل أن
لا تتلوث سمعة البعض الصالح، فإن هذا الطالح قد أفسد سمعة الصالح لأننا لم نميّزه
ولم ننفِ نسبته إلى سلك العلماء. لقد كتبت سابقا عن زمان استغلال العمامة، ونبّهت
إخواني المؤمنين بضرورة أن يتفحصوا حال كل من اعتمرها ويتأكدوا من تقواه وعدالته
يجب أن لا ننخدع بأي أحد، ولا يمكن تحاشي الانخداع إلا بالوعي والفحص والتدقيق
والتحقيق. وهذا ما قمت به عندما عزمت على العودة إلى الوسط الديني والعمل
الإسلامي بعد انقطاع كاد أن يكون نهائيا لما رأيته بأم العين من مساوئ وانحرافات
ودجل وكذب وغيبة ونميمة!
قررت في ذلك الحين أن لا أسلّم زمام أمري لأحد، وأن أبحث بمفردي عن الحقيقة وعن
إجابة سؤال: "من هو العالم والفقيه الذي يستحق أن نتبعه في هذا الزمن"؟! فجرّدت
نفسي عن كل العواطف، وبحثت مدة طويلة عن الأصلح والأعلم والأتقى والأعدل، وعن الذي
لا تشوبه شائبة، وعن الذي يملك مشروعا يرتقي بالأمة ويبعث فيها الروح من جديد.
وجدت صالحين، ووجدت من يملك مشروعا لا بأس به أيضا، ولكني لم أجد من تجتمع فيه
تلك الشروط وتتوافر فيه كل تلك العناصر سوى رجل واحد هو: الإمام آية الله العظمى
السيد محمد الشيرازي.
كانت التجربة صعبة ومريرة بعض الشيء، ولكني أسجد لله (جل وعلا) شكرا على أنها
أفضت إلى خير، وأوصلتني إلى حيث أجد نفسي وديني ودنياي وآخرتي. ولن أتحدّث هنا
عن مسألة "الأعلمية" فهذه مفروغ منها، ولكني سأتحدث عن جوانب وعوامل أخرى قادتني
إلى اتباع هذا المرجع العظيم في وقت كانت تنعدم في نفسي الثقة بمن يدّعي العلم، سيّما
مع تنامي المستوى العلمي والإدراكي لديّ حيث اكتشفت أن كثيرا من هؤلاء المدّعين ليسوا
بشيء لا في العلم ولا في الاجتهاد! فكنت في أحيان كثيرة لا أتمكن من حبس ضحكة
على ما يدّعونه من "أعملية" ليس لها واقع!
إن الأسباب والعوامل التي جعلتني أتبع ذلك السيد الجليل (أعلى الله درجاته) تتلخص في
الكلمة العظيمة التي قالها سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إذ قال:
"لا تجلسوا عند كل عالم يدعوكم، إلا عالم يدعوكم من الخمس إلى الخمس: من الشك
إلى اليقين، ومن الكبر إلى التواضع، ومن الرياء إلى الإخلاص، ومن العداوة إلى
النصيحة، ومن الرغبة إلى الزهد". (الاختصاص للمفيد رضوان الله عليه ص335).
إن نبينا (صلى الله عليه وآله) يدعونا في هذه الوصية العظيمة لأن لا ننخدع بكل
عالم يطرح نفسه، فهناك علماء فاسدون، فلا يجب أن نجالسهم ونستمع إلى أحاديثهم
ونتبعهم بشكل أعمى كما يفعل كثير من قومنا مع الأسف. كلا.. ليس هناك اتباع لأحد
إلا للذي ينهانا عن خمسة أشياء، ويأمرنا بخمسة أشياء، كما
قال النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.
وببركة هذا التقليد والاتباع والتأسي والاقتداء غدوت اليوم وعندي ما عندي بفضل الله تعالى
من قوة في الإيمان، وسلامة في العقيدة، واطمئنان في النفس، وتحصيل للعلم، واستثمار
للطاقات في خدمة مولاي إمام الزمان عليه الصلاة والسلام وروحي له الفداء
وإني مدين للإمام المظلوم الشيرازي (قدس سره) بكل شيء، وسيصب كل ما عملته
في ميزان حسناته أولا، ثم في ميزان حسناتي إن رزقني الله حسن العاقبة، لأنه كان
السبب وصاحب الفضل. وأسأل من الله تعالى أن يكون العمل مقبولا، والأثر مرضيا
اللهم آمين بحق محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
العلامة الشيخ ياسر الحبيب
تعليق