إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

من هم القائلون بالجبر--بحث رائع لسماحة أية الله السيد عبدالله المحرقي

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • من هم القائلون بالجبر--بحث رائع لسماحة أية الله السيد عبدالله المحرقي

    بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين محمد وعلى اله الطيبين الطاهرين
    هذا الموضوع عنوان فصل في كتاب حديث حول الجبر و التفويض لسماحة اية الله السيد عبدالله المحرقي
    الكتاب مطبوع سنة 1986 ميلادية الموافق 1406
    ..........................
    من هم القائلون بالجبر
    القائلون بالجبر ونفي الاختيار والارادة عن الانسان من المسلمين ثلاثة فرق
    الفرقة الاولى : الاشاعرة
    وهم اتباع علي بن اسماعيل المعروف بابي الحسن الاشعري وهو الذي وضع اصول هذا المذهب في سنة 300 تقريبا بعد ان انفصل عن استاذه محمد بن عبد الوهاب الجبائي وناصر المحدثين في اكثر ارائهم في اصول العقائد وينسب المذهب اليه لانه سلك طريقا وسطا بين المحدثين الذين يعتمدون على النصوص و لا يرون للعقل سلطانا في مقابل النصوص وظواهر الايات والاحاديث وبين المعتزلة الذين اعتمدوا على العقل واعتبروا الوحي مقررا لاحكام العقل , ولما جاء الاشعري لم يعتمد على العقل مستقلا ولا وقف مع النصوص والتزم بها وان خالفت العقل و حاول ان يجمع بين الامرين .
    و قد جاء في ترجمته انه ولد في البصرة سنة 260 , وتوفى سنة 333 , وينتهي نسبه الى ابي موسى الاشعري وقد نشأ ببغداد وتوفى بها واخفى اصحابه قبره خوفا من ان تنبشه الحنابلة لانهم حكموا بكفره واباحوا دمه وحينما توجه لدارسة العلم اتصل بالمعتزلة فلازم الجبائي وبقي معه حوالي اربعين سنة وكان من ألصق الناس به واشدهم ايمانا بأرائه واحصاء لاقواله وجرت بينهما مناظرات في مختلف المواضيع أدت الى انفصاله عنه ووقوفه بجانب الاخصام الاشداء على المعتزلة وقد سأله يوما عن حقيقة الطاعة فقال الجبائي هي موافقة الارادة فقال له : هذا يوجب ان يكون الله مطيعا لعبده اذا اعطاه مراده فالتزم الجبائي بذلك .
    وقال الشهرستاني في الملل والنحل : ومن غريب الاتفاق ان ابا موسى الاشعري كان يقرر رأي حفيده الاشعري في القدر وقد جرت بينه وبين عمرو بن العاص مناظرة في القدر فقال عمرو بن العاص لو اجد احدا خاصم اليه ربي قال ابوموسى انا ذلك الشخص قال عمرو بن العاص : يقدر علي شيئا ثم يعذبني عليه ؟ قال نعم قال عمرو بن العاص ولم قال : لانه لا يظلمك .
    ويبدو ان ابا الحسن الاشعري بعد ان نضج واحاط بأراء المعتزلة ونظرياتهم كان يقف لاستاذه موقف الخصم العنيد في اكثر الاحيان . ويروى كتاب الفرق والمذاهب ان الخصومة بينهما بلغت اشدها في مسألة وجوب الاصلح على الله سبحانه وكان لا يرى ذلك ابوالحسن الاشعري فقال له ما قولك في ثلاثة : مؤمن وكافر وصبي ؟
    قال الجبائي : المؤمن من أهل الدرجات والكافر من أهل الدركات والصبي من اهل النجاة .
    قال الاشعري : فان اراد الصبي ان يرقى الى اهل الدرجات بعد موته صبيا هل يمكن ذلك ام لا ؟
    قال الجبائي : لا يمكن ذلك لان المؤمن انما نال هذه الدرجات بالطاعة وليس للطفل مثلها .
    قال ابو الحسن الاشعري : للطفل ان يقول له : ان التقصير ليس مني فلو احييتني كنت اعمل الطاعات كعمل المؤمن
    فرد عليه الجبائي ان الله يقول له :كنت اعلم انك لو بقيت لعصيت فراعيت مصلحتك وامتك قبل ان تنتهي الى سن التكليف
    فقال الاشعري : فللكافر اذن ان يقول له لقد علمت حالي كما علمت حال الطفل فهل راعيت مصلحتي مثله وامتني قبل سن التكليف كي لا اقع في معصيتك التي نلت بها العقاب .
    وعندما وصل النزاع بينهما الى هذا الحد رأى الجبائي نفسه عاجزا فأعرض عنه .

    وقد اورد نظير هذه المحاورة بينهما الاسفرايني في معرض النقض على المعتزلة القائلين بوجوب الاصلح على الله سبحانه ويؤكد جماعة من كتاب الفرق الاسلامية ان الاشعري بعد هذه المناظرات التي جرت بينه وبين استاذه الجبائي قد اعتكف في بيته مدة طويلة انقطع فيها من جميع الناس وتفرغ للمقارنة بين اراء المحدثين واراء المعتزلة .
    وبعد دراسة واسعة لاراء الفريقين وقف على جوانب النقص فيها وكون لنفسه رأيا وخرج على الناس ودعاهم الى الاجتماع في مسجد البصرة وبعد الصلاة وقف خطيبا بتلك الجماهير المحتشدة ثم قال : ايها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فانا اعرفه بنفسي انا علي بن اسماعيل بن اسحاق الاشعري كنت اقول بخلق القران وان الله تعالى لا يرى بالابصار وان افعال الشر انا افعلها وانا تائب مقلع عما كنت اقول ومتصد للرد على المعتزلة ومخرج لفضائحهم وقد تغيبت عنكم هذه المدة ونظرت في الادلة فتكافأت عندي ولم يترجح عندي شئ فاستهديت الله سبحانه وتعالى فأهداني الى اعتقاد ما اودعته كتبي هذه وانخلعت من جميع ما كنت اعتقد كما انخلعت من ثوبي هذا .
    ثم انخلع من ثوب كان عليه وابرز للناس ما كتبه في المدة التي احتجب فيها عن الناس وقد كان قد ألف كتابه (الابانة) الذي اورد فيه المذهب الذي أتخذه لنفسه , كما ألف في الموضوع نفسه كتابين اخرين وهما الموجز والمقالات ومما جاء في كتبه التي ابرزها للناس بالاضافة الى ما تقدم ان ديانتنا التي ندين بها هي التمسك بكتاب الله وسنة رسوله وما روى عن الصحابة والتابعين وائمة الحديث واستطرد يقول : ونحن بذلك معتصمون ولما عليه احمد بن حنبل متبعون ولمن خالف قوله مجانبون لانه الامام الفاضل والرئيس الكامل الذي ابان به الله الحق عند ظهور الضلال واوضح به المنهاج وقمع به بدع المبدعين وزيغ الزائغين وشك الشاكين ومن ذلك يتبين ان الاشعري بعد ان اعتكف في بيته خرج على الناس مناصرا لاراء المحدثين وعلى الاخص احمد بن حنبل الخصم العنيد لمذهب الاعتزال ومع ذلك فقد لقي من الحنابلة في حياته وبعد وفاته عنتا وتحاملا عليه وعلى اتباعه ومؤيدي افكاره وارائه وقد بلغ بهم الحال انهم حاولوا ان يمنعوا الخطيب البغدادي المتوفي سنة 463 من دخول المسجد الجامع ببغداد لانه كان يرى رأي الاشعري في الاصول الاسلامية كما اضطهدوا اكابر الاشاعرة في ذلك القرن ونفوهم من بلادهم .
    ووقع بينهم وبين الاشاعرة قتال في شوراع بغداد , كان منشأ تحاملهم على رجل من شيوخ الاشاعرة يدعي القشيري فأضطر الى الخروج من بغداد وهجرها وكانت اللعنات تنهال على ابي الحسن الاشعري ونسبوا اليه بعض الاراء الشاذة ليوجهوا الرأي العام ضدهم , ومن ذلك ان الرسول كانت نبوته في حال حياته اما بعد وفاته فقد انتهت نبوته ويفرد بعض الكتاب والمترجمين هذا الصراع العنيف الذي حدث بين الاشاعرة والمحدثين الحنابلة الى ان الاشعري وان تجاهر بالدعوة لمذهبهم وثانية لاراء الامام احمد شيخ الحنابلة الاول وخطب بذلك على منابر بغداد الا ان دراسته الطويلة على المعتزلة وانطباعاته بناهجهم واتباعه لطريقتهم نحوا من ثلاثين عاما او اكثر , هذه المدة الطويلة قد اثرت على تفكيره تأثيرا عميقا وعلى جميع اتجاهاته فلم يستطع ان يتحرر منها ولذا فأنه في جميع ابحاثه لم يتعبد بالحديث وحده و لا بالعقل وحده بل حاول ان يوفق بينهما .
    ويبدو ذلك واضحا من ارائه في المسائل التي كانت محلا للخلاف بين المعتزلة والمحدثين . ومن امثلة ذلك افعال الانسان , فالمعتزلة قد ذهبوا الى ان الانسان موجد لافعاله , قال الغزالي في كتابه الاربعين " ان المعتزلة اثبتوا لانفسهم الاختيار الكلي ونسبوا اليه العجز في ضمن ذلك ".
    والمحدثون يدعون ان الأفعال مخلوقة لله سبحانه و لا اثر للعبد في ذلك اما الاشعري فقد ذهب الى ان الله قد خلق الاختيار في العبد بنحو الكسب , والفعل المخلوق لله سبحانه مقارن لاختيارالعبد من غير ان يكون للعبد قدرة مؤثرة في ذلك الاختيار و في مقارنة الفعل له . فهو مع قوله بأن افعال الانسان من صنع الله سبحانه يقول بالكسب بهذا النحو ليصحح الثواب و العقاب فقد وافق المحدثين الذين التزموا بظاهر بعض النصوص القرآنية وخالفهم في القول بخلق الاختيار و ان لم يكن مؤثرا في ايجاد الافعال .


    الفرقة الثانية : المرجئة
    لقد غلب لفظ المرجئة على فئة من الناس وقفوا من الخوارج والمعتزلة موقف وسطا فقال الخوارج ان العصاة كفار وقال المعتزلة انهم مخلدون في النار وقال غيرهما انهم مؤمنون ولم يحكموا عليهم بالعذاب ولفظ الارجاء يستعمل في معنيين :
    الاول -التأخير ومن ذلك قولهم ارجأت الامر اي اخرته وبهذا المعنى ورد في الاية (ارجه واخاه وابعث في المدائن حاشرين).
    المعنى الثاني -اعطاء الرجاء والفرقة التي شاع تسميتها بالمرجئة يمكن ان يكون تسميتها بهذا الاسم بلحاظ المعنى الاول حيث انها لم تقل بمقالة الخوارج الذين حكموا بكفر العصاة و لا بمقالة القائلين بأن لا نحكم عليهم بالكفر و لا بالايمان ومع ذلك فهم مخلدون في النار بل قالوا : بأنهم مؤمنون لان الايمان عقد القلب والعمل ليس جزءا منه و لا شرطا في تحققه فأرتكاب المعاصي لا يسلب العبد صفة الايمان.
    ويمكن ان يكون تسميتهم بذلك بلحاظ المعنى الثاني لان المعروف عنهم انهم يقولون لا تضر مع الايمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة ولازم ذلك اعطاء الرجاء للعصاة ما دامت المعاصي لا تسلبهم صفة الايمان .
    ويمكن ان يكون تسميتهم بذلك بلحاظ المعنى الثاني , لان المعروف عنهم انهم يقولون لا تضر مع الايمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة. ولازم ذلك اعطاء الرجاء للعصاة ما دامت المعاصي لا تسلبهم صفة الايمان .
    والناس عندهم فريقان : فريق في الجنة وفريق في السعير وهم الكفار لا غير او لانهم يؤخرون الحكم على مرتكبي الكبائر و لا يحكمون عليهم في الدنيا باستحقاق العقاب.
    ويرجع الدكتور احمد امين في فجر الاسلام ان الارجاء بمعنى الامهال والتأخير و ان هذا الاسم اصبح علما على الذين يرجئون امر الفريقين الذين سفكوا الدماء الى يوم القيامة لا يقضون بحكم على هؤلاء و لا على هؤلاء والذي يؤيد هذا المعنى منها هو كلمة المرجئة لم تعرف قبل العصر الاموي ولم تستعمل إلا بعد ان علم من حال الخوارج انهم يكفرون العصاة سواء كانوا من الحكام ام من غيرهم . وفي مقابل هؤلاء ذهب المعتزلة ولم يحكموا بالكفر و لا بالعقاب في الدنيا وتركوه الى اليوم الاخر .
    وفي التعليقة على مقالات الاسلاميين للاشعري ان المرجئة الذين يسمون بهذا الاسم يجزمون بأنه لا عقاب على مرتكب الكبيرة لانه لا يضر مع الايمان ذنب .
    وفي ذلك دلالة على ان الارجاء قد اطلق على فئة من الناس كانت تخالف الخوارج والمعتزلة في حكم مرتكب الكبيرة وان كان له اكثر من معنى بحسب اللغة .
    ومهما كان المراد من هذه الكلمة فالذين خالفوا المعتزلة والخوارج في حكم العصاة كان لهم شأن في النزاع القائم بين علماء المسلمين في العصرين الاموي والعباسي وانهم وصفوا بالارجاء لانهم خالفوا الفريقين المعتزلة والخوارج وجميع المسلمين اذا صح انهم يدعون ان الايمان لا تضر معه المعاصي كما لا تنفع مع الكفر الطاعات واصبحوا في مقابل غيرهم من المسلمين على اختلاف نزعاتهم وعقائدهم .
    ومما لا شك فيه ان الارجاء بأي معنى اريد منه قد ظهر في القرن الاول الهجري اما تحديد الزمان الذي ظهر فيه فقد اختلفت اراء الكتاب فيه , فذهب بعضهم الى انه ظهر في عصر الصحابة حينما اختلف المسلمون في عهد عثمان بن عفان واحتجوا لذلك بما رواه ابوبكر عن الرسول صل الله عليه واله انه قال ستكون بعدي فتنة القاعد فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي اليها , الا فاذا نزلت فمن كان له ابل فليلحق بأبله ومن كان له غنم فاليلحق بغنمه ومن كانت له ارض فليلحق بارضه فقال له رجل يا رسول الله من لم تكن له ابل و لا غنم و لا ارض ؟ فقال :يعمد الى سيفه فيدق على حده بحجر ثم لينج ان استطاع النجاة , وعملا بهذا الحديث وقف جماعة من المسلمين موقفا حياديا من النزاع الذي نشب بين عثمان وخصومه وبين علي عليه السلام والخارجين عليه ولم يحكموا على الجميع بخير او شر فكان هذا الموقف منهم البذرة الاولى لفكرة الارجاء . ولما اشتد النزاع بين الخوارج والمعتزلة في حكم مرتكب الكبيرة وحكم الحكام الامويين وقف جماعة في مقابل الفريقين وقالوا ان الجميع مؤمنون وامرهم في الاخرة يعود الى الله ان شاء عذبهم وان شاء عفى عنهم .
    والانصاف ان موقف الذين اعتزلوا النزاع القائم بين عثمان و جمهور المسلمين , والنزاع الذي احدثه الخارجون على خلافة علي عليه السلام لا ينطبق على الارجاء بكلا معنييه لان المسلمين كلهم قد اتفقوا على ان عثمان قد اخطأ في سياسته وتخطى الحدود التي وضعها الاسلام للحاكم ولم يتوقفوا في الحكم عليه بالخطأ و الانحراف .
    ولذا وقفوا من النزاع موقفا حياديا وتركوا الامر الى الثوار كما وان الذين اعتزلوا عليا عليه السلام في مواقفه مع اخصامه في البصرة و صفين و النهروان لم يشتبه عليهم الحال و لاسيما وان عليا عليه السلام هو القائم على امور المسلمين ولكن موقفهم منه كان لمرض في نفوسهم ولانهم يعلمون جيدا ان عليا عليه السلام سيواسي بينهم وبين سائر الناس ويؤيد ذلك ما اورده جماعة من المؤرخين من اقوال المتخلفين وارائهم في معاوية وعثمان وكان طلحة والزبير وعائشة من اشد الناس على عثمان واكثرهم تحريضا عليه وجاء عن السيدة عائشة انها كانت تقول : ايها الناس هذا جلباب رسول الله ولم يبل وقد ابلى عثمان سنته ولما استنصرها مروان ليدفع الثائرين اجابت : لعلك ترى اني في شك من صاحبك اما والله لوددت انه مقطع في غريزة من غرائزي واني طيق حمله فاطرحه في البحر .
    وكانت تعبر عن رأي عامة المسلمين في موقفها من عثمان و الاحداث التي ادت الى قتله لان النقمة عليه كانت عامة حتى من الذين ناصروه على الوصول الى الحكم و لا سيما بعد ان فسح المجال لبني امية وولاهم جميع المراكز الحساسة في الدولة .
    ولو فرضنا ان الفتنة التي اعتزلت القتال الذي نشب بين علي عليه السلام من جهة وطلحة والزبير وعائشة ومعاوية من جهة ثانية , لو افترضنا ان الرشد لم يتضح لها في اي الجانبين وان تلك الفئة قد اعتزلت القتال لهذه الغاية لا حسدا ولا كرها لعلي عليه السلام و لا تهربا من عدله فهو لا يتفق مع الارجاء بجميع معانيه سواء فسرناه بعدم الحكم على العصاة بأستحقاق العقاب وتركهم الى الله ليصنع بهم ما يشاء . او فسرناه باعطاء الرجاء الذي يتفق مع قولهم لا تضر مع الايمان معصية , كما لا تنفع لا تنفع الكفر طاعة , لان المتخلفين لم يتضح لهم عصيان احد الفريقين على حد زعمهم .
    ومهما كان الحال فمما لا شك فيه ان المرجئة قد ظهروا في الاوساط الاسلامية وناصرهم الحكام الامويون على اشاعتهم وانتشارها لانها تثبت ايمانهم وهم في امس الحاجة الى هذه الصفة , و لا سيما في تلك الظروف التي كان الخوارج ينادون بكفر الامويين وجميع الصحابة , والمعتزلة يرون ان الاسلام عقيدة وعمل بالفرائض وبكل ما جاء به الاسلام فمن لم يعمل يستحق الخلود في جهنم ولو كان معتقدا بكل اركان الاسلام .
    فالامويون اما كفار كما يدعي الخوارج او مخلدون في جهنم كما يدعي المعتزلة . اما عند المرجئة فهم مؤمنون لم يخرجوا عن الايمان بالرغم من اسرافهم في المنكرات والمعاصي بل ذهب بعضهم الى ان الايمان لا يعتبر فيه اكثر من الاعتقاد بالله ورسوله وان اعلن الكفر بلسانه وعبد الاوثان ولازم اليهودية والنصرانية في دار الاسلام . واضافوا الى ذلك انه في هذه الحالة يكون من اولياء الله ومن اهل الجنة .
    ومن الطبيعي ان تجد لهذه الفكرة انصارا و مؤيدين من الحكام لانهم لا يجدون فرقة من فرق الاسلام تمنحهم هذه الصفات التي تؤكد لهم شرعية ملكهم وتسلطهم على رقاب المسلمين مهما اسرفوا في المعاصي واستهتروا بتعاليم الاسلام ومقدماته , و من الغريب ان يكون الحكام انفسهم هم ابطال هذه الفكرة في العصر الذي احتدم فيه الصراع الفكري في العقائد وشاعت فيه اراء الخوارج والمعتزلة في العصاة ومرتكبي الكبائر ومن السهل عليهم شراء الانصار والدعاة لها من العلماء وغيرهم في ذلك العصر الذي ظهر فيه من يحكم عليهم بالكفر والخلود في نار جهنم اما الزمان الذي حدثت فيه هذه الفكرة على التحقيق فليس في المصادر التي تبحث عن الفرق وتاريخها ما يؤكد زمان نشأتها على الدقة ويؤيد ذلك ما جاء عن بعض المستشرقين : ان البحث عن المرجئة وبدء تكوينها وتاريخها محاط بشئ من الغموض والسبب في ذلك يرجع الى ان الدولة العباسية قضت عليهم وافنت اصحاب هذه المقالة لانهم كانوا يناصرون الامويين وجاء في التعليقة على كتاب التبصير في الدين ان اول من سمي من اهل السنة والجماعة بالمرجئة هو نافع بن الازرق الخارجي احد زعماء الخوارج في العصر الاموي . وعندما شاع بينهم ان الايمان هو التصديق بما جاء به النبي تفصيلا واجمالا و لا يحتمل الزيادة والنقصان لان الجزم الذي ينعقد القلب عليه ان نقص اصبح جهلا اوشكا او وهما وبذلك يخرج عن حقيقة الايمان اما العمل فهو خارج عن حقيقته .
    وهذا النوع من الارجاء قد نسب الى ابي حنيفة كما في التعليقة على مقالات الاسلاميين للاشعري وقد خالفه فيه بعض الفقهاء والمحدثين واعتبروه مؤلفا من ثلاثة اركان : تصديق بالجنان واقرار باللسان وعمل بالاركان .
    وتبين مما جاء في التعليقة على التبصير في الدين ان اسم المرجئة لم يكن قبل العصر الاموي وان اول من وصف الجمهور به هو نافع بن الازرق الخارجي المعاصر لابي حنيفة ومعلوم ان الخوارج يكفرون في الغالب جميع مخالفيهم فضلا عن مرتكبي الكبائر و الجمهور لا يقولون بمقالة الخوارج و لا بمقالة المعتزلة وانما يذهبون الى ان الايمان هو التصديق بما جاء به الرسول و لا يحكمون على مرتكب الكبيرة بالعقاب ويتركونه الى الله ان شاء عذبه وان شاء عفى عنه فيكون الارجاء المنسوب اليهم وسطا بين رأي المعتزلة والخوارج وهذ بخلاف الارجاء عند من يقول بان الايمان لا تضر معه المعاصي كما لا تنفع مع الكفر الطاعات فان الارجاء بهذا المعنى يقابل رأي المعتزلة والخوارج وجميع الفرق الاسلامية .
    وقد انهى الحسن الاشعري المرجئة الى اثني عشر فرقة وكلها تتفق على ان الايمان اعتقاد ويقين والعمل خارج عن حيقيقته , ولم يخالف في ذلك الا الكرامية اتباع محمد بن كرام فقد ذهبوا الى ان الايمان هو الاقرار باللسان دون القلب ورتبوا على ذلك ان المنافقين الذين كانوا على عهد الرسول صل الله عليه واله مع انهم لم يؤمنوا بقلوبهم كانوا مؤمنين حقيقة كما و ان الكفر هو الجحود والانكار باللسان .
    وفي كتاب التبصير للاسفرائيني ان القائلين بالارجاء قد افترقوا الى خمس فرق وعد منهم اليونسية اتباع يونس بن عون القائلون ان الايمان بالقلب واللسان وحقيقته معرفة الله سبحانه ومحبته والتصديق برسله وكتبه .
    والغسانية اتباع غسان المرجئي القائل بأن الايمان هو الاقرار بالله والمحبة له ولكن يقبل الزيادة والنقصان .
    والثنوية اتباع ابي معاذ القائل بأن الايمان ما وقاك من الكفر .
    والثوبانية اصحاب ابي ثوبان المرجئي وهؤالاء قد اضافوا الى الاقرار بالله ورسله الواجبات العقلية واعتبروا بصحة كل ما يراه العقل من اركان الايمان .
    والمرسية اتباع بشير المريسي الذي اضاف الى اقوال من ذكرانهم القول بخلق القران ويبدوا من ذلك ان المرجئة متفقون على ان العمل ليس من اركان الايمان وانهم بذلك يحاولون تحديد معنى الايمان في مقابل الخوارج الذين وقفوا في جانب والمسلمون بأجمعهم في جانب اخر وكفروا كل من يخالفهم فضلا عن مرتكبي الكبائر كما وقفوا في مقابل المعتزلة الذين اعتبروا العمل من اركان الايمان واثبتوا للعصاة الخلود في جهنم وبعد ظهر رأيهم في الايمان في مقابل الخوارج الذين احتكروا الايمان لانفسهم والمعتزلة الذين اضافوا الى التصديق العمل بالاركان واصبح من جملة الاراء المنتشرة في ذلك العصر , تطور كغيره من الاراء التي تبرز في بدايتها كفكرة ثم تتسع كلما اتسع البحث فيها وطال بها الزمن و لا سيما والفكرة من اساسها تخدم مصلحة الحكام كما ذكرنا و لابد و ان يساعدوا على انتشارها وتداولها وتحويرها لصالحهم ولذلك فقد ادعى بعضهم ان الانسان مهما فعل من الذنوب و ارتكب من المنكرات لا يعذب في النار ما دام مؤمنا بالله ورسله بقلبه ولسانه و اسرف اخرون فذهبوا الى انه اقرار باللسان ولو لم يكن معتقدا بما يقول .
    وجاء في فجر الاسلام وقد اشتهر من شعراء بن امية بالقول بالارجاء ثابت بن قطنة وكان من اصحاب يزيد بن المهلب واعوانه وله قصيدة توضح مذهبه في الارجاء ويستفاد منها انه لا يحكم على احد بالكفر مهما ارتكب من الذنوب و ان المسلمين اذا اختلفوا وكفرت كل طائفة منهم الاخرى تركناهم الى الله يحكم عليهم يوم القيامة بما يستحقون و الى ذلك يشير بقوله :
    و لا ارى ان ذنبا بالغ احد من الناس شركا اذا ما وحدوا الصمدا
    يجزي عليا وعثمانا بسعيهما ولست ادري بحق آية وردا
    الله يعلم ماذا يحضران به وكل عبد سيلقى الله منفردا
    والارجاء الذي يدين به صاحب هذه الابيات هو الارجاء الذي يقول به جمهور الفقهاء وهو من اقرب المرجئة الى الواقع لانه لا ينفي العذاب عن العصاة و لا يقطع بعقوبتهم ويترك الحكم عليها الى الله وحده .
    ومجمل القول ان الارجاء الذي شاع القول به في العصرين الاموي والعباسي واصبح مذهبا لفريق من الناس في مقابل غيرهم من ااصحاب المذاهب لا يقول به الامامية لان المرجئة لا يحكمون على العصاة بأي حكم من الاحكام وبعضهم يدعي بأنهم مؤمنون منعمون في الجنة والامامية مجمعون على انهم فساق معذبون بذنوبهم وجاء عن الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام ان النبي صل الله عليه واله قال : صنفان من امتي ليس لهم في الاخرة نصيب المرجئة والقدرية .
    وجاء عن زيد بن علي بن الحسين عليه السلام انه قال : لعن الله المرجئة لانهم اطمعوا الفساق في عفو الله


    الفرقة الثالثة : الجهمية
    وهم جهم بن صفوان واتباعه حيث ذهبوا الى ان الفعل من الله سبحانه بلا تأثير و لا ارادة للعبد وقدرته فيه و لا كسب بل لا صلة لا فرق عندهم بين مشي زيد وحركة المرتعش و لا بين الصاعد الى السطح و الساقط منه .
    و بالجملة ان هذه الفرقة والفرقتين المتقدم ذكرهما يقولون بالجبر ونفي الاختيار و القدرة عن الانسان ولهم على ذلك ادلة من طريق العقل و النقل سوف نوردها وندلل على بطلانها وفي نفس الوقت نأتي بأدلة الشيعة الامامية والمعتزلة المؤيدة لبطلان ما ذهب اليه الفرق الثلاثة من القول بالجبر ونفي الاختيار عن الانسان


  • #2

    ما هي أدلة المجبرة
    لقد استدل المجبرة على القول بالجبر ونفي الاختيار والإرادة والقدرة عن الإنسان بالأدلة التالية :
    1-ان حين صدور الفعل من العبد اما ان يمتنع لا صدوره وهو -الجبر- او لا يمتنع بل يجوز كل من الصدور و اللاصدور و حينئد فاما ان يتساوى الطرفان وهو مستلزم للترجيح بلا مرجح او يترجح جانب الصدور فننقل الكلام في ذلك المرجح فان لم يكن ملزما للفعل احتاج الى مرحج اخر و لزم التسلسل- و ان كان ملزما لزم الجبر .
    2-ان الانسان لو كان موجدا لافعال نفسه لكان عالما بها - اذ الفعل الاختياري لا يقع الا عن العلم ضرورة لكن الانسان غير عالم بجزئيات فعله لبداهة ان الماشي الى مقصد لا يعلم تفاصيل الاجزاء التي بين المبدأ والمنتهى و الناطق لا يعلم تفاصيل المخارج والهيئات الى غير ذلك فلا يكون موجدا لافعال نفسه .
    3-قالوا لو كان العبد موجدا لفعل نفسه ثم اراد تحريك حجرا مثلا و اراد الله تعالى سكوته فاما ان يقع المرادان وهو باطل او لا يقع شئ منهما وهو باطل ايضا و اما ان يقع احد المرادين وهو ترجيح بلا مرجح لغرض استقلال كل من القدرتين في التأثير .
    4-ان الفاعل لابد و ان يكون مخالفا لفعله في الجهة التي بها يتعلق الفعل و لذا تؤثر النار في النار والبرد في البرد اذ مع التساوي لا ترجيح لتأثير هذا في ذاك على تأثير ذاك في هذا واذا تبين هذه الكلية نقول : الممكن حادث فلا يؤثر في الفعل الذي هو حدوث.
    5-ان الانسان لو كان موجدا لفعل نفسه لجاز ان يوجد الجسم ايضا لان المصحح لتعلق الايجاد بفعل نفسه هو الامكان وهو متحقق في الجسم ايضا.
    6-ان الاانسان لو كان قادرا على ايجاد فعل لكان قادر على ايجاد مثله اذ حكم الامثال فيما يجوز وااحد لكنا لا نقدر على ايجاد المثل من كل جهة و لذا يختلف خط الكاتب ولو دقق في المرة الثانية فلا نقدر على ايجاد الفعل .
    7-انه لو كان الانسان موجدا للافعال لكان بعض افعاله احسن من افعال الله تعالى فان الايمان فعل الانسان وخلق العقرب فعل الله تعالى والايمان احسن من خلق العقرب وسائر المؤذيات لكن التالي باطل اجماعا فالمقدم مثله .
    8- انه لو كان الايمان والطاعة من فعل الانسان لم يكن معنى لشكر الله تعالى عليهما لان شكر الغير على فعل النفس قبيح لكن الشكر عليها حسن بالاجماع فليسا من فعلنا .
    9-قالوا ان في القران الكريم من الايات ما يثبت ان الله تعالى هو خالق العباد وخالق افعالهم وان الحسنات والسيئات اية من الله وكلها من عنده ولقد استدلوا بالايات التالية :
    1-قوله تعالى " والله خلقكم وما تعملون" الصافات 96
    2-قوله تعالى "و ان تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وان تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله " النساء 78
    3-قوله تعالى " وما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم فيضل من يشاء ويهدي من يشاء" ابراهيم 4
    4-قوله تعالى " ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء " النحل 93
    5-قوله تعالى " لقد حق القول على اكثرهم فهم لا يؤمنون"
    6-" وما اكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين "
    7-قوله تعالى " سواء عليهم أانذرتهم ام لم تنذرهم لا يؤمنون "
    8-قوله تعالى " سأرهقه صعودا "
    9-قوله تعالى " تبت يدا ابي لهب وتب"

    بطلان أدلة المجبرة
    اننا فيما تقدم قد اوردنا لقارئنا الكريم بعض الادلة من القران الكريم و السنة المطهرة وبعض الادلة العقلية على بطلان الجبر و اوضحنا بأن العاقل لا يغفل عن الفرق بين الحركات الاختيارية وغيرها ويرى نفسه مختارا في جميع افعاله وتصرفاته ويستحسن بنظر العقل ان نمدح فاعل الخير والمحسن الى الناس و ان نذم الظالم الجائر والمسيء لغيره فلولا ان الافعال من صنع الانسان و تصح نسبتها اليه بدون تجوز لما استحق مدحا او ذما و لذا فان الافعال التي يكون الانسان مسلوب الارادة فيها لا يستحق المتصف بهما ذما او مدحا لانه كالالة بالنسبة اليها .
    وذكرنا ايضا ان الله سبحانه وتعالى امر عباده باشياء كثيرة وجعل لها حدودا ليقف الانسان عندها وكذلك نهاهم عن اشياء واراد منهم فعل ما امر وترك ما نهاهم عنه .
    اما الان فنحن مع نقض ادلة المجبرة وابطالها بالاجوبة العقلية والنقلية التالية :
    1- الجواب عن دليلهم الاول : هو انا نختار الشق الاخير -اي كون المرجح ملزما - و لا يلزم الجبر لان الفعل بالنظر الى قدرة الانسان ممكن وبالنظر الى داعيه واجب ( والوجوب للداعي لا ينافي القدرة ) فان الوجوب بالاختيار لا ينافي الاختيار بل يحققه كما لا يخفى وهذا الجواب عن الدليل حلي يعني جواب مولانا العلامة الحلي .

    الجواب عن دليلهم الثاني : ان الايجاد لا يستلزم العلم فان النار تحرق بدون العلم بالاحتراق والنائم يتحرك بدون علم بذلك الا مع اقتران القصد فانه يستلزم العلم لكن لا يستلزم العلم التفصيلي ( فيكفي الاجمالي ) والعلم الاجمالي حاصل في الحركات الجزئية بين المبدأ و المنتهى ومخارج الحروف والهيئات في التكلم .
    الجواب عن دليلهم الثالث : انه مع الاجتماع يقع مراده تعالى لانه اقوى الارادتين وهذا هو المرجح .
    الجواب عن دليلهم الرابع : نقول في جوابه
    بعد النقض بأن الله موجود و يؤثر في الوجود ان الفاعل لا يؤثر في الحدوث الذي هو اعتباري بل يؤثر في المهية والمهية مغايرة لنا و انما كان الحدوث اعتباريا لانه لو كان خارجيا لزم التسلسل .

    الجواب عن دليلهم الخامس : نقول في جوابه
    ان امتناع صدور الجسم عنا ليس لكونه ممكنا حتى يعم الامتناع بل لغيره اي المانع خارج وهو اما جسم والجسم لا يؤثر في الجسم لما تقدم من امتناع صدور الشئ عن مثله .

    الجواب عن دليلهم السادس : نقول في جوابه اولا ان بعض الافعال لا يتعذر فيه المماثلة
    ثانيا ان تعذر المماثلة في بعض الافعال ليس بسبب عدم وقوعه تحت القدرة بل لتعذر الاحاطة بما فعلناه اولا بجميع خصوصياته هذا مضافا الى ان الفعل الاختياري لا يستلزم كون جميع خصوصياته صادرة عن الاختيار فان المرتعش الذي يكتب تكون الكتابة فعله وان لم يصدر فيه جميع خصوصيات الخط و حالنا بالنسبة الى الدقائق المكتنفة بالافعال كذلك فان الصادر منا اصل العمل لا خصوصياتة القهرية والاختلاف بين الفعلين انما هي في تلك الخصوصيات ومثل هذا لا يوجب الخروج عن القدرة فتأمل

    الجواب عن دليلهم السابع : نقول في جوابه لا نسبة في الخير بين فعلنا وفعله تعالى اذ النسبة في الخيرية انما يكون بين المتحدين نوعا وفعلنا وفعله تعالى ليس من هذا القبيل تعالى الله في افعاله واقوله علوا كبيرا
    الجواب عن دليلهم الثامن : نقول في جوابه ان الشكر ليس على نفس الايمان والطاعة بل على مقدمات الايمان والطاعة من اعطاء الفهم والجوارح والهداية ونحوها .
    الجواب عن دليلهم التاسع : نقول في جوابه انه ما ورد من أدلة ( السمع ) مما ظاهره الجبر متأول كما لا يخفى على من راجع تفاسير الشيعة والمعتزلة و كتبهم الكلامية المبسوطة . ومع ذلك هو معارض بمثله من الايات والاخبار التي قد بيناها لقارئنا الكريم فيما سبق والتي دلت بكل وضوح على كون نسبة الافعال الى الانسان نفسه فالاية الاولى وهي قوله تعالى " والله خلقكم وما تعملون " معارضة بقوله اليوم تجزون بما كنتم تعملون " و الاية الثانية وهي قوله " وان تصبهم " معارضة بقوله تعالى " فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم " و الاية الثالثة وهي قوله تعالى " فيضل من يشاء " معارضة بقوله تعالى " وما منع الناس ان يؤمنوا اذ جاءهم الهدى " و قوله تعالى لإبليس " ما منعك الا تسجد اذ امرتك " و قوله تعالى " فما لهم لا يؤمنون " الى غير ذلك من الايات التي اوردناها بتسلسل االمرقم لكي يكون القارئ الكريم على بينة من معتقده حول الاختيار و بطلان الجبر .
    و لا شك ان الترجيح معنا لانه مضافا الى اعتقاد الطائفة الثانية بالضرورة ان التكليف انما يتم باضافة الافعال الينا و الا فلا معنى لتكليف.
    بقي علينا ان نعرف اصحاب الشبهة ربما يتمسكون لاثبات شبهتهم زيادة بما ذكروه بظواهر بعض الايات الواردة في الكتاب الكريم وهي كما يلي :
    1-قوله تعالى في سورة البقرة " الله ولي الذين امنوا يخرجهم من الظلمات الى النور " وظاهر الاية يقتضي كونه سبحانه وتعالى هو الموجد للايمان في نفوسهم لان النور هو الايمان والظلمة هي الكفر , وقد اضاف ذلك اليه سبحانه وتعالى فيكون هو الفاعل , وبعد التأمل في الاية الكريمة يتضح انها بعيدة عما يدعيه اصحاب الشبهة المذكورة لان النور والظلمة كما يراد بهما الكفر و الايمان , يجوز ان يراد بهما الجنة والنار وظاهرها يساعد على المعنى الاخير لهما لان اخراج المؤمنين من الظلمات الى النور بعد فرض اتصافهم بالايمان كان في رتبته سابقة على الاخراج و لا يصح و الحال ذلك ان يراد بهما غير الثواب و العقاب لانه فرض ثبوت الايمان لهم ومن يثبت ايمانه يخرج من غضب الله وعقابه الى رضوانه وثوابه ولو اريد من النور الايمان ومن الظلمة الكفر يلزم التناقض في مدلول الاية الكريمة وعليه يكون مفادها ان المؤمن يوصف كونه مؤمنا يخرج من الكفر الى االايمان وخروجه من الكفر الى الايمان يقتضي كونه كافرا قبل الاخراج وقد فرضنا ايمانه كما هو نص الاية وهو تناقض ظاهر .
    ويؤكد ما دكرناه من معنى الاية قوله تعالى " و الذين كفروا اولياءهم الطاغوت يخرجونهم من النور الى الظلمات " فاسند اخراجهم الى الطاغوت و لازم ذلك كون الطاغوت هو الفاعل للكفر لو فسرنا الظلمة والنور بالكفر والايمان و لا يلتزم بذك اصحاب الشبه , فلا بد وان يكون المراد بالنور والظلمة الثواب والعقاب في المقامين لان الاخراجين من نوع واحد و انما نسب الاخراج الى الطاغوت مع ان الله سبحانه هو الذي يدخل الانسان الجنة و النار من حيث انه زين لهم الكفر والتمرد على المولى وصدهم عن طاعته واغراهم بمعصيته فصحت هذه النسبة توسعا وتجوزا في الكلام وكما وان نسبة الاخراج من الظلمة الى النور لله سبحانه وتعالى لانه رغب عبده في الطاعة وقوى في نفسه الدواعي التي تسهلها له وذلك بعد وجود بقية المقدمات .
    2- قوله تعالى " اتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون "و المراد من الاية كما يزعم المجبرة ان المعنى والله خلقكم وخلق الذين تعملون اي وخلق اعمالكم الاية المتقدم ذكرها . و اذا كانت الاعمال مخلوقة لله سبحانه وتعالى لا يصح منه ان يعاقب عليها و الا كان ظلما لعباده تعالى الله من الظلم علوا كبيرا .
    ولكن بعد التأمل في الاية الكريمة يتضح ان المراد بقوله وما تعملون هو تعملونه فيه من الاحجار والاخشاب التي تتخذونها اربابا تعبدونها من دون الله .
    والمراد من الاية هو الانكار عليهم وتوبيخهم على عملهم لاانهم نحتوا الاصنام في الاحجار والاخشاب واتخذوها الهة لهم مع ان ما ينحتون فيه من مخلوقاته سبحانه وتعالى فقد عبدوا مخلوقا مثلهم .

    3-قوله تعالى " و لا ينفعكم نصحي ان اردت انصح لكم ان كان الله يريد ان يغويكم "
    والذي يمكن ان يقال تمشيا مع المجبرة ان المراد بالغواية هو الضلال و اذا اراد الله سبحانه ان يضل قوما لا تختلف ارادته عن مراده فلا يبقى اثرا لنصح الرسول وارشاده واذا كانت الغواية منه لا يحسن منه سبحانه وتعالى العقاب عليها و الا كان ظالما لعباده تعالى الله عن ذلك ولو ان المجبرة يلتزمون بجواز الظلم وعدم قبحه لم يبق لنا نزاع معهم في هذه المسئلة .
    وبعد التأمل في الاية يظهر ان الله سبحانه وتعالى لم تقع منه الغواية ولم يردها لعباده.
    وانما اخبرهم على لسان رسوله ان نصح النبي لا ينفع ان كان الله يريد غوايتهم وجواز وقوع الارادة منه سبحانه لا يدل على ان المراد بالغواية هو التمادي في المعصية بل من القريب ان يكون المراد لها هو العقاب فيكون معنى الاية هو ان نصحي وارشادي لا يدفع عنكم العقاب ما دمتم مصرين على ما انتم عليه من الضلال والعصيان الا ان تطيعوا و تتوبوا الى ربكم من سوء اعمالكم .
    وعبر سبحانه وتعالى عن العقاب بالغواية في اية اخرى قال " فسوف يلقون غيا" وهو مصدر مشتق من غوى .
    ومهما يكن فالمراد من الاية ان نصحي وارشادي لا يدفع عنكم عذاب الله وعقابه ما دمتم مصرين على سوء اعمالكم .
    و في الامالي للسيد المرتضى عن جعفر بن حرب ان الاية كانت في طائفة من قوم نوح تدعي بان الله اراد غوايتهم وعدم ايمانهم به فنبههم الله سبحانه وتعالى على فساد مذهبهم على سبيل الانكار لقولهم اي ان الله كما تقولون وتزعمون يفعل فيكم الكفر و العصيان فما ينفعكم نصحي و تطلبوه مني و انتم على هذه العقيدة الفاسدة لانكم لا تنتفعون به اذا كان هو الذي يغويكم .
    ويمكن ان يكون المراد بها ان النصح لا ينفع الظالم عند عقابه ونزول العذاب به اذ لو تاب والحال هذه لا تنفعه التوبة و لا تقبل منه فلا فائدة في نصحه وارشاده .

    4- قوله تعالى " ان الله يضل من يشاء ويهدي اليه من اناب " وقوله تعالى " من يضلل الله فما له من هاد " وفي سورة الانعام " من شاء الله يضلله و من يشاء يجعله على صراط مستقيم " وغير ذلك الايات التي جعل فيها هداية العبد وضلاله مترتبة على مشيئة الله سبحانه وتعالى .
    والجواب عنها انه ليس في هذه ما يدلنا على انه تعالى قد اضل فريقا من عباده وهدى فريقا اخر بل غاية ما تدل على انه لو اقتضت مشيئته ذلك لوقع العبد في شرك العصيان و الخذلان من حيث قدرته على التصرف بعباده بكل انحاء التصرفات و لا يتنافى ما عليه الامامية القائلين بالعدل وعدم جواز القبح عليه سبحانه لان قدرته على كل شئ لا يستوجب فعل القبيح تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .
    و ثانيا - ان المراد بالضلال هو ان يسلب العبد الطافه وفوائده فيما اذا تواترت عليه الحجج و البراهين و بقى مصرا على طغيانه واعراضه عنها ففي هذه الحالة يبقيه الله على ما يختار ويمنع عنه اللطف الالهي و النور الذي يمكن ان يهتدي بواسطته الى الله سبحانه و لا تضر في هذه الاحوال نسبة الاضلال الى الله لان العبد بطغيانه وتمرده كان سببا لاعراضه عنه وعدم ازاحة الشر من نفسه فتركه على ما هو عليه خذلان منه سبحانه وتعالى لذلك العبد المتمرد فليس المراد فيها انه خلق الضلال و الهداية لعباده ولامرهم بها , ومهما يكن الحال فجميع الايات التي يمكن ان تكون محلا للشبهة ليست نصا فيما يدعون وظاهر بعضها وان دل على ذلك و لكن هذا الظاهر لا بد من التصرف فيه بعد قيام الدليل العقلي على عدم جواز نسبة الظلم اليه سبحانه وتعالى لا سيما وان الكثير من ايات الكتاب نص فيما تدعيه الامامية .

    5-قوله تعالى " واذا اردنا ان نهلك قرية امرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا" فان هذه الاية المباركة تدل بظاهرها على ان الله سبحانه وتعالى اذا اراد ان يهلك قوما و يعذبهم امر المترفين منهم ففسقوا وكان فسقهم مترتب على الامر فكأنه امرهم بالفسق او امرهم ليفسقوا و معنى ذلك انه اراد منهم الفسق ليعذبهم عليه فلا يكون السبب في العقاب عصيان العبد المنبعث عن اختياره وتمرده على الله تعالى بل هو من حيث ارادته لذلك ابتداء غايته انه امرهم بعد ان اراد عقابهم ليتحقق منهم الفسق فكأنه يريد ان ينتقم منهم على اي حال ولكنه يريد ان يخلق له سببا للانتقام وسواء كان مفادها انه امرهم بالفسق او اراد ان ينتقم منهم فأوجد السبب لذلك ليصح منه العقاب و ايا كان مفادها فلا يجوز عليه سبحانه وتعالى عن ذلك .
    ويمكن الجواب عنها بأن قوله تعالى امرنا مترفيها ليست جوابا لقوله تعالى واذا اردنا ان نهلك قرية بل هي صفة لاهل القرية فيكون مفادها واذا اردنا ان نهلك قرية صفتها كذا انا امرنا مترفيها ففسقوا وخالفوا ما امرناهم به بأختيارهم واراتهم.
    وعلى هذا تكون اذا بدون جواب ظاهر وقد استغنى عنه بدلالة الكلام عليه ونظير ذلك في الاستغناء عن جواب اذا لدلالة ظاهر الكلام عليه قوله تعالى : " حتى اذا جاؤوها وفتحت ابوابها وقال لهم خزنتها طبتم فادخلوها خالدين "
    وقد ورد حذف الجواب للاستغناء عنه اختصار وعلى هذا لا تكون ارادته للعقاب سابقة على معصيتهم بل تكون المعصية مفروضة الوجود قبل ان تتعلق ارادته بعقابهم .
    ويمكن ان يكون في الاية تقديم وتأخير ويكون المعنى على هذا الوجه اذا امرنا مترفي القرية بالطاعة وفسقوا اردنا هلاكهم وعقابهم . نظير قوله تعالى " يا ايها الذين امنوا اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وايديكم " مع ان الغسل انما يجب قبل القيام الى الصلاة والمراد منها هو الامر بغسل وجوههم ايدهم عند القيام للصلاة .
    وهذا النحو من الصرف بعد وجود الشاهد عليه لا يتنافى مع ظاهر الايات الكريمة .

    .... يتبع ....

    تعليق


    • #3


      اذا عرفت يا قارئنا الكريم ما اوردناه من الادلة العقلية والنقلية القاضية و الحاكمة بنقض ادلة المجبرة وبطلانها فعليك ان تستزيد انارة بما سوف نورده اليك من البيانات المعقولة بالوجوه التالية .
      1-ان تعالى قال في كتابه المبين " رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل " و قال تعالى " ولو انا اهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا ارسلت الينا رسولا فنتبع اياتك " فقد تبين انه تعالى ما ابقى اليهم عذرا الا وقد ازاله عنهم فلو كان علمه تعالى بكفر من كفر من عباده مانعا له من الايمان او كان علمه بفسق من فسق من عباده مانعا له من الطاعة لكان ذلك من اعظم الاعذار واقوى الوجوه الدامغة لاستحقاقهم للعقاب والتالي باطل فكذا المقدم .
      2-ان الله تبارك وتعالى ذكر في مقام الذم و الزجر و التقبيح قوله تعالى " ان الذين كفروا سواء عليهم " فلو كان ممنوعين من الايمان غير قادرين عليه لما استحقوا التقبيح البته بل كانوا معذورين كالاعمى في ان لا يرى .
      3-ان القران انزل ليكون حجة لله ولرسوله لا ان يكون حجة لهم على الله ورسوله فلو كان العلم والخبر مانعين لكان لهم ان يقولوا انا كفرنا لسبق القضاء على كفرنا وترك المقضي مستحيل فلم يطلب المحال منا ولم يأمرنا بالمحال .
      4-انه لو كان علمه السابق بعدم الايمان مانعا عن الايمان لوجب ان لا يكون الله تعالى قادرا على شئ اصلا والتالي باطل فكذا المقدم , بيان الملازمة ان الذي علم وقوعه واجب والذي علم عدم وقوعه ممتنع وشئ من الواجب الممتنع لا يكون مقدورا اذ المصحح للمقدورية هو الا كان دون قسميه .
      5-ان الامر بالمحال سفه وعبث فلو جاز ورود الشرع به لجاز وروده بكل انواع السفه فما كان يمتنع وروده باظهار المعجزة على يد الكاذب فلا يبقى وثوق بصحة النبوات و لا صحة القران وسائر الكتب بل يجوز ان يكون الكل سفها و باطلا .
      6-لو جاز ورود الامر بالمحال لجاز الامر للاعمى برؤية ما في السماء والزم بالطيران في الهواء ولو جاز ذلك لجاز بعثة الانبياء الى الجمادات والعجماء وانزال الكتب والملائكة عليها لتبليغ التكاليف حالا بعد حال ومعلوم ان ذلك سخرية وتلاعب بالدين .
      و لا شك ان الله تعالى امر عباده بالايمان فكيف يأمرهم بالايمان وقد منعهم عنه وينهاهم عن الكفر وقد حملهم عليه وكيف يصرفهم عن الايمان ثم يقول " انى يصرفون" و يخلق فيهم الكفر ثم يقول "فانى يؤفكون" وأنشئ فيهم الكفر ثم يقول "لم تكفرون" وخلق فيهم لبس الحق بالباطل ثم يقول "و لا تلبسوا الحق بالباطل" وصدهم عن السبيل ثم يقول " لم تصدون عن سبيل الله " وحال بينهم وبين الايمان ثم يقول "وماذا عليهم لو امنوا" وذهب بهم عن الرشد ثم قال " فأين تذهبون" واضلهم عن الدين حتى اعرضوا ثم قال " فما لهم عن التذكرة معرضين " وغيرها من الايات الدالة على ان التكليف بما لا يطاق لم يقع قال تعالى " لا يكلف الله نفسا الا وسعها " وقال ما جعل عليكم في الدين من حرج وقال تعالى " ويضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم " و اي حرج ومشقة فوق التكليف محال .
      7-نقول لمن ادعى نفي الاختيار عن العبد انه مجبور في افعاله واقواله اننا ما نعرف حقيقة الجبر للانسان الا اذا كان الانسان مختارا فجبره غيره ومنعه من اختياره
      8-نقول لمن ادعى نفي الاختيار انه لو كان كما زعمتم : ان لا فاعل في العالم سوى الله تعالى لزم ان يكون الله تعالى قد ارسل الرسل الى نفسه وانزل الكتب على نفسه وكل وعد ووعيد وتهديد صدر على لسان الملائكة والانبياء والاوصياء وفي كتبه فانه يكون على قول المجبرة قد وعد بذلك نفسه وتوعدها وتهددها واذا جاز عند الاشاعرة الاباعرة على الله تعالى ان يضل العباد ويجبرهم على الفساد ويلبس عليهم بالمحال ويصدق الكذابين بالمعجزات ويظهر الدلالات الباهرات على ايدي المبطلين فكيف يمكن اثبات نبوة نبي وصحة شريعته .
      واطرحوا هنا النصوص قاطعة : واولو تعليلها بالعاقبة
      وما دروا ان لهذا المعتقد :لوازما تفضح من له اعتقد
      ادلة يأخذها بقوة : ذو الكفر من في ابطاله النبوة
      من حيث ان المعجز الحقيقي : ان لم يكن لغاية التصديق
      فأي برهان على صدق النبي : واي حاسم لدعوى الكذب
      9-يجوز على قواعد المجبرة وعقائدهم بل صرحوا به ان يجمع الله تعالى مع عدله وحكمته الانبياء والمرسلين والملائكة المقربين وعباده الصالحين فيخلدهم في الجحيم والعذاب الاليم ابد الابدين ويجمع الكفار والملحدين و الزنادقة والمنافقين وابليس والشياطين فيخلدهم في الجنة و النعيم ابد الابدين ويزعمون لعنهم الله ان ذلك من الانصاف و العدل لانه يتصرف في ملكه كيف يشاء قبحهم الله تعالى , قال تعالى وما قدروا الله حق قدره , ان هذا الاعتقاد باطل بدليل قوله تعالى " وما يستوي الاعمى و البصير و لا الظلمات ولا النور و لا الظل و لا الحرور وما يستوي الاحياء و لا الاموات " وبدليل قوله تعالى " ام نجعل الذين أمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الارض ام نجعل المتقين كالفجار " و بدليل قوله تعالى " ام حسب الذين اجترحوا السيئات ان نجعلهم كالذين امنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم و مماتهم ساء ما يحكمون " هذه المجموعة من الايات الكريمة تبين للقارئ الكريم فساد معتقدهم .
      10-ان الشيطان اعترف انه اضل الكافرين والفاسقين كما حكى الله تعالى عنه بقوله تعالى " ان الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فاخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان الا ان دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا انفسكم " مضافا الى ان الله تعالى شهد بذلك حيث قال تعالى " الشيطان سول لهم واملى لهم " ومع ذلك فان المجبرة نزهوا الشيطان عن اعترافه باضلالهم وغرورهم وقالوا ما اضلنا الا الله وردوا شهادة ربهم ونسبوا قبائح افعالهم الى الله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .
      11- اعتراف المجبرة على انفسهم يوم القيامة بخلاف معتقدهم في الدنيا " وقالوا ربنا انا اطعنا سادتنا وكبراءنا فاضلونا السبيل , ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا " والحال انهم في دار الدنيا يعتقدون ان الله هو المضل لهم وتارة ينسبون اضلالهم الى الذين اضلوهم وقالوا " ربنا ارنا الذين اضلانا من الجن والانس نجعلهما تحت اقدامنا ليكونا من الاسفلين "
      12-قال تعالى " ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه واعد له عذابا عظيما " فأذا كان الله تعالى هو الذي قتل المؤمن كما يزعم المجبرة فلمن يهدد ؟ و لمن يلعن ؟ وكذا قوله تعالى " فلما اسفونا انتقمنا منهم "
      13-قال تعالى " انا خلقنا الانسان من نطفة امشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا انا هديناه السبيل اما شاكرا و اما كفورا " وسمحة الاختيار للانسان واضحة في هذه الاية فهي تقرر ان الانسان قادر على فعل الخير وفعل الشر وانه يستطيع ان يشكر نعمة الهداية الالهية بحرية ويؤدي واجبه على احسن صورة ويكفر بالنعمة وينحرف عن طريق الحق والاستقامة و الاية الكريمة في نفس الوقت قاضية ببطلان ما يزعمه المجبرة .
      14-نقول للمجبرة انكم تزعمون ان الناس مجبورون في اقوالهم وافعالهم وبموجب هذا الزعم يلزمكم ان لا تنكروا على من يظلمكم ويشتمكم ويأخذ اموالكم لانه مجبور فيما يفعل ويلزمكم ان لا تذموه و لا تبغضوه و لا تقولوا عنه انه ظالم ولو فعل ما فعل . و من هنا يظهر لقارئنا الكريم التناقض في اقوال هؤالاء فان احدهم لا يزال يذم هذا و يبغض هذا ويخالف هذا حتى ان الذي ينكر عليهم يبغضونه ويعادونه وينكرون عليه فتبين بطلان مذهبهم وان زعمهم فاسد لا يقبله العقل و الشرع .
      ولاهل الجبر اضاليل : وعدول عن نهج السبل
      زادوا قدماء ثمانية : غير الاحد الباقي الازلى
      ورأوا ايجاب القادر في : ايجاد الاوصاف النبل
      وعزوا كل الافعال له : لا بالسببية للعلل
      بل بالتأثير مباشرة : في الجيد منها والرذل
      فيقال لهم لا فرق اذن : بين الكفار ولا الرسل
      وكذا لا فرق اذن بين : القران وانشاد الغزل
      وعبادة عباد الازلى : وعبادة عباد الهبل
      ايلوم الناس على ما ليس : لهم فيه من مدخل
      ويعاقبهم والفعل له : وهم براء من العمل
      جل العدل المتعالي عن : دعوى من ضل من الملل

      15-نقول بالاضافة الى ما ذكرناه في جواب الايات المتقدمة التي مر ذكرها والتي قد استدل بها المجبرة على الجبر ان هذه الايات وغيرها من الايات التي وردت فيها كلمة ( الهدى و الضلال ) قد فسرت على الوجه الصحيح المطابق للحقيقة والواقع و لا اظن هناك من درس اللغة وعرف معاني الفاظها المترادفة لا سيما كلمة -الهدى و الضلال - لا يعرف ان لفظة الضلال وكلمة الهدى الواردة في القران الكريم لم تستعمل بمعنى الخروج عن الحق وان الله تعالى هو الذي يجبر العباد على الهدى والايمان وقد قدمنا لقارئنا ما يدل على ذلك فيما سبق و بالاضافة الى ما ذكرنا نقول ان الله تبارك وتعالى يقول في الاية المتقدمة " الله خلقكم وما تعملون " ان هذه الاية الكريمة وردت في سياق الايات المدرجة في سورة ( الصافات) من اية 82 الى اية 96 في احتجاج النبي ابراهيم عليه السلام على قومه الذين كانوا ينحتون الاصنام ويعبدونها من دون الله تعالى وهي : " وان من شيعته لابراهيم اذ جاء ربه بقلب ...اذ قال لابيه وقومه ماذا تعبدون . ائفكا الهة دون الله تريدون . فما ظنكم برب العالمين . فنظر نظرة في النجوم فقال اني سقيم فتولوا عنه مدبرين فراغ الى الهتهم فقال الا تأكلون . مالكم لا تنطقون , فراغ عليهم ضربا باليمين فأقبلوا عليه يزفون قال اتعبدون ما تنحتون و الله خلقكم وما تعملون قالوا ابنوا له بيتا فألقوه في الجحيم ".
      ان كل من اوتي من الفهم والادراك علم من سياق هذه الاية ان ابراهيم عليه السلام بعد ان اختبر عبادة قومه راح يسخر من الهتهم التي نحتوها بأيدهم ويقول لهم الا تأكلون ما لكم لا تنطقون ؟ ثم عمد اليها وكسرها بيده اليمنى وحطمها في غياب قومه ولما اقبلوا اليه ووجدوه قد هشم اصنامهم قال لهم ابراهيم على سبيل الاستنكار اتعبدون ما تنحتونه بأيدكم والله خلقكم وخلق المادة التي نحتم منها اصنامكم فأنتم و ما تعبدون من هذه الاحجار التي صيرتموها اصناما هي من خلق الله تعالى مستنكرا على قومه اتخاذ المخلوقات خالقا ومعبودا وليس في الاية ما يدل على ان الله تعالى هو الذي خلق الاحجار الهية واجبر قوم ابراهيم على عبادتها بدليل قوله تعالى اتعبدون ما تنحتون اي انكم تعبدون ما عملته ايديكم وصيرتموها الهة من دون الله .
      يضاف على ما تقدم ان ابراهيم عليه السلام كان في مقام محاججة قومه و انه كان يستنكر عليهم عبادة الاصنام من دون الله .
      قوله تعالى : " قل كل من عند الله " ان هذه الاية الكريمة " وان تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وان تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله " فان هذه الاية التي استدل بها المجبرة وغيرهم في اثبات الجبر وقالوا ان السيئات والحسنات كلها من عند الله , استدلال باطل وليس في الاية للمتأمل فيها اي دليل على زعمهم , و للتدليل على ذلك يجب علينا الرجوع الى اللغة العربية لنعرف من قاموسها معنى - الحسنة و السيئة -
      ان الحسنة في اللغة لم تنحصر في معنى الطاعة و الايمان وهاكذا السيئة لم تكن بمعنى المعصية والكفر و الشر , ان للحسنة في اللغة معان اشهرها -النعم -و الرخاء -والرحمة-والخير-والشئ الحسن . ومن معاني السيئة القحط والكوارث و الحوادث السود و المحن و العذاب .
      وقد ورد في القران الكريم ما يؤيد ذلك منه قوله نعالى " إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا " آال عمران 120 فالحسنة هنا بمعنى النعمة و السيئة بمعنى المحنة وقوله تعالى " ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة " الرعد 6 - فالسيئة هنا وردت بمعنى العذاب و الحسنة بمعنى الرحمة فلا يريدون ان يؤمنوا لتشملهم الرحمة و لا يريدون الانتظار لربما تابوا قبل يوم القيامة و شملهم الغفران , بدليل ما جاء بعد ذلك في اخر الاية " و قد خلت من قبلهم المثلات " اي العقوبات التي نزلت على من سبقهم من المسخ و الخسف - " وان ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم و ان ربك لشديد العقاب" .
      وقوله تعالى " ادع الى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة " اي الكلام المقبول الحسن المقنع للخصم لكي يؤمنوا . وقوله تعالى " ولقد اخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون " .
      فاذا جاء بهم الحسنة قالوا لنا هذه و ان تصبهم سيئة يطيروا بموسى و من معه الا انما طائرهم عند الله ولكن اكثرهم لا يعلمون الاعراف 131 الحسنة في الاية الكريمة بمعنى الخير و النعم و الرخاء و السيئة بمعنى القحط و البلاء بدليل قوله تعالى ولقد اخذنا آل فرعون بالسنين اي القحط و نقص من الثمرات , ان الاية واخذنا آل فرعون الخ تفسر لنا على طريقة القران يفسر بعضه بعضا , الاية الكريمة موضوعة البحث وهي وان تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وان تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك - قل كل من عند الله , هاتان الايتان نزلتا في وصف السفهاء و المنافقين من قوم موسى عليه السلام وقوم محمد صل الله عليه واله وهما يحكيان صورة واقعية لسفه القومين .
      و الايتان تفسران معنى واحدا فالقائلون لموسى عليه السلام كما في الاية الكريمة هم آل فرعون و لا يبعد ان يكونوا من بني اسرائيل الذين كانوا من زمرة آل فرعون و على هذا التقدير يكون القائلون لمحمد صل الله عليه واله كما في الاية ايضا من بني اسرائيل آخذا اللاحقون منهم عن السابقين اسلافهم هذا القول , لان زمرة المنافقين في عهد رسول الله صل الله عليه واله كانوا من اليهود ومن حالفهم على النفاق و ان مقدمة الايتين و الحوادث التي نزلت بها هاتان الايتان تكشف لنا معنى الحسنة و السيئة في الايتين .
      تصدرت الاية التي نزلت في السفهاء في عهد موسى عليه السلام قوله تعالى " ولقد اخذنا ال فرعون بالسنين ونقص في الثمران لعلهم يذكرون فان جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه " اي اذا حلت فيهم البركات و اصابهم الرخاء قالوا هذه بسبب ما نحن عليه من عبادة فرعون و اصنامنا و ان نزلت بهم كارثة القحط والمحن و البلاء قالوا هذه بسبب موسى عليه السلام و من آمن معه فتطيروا و تشاءموا من وجودهم وزعموا ان ما اصابهم كان شؤم موسى و اتباعه فقال الله تعالى "انما طائرهم عند الله " اي ان الذي يتشاءمون منه لم يكن من وجود موسى و من معه و لا البركات و الخيرات التي يتنعمون بها هي من صنع فرعون و آلهتهم و انما هي من فعل الله تعالى فهو الذي اصابهم بالقحط و السنين والنقص في الثمرات لعلهم يذكرون بطشه فيخافون من عذابه ويتوبون اليه وهو الذي ينعم عليهم بالحسنات .
      اما الاية الكريمة التي نزلت في السفهاء والمنافقين من قوم محمد صل الله عليه واله فقد سبقتها ايات ارتبطت بعضها ببعض وكشفت عن تفسير قوله تعالى " قل كل من عند الله " وهي " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنْ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً (77) أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمْ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (78) مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنْ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً (79) " النساء 77-78-79
      فكما خبر الله تعالى كان امر المنافقين والسفهاء في عهد رسول الله صل الله عليه واله وذلك لما امر النبي اصحابه بجهاد المشركين والكافرين عظم الامر على فريق المنافقين ووجدوا في حرب المشركين كارثة مؤلمة سيئة لانهم كانوا يخشونهم اشد خشية من الله فراحوا يماطلون في جهادهم ويطلبون تأجيل الحرب و القتال ويعارضون امر الجهاد الذي كتب عليهم لانهم لا يريدون جهاد الكافرين و لانهم كانوا يخادعون الله في اسلامهم كما وصفهم الله تعالى -واذا قيل لهم امنوا كما امن الناس قالوا انؤمن كما امن السفهاء -و اعتبروا جهاد الكافرين كارثة حلت بهم بسبب رسول الله صل الله عليه واله فجابهوا النبي بما جابه السفهاء به موسى في عهده و زعموا ان كل خير ينزل عليهم هو من الله وكل سوء او كارثة تصيبهم هو من عند رسول الله صل الله عليه واله ففضح الله تعالى ايمانهم الكاذب ونفاقهم ورد زعمهم بقوله قل كل ما يصيبكم من خير ومن سوء بسبب القتال هو ما حكم به الله تعالى وامر به لانه امر الجهاد من اوامر الله تعالى امر به عباده لنشر الاسلام واعلاء كلمة الدين الذي اراد الله تعالى له ان ينشر فالحرب وان كانت كارثة تسبب القتل الا ان في قتل البعض ما يصلح امر الناس و للمقتول في سبيل الله الاجر العظيم فالذي لا يقتل في سبيل الله فسوف يدركه الموت اينما كان والموت في سبيل الله واصلاح الناس والحفاظ على سعادة المجتمع غاية كل عاقل في الدنيا فالذي اعتبره المنافقون سيئة لم تكن في الواقع الا حسنة لان الله تعالى منزه عن فعل السيئات كما اشار الى ذلك بقوله " وما اصابك من حسنة " اي خير ونعمة وسعادة وهدى فهو من الله تعالى " و ما اصابك من سيئة " اي شر او سوء فهو من نفسك ولذلك اعلن الله لعباده انه لم يفعل السوء والشر و ان فعل الشر والقبيح هو من فعل الناس .
      و مما يدل على ان المقصود من الحسنة في الايتين النعم و الخير و الرخاء والمراد من السيئة الكوارث والقحط و الوباء هو ان النعم و الخير و القحط والحوادث المؤلمة هي ما تصب الانسان من الغير والطاعة و المعصية والكفر واالايمان هو ما يصدر من االانسان نفسه والفرق بين ما يصيب الناس وما يصدر عنهم واضح .
      أما الجواب عن قوله تعالى -و ما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم فيضل من يشاء ويهدي من يشاء ان هذه الاية وغيرها من الايات التي تشير الى ان الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء والتي تستدل به المجبرة ومن قال بالجبر على ان الله تعالى هو المضل وهو الهادي و ليس للعبد ارادة و اختيار في ذلك خلافا لمفاهيم تلك الايات .
      ان الجواب عنها جميعا يتوقف على معرفة معنى الهدى و الضلال الذي كثر استعماله في القران و اننا فيما تقدم ذكرنا لقارئنا ان الشيعة الامامية و المعتزلة و اهل العدل جميعا ينكرون على الاشاعرة و المجبرة دعوى الجبر وقالوا ان الله تعالى لم يجبر عباده على افعالهم ولم يكرههم على اعمالهم و ان العبد فيما يفعل و يعمل مختار و له ارادة ان شاء فعل و ان شاء لم يفعل و ليس هناك من يرغمه ويجبره على فعل الحسن او القبيح لان من صفات الله تعالى انه حكيم و الحكيم لا يريد ما يكره و لا يكره ما يريد لا يأمر بما ينهى عنه و لا ينهى عما امر به و انه لا يرضى لعباده الكفر و الشر و الظلم و الفساد كما وانه تعالى غني و الغني لا يحتاج الى عمل القبيح الذي منه الضلال و الاضلال وكونه عالما يعلم فساد فعل الشر و الضلال
      و لا جدال بين المسلمين ان الله تعالى هو الهادي لعباده و ان فعل الهداية واجب عليه كما بينه علماء الكلام في كتب الاعتقادات .
      فالله تعالى لم يكلف عباده بشئ قبل ان يهديهم الى فعله و لم يحذر عباده عن شئ الا ابان لهم فساد ما حذرهم عنه و ما في القران الكريم خير دليل على ذلك كقوله تعالى " و ما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " الاسراء-15-
      وحيث ثبت الهداية من الله تعالى يبطل فعل الاضلال منه لان الهادي لا يكون مضلا و المضل لا يكون هاديا و من اراد الهداية لعباده لا يريد لهم فعل الضلال و ان نسبة الضلال و الهدى الى الله تعالى معا يوجب التناقض في صفاته مع العلم انه تعالى قادر على كل شئ و ان قدرته على كل شئ لا تنافي امتناعه عن الضلال لان قدرته لا تلزمه ان يفعل كل شئ يقدر عليه فليس كل قادر ملزما بفعل كل ما يقدر عليه فالحاكم العادل في وسعه ان يظلم لانه لم يكن مجبورا على فعل العدل و امتناعه عن الظلم لم يكن عن عجز و عدم قدرة انما المانع له قباحة فعل الظلم و حسن العدل و الله تعالى وهو القادر على فعل الظلم اجل و ارفع و اعلى من ان يرتكب الظلم مع قدرته عليه لقباحة فعل الظلم و ان من اتصف بالضلال تارة و بالهدى اخرى لا يثق احد في كلامه و امره و نهيه و لا تجب طاعته .
      ولكي يكون القارئ الكريم على بصيرة من معنى الهدى و الضلال نرجع به الى اللغة لتعرف معنى الهدى و الضلال في قاموس اللغة ان للضلال معان كثيرة .
      منها النسيان كما ورد في القران الكريم " و استشهدوا شهيدين من رجالكم فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء ان تضل احداهما فتذكر احداهما الاخرى " اي نسيت احداهما -فكلمة -ان تضل - استعملت بمعنى النسيان -سورة البقرة اية رقم 282 .
      و منها " البطلان كقوله تعالى " والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل اعمالهم " اي لن يبطل الله تعالى اعمالهم -محمد اية رقم 4
      ومنها الحيرة كقوله تعالى " ووجدك ضالا فهدى" سورة الضحى 7 اي حيرنا لا معين لك و لا نصير فكفكلك عمك ابوطالب ونصرك .
      ومنها الضياع كقولك ضلت ناقتي و ضللت عن الطريق -اي ضاعت ناقتي و تاهت وضعت عن الطريق.
      ومنها الموت والهلاك كقوله تعالى " وقالوا اذا ضللنا في الارض انا لفي خلق جديد" السجدة اية 10 - اي متنا و هلكنا
      و منها العذاب كقوله تعالى " ان المجرمين في ضلال وسعر يوم يسحبون في النار على وجوههم " القمر 47 اي في عذاب وسعير , فالضلال لم ينحصر في معنى الخروج من الحق و الكفر بالله والفساد في الارض , فكل وما ورد في كلمة الضلال في القران منسوبه الى الله تعالى لا يتعدى معنى النسيان و الهلاك و العذاب و الضياع في الاخرة و هو ما يصيب الكفار و المجرمين و الفاسقين -ان المجرمين لفي ضلال وسعر- و ما يضل به الا الفاسقين - و الله تعالى وهو يذم ابليس على اضلاله الناس بقوله " ولقد اضل منكم جبلا كثيرا- و يذم فرعون لانه اضل قومه بقوله تعالى " ولقد اضل فرعون قومه " و ما هدى - و ذم السامري بقوله تعالى " و اضلهم السامري وقال لهم هذا الهكم واله موسى" و الله اجل من ان يضل عباده عن طريق الايمان والخير و الهدى .
      اما كلمة الهدى و الاهتداء و الهداية الواردة في القران فهي بمعنى الثواب و الدليل و الارشاد .
      فبمعنى الثواب قوله تعالى " و الذين امنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بايمانهم تجري من تحتهم الانهار في جنات النعيم " اي يثيبهم يايمانهم ويهديهم طريق الجنة .
      و الهدى بمعنى الدليل و الارشاد قوله تعالى " فاتبعني اهدك صراطا سويا "
      " وهديناه النجدين" " اهدنا الصراط المستقيم " اي دلنا و ارشدنا .
      فالهداية الالهية واجبة على الله تعالى لانها من مستلزمات التكليف و شروطه ولان المكلف-بفتح اللام-يجهل ما يريده منه المكلف -بكسر اللام- وما يرتضي عمله و لولا هداية الله تعالى العباد الى طاعته و اقامة الدليل على طريقة عبادته لما صح التكليف ولما عرف المكلف كيف يعبد الله ويرضيه فكان من امر الله تعالى ان ارسل النبيين مبشرين و منذرين ليرشدوا الناس اليه وليوضحوا لهم سبيل العدل والخير و السعادة مصداقا لقوله تعالى " انا هديناه السبيل اما شاكرا و اما كفورا" و قوله تعالى " واما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى " و قوله تعالى " انك تهدي الى صراط مستقيم " وقوله تعالى " ولقد جاءهم من ربهم الهدى " وقوله تعالى " شهر رمضان الذي انزل فيه القران هدى للناس وبينات من الهدى و الفرقان " وقوله تعالى " انا هديناه النجدين " وقوله تعالى " قد تبين الرشد من الغي " وفي القران الكريم من الايات الدالة على ان الله تعالى قد اوضح السبيل الى طاعته وحذر العباد من معصيته .
      اذا عرفت ايها القارئ الكريم معنى الهدى و الضلال وعرفت ان الله تعالى منزه عن فعل القبح بجميع انواعه ومنه الاضلال هلم نبحث الايات التي تمسك بها المجبرة من الاشاعرة وغيرهم وقالوا انها دلائل على الجبر و ان الله تعالى هو الهادي وهو المضل والعياذ بالله تعالى .
      من تلك الايات قوله تعالى " وما ارسلنا من رسول " الاية المتقدمة .
      قالت المجبرة ان هذه الاية تدل على ان فعل الضلال من الله تعالى كما ان منه فعل الهدى و لو رجعنا الى الاية التي سبقت هذه الاية لما وجدنا دليلا على ان الله تعالى هو المضل كما زعمت المجبرة , يقول الله في اية 3 من نفس السورة " الذين يستحبون الحياة الدنيا على الاخرة ويصدون عن سبيل الله من امن ويبغونها عوجا اولئك في ضلال بعيد " اية 4 وما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم فيضل من يشاء ويهدى من يشاء .
      يفهم من سياق الايتين ان الله تعالى بعد ان ذم الذين يستحبون الحياة الدنيا وفضلوا متعها على متع الحياة الاخرة وصدوا الذين امنوا عن سبيل الله و حملوهم على السبل المعوجة .
      احتج الله عليهم بانه ارسل اليهم من يكلمهم بلسانهم و يبين لهم اياته و احكامه وتعاليمه ممن امن به وبرسوله وصدق ما جاء به فان الله سيثيبه ويؤجره على ايمانه وطاعته ومن كفر به وكذب رسوله فانه سيهلكه ويعذبه فالضلال في الاية المباركة -4- بمعنى العذاب والهدى فيها بمعنى الثواب - و الضلال في الاية رقم 2- السابقة بمعنى الخروج عن الحق وقد تقدم ان الضلال يأتي بمعنى العذاب والهلاك - و الهدى يأتي بمعنى الثواب والذي يؤكد ان الضلال في الاية الرابعة بمعنى العذاب والهداية فيها بمعنى الثواب هو ما جاء في اخر الاية - وهو العزيز الحكيم- فلو كان الضلال بمعنى الكفر لما وصف تعالى نفسه بالحكيم لان من مستلزمات الحكمة كما تقدم ان لا يفعل الحكيم ما ينهى عنه , و لا خلاف من ان الله تعالى نهى عن الكفر , و لو كان فعل الهدى و الضلال من الله تعالى و انه يجبر بعض الناس ان يكونوا مهتدين و الاخرين يكرههم على الضلال دون ان يكون لهم ارادة واختيار في ذلك كان ارسال الرسول سواء بلسان قومهم او بلسان غيرهم باطلا و لا اثر يترتب على بعثهم و ارسالهم وعلى هذا لم يبق للمجبرة دليل على دعواتهم .
      و اما الجواب عن قوله تعالى " ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسئلن عما كنتم تعملون " النحل اية 92 . نقول مضافا الى ما ذكرناه انفا من بطلان الاستدلال بهذه الاية على الجبر ان في هذه الاية احسن دلالة على خلاف ما زعموه لانها تثبت الاختيار وتنفي عن الله تعالى فعل الجبر و الاكراه , بدليل قوله تعالى " و لو شاء لجعلكم امة واحدة " عن طريق الجبر و الارغام .
      وان عدم جعل الله تعالى الناس وتكوينهم امة واحدة خير دليل على الاختيار لا على الجبر كما يقول المجبرة , لان مشيئة الله اقتضت ان يكلف عباده على طاعته و اتباع اوامره على وجه الاختيار الذي هو من شروط التكليف فمن اختار الايمان به تعالى اهتدى اي استحق الثواب كما اوعد الله ومن اختار الكفر بالله تعالى فقد ضل اي استحق العذاب والعقاب كما اوعد الله , وقد تقدم ان من معاني الهدى - الثواب - ومن معاني الضلال - العذاب والعقاب .
      2- لنا ان نسئل المجبرة اذا كان الله تعالى اجبر بعض عباده على الايمان واكره بعض الاخر على الكفر فما هو وجه السؤال في قوله تعالى و لتسئلن عما كنتم تعملون؟ ايسألهم عن فعل فعلوه بارادتهم وعمل اختاروه بأنفسهم ام يسألهم عن فعل خلقه هو لهم واجبرهم بقدرته وقوته على عمله ؟ و الجواب لا يخرج من وجهين اما ان يكون السؤال عن عملهم الذي عملوه باختيارهم فيبطل بذلك الجبر و يثبت الاختيار - و اما ان يكون السؤال عن افعال ارادها لهم واجبرهم على القيام بها فعلى هذا لا وجه للسؤال اذ هو العالم بكل شئ و الفاعل لكل شئ فلا العالم بالشئ يحتاج ان يسأل عنه و لا الفاعل للشئ يحتاج الى من يعلمه فعله الذي تم على يده , ثم اليس هو الفاعل و العامل و الخالق لافعال عباده من خير وشر وحسن وقبيح والعباد مجبرون على تنفيد ما اراده لهم فما هو الشئ الذي يترتب على سؤال العباد من المسؤولية التي نفاها الله تعالى عن المكره و المرغم على فعل الشئ بقوله تعالى " من كفر بالله من بعد ايمانه الا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم " النحل اية 106
      ان نفي المسؤولية عن المكره و عدم شموله لغضب الله وعذابه واضح في هذه الاية التي استثنت المكره على الكفر من الذين كفروا بالله عن قصد وعمد , وعلى ضوء هذه الاية اشترطت القوانين العادلة في الدنيا القصد و سبق الاصرار في ارتكاب الجرائم , و على ضوء هذه الاية نقول للمجبرة اذا كان الله تعالى هو الذي يكره العباد على المعاصي ويكرههم على فعل الشر و الظلم لا يصح عقابهم لانهم مكرهون على ذلك و بالاخير يجب على الله تعالى ان يمحو من مخلوقاته جهنم التي اعدت للكافرين والمجرمين , او ينسحب المجبرة من قولهم ان الله تعالى يجبر عباده على فعل الشر والكفر ويقولون بالاختيار .
      ان الايات التي سبقت ولحقت الاية الموضوعة البحث - و لو شاء الله لجعلكم امة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء - كلها تدل على عدم الجبر و اثبات الاختيار .
      يقول الله تعالى في اية -90- و -91- السابقين على اية " ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء " إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمْ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (93) وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (94) وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (95) مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (96) مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97) "
      ان كل هذه الايات وما اشتملت عليها من الحكم والمواعظ والاوامر و البشائر والزواجر كلها دلائل تنفي فعل الجبر عن الله تعالى وتدعو الناس الى الهدى و الحق وترك الفحشاء والبغي والايفاء بالعهود والمواثيق لكي لا تزل اقدام العباد بعد ثبوتها على الايمان ومن جملة الايات التي تمسك بها الذين قالوا بالجبر قوله تعالى " ان الله لا يستحي ان يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فاما الذين امنوا فيعلمون انه الحق من ربهم و اما الذين كفروا فيقولون ماذا اراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا و ما يضل به الا الفاسقين " البقرة اية 26
      و ليعلم القارئ الكريم ان تمسك المجبرة بهذه الاية الكريمة واتخاذهم منها دليلا على الجبر خارج عن مفهوم هذه الاية التي لا تدل على الجبر من قريب او بعيد , وذلك ان هذه الاية نزلت في حق المنافقين فيما ضربه الله تعالى من المثال في البعوضة التي يستحقرونها , فقال المنافقون على سبيل الاستفهام - ماذا اراد الله بهذا مثلا - اي بالبعوضة هل اراد بذلك ان يضل به قوم و يهتدي به قوم ؟ فقال الله تعالى في جوابهم : ان الذين امنوا لا يضلون لانهم مهتدون ويقولون هو من عند الله و ان الذين يضلون به هم الفاسقون اي الذين ينكرون ويكذبون يقولون انه لم يكن من عند الله ونسبة الضلال و الهدى الى الله في هذه الاية نسبة مجازية من باب اتيان السبب بدلا عن المسبب وهي قاعدة عربية كثيرة الاستعمال في لغة العرب و في القران الكريم منها قوله تعالى " واجنبني وبني ان نعبد الاصنام رب انهن اضللن كثيرا من الناس " اية 36, 37
      ان الاصنام وهي مواد من الحجر والخشب وغيرها لا تعقل و تشعر ولا قدرة لها على اضلال الناس فالذين اضلوا الناس بعبادتها هم الذين نحتوها واتخذوها الهة وعبدوها فضل الكثير بعملهم هذا وراحوا يعبدونها من دون الله تعالى ففعل الضلال هو للناس لا للاصنام وانما نسبت الى الاصنام مجازا على قاعدة قيام السبب مقام المسبب
      و من تلك الايات التي استند اليها الجبريون قوله تعالى " ولو شئنا لاتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لاملئن جهنم من الجنة والناس اجمعين " السجدة 13 .
      ان هذه الاية هي الاخرى لا تدل على ان الله تعالى هو الذي يكره الناس على الهدى ويجبرهم على الضلال وان من قرأ الاية التي تقدمت هذه الاية
      و الاية التي لحقتها مباشرة عرف تفسيرها ومعناها دون ان يعتريه شك في بطلان ما ذهبت اليه المجبرة . يقول الله تعالى في وصف المجرمين يوم القيامة وما يلحقهم من الذل والندم والحسرة " ولو ترى المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا ابصرنا و سمعنا فارجعنا نعمل صالحا انا موقنون " اية رقم 12 , " ولو شئنا لاتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لاملئن جهنم من الجنة و الناس اجمعين " 13- " فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا انا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون " 14 - ان الاية رقم 12 - التي سبقت اية رقم 13 - تكشف عن حال المجرمين وكيف انهم يأتون الله تعالى مطأطئين برؤوسهم قد غمرتهم الذلة و الندامة والحسرة يطلبون من الله تعالى ان يعيدهم الى الدنيا من جديد ليعملوا الصالحات فيقول الله تعالى للمجرمين لو شيئا ان نأتي كل انسان هداه لفعلنا ذلك في الدنيا وحيث شاءت ارادتنا ان نترك ذلك لاختيار الانسان وارادته وحق القول منى على انزال العقوبة على من عصاني فلاملئن جهنم من العصاة جنا كانوا او انسا والدليل على ان الله تعالى لا يملأ جهنم الا من العصاة و الكافرين من الذين اضلهم الشيطان هو ما جاء في قوله تعالى يجيب الشيطان لما اقسم على اضلال ادم و ذريته , بعد ان طرده الله من الجنة " قال اخرج منها مذموما مدحورا لمن تبعك منهم -لاملئن جهنم منكم اجمعين " الاعراف اية رقم 18 وبعد ان احتج الله تعالى على المجرمين الذين طلبوا منه الرجوع الى الدنيا ثانية ليعلموا على يقين العمل الصالح بأنه قد سبق منه القول بعقاب العصاة قال الله تعالى للمجرمين " فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا انا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون " اي انكم لما نسيتم و اهملتم اوامري فاني اليوم اعاملكم بما عاملتموني به من النسيان اي لا التفت الى قولكم وطلبكم الرجوع ثانية .
      وهذه الاية كالاية السابقة تدل على الاختيار لقوله تعالى " ولو شئنا لاتينا كل نفس هداها " كما قال " ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة " لان مشيئته اقتضت ان لا يجبر الناس على الهدى او على الضلال و لا يجعلهم امة واحدة وانما ترك ذلك الى اختيارهم .

      تعليق


      • #4
        لماذا جعلت المرجئة و الأشاعرة فرقتان مختلفتان ؟
        مع العلم علماؤنا لو ترجع لكتب المِـــلل الكثيرة ستعرف أنّ أبو حنيفة و جماعته اعتبروهم علماؤنا مرجئة بل أصلها

        تعليق


        • #5
          المشاركة الأصلية بواسطة محب الغدير 2
          لماذا جعلت المرجئة و الأشاعرة فرقتان مختلفتان ؟
          مع العلم علماؤنا لو ترجع لكتب المِـــلل الكثيرة ستعرف أنّ أبو حنيفة و جماعته اعتبروهم علماؤنا مرجئة بل أصلها
          فرقة المرجئة كانت معاصرة للحكم الاموي الفاجر اما الاشاعرة فقد اتوا بعد ذلك .... وجود ابو حنيفة سابق لوجود الاشاعرة ...هم اتوا فيما بعد

          تعليق


          • #6
            السلام عليكم

            أول من برَّر أفعاله بنظرية الجبر كان عمر

            طالع الوثيقه كتاب البخاري / كتاب المغازي / هروبه في غزوة حنين .

            http://ali313hugga.blogspot.com/2013...post_3365.html




            ...
            ..
            .

            تعليق


            • #7
              المشاركة الأصلية بواسطة صحابي شيعي
              فرقة المرجئة كانت معاصرة للحكم الاموي الفاجر اما الاشاعرة فقد اتوا بعد ذلك .... وجود ابو حنيفة سابق لوجود الاشاعرة ...هم اتوا فيما بعد
              عقيدة الأشاعرة لا تختلف إلا في أمور بسيطة عن عقيدة الأحناف
              ولقد سمّى الإمام الصادق " على ما أتذكر" و علماؤنا الأحناف مرجئة
              فينطبق الحكم عليهم أيضاً

              بل هناك من يسمي القدرية بأنهم سلفية و وهابية زماننا " وإن كنت غير متأكد من صحة النسبة للآن "

              وفي هذا مصلحة عظيمة فيمكنك تطبيق أحاديث ذم المرجئة و القدرية على المخالفين الحاليين
              والأحاديث في كتبهم التي لا يعرفون معناها
              التعديل الأخير تم بواسطة محب الغدير 2; الساعة 28-05-2014, 12:54 AM.

              تعليق


              • #8
                إنه دخل " الإمام الصادق عليه السلام " على أبي حنيفة يوما فقال له أبو حنيفة: بلغني عنكم معشر الشيعة شئ؟ فقال: فما هو؟ قال: بلغني أن الميت منكم إذا مات كسرتم يده اليسرى لكي يعطى كتابه بيمينه، فقال: مكذوب علينا يا نعمان ولكني بلغني عنكم معشر المرجئة أن الميت منكم إذا مات قمعتم في دبره قمعا فصببتم فيه جرة من ماء لكي لا يعطش يوم القيامة فقال أبو حنيفة: مكذوب علينا وعليكم .
                في الحديث حاول أبو حنيفة احراج الإمام الصادق بوضع كذبة عليه فردّ عليه الإمام فأخرسه
                لكن موضع الشاهد التسمية بالمرجئة

                تعليق

                المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                حفظ-تلقائي
                x

                رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                صورة التسجيل تحديث الصورة

                اقرأ في منتديات يا حسين

                تقليص

                لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                يعمل...
                X