إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

ثمــــــــــــار.. على ضفـــــــــــــــاف العلمــــــــــــــــاء..

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    15. هل تحولت عاصفة (الحزم) إلى عاصفة (الحرم) ؟!

    15. هل تحولت عاصفة (الحزم) إلى عاصفة (الحرم) ؟!

    من جلسات لسماحة آية الله الشيخ مصطفى الهرندي.. خلال شهر ذي الحجة 1436.. مع شيء من التصرف..

    بسم الله الرحمن الرحيم

    ونحن على اعتاب التراجيديا الكبيرة..
    المسلمون يقتلون بيد المسلمين !
    المهجرون يموتون في البحار !
    مشكلة الزبالة كادت تسقط الحكومات في لبنان ثم العراق ؟
    الى اين سننتقل في المستقبل ؟ ماذا يفعل الناس المساكين ؟
    رافعة تسقط في بيت الله الحرام فتقتل من تقتل ! فهل هي (عاصفة الحرم) الإلهية في بقعة من أقدس البقاع لما يفعله المسلمون في (عاصفة الحزم) وغيرها ؟!
    ولسكوت الآخرين جميعاً ؟!
    هل أن شهداء منى محاولة لفتح عيون الناس على الشهداء الذين ماتوا في البحار وعلى المستقبل السيء الذي ستواجهه هذه الجماعات اللاجئة الى أوروبا ؟!
    لم نؤوهم في بلادنا فاضطروا الى اللجوء هناك.
    اخوة لنا.. عيب علينا وعار علينا.. المسيحية تؤي الناس بعد أن فتحت كنائسها ولم يفتح كل المسلمين مساجدهم !!

    نحن امام مرحلة جديدة، اعتقد ان الهجرة التي حصلت لاوروبا ان لم تحول هذا الجيل الى النصرانية سيتحول الجيل التالي إليها.. هناك عوائل لبنانية هاجرت قبل مئة سنة وصاروا مسيحيين، عائلة هاشم سادة نصفهم مسيحيون.

    أولئك استقبلوا الناس افضل ممن يرفع راية الإسلام !
    السنا مسؤولين امام الله تبارك وتعالى ؟
    الان حتى العراقيين بدؤوا بالهجرة الى الخارج كالسوريين واليمنيين والليبيين وغيرهم، يقولون لا يمكننا العيش هنا.. لا وظيفة ولا عمل ولا خدمات فلماذا نبقى ؟ لنذهب لاوروبا نعيش وندرس ووو..
    هناك قواعد للهجرة في أوروبا، ميركل الان في المانيا اسقطت قواعد الهجرة نتيجة ظروف استثنائية، فتحت الباب امام الاف المهاجرين..

    الست مسؤولا عن اخوتك في سوريا واليمن والعراق ؟ اذا ارتدّ احد من هؤلاء غداً من المسؤول عن ذلك ؟
    انتم الذين تقولون انكم حماة الدين وحصون الإسلام !
    الفكر السني فكر جامد لا يمكنه ان يدافع، وهو مخير بين الوهابية والارتداد فيصبح كناصر حامد أبو زيد او طه حسين والعظم وامثالهم..
    بين الانكماش والارتداد، اما بالنسبة للشيعة ففكر أئمة اهل البيت عندنا..
    علينا ان نجمع الإمكانات الضئيلة الموجودة ونحاول صياغتها بما يتناسب مع الواقع الموجود..

    هذه هي الوظيفة الشرعية التي احس بها في هذه الظروف المعقدة، ونحن في متاهات تاريخية لا اعرف الى اين تصل، في الغابة ان اشتعلت شجرة واحدة ولم تحصر تشتعل الغابة كلها.
    بدأت النار من تونس وانظر إلى اين وصلت ؟
    لم يتمكنوا من حصرها، لم يفكروا في إطفاء نار الفتنة فوصلت الى هنا.

    نحن نعيش تجربة ترسم الخارطة الاجتماعية الفكرية، وعلى حاملي رسالة الأئمة عليهم السلام ان يكيفوا أنفسهم مع هذه القاعدة ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ﴾، واللسان ليس هذا اللسان انما الفكر، فلنرى ما هو الفكر الموجود في زماننا وما هي متطلباته وما هي نقاط الضعف والقوة وعلى أساسها نرسم خارطة لاجل تحمل هذه المسؤولية لئلا نكون غدا محاكمين امام الله والتاريخ.

    لتكن الآية 177 في سورة البقرة مبدأ العمل، ففيها خارطة كاملة لذلك، قال تعالى: ﴿لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [البقرة : 177]
    فتبدأ الآية بالحديث عن العقيدة: الإيمان بالله واليوم الآخر و...
    ثم القسم الثاني من البرّ: الوقوف مع الناس، ومنهم السائل وهي تشمل غير المسلم، ﴿ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً﴾ حتى من غير المسلمين
    ﴿وفي الرقاب﴾: مطلق عتق الرقبة، عبد يعتقه.. والرقبة ليست هي الرقبة المطلقة، المديون رقبته أيضا مشغولة للآخرين، الذي يعيش في مجتمع فاسد رقبته أيضا مشغولة، وتلك تحتاج الى تفسير آخر..

    المقطع الأول أصول الدين، والمقطع الثاني: الحالة الاجتماعية، من البر مساعدة أي مسكين واي يتيم وأي ابن سبيل واي سائل واي رقبة..
    لو جمعت ميثاق حقوق الانسان ووضعته هنا لوجدت أن الاية الشريفة اقوى من كل ما كتب في !

    ثم المقطع الثالث: العبادات، من عبادات مطلقة كالصلاة، وعبادات مالية كالزكاة.
    والرابع: القضايا الأخلاقية: ﴿والموفون بعدهم اذا عاهدوا والصابرين﴾
    آية واحدة جمعت بين أصول الدين وفروعه، وفي فروعه قدمت الخدمات الاجتماعية على الفردية، ثما جاءت للقضايا الفردية.

    من يعمل بهذه الآية المباركة ؟
    هي مغيبة الآن عن المجتمع الإسلامي بما للكلمة من المعنى.
    فكروا في هذه المقاطع، لقد رسمت خارطة بناء على هذه الآية الشريفة التي جمعت كل شيء ورسمت أولويات في فروع الدين، فلتكن هذه الاية منهجية للعمل الإسلامي والفكر الإسلامية والمدرسة العلمية، والأكاديمية العلمية الإسلامية.
    والعجيب ان ليس في الآية قتل وقتال! وهي تثير الكثير من الأسئلة !

    ينبغي أن نتفاعل مع الأولويات الموجودة في الساحة العالمية بصورة مطلقة وساحتنا هي الساحة العالمية، فكل البشرية أمة لإمامنا عليه السلام، أمة واحدة وإمام واحد، وجزء من هذه الأمة غير ملتفت إلى قضية الإمامة حتى !
    اليهود والنصارى والهندوس والبوذيون من أمة الإمام، والمسلمون الذين لا يقبلون الإمامة من أمة الإمام، وخروج المواطن على حكومته لا يخرجه من دائرة الإمامة، أما الشيعة فهم الأمة المتفاعلة مع الإمام عليه السلام.
    ومهمتنا الأولى هي إنقاذ البشرية، وهناك أولويات تبدأ من الامة المرتبطة بالامام فعلاً ثم ننتقل الى الشرائح الأخرى.

    نحن شاهدنا المأساة في هذا الزمن، فهل حكمنا الأولويات ام سرنا على منهجية قد لا تراعي الأولويات ؟
    نحن مسؤولون أمام المأساة الكبيرة التي تجتاح الأمة الإسلامية الخارجة على إمام زمانها، لكن مع ذلك هم أخوتنا وجزء من كياننا ووجودنا.
    هل ما نقوم به يتناسب مع مسؤوليتنا بالنسبة للطائفة المعذبة المقتولة المسجونة ؟!
    لا أدري !
    وبالنسبة للمهجرين والمشردين من سائر المسلمين الذين يعيشون على معونات غير المسلمين ؟!
    المدارس في فلسطين تعيش على معونات أوروبية !
    أولاد المسلمين يعيشون على مدارس وموائد مسيحية ! فماذا سينتج هذا ؟
    قدرنا ان نعيش في هذه الظروف المأساوية..

    إن ما وصلنا اليه لم ياتنا بيُسر، بل وصل إلينا على بحور من الدماء وعلى أشلاء الأجداد.. فماذا ينبغي أن نفعل مع هذه الأمانة التاريخية ومع هذه الاشلاء التي تلاحقنا والدماء المراقة على مرّ التاريخ ؟
    الآن تدمر بيوت المسلمين بسلاح المسلمين !
    هل نتكلم بجرأة ؟!
    ألا يمتلك أحد الجرأة لكي يتكلم ؟!

    كل انسان مسؤول عن المنطقة التي عاش فيها على اقل تقدير: المجتمع والقرية والمدينة والعشيرة والقبيلة..
    ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾ لا تنحصر بالحقوق المالية، بل كل ما يدخل في مجال الحق..
    لماذا اختصر العقل الشيعي بالبيانات والقرارات السياسية ؟!
    لماذا لا يمكن لاحد ان يدرك ما الذي يجري وسيجري في المستقبل ؟!
    المأساة التي صارت في زماننا لم تحصل في زمن الشيوعيين ولا القوميين !

    الناس صنفان: اما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق، ونحن وقفنا إلى جانب الأسير المشرك اليهودي الصليبي كما وقفنا الى جانب اخوتنا المسلمين، وهذه حياة ائمتنا مليئة بمثل هذه الاحداث.
    يجب ان نصعد عن المستوى الضعيف الصغير الحقير الذي نعيش فيه..
    ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً﴾
    هذه أجمل آية في القرآن وكله جمال.
    من يؤمن بالله واليوم الآخر يفعل ما يفعل اليوم ؟ هذا القتل هو الإسلام ؟؟
    كيف تغسل العار الذي التصق بالمجتمع الإسلامي ؟
    هل تمكن السنة من غسل عار كربلاء منذ الف واربعماءة سنة ؟
    لا أتمكن من النوم في الليل !
    أينما ذهبت يلاحقني القتلى المشردون والمدفونون تحت التراب !
    لكن لا يمكن الانسحاب، يجب ان نستمر الى اللحظة الأخيرة والا فلا شيء يشدني الى هذا المجتمع وهذه الناس..
    دخلت غريباً وعشت غريباً وسابقى غريباً.. لكن كانسان يعيش في المجتمع مسؤولٍ عن أداء الدور المتمكن منه من دون خلق مشكلة..

    فلنعش في زماننا وننتقل اليه، ولا نحاول ان نتحرك بمستوى القرن الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، فما لم يوفقنا الله تعالى للسيطرة على هذه الموجة ستقضي على كل شيء.. فكروا في ذلك واستعينوا بالله والائمة.
    الوقوف مع الإنسانية المعذبة امام هذا العار هو نهج علي عليه السلام.
    من العار علينا ان يحتمي الطفل المسلم والمرأة المسلمة بالآخرين !

    والحمد لله رب العالمين

    شعيب العاملي

    تعليق


    • #17
      استمر أخي شعيب أنا متابع لك.

      تعليق


      • #18
        طواف الله وطواف النساء ! المرأة جزء من العبادة !

        16. طواف الله وطواف النساء ! المرأة جزء من العبادة !

        بحث استطرادي لسماحة آية الله الشيخ مصطفى الهرندي حول رمزية المرأة وأحكامها في الحج وغيره..

        بسم الله الرحمن الرحيم
        إن الحياة معرفة وشعور، ثم تطبيق لتلك الرموز في عرفات وفي المشعر.
        وفي شعيرة الذبح تركيز على الجانب الدنيوي من حياة الانسان، فالانسان يأكل ويشرب ولا يعيش لوحده، لأن الحياة اجتماعية فيجب أن يفكر في اخوته وفي الفقراء وهو يعيش الحلم الأكبر للعبادة الشريفة، ففي ذلك ترميز إلى أنك جزء من المجتمع البشري، الذي يتركب من ثلاثة شرائح: أنت، وأخوك، وغيركما.
        فيجب أن تفكر وأنت في منى بالمسؤولية التي تتحملها نحو الإنسانية الشريدة المعذبة.

        ثم بعد ذلك ينتقل الحاج الى مكة المكرمة فيطوف والحياة طواف، ثم يصلي والحياة صلاة، لأن الإنسان يتمكن من تحويل جميع حياته الى عبادة.
        يأكل ليتمكن من العبودية.
        يشرب ليتمكن من العبودية.
        ثم يصلي ثم يسعى، والسعي أيضاً رمز للحياة المادية.. ومن هنا وقع الكلام في عبادية السعي .. فما هي العناصر العبادية في السعي ؟
        رمز إلى أن الحياة سعي وكد وتعب وهرولة ومشي، مبدأ ومنتهى.. ومن ثم تكرار لذلك أيضاً.. لأن الحياة مركبة من أعمال تتكرر كل يوم: يأكل ويشرب وينام ويعمل، وتتكرر هذه الأعمال من بداية الحياة إلى نهايتها.
        فالسعي رمز إلى أن الإنسان يجب عليه أن يسعى.. أن لا يجمد.. أن لا يبقى في نقطة واحدة.

        وكل عبادات الله تبارك وتعالى إذا تمكن الإنسان وتَوَفّق في تحديدها وتفسيرها يجد أنها جمعت بين الجانب المعنوي وبين الجانب المادي.. بين الجانب الأخروي وبين الجانب الدنيوي.. فليست معنوية بحتة بكل ما للكلمة من معنى.. وليست مادية بحتة بكل ما للكلمة من معنى.. لأن الإنسان روح وجسد..
        يجب أن يحاول إشباع جسده كما يحاول إشباع روحه.

        وطواف النساء قفزة بكل ما في الكلمة من معنى.. ترميز إلى أهمية دور المرأة في الحياة.. الإنسان يطوف حول الكعبة المكرمة لتحل له زوجته.. الطواف الأول لله تبارك وتعالى.. والطواف الثاني لحياته الدنيوية التي لا تتم إلا باقترانه بمن يكمل وجوده.. طواف النساء..
        طواف الله وطواف النساء! فصعّدت الشريعة المقدسة المرأة إلى رمز يختص بالذات المقدسة جل وعلا.. لا يجوز له أن يطوف لغير الله تبارك وتعالى.. أما هنا فالطواف لحلية النساء.. فتبرز أهمية المرأة ودورها في الحياة.

        ونفس الشعيرة أيضاً فيها رمز آخر.. وهي الرموز التي اكتنفت العبادة السومرية والآشورية وغيرهما، كان الواجب على المرأة أن تجلس يوماً معيناً في المعابد الخاصة وتسير مع أي رجل مال إليها وانجذب إليها لتدفع زكاة جسمها!
        ويأتي طواف النساء ليثبت حرمة المرأة.. جلال المرأة.. شخصية المرأة.. وأن المرأة أصبحت جزء من العبادة الشريفة.

        ثم الامتحان الذي يمر به الرجل: حرمت المرأة عليه بسبب دخوله في حالة الإحرام، لكن مع ذلك أمرتها الشريعة المقدسة بكشف وجهها ويديها، وكل عوامل الاغراء مجتمعة في الوجه وفي العينين: نظرة فابتسامة فسلام فكلام فموعد فلقاء.

        تُدخلُ الرجل في تجربة من أكبر التجارب.. واجتمعت المرأة من الكل العالم.. المرأة الآسيوية والأفريقية والاوربية والأمريكية بكل الجاذبيات الموجودة في مختلف النساء.. ويأمر الله الرجل أن يسيطر على نفسه.. أن يسيطر على غريزته وشهوته.. في الاختلاط العجيب تدخله الشريعة المقدسة في تجربة.

        المرأة بعيدة عن الرجل حتى في الصلاة فلا تصلي في جنبه وتبتعد عنه.. لكن في الحج الشريف تختلط بالرجل لتُعَلِّم الرجل كيف يتمكن من السيطرة على غريزته وعينه ويتحكم بنفسه أمام جاذبية المرأة.
        كلها دروس وعبر ليعتاد الإنسان على كيفية السيطرة على نفسه.

        لا يجب أن يُقرأ الحج بهذه الصورة البسيطة التي تُقرأ في المناسك الشريفة فقط.. فهذه صورة الحج..
        أما الحج فدرس.. امتحان.. أحكام عرفية.. تمرين للإنسان كيف يسيطر على نفسه.. على عواطفه.. على أحاسيسه، على عينه ، على لسانه، على جسمه، على ميوله، على غرائزه..
        الإنسان يحتاج إلى هذه الأمور.. ورياضة اليوغا والمعابد البوذية والهندوسية تحاول أن تزود الإنسان بهذه التجربة.. وهذه يوغا إلهية.. رياضة إلهية.. إلتزام إلهي بهذه الأمور.. تدريب.. تمرين.. كيف يختلط رجل واحد بآلاف النساء ويحاول السيطرة على غريزته وعينه وميوله وقلبه ووجوده وكيانه وشخصيته ورجولته!
        ألم يكن بإمكان الشريعة أن تفصل بين الرجل والمرأة كما تفصل السلطات السعودية فعلاً بين الرجل والمرأة ؟ فتجعل زماناً معيناً للمرأة في المسجد النبوي وزمانا خاصا للرجل في المسجد النبوي.

        اختلاطٌ لأن الحياة كلها اختلاط.. ليس بامكانك ان تفصل الرجل عن المرأة فصلاً كاملاً.. ففي السوق معها وفي الشارع والسيارة والطائرة والفندق معها.. حتى في ساحل البحر معها..
        تُعوِّدُه السيطرة على غريزته ونفسه وميوله.. على الجاذبية الموجودة في المرأة..
        كلها دروس.. كلها عبر.. واقع الحياة يتجسد في الحج..
        الحج هو حياة صغيرة للإنسان من المبدأ إلى المنتهى.

        إنا لله وإنا إليه راجعون: يبدأ من الله وينتهي بالله ويمر بالمحطات الحقيقة التي يمر بها في حياته.. فأكل وشرب وارتباط.. كلها تجمعت في هذه الشعيرة المباركة، والخليط مقرر من أيام النبي (ص) والإمام (ع) لم يمنع منه.
        فيه إدخال للإنسان في التجربة حتى يعتاد، والإنسان إذا لم يمر بالتجربة لا يتمكن من الحكم بنفسه..
        نحن قرأنا أن كثيراً من الكبار عندما واجهوا التجربة الجنسية أو المالية سقطوا في التجربة الأولى.
        ليست الحياة ابتعاداً عن المباهج والزينة والواقع، فالمرأة موجودة والمال موجودد
        والجاذبية موجودة والغريزة موجوة وكل شيء موجود.

        يجب أن ندخل هذه العناصر حقيقة في الحياة الإنسانية.
        أن ندرب الإنسان ونعوده كيف يتمكن من الابتعاد عن المال المحرم..يبتعد عن الجنس المحرم، يبتعد عن الأكل المحرم. يبتعد عن ما حرمه الله تبارك وتعالى من الغيبة والكذب والافتراء واتخاذ القرارات الباطلة.

        والحج يجمع كل شيء، تصغير وجمع للحياة الإنسانية، إدخال الإنسان في تجربة مُرَّة تعلمه كيف يسيطر على نفسه وعواطفه وغرائزه، وعلى كيانه، كيف يحفظ شخصيته.. وليست الحياة ابتعاداً: لا رهبانية في الإسلام.

        لا نريد أن نصنع أديرة فوق الجبال ونطلب من الرجال أن يعيشوا في تلك الأديرة، فالله تعالى لم يخلق الرجل ولا المرأة لكي يكون راهباً ولا لكي تكون راهبة.
        يجب أن يعيش الراهب الحقيقي في المجتمع وتتحول المرأة إلى راهبة حقيقية داخل المجتمع.

        نحن نريد أن نصنع حياة سعيدة، ولا يمكن صنع الحياة السعيدة إلا بوضع الأطر الصحيحة والحقيقية للحياة الاجتماعية، بأن ندخل الانسان في تجربة يخرج منها مرفوع الرأس، لا أن يبتعد عن الحقيقة ويحاول الحفاظ على نفسه بذلك ثم يسقط في أول تجربة يمر بها ويضيع كل ما حصّله طول عمره، كما قرأناه في كثير من قصص الزهاد والعباد الذين سقطوا في أول تجربة، وقضية هاروت وماروت واردة في الكتاب الكريم.. تفاصيل القضية ليست موجودة لكن هاروت وماروت تجربة من دون شك وشبهة.

        فالحج ليس مناسك جامدة صامتة، ليس مناسك غير هادفة، وليس مناسك خالية من الدروس.
        ونحن بحاجة الى شرح هذه الأمور، وإلى توجيه الناس إليها.
        نحترم المرأة وأحياناً نأمر باختلاطها مع الرجل.
        جعلنا لها منسكاً معيناً سميناه طواف النساء، وكما يحل له كل شيء بطواف الحج تحل له المرأة بطواف النساء.
        فهناك طوافان: الطواف الأول لتحليل الحياة الإنسانية بصورة مطلقة، وطواف آخر لتحليل الرجل على المرأة بصورة خاصة.

        وقسمنا الحياة إلى قسمين: العناصر المكونة للحياة وتحل بطواف الزيارة، والمرأة تحل بطواف النساء.
        أي شريعة أعطت للمرأة هذه الأهمية وهذا الدور ؟
        الشريعة المقدسة صامتة لكن يجب أن تُستَنطَق، وبعد الاتكال على الله تبارك وتعالى يحاول الانسان الوصول الى عمق الشريعة المقدسة.

        فليست الصلاة عبارة عن حركات صامتة خالية عن المفهوم والمعنى، بل هي حركات رمزية تحمل كل رموز العبادة في التاريخ.
        الصوم ليس أيضاً إمساكاً مطلقاً ولكنه جزء من الحياة البشرية، فيه دروس وعبر ورموز وإشارات، فمن الذي يفكها ؟

        يتوقع من رجل الدين أن يلتفت إلى هذه الأمور دون أن يتصرف في أصول الشريعة المقدسة، بل أن يعرضها بشكل يتقبله العصر.
        القصة واحدة، لكن طرح القصة متنوع: كثيرون كتبوا حول ليلى ومجنونها، كثيرون كتبوا حول روميو وجولييت، كثيرون كتبوا حول ملحمة كربلاء.. لكن التمثيل مختلف.. التعبير مختلف..
        مسرحية واحدة من مسرحيات شكسبير ظهرت على المسرح منذ مئات السنين وفي كل سنة فيها تجديد، والتجديد ناظر إلى المتطلبات الإنسانية.. الى دراسة الوضع الاجتماعي والتحليل الاجتماعي.

        يجب علينا ذلك.. من الذي يقوم بهذه المسؤولية ؟
        طالب العلم يقوم بهذه المسؤولية والحوزات العلمية تقوم بها.
        نحتاج الى قراءة جديدة، لا تصرفاً في المطالب، ولا تجاوزا على الأصول والقواعد، لكن بامكانك ان تصنع نفس المواد بشكل يتقبله العصر ويتوجه إليه.
        لقد ساوى الله تعالى بين الطوافين، والحياة تنقسم الى قسمين:
        الأول: كل المباهج الموجودة في الحيثية الدنيوية وهي الحياة.
        والجانب الثاني: وهي المرأة فهي في طرف وكل الحياة في طرف آخر.
        ومن هنا قيل: مع كل رجل كبير امرأة عظيمة، وغالب الهزائم التي تلحق الرجل ترجع إلى مناشئ نسائية.

        عندما فتح إسكندر اليونان إيران ووصل الى تخت جمشيد وهو قصر من أجمل القصور آنذاك، جلس اليونان وسكنوا، وكان له معشوقة راقصة اسمها تائيس طلب منها ان تحرق القصر فحرقت تخت جمشيد وبقيت الأعمدة الى يومنا هذا.
        هل تتمكن من انكار دور عائشة في الانحراف الكبير الذي تحقق في الشريعة الإسلامية بعد وفاة النبي (ص) ؟ لا يمكن ذلك.
        وراء كل الأحداث الكبيرة في التاريخ امرأة.
        وانتحر هتلر مع عشيقته.. وشنق موسوليني مع عشيقته..
        للمرأة دور كبير في التاريخ.
        لا أريد ان اذكر السيدة حواء لأن رأيي في تفسير القضية يختلف عن رأي الآخرين.
        ومع علي بن أبي طالب امرأة تفوقت على آلهة اليونان في جبال آلب.. الزهراء العظيمة..
        الحسين صلوات الله عليه معه سيدتي الكبرى زينب عليها السلام.
        مع كل رجل عظيم امرأة عظيمة، ووراء كل هزيمة امرأة.
        فتش عن المرأة.. الكثير من القضايا التاريخية يقال فيها: فتش عن المرأة..

        وما يقال بأن الشريعة الإسلامية ظلمت المرأة يكشف عن عدم التفات الى دور المرأة في الشريعة الإسلامية.
        فالنساء في جانب وكل الحياة في جانب.
        من الذي صعد بالمرأة إلى هذه المرحلة لتناطح طواف الزيارة ؟ ثم يقال بأن الشريعة المقدسة ظلمت المرأة !
        على أي حال نحتاج الى إعادة النظر في بعض الأمور.

        يقولون أن الشريعة عاملت المرأة كأنها من طبقة ثانية، واحتجوا بأحكام الإرث وبأن المرأة لا تصلح أن تكون قاضية او مرجعاً.
        وكل هذا فيه أبحاث، فلا بد أن يكون توزيع الحياة على الشرائح الاجتماعية بحسب الإمكانيات الموجودة عندها، فشخص يصلح لوزارة الداخلية وآخر للخارجية فان وضعت كلا في مكانه اكونه قد ظلمته ؟ كلا..

        الحياة متنوعة وملئ التنوع يكون بالإنسان المتخصص الذي يناسب ذلك التخصص، وإذا كنتَ قد حمّلت الرجل المهر والنفقة فلا بد ان تجعل له موارد مالية منها اعطاؤه ضعفي المرأة من الإرث.
        وهكذا تنظيم ميزانية الحياة، فالمرأة تأخذ النصف لها ولا يجوز للرجل ان يتصرف في حصتها، أما حصته فيصرفها على نفسه وزوجته وأولاده وأبيه وأمه، فينبغي ان يكون له موارد مالية.

        اما القضاء: فالمرأة مملوءة من العاطفة، وبهذا كيف تتمكن من اصدار حكم بالاعدام ؟
        خلقت الشريعة المقدسة المرأة وتعرف خصائصها فكلها عاطفة وحب، وردة بكل ما للكلمة من معنى، فلا يمكن ان تكلفها بالقضاء والحكم بإعدام انسان او قطع يد انسان او إجراء القصاص على انسان.
        هذه ليست طبيعتها ولا تركيبتها.. فنفسيتها لا تتناسب إصدار احكام القتل والقطع والقصاص.

        لماذا لا تكون مرجعا ؟!
        ترجع لها حينها امرأة أخرى وتحتج بان زوجي مارس الحب مع غيري.. تسألها النساء مسائل جنسية، والمرأة حساسة بالنسبة للجنس، فلا ينبغي إدخالها في الأمور الحساسة والمؤثرة.
        يمكن ان تجتهد وتعمل برأيها لكن لا يمكن ان تتصدر قيادة اجتماعية لا تتلاءم مع شخصيتها وتركيبتها.

        ذكرت مراراً أن الشريعة مركبة من أحكام متداخلة كل جزء يفسر الجزء الآخر كالكتاب الكريم يفسر بعضه بعضاً، وليست أحكاماً متفرقة جمعت ثم صارت شريعة، إنما أحكام الهية متكاملة يكمل بعضها بعض.
        فيها نسقية وفهمها صعب ولا يمكن لأي انسان ان ينظمها ويرتبها.. التنظيم والترتيب اصبح الآن مديرية خاصة فاحدى الاعمال تنظيم الغرف ويعمل بها المتخرجون من الفنون الجميلة، ولا يتمكن كل انسان من ذلك.
        هذه الحياة تحتاج الى شرائح متنوعة، كل شريحة تحتل الموقع المناسب مع خصائصها.. وبيان كل هذه الأمور بيد الإمام.. ومن يتحرك دونه فحراكه جزئي اعتماداً على الله تبارك وتعالى.. اما التنظيم التام فغير ممكن لكل انسان..

        والحمد لله رب العالمين

        شعيب العاملي

        تعليق


        • #19
          17. لماذا تحدى الله الناس بالقرآن ؟!

          17. لماذا تحدى الله الناس بالقرآن ؟!

          لسماحة آية الله الشيخ مصطفى الهرندي

          بسم الله الرحمن الرحيم
          لقد تحدى الله الإنسان في القرآن الكريم بأن يأتي بآية مشابهة لآياته، والقضية تتركب من ثلاثة عناصر:
          المتَحَدِّي: هو الله تعالى.
          المتَحَدَّى: هو الإنسان.
          مورد التحدي: نص الكتاب.

          والاشكال في ذلك أن النصوص أمورٌ اعتبارية، فكيف كان التحدي في أمور اعتبارية هي صنيعة الانسان ؟
          وكيف أنزل الله كتاباً للبشرية على طول التاريخ وهو أمر اعتباري ؟ لماذا صار التحدي في الأمور الاعتبارية ؟

          يسألونكم: هل اللغة حقيقة ام اعتبار ؟ لا شك أن اللفظ من الأمور الحقيقية، لكن الترابط بين اللفظ والمعنى من الأمور الاعتبارية، بل حتى الاقتران الشرطي يوجد رابطة بين اللفظ والمعنى، بين القرينين.
          فلماذا لم يتحد الله الإنسان في الأمور الحقيقية ؟

          لي حل خاص في سبب ذلك..
          فإن التحدي يكون عادة في قضية مشتركة: الملاكم يتحدى الملاكم والمصارع يتحدى المصارع وهكذا.. أما السباح فلا يتحدى المصارع حيث لا جهة مشتركة بينهما.
          التكوين صنعٌ إلهي لا ارتباط له بالإنسان، فكيف يتحداه في الصنع الإلهي؟!
          الانسان لا يتمكن من الخلق ولا من امثاله.

          فالشيء الوحيد الذي يتميز به الإنسان وقد خلقه هو اللفظ والكلام الدلالي، وهو من أروع الإبداعات الإنسانية، لا شيء أجمل من اللفظ ولا أوسع دلالة منه ولا أكثر احتياجا له.
          كل الشعوب تتكلم وعندها ادب وشعراء وقانون وأدب وشريعة.
          فمِن أبدع ما اخترعه الانسان وأوجده هو دلالة الالفاظ على المعاني.. الوضع اللفظي..

          جاء الله وتبارك فتعالى وتحداه في أجمل ما أبدعه، وأثبت عجزه عن المواجهة..
          فالتحدي إما أن يكون في الأمور الحقيقية أو في الأمور الاعتبارية، والأمور الاعتبارية تشريع عقلي مشترك بين الله والإنسان..
          اما هنا فالكلام إبداع إنساني صنعه الإنسان وأوجده وخلقه، فالواضع هو الإنسان، والمبدع هو الإنسان، والرابط هو الإنسان، فهو فعل انساني جاء الله وتحداه فيه.

          هذا أجمل ما يمكن ان يقال في قضية الإعجاز بحسب قراءتي، وما وجدت هذا التفسير عند أحد.
          الله تعالى هو الذي أعطى الانسان قابلية النطق، لكن الانسان نفسه هو الذي ابدع الالفاظ..
          أتحداك أيها الإنسان في خلق اللغة والكلمات والفصاحة والبلاغة، يا من ترفع رأسك باللغة وتفتخر بها وكلٌّ يقول ان لغته الأفضل.. فأتحداك في اكثر ما تفتخر به!
          لا شيء يؤثر في النفس الإنسانية الآن أكثر من الشعر.. انظروا الى الشعر العربي الموجود اليوم، هل هناك شيء أجمل من الشعر في اللغة العربية ؟ وهذا نفسه موجود في سائر اللغات..
          لننظر إلى الشعر المعاصر.. نزار قباني.. أبو ريشة، محمد مهدي الجواهري.. وغيرهم من الشعراء، أكمل شيء يتباهى به الانسان العربي هو الشعر العربي.. والنثر العربي.. لننظر إلى عباس محمود العقاد وجبران وطه حسين..
          تحداهم الله تعالى جميعاً في فعلهم.. فصار إعجازاً..
          ففي هذا الابداع الإنساني أيضا غلب الله تعالى البشرية..
          يمكن للإنسان ان يستغني عن كل شيء إلا اللغة..
          لقد تحدى الله سبحانه وتعالى الإنسان حتى في لغة الإشارات: حم.. طس..

          والحمد لله رب العالمين

          شعيب العاملي

          تعليق


          • #20
            عاشوراء.. هداية من الضلالة والجهالة !

            18. عاشوراء.. هداية من الضلالة والجهالة !

            كلمة لسماحة المرجع الديني آية الله العظمى الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله صبيحة هذا اليوم الأربعاء 23 ذي الحجة 1436 هـ، الموافق 7-10-2015 م.

            بسم الله الرحمن الرحيم
            قال تعالى: ﴿..وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ [الأنعام : 59]
            وفي هذا الكتاب كل ما يلزم لسعادة الإنسان، وأفضل ما يقوم به أهل العلم في حياتهم مختصر في عبارتين من القرآن الكريم:
            الأولى: ﴿ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ
            الثانية: ﴿وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ﴾ [التوبة : 122]
            التفقه في الدين والإنذار، هذا الأمر يورث الشبه بالأنبياء، فإن مقام النبوة هو مقام الإنذار ﴿يا أيها المدثر * قم فأنذر * وربك فكبر﴾ [المدّثر: 1-3]

            ونحن مقبلون على أيام غير قابلة للإدراك.
            فواقعة عاشوراء فوق الإدراك وفوق البيان، إنها قضية من القضايا التي لا تدرك ولا توصف.
            روايات أم سلمة وشهادة الحسين عليه السلام مما اتفق عليها الفريقان، ومن ذلك رؤياً رأت فيها النبي صلى الله عليه وآله: أشعث أغبر و على كريمته الغبار و التراب.
            وهذه الجملة تحير كل من يذكرها من الفقهاء.
            تروي فتقول:
            فقلت: بابي و امّي مالي أراك يا رسول اللّه مغبرا أشعث ما هذا الغبار و التراب الذي أراه على كريمتك و وجهك؟
            فقال لي: يا أمّ سلمة لم أزل هذه الليلة أحفر قبر ولدي الحسين عليه السلام، و قبور أصحابه (مدينة المعاجز ج4 ص193)
            قال: مَا زِلْتُ اللَّيْلَةَ أَحْفِرُ قُبُوراً لِلْحُسَيْنِ وَ أَصْحَابِهِ (أمالي المفيد ص319)
            عقل الكل وأشرف الكائنات يحفر قبراً للحسين عليه السلام !

            ورد في زيارة أصحاب الحسين عليه السلام: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَبْرَارَ الله (المزار ص164)
            هذه الكلمات محيّرة للعقول !
            كان هؤلاء أبرار الله ! وقد قال الإمام عليه السلام فيهم قولاً في ليلة عاشوراء، وهي الليلة التي خطب فيها خطبة لم يخطب مثلها في عمره !
            وبعد أن حمد الله وأثنى عليه قال: َ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ أَصْحَاباً أَوْفَى وَ لَا خَيْراً مِنْ أَصْحَابِي‏، وَ لَا أَهْلَ بَيْتٍ أَبَرَّ وَ لَا أَوْصَلَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي.(الإرشاد ج2 ص91)
            وعدم علمه علم بالعدم، ﴿ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾ مثله عليه السلام يقول في ذلك الجمع: لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي..
            هذا مقام أصحابه.

            غلام أسود كان معه وجدت جنازته بعد عشرة أيام، فكان وجهه كفلقة القمر، وقد عطّرت رائحته العطرة كل الجو في نينوى.. (عن الباقر عليه السلام: فوجدوا جونا بعد عشرة أيّام تفوح منه رائحة المسك رضوان اللّه عليه‏، تسلية المجالس ج2 ص293)
            لماذا ؟ لكلمتين قالهما له الإمام عندما جاء ليستجيزه فلم يجزه، ذلك أنه جاء للراحة لا للمحنة..
            قال له الغلام الأسود: إِنَّ رِيحِي لَمُنْتِنٌ وَ حَسَبِي لَلَئِيمٌ وَ لَوْنِي لَأَسْوَد.
            لقد رفع الإمام عليه السلام رأسين ووضعهما على ركبتيه:
            أحدهما: رأس أشبه الناس خلقاً وخلقاً ومنطقاً برسول الله.
            ثانيهما: رأس هذا الغلام !
            ثم قال جملتين: اللّهمّ بيّض وجهه، وطيّب ريحه.
            وفعلت هاتين الكلمتين فعلهما، وبعد عشرة أيام كان هواء نينوى معطراً..

            هذه هي الأيام القادمة.. لقد انقضت فترة التفقه في الدين وهذه أيام الإنذار..
            اعلموا قدر هذه النعمة.. لا ينبغي أن تحرموا من هذه السعادة.. إنها الأيام التي: بَذَلَ مُهْجَتَهُ فِيكَ لِيَسْتَنْقِذَ عِبَادَكَ مِنَ الضَّلَالَةِ وَ الْجَهَالَةِ وَ الْعَمَى وَ الشَّكِّ وَالِارْتِيَاب‏ (كامل الزيارات ص228)
            فينبغي عليكم جميعاً، فرداً فرداً، الاقتداء به عليه السلام عملاً.. وهذا مقام غير قابل للإدراك ولا للوصف !

            روى الطبرسي في الاحتجاج عن الإمام الحادي عشر عليه السلام: قَالَ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ ع: فَقِيهٌ وَاحِدٌ: ليس أي فقيه.. تفقهوا في هذه الكلمات جيداً.
            يُنْقِذُ يَتِيماً مِنْ أَيْتَامِنَا الْمُنْقَطِعِينَ عَنَّا وَ عَنْ مُشَاهَدَتِنَا بِتَعْلِيمِ مَا هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ: من هم أيتامنا ؟ الجهال الذين انقطعوا عن مشاهدتنا، فإذا أنقذ هذا الفقيه ذلك اليتيم كان ذلك:
            أَشَدُّ عَلَى إِبْلِيسَ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ لِأَنَّ الْعَابِدَ هَمُّهُ ذَاتُ نَفْسِهِ فَقَطْ وَ هَذَا هَمُّهُ مَعَ ذَاتِ نَفْسِهِ ذَوَاتُ عِبَادِ اللَّهِ وَ إِمَائِهِ لِيُنْقِذَهُمْ مِنْ يَدِ إِبْلِيسَ وَ مَرَدَتِهِ فَلِذَلِكَ هُوَ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ وَ أَلْفِ أَلْفِ عَابِدَة (الإحتجاج ج1ص 17)
            لماذا كان أفضل من ألف عابد ؟ لأنه أنقذ يتيمنا.

            رواية أخرى عن الإمام الحادي عشر عليه السلام: قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّادِقُ ع: عُلَمَاءُ شِيعَتِنَا مُرَابِطُونَ فِي الثَّغْرِ الَّذِي يَلِي إِبْلِيسَ وَ عَفَارِيتَهُ يَمْنَعُوهُمْ عَنِ الْخُرُوجِ عَلَى ضُعَفَاءِ شِيعَتِنَا وَ عَنْ أَنْ يَتَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ وَ شِيعَتُهُ وَالنَّوَاصِبُ.
            أَلَا فَمَنِ انْتَصَبَ لِذَلِكَ مِنْ شِيعَتِنَا كَانَ أَفْضَلَ مِمَّنْ جَاهَدَ الرُّومَ وَ التُّرْكَ وَالْخَزَرَ أَلْفَ أَلْفِ مَرَّةٍ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ عَنْ أَدْيَانِ مُحِبِّينَا وَ ذَلِكَ يَدْفَعُ عَنْ أَبْدَانِهِم‏ (الإحتجاج ج1ص 17)
            من أنقذ يتيماً جاهلاً من أيتام إمام الزمان وعلّمه وظائفه الدينية كان أفضل من كل هؤلاء المجاهدين في سبيل الله.
            أفضل ممن جاهد الروم والترك والخزر، لماذا ؟ لقد بيّن الإمام العلة في ذلك، لأن أولئك يدفعون عن الأبدان وهؤلاء عن الأديان.

            هنيئاً لمن يستفيد من أيام العطلة في عاشوراء، ويذهب للمناطق المحرومة التي لا يذهب إليها أحد، ويضمن سعادته الأخروية للأبد.
            قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع : أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى مُوسَى ع: حَبِّبْنِي إِلَى خَلْقِي، وَحَبِّبْ خَلْقِي إِلَيَّ.
            قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَفْعَلُ ؟
            قَالَ: ذَكِّرْهُمْ آلَائِي وَ نَعْمَائِي لِيُحِبُّونِي، فَلَئِنْ تَرُدَّ آبِقاً عَنْ بَابِي، أَوْ ضَالًّا عَنْ فِنَائِي، أَفْضَلُ لَكَ مِنْ عِبَادَةِ مِائَةِ سَنَةٍ بِصِيَامِ نَهَارِهَا وَ قِيَامِ لَيْلِهَا. (تفسير العسكري ص342)
            هذه الكلمات محيرة، إن رددت آبقاً لباب الله كان ذلك أفضل من عبادة مئة سنة !!
            لا تفوتوا هذه الفرصة وتضيعوها من أيديكم !

            ومن كانت هذه أيامه فختم الكلام كلامه: عن الإمام ابي محمد الحسن العسكري عليه السلام قال: قال الحسين عليه السلام:
            مَنْ كَفَلَ لَنَا يَتِيماً قَطَعَتْهُ عَنَّا مَحَبَّتُنَا بِاسْتِتَارِنَا فَوَاسَاهُ مِنْ عُلُومِنَا الَّتِي سَقَطَتْ إِلَيْهِ حَتَّى أَرْشَدَهُ وَ هَدَاهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: أَيُّهَا الْعَبْدُ الْكَرِيمُ الْمُوَاسِي لِأَخِيهِ أَنَا أَوْلَى بِالْكَرَمِ مِنْكَ، اجْعَلُوا لَهُ يَا مَلَائِكَتِي فِي الْجِنَانِ بِعَدَدِ كُلِّ حَرْفٍ عَلَّمَهُ أَلْفَ أَلْف قَصْرٍ وَ ضُمُّوا إِلَيْهَا مَا يَلِيقُ بِهَا مِنْ سَائِرِ النَّعِيم‏‏ (الإحتجاج ج1ص 16)
            هذا كلام سيد الشهداء عليه السلام!

            أيام محرم على الأبواب.. لكم بكل حرفٍ تُعَلِّموه شخصاً، من إحكام للعقيدة أو تهذيب للأخلاق أو تعليم للأحكام، لكم بكل حرف من ذلك ألف ألف قصر في الجنة، فلا تضيعوا هذه العطيّة.

            ماذا فعل سيد الشهداء ؟ وماذا فعلنا نحن ؟
            بَذَلَ مُهْجَتَهُ فِيكَ.. لماذا ؟
            لِيَسْتَنْقِذَ عِبَادَكَ مِنَ الضَّلَالَةِ وَ الْجَهَالَةِ..‏
            فينبغي على من كانوا له أتباعاً أن يدرسوا ويتفقهوا في أيام الدرس، وأن يرشدوا أيتام وليّ العصر في أيام العطل..

            في كل هذه الروايات ورد التعبير بكفالة اليتيم، ولهذا سرّ.
            قال النبي الخاتم (ص): أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة.
            كهذين الاصبعين: أحدهما أعلى وأطول والآخر أقصر ولكنهما متصلان، هكذا يكون كافل اليتيم مع النبي في الجنة.
            إذا كانت كفالة يتيم زيد وعمرو هكذا، فما حال كفالة يتيم ولي العصر ؟
            لا تذهب هذه السعادة من بين أيديكم !

            ﴿وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ﴾ [مريم : 39]
            عندما يبين أمير المؤمنين عليه السلام حال الموت يقول: فَغَيْرُ مَوْصُوفٍ مَا نَزَلَ بِهِم اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِمْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ وَحَسْرَةُ الْفَوْت‏..(ص160)
            فلا ينبغي ان تبتلوا بحسرات الفوت مع سكرات الموت !

            أي أيام هي هذه ؟!
            أيام من قال عنه النبي (ص) : قُرَّةُ عَيْنِي وَ رَيْحَانَتِي وَ ثَمَرَةُ فُؤَادِي (كامل الزيارات ص67)
            من كان قرة عين 124 الف نبي، كانت قرة عينه في الحسين بن علي عليه السلام..
            يقول جبرائيل للنبي (ص): إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَم‏... عَلَى هَذَا الْحُسَيْنِ أَنْ يَمُوتَ مَذْبُوحاً..
            يذبح عليه السلام ذبحاً قال عنه الامام الثامن لابن شبيب: يَا ابْنَ شَبِيبٍ إِنْ كُنْتَ بَاكِياً لِشَيْ‏ءٍ فَابْكِ لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع فَإِنَّهُ ذُبِحَ كَمَا يُذْبَحُ الْكَبْش‏ (أمالي الصدوق ص130)
            ثم قال جبرائيل للنبي (ص) : إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَم‏... عَلَى هَذَا الْحُسَيْنِ أَنْ يَمُوتَ مَذْبُوحاً وَ إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةً مُسْتَجَابَةً فَإِنْ شِئْتَ كَانَتْ دَعْوَتُكَ لِوَلَدَيْكَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُسَلِّمَهُمَا مِنَ السَّمِّ وَ الْقَتْل‏..
            فَقَالَ النَّبِيُّ (ص): يَا جَبْرَئِيلُ أَنَا رَاضٍ بِحُكْمِ رَبِّي لَا أُرِيدُ إِلَّا مَا يُرِيدُهُ.
            قال هذا جده.. لكن ما الذي جرى عليه يوم عاشوراء ؟!
            إنه غير قابل للقول..
            قوم بالسيوف وقوم بالرماح وقوم بالحجارة !
            كم يتحمل البدن ؟
            وَ لَوْ تَرَاهُ يَا آدَمُ وَ هُوَ يَقُولُ وَا عَطَشَاهْ وَا قِلَّةَ نَاصِرَاهْ حَتَّى يَحُولَ الْعَطَشُ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ السَّمَاءِ كَالدُّخَانِ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ إِلَّا بِالسُّيُوفِ وَ شُرْبِ الْحُتُوف‏..
            كان هذا قوله: إلهي.. رضا بقضائك وتسليماً لأمرك.. لا معبود سواك يا غياث المستغيثين.

            ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

            شعيب العاملي

            تعليق

            المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
            حفظ-تلقائي
            x

            رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

            صورة التسجيل تحديث الصورة

            اقرأ في منتديات يا حسين

            تقليص

            لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

            يعمل...
            X