الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 2.26
الحبّ الأناني يهدف إلى امتلاك المحبوب والتضحية به من أجل المحبّ، بينما الحبّ غير الأناني يصبو إلى تضحية المحبّ في سبيل المحبوب/ تروّج الثقافة الغربية الحبّ الأناني/ الأفلام الغرامية الغربية تروّج الأنانيّة لا الحبّ
من هنا تظهر علاقة الحب مع الإخلاص وهي أن الحبّ الشديد الذي يذلّ الإنسان للحبيب هو ذلك الحبّ الذي يرغّبك في الانجذاب وفي أن تكون مملوكا، لا أن تجذب وتمتلك. إن الحبّ الشديد الذي أشار إليه القرآن في قوله تعالى: (وَ الَّذِینَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) [البقرة/ 160] من هذا النوع.
لو كان الناس قد أدركوا قبح الحبّ من النوع الأوّل بدقّة، لما رغب أحد بمشاهدة الأفلام الغرامية، ولاشمأزّ الناس من مشاهدة لقطات المحبّ الأناني عندما يحاول أن يمتلك حبيبه ويتمتّع به. تروّج الثقافة الغربيّة لغرام يسعى المحبّ فيه أن يصادر لصالحه كلَّ شيء، وقد دفعت هذه الرؤية الأسَرَ إلى هاوية عميقة من الأنانيّة، ولم تجلب لهم المحبة. بينما في المقابل يوصّي ديننا الإسلام الرجال بأن يراعوا رغبة أهلهم في الحياة ولا يكونوا أنانيّين في تقييم المضارّ والمصالح. فعلى سبيل المثال قال رسول الله(ص): «الْمُؤْمِنُ یَأْکُلُ بِشَهْوَةِ عِیَالِهِ، وَ الْمُنَافِقُ یَأْکُلُ أَهْلُهُ بِشَهْوَتِه» [وسائل الشيعة/ ج21/ص542] تحاول الثقافة الغربية بشتّى الأساليب أن تحوّل المرأة والرجل إلى إنسانين إنانيّين بحيث كلّ يجرّ النار إلى قرصه.
السعي في سبيل أن لا تكون أنانيّا ولا تجعل نفسك محورا في كلّ شيء و لا تهدف إلى جرّ المصالح إلى نفسك هو تمرين الإخلاص. الحبّ القيّم هو ذلك الحبّ الذي يدفعك إلى امتلاك المحبوب وجرّ المصالح، ولكن قلّ من يفهم هذا الحبّ اليوم.
سرّ الحسد لوليّ الله/ الإنسان الأناني الذي يهدف إلى تملّك المصالح، لا يتحمّل أن يرى عبدا قد تفضّل الله عليه أكثر منه، فيحسده
سرّ الحسد لوليّ الله/ الإنسان الأناني الذي يهدف إلى تملّك المصالح، لا يتحمّل أن يرى عبدا قد تفضّل الله عليه أكثر منه، فيحسده
ما الفرق بين الحبّ بغرض الامتلاك والتمتّع وبين الحبّ من أجل الانجذاب وبيع النفس إلى الله؟ إن لسان حال الإنسان الذي يحبّ الله ليجذبه ويشتريه هو أن يقول له: «فَوَ عِزَّتِكَ يَا سَيِّدِي لَوْ نَهَرْتَنِي مَا بَرِحْتُ مِنْ بَابِكَ وَ لَا كَفَفْتُ عَنْ تَمَلُّقِكَ» [مصباح المتهجد/ج2/ص586] كما يحمد الله على تفضّله وتنعّمه على غيره من أولياء الله فيقول: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا جَرَى بِهِ قَضَاؤُكَ فِي أَوْلِيَائِكَ، الَّذِينَ اسْتَخْلَصْتَهُمْ لِنَفْسِكَ وَ دِينِكَ، إِذِ اخْتَرْتَ لَهُمْ جَزِيلَ مَا عِنْدَكَ مِنَ النَّعِيمِ [1] الْمُقِيمِ، الَّذِي لَا زَوَالَ لَهُ وَ لَا اضْمِحْلَالَ، بَعْدَ أَنْ شَرَطْتَ عَلَيْهِمُ الزُّهْدَ فِي زَخَارِفِ هَذِهِ الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ وَ زِبْرِجِهَا، فَشَرَطُوا لَكَ ذَلِكَ، وَ عَلِمْتَ مِنْهُمُ الْوَفَاءَ بِهِ. فقَبِلْتَهُمْ وَ قَرَّبْتَهُمْ، وَ قَدَّمْتَ[2] لَهُمُ الذِّكْرَ الْعَلِيَّ وَ الثَّنَاءَ الْجَلِيَّ، وَ أَهْبَطْتَ عَلَيْهِمْ مَلَائِكَتَكَ، وَ كَرَّمْتَهُمْ بِوَحْيِكَ، وَ رَفَدْتَهُمْ بِعِلْمِكَ، وَ جَعَلْتَهُمُ الذَّرَائِعَ إِلَيْكَ، وَ الْوَسِيلَةَ إِلَى رِضْوَانِكَ.»[إقبال الأعمال/ج1/ص295]
أمّا في العشق الأرضي فلا يرضى العاشق بأن يقبل المعشوق على الآخرين، إذ لا يهدف العاشق إلّا إلى امتلاك المعشوق. أما الأمر يختلف تماما في عشق الله وعشق أهل البيت(ع)، وهنا يتّضح سر الحسد لوليّ الله. فالإنسان الأناني الذي ينتحل محبّة الله ولكنّه يهدف إلى تحقيق مصالحه ولا يحظى بالإخلاص، إذا رأى أن الله قد تفضّل وأنعم على عبدٍ غيره، ينزعج ويحزن ويقول لربّه بلسان حاله: «لقد جئتك وتعبّدت بين يديك وأطعتك، ثم أنت تتفضّل على غيري وتتحبّب إليه من دوني؟!» وهكذا يتغلغل الحسد في قلبه تجاه وليّ الله.
وكم قد حسدوا عليّا أمير المؤمنين(ع) بسبب هذه النفسيّات. إذ كان يتوقّع بعض المسلمين الذين قدّموا الحد الأدنى من الخدمات للإسلام وللنبيّ الأعظم(ص) أن ينضمّ النبي(ص) إلى تياراتهم وجماعاتهم. فعندما شاهدوا حبّ النبي(ص) لأمير المؤمنين(ع) واهتمامه الخاص به دون غيره، خرجت أضغانهم وحسدوا عليّا(ع). بينما لو كانوا بحبّون النبيّ(ص) لا لمصالحهم بل في سبيل أن يتقرّبوا إليه ويشتريهم ليكونوا عبيدا له لما كان ردّ فعلهم مثل هذا.
ما هو تأثير الصوم على الإخلاص؟/ يترك الإنسان أثناء الصيام السعي لامتلاك المصالح وجرّها إلى نفسه
ما هو تأثير الصوم على الإخلاص؟/ يترك الإنسان أثناء الصيام السعي لامتلاك المصالح وجرّها إلى نفسه
لقد قالت السيدة الزهراء(س): «فَجَعَلَ اللَّهُ...الصِّیَامَ تَثْبِیتاً لِلْإِخْلَاصِ» [الاحتجاج/ج1/ص99] إذن على أساس ما قالته فاطمة الزهراء(س) إن ثمرة الصيام كسب الإخلاص، ولكن لابدّ أن نقف عند هذا المفهوم لنرى ما هي علاقة الصيام مع الإخلاص وكيف يؤثر الصيام على الإخلاص.
عندما تصوم وتمسك عن الطعام والشراب، يتسنّى لك القيام بالعمل الخالص. إن الصيام هو ترك أولَيات ما تشتهيها النفس بطبيعة الحال. إنك تترك أثناء الصيام السعي لامتلاك المصالح وجرّها إلى نفسك. وكسب الإخلاص هو شيء من قبيل أن يشتريك المحبوب ويجعلك عبدا لنفسه، لا أن تمتلك المحبوب وتنتفع به. ولا يخفى أن تحصيل الإخلاص ليس بعمل هيّن.
روايتان في الحبّ
روايتان في الحبّ
روي عن الإمام الباقر(ع) أنه قال: «إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ فِیكَ خَیْراً فَانْظُرْ إِلَى قَلْبِكَ فَإِنْ کَانَ یُحِبُّ أَهْلَ طَاعَةِ اللَّهِ وَ یُبْغِضُ أَهْلَ مَعْصِیَتِهِ فَفِیكَ خَیْرٌ وَ اللَّهُ یُحِبّكَ وَ إِنْ کَانَ یُبْغِضُ أَهْلَ طَاعَةِ اللَّهِ وَ یُحِبُّ أَهْلَ مَعْصِیَتِهِ فَلَیْسَ فِیكَ خَیْرٌ وَ اللَّهُ یُبْغِضُكَ وَ الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبّ» [الكافي/ج2/ص127] وروي عن الإمام الصادق(ع): «مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ وَ أَبْغَضَ لِلَّهِ وَ أَعْطى لِلَّهِ، فَهُوَ مِمَّنْ کَمَلَ إِیمَانُه» [الكافي/ج2/ص124]
الساعة التي يمكن تجربة الإخلاص فيها بسهولة، هي الساعة التي نعيش فيها مشاعر الحبّ لأهل البيت(ع)
الساعة التي يمكن تجربة الإخلاص فيها بسهولة، هي الساعة التي نعيش فيها مشاعر الحبّ لأهل البيت(ع)
إن أهل البيت(ع) لفرصة استثنائية في تحقيق الإخلاص، إذ حتى الأنانيّين من الناس قادرون على حبّ أهل البيت(ع) نوعا ما. والسبب في ذلك هو أن حبّ أهل البيت(ع) يحرق القلب وفي أوج الحبّ لا يبقى منك شيء بل تفنى في المحبوب. فالساعة التي يمكن تجربة الإخلاص فيها بسهولة، هي الساعة التي نعيش فيها مشاعر الحبّ لأهل البيت(ع). إنك تستطيع أن تعيش الإخلاص في مجالس مصيبة الحسين(ع) وذكر مصائب أهل البيت(ع)، فإنك في تلك الساعة لا تفكّر بمصالحك بل تحترق لغيرك. ففي ذلك الحال الذي أنت تبكي فيه على الحسين(ع) مثلا، إن أخبروك بثواب هذا البكاء لا تبالي كثيرا، وتقول: لم أبك الآن للحصول على الثواب ولا أبكي من أجل أن أحصل على شيء، بل أريد أن أكون للحسين(ع) ولأطفاله.
[1]( 1) النّعم( خ ل).
[2] ( 3) قدّرت( خ ل).
تعليق