إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني، للأستاذ بناهيان

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #76
    الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 2.26

    الحبّ الأناني يهدف إلى امتلاك المحبوب والتضحية به من أجل المحبّ، بينما الحبّ غير الأناني يصبو إلى تضحية المحبّ في سبيل المحبوب/ تروّج الثقافة الغربية الحبّ الأناني/ الأفلام الغرامية الغربية تروّج الأنانيّة لا الحبّ

    من هنا تظهر علاقة الحب مع الإخلاص وهي أن الحبّ الشديد الذي يذلّ الإنسان للحبيب هو ذلك الحبّ الذي يرغّبك في الانجذاب وفي أن تكون مملوكا، لا أن تجذب وتمتلك. إن الحبّ الشديد الذي أشار إليه القرآن في قوله تعالى: (وَ الَّذِینَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) [البقرة/ 160] من هذا النوع.


    لو كان الناس قد أدركوا قبح الحبّ من النوع الأوّل بدقّة، لما رغب أحد بمشاهدة الأفلام الغرامية، ولاشمأزّ الناس من مشاهدة لقطات المحبّ الأناني عندما يحاول أن يمتلك حبيبه ويتمتّع به. تروّج الثقافة الغربيّة لغرام يسعى المحبّ فيه أن يصادر لصالحه كلَّ شيء، وقد دفعت هذه الرؤية الأسَرَ إلى هاوية عميقة من الأنانيّة، ولم تجلب لهم المحبة. بينما في المقابل يوصّي ديننا الإسلام الرجال بأن يراعوا رغبة أهلهم في الحياة ولا يكونوا أنانيّين في تقييم المضارّ والمصالح. فعلى سبيل المثال قال رسول الله(ص): «الْمُؤْمِنُ یَأْکُلُ بِشَهْوَةِ عِیَالِهِ، وَ الْمُنَافِقُ یَأْکُلُ أَهْلُهُ بِشَهْوَتِه» [وسائل الشيعة/ ج21/ص542] تحاول الثقافة الغربية بشتّى الأساليب أن تحوّل المرأة والرجل إلى إنسانين إنانيّين بحيث كلّ يجرّ النار إلى قرصه.


    السعي في سبيل أن لا تكون أنانيّا ولا تجعل نفسك محورا في كلّ شيء و لا تهدف إلى جرّ المصالح إلى نفسك هو تمرين الإخلاص. الحبّ القيّم هو ذلك الحبّ الذي يدفعك إلى امتلاك المحبوب وجرّ المصالح، ولكن قلّ من يفهم هذا الحبّ اليوم.


    سرّ الحسد لوليّ الله/ الإنسان الأناني الذي يهدف إلى تملّك المصالح، لا يتحمّل أن يرى عبدا قد تفضّل الله عليه أكثر منه، فيحسده

    ما الفرق بين الحبّ بغرض الامتلاك والتمتّع وبين الحبّ من أجل الانجذاب وبيع النفس إلى الله؟ إن لسان حال الإنسان الذي يحبّ الله ليجذبه ويشتريه هو أن يقول له: «فَوَ عِزَّتِكَ يَا سَيِّدِي لَوْ نَهَرْتَنِي‏ مَا بَرِحْتُ مِنْ بَابِكَ وَ لَا كَفَفْتُ‏ عَنْ‏ تَمَلُّقِكَ‏» [مصباح المتهجد/ج2/ص586] كما يحمد الله على تفضّله وتنعّمه على غيره من أولياء الله فيقول: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا جَرَى‏ بِهِ‏ قَضَاؤُكَ‏ فِي أَوْلِيَائِكَ، الَّذِينَ اسْتَخْلَصْتَهُمْ لِنَفْسِكَ وَ دِينِكَ، إِذِ اخْتَرْتَ لَهُمْ جَزِيلَ مَا عِنْدَكَ مِنَ النَّعِيمِ‏ [1] الْمُقِيمِ، الَّذِي لَا زَوَالَ لَهُ وَ لَا اضْمِحْلَالَ، بَعْدَ أَنْ شَرَطْتَ عَلَيْهِمُ الزُّهْدَ فِي زَخَارِفِ هَذِهِ الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ وَ زِبْرِجِهَا، فَشَرَطُوا لَكَ ذَلِكَ، وَ عَلِمْتَ مِنْهُمُ الْوَفَاءَ بِهِ. فقَبِلْتَهُمْ وَ قَرَّبْتَهُمْ، وَ قَدَّمْتَ‏[2] لَهُمُ الذِّكْرَ الْعَلِيَّ وَ الثَّنَاءَ الْجَلِيَّ، وَ أَهْبَطْتَ عَلَيْهِمْ مَلَائِكَتَكَ، وَ كَرَّمْتَهُمْ بِوَحْيِكَ، وَ رَفَدْتَهُمْ بِعِلْمِكَ، وَ جَعَلْتَهُمُ الذَّرَائِعَ‏ إِلَيْكَ، وَ الْوَسِيلَةَ إِلَى رِضْوَانِكَ.»[إقبال الأعمال/ج1/ص295]


    أمّا في العشق الأرضي فلا يرضى العاشق بأن يقبل المعشوق على الآخرين، إذ لا يهدف العاشق إلّا إلى امتلاك المعشوق. أما الأمر يختلف تماما في عشق الله وعشق أهل البيت(ع)، وهنا يتّضح سر الحسد لوليّ الله. فالإنسان الأناني الذي ينتحل محبّة الله ولكنّه يهدف إلى تحقيق مصالحه ولا يحظى بالإخلاص، إذا رأى أن الله قد تفضّل وأنعم على عبدٍ غيره، ينزعج ويحزن ويقول لربّه بلسان حاله: «لقد جئتك وتعبّدت بين يديك وأطعتك، ثم أنت تتفضّل على غيري وتتحبّب إليه من دوني؟!» وهكذا يتغلغل الحسد في قلبه تجاه وليّ الله.


    وكم قد حسدوا عليّا أمير المؤمنين(ع) بسبب هذه النفسيّات. إذ كان يتوقّع بعض المسلمين الذين قدّموا الحد الأدنى من الخدمات للإسلام وللنبيّ الأعظم(ص) أن ينضمّ النبي(ص) إلى تياراتهم وجماعاتهم. فعندما شاهدوا حبّ النبي(ص) لأمير المؤمنين(ع) واهتمامه الخاص به دون غيره، خرجت أضغانهم وحسدوا عليّا(ع). بينما لو كانوا بحبّون النبيّ(ص) لا لمصالحهم بل في سبيل أن يتقرّبوا إليه ويشتريهم ليكونوا عبيدا له لما كان ردّ فعلهم مثل هذا.


    ما هو تأثير الصوم على الإخلاص؟/ يترك الإنسان أثناء الصيام السعي لامتلاك المصالح وجرّها إلى نفسه

    لقد قالت السيدة الزهراء(س): «فَجَعَلَ اللَّهُ...الصِّیَامَ تَثْبِیتاً لِلْإِخْلَاصِ» [الاحتجاج/ج1/ص99] إذن على أساس ما قالته فاطمة الزهراء(س) إن ثمرة الصيام كسب الإخلاص، ولكن لابدّ أن نقف عند هذا المفهوم لنرى ما هي علاقة الصيام مع الإخلاص وكيف يؤثر الصيام على الإخلاص.


    عندما تصوم وتمسك عن الطعام والشراب، يتسنّى لك القيام بالعمل الخالص. إن الصيام هو ترك أولَيات ما تشتهيها النفس بطبيعة الحال. إنك تترك أثناء الصيام السعي لامتلاك المصالح وجرّها إلى نفسك. وكسب الإخلاص هو شيء من قبيل أن يشتريك المحبوب ويجعلك عبدا لنفسه، لا أن تمتلك المحبوب وتنتفع به. ولا يخفى أن تحصيل الإخلاص ليس بعمل هيّن.


    روايتان في الحبّ

    روي عن الإمام الباقر(ع) أنه قال: «إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ فِیكَ خَیْراً فَانْظُرْ إِلَى قَلْبِكَ فَإِنْ کَانَ یُحِبُّ أَهْلَ طَاعَةِ اللَّهِ وَ یُبْغِضُ أَهْلَ مَعْصِیَتِهِ فَفِیكَ خَیْرٌ وَ اللَّهُ یُحِبّكَ وَ إِنْ کَانَ یُبْغِضُ أَهْلَ طَاعَةِ اللَّهِ وَ یُحِبُّ أَهْلَ مَعْصِیَتِهِ فَلَیْسَ فِیكَ خَیْرٌ وَ اللَّهُ یُبْغِضُكَ وَ الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبّ» [الكافي/ج2/ص127] وروي عن الإمام الصادق(ع): «مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ وَ أَبْغَضَ لِلَّهِ وَ أَعْطى‏ لِلَّهِ، فَهُوَ مِمَّنْ کَمَلَ إِیمَانُه» [الكافي/ج‏2/ص124]


    الساعة التي يمكن تجربة الإخلاص فيها بسهولة، هي الساعة التي نعيش فيها مشاعر الحبّ لأهل البيت(ع)

    إن أهل البيت(ع) لفرصة استثنائية في تحقيق الإخلاص، إذ حتى الأنانيّين من الناس قادرون على حبّ أهل البيت(ع) نوعا ما. والسبب في ذلك هو أن حبّ أهل البيت(ع) يحرق القلب وفي أوج الحبّ لا يبقى منك شيء بل تفنى في المحبوب. فالساعة التي يمكن تجربة الإخلاص فيها بسهولة، هي الساعة التي نعيش فيها مشاعر الحبّ لأهل البيت(ع). إنك تستطيع أن تعيش الإخلاص في مجالس مصيبة الحسين(ع) وذكر مصائب أهل البيت(ع)، فإنك في تلك الساعة لا تفكّر بمصالحك بل تحترق لغيرك. ففي ذلك الحال الذي أنت تبكي فيه على الحسين(ع) مثلا، إن أخبروك بثواب هذا البكاء لا تبالي كثيرا، وتقول: لم أبك الآن للحصول على الثواب ولا أبكي من أجل أن أحصل على شيء، بل أريد أن أكون للحسين(ع) ولأطفاله.



    [1]( 1) النّعم( خ ل).


    [2] ( 3) قدّرت( خ ل).



    تعليق


    • #77
      الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 1.27

      يجب أن يكون أثر صيام شهر رمضان لمدّة ثلاثين يوما، التواضع وذلّ النفس/ غاية «الطاعات والعبادات وجهاد النفس» هي ذلّ النفس في مقابل الله/ لماذا يجب أن نذلّ أنفسنا في مقابل الله؟

      إليك ملخّص الجلسة السابعة والعشرين من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.

      تحتاج الأدوية المعنوية إلى المعرفة والنيّة الخالصة حتى تؤثر بخلاف الأدوية المادّية/ يجب أن نعرف أن الصلاة بصدد إذلال النفس في مقابل الله وتضعيف كبرنا أمامه

      لا يحتاج الدواء إلى «معرفة» أو «نية» في سبيل أن يترك مفعوله في جسم الإنسان؛ يعني أولا لسنا بحاجة إلى أن نعرف ماذا تفعل حبّة الدواء في جهاز جسمنا، وثانيا لا داعي إلى استعمال الدواء بنية التئام الحلق مثلا. إذ يترك الدواء أثره في جسم الإنسان على أيّ حال، سواء أكنّا عارفين بتفاصيل أثر الدواء ونوينا الشفاء عند الاستعمال أم لا. بينما تحتاج الأدوية المعنوية التي تشفي روح الإنسان ومن أجل تأثيرها إلى المعرفة والنية الخالصة بخلاف الأدوية المادّية.
      فعلى سبيل المثال، الصلاة شفاء ووقاية لكثير من أمراضنا بل لجميع الفحشاء والمنكر بشكل عام؛ (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى‏ عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْکَرِ) [العنكبوت/45]. ولكن إذا أرادت هذه الصلاة مع كل عظمتها أن تترك أثرها علينا، فيقتضي ذلك معرفتنا ونيتنا المخلصة أيضا.
      إن اطلّعنا بشكل دقيق على حقيقة أثر الصلاة على روحنا، وكانت نيتنا في مسار هذا التأثير، عند ذلك ستكون الصلاة مؤثرة فينا واقعا. يجب أن نعرف أن الصلاة تسعى لإذلالنا في مقابل الله ولتضعيف كبرنا وأنانيتنا، ثم ننوي ذلك وندعو لتحقّق هذا الهدف ونقول: «إلهي أريد أن أزداد تواضعا وذلّا بين يديك وأن يضعف كبري عبر هذه الصلاة». فإننا إن أردفنا إلى الصلاة مثل هذه المعرفة والنيّة، سوف نتقرّب إلى الله.
      لا يستطيع الإنسان أن يسير في هذا الطريق إلا بعد أن عرف ماذا يفعل أولا، ونوى ما عرفه ثانيا. السبب الذي جعل ديننا يحثّ على التدبر والتعقّل ومعرفة النفس والتفقه والفهم الدقيق بهذا القدر، هو أن للمعرفة أثرا وضعيا ولا تخلو عن الفائدة أبدا.
      لا ينبغي أن نمرّ من المفاهيم الرئيسة الدينية التي اهتمّ بها الدين مرور الكرام، بل ينبغي أن نفكّر لماذا اهتمّ الدين بهذا الموضوع بهذا القدر؟ ليس من الجميل أن يعطّل الإنسان قدرة فهمه في مجال إدراك الدقائق الدينية ثم يصرفها في اللعب والقضايا التافهة.

      نحن كما نخاف من السرطان، يجب أن نخاف من عدم استيعابنا العميق للمفاهيم الأساسية الدينية/ قال رسول الله(ص): أُفٍ‏ لِکُلِ‏ مُسْلِمٍ‏ لَا یَجْعَلُ‏ فِی‏ کُلِ‏ جُمْعَةٍ یَوْماً یَتَفَقَّهُ‏ فِیهِ‏ أَمْرَ دِینِهِ‏ وَ یَسْأَلُ عَنْ دِینِهِ

      نحن كما نخاف من السرطان، يجب أن نخاف ونخشى من عدم استيعابنا العميق للمفاهيم الأساسية الدينية، لأنه عند ذلك سيقع الإنسان في أخطاء فادحة قهرا ومن دون مشيئة.
      مع الأسف إن بعض المتديّنين والثوريّين لم يحظوا بالعمق المعرفي وقد توقفوا في مستوى ثابت من المعارف الدينية وهم يزعمون أنهم يعرفون كل المفاهيم الدينية. فعلى سبيل المثال إن بعضهم يحملون فهما سطحيا عن مفهوم التقوى الأساسي والعميق ويتصوّرون أنه لا يتجاوز هذا المفهوم العظيم عن نطاق «اجتناب الذنوب»، ولا يتطلّعون إلى كسب فهم أعمق عمّا عرفوه.
      كثير من الناس وللأسف الشديد لا يتعبون أنفسهم للحصول على فهم عميق عن الدين وهذا أمر سيئ جدّا. قال رسول الله(ص): أُفٍ‏ لِکُلِ‏ مُسْلِمٍ‏ لَا یَجْعَلُ‏ فِی‏ کُلِ‏ جُمْعَةٍ یَوْماً یَتَفَقَّهُ‏ فِیهِ‏ أَمْرَ دِینِهِ‏ وَ یَسْأَلُ عَنْ دِینِهِ» [المحاسن/1/225].
      إن بعض الناس ـ وللأسف ـ لا يخصّصون وقتا كافيا لفهم الدين مكتفين بمستوى فهمهم العامّي عن الدين. ولكن هذه السطحية في الفهم إما ستؤدي إلى فرار الشخص نفسه عن الدين، وإما يسوقه إلى ممارسة بعض الأعمال التي تبعد أشخاصا آخرين عن الدين. وفي الواقع سوف يحاسبهم الله ويسألهم عن الذكاء الذي منحهم أين صرفوه وفي أيّ طريق بذلوه؟! إن بعض الأشخاص يصرف فاهمته وذكاءه في دراسته وفي الجامعة فقط، ويصرفها البعض في اللعب والمرح وقضايا أخرى دون أن يستخدموها في الدين.

      يتبع إن شاء الله...

      تعليق


      • #78
        الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 2.27

        الدين من قبيل القضايا التنويرية وهو خاصّ بالأذكياء وأهل الفهم والمعرفة/ الابتعاد عن الدين يعني الحماقة والسفاهة والعامّية

        الدين من قبيل القضايا التنويرية وهو خاصّ بالأذكياء وأهل الفهم والمعرفة. فعلى سبيل المثال كشفت دراسة ميدانية في إحدى البلدان، أن أكثر المستبصرين والذين تشرّفوا بالدخول في مذهب أهل البيت(ع) هم من خريجي الجامعات وذوي الشهادات الجامعية. الابتعاد عن الدين يعبّر عن حالة من الحماقة والسفاهة والعامّية. فكلّ من يخالف الدين فإنما يدلّ على حماقة في داخله. وهكذا قيّمهم الله سبحانه فقال: (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا یَعْقِلُون) [المائدة/58]

        إن خطر المتدينين الجهلة على الدين أكثر من خطر غير المتدينين/ إن خطر المتدينين الجهلة بقدر خطر المنافقين/ كل معاناتنا وآلامنا بسبب ما نراه من جهالة بعض المتدينين

        ليس النزاع الرئيس في العالم بين المتديّن وغير المتديّن، وإنما بين الذين يعلمون والذين يشعرون وبين الذين لا يعلمون ولا يشعرون. ليس النزاع بين الثورييّن وغير الثوريّين، بل إنما هو نزاع قائم بين الفهم وعدم الفهم، ويا لها من معاناة يتجرّعها الدين من جانب بعض المتديّنين الذين ليسوا من أهل الفهم والمعرفة. فإن هؤلاء قد يسيئون إلى الدين بجهلهم الممزوج ببعض النزعات الإيجابية.
        لقد طرقت أسماع بعض المتديّنين بعض المفاهيم الدينية ولكنها لم تدخل في أعماق قلوبهم، فهم يشعرون ويدّعون بأنهم يعرفون الدين كلّه! فأحيانا تكون أخطاء هؤلاء المتدينين واشتباهاتهم أضرّ على الدين من معاصي غير المتديّنين.
        يقول أمير المؤمنين(ع): «قَطَعَ ظَهْرِي رَجُلَانِ مِنَ الدُّنْیَا رَجُلٌ عَلِیمُ اللِّسَانِ فَاسِقٌ وَ رَجُلٌ جَاهِلُ الْقَلْبِ نَاسِكٌ هَذَا یَصُدُّ بِلِسَانِهِ عَنْ فِسْقِهِ وَ هَذَا بِنُسُکِهِ عَنْ جَهْلِهِ فَاتَّقُوا الْفَاسِقَ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَ الْجَاهِلَ مِنَ الْمُتَعَبِّدِینَ أُولَئِكَ فِتْنَةُ کُلِّ مَفْتُونٍ فَإِنِّی سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص یَقُولُ یَا عَلِيُّ هَلَاكُ أُمَّتِي عَلَى یَدَيْ کُلِّ مُنَافِقٍ عَلِیمِ اللِّسَان‏» [الخصال/ج1/ص69]و كذلك قال: «قَطَعَ ظَهْرِي‏ اثْنَانِ‏ عَالِمٌ فَاسِقُ یَصُدُّ عَنْ عِلْمِهِ بِفِسْقِهِ وَ جَاهِلٌ نَاسِكٌ یَدْعُو النَّاسَ إِلَى جَهِلِهِ بِنُسُکِه» [غررالحكم/245 , مجموعة ورام/ج1/ص82]
        ومع الأسف قلّما يلتفت إلى خطر الفئة الثانية، أي المتدينين الجهلة، في حين أن أحاديث أهل البيت(ع) تبيّن أن الصدمات التي يلحقها هؤلاء بالمجتمع تماثل صدمات المنافقين. وقد تجرّعنا آلاما كثيرة من جانب هاتين الفئتين. فبرأيكم ما هي أسباب مشاكل مجتمعنا الآن؟ كل ما نعاني منه فبسبب جهالة بعض المتديّنين وحماقتهم. فإن جهالة هؤلاء المتنسّكين تجتمع شيئا فشيئا وإذا بها تنجر إلى الانحراف والانشقاق.
        الدين ظاهرة معقّدة جدّا وليس مجرد مفاهيم بسيطة نسمعها مرّة واحدة ثم نتقنها وينتهي كل شيء بلا حاجة إلى تعمّق وتفكّر. بل إنما هو بحاجة إلى دقّة وتعمّق. لا يحتاج الدين إلى متخصصين نراجعهم وحسب، بل يجب على جميعنا فردا فردا أن نسعى للحصول على فهم عميق تجاه الدين.

        قال علي(ع): ذلّل نفسك بالطاعة/ حاسب نفسك وانظر هل قد ازدادت ذلّا بعد الطاعة أم لا؟

        في تكملة موضوع جهاد النفس نقف عند رواية عن أمير المؤمنين(ع) حيث قال: «ذَلِّلْ‏ نَفْسَكَ‏ بِالطَّاعَةِ» [عيون الحكم/ ص255]. فإن أطعت الله ولم تجد نفسك قد ازدادت ذلّا لله فلم تطع الله في الواقع، بل قد أطعت هوى نفسك، أو كانت شريكة في الطاعة على الأقل. مثلا رأيت أن هذه الطاعة تنسجم مع هواك فاخترتها، لتلبّي رغبة نفسك وتطيع ربك في نفس الوقت.
        مشكلتنا هي أن نفسنا لا تدعنا نطيع الله وحده، بل نطيع الله والنفس معا. فلا يتقبل الله عبادتنا وطاعتنا حسب القاعدة لأنه لا يتخذ شريكا. كأن الله يقول لنا: «إن لم تقدر على استحضار النية الخالصة في جميع أعمالك، فاستحضرها في بعض أعمالك وطاعاتك على الأقل ولتكن بعضها لأجلي فقط، يعني قم بالطاعة التي لا ترغب بها نفسك ولا تكن بحيث تنتقي الأفعال المنسجمة مع هواك وحسب»؛ «سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع یَقُولُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَنَا خَیْرُ شَرِیكٍ مَنْ أَشْرَكَ مَعِي غَیْرِي فِي عَمَلٍ عَمِلَهُ لَمْ أَقْبَلْهُ إِلَّا مَا کَانَ لِي خَالِصاً» [الکافي/2/295] و «أَنَا خَیْرُ شَرِیكٍ فَمَنْ عَمِلَ لِي وَ لِغَیْرِي فَهُوَ لِمَنْ عَمِلَهُ غَیْرِي» [وسائل الشيعة/ج1/ص72]

        لماذا يجب أن نذلّ أنفسنا في مقابل الله؟/ يجب أن تكون نتيجة الطاعة ازدياد ذلّ النفس لله

        إن أردت أن تعرف أن ما قمت به من طاعة كانت لله واقعا ولم يكن لنفسك شراكة فيه، فحاسب نفسك وانظر هل قد ازدادت النفس ذلّا لله بعد القيام بالعمل وأداء الطاعة أم لا؟ كيف تكون النفس إذا ذلّت؟ ستكون في مقابل الله كبعض الأذلّاء في هذه الدنيا والذين يهينون أنفسهم أمام الآخرين أو يتسوّلون في الطرقات. فلابدّ أن تصبح النفس هكذا في مقابل الله. لابدّ أن نرى هل نستطيع أن نذلّ أنفسنا في مقابل الله سبحانه، أم أننا أذلاء في مقابل شهوات النفس الدانية؟
        لماذا يجب أن نذلّ أنفسنا في مقابل الله عز وجل؟ لأننا نريد أن نلقى الله ولا سبيل لمن لم يذل في مقابل الله إلى ساحة قربه.

        يتبع إن شاء الله...

        تعليق


        • #79
          الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 3.27


          يجب أن يكون أثر صيام شهر رمضان لمدّة ثلاثين يوما، التواضع وذلّ النفس/ غاية «الطاعات والعبادات وجهاد النفس» هي ذلّ النفس في مقابل الله/ لماذا يجب أن نذلّ أنفسنا في مقابل الله؟


          الآن وبعد أن انتهينا إلى نهاية شهر رمضان، إذا أردنا أن نعرف مدى صحة طاعتنا في هذا الشهر، فلابد أن نرى هل قد ازددنا تواضعا وذلّا لله أم لا؟ هل ازددنا خوفا وخشية من الله أم لا؟ فعلى سبيل المثال هل أصبحنا نخاف الله إذا أردنا تأخير صلاتنا قليلا؟

          يجب أن تكون نتيجة هذه العبادات والطاعات بعد ثلاثين يوما في شهر رمضان هي ذلّ النفس والخشوع. كما أن الهدف الرئيس من طاعة الله وعبادته وجهاد النفس هو ذلّ النفس. يجب أن تذلّ النفس في مقابل الله وتخشع له. فإن قبح الذل في أي مكان آخر وأمام أي شخص آخر، فإنه يحلو ويجمل في مقابل الله.

          من الأعمال الرائعة التي تعيننا على ذلّ النفس وتمنحنا هذا الشعور هو أن نهتمّ بقبول الطاعة أكثر من أدائها. فقد قال أمير المؤمنين(ع): «کُونُوا بِقَبُولِ الْعَمَلِ أَشَدَّ اهْتِمَاماً بِالْعَمَل» [مجموعة ورام/ ج1/ ص64]

          فالآن وبعد ما صمنا شهر رمضان كلّه وأدينا بعض العبادات، يجب أن نقلق على قبول أعمالنا ونهتمّ بذلك أكثر من اهتمامنا بأداء الأعمال وأن نلتمس الله أن يقبل أعمالنا. عند ذلك سوف تذل نفسنا إذ أن الاهتمام بقبول العمل يحكي عن أننا لم نغترّ بأعمالنا.

          كل ما يقوم به الإنسان في سبيل إذلال النفس، تستخدمه النفس كرأسمال للعجب


          لماذا بعد عنائنا وصومنا خلال ثلاثين يوما، يجب أن نزداد جهدا وسعيا من أجل قبول صيامنا وأعمالنا؟ لأن نفس الإنسان تنطوي على مرض باسم «العجب» و «الأنانية»، بحيث كلّ ما يقوم به الإنسان ليذلّها، تستخدمه كرأسمال للإعجاب بنفسها. فهي تحاول أن تستعمل نفس الأعمال التي أنجزتها لإذلالها كأداة للعجب والطغيان! هذا «العجب» من الأمراض المستعصية التي يصعب معالجتها جدّا.

          فعلى سبيل المثال، عندما تأمر نفسك بالسجود لله، تتمرّد في البداية ولا تطيع، ولكنك إن استطعت أن ترغم أنفها وتفرض عليها السجود، بمجرّد أن ترفع رأسك يتغيّر لحنها و تبدأ بالتفاخر والتباهي بفعلها وسجودها. وهذا هو العجب.

          الاعتذار من الذنب أهمّ من اجتنابه/ إذ أن الاعتذار يذلّ النفس


          لماذا الاعتذار من الذنب أهم من اجتنابه؟ إذ أن الاعتذار من الله يذلّ الإنسان في مقابل الله، ويحظى هذا الذل والخشوع بأهمية كبيرة لدى الله، وهو أفضل بكثير من أن نجتنب الذنوب ثم نصاب بالعجب والغرور بسبب تورعّنا عن الذنب. ولذلك أحيانا يترك الله عبده المؤمن ليذنب خوفا عليه من العجب، إذ يعلم الله سبحانه أن الذنب أفضل لعبده المؤمن من العجب؛ «إنَّ اللَّهَ عَلِمَ أَنَّ الذَّنْبَ خَیْرٌ لِلْمُؤْمِنِ مِنَ الْعُجْبِ وَ لَوْ لَا ذَلِکَ‏ مَا ابْتُلِیَ‏ مُؤْمِنٌ‏ بِذَنْبٍ‏ أَبَداً» [الكافي/ج2/ص313]

          إن لم نسأل الله ونلتمسه أن يقبل أعمالنا، سوف تذهب كل طاعاتنا في هذا الشهر هباءً


          بإمكانكم الآن أن تشاهدوا أثر الاهتمام بقبول الأعمال على روحكم ونفوسكم. فالتمسوا الله وتذلّلوا إليه وقولوا: «إلهي أسألك وأتوسل إليك أن تتقبّل شهر رمضان هذا! صحيح أن طاعاتي كلّها كانت غير جيّدة ورديئة، ولكني ألتمسك أن تقبلها ولا تردّها». ثم انظروا ماذا يحصل في أرواحنا بهذه المناجاة القصيرة؟ التذلل والنور. فما إن تبدأ بالالتماس والإلحاح على الله ليقبل أعمالك تزداد صفاء ونورا.وفي المقابل إن خلت أعمالنا من هذا الإلحاح والالتماس سوف تذهب كل طاعاتنا ومناجاتنا في هذا الشهر هباءً ونخرج من هذا الشهر بأيدٍ خالية.

          إن ذلّ النفس هدف الإطاعة، فإن لم نصل إلى هذا الذلّ بعد الطاعة، نعرف أن طاعتنا كانت غير صحيحة


          إن ذلّ النفس هدف الإطاعة، فإن أطعنا الله ولم نصل إلى هذا الذلّ، ينكشف أن طاعتنا كانت ذات خلل. ما يحفظ الإنسان هو الذلّ بين يدي الله. إن ضجيج الإنسان إلى الله بعد الصلاة والإلحاح عليه أن يتقبّل صلاته هو الذي يحفظ الإنسان، ولولا ذلك جدير بالصلاة نفسها أن تفسد الإنسان. إذ لولا هذا السؤال الملحّ، لاقتحم العجب قلب الإنسان.

          ففي هذه الأيام ونحن على وشك انتهاء شهر رمضان يجب أن نفعل أمرين: 1ـ نلتمس الله أن يتقبّل طاعاتنا 2ـ أن نستغفر من طاعاتنا وعباداتنا وأن نقول: «ربّنا! اغفر لنا نقصان عباداتنا وطاعاتنا فإنها لم تكن بمستوى شأنك ومقامك. فتغاض عن هذه العبادات ولا تحاسبنا عليها». إن هذه الأعمال سوف تجعلنا نعيش حالة الذل والانكسار بين يدي الله إن شاء الله.



          تعليق


          • #80
            الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 1.28


            إن هوى النفس عدوّ للعقل وكذلك عدوّ للعشق/ إن رُشّت بذور اتباع الهوى في المجتمع يمت العشق/ النساء أول المتضرّين من السفور/ إن جهاد النفس يهدي الإنسان إلى العقل، وبعد ذلك يقوده إلى العشق ومنه إلى الإخلاص في آخر المطاف/ إن لذّة مسيرة الأربعين أمتع من أي جلسة طرب وعيش



            إليك ملخّص الجلسة الثامنة والعشرين من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.

            ما معنی «لنستعن بالعقل على السيطرة على عواطفنا» بشکل دقيق؟

            كثيرا ما يقال يجب أن نستعين بالعقل على عواطفنا أو أن نسيطر على إحساساتنا ونتغلب عليها. وقد تستبدل بالعقل مفاهيم أخرى كالفكر والعلم والإيمان. إن أصل هذا الكلام صحيح ولكن قد أخطأ الكثير في فهمه. فليس معنى هذا الكلام الدقيق والصحيح هو المتبادر إلى أذهان الكثير من الناس.

            إذا يقال: يجب أن تستعينوا بالعقل والإيمان والعلم والفكر على مخالفة أهوائكم، فمعناه الدقيق هو أنه يجب أن توقظوا نزعاتكم ورغباتكم الحسنة بالعقل والعلم والإيمان، ثم تستعينوا بهذه الرغبات الحسنة على الأهواء السيئة. فإن العقل والإيمان والعلم والفكر كلّها مدعاة إلى صحوة الرغبات الحسنة وتنشيطها.

            العقل موقظ الرغبات المثلى في الإنسان ومعزّزها/ يحظى العقل بقوّة يدير بها أهواء الإنسان

            نحن بصدد تضييق رغباتنا السيئة والسيطرة عليها. فمن أجل تحقيق ذلك لا سبيل لنا سوى الرغبات الحسنة التي هي إما مودعة في فطرتنا وهي بحاجة إلى التفعيل والازدهار، أو أنها موجودة وناشطة بالفعل ولابد من إدارتها. العقل هو موقظ الرغبات المثلى في الإنسان ومعزّزها. فإنكم سوف تقضون على الأهواء السيئة عن طريق هذه الرغبات الحسنة.

            يحظى العقل بقوّة يدير بها نزعات الإنسان. كما أنّ أنبياء الله جاءوا ليخاطبوا نبيّنا الباطني وهو العقل. والعقل هو القوّة التي تدير مختلف الأهواء والرغبات الكامنة في داخلنا. فتهدينا قوّة العقل دائما نحو الرغبات الأسمى ويشير علينا بأن نختار أفضل رغبة ونلبّيها.

            يضيء العقل الطريق ويعرّفنا على الرغبة المثلى



            عندما نتمرّض ويصف لنا الطبيب دواء مرّا، يجب أن نشرب الدواء بالرغم من كرهنا وعدم رغبتنا. فنحن هنا في الواقع قد جاهدنا هوى النفس بالعقل، فنحَّينا «كره شرب الدواء» على جانب، إذ قد شخّص العقل أن «حبّ الصحة والحياة» رغبة أسمى وأمثل. فنحن في مثل هذا الموقف أصبحنا في الواقع بين رغبتين متعارضتين: إحداهما هي حب عدم شرب الدواء المرّ، والأخرى حبّ الصحة والحياة. فهنا يأتي العقل ويضيء الطريق ويعرّفنا على الرغبة الأسمى، فنشخصّها ونختارها.

            يهدينا العقل إلى الرغبات القيّمة واختيار أفضل الخيارات. ولذلك إذا ذهب أحد إلى محلّ بيع الألبسة لشراء قميص، واختار أقدم القمصان وأقبحها وأقلّها تناسبا وأغلاها في نفس الوقت، يتّهم بفقدان العقل عندئذ.

            دور العلم هنا إتحاف الإنسان بالمعلومات، أما العقل فهو الذي يقوم بإدارة مختلف الرغبات ويفضّل أفضل الخيارات على غيرها، ويعين الإنسان لتلبية أفضل الرغبات وأسماها.

            بإمكان العقل اليوم وحتى العقل التجريبي أن يدافع عن أكثر القيم

            نحن الآن نعيش في زمن أصبح الدفاع عن القيم فيه عقليّا أكثر من كونه عقديّا. فحاجتنا الأولى هي التمتّع بالعقل بمختلف أنواعه وأشكاله من عقل المعاش والعقل السياسي وغيره. فإن كنّا في زمن ننطلق فيه من العقائد في الدفاع عن الثورة، فقد أصبحنا اليوم ندافع عن أكثر قيم الثورة على أساس العقل، وحتى العقل التجريبي. فعلى سبيل المثال كان العقل التجريبي في العقود الماضية عاجزا عن فهم فساد الديمقراطية الغربيّة، فكنّا ندّعي فسادها بالاستناد إلى الآيات والروايات، أو كنّا نحذّر من السقوط فيما لا يرضى به الله عبر الذهاب وراء الديمقراطية الغربية. أما الآن فقد نما العقل البشري وبإمكانه أن يثبت فساد الديمقراطيّة الغربية. وقد أصبحت جرائم الديمقراطية الغربية الآن بمرأى الجميع ولا تحتاج مشاهدتها إلى العين المسلّحة.

            يتبع إن شاء الله...

            تعليق


            • #81
              الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 2.28

              بإمكاننا اليوم أن ندرك جميع القيم بالعقلانية والواقعيّة/ إن أجواءنا ومناخنا من الشفافيّة بمكان بحيث إن أردنا تحقيق مصالحنا الوطنية فقط، فقد حفظنا القيم أيضا

              النزاع اليوم بين العقلانية وعدم العقلانية، فلابدّ أن ندافع عن قيم ثورتنا الإسلامية بأساليب عقلانية. لأن تجربة نظام السلطة الفاشلة التي قامت على أركان الكفر والإلحاد ماثلة أمامنا. وحتى ظاهرة النفاق فإن كانت موجودة في مجتمعنا فهو نفاق يتظاهر بالعقلانية والتعقّل.
              إن بعض الأشخاص في الأوساط السياسيّة يخدع الناس عبر استغلال العقلانية والواقعيّة. ولكن يجب أن نعرف أن الواقعية التي يهتف بشعارها بعض الناس، ويؤكد عليها الؤمنون بحقّ، أصبحت اليوم عمادا للدفاع عن القيم، فحسبنا اليوم أن نؤكد على هذه الواقعيّة والعقلانية ونستدلّ بها على أحقية مبادئنا وقيمنا. لقد تيسّر اليوم وعبر نموّ العقل والتجارب أن نفهم وندرك جميع القيم بالعقلانيّة والواقعيّة.
              کنا نقول قبل ثلاثین عاما: لابدّ أن نراعي مصالحنا الوطنية وفي نفس الوقت لا ينبغي أن ننسى القيم الإسلامية. أمّا الآن فقد أصبح المناخ السياسي في العالم من الشفافية والوضوح بمكان بحيث حتى إن أردنا تحقيق مصالحنا الوطنية فقط، فقد حفظنا القيم أيضا. كما يجب على مختلف التيّارات السياسيّة أن يعيدوا تعريفهم عن أنفسهم ويحدّدوا موقعهم الدقيق تجاه العقلانية السياسية اليوم.
              يودّ بعض الناس أن يحقّق الأمان والرفاه في هذا البلد عن طريق تحسين العلاقات السياسية والدوليّة وإرضاء هذا وذاك فقط. فعلى سبيل المثال كانت سورية قد اتخذت هذه السياسة فهي كانت تحافظ على أمنها واستقرارها عبر معادلات المنطقة، يعني كانت تعتمد في حفظ أمنها على تحسين علاقاتها مع بلدان المنطقة دون أن تسيطر سيطرة كاملة وشديدة على حدودها. ولكن قد اتضح أن هذا الأمن أمن هشّ واهن، إذ إن أرادت دول الجوار أو بلدان المنطقة ولأي سبب كان أن يدخلوا جيوشا من الإرهابيين في البلد، كيف يمكن السيطرة عليها عندئذ؟!
              من الذي لا يعرف أن التراجع أمام العدو اليوم مخالف للمصالح الوطنية، ومن الذي لا يعرف أن العدو بصدد التوغل واقتحام البلد في أي لحظة، ولا يمكن أن نرى منه أي نصح؟ فلا يحتاج فهم هذه الحقائق إلى عقائد ثورية راسخة.

              العقل يقمع الأهواء السيئة بالرغائب الحسنة/ اتباع الهوى عدوّ العقل

              يتمّ جهاد أهواء النفس والرغائب السيئة عبر الرغائب الحسنة. فإذا قيل أن العقل هو الذي يحارب أهواء النفس فمعنى ذلك أن العقل يقمع الأهواء السيئة بالرغائب الحسنة.
              یقول أمير المؤمنين(ع): «أَعْقَلُ‏ النَّاسِ‏ أَنْظَرُهُمْ‏ فِی الْعَوَاقِب» [غرر الحكم/ص217/الحديث542] إذن بطبيعة الحال أعقل الناس من أخذ يوم القيامة أيضا بعين الاعتبار والأعقل منه من ينظر في درجات الجنّة ويصبو إلى الصعود إلى أعلى درجات الجنان.
              عدو العقل اتباع الهوى. لأنه يأمرك أن تتبع المشتهيات والرغبات القريبة التي في متناول يدك بلا أن تفكّر في يوم غد! أمّا العقل فيفكّر بيوم الغد وحتى بالمستقبل البعيد.

              إن هوى النفس عدوّ للعقل وكذلك عدوّ للعشق/ إن رُشّت بذور اتباع الهوى في المجتمع، يمت العشق/ النساء أول المتضرّرين من السفور

              ليس العقل هو الوحيد في مجاهدة هوى النفس، بحيث إذا تغلّب الهوى فنى العقل، بل إن الهوى هو عدوّ للعشق ويحاربه. العشق بمعناه المستعمل في أدبياتنا العرفانية هو الحبّ الشديد الذي يحصل في القضايا المعنوية أكثر من المادّية.
              إذا استطعنا أن نرسّخ هذا المفهوم في المجتمع، سوف يتصّدى النساء أنفسهم للحفاظ على الحياء والحجاب، إذ سوف تعي المرأة بأنها إن لم تحافظ على حجابها فإنها قد ساهمت بترك حجابها في ازدياد أرضية اتباع الهوى في المجتمع، وعندئذ سوف تكون هي المتضرّرة الأولى من تفشّي ظاهرة اتباع الهوى. وذلك لأنه إن رُشّت بذور اتباع الهوى في المجتمع، يمت العشق أي الحبّ الشديد والطويل المدى، وسوف يعجز الرجال عن عشق أزواجهم وحبّهنّ الشديد. وسوف تنقص سنيّ عزّ المرأة إلى سنيّ فترة لعب لاعبي كرة القدم، كما أن اليوم أصبحت سنوات عزّ المرأة في الغرب قصيرة جدّا وسرعان ما تُرمى بعد مضيّ سنين قصيرة. وبما أنه ليس لهنّ أي أسرة فيضطرن إلى الحياة في باقي عمرهن مع قططهن وكلابهنّ. وكأن المرأة الغربيّة قد رضت بذلك. هكذا يتعامل المجتمع الغربي معها كسلعة سرعان ما تنتهي مدّة استعمالها.

              لقد أدى اتباع الهوى إلى فناء العشق والحبّ في الغرب/ ما هي الأكذوبة التي تسوّق على الشباب في كثير من الأفلام

              لقد أدى اتباع الهوى إلى فناء العشق والحبّ في الغرب. ومع الأسف قلّ ما أنتج فيلم أو مسلسل أو فيلم وثائقيّ يعكس هذا الواقع إلى أبناء مجتمعنا من النساء والرجال. يمكن إنتاج أفلام كثيرة في موضوع العلاقة بين المرأة والرجل، بحيث تكون جذابة من جانب و تقضي على الفسوق والفجور بدلا من تعزيزها من جانب آخر.
              من المؤسف أن الكثير من الأفلام تكذب على شبابنا فهي تلقي لهم هذا المعنى الكاذب وهو أنه بإمكان الشباب والشابات أن يعشق بعضهم بعضا ويسعدا مع بعض بالرغم من فسقهم واتباعهم الهوى.

              يتبع إن شاء الله...

              تعليق


              • #82
                الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 3.27

                بإمكان الإنسان الذي يحظى بالعقل أن يعيش أرقى اللذات وأحلاها/ إن لذّة المشي في مسيرة الأربعين أعلى من لذّة أيّ فسق وفجور

                لقد بلغ عقل الناس من الرشد بمكان بحيث، لا داعي إلى استخدام الآيات والروايات لتفهيمهم أن «اتباع الهوى» يفني العقل ويقضي على العشق. بإمكاننا أن نفهم هذا المعنى من خلال التجربة وندرك أن «جهاد النفس» يزيد العاطفة غزارة ويؤهّل الناس للحبّ الشديد والطويل المدى. هذا هو الواقع الذي نعيشه اليوم ونشاهده حولنا وفي عالمنا.
                بإمكان الإنسان الذي يحظى بالعقل وينظر إلى المستقبل الأبعد كالجنة، أن يعاشق الجنّة وما فوقها يعني لقاءَ الله عز وجل، وأن يتمتّع بلذّة لا يذوقها أفسق الناس في ألهى الملاهي. فعلى سبيل المثال نشير إلى اللذة التي لا يمكن وصفها والتي تعتري زائري أبي عبد الله الحسين المشاة إلى كربلاء في أيّام الأربعين. فأولئك الذين حضروا في هذه الشعيرة العظيمة، يشعرون في تلك الأجواء الرهيبة التي لا توصف بلذّة لا يذوقها طلّاب اللذة والفسق والفجور في أي مكان من هذا العالم.

                حريّ بالإنسان أن يتحسّر على حرمان أتباع الهوى وخيبتهم في الحياة

                حريّ بالإنسان أن يتحسّر على حرمان أتباع الهوى وخيبتهم في الحياة. ينبغي أن ندعو لهؤلاء المساكين، فإنهم معوّقون في روحهم وذهنهم. لقد أصاب هؤلاء أنفسهم وأرواحهم بجروح وقد قضوا على أرواحهم كالمصاب المجروح إثر حادث اصطدام. لقد اتبع هؤلاء المساكين أهواءهم وسلكوا طريق الفسق والفجور ليسعدوا بلذّته، وهم لا يعرفون أن اللذة الحقيقية هي في مجاهدة الهوى لا في اتباعه. ففي الواقع قد كُذِب على هؤلاء وخدعوا.

                إن التزمت بدينك وجاهدت نفسك بعقلك، تجد العشق

                قد يتبادر هذا السؤال وهو: إن أردت أن ألازم الدين بعقلي، فعندئذ لا أتمتّع بديانتي، إذ أن اللذة في العشق لا في العقل. الجواب هو: إن التزمت بدينك وجاهدت نفسك بعقلك، تجد العشق. إذ أن العشق لا ينافي العقل وإن كان قد يكون مخالفا للعقل الضيّق النطاق والمقتصر على تدبير الدنيا، ولكنه لا يتعارض مع العقل بشكل عام.
                يشير عليك العقل أن تخطو خطاك في سبيل الله فإنه لصالحك، ومن مصلحتك أيضا أن لا تذنب وأن تفعل الأعمال الصالحة. العقل يحكم بأن (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِکُمْ وَ إِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) [الإسراء/7] والعقل يحكم بأن لا يمكن الفرار من حكومة الله؛ «لَا یُمْکِنُ‏ الْفِرَارُ مِنْ حُکُومَتِك» [مصباح المتهجد/ج2/ص845]
                ولكن أين يوجد العشق؟ إن كففت عن الهوى سوف تعشق من ترى نفسك بمقتضى العقل أسيرا بيده. يعني سوف تستعدّ للعشق أولا إذ لم تتبع هواك، وثانيا سوف ترى أنه لا يليق أحد بالعشق والحبِّ سواه. وهنا سوف يتبلور تركيب رائع وفريد وهو أنك عبر هذه التزكية سوف تعشق إلها مضطرّا إليه ولا مفرّ لك منه، وهذا ما يحقّق علاقة حبّ عجيبة ورائعة جدّا من شأنها أن تصيّرك للفناء فيها.
                لقد قال أمير المؤمنين(ع) عن شدّة عشق الله عز وجل: «حُبُ‏ اللَّهِ‏ نَارٌ لَا تَمُرُّ عَلَى‏ شَیْ‏ءٍ إِلَّا احْتَرَق» [مصباح الشريعة/ص192]. وهذا الحبّ هو حبّ من أنت مضطرّ إليه بحسب العقل، وفي نفس الوقت قد شغف بحبّه قلبك. فإنك إن تقبل على مناجاة الله بهذا النَفَس، سوف تعي لغة المناجاة أفضل.

                في بداية المطاف يدرك الإنسان بعقله أنه مقهور بإرادة الله، وبعد ذلك يشعر كم هو مشتاق إلى هذا الربّ

                العقل يضطر الإنسان إلى الحركة باتجاه الله سبحانه، إذ سوف تدرك بعقلك أن جميع أنواع الحبّ والغرام لا تلصق بالفؤاد إلا محبّة الله وأهل البيت(ع)، ولا سبيل إلى السعادة غير هذا الطريق. فمن لم يكن مريض القلب يعشقهم كما لا يجد طريقا غير سلوك طريق حبّهم والتقرّب إليهم.
                في بداية المطاف يدرك الإنسان بعقله أنه مقهور بإرادة الله، وبعد ذلك يشعر كم هو مشتاق إلى هذا الربّ وكم هو يحبّه. يزعم الكثير من الناس أنهم إذا اضطرّوا إلى شيء سوف لا يحبّونه فضلا عن أن يعشقوه. ولكن ليس الأمر مع الله عز وجل كذلك. فنحن وإن كنّا مضطرّين إلى الله وأسراء بيده ولكن نستطيع أن نعشقه في نفس الوقت.

                يتبلور العشق فيما إذا عرفت بعقلك أن مصالحك كلّها تتحقّق عبر سلوكك إلى الله، ولكن تغضّ النظر عن هذه المصالح!

                يتبلور العشق من تلك اللحظة التي تعرف فيها بعقلك أن بكلّ خطوة تخطوها إلى الله يتحقّق شيء من مصالحك، ولكن تغضّ النظر عن هذه المصالح ثم تواصل الطريق إلى الله بدافع حبّ الله وحسب.
                فإن قيل أن هناك نزاع بين العقل والعشق فلا يعني أن العقل يحكم بضرر شيء والعشق يحكم بمصلحته، فتضطر إلى اختيار أحدهما دون الآخر! فإن هذا الانطباع عن النزاع بين العقل والعشق غير صحيح. النزاع الحقيقي بين العقل والعشق في أن: «العقل يفتح عينيك لترى منافع العمل الصالح، بينما يدعوك العشق إلى غمض العين عن أرباح هذا العمل وأن تسلك هذا الطريق بدافع الحبّ وحسب». فإنك إن غضضت النظر عن المصالح التي يراها العقل وأديت فعل الخير بدافع العشق لم تنحرف عن طريق العقلانية. لأنك إن كنت قد فتحت عينك واحتسبت المصالح والأرباح لما ملت عن هذا الطريق.

                أوج الإخلاص هو تعبير آخر عن العشق

                أوج الإخلاص هو تعبير آخر عن العشق بالمعنى الذي ذكرناه آنفا أي (أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) [البقرة/165]. الإخلاص هو أن تعلم وتشعر بالمنافع المعنوية والمادية التي يؤدّي إليها العمل الذي تقوم به، ولكن لا تنظر إليها وتجعل نيتك خالصة لله. وليس العشق غير هذا.
                يزعم كثير من الناس أن معنى الإخلاص هو أن تقول لله: «إلهي، أنا أقوم بهذا العمل في سبيلك ومن أجلك وإن كان بضرري!» فهم يتصوّرون العشق والإخلاص بهذه الصورة المشوّهة وغير العقلانية. فكأنهم يمنّون على الله! فی حین أن الله سيعطي عبده ما لا يحصى من الأجر والثواب على كل قطرة من دمه، بالإضافة إلى أن من يقتل في سبيل الله، كان قد انتهى أجله، فتفضّل الله عليه ومنّ عليه فأعطاه فرصة الجهاد لكي يراق دمه في سبيله. وهذه حقيقة تبيّنها الآيات والروايات وهي أن الجهاد في سبيل الله لا يقرّب موت أحد، وأما من كان قد جاء أجله، فإنه إن فرّ من الجهاد فسوف يلقى الموت في جوف بيته؛ (یَقُولُونَ لَوْ کانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَیْ‏ءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ کُنْتُمْ فی‏ بُیُوتِکُمْ لَبَرَزَ الَّذینَ کُتِبَ عَلَیْهِمُ الْقَتْلُ إِلى‏ مَضاجِعِهِم) [آل عمران/154]

                يتبع إن شاء الله...

                تعليق


                • #83
                  الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 4.28


                  معنى العشق هو أن يقول عقلك: «إن في هذا العمل منافع كثيرة» ويقول العشق: «لا تنظر إلى منافعه»


                  يقول العقل: «إن كان لابدّ من مغادرة هذه الدنيا في تاريخ محدّد، فادع بالشهادة، إذ أن الشهادة لا تقرّب من أجل الإنسان شيئا». فهو يحكم بمصلحة الشهادة للإنسان. ولكن بعد أن عرفت أن هذه الشهادة لصالحك، يقتضي العشق أن تسلك درب الشهادة بغض النظر عن منافعه ومصالحه.

                  إن أصبح الإنسان عاشقا، سوف لا يرى شيئا من المنافع الأخروية والدنيوية التي سوف يحظى بها في هذا الطريق سوى الله عز وجل. ليس معنى العشق هو أن ينهاك عقلك من أمر لمضارّه، ويدفعك العشق صوبه بالرغم من أضراره! معنى العشق هو أن يرغّبك العقل بأمر ما لما ينطوي عليه من منافع وأرباح طائلة، وفي المقابل ينهاك العشق أن ترى هذه المنافع كلّها لكي تقوم بهذا العمل الصالح النافع لوجه الله ولحبّه.

                  فجاهد نفسك لتفعّل وتعزّز عقلك، ثمّ واصل الجهاد لكي تنال العشق والإخلاص

                  إذن فجاهد نفسك لتفعّل وتعزّز عقلك، ثم واصل الجهاد لكي تنال العشق والإخلاص. فقد قال أمير المؤمنين(ع): «کَیْفَ یَسْتَطِیعُ الْإِخْلَاصَ مَنْ یَغْلِبُهُ الْهَوَى» [غرر الحكم/ص516]

                  إن الله سبحانه يريك بعض آثار الطاعة والعبادة في هذه الدنيا ليرى هل أنت عاشقه أم لا. وهل تنظر بطمع إلى هذه المنافع أم لا. ولهذا السبب يمنح اللهُ العرفاءَ كرامات وقدرات خارفة، فلو التهوا بهذه الكرامات، لسقطوا من مقامهم المعنوي.

                  صلى الله عليك يا أبا عبد الله

                  أقبل أبو الفضل العبّاس نحو الشريعة، فهل كان يعلم أنه إذا استشهد في مثل هذا الموقف ينال درجة يغبطه سائر الشهداء أم لا؟! من المؤكد أنه كان يعلم. ولكن العشق هو أن تعلم كل هذه الحقائق ولكن تغض النظر عنها. ولذلك عند ما وصل العبّاس إلى الشريعة لم يكن يفكّر بشيء إلّا بالحسين وبأطفال الحسين(ع) غافلا عن كونه قد اقترب من أعلى درجات الجنان.

                  يا أبا الفضل العبّاس أدركنا في هذه الليلة وخذ بأيدينا بيديك القطيعتين. يا أبا الفضل العبّاس ويا باب الحوائج، هذه الليلة الأخيرة من شهر رمضان، يأتيك المصابون بمختلف الأمراض المستعصية ويشفون عند ضريحك، فاشفِ قلبي سيدي. إن لم يعافَ بعض المرضى فلعلّ ذلك بمصلحتهم، ولكن هل هناك مصلحة في بقاء أمراضي الروحية بلا علاج؟!

                  لقد انتهت الليلة الأخيرة من شهر رمضان وأنا لم أستفد من هذا الشهر وخرّبته. إن بعض القرويّين من العرب لهم عقيدة عجیبة بأبي الفضل العباس(ع). يقول أحد الزوّار كنت واقفا إلى جنب ضريح العباس(ع) وإذا برجل عربيّ قرويّ جاء وألصق رأس ابنه بضريح العبّاس وبدأ يتكلم بكلام لم أفهم منه شيئا. ثم يرجّع رأس ابنه ويسأله عن صحّته، فأجابه ابنه بالنفي. فأعاد عمليّته مرّة أخرى. فسألت أحد الخدّام الذين يعرفون الفارسية فقلت له ماذا يفعل هذا الرجل؟ فالتفت إليه واستمع إلى حديثه فاستعبر وبكى. فقال: يقول هذا الرجل للعباس، يا عبّاس رأس ولدي يوجعه ولا يطيب، فعافِه بسرعة لأني أريد أن أرجع. فيسأل ابنه هل طاب رأسك؟ فأجابه ابنه: لا بعد. فيقول له: اصبر قليلا فالآن يشفيك العبّاس. هكذا يعتقد الناس بأبي الفضل العبّاس.

                  أحد الأصدقاء من أهالي مشهد، يقول: كنت في حرم العبّاس فرأيت أحد المرضى قد طاب بفضل أبي الفضل العبّاس. ولكني استغربت عندما رأيت أن الخدّام لم يكترثوا كثيرا بهذه الكرامة وكأن لم يحدث شيء عجيب. فقلت لهم: لقد شفي هذا المريض! فلو كان قد شفي في مشهد لقامت القيامة! فأجابني أحدهم قال: لا تستغرب فهذه الأحداث عادية هنا. هذا هو العباس. سيدي يا باب الحوائج! لقد جئت إليك بقلب مريض فاشفه وعافه.

                  أحد الأطبّاء المؤمنين من أقرباء العارف آية الله العظمى بهاء الديني(ره)، ومن المقرّبين له قال: أخبروني بعد أيّام عاشوراء أن صحّة السيد بهاء الديني سيئة. فجئت إلى قم لزيارته وفحصه فرأيته شاخصا إلى نقطة ثابتة من الجدار ولا يتكلم. فبدأت أفحصه ولكن لم أر آثارا من مرض. فقلت: إن السيد قد صدم بقضية روحيّة! ولكن أين السيد بهاء الديني من الصدمات الروحية؟! إذ كان جبلا شامخا لا يهتزّ. كان يخبر عن الغيب والمستقبل ويتحدّث مع أرواح المؤمنين في عالم البرزخ.

                  فحاولت أن أتمازح مع السيد ولكن لم تتغير صحّته. إلى أن قلت له سيدنا: أنت الذي يجب أن تساعدني لأعرف السبب من هذه الحالة. ثم بدأت أعطيه أدوية مهدئة بمدّة يومين، فتحسّنت صحّته. فقلت له: إذن سيدنا يجب أن تحكي لنا قصتك. ثم مرّت خمسة عشر يوما وتحسّنت صحّته، حتى بدأ يتكلّم ويضحك. فقلت له: قل لي سيدنا ماذا حدث بك، فقد سمعت أن قد تدهورت صحتك من يوم تاسوعاء؟ (يوم التاسع من المحرم في إيران هو يوم العباس). فقال لي: أترك الموضوع، ولكني أخطأت وأصررت على السيد. فما أن قال لي قصّته تدهورت حالته مرّة أخرى. ما الذي أثّر في قلب السيد بهاء الديني بهذا القدر؟ يقول: قال لي السيد، أنا قد التفتت لحظة واحدة إلى قلب أبي الفضل العبّاس عندما يئس من إيصال قربته إلى المخيّم. ثم صاح صيحة وقال: واويلي على يأس العبّاس!



                  تعليق


                  • #84
                    الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 1.29

                    الطرق العملية لجهاد النفس: «ترك الشهوات» و «الصبر على المكاره»/ بإمكان الإنسان أن يحلّق بجناحي «ترك الهوی» و «الصبر في البلاء»/ إن جهاد النفس عملية دائمية وهي مستمرّة إلى آخر عمر الإنسان

                    إليك ملخّص الجلسة التاسعة والعشرين من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.

                    مرور على ما سبق/ لقد تمّ تصميم حياة الإنسان وخلقته بحیث تفرض الدنيا علينا بعض المعاناة وكذلك قد انطوى وجودنا على بعض العناء

                    في هذه الجلسة والتي هي الجلسة الأخيرة من ليالي شهر رمضان، في البداية نستعرض موجز الأبحاث المطروحة في الجلسات السابقة، ثم ننتهي إلى ذكر عدد من الطرق العملية والقواعد التنفيذية لإدارة عملية جهاد النفس.
                    لقد ذكرنا أن فلسفة خلق الإنسان هي: 1ـ أن يرشد ويتكامل عبر الشدّة والعناء. 2ـ بغض النظر عن فلسفة خلق الإنسان والهدف منه، تركيبة وجود الإنسان تفرض عليه العناء، إذ قد انطوى وجود الإنسان على عدّة رغبات متعارضة، ولذلك فلا سبيل للإنسان لتلبية جميع رغباته. 3ـ لقد جعلت حياة الإنسان في بيئة متزاحمة مع كثير من أهواء الإنسان، ولذلك فمن المحال أن لا تواجهوا طيلة حياتكم بعض الأشخاص الذين لم يسيئوا إليكم لسوء تفاهم.
                    لقد تمّ تصميم حياة الإنسان وخلقته بحیث تفرض الدنيا علينا بعض المعاناة وكذلك قد انطوى وجودنا على بعض العناء. فسواء علينا أسلكنا طريق الهدى صوب الله أم لا، فلابدّ من المعاناة (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فی‏ کَبَد) [بلد/4]

                    إن كان لابدّ من تحمّل العناء في الدنيا، فلابدّ من إدارة المعاناة/ لابدّ أن ندير المعاناة وفقا لبرنامج في جهاد النفس

                    بعد أن عرفنا أن لابدّ من المعاناة في الحياة الدنيا، ننتهي إلى هذه النتيجة وهي أنه يجب إدارة هذا العسر والعناء، في سبيل أن: 1ـ نقلّل من هذه المعاناة بقدر المستطاع 2ـ نحظى بأفضل نفع من مقاساة هذه المشقّة 3ـ نحقّق الهدف المنشود من هذه المعاناة ولا نكون مصداقا لقوله: (خَسِرَ الدُّنْیا وَ الْآخِرَه) [الحج/11] يعني أن لا نكون بحيث نتحمّل كل هذا العناء ثم لا نكسب أي شيء ولا يكون لنا في الآخرة من خلاق. لذلك لابدّ أن نتجهّز ببرنامج لإدارة المعاناة وفقا لبرنامج في جهاد النفس.
                    إن برنامج جهاد النفس وإدارة المعاناة والصعوبات لهو الطريق الوحيد في حياة الإنسان. وهو يشمل جميع مراحل حياة الإنسان من بدايته إلى نهايته. أما باقي المفاهيم والوصايا والبرامج فهي إما مقدّمته أو أجزاؤه أو نتيجته.
                    الإيمان يشحننا عزما على جهاد النفس. وأما هدف جهاد النفس فكسب الصلاح ورشد المواهب وتعادل الروح وكثير من الفوائد الدنيوية والأخروية والمادية والمعنوية، أما الهدف الأرقى والأسمى من جهاد النفس فهو «الاستعداد والتأهّل للقاء الله».

                    إن أدرنا عملية جهاد النفس وفقا لرغبتنا وتشخيصنا، فإننا في الواقع قد اتبعنا هوى نفسنا/ لا يتحقّق جهاد النفس بلا أوامر

                    بعد ما عرفنا ضرورة إدارة هذه المعاناة، وعرفنا أن جهاد النفس هو في الواقع حقيقة مهمّتنا لإدارة المعاناة في الدنيا، فهنا إذا أردنا أن ندير عملية جهاد النفس وفقا لرغبتنا وتشخيصنا، فقد رجعنا في ورطة اتباع الهوى. إذ قمنا بجهاد نفسنا بأمر من نفسنا وهذا نقض للغرض، فلا ترتفع أنانية النفس وكبريائها عبر هذا الأسلوب.
                    ليس من شأن أيّ معاناة وأيّ جهاد للنفس أن يطهّر الإنسان ويزيل عنه لوث الكبر. فإننا إن جاهدنا أنفسنا وفقا لرغبتنا، فسوف تكبر نفسنا وتسمن. وهذا يعني إذا أردنا أن نجاهد أنفسنا فلابدّ أن يأمرنا شخص آخر وإلا فيصبح جهادنا بلا فائدة. ولذلك تفضّل علينا الله وأمرنا عن طريق أنبيائه. لماذا نقول أن الله تفضّل علينا في إصدار أوامره؟ لأن كثيرا من الأعمال الصالحة التي أمرنا الله بها، هي من الأعمال التي كان بإمكاننا أن نشخصها وندرك حسنها حتى ولو لم يأمرنا الله بها، مثل التصدق على الفقير، ولكن الله قد تفضّل علينا وأمرنا بذلك لكي لا تكبر أنانيّتنا، إذ لو كانت نفسنا هي المحور في تشخيص الصحيح عن الخطأ وكانت هي صاحبة الرأي في تربيتنا، لملئت كبرا وطغيانا.

                    نحن نودّ أن نتعاظم ونزداد قدرا، ولكن لا سبيل إلى تلبية هذه الرغبة إلا بـ «الاتصال بالعظيم»/ طريق الاتصال إلى الله هو التواضع والعبودية

                    هنا انتهينا إلى مفهوم العبودية الرائع. فيدخل هذا المفهوم في موضوع إدارة جهاد النفس. إذا أردنا أن نتصل بالله العظيم والمتكبّر فلابدّ لنا أن نتواضع أمام كبريائه. نحن نودّ أن نتعاظم ونزداد قدرا، ولكن لا سبيل إلى تلبية هذه الرغبة إلا بـ «الاتصال بالعظيم». مثل الإمام الخميني(ره) الذي بلغ العزّ والعظمة عبر التواضع والتذلل إلى الله، وإلا فإن أردنا أن نلبّي هذه الرغبة عن طريق آخر، سينتهي حالنا إلى الكبر ونصبح متكبّرين بحيث نحرم استشمام ریح الجنة؛ «مَن ماتَ و في قَلبِهِ مِثقالُ ذَرَّةٍ مِن کِبرٍ لم یَجِدْ رائحَةَ الجَنَّةِ» [أمالي الشيخ الطوسي/ص537]

                    تزهق أنانيتنا عبر اتباع وليّ الله/ الولاية هي المفهوم الثاني في مسار عملية جهاد النفس/ التقوى هي برنامج لجهاد النفس

                    بعد ما أقرنا بضرورة أمر الله في عملية إدارة جهاد النفس، هنا يتبلور مفهوم رئيس ومبارك باسم «الولاية». لأن الله لا يصدر جميع أوامره بشكل مباشر، بل من أجل أن تذلّ نفسنا واقعا، يصدر بعض الأوامر وليّ الله. فهنا تزهق أنانيّتنا باتباع ولي الله. لأن من طبيعة الإنسان أن يصعب عليه إطاعة بشر مثله، إلّا أن الله قد سهّل علينا إطاعة وليّه إذ قد اختار أفضل خلقه وأحسنهم وأفضلهم وأجملهم وليّا له.
                    إذن المفهوم الأول الذي نواجهه في مسار إدارة جهاد النفس هو «العبودية»، والمفهوم الثاني هو «الولاية». ثم يأتي دور البرنامج في جهاد النفس والذي يتمثّل في أوامر الله ونواهيه والذي يسمّى بـ «التقوى».

                    يتبع إن شاء الله...

                    تعليق


                    • #85
                      الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 2.29


                      الطرق العملية لجهاد النفس/ يرتكز جهاد النفس على ركنين: 1ـ ترك الشهوات 2ـ الصبر على المكاره


                      وأما في تكملة البحث، نقف عند الطرق العملية لجهاد النفس ونعرّف عددا من القواعد التنفيذية لإدارة هوى النفس. يرتكز جهاد النفس على ركنين، ولابدّ من مراعاتهما معا: الأول: ترك الشهوات والثاني: الصبر على المكاره.

                      قال الإمام الصادق(ع) لأحد أصحابه: «بِحَقٍّ أَقُولُ‏ لَکُمْ‏ إِنَّکُمْ‏ لَا تُصِیبُونَ‏ مَا تُرِیدُونَ إِلَّا بِتَرْكِ مَا تَشْتَهُونَ وَ لَا تَنَالُونَ مَا تَأْمُلُونَ إِلَّا بِالصَّبْرِ عَلَى مَا تَکْرَهُونَ» [تحف العقول/ص305 و أمالي المفيد/208]

                      ترى بعض الناس مستعدّين لترك الذنب والشهوات، ولكنهم غير مستعدّين للصبر على البلاء والمصائب/ بإمكان الإنسان أن يحلّق بجناحي «ترک الهوی» و «الصبر في البلاء»


                      ترى بعض المتدينين مستعدّين لترك الذنب والشهوات، ولكنهم غير مستعدّين للصبر على البلاء والمصائب. ومن جانب آخر ترى بعض الناس مستعدّين للصبر على البلاء ولكنهم غير مستعدّين لترك المعاصي. في حين أنه لابدّ من حفظ هذين الركنين معاً لكي يُنتِجا. إذ بإمكان الإنسان أن يحلّق بجناحين؛ أحدهما هي أن يترك الهوى والهوس ويكفّ عن الذنوب والأخرى هي أن يصبر على البلاء إذا نزل به.

                      سئل الحاج دولابي(ره) أن يعطي وصفة للسير والسلوك إلى الله، فقال: لا حاجة إلى وصفة «فاذهبوا وارضوا» بما قدّر الله لكم! إذ قلّما تجد راضيا بين الناس. نفس هذه الأعمال الصالحة التي نقوم بها وما نمارسه من مراقبة في ترك الذنوب، إن دمجناها بالرضا، فسوف تعيننا على الإقلاع والتحليق بهذين الجناحين.

                      الصبر على المكاره جهاد للنفس في حدّ ذاته. مجرّد رضا الإنسان وعدم شكواه مع نفسه من المصائب والمكاره، يحسب جهادا للنفس. فقد يبتلى الإنسان ببعض المشاكل ولكن يحافظ على بسمته في داخله ومع ربّه، فهذا جهاد للنفس أيضا وممّا يكسب رضا الرحمن. لأن الله يعلم جيّدا مدى معاناة عبده في هذه المشكلة، ولكنه يراه راضيا عنه وشاكرا له.

                      لقد كان الإمام الحسين(ع) في يوم عاشوراء محافظا على رضاه عن الله، ففي إحدى هذه المواقف العظيمة جدّا على قلبه، في تلك اللحظة الذي ذبح فيها طفله الرضيع في يده، رمى بدم عبدالله الرضيع إلى السماء وقال: «هونٌ‏ عَلَيَّ‏ مَا نَزَلَ بِي أَنَّهُ بِعَیْنِ‏ اللَّه» [اللهوف/ص117] فقد جسّد الإمام أحد أعظم مصاديق قوله تعالى: (ارْجِعي‏ إِلى‏ رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّة) [الفجر/28].

                      يجب أن يكون جهاد النفس دأب الإنسان يوميّا وفي كلّ حال


                      قال أمير المؤمنين(ع): «وَ مَنْ أَرَادَ إِصْلَاحَ‏ حَالِهِ‏ وَ سَلَامَةَ نَفْسِهِ فَلْیَجْعَلْ دَأْبَهُ مُجَاهَدَةَ النَّفْسِ عِنْدَ کُلِّ حَالٍ» [إرشاد القلوب/ج1/ص98] يجب أن يصبح جهاد النفس دأب الإنسان يوميا وفي كلّ حال، بحيث لا يغفل عن هذا الأمر لحظة واحدة.

                      إن جهاد النفس عملية مستمرّة وهي باقية إلى آخر العمر


                      سئل الإمام الصادق(ع): «أَیْنَ طَرِیقُ‏ الرَّاحَةِ؟ فَقَالَ ع: فِي خِلَافِ الْهَوَى. قِیلَ: فَمَتَى یَجِدُ عَبْدٌ الرَّاحَةَ؟ فَقَالَ ع عِنْدَ أَوَّلِ یَوْمٍ یَصِیرُ فِي الْجَنَّة» [تحف العقول/ص370] وهذا يعني أن جهاد النفس عملية مستمرّة وهي باقية إلى آخر العمر. يعني مادام الإنسان يعيش في هذه الدنيا فيجب أن يخالف هواه دائما، ولا فرق بين أن يكون في المراحل الابتدائية أو في المراتب العالية. فحتى العرفاء ورجالنا العظام كانوا يجاهدون أنفسهم إلى آخر عمرهم، طبعا كلّ بحسبه وبمقتضى درجته ومستواه.

                      حديث قدسي: إِذَا عَلِمْت‏ أَنَّ الْغَالِبَ‏ عَلَى عَبْدِيَ‏ الِاشْتِغَالُ بِي نَقَلْتُ‏ شَهْوَتَهُ‏ فِي مَسْأَلَتِي وَ مُنَاجَاتِي/ إن ذكر الله ومناجاته من اللذة والحلاوة بمكان بحيث يملأ فراغ لذة الشهوات


                      قال النبي(ص): «قَالَ اللهُ تَبَارَك وَتَعالَى إِذَا عَلِمْت‏ أَنَّ الْغَالِبَ‏ عَلَى عَبْدِيَ‏ الِاشْتِغَالُ بِي نَقَلْتُ‏ شَهْوَتَهُ‏ فِي مَسْأَلَتِي وَ مُنَاجَاتِي فَإِذَا کَانَ عَبْدِي کَذَلِكَ فَأَرَادَ أَنْ یَسْهُوَ حُلْتُ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ أَنْ یَسْهُوَ أُولَئِكَ أَوْلِیَائِي حَقّاً أُولَئِكَ الْأَبْطَالُ حَقّاً أُولَئِكَ الَّذِینَ إِذَا أَرَدْتُ أَنْ أُهْلِكَ الْأَرْضَ عُقُوبَةً زَوَیْتُهَا عَنْهُمْ مِنْ أَجْلِ أُولَئِكَ الْأَبْطَال» [عدة الداعي/ص250]

                      إن سعيتم قليلا وانشغلتم بعملية جهاد النفس وجعلتم ذلك همّا لكم، سوف ترون حسن تعامل الله معكم ومدى لطفه بكم. فلنسأل الله أن يجعلنا من الذين غفلوا عن شهواتهم وانشغلوا بذكره. إن ذكر الله ومناجاته من اللذة والحلاوة بمكان بحيث يملأ فراغ لذة الشهوات.

                      سأل أحد الأشخاص رسول الله(ص): «فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ کَیْفَ‏ الطَّرِیقُ‏ إِلَى‏ مَعْرِفَةِ الْحَقِ‏ فَقَالَ ع مَعْرِفَةُ النَّفْسِ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ کَیْفَ الطَّرِیقُ إِلَى مُوَافَقَةِ الْحَقِّ قَالَ مُخَالَفَةُ النَّفْسِ قَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ فَکَیْفَ الطَّرِیقُ إِلَى رِضَاءِ الْحَقِّ قَالَ سَخَطُ النَّفْسِ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ فَکَیْفَ الطَّرِیقُ إِلَى وَصْلِ الْحَقِّ قَالَ هَجْرُ النَّفْسِ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ فَکَیْفَ الطَّرِیقُ إِلَى طَاعَةِ الْحَقِّ قَالَ عِصْیَانُ النَّفْسِ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ فَکَیْفَ الطَّرِیقُ إِلَى ذِکْرِ الْحَقِّ قَالَ نِسْیَانُ النَّفْسِ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ فَکَیْفَ الطَّرِیقُ إِلَى قُرْبِ الْحَقِّ قَالَ التَّبَاعُدُ عَنِ النَّفْسِ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ فَکَیْفَ الطَّرِیقُ إِلَى أُنْسِ الْحَقِّ قَالَ الْوَحْشَةُ مِنَ النَّفْسِ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ کَیْفَ الطَّرِیقُ إِلَى ذَلِكَ قَالَ الِاسْتِعَانَةُ بِالْحَقِّ عَلَى النَّفْس» [عوالي اللئالي/ج1/ص246]

                      دعاؤنا في آخر شهر رمضان هو أن نقول: اللهم انصرنا على أنفسنا وأعنا في مخالفة هوى نفسنا.



                      تعليق


                      • #86
                        الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 1.30


                        الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني ـ 30



                        يجب أن نتجهّز ببرنامج تعليمي لطرق جهاد النفس/ كان لقمان يتعلّم «علم جهاد النفس»/ الخطوة الأولى: هي أن نعتبر النفس أعدى عدوّنا



                        الزمان: 16/08/2013

                        المكان: طهران ـ مسجد الإمام الصادق(ع)

                        استمرّت جلسات هيئة محبي أمير المؤمنين(ع) الأسبوعية بعد شهر رمضان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» تكملة لما طرحه في شهر رمضان. فإليكم أهم المقاطع من كلمته:


                        لماذا آتى الله لقمان الحكمة؟/ الإمام الصادق(ع): یَتَعَلَّمُ‏ مَا یَغْلِبُ‏ بِهِ‏ نَفْسَهُ‏ وَ یُجَاهِدُ بِهِ هَوَاه


                        عرفنا في الجلسات الماضية أن «جهاد النفس» هو الطريق الوحيد لتعالي الإنسان وتحسين مستوى العبودية والحياة، كما هو الطريق الوحيد لنيل مقام القرب إلى الله في آخر المطاف. بطبيعة الحال وبعد القبول بهذا الأصل لابدّ لنا أن نلتفت إلى الأساليب والطرق العملية لذلك.

                        في هذا الطريق علينا في بادئ الأمر أن نبحث عن «علم جهاد النفس» ونكثّر معلوماتنا في هذا المجال. فإن التحصيل على هذا العلم أمر ثمين جدّا. إن هذا العلم هو مجموعة من المعلومات التي تحدّد لنا ضمن بيان بعض الأسس والقواعد طرق جهاد النفس والمنعطفات الموجودة في أثناء هذا الطريق.

                        سئل الإمام الصادق(ع) عَنْ لُقْمَانَ‏ وَ حِکْمَتِهِ الَّتِی ذَکَرَهَا اللَّهُ عَزَّوَجَلَّ، فَقَالَ: «أَمَا وَ اللَّهِ مَا أُوتِیَ لُقْمَانُ الْحِکْمَةَ بِحَسَبٍ وَ لَا مَالٍ وَ لَا أَهْلٍ وَ لَا بَسْطٍ فِی جِسْمٍ وَ لَا جَمَالٍ وَ لَکِنَّهُ کَانَ رَجُلًا قَوِیّاً فِی أَمْرِ اللَّهِ مُتَوَرِّعاً فِی اللَّه‏ ... وَ یَعْتَبِرُ وَ یَتَعَلَّمُ‏ مَا یَغْلِبُ‏ بِهِ‏ نَفْسَهُ‏ وَ یُجَاهِدُ بِهِ هَوَاه ُوَ یَحْتَرِزُ بِهِ مِنَ الشَّیْطَانِ فَکَانَ یُدَاوِی قَلْبَهُ بِالْفِکْرِ وَ یُدَاوِی نَفْسَهُ بِالْعِبَرِ- وَ کَانَ لَا یَظْعَنُ إِلَّا فِیمَا یَنْفَعُهُ- فَبِذَلِکَ أُوتِیَ الْحِکْمَةَ وَ مُنِحَ الْعِصْمَةَ» [تفسير القمي/ج2/ص162]


                        يجب أن نتجهّز ببرنامج تعليمي لطرق جهاد النفس


                        في سبيل أن نلمّ بمباني جهاد النفس وطرقه لابدّ أن نحصل على علم الجهاد ونتجهّز ببرنامج تعليمي. علينا أن نهدف إلى تعلّم علم جهاد النفس. طبعا قد يسمّى هذا العلم «علم الأخلاق» أو «علم التربية» أو بتعبير أحرى «علم تهذيب النفس»، ولكن هذا العلم في الواقع وبتعبير أمير المؤمنين(ع) هو «معرفة نظام الدين»؛ «نِظامُ الدِّینِ مُخالَفَةُ الهوی» [غرر الحكم/6427]

                        قال الإمام الصادق(ع) في حديثه عن لقمان: «فَکَانَ یُدَاوِي قَلْبَهُ بِالْفِکْرِ وَ یُدَاوِي نَفْسَهُ بِالْعِبَر» يعني يمكن كشف مسائل هذا العلم عن طريق الفكر والاعتبار والاستفادة من التجارب وأما الدين فدليل في هذا الطريق. فمقتضى هذا الحديث هو أنه من شأن بعض العلوم التجريبية أن تواكب الدين وتعين الإنسان في طريق جهاد النفس. إذ لا فرق بين الاعتبار وأخذ العبر الذي كثر التأكيد عليه في الروايات وبين التجربة. العبرة هي حسن الاستفادة من التجارب والعلوم التجربية هي مدوّنات منظمة لجميع التجارب التي حصل عليها الإنسان على مرّ الدهور والأعصار في مختلف المواضيع والفروع. يستطيع الدين أن يرشد العلوم التجربية، ومن جانب آخر تنتهي العلوم التجربية في مسار تطوّرها إلى ما قاله الدين.


                        إن جهاد النفس يمنح الإنسان الحكمة


                        وقال الإمام الصادق(ع) في حديثه عن لقمان: «وَ کَانَ لَا یَظْعَنُ إِلَّا فِیمَا یَنْفَعُهُ- فَبِذَلِكَ أُوتِيَ الْحِکْمَةَ وَ مُنِحَ الْعِصْمَةَ» [المصدر نفسه] يدل هذا الحديث على أن اتباع الهوى بضرر الإنسان ومصلحته في مخالفة الهوى ولذلك على أثر تحصيله على علم جهاد النفس وممارسته في هذا الجهاد، أوتي الحكمة والعصمة.

                        فكّروا لماذا جهاد النفس يجلب الحكمة للإنسان، ويمكّنه من إنتاج العلم ويقصّر ويسهّل عليه الطريق الطويل لمعرفة أعقد قواعد العالم؟ ولماذا يرفع مقام الإنسان إلى درجة العصمة الاكتسابية؟


                        لقد تفضّل الله على لقمان بمنحه العصمة لأنه كان مجدّا في جهاد النفس


                        بناء على حديث الإمام الصادق(ع) لقد أعطى الله سبحانه لقمان الحكمة. عندما يجري الحديث عن عصمة بعض الأولياء من غير الأئمة المعصومين(ع) تجد بعض الناس ينزعجون، مع أنه قد ذكرت العصمة الاكتسابية الحاصلة من التقوى وجهاد النفس والإخلاص مرارا في الروايات. فعلى سبيل المثال قال الإمام الباقر(ع): «إِذَا عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى حُسْنَ نِیَّةٍ مِنْ أَحَدٍ اکْتَنَفَهُ‏ بِالْعِصْمَة» [أعلام الدين/ص301] وهذه هي العصمة الاكتسابية. وقد تفضّل الله على لقمان بمنحه العصمة لأنه كان مجدّا في جهاد النفس.

                        قال آية الله بهجت(ره): «إن شرط النبوّة والوصاية العصمة، أما أن العصمة منحصرة في النبي والوصي، فهذا ما لا دليل عليه. فعلى سبيل المثال نحتمل في زيد بن علي بن الحسين(ع) العصمة، وأنا عندي ظن يقارب اليقين بأنه كان معصوما عن الخطئية لا الخطأ... وكذلك أبوالفضل العباس وعلي بن الحسين الذي استشهد في كربلاء وبعض أصحاب سيد الشهداء، فليس هناك احتمال في عصمتهم وحسب بل قد أحرزت عصمتهم. وكذلك هل يمكن أن لا نعتبر المقداد وسلمان معصومين؟ وكذلك كان في عصرنا من ادعى أن لم يرتكب معصية عن علم وعمد». [گوهرهای حکیمانه (فارسی)/ 58]

                        يتبع إن شاء الله...


                        تعليق


                        • #87
                          الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 2.30


                          ما هي الخطوة الأولى التي يجب أن نخطوها في طريق «جهاد النفس»؟/ لا يمكن أن نحدّد الخطوة الأولى بسهولة لأن الإنسان ذو أبعاد


                          بعد أن عرفنا وخضعنا لهذه الحقيقة وهي أن طريقنا الوحيد هو جهاد النفس وبعد ما اكتشفنا أهميته وضرورته، يتبادر إلى الذهن هذا السؤال وهو: ما هي الخطوة الأولى التي يجب أن نخطوها في طريق «جهاد النفس»؟ لا يمكن أن نحدّد هذه الخطوة الأولى ببساطة لأن الإنسان ذو أبعاد مختلفة وكلّما تحدّثنا عن الخطوة الأولى، يطرح هذا السؤال نفسه: الخطوة الأولى في أي بعد من الأبعاد الوجودية في الإنسان؟

                          فعلى سبيل المثال إذا كان للإنسان علاقات مع جهات مختلفة فلابدّ أن تكون علاقته الأهم، علاقته مع الله، وعليه فلعلّنا نستطيع أن نقول: إن الخطوة الأولى هي إصلاح الصلاة، وأما بالنسبة إلى علاقته مع الآخرين، فالخطوة الأولى عدم الظلم. وأما في الجانب السلوكي أيضا فليس من السهل تحديد الخطوة الأولى أهي غضّ العين أم مراقبة السمع أم مراقبة اللسان.

                          وبالإضافة إلى البعد العملي والسلوكي والعلاقات المختلفة، ينطوي الإنسان على أبعاد وجودية أخرى. فبالإضافة إلى نشاطه على مستوى «العمل والسلوك» يمارس بعض النشاطات على مستوى «الفکر والتعقّل» أو على مستوى «المشاعر والرغبات». فهنا أيضا يتبادر إلى الذهن سؤال، وهو: هل يجب أن تكون الخطوة الأولى على مستوى السلوك، أم على مستوى النزعات والمشاعر؟ هنا أيضا لا يمكن تحديد البعد المقدّم بسهولة ولا نستطيع أن أن نرجّح جانبا على الآخر ببساطة.

                          طبعا من إحدى الجوانب قد يقال: ينبغي أن تخصّص الخطوة الأولى بنزعات الإنسان ورغباته. إذ أنها لحقيقة واضحة وهي أنه ما لم يرغب الإنسان في فهم قضية أو إنجاز فعل ما، لا يعزم عليه. أمّا الأمر الذي يعقّد القضيّة هي أن الله لم يخلق الإنسان خاليا من الرغائب والنزعات، فقد أودع في فطرة الإنسان مجموعة من النزعات منذ البداية. ولذلك ففي كثير من الأحيان لم تكن الخطوة الأولى على مستوى النزعات. إذ ينطوي الإنسان على مجموعة من النزعات الحسنة الإيجابية منذ خلقه فلا يحتاج إلى تحصيلها.

                          الخطوة الأولى في مسار «جهاد النفس» بعد العلم، هي اعتبار النفس أعدى الأعداء/ يجب أن يكون لنا انطباع سلبي جدّا عن النفس


                          بالرغم من كل تعاقيد روح الإنسان التي سببت في صعوبة تشخيص الخطوة الأولى، بإمكاننا أن نسلّط الأضواء على أمر كخطوة أولى في هذا المسار. وهي أن يسعى الإنسان في مسار جهاده ضدّ هوى نفسه، أن يجعل رؤيته تجاه النفس كنظرته إلى أعدى أعدائه. يعني ينبغي للإنسان أن يعتبر «نفسه» و «أنانيته» عنصرا سيئا جدّا ويعتبرها عدوّة لدودة.

                          لا يكفي العلم بهذه الحقيقة، بل يجب أن نحظى برؤية ثابتة وعميقة تجاه النفس، وهذا ما يحتاج إلى دقّة وصرف الوقت الكثير في طريق جهاد النفس.

                          كثير من الناس لا يرى نفسه الأمارة عنصرا سيئا وخطرا، وحتى تراه قد صادَقَ نفسه!


                          كثير من الناس غير مقتنع بأن نفسه الأمارة عنصرا سيئا، ولا يشعر منها بخطر وحتى تراه قد صادَقَ نفسه! في حين يجب أن يعترينا هذا الشعور بحيث نرى نفسنا عدوّة لنا ونحظى بهذه الرؤية وهي أن نزعاتنا النفسانية والدانية سيئة وخبيثة جدّا، فإن لم نعتبرها عدوّا ولم نجاهدها، نتحوّل إلى أشخاص مدلّلين وعديمي المنطق وخطرين.

                          النبي الأكرم(ص): أَعْدَى عَدُوِّکَ‏ نَفْسُكَ/ في سبيل أن نجاهد نفسنا يجب أولا أن نعتبرها عدوّا


                          قال النبي الأعظم(ص): «أعْدَى عَدُوِّكَ‏ نَفْسُكَ‏ الَّتِی بَیْنَ جَنْبَیْك‏»(مجموعۀ ورّام/ج1/ص59)‏ فلابدّ أن نصدّق بأن نفسنا الأمارة عدوّ عزم على إذلالنا وإهلاكنا. فلا يجب أن لا نتخذ هذه النفس الخطرة ربّا وحسب، بل ينبغي أن لا نصادقها بل ولا نغفل عنها أبدا. إذ أن إهمال هذا العدو الخطر والقاسي والغفلة عنه يجرّ الويلات إلى الإنسان. إذن فمن أجل النجاح في عملية جهاد النفس، يجب أولا أن نعتبر النفس خصمنا وعدوّنا لنصرعها وإلا فهي التي سوف تصرعنا.

                          يجب أن نغيّر مشاعرنا تجاه نفسنا، ولابدّ أن نعتبرها عدوّا لا ينفك عن محاولة إلحاق الضرر بنا وإذلالنا طرفة عين. فلا ينبغي أن نعيش أفكارا رغائبية ليوقعنا الشعور بالأمن الكاذب في فخّ عداواته الكامنة.

                          الإمام الكاظم(ع): جاهد نفسك... فإنه واجب عليك كجهاد عدوّك/ ليت الإذاعة والتلفزيون يعرضون لنا الجرائم التی ترتكب في المنطقة ليعرف الناس ما معنى العدوّ؟


                          قال الإمام الكاظم(ع) لأحد أصحابه: «جَاهِدْ نَفْسَكَ لِتَرُدَّهَا عَنْ هَوَاهَا فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَیْكَ کَجِهَادِ عَدُوِّكَ» [تحف العقول/ص399]

                          في خضمّ حروب المنطقة هذه، ليت الإذاعة والتلفزيون تقتنع باتخاذ هذه الاستراتيجية وهي أن تعكس جرائم العدوّ أكثر للناس ليعرف الناس ما معنى العدوّ؟ فعلى سبيل المثال تطيل الوقوف عند مئات الأبرياء الذين ذبحوا أو أطلقت عليهم الرصاص واحدا واحدا على يد داعش، ليرى الناس ما يجري في العالم ويدركوا مفهوم «العدوّ».

                          يتبع إن شاء الله...

                          تعليق


                          • #88
                            الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 3.30


                            ليس مستوانا في معرفة العدو والتصديق بوجود العدو جيّدا/ يسعى إبليس لإغفالنا عن العدو/ لا يغفل عاقل عن عدوّه اللدود والمدجّج بالسلاح/ مقطع فيلم يجب أن نراه مرّة واحدة ونطيل التفكير فيه مرارا


                            ليس مستوانا في معرفة العدوّ والتصديق بوجود العدوّ جيّدا، وإنها لمفاهيم غريبة في أدبياتنا. ومن جانب آخر يسعى إبليس لاستخفاف عقولنا وإغفالنا عن العدوّ. اليوم ومع تواجد العدوّ بقضّه وقضيضه لماذا لا نلتفت إليه ونتغافل عن وجوده؟ لا يغفل عاقل عن عدوّه اللدود والمدجّج بالسلاح. ولا يشعر إنسان عاقل بالأمن إلى جانب عدوّه القاسي.

                            يجب أن نرى مرة واحدة المقطع الذي يذبح فيه قسّ مسيحي، ثم نطيل التفكير فيه مرارا. لابدّ أن نرى وجه ذاك الرجل الذي يذبح القسّ بكل برود، لنصدّق برذالة العدوّ وخبثه. فما تفعلون بهذا العدوّ إن سقط في أيديكم؟! أفلا تبطشون به؟! والحال أن النبي(ص) قد اعتبر النفس الأمارة أعدى من ذلك العدو. لابدّ أن يترسخ هذا المعنى وهو أن نفسنا الأمارة عدوّة لنا، فيجب أن نهاجمها ونقمعها كما نهاجم العدو.

                            إذا عرفنا أن أعدى عدوّنا هي نفسنا، تهون عندنا عداوات المؤمنين لنا


                            قال أمير المؤمنين(ع) في وصيته: «اللَّهَ اللَّهَ‏ فِي الْجِهَادِ لِلْأَنْفُسِ؛ فَهِيَ‏ أَعْدَى‏ الْعَدُوِّ لَکُم» [دعائم الإسلام/2/352]. فإذا عرفنا أن أعدى عدوّنا نفسنا، تهون عندنا عداوات المؤمنين المختصرة لنا. طبعا حساب الكفار والمنافقين المعاندين للإسلام والمسلمين يختلف عن عداوات المؤمنين الشخصية أو الناتجة من سوء التفاهم، فلابدّ من معاداة الكفار والمنافقين.

                            أمير المؤمنين(ع): وإنَّ أوَّلَ المعاصِی تَصدِیقُ النَّفسِ، والرُّکُونُ إلى الهَوَى


                            ثم قال أمير المؤمنين(ع) في تكملة وصيته: «وإنَّ أوَّلَ المعاصِي تَصدِیقُ النَّفسِ، والرُّکُونُ إلى الهَوَى» [دعائم الإسلام/2/352] فشرط الأمان من هذه المعصية الأولى هي أن نكذب النفس ولا ننسجم معها.

                            بالإضافة إلى معاداة النفس يجب أن نلتفت إلى قبحها/إن نفس الإنسان موجود خبيث قذر وقح وطاغ


                            إذن الخطوة الأولى هي تكذيب النفس ومعاداتها. ولكن بالإضافة إلى معاداة النفس يجب أن نلتفت إلى قبحها. إنها لموجود خبيث قذر وقح وطاغ. طبعا لا يخفى أنه عندما نقول النفس السيئة، نقصد الجانب الحقير من النفس الذي يميل إلى الدنيا، أما روح الإنسان ففيها أبعاد جميلة جدا تعكس جمال الله سبحانه.

                            لقد قال الله المتعال في حديثه المعراج مخاطبا حبيبه الرسول الأعظم(ص): «یَا أَحْمَدُ لَا تَتَزَیَّنُ‏ بِلِینِ اللِّبَاسِ وَ طِیبِ الطَّعَامِ وَ لَینِ الْوَطَاءِ فَإِنَّ النَّفْسَ مَأْوَى کُلِّ شَرٍّ وَ هِیَ رَفِیقُ کُلِّ سُوءٍ، تَجُرُّهَا إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَ تَجُرُّکَ إِلَى مَعْصِیَتِهِ وَ تُخَالِفُکَ فِی طَاعَتِهِ وَ تُطِیعُکَ فِیمَا تَکْرَهُ وَ تَطْغَى إِذَا شَبِعَتْ وَ تَشْکُو إِذَا جَاعَتْ وَ تَغْضَبُ إِذَا افْتَقَرَتْ وَ تَتَکَبَّرُ إِذَا اسْتَغْنَتْ» ثم يقول في تكملة هذا الحديث: «مَثَلُ النَّفْسِ کَمَثَلِ النَّعَامَةِ؛ تَأْکُلُ الْکَثِیرَ وَ إِذَا حُمِلَ عَلَیْهَا لَا تَطِیرُ وَ مَثَلُ الدِّفْلَى‏ لَوْنُهُ حَسَنٌ وَ طَعْمُهُ مُرٌّ» [الجواهر السنية في الأحاديث القدسية/ص383]

                            «اُتِيَ أمیرُ المُؤمِنینَ علیه السلام بِخِوانِ فالوذَجٍ، فوُضِعَ بَینَ یَدَیهِ فنَظَرَ إلى صَفائهِ و حُسنِهِ، فوَجِئَ بِإصبَعِهِ فیهِ حَتّى بَلَغَ أسفَلَهُ، ثُمَّ سَلَّها ولَم یَأخُذْ مِنهُ شَیئا، و تَلَمَّظَ إصبَعَهُ وقالَ: إنَّ الحَلالَ طَیِّبٌ و ما هُوَ بِحَرامٍ، و لکِنّي أکرَهُ أن اُعَوِّدَ نَفسي ما لَم اُعَوِّدْها، اِرفَعوهُ عَنّي، فرَفَعوهُ» [المحاسن/2/409]

                            عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ(ع): «إِنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ع أُتِيَ بِخَبِیصٍ فَأَبَى أَنْ یَأْکُلَهُ فَقَالُوا لَهُ أَ تُحَرِّمُهُ قَالَ لَا وَ لَکِنِّي أَخْشَى أَنْ تَتُوقَ إِلَیْهِ نَفْسِي فَأَطْلُبَهُ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآیَةَ: (أَذْهَبْتُمْ طَیِّباتِکُمْ فِی حَیاتِکُمُ الدُّنْیا وَ اسْتَمْتَعْتُمْ بِها)» [أمالي المفيد/134] وقد ذكر ما يشابه هذه الحكاية عن رسول الله(ص) أيضا [راجع المحاسن/ج2/ص409]

                            في الواقع قد امتنع أمير المؤمنين(ع) عن هذا الطعام لأنه كان لذيذا جدّا، فعلّل امتناعه عن الأكل بأني إذا لبيت رغبة نفسي الآن، ستطغى نفسي وتتمادى في مطالباتها وتذرعاتها فتخرج عن سيطرتي ولم أعد أقوى عليها.

                            لابدّ من ذبح النفس والوقوف أمام مطالباتها من بادئ الأمر


                            لابدّ أن نتمرّد على النفس ونمتنع عن تلبية رغباتها من بادئ الأمر، وإلا فتصبح نفسا مدلّلة طاغية، ثم تزداد مطالباتها وتذرعاتها إلا أن تخرج عن سيطرتنا ونعجز عن كبحها، خاصة وإن مطالباتها لا تنتهي ولن تتوقف إلا بعد أن تشقي الإنسان. إذن فالعاقل هو من وقف في وجه نفسه منذ البداية وتنبأ من الأوّل نهاية الطريق الذي تؤدي به أهواء النفس.

                            لابدّ أن نقمع النفس من البداية ولا ندلّلها أو نسمح لها بالوقاحة وإلا فإن وقحت أو قويت فسنعجز عن صرعها. النفس الوقحة تغضب بسرعة، وتغفر بتأخر، كثيرة الحقد وسريعة الانزعاج، لا تلتذّ بسهولة، وسرعان ما تشكو وكذلك تتصف بآلاف الخصال السيئة التي تشقي الإنسان.

                            لماذا نركّز في دروسنا وأبحاثنا المعنوية والأخلاقية على المواضيع الفرعية؟!


                            لماذا نركّز في دروسنا وأبحاثنا المعنوية والأخلاقية دائما على المواضيع الفرعية؟ فعلى سبيل المثال لماذا نطرح موضوع الشكر في بادئ ذي بدء، فيعجب جميع الحاضرين بالموضوع دون أن يصبح أحدهم شاكرا؟! ثم يقولون: «ما أجمل الشكر ويا ليتنا كنا شاكرين!» أفهل تسمح لنا نفسنا الطاغية والخبيثة بأن نكون شاكرين؟! لماذا نترك جميع المقدّمات ونتحدّث عن الصبر؟! أفهل تسمح لنا نفسنا المدلّلة بأن نكون صابرين؟! الحقيقة هي أننا ما لم نسلك الطريق الرئيس أي طريق جهاد النفس، لا نستطيع أن نتحدث عن أي مفهوم راق وجميل مثل الشكر والصبر والسخاء وغيرها. ولكن بعد الدخول في هذا الطريق سوف ينفعنا الحديث عن جميع هذه الفضائل كما سوف تنفعنا الذكرى في هذا الخصوص. بعد ما عرفنا أهمية جهاد النفس وموقعه في حياة الإنسان سوف نعرف جذور مشاكلنا وندرك بأن تقصيرنا في جهاد النفس هو الذي أدى إلى نقصان صبرنا وقلّة شكرنا وبخلنا وغيرها.

                            تعليق


                            • #89
                              الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 1.31

                              الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني ـ 31

                              كل الحسنات والأعمال الصالحة تذهب هباء ما لم يسحق الإنسان نفسه/ما الذي جرى في كربلاء بحيث قام بعض المصلين هناك بأبشع جرائم تاريخ البشر؟
                              / المتدين إن لم يجاهد نفسه، فلعله يقوم بجرائم لا تصدر حتى من الكفار/ إن جهاد النفس أمر ضروري في سبيل أن لا ينشأ إرهابيون مثل إرهابيي سورية


                              الزمان: 16/08/2013
                              المكان: طهران ـ مسجد الإمام الصادق(ع)
                              استمرّت جلسات هيئة محبي أمير المؤمنين(ع) الأسبوعية في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» تكملة للأبحاث التي طرحها في شهر رمضان. فإليكم أهم المقاطع من كلمته:

                              من الصعب أن نعتبر نفسنا عدوّة وهذا ما يحتاج إلى تلقين/ لقد سبقنا إبليس والهوى في إدارة تلقيناتنا

                              لقد ذكرنا في الجلسة السابقة أن الخطوة الأولى بعد معرفة ضرورة جهاد النفس، هي أن نتخذ نفسنا الأمارة عدوّة ونشمئزّ منها. يعني لابدّ أن تكون رؤيتنا تجاه نفسنا كرؤيتنا إلى ألدّ الأعداء. طبعا من الصعب جدا أن نتخذ نفسنا عدوّة وهذا ما يحتاج إلى تلقين وتفكير وتأمّل ولا تكفينا المعلومات وحسب. لقد أكّد الإمام الخميني(ره) على أهمية التلقين ودوره في الرشد المعنوي؛ «يزعم بعض الناس [أن لا فائدة في هذا التكرار فيتساءل ويقول:] لماذا؟ في حين أنه ضروري. أحد الأمور النافعة لبناء الإنسان هو التلقين. فإذا أراد الإنسان أن يبني نفسه، يجب أن يلقّن نفسه بالقضايا المرتبطة ببناء نفسه، ويكرّر ذلك. فالأمر الذي يفترض أن يؤثر في نفس الإنسان، يزداد بالتلقين والتكرار وقعا في نفس الإنسان.» [صحيفة الإمام (الفارسية)/ج13/ص397]
                              يجب أن يستطيع الإنسان أن يلقّن نفسه ويخصّص وقتا لذلك. ولكن ومع الأسف قد فقدنا زمام المبادرة والإدارة في تلقين أنفسنا وتصدّى الآخرون من الإعلام والأفلام وكلام الناس لتلقيننا. وإذا حاولنا أن نلقّن أنفسنا فغالبا ما يدور تلقين نفسنا حول مواضيع وأفكار سلبية غير صحيحة من قبيل الأفكار غير المرضية عند الله الناشئة من كفران النعم وعدم الشكر والحسد والحسرة على ما مضى والخوف السلبي من المستقبل. فكلّها تلقينات سلبية ليس فيها تلقين إيجابي. وهذا يعني أنه قد سبقنا إبليس والهوى في إدارة تلقيناتنا. علينا أن نستلم زمام إدارة تلقيننا ونلقّن أنفسنا بأفكار إيجابية، فإن نجحنا في تلقين أنفسنا يجب أن نجعل هذه الفكرة والمعلومة في مقدمة ما نلقّن به أنفسنا وهي أنه «أعدى عدوّنا نفسنا ولابدّ من محاربتها».

                              معاداة النفس يأتي بجميع الخيرات/ كل الحسنات والأعمال الصالحة تذهب هباء ما لم يسحق الإنسان نفسه

                              لا شك في أن أولياء الله مثل السيد الإمام(ره) وآية الله بهجت(ره) وآية الله حقشناس(ره) وآية الله خوشوقت قد سلكوا هذا الطريق في بداية سلوكهم.
                              قال نجل آية الله العظمى الشيخ بهجت(ره): سألت والدي عن السيد الإمام(ره) هل كان قد مارس العرفان العملي أيضا؟ فأجابني بنعم. فقلت له: انقل لي شيئا عنه. فقال والدي: «ذات يوم كنت ضيفا عنده فقدّم لنا مرقة الاسبيناغ (قرمه سبزي) ولكنه لم يطعمها. فسألته لماذا لم تأكل منها شيئا؟ قال: لم آكلها لأني أحبها جدّا!» [مقابلة حجة الإسلام علي بهجت مع وكالة فارس للأنباء]
                              عندما أراد آية الله بهجت أن يذكر نموذجا أو حكاية عن مرتبة الإمام الخميني(ره) في العرفان العملي، ذكر قصة امتناعه عن أكلته المفضلة. في حين كان بإمكان الشيخ بهجت أن يتحدث عن مدى معرفة الإمام(ره) بالله أو عن محبته لأهل البيت(ع)، أو حتى عن مدى التزامه بأوقات الصلاة. فلماذا ذكر حكاية عن مخالفة الإمام(ره) لهواه؟ لأن من يسحق نفسه ويخالفه هواه يصل إلى كل شيء من معرفة الله وحبّ أهل البيت(ع) والتقيّد بأوقات الصلاة وغيرها. وبالإضافة إلى ذلك إنكم إن أحصيتم إيجابيات امرء وخصائصه الحسنة، فإن لم يكن مّمن يجاهد ويسحق نفسه، فسوف يفقد كل إيجابياته وحتى قد تتحوّل محاسنه إلى مساوئ.

                              كثير من المتديّنين لم يتخذوا نفسهم عدوّا وإنها لظاهرة خطرة جدّا!/ إن لم نجاهد أنفسنا، فقد تستغلّ جميع خصالنا الحسنة في خدمة هوى نفسنا

                              بعد أن عرفنا أن الطريق الوحيد المؤدي إلى مقام القرب الإلهي هو «جهاد النفس» ولا باقي الأعمال الصالحة، ـ فإن جميع الأعمال الصالحة الأخرى هي من لوازم جهاد النفس أو مقدّماتها أو من شعبها ـ الخطوة الأولى هنا هي أن تشمئز من نفسك وتخاف منها وتتقيها وثم تصرعها. يعني أن تكون رؤيتك سلبية تجاه نفسك وتبغضها بصفتها عدوة لك. فقد قال أمير المؤمنين(ع): «کُن أوثَقَ ما تَکونُ بنَفسِكَ، أحذَرَ ما تَکونُ مِن خِداعِها» [غرر الحكم/530]
                              بالرغم ممّا أكد عليه الدين مرارا من أن «أَعْدَى عَدُوِّكَ نَفْسُكَ الَّتِي بَیْنَ جَنْبَیْك‏» [ميزان الحكمة/12182] ولكن لعلنا نستطيع أن نقول إن أكثر المتدينين لم يعادوا نفسهم وحتى لم يتخذوها عدوّة لهم، وإنها لظاهرة خطرة جدّا. إن من عادى نفسه تراه يوميا في حال المراقبة والحرب والجهاد ضدّ نفسه. فقد قال أمير المؤمنين(ع): «یَنْبَغی للعاقِلِ أنْ لایَخْلو فی کُلِّ حالَةٍ عَن طاعةِ ربِّهِ و مُجاهَدةِ نَفْسِهِ» [غرر الحكم/3492]
                              يجب أن نفتّش أنفسنا لنرى هل تنطوي على بغض وحقد تجاه عدوّ باسم «النفس»؟ ومع الأسف أغلبنا يفتقر للحقد والبغض الذَين يجب أن نتّصف بهما تجاه النفس.
                              يجب على كلّ واحد منّا أن يتصفّح أحواله يوميّا ليرى كم قد صرع نفسه في اليوم وكم قد هزم منها. فعلى سبيل المثال لعلّك تكاسلت عن أداء صلاتك لوقتها، ولكنك أديتها في أول الوقت رغما على هواك، فهذا يعني أنك قد صرعت نفسك مرّة واحدة. ولكنك بعد ذلك جلست على التلفاز وبدأت تتفرج فلما غير ضروريّ وكان بإمكانك أن تقوم بفعل أنفع بدل ذلك. فبعد ما قررّت على ترك متابعة الفلم تثاقلت ولم تقدر على ذلك، فانهزمت من نفسك.
                              فراجع أحوالك يوميّا وانظر كم قد صرعت نفسك؟ وكم قد صرعتك نفسك؟ هذه هي القضية الرئيسة. ضع حسناتك وأخلاقك الحميدة وسخاءك وباقي سجاياك الحسنة على جانب ولا تغترّ بها، فلا تطبّب هذه الصفات شيئا من أدواء روح الإنسان بلا جهاد النفس، ولا تأخذ بيد الإنسان إلى الهدف المقصود. لأننا إذا لم نجاهد أنفسنا فسوف نستغلّ رأفتنا ومحاسننا كلّها لصالح هوى نفسنا، وفي الواقع هذا يعني أن نفسنا الأمارة بالسوء قد استولت علينا وبدأت تستثمر كلّ محاسننا لصالحها. فعلى سبيل المثال قد تقول لنا نفسنا: «إنك إنسان سخيّ، فأظهر الآن شيئا من سخائك لكي أزداد جاها واعتبارا»! يعني نجود تلبية لهوى نفسنا لا مخالفةً لها!
                              القضية الرئيسة والنزاع الرئيس مع النفس. فليس عدوّك مساوئك ولا سلوكك السلبي، بل عدوّك نفسك! هذه النفس التي قد تدعوك إلى العمل الصالح أحيانا، ثم تدفعك إلى جهنّم بهذا العمل الصالح! كما أن عبادة إبليس لمدة 6000 سنة لم تنقذه من نار جهنّم. لذلك فأولئك الذين يتصّفون بصفات إيجابيّة وحسنة، فإن لم يسحقوا نفسهم الأمارة، سوف تتحوّل محاسنهم وإيجابياتهم إلى مساوئ ورذائل.

                              يجب أن نتحسّس عداء نفسنا لنا وندرك أن هذا العدوّ الخطر لا ينفكّ عنا أبدا

                              يجب أن نتحسّس عداء نفسنا لنا وندرك أن هذا العدوّ الخطر لا ينفكّ عنا أبدا وسيلحق الضرر بنا قطعا. إنك لا تستطيع أن تأمن شرّ هذا العدوّ إلا بعد أن تقضي عليه. نحن إن حملنا هذه الرؤية وأيقنّا أن نفسنا هي أخبث أعدائنا، عند ذلك سوف نقوى على محاربتها ومقاتلتها. فقد قال أمير المؤمنين(ع): قَاتِلْ هَوَاكَ بِعَقْلِكَ تَمْلِكْ رُشْدَك‏» [غرر الحکم/الحدیث818]المجاهدة بمعنى السعي والمبارزة، أمّا المقاتلة فتعبّر عن الحرب والمعركة التي يخوضها الرجال في سبيل قتل الخصم. لذلك فقد عبّر أمير المؤمنين(ع) عن الفائزين في هذه الحرب، «مَیِّتَةً شَهْوَتُهُ» [نهج البلاغة/الخطبة193]
                              لم يقل أمير المؤمنين(ع) في الحديث السابق: «لا تتّبع هواك» بل قال: «قاتل هواك»، يعني المحاربة حتى القتل. لماذا؟! لأن النفس لا تنسحب بأول تمرّد عليها، فإن لم تتّبعها في مرّة، تعود لتغريك في مرّة أخرى، إلى أن تطعن بك. لذلك يجب أن تحاربها حتى القضاء عليها وقتلها؛ «مَیِّتَةً شَهْوَتُهُ».
                              هكذا عبّر رسول الله(ص) عن خطر النفس إذا قال: «اِستَعیذوا باللّهِ مِن الرَّغَبِ» [کنز العمّال/ الحدیث6160] يعني استعذ بالله من أن ترغب في شيء رغبة شديدة. لأن من شأن هذه الرغبة الشديدة أن تهلكك. ما هو الأمر الذي يكرهه الناس جدّا ويستعيذون بالله منه؟! لعلهم يستعيذون بالله من السرطان أو من الاصطدام. بينما رسول الله(ص) أوصانا أن نستعيذ بالله من الرغب ومن أن نكثر الحبّ لشيء ما. يعني أن نقول: «الهي احفظني من أن أتورّط بحبّ شيء والتعلق الشديد به». هكذا يجب أن ننظر إلى أميالنا ورغباتنا النفسية.


                              تعليق

                              المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                              حفظ-تلقائي
                              x

                              رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                              صورة التسجيل تحديث الصورة

                              اقرأ في منتديات يا حسين

                              تقليص

                              لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                              يعمل...
                              X