بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
وبعد
الاخ يا الله عفوك
يظهر أن سبب الشبهة عندكم هو رأي شاذ عند بعض علمائكم ممن ذهب إلى عدم إمكان التمسك بالعموم بعد تخصيصه !! وهذا من أغرب الغرائب !
على أن جمهور علمائكم يلتزم بما قلناه نحن، ولا يوافقونكم على ما ذهبتم إليه، وإليك تصريح جملة منهم بذلك:
أولاً: الجصاص (المتوفى سنة 370 هـ)
قَالَ (الشَّيْخُ الْإِمَامُ) أَبُو بَكْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَاَلَّذِي عِنْدِي مِنْ (مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا) فِي هَذَا الْمَعْنَى أَنَّ تَخْصِيصَ الْعُمُومِ لَا يَمْنَعُ الِاسْتِدْلَالَ (بِهِ) فِيمَا عَدَا الْمَخْصُوصَ وَعَلَيْهِ تَدُلُّ أُصُولُهُمْ وَاحْتِجَاجُهُمْ لِلْمَسَائِلِ.(الفصول في الأصول ج1 ص246)
ثم ذكر بعض النماذج وقال: وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ مِمَّا احْتَجُّوا فِيهِ بِعُمُومِ اللَّفْظِ (ص247)
ثم استدل على ذلك بقوله: وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّتِهِ أَنَّ قِيَامَ دَلَالَةِ التَّخْصِيصِ فِي مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ بِاللَّفْظِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، فَلَمَّا لَمْ يَمْنَعْ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ بَقَاءِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ فِي الْبَاقِي وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ حُكْمُ دَلَالَةِ التَّخْصِيصِ فِي بَقَاءِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ مَعَهُ فِيمَا عَدَاهُ.(ص248)
وَأَيْضًا: فَإِنَّ اللَّفْظَ فِيمَا عَدَا الْمَخْصُوصَ حَقِيقَةٌ .... وَهُوَ فِي هَذَا الْبَابِ أَظْهَرُ دَلَالَةً عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْجُمْلَةِ مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ (ص249)
ثم ناقش من ذهب إلى خلاف ذلك وأبطل مقالتهم.
ثانياً: السرخسي (المتوفى: 483هـ)
وعَلى مَا قَالَه الْكَرْخِي يسْقط الِاحْتِجَاج بِأَكْثَرَ العمومات لِأَن أَكثر العمومات قد خص مِنْهَا شَيْء وَهَذَا خلاف مَا حكينا من مَذْهَب السّلف فِي الصَّدْر الأول فَإِنَّهُم احْتَجُّوا بالعمومات الَّتِي يلْحقهَا خُصُوص كَمَا احْتَجُّوا بالعمومات الَّتِي لم يلْحقهَا خُصُوص ودعواه أَنه يصير بِهِ مجَازًا كَلَام لَا معنى لَهُ (أصول السرخسي ج1 ص145)
وقال أيضاً: لِأَن دَلِيل الْخُصُوص لَا يتَعَرَّض لما وَرَاءه فَيبقى الْعَام فِيمَا وَرَاءه حجَّة مُوجبَة قطعا وَلَا معنى لما قَالَ الْكَرْخِي رَحمَه الله (ص147)
ثالثاً: للشوكاني (المتوفى: 1250هـ)
وَأَمَّا إِذَا كَانَ التَّخْصِيصُ بِمُبَيَّنٍ، فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ عَلَى أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ حُجَّةٌ فِي الْبَاقِي، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ، وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ، وَابْنُ الْحَاجِبِ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ مُحَقِّقِي الْمُتَأَخِّرِينَ، وَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا شُبْهَةَ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ الْعَامَّ كَانَ مُتَنَاوِلًا لِلْكُلِّ فَيَكُونُ حُجَّةً فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَقْسَامِ ذَلِكَ الْكُلِّ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ نِسْبَةَ اللَّفْظِ إِلَى كُلِّ الْأَقْسَامِ عَلَى السَّوِيَّةِ فَإِخْرَاجُ الْبَعْضِ مِنْهَا بِمُخَصِّصٍ لَا يَقْتَضِي إِهْمَالَ دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى مَا بَقِيَ، وَلَا يَرْفَعُ التَّعَبُّدَ بِهِ، وَلَوْ تَوَقَّفَ كَوْنُهُ حُجَّةً فِي الْبَعْضِ عَلَى كَوْنِهِ حُجَّةً فِي الْكُلِّ لَلَزِمَ الدَّوْرُ، وَهُوَ مُحَالٌ.
وَأَيْضًا الْمُقْتَضِي لِلْعَمَلِ بِهِ فِيمَا بَقِيَ مَوْجُودٌ، وَهُوَ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَيْهِ، وَالْمُعَارِضُ مَفْقُودٌ فَوُجِدَ الْمُقْتَضِي وَعُدِمَ الْمَانِعُ، فَوَجَبَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ. وَأَيْضًا قَدْ ثَبَتَ عَنْ سَلَفِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَمَنْ بَعْدَهُمُ الِاسْتِدْلَالُ بِالْعُمُومَاتِ الْمَخْصُوصَةِ، وَشَاعَ ذَلِكَ وَذَاعَ.
وَأَيْضًا قَدْ قِيلَ: إِنَّهُ مَا مِنْ عموم إلا وقد خص، وأن لَا يُوجَدُ عَامٌّ غَيْرُ مُخَصَّصٍ، فَلَوْ قُلْنَا إنه غير حجة فما بَقِيَ لَلَزِمَ إِبْطَالُ كُلِّ عُمُومٍ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ أن غالب هذه الشريعة المطهرة إنما ثبتت بِعُمُومَاتٍ.(إرشاد الفحول ج1 ص341)
انتهى ما أردنا نقله من كلمات بعض علمائكم، وبهذا تبيّن أن ما ذكرناه هو الرأي المعتمد عند علماء العامة أيضاً والمعمول به عندهم وهو الحجة عليهم، وإن شذّ بعض علمائهم.
فلا وجه لرد ما لم يرد فيه تخصيص. وبهذا يكون استدلال الإمامية أعزهم الله تاماً.
هذا ما وجدناه مما يحتاج لجواب، وسائر الكلام قد سبق منا الجواب عليه.. والحمد لله رب العالمين
شعيب العاملي
والحمد لله رب العالمين
وبعد
الاخ يا الله عفوك
يظهر أن سبب الشبهة عندكم هو رأي شاذ عند بعض علمائكم ممن ذهب إلى عدم إمكان التمسك بالعموم بعد تخصيصه !! وهذا من أغرب الغرائب !
على أن جمهور علمائكم يلتزم بما قلناه نحن، ولا يوافقونكم على ما ذهبتم إليه، وإليك تصريح جملة منهم بذلك:
أولاً: الجصاص (المتوفى سنة 370 هـ)
قَالَ (الشَّيْخُ الْإِمَامُ) أَبُو بَكْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَاَلَّذِي عِنْدِي مِنْ (مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا) فِي هَذَا الْمَعْنَى أَنَّ تَخْصِيصَ الْعُمُومِ لَا يَمْنَعُ الِاسْتِدْلَالَ (بِهِ) فِيمَا عَدَا الْمَخْصُوصَ وَعَلَيْهِ تَدُلُّ أُصُولُهُمْ وَاحْتِجَاجُهُمْ لِلْمَسَائِلِ.(الفصول في الأصول ج1 ص246)
ثم ذكر بعض النماذج وقال: وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ مِمَّا احْتَجُّوا فِيهِ بِعُمُومِ اللَّفْظِ (ص247)
ثم استدل على ذلك بقوله: وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّتِهِ أَنَّ قِيَامَ دَلَالَةِ التَّخْصِيصِ فِي مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ بِاللَّفْظِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، فَلَمَّا لَمْ يَمْنَعْ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ بَقَاءِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ فِي الْبَاقِي وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ حُكْمُ دَلَالَةِ التَّخْصِيصِ فِي بَقَاءِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ مَعَهُ فِيمَا عَدَاهُ.(ص248)
وَأَيْضًا: فَإِنَّ اللَّفْظَ فِيمَا عَدَا الْمَخْصُوصَ حَقِيقَةٌ .... وَهُوَ فِي هَذَا الْبَابِ أَظْهَرُ دَلَالَةً عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْجُمْلَةِ مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ (ص249)
ثم ناقش من ذهب إلى خلاف ذلك وأبطل مقالتهم.
ثانياً: السرخسي (المتوفى: 483هـ)
وعَلى مَا قَالَه الْكَرْخِي يسْقط الِاحْتِجَاج بِأَكْثَرَ العمومات لِأَن أَكثر العمومات قد خص مِنْهَا شَيْء وَهَذَا خلاف مَا حكينا من مَذْهَب السّلف فِي الصَّدْر الأول فَإِنَّهُم احْتَجُّوا بالعمومات الَّتِي يلْحقهَا خُصُوص كَمَا احْتَجُّوا بالعمومات الَّتِي لم يلْحقهَا خُصُوص ودعواه أَنه يصير بِهِ مجَازًا كَلَام لَا معنى لَهُ (أصول السرخسي ج1 ص145)
وقال أيضاً: لِأَن دَلِيل الْخُصُوص لَا يتَعَرَّض لما وَرَاءه فَيبقى الْعَام فِيمَا وَرَاءه حجَّة مُوجبَة قطعا وَلَا معنى لما قَالَ الْكَرْخِي رَحمَه الله (ص147)
ثالثاً: للشوكاني (المتوفى: 1250هـ)
وَأَمَّا إِذَا كَانَ التَّخْصِيصُ بِمُبَيَّنٍ، فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ عَلَى أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ حُجَّةٌ فِي الْبَاقِي، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ، وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ، وَابْنُ الْحَاجِبِ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ مُحَقِّقِي الْمُتَأَخِّرِينَ، وَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا شُبْهَةَ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ الْعَامَّ كَانَ مُتَنَاوِلًا لِلْكُلِّ فَيَكُونُ حُجَّةً فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَقْسَامِ ذَلِكَ الْكُلِّ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ نِسْبَةَ اللَّفْظِ إِلَى كُلِّ الْأَقْسَامِ عَلَى السَّوِيَّةِ فَإِخْرَاجُ الْبَعْضِ مِنْهَا بِمُخَصِّصٍ لَا يَقْتَضِي إِهْمَالَ دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى مَا بَقِيَ، وَلَا يَرْفَعُ التَّعَبُّدَ بِهِ، وَلَوْ تَوَقَّفَ كَوْنُهُ حُجَّةً فِي الْبَعْضِ عَلَى كَوْنِهِ حُجَّةً فِي الْكُلِّ لَلَزِمَ الدَّوْرُ، وَهُوَ مُحَالٌ.
وَأَيْضًا الْمُقْتَضِي لِلْعَمَلِ بِهِ فِيمَا بَقِيَ مَوْجُودٌ، وَهُوَ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَيْهِ، وَالْمُعَارِضُ مَفْقُودٌ فَوُجِدَ الْمُقْتَضِي وَعُدِمَ الْمَانِعُ، فَوَجَبَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ. وَأَيْضًا قَدْ ثَبَتَ عَنْ سَلَفِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَمَنْ بَعْدَهُمُ الِاسْتِدْلَالُ بِالْعُمُومَاتِ الْمَخْصُوصَةِ، وَشَاعَ ذَلِكَ وَذَاعَ.
وَأَيْضًا قَدْ قِيلَ: إِنَّهُ مَا مِنْ عموم إلا وقد خص، وأن لَا يُوجَدُ عَامٌّ غَيْرُ مُخَصَّصٍ، فَلَوْ قُلْنَا إنه غير حجة فما بَقِيَ لَلَزِمَ إِبْطَالُ كُلِّ عُمُومٍ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ أن غالب هذه الشريعة المطهرة إنما ثبتت بِعُمُومَاتٍ.(إرشاد الفحول ج1 ص341)
انتهى ما أردنا نقله من كلمات بعض علمائكم، وبهذا تبيّن أن ما ذكرناه هو الرأي المعتمد عند علماء العامة أيضاً والمعمول به عندهم وهو الحجة عليهم، وإن شذّ بعض علمائهم.
فلا وجه لرد ما لم يرد فيه تخصيص. وبهذا يكون استدلال الإمامية أعزهم الله تاماً.
هذا ما وجدناه مما يحتاج لجواب، وسائر الكلام قد سبق منا الجواب عليه.. والحمد لله رب العالمين
شعيب العاملي
تعليق