* ما مات الإمام.. ولنا معه في كل حين لقاء
الإمام الخميني يرسم مسيرة المستقبل
محمود ريا
لمن كان يعي، كان الأمر كارثة حقيقية. والوعي هنا يحمل معنيين: معنى الادراك الناجم عن العمر، فالحدث الذي حصل قبل ستة وعشرين عاماً غائب بتفاصيله عن الكثيرين من الأجيال الشابة، لا بل هو غائب بالمشاعر التي رافقته، والأسئلة التي سارت معه، عنهم وعن أفكارهم وخيالاتهم.
ومن هنا ينبع الوعي الآخر، الوعي المتعلق بأبعاد هذه الكارثة وآثارها ونتائجها وما ستتركه من فراغ على مستوى الأمة.
والحدث هو وفاة الإمام الخميني المقدس، في الرابع من حزيران/ يونيو عام 1989.
كانت الأمة قد أضحت غير ما كانت عليه قبل عشر سنوات فقط، تبدلت أحوالها، من حال إلى حال، انبثق نور جديد بين جنباتها، وتفتحت في أرجائها آمال عراض، ونشأ جيل ينظر إلى المستقبل بعين مفعمة بالتفاؤل والتوقعات الإيجابية.
لقد أطلقت حركة الإمام الخميني ثورة حقيقية، على مختلف الصعد، فانتفض مارد كان خامداً على مدى عقود، لا بل قرون، وتجمعت أوصاله المقطعة وأجزاؤه المبعثرة، وصارت أحلام كالكرامة والعزة والتحرير والنصر أقرب منالاً وأدنى قطوفاً، وعادت القدس قضية مركزية، ولم تعد فلسطين نسياً منسياً.
كل ذلك وأكثر، وبما لا يمكن تحديد حجم اتساعه، صار في أذهان جيل شاب، كانت نشأته الأولى على أصوات الهزائم، وفي مستنقعات التشتت الفكري والتبعثر العقائدي، وبين جنبات الانسحاق أمام القوى العظمى وعملائها في منطقتنا، فجاء الإمام، وكان ثورةً، قوةً، نهجاً، لا بل صراطاً مستقيماً.
وعاش الجيل الطالع هذا الحلم واقعاً، وانطلق يقدّم ويضحي، وينتصر ويفخر، ويصنع مستقبلاً اختاره بنفسه، على هدي تعاليم هذا القائد الكبير، واستناداً إلى أفكاره التي استمدّها من إسلام عظيم، إسلام نشط متحرك واقعي، بعيداً عن التنظير والخمول والتقوقع في الزوايا والتكايا والبعد عن الأحداث، وإسلام متقدم واعٍ ينظر إلى الأحداث بعين الحاضر دون أن يفارق جذور الأصالة والثوابت.
وفي غمرة هذه النهضة الكبرى، التي أعادت أمة مفككة مبعثرة إلى خارطة العالم، بالرغم من الهجمة الاستكبارية الكبرى التي واجهتها من أجل منع قيامها، أو تأخيره على الأقل، جاء الخبر الصاعقة: توفي الإمام الخميني.
أحبط كثيرون، لا بل دُمروا.
أحسوا بالأحلام تتهاوى، بالإنجازات تنهار، بالأفكار تنفكّ عن الوقائع.
توفي الإمام؟
وكيف ستستمر هذه المسيرة، ماذا عن الكرامة، وهل سنبقى نعيش العزة؟
ما هو مصير المقاومة، وهل سنصل إلى الانتصار الموعود؟

الامام الخميني (قده)
وبكى الناس.
بكوا آمالهم وأحلامهم، لا بل بكوا مستقبلهم الذي رسموا صورته المشرقة مع الحياة التي بثّها هذا الرجل الذي لا نظير له في أرواحهم.
مات الإمام؟
هبّت ملايين، تنعى المجدد، وتنتحب..
وكان انتظار اليوم التالي..
العدو ينتظر بشماتة، والصديق ينتظر بتلهّف، والمكلوم مسكون بالوجل والخوف من الآتي.
لم يعرف الكثيرون أن هذا الإمام العظيم أطلق في الأمة سلسلة من التفاعلات التي لا يمكن أن تتوقف برحيل شخص. غاب عنهم أنه أحيا جسداً ميتاً، وبث فيه الروح. هو جسد قام.. ولا يمكن له أن يعود إلى السبات والخمول والاندثار.
لقد فجّر ثورة عظمى، ثورة تتخطى الأشخاص والأجيال والبلدان وكل الحدود، ثورة على مستوى العالم، لا تخبو أنوارها، ولا يهمد بركانها، ولا تنطفئ نيرانها.
لقد أنشأ جيلاً مؤمناً بأن النصر ينطلق من الداخل، من النفس الإنسانية، من الإيمان بالله تعالى، والاعتماد على الذات، ولذلك.. لا بدّ لهذا النصر من أن يتحقق.
لقد ربى قيادات آمنت ونصرت وضحّت ومارست واستوعبت وارتوت، فصارت قادرة على إكمال السير على هذا النهج، وعلى قيادة هذا المسيرة الضخمة نحو إعادة كتابة التاريخ من جديد.
وكما كان الإمام في حياته ملهماً وقائداً وثائراً ومجدداً، بقي بعد رحيله نبراساً وهادياً ومعلماً، وبقيت ثورته حيّة معطاءة متفجرة، تحقق الانتصارات وتراكم الإنجازات، حتى استطاعت فعلاً أن ترسم سيرورة جديدة للعالم وللمستقبل.
مات الإمام؟
لا ما مات، هو ما زال في كل واحد حمل أفكاره، وسار على نهجه، متمسكاً بأصالته، مجدداً في ما يكتسبه من فهم وتطور.
ما مات الإمام، والدليل أننا ما زلنا نحيي ذكراه كحاضر مضيء، وكمستقبل أكثر إشراقاً، وليس فقط كماضٍ مجيد ما غاب عنا بتفاصيله وإنجازاته.
ما مات الإمام، ولنا معه في كل عام، لا بل في كل يوم وحين، لقاء.. ننهل من أفكاره حلولاً لمشكلات تطرأ، واقتراحات لإبداعات تتحق، وثباتاً على نهج أعاد إحياء الإسلام المحمدي الأصيل، بعد أن كاد الإسلام المزيّف يفرض نفسه على الأمة.
***
* عن رائد الوحدة الاسلامية..
السفير الايراني في لبنان لـ’العهد’: الجمهورية الاسلامية مستمرة في الثبات على نهج الامام الخميني
لطيفة الحسيني
26 عاماً مضت على رحيل رائد الوحدة الاسلامية الامام روح الله الخميني (قده). سنوات طويلة رسّخت حضوره في أذهان الإيرانيين على امتداد أكثر من عقدين ونصف وكلّ من آمن بمبادئ الثورة من حولهم. لكن لماذا؟
يقول آية الله العظمى الامام السيد علي الخامنئي إن "شخصية الإمام العظيمة لا يمكن مقارنتها بعد الانبياء والأولياء المعصومين بأية شخصية أخرى، فهو وديعة الله بيننا وحجة الله علينا ومظهر من مظاهر عظمته". هذا الكلام ليس مدحاً مبالغاً فيه، بل هو نابع من خصائص رسمت شخصية الامام الخميني منذ ظهوره حتى قيادته الثورة في إيران.
يتحدّث الامام الخامنئي عن الأبعاد المميزة التي ظهرت في شخصية الامام الراحل الفريدة، فهو كان منظّراً نهضوياً مهتمّاً بالتخطيط والتنظير لحكومة ونظام، ومهتماً أيضا بإرساء أسس بناء كيان جديد دون أن يكون أمام عينيه نموذج سابق وملموس، لأن التخطيط لبناء إسلامي يأخذ متطلبات الحياة العصرية والقضايا المطروحة اليوم بنظر الاعتبار.
الامام (قده) ظهر أيضاً شخصاً قيادياً، خاصة في ظلّ غيابه عن إيران لـ14 سنة، فهو كان يقود ويوجّه أحداث الثورة الاسلامية عن بعد، فيما لم تكن نهضته تعتمد على تشكيلات حزبية داخل البلاد، بل كان للإمام تلاميذ وأصدقاء ومعارف يحملون أفكاره بين الجماهير. وهو لم يكن يتوجّه في بياناته الى أولئك التلاميذ والأصدقاء على وجه الخصوص، بل يخاطب عموم الجماهير. وبفضل قيادة الامام (قده) لتلك الحركة الثورة، تمّ اجتياز كل العراقيل والموانع التي اعترضتها، بحسب ما يقول الامام الخامنئي.
الأصول الفكرية التي استندت اليها الثورة الاسلامية لعبت دوراً في استمرارية نهج الامام الخميني داخل الجمهوية الاسلامية الى اليوم، والتي يمتاز نظامها الذي أسّسه بالاحتكام الى الشعب. فبعد أن انتصرت الثورة كان يستطيع أن يعلن مباشرة عن إنشاء نظام جمهوري إسلامي دون الرجوع الى آراء الشعب، إلّا أنه أجرى استفتاءً حول أصل النظام وكيفيته، الى أن أدلى المواطنون بأصواتهم لصالح إقامة نظام إسلامي، وهو ما كرّره عندما أمر بإجراء انتخابات مجلس الخبراء. كذلك أجرى انتخابات رئاسية بعد شهرين من انتصار الثورة وعقبها انتخابات مجلس شورى. وهو ما يعني أن الامام (قده) أنجز في عام واحد عدة استحقاقات: انتخابات خبراء، تدوين الدستور، الاستفتاء على الدستور، انتخاب الرئاسة، انتخابات مجلس الشورى، وفق ما يشرح الامام الخامنئي.

رائد الوحدة الاسلامية الامام روح الله الخميني (قده)
أما النهضة الفكرية للإمام (قده) فقد تجسّدت أكثر في الآتي:
• عُدة النصر= بناء النفس+ التنظيم + اعداد العدة.
• الأخذ بوسائل العصر في التنظيم والانضباط وإعداد العدة.
• إعادة النظر في التقنية وشروطها لتخليصها من السلبية في مفهومها الشائع.
• توثيق صلة العلماء بالشعب، على قاعدة أن الأمة هي الأصل في قوة العلماء ومراجع الدين الذين لم يتخذوا من الدين تجارة ولم يتطفلوا عليه وجعلوا من الإسلام أمانة مقدسة في أعناقهم يجب حفظها والدفاع عنها.
السفير الايراني في لبنان لـ"العهد": الامام الخميني رائد مشروع دعم المستضعفين في العالم
على مرّ كلّ تلك السنوات، لم ينسلخ الايرانيون عن فكر الامام (قده). سفير الجمهورية الاسلامية في لبنان محمد فتح علي يشرح في مقابلة مع موقع العهد الإخباري أصول تأسيس الامام الراحل للجمهورية فيقول إن "إنشاءها انطلق قبل كلّ شيء من ثابتة ضرورة تأسيسها ولا سيما في ظلّ حكم سلالة الشاه لأكثر من 2500 سنة، حيث بات لزاماً بالنسبة لرجال الدين إصلاح الحكومة والدولة وتوجيهها نحو القيم الإسلامية، ورغم ذلك لم يرغب الامام قبل الثورة في التسبّب باتساع الفجوة بين أبناء الشعب الإيراني، ولم يتدخل أو ينخرط في السياسة فوراً؛ بل فضّل إعطاء النصائح لعموم الشعب لحمايته من الغطرسة الغربية، ومع ذلك، فهم الشاه قوة الإمام (قده) وتأثيره القوي على الناس ورجال الدين على حد سواء فقام بإلقاء القبض عليه في محاولة للحدّ من تأثيره على المجتمع، وطُلب منه بشكل غير مباشر الامتناع عن الحديث عن الشاه ومهاجمة "إسرائيل" والقول إن الإسلام في خطر، لكنه رفض الانصياع لتلك الأوامر الى أن قاد الثورة وانتصرت".
رائد الوحدة الاسلامية أدار مشروع دعم المستضعفين في العالم . هنا يشير فتح علي الى أن الامام كان دائماً يشدّد على ضرورة دعم الشعب المظلوم الذي يعيش تحت ضغط القوى المطيعة لأوامر الشيطان والمنفذين لخططه. وعليه، من واجب ومسؤولية القائد السياسي والديني مساعدة وإرشاد المجموعة التي تسير في الاتجاه الصحيح لهزيمة أو قهر المجموعة التي تنفّذ الأوامر المتسلّطة، ليصار الى مساعدة من لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم ضد القوى المستكبرة، ولذلك أعرب الإمام عن اعتقاده بأن ما نواجهه هو صراع بين الحق والباطل وبالتالي يجب أن نحذر من التضليل ونبقى على صلة بالقرآن والقيم الإسلامية".
في ظل النموذج الإسلامي التكفيري والوهابي اليوم، قدّم الإمام الخميني (قده) نموذجاً لدولة إسلامية تواكب التطوّر. في هذا السياق، يتحدّث فتح علي عن أن الإمام (قده) كان يعتبر التكفيريين أكثر خطورة من الكافرين، ما يوجب علينا حفظ وتحصين المجتمع من أخطار هؤلاء.
من جهة ثانية، يغوص فتح علي في الحديث عن زهد الامام (قده) لناحية عدم استغلاله منصبه تحقيقاً لمنافع شخصية خاصة واصراره على إبعاد أبنائه عن مواقع الدولة، فيلفت الى أن سرّ نجاح سماحته وشغف الناس به يكمن في أنه لم يرد شيئاً لنفسه وأنّه كرّس نفسه لله وكان على استعداد للتضحية بنفسه، وبات أي شيء يقوم به يستند الى فكرة أن لا قوة رئيسية في العالم سوى الله.. لم يكترث لأي ماديات، بل كان همّه الأوّل التوفيق بين حياته المهنية والشخصية مع المبادئ القرآنية، ولذلك كان يقول "اكتب بقلم العقل على صفحة القلب أن لا مؤثّر في الوجود سوى الله".. ليس هذا فحسب، بل كان الإمام رجلاً يعني ما يقوله، أي يطبّق ما كان ينصح به.
أمام كلّ المفاهيم الاسلامية التي نشرها، استطاعت الجمهورية الإسلامية الإيرانية الثبات على نهج الامام الخميني بعد رحيله دون أي تبديل في الأسس. وهي بحسب السفير علي، تستند الى البنيان على الأمور الصحيحة خاصة أن مواد الدستور الذي أمر بكتابته ترتكز على القيم الإسلامية ومعايير القرآن وما نصح به الأنبياء والأئمة (ع)، ما يعني أن ما أسّس له ليس مرتبطاً بشخصه بل متصل بقيم الدين الحنيف. وانطلاقاً من هذا الكلام، ركّز على أهمية آراء الناس؛ فأولى أهمية كبرى لأصواتهم الانتخابية، ورفض التمييز بين الأغنياء والفقراء، ودعا إلى العدل بين جميع طبقات المجتمع.
***
* بالصور.. مراسم ذكرى رحيل الامام الخميني (رض)
بحضور قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد على خامنئي، انطلقت صباح اليوم الخميس، مراسم الذكرى السنوية الـ26 لرحيل مؤسس الجمهورية الاسلامية الايرانية الامام روح الله الخميني (رض)، بحضور كبار المسؤولين والقادة العسكريين.












الإمام الخميني يرسم مسيرة المستقبل
محمود ريا
لمن كان يعي، كان الأمر كارثة حقيقية. والوعي هنا يحمل معنيين: معنى الادراك الناجم عن العمر، فالحدث الذي حصل قبل ستة وعشرين عاماً غائب بتفاصيله عن الكثيرين من الأجيال الشابة، لا بل هو غائب بالمشاعر التي رافقته، والأسئلة التي سارت معه، عنهم وعن أفكارهم وخيالاتهم.
ومن هنا ينبع الوعي الآخر، الوعي المتعلق بأبعاد هذه الكارثة وآثارها ونتائجها وما ستتركه من فراغ على مستوى الأمة.
والحدث هو وفاة الإمام الخميني المقدس، في الرابع من حزيران/ يونيو عام 1989.
كانت الأمة قد أضحت غير ما كانت عليه قبل عشر سنوات فقط، تبدلت أحوالها، من حال إلى حال، انبثق نور جديد بين جنباتها، وتفتحت في أرجائها آمال عراض، ونشأ جيل ينظر إلى المستقبل بعين مفعمة بالتفاؤل والتوقعات الإيجابية.
لقد أطلقت حركة الإمام الخميني ثورة حقيقية، على مختلف الصعد، فانتفض مارد كان خامداً على مدى عقود، لا بل قرون، وتجمعت أوصاله المقطعة وأجزاؤه المبعثرة، وصارت أحلام كالكرامة والعزة والتحرير والنصر أقرب منالاً وأدنى قطوفاً، وعادت القدس قضية مركزية، ولم تعد فلسطين نسياً منسياً.
كل ذلك وأكثر، وبما لا يمكن تحديد حجم اتساعه، صار في أذهان جيل شاب، كانت نشأته الأولى على أصوات الهزائم، وفي مستنقعات التشتت الفكري والتبعثر العقائدي، وبين جنبات الانسحاق أمام القوى العظمى وعملائها في منطقتنا، فجاء الإمام، وكان ثورةً، قوةً، نهجاً، لا بل صراطاً مستقيماً.
وعاش الجيل الطالع هذا الحلم واقعاً، وانطلق يقدّم ويضحي، وينتصر ويفخر، ويصنع مستقبلاً اختاره بنفسه، على هدي تعاليم هذا القائد الكبير، واستناداً إلى أفكاره التي استمدّها من إسلام عظيم، إسلام نشط متحرك واقعي، بعيداً عن التنظير والخمول والتقوقع في الزوايا والتكايا والبعد عن الأحداث، وإسلام متقدم واعٍ ينظر إلى الأحداث بعين الحاضر دون أن يفارق جذور الأصالة والثوابت.
وفي غمرة هذه النهضة الكبرى، التي أعادت أمة مفككة مبعثرة إلى خارطة العالم، بالرغم من الهجمة الاستكبارية الكبرى التي واجهتها من أجل منع قيامها، أو تأخيره على الأقل، جاء الخبر الصاعقة: توفي الإمام الخميني.
أحبط كثيرون، لا بل دُمروا.
أحسوا بالأحلام تتهاوى، بالإنجازات تنهار، بالأفكار تنفكّ عن الوقائع.
توفي الإمام؟
وكيف ستستمر هذه المسيرة، ماذا عن الكرامة، وهل سنبقى نعيش العزة؟
ما هو مصير المقاومة، وهل سنصل إلى الانتصار الموعود؟

الامام الخميني (قده)
وبكى الناس.
بكوا آمالهم وأحلامهم، لا بل بكوا مستقبلهم الذي رسموا صورته المشرقة مع الحياة التي بثّها هذا الرجل الذي لا نظير له في أرواحهم.
مات الإمام؟
هبّت ملايين، تنعى المجدد، وتنتحب..
وكان انتظار اليوم التالي..
العدو ينتظر بشماتة، والصديق ينتظر بتلهّف، والمكلوم مسكون بالوجل والخوف من الآتي.
لم يعرف الكثيرون أن هذا الإمام العظيم أطلق في الأمة سلسلة من التفاعلات التي لا يمكن أن تتوقف برحيل شخص. غاب عنهم أنه أحيا جسداً ميتاً، وبث فيه الروح. هو جسد قام.. ولا يمكن له أن يعود إلى السبات والخمول والاندثار.
لقد فجّر ثورة عظمى، ثورة تتخطى الأشخاص والأجيال والبلدان وكل الحدود، ثورة على مستوى العالم، لا تخبو أنوارها، ولا يهمد بركانها، ولا تنطفئ نيرانها.
لقد أنشأ جيلاً مؤمناً بأن النصر ينطلق من الداخل، من النفس الإنسانية، من الإيمان بالله تعالى، والاعتماد على الذات، ولذلك.. لا بدّ لهذا النصر من أن يتحقق.
لقد ربى قيادات آمنت ونصرت وضحّت ومارست واستوعبت وارتوت، فصارت قادرة على إكمال السير على هذا النهج، وعلى قيادة هذا المسيرة الضخمة نحو إعادة كتابة التاريخ من جديد.
وكما كان الإمام في حياته ملهماً وقائداً وثائراً ومجدداً، بقي بعد رحيله نبراساً وهادياً ومعلماً، وبقيت ثورته حيّة معطاءة متفجرة، تحقق الانتصارات وتراكم الإنجازات، حتى استطاعت فعلاً أن ترسم سيرورة جديدة للعالم وللمستقبل.
مات الإمام؟
لا ما مات، هو ما زال في كل واحد حمل أفكاره، وسار على نهجه، متمسكاً بأصالته، مجدداً في ما يكتسبه من فهم وتطور.
ما مات الإمام، والدليل أننا ما زلنا نحيي ذكراه كحاضر مضيء، وكمستقبل أكثر إشراقاً، وليس فقط كماضٍ مجيد ما غاب عنا بتفاصيله وإنجازاته.
ما مات الإمام، ولنا معه في كل عام، لا بل في كل يوم وحين، لقاء.. ننهل من أفكاره حلولاً لمشكلات تطرأ، واقتراحات لإبداعات تتحق، وثباتاً على نهج أعاد إحياء الإسلام المحمدي الأصيل، بعد أن كاد الإسلام المزيّف يفرض نفسه على الأمة.
***
* عن رائد الوحدة الاسلامية..
السفير الايراني في لبنان لـ’العهد’: الجمهورية الاسلامية مستمرة في الثبات على نهج الامام الخميني
لطيفة الحسيني
26 عاماً مضت على رحيل رائد الوحدة الاسلامية الامام روح الله الخميني (قده). سنوات طويلة رسّخت حضوره في أذهان الإيرانيين على امتداد أكثر من عقدين ونصف وكلّ من آمن بمبادئ الثورة من حولهم. لكن لماذا؟
يقول آية الله العظمى الامام السيد علي الخامنئي إن "شخصية الإمام العظيمة لا يمكن مقارنتها بعد الانبياء والأولياء المعصومين بأية شخصية أخرى، فهو وديعة الله بيننا وحجة الله علينا ومظهر من مظاهر عظمته". هذا الكلام ليس مدحاً مبالغاً فيه، بل هو نابع من خصائص رسمت شخصية الامام الخميني منذ ظهوره حتى قيادته الثورة في إيران.
يتحدّث الامام الخامنئي عن الأبعاد المميزة التي ظهرت في شخصية الامام الراحل الفريدة، فهو كان منظّراً نهضوياً مهتمّاً بالتخطيط والتنظير لحكومة ونظام، ومهتماً أيضا بإرساء أسس بناء كيان جديد دون أن يكون أمام عينيه نموذج سابق وملموس، لأن التخطيط لبناء إسلامي يأخذ متطلبات الحياة العصرية والقضايا المطروحة اليوم بنظر الاعتبار.
الامام (قده) ظهر أيضاً شخصاً قيادياً، خاصة في ظلّ غيابه عن إيران لـ14 سنة، فهو كان يقود ويوجّه أحداث الثورة الاسلامية عن بعد، فيما لم تكن نهضته تعتمد على تشكيلات حزبية داخل البلاد، بل كان للإمام تلاميذ وأصدقاء ومعارف يحملون أفكاره بين الجماهير. وهو لم يكن يتوجّه في بياناته الى أولئك التلاميذ والأصدقاء على وجه الخصوص، بل يخاطب عموم الجماهير. وبفضل قيادة الامام (قده) لتلك الحركة الثورة، تمّ اجتياز كل العراقيل والموانع التي اعترضتها، بحسب ما يقول الامام الخامنئي.
الأصول الفكرية التي استندت اليها الثورة الاسلامية لعبت دوراً في استمرارية نهج الامام الخميني داخل الجمهوية الاسلامية الى اليوم، والتي يمتاز نظامها الذي أسّسه بالاحتكام الى الشعب. فبعد أن انتصرت الثورة كان يستطيع أن يعلن مباشرة عن إنشاء نظام جمهوري إسلامي دون الرجوع الى آراء الشعب، إلّا أنه أجرى استفتاءً حول أصل النظام وكيفيته، الى أن أدلى المواطنون بأصواتهم لصالح إقامة نظام إسلامي، وهو ما كرّره عندما أمر بإجراء انتخابات مجلس الخبراء. كذلك أجرى انتخابات رئاسية بعد شهرين من انتصار الثورة وعقبها انتخابات مجلس شورى. وهو ما يعني أن الامام (قده) أنجز في عام واحد عدة استحقاقات: انتخابات خبراء، تدوين الدستور، الاستفتاء على الدستور، انتخاب الرئاسة، انتخابات مجلس الشورى، وفق ما يشرح الامام الخامنئي.

رائد الوحدة الاسلامية الامام روح الله الخميني (قده)
أما النهضة الفكرية للإمام (قده) فقد تجسّدت أكثر في الآتي:
• عُدة النصر= بناء النفس+ التنظيم + اعداد العدة.
• الأخذ بوسائل العصر في التنظيم والانضباط وإعداد العدة.
• إعادة النظر في التقنية وشروطها لتخليصها من السلبية في مفهومها الشائع.
• توثيق صلة العلماء بالشعب، على قاعدة أن الأمة هي الأصل في قوة العلماء ومراجع الدين الذين لم يتخذوا من الدين تجارة ولم يتطفلوا عليه وجعلوا من الإسلام أمانة مقدسة في أعناقهم يجب حفظها والدفاع عنها.
السفير الايراني في لبنان لـ"العهد": الامام الخميني رائد مشروع دعم المستضعفين في العالم
على مرّ كلّ تلك السنوات، لم ينسلخ الايرانيون عن فكر الامام (قده). سفير الجمهورية الاسلامية في لبنان محمد فتح علي يشرح في مقابلة مع موقع العهد الإخباري أصول تأسيس الامام الراحل للجمهورية فيقول إن "إنشاءها انطلق قبل كلّ شيء من ثابتة ضرورة تأسيسها ولا سيما في ظلّ حكم سلالة الشاه لأكثر من 2500 سنة، حيث بات لزاماً بالنسبة لرجال الدين إصلاح الحكومة والدولة وتوجيهها نحو القيم الإسلامية، ورغم ذلك لم يرغب الامام قبل الثورة في التسبّب باتساع الفجوة بين أبناء الشعب الإيراني، ولم يتدخل أو ينخرط في السياسة فوراً؛ بل فضّل إعطاء النصائح لعموم الشعب لحمايته من الغطرسة الغربية، ومع ذلك، فهم الشاه قوة الإمام (قده) وتأثيره القوي على الناس ورجال الدين على حد سواء فقام بإلقاء القبض عليه في محاولة للحدّ من تأثيره على المجتمع، وطُلب منه بشكل غير مباشر الامتناع عن الحديث عن الشاه ومهاجمة "إسرائيل" والقول إن الإسلام في خطر، لكنه رفض الانصياع لتلك الأوامر الى أن قاد الثورة وانتصرت".
رائد الوحدة الاسلامية أدار مشروع دعم المستضعفين في العالم . هنا يشير فتح علي الى أن الامام كان دائماً يشدّد على ضرورة دعم الشعب المظلوم الذي يعيش تحت ضغط القوى المطيعة لأوامر الشيطان والمنفذين لخططه. وعليه، من واجب ومسؤولية القائد السياسي والديني مساعدة وإرشاد المجموعة التي تسير في الاتجاه الصحيح لهزيمة أو قهر المجموعة التي تنفّذ الأوامر المتسلّطة، ليصار الى مساعدة من لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم ضد القوى المستكبرة، ولذلك أعرب الإمام عن اعتقاده بأن ما نواجهه هو صراع بين الحق والباطل وبالتالي يجب أن نحذر من التضليل ونبقى على صلة بالقرآن والقيم الإسلامية".
في ظل النموذج الإسلامي التكفيري والوهابي اليوم، قدّم الإمام الخميني (قده) نموذجاً لدولة إسلامية تواكب التطوّر. في هذا السياق، يتحدّث فتح علي عن أن الإمام (قده) كان يعتبر التكفيريين أكثر خطورة من الكافرين، ما يوجب علينا حفظ وتحصين المجتمع من أخطار هؤلاء.
من جهة ثانية، يغوص فتح علي في الحديث عن زهد الامام (قده) لناحية عدم استغلاله منصبه تحقيقاً لمنافع شخصية خاصة واصراره على إبعاد أبنائه عن مواقع الدولة، فيلفت الى أن سرّ نجاح سماحته وشغف الناس به يكمن في أنه لم يرد شيئاً لنفسه وأنّه كرّس نفسه لله وكان على استعداد للتضحية بنفسه، وبات أي شيء يقوم به يستند الى فكرة أن لا قوة رئيسية في العالم سوى الله.. لم يكترث لأي ماديات، بل كان همّه الأوّل التوفيق بين حياته المهنية والشخصية مع المبادئ القرآنية، ولذلك كان يقول "اكتب بقلم العقل على صفحة القلب أن لا مؤثّر في الوجود سوى الله".. ليس هذا فحسب، بل كان الإمام رجلاً يعني ما يقوله، أي يطبّق ما كان ينصح به.
أمام كلّ المفاهيم الاسلامية التي نشرها، استطاعت الجمهورية الإسلامية الإيرانية الثبات على نهج الامام الخميني بعد رحيله دون أي تبديل في الأسس. وهي بحسب السفير علي، تستند الى البنيان على الأمور الصحيحة خاصة أن مواد الدستور الذي أمر بكتابته ترتكز على القيم الإسلامية ومعايير القرآن وما نصح به الأنبياء والأئمة (ع)، ما يعني أن ما أسّس له ليس مرتبطاً بشخصه بل متصل بقيم الدين الحنيف. وانطلاقاً من هذا الكلام، ركّز على أهمية آراء الناس؛ فأولى أهمية كبرى لأصواتهم الانتخابية، ورفض التمييز بين الأغنياء والفقراء، ودعا إلى العدل بين جميع طبقات المجتمع.
***
* بالصور.. مراسم ذكرى رحيل الامام الخميني (رض)
بحضور قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد على خامنئي، انطلقت صباح اليوم الخميس، مراسم الذكرى السنوية الـ26 لرحيل مؤسس الجمهورية الاسلامية الايرانية الامام روح الله الخميني (رض)، بحضور كبار المسؤولين والقادة العسكريين.













تعليق