28/4/2014
انتخابات العراق: لماذا تفكك المكون السني؟
الكتل السنية: حضور الضعف وغياب القوة
بغداد ـ عادل الجبوري
تعكس الحملات الدعائية للانتخابات البرلمانية العراقية المزمع اجراؤها في الثلاثين من شهر نيسان/ابريل الجاري، ثلاث حقائق لا تقبل البحث والنقاش، الحقيقة الاولى، تعقيدات الوضع السياسي العراق وتشابك وتداخل خيوطه وخطوطه الى حد كبير، والحقيقة الثانية، وجود كتل رئيسية محددة من المكونات الثلاثة (الشيعية والسنية والكردية) هي الماسكة بزمام الامور، وستبقى كذلك على صعيد المدى المنظور، اما الحقيقة الثالثة فتتمثل في ان النتائج التي ستفرزها الانتخابات المرتقبة لن تقلب موازين القوى القائمة، اي بعبارة اخرى، ستحافظ على التوازنات القائمة، استنادا الى احتمالية حصول تقدم طفيف للبعض وتراجع طفيف ايضا للبعض الاخر، وهذه الحقائق الثلاثة تعني فيما تعنيه ان طبيعة الحراك السياسي المشحون والمتأزم لن تتغير باتجاه حدوث انفراجات واقعية وملموسة في المرحلة المقبلة.
ولعل قراءة موضوعية لواقع الكتل الانتخابية الرئيسية، من حيث تشكيلتها ونقاط قوتها وضعفها، وخطابها السياسي وبرنامجها الانتخابي، من شأنه ان يساهم في بلورة صورة المشهد العام الراهن، ومعالم المشهد العام في مرحلة ما بعد الانتخابات.
صورة مضطربة!
لعل واحدا من ابرز المتغيرات في المشهد الانتخابي الحالي مقارنة بمشهد انتخابات 2010، هو التصدع والتشظي الكبيران اللذان تعرضت لهما القائمة العراقية، التي كانت حتى قبل انتخابات مجالس المحافظات في نيسان/ابريل من العام الماضي تمثل الاطار الجامع لمختلف عناوين المكون السني الممتد بجغرافيته من نينوى مرورا بصلاح الدين واجزاء من كركوك وديالى وبابل وبغداد وانتهاء بالانبار.
في انتخابات 2010 نجح الائتلاف الواسع للمكون السني، بزعامة رئيس الوزراء الاسبق والامين العام لحركة الوفاق الوطني اياد علاوي في حصد واحد وتسعين مقعدا، متقدما على ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي بمقعدين، وكاد ان يخطف منصب رئاسة الوزراء لولا تفسير المحكمة الاتحادية العليا لمفهوم الكتلة النيابية الاكبر.

وبدا واضحا منذ البداية ان "العراقية" كانت تراهن على المنصب التنفيذي الاول، لتمد اذرعها الى كل المفاصل، وتزيد من قوتها وتأثيرها وحضورها، بيد ان اخفاقها في ذلك، فتح باب الخلافات والاختلافات والتقاطعات بين مكوناتها وعلى اعلى الصعد والمستويات، حول المشاركة في الحكومة او عدم المشاركة، ومستوى تلك المشاركة وشروطها، ناهيك عن ان الاختلافات والتقاطعات التي حصلت بين الاطراف الخارجية الداعمة وتحديدا كل من السعودية وتركيا وقطر لـ"العراقية" بشأن ملفات اقليمية مختلفة، وثبوت تورط القيادي في "العراقية" ونائب رئيس الجمهورية السابق طارق الهاشمي بدعم الجماعات الارهابية، ومن ثم تورط افراد بحماية القيادي الاخر ووزير المالية السابق رافع العيساوي بالعمل مع الارهابيين، القى بظلاله الثقيلة والواضحة على القائمة، الى جانب القرارات المرتبكة حول الانسحاب من الحكومة، والتي كان بعض وزراء العراقية لا يلتزمون بها، وبعضهم الاخر يلتزمون لبعض الوقت ثم يتراجعون خشية فقدان الامتيازات المالية الكبيرة التي يوفرها المنصب.
وما زاد طين "العراقية" بلة هو بقاء زعيمها علاوي دون اي منصب، بعدما لم يتم التوافق على مهام ووظائف وصلاحيات مجلس السياسات الاستراتجية الذي تم اقرار انشائه وفق اتفاق اربيل بين مسعود البارزاني ونوري المالكي واياد علاوي.
انشطارات وتشظيات!
كل ذلك هيأ الاجواء والارضيات لتفكك القائمة العراقية وتشظيها لتدخل انتخابات مجالس المحافظات بثلاث قوائم بدلا من قائمة واحدة، والقوائم الثلاث هي العراقية الوطنية بزعامة اياد علاوي، وائتلاف متحدون بزعامة رئيس مجلس النواب اسامة النجيفي، وقائمة العربية بزعامة نائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات، والى جانب القوائم الثلاث، برزت قوائم اخرى قام بتشكيلها اعضاء انشقوا عن "العراقية"، مثل الكتلة البيضاء، والعراقية الحرة.
ولم تفلح جهود ومساعي الاطراف الخارجية الممولة والداعمة في رأب الصدع ومنع انشطارات "العراقية"، وهذه الاخيرة التي لم تكن في واقع الحال متماسكة بل ممسوكة من الخارج، لم تعد كذلك، والان ترسخ وثبت ذلك بأجلى واوضح صورة.
فالمكون السني دخل المعترك الانتخابي الجديد بعدة قوائم وائتلافات، من بينها ائتلاف الوطنية بزعامة اياد علاوي، وائتلاف متحدون للاصلاح بزعامة اسامة النجيفي، وائتلاف العربية بزعامة صالح المطلك، وائتلاف ديالى هويتنا ورئيسها هو الشيخ العشائري عامر حبيب الخيزران، وائتلاف عرب كركوك برئاسة الشيخ عبد الرحمن منشد العاصي.
اضف الى ذلك فان هناك قوائم وكتلاً اخرى صغيرة تتحرك ضمن الفضاء السياسي السني، لكنها انظمت الى ائتلافات واسعة متنوعة التوجهات والانتماءات مثل التحالف المدني الديمقراطي، وائتلاف العراق.
الضعف حاضر والقوة غائبة!
وفي خضم هذه الاحداث، يحتدم الجدل والسجال حول ما يمكن ان يحصل عليه المكون السني من اصوات ومقاعد في انتخابات الثلاثين من نيسان/ابريل الجاري.
هناك رؤية اجمالية عامة، يذهب اصحابها الى ان المكون السني سيحصل على نفس ما حصل عليه سابقا، او اكثر من ذلك بقليل، او اقل بقليل، انطلاقا من حقيقة ان مساحة المكون السني واضحة ومحددة كما هي مساحة المكون الشيعي، ومساحة المكون الكردي، والاستثناء القليل يتمثل في وجود هامش صغير في داخل كل مكون للتوجهات الليبرالية غير المحكومة بالاطر المذهبية والطائفية والقومية.
بيد ان المشكلة الحقيقية تكمن في ذلك التفكك الذي يحول دون تشكيل كتلة برلمانية كبيرة لها ثقلها وتأثيرها وحضورها، وهو ما يمكن ان يجعل كتل المكون السنية المتناثرة عرضة لمساومات وصفقات واغراءات من قبل قوى كبيرة، ولعل هذه هي نقطة الضعف الرئيسية التي يعاني منها المكون السني، وتكملها نقطة ضعف اخرى تتمثل في غياب زعامات سياسية ودينية وعشائرية تحظى بمقبولية جماهيرية واسعة، وقادرة على ان تقلص المسافات بين الفرقاء، وقادرة في ذات الوقت على طرح خطاب معتدل ومتوازن يخلو من التشنج والانفعال والتسقيط والتحريض، وافكار ايجابية لمعالجة وحل الازمات والمشكلات القائمة، وتجسير الخلافات والاختلافات في الفضاء الوطني العام.
اضف الى ذلك فان تعامل بعض الاطراف السياسية السنية مع جماعات ارهابية بطريقة او بأخرى، تستهدف كل المكونات الاجتماعية دون استثناء، يفقد تلك الاطراف مصداقيتها وشعبيتها.
وما يعقد المشكلة اكثر هو تقاطع اجندات واولويات ومشاريع القوى الخارجية الداعمة، ما ينعكس سلبا على الاطراف التي تتلقى الدعم، واكثر من ذلك يقوم البعض منها حين تتفاقم الخلافات بكشف اوراق الاخر.
ومثلما يقال فان نقاط القوة غائبة ونقاط الضعف حاضرة بقوة!. واغلب الظن ان مرحلة ما بعد الانتخابات ستكون عسيرة وصعبة على المكون السني، ارتباطا بصعوبة التوافق والاتفاق بين مكوناته على رؤية موحدة وقوية ينطلق من خلالها للتفاهم والتفاوض مع الكيانات والكتل الاخرى على تشكيل الحكومة المقبلة وصياغة ووضع منهج واقعي وعلمي وعملي لادارة شؤون الدولة.
انتخابات العراق: لماذا تفكك المكون السني؟
الكتل السنية: حضور الضعف وغياب القوة
بغداد ـ عادل الجبوري
تعكس الحملات الدعائية للانتخابات البرلمانية العراقية المزمع اجراؤها في الثلاثين من شهر نيسان/ابريل الجاري، ثلاث حقائق لا تقبل البحث والنقاش، الحقيقة الاولى، تعقيدات الوضع السياسي العراق وتشابك وتداخل خيوطه وخطوطه الى حد كبير، والحقيقة الثانية، وجود كتل رئيسية محددة من المكونات الثلاثة (الشيعية والسنية والكردية) هي الماسكة بزمام الامور، وستبقى كذلك على صعيد المدى المنظور، اما الحقيقة الثالثة فتتمثل في ان النتائج التي ستفرزها الانتخابات المرتقبة لن تقلب موازين القوى القائمة، اي بعبارة اخرى، ستحافظ على التوازنات القائمة، استنادا الى احتمالية حصول تقدم طفيف للبعض وتراجع طفيف ايضا للبعض الاخر، وهذه الحقائق الثلاثة تعني فيما تعنيه ان طبيعة الحراك السياسي المشحون والمتأزم لن تتغير باتجاه حدوث انفراجات واقعية وملموسة في المرحلة المقبلة.
ولعل قراءة موضوعية لواقع الكتل الانتخابية الرئيسية، من حيث تشكيلتها ونقاط قوتها وضعفها، وخطابها السياسي وبرنامجها الانتخابي، من شأنه ان يساهم في بلورة صورة المشهد العام الراهن، ومعالم المشهد العام في مرحلة ما بعد الانتخابات.
صورة مضطربة!
لعل واحدا من ابرز المتغيرات في المشهد الانتخابي الحالي مقارنة بمشهد انتخابات 2010، هو التصدع والتشظي الكبيران اللذان تعرضت لهما القائمة العراقية، التي كانت حتى قبل انتخابات مجالس المحافظات في نيسان/ابريل من العام الماضي تمثل الاطار الجامع لمختلف عناوين المكون السني الممتد بجغرافيته من نينوى مرورا بصلاح الدين واجزاء من كركوك وديالى وبابل وبغداد وانتهاء بالانبار.
في انتخابات 2010 نجح الائتلاف الواسع للمكون السني، بزعامة رئيس الوزراء الاسبق والامين العام لحركة الوفاق الوطني اياد علاوي في حصد واحد وتسعين مقعدا، متقدما على ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي بمقعدين، وكاد ان يخطف منصب رئاسة الوزراء لولا تفسير المحكمة الاتحادية العليا لمفهوم الكتلة النيابية الاكبر.

وبدا واضحا منذ البداية ان "العراقية" كانت تراهن على المنصب التنفيذي الاول، لتمد اذرعها الى كل المفاصل، وتزيد من قوتها وتأثيرها وحضورها، بيد ان اخفاقها في ذلك، فتح باب الخلافات والاختلافات والتقاطعات بين مكوناتها وعلى اعلى الصعد والمستويات، حول المشاركة في الحكومة او عدم المشاركة، ومستوى تلك المشاركة وشروطها، ناهيك عن ان الاختلافات والتقاطعات التي حصلت بين الاطراف الخارجية الداعمة وتحديدا كل من السعودية وتركيا وقطر لـ"العراقية" بشأن ملفات اقليمية مختلفة، وثبوت تورط القيادي في "العراقية" ونائب رئيس الجمهورية السابق طارق الهاشمي بدعم الجماعات الارهابية، ومن ثم تورط افراد بحماية القيادي الاخر ووزير المالية السابق رافع العيساوي بالعمل مع الارهابيين، القى بظلاله الثقيلة والواضحة على القائمة، الى جانب القرارات المرتبكة حول الانسحاب من الحكومة، والتي كان بعض وزراء العراقية لا يلتزمون بها، وبعضهم الاخر يلتزمون لبعض الوقت ثم يتراجعون خشية فقدان الامتيازات المالية الكبيرة التي يوفرها المنصب.
وما زاد طين "العراقية" بلة هو بقاء زعيمها علاوي دون اي منصب، بعدما لم يتم التوافق على مهام ووظائف وصلاحيات مجلس السياسات الاستراتجية الذي تم اقرار انشائه وفق اتفاق اربيل بين مسعود البارزاني ونوري المالكي واياد علاوي.
انشطارات وتشظيات!
كل ذلك هيأ الاجواء والارضيات لتفكك القائمة العراقية وتشظيها لتدخل انتخابات مجالس المحافظات بثلاث قوائم بدلا من قائمة واحدة، والقوائم الثلاث هي العراقية الوطنية بزعامة اياد علاوي، وائتلاف متحدون بزعامة رئيس مجلس النواب اسامة النجيفي، وقائمة العربية بزعامة نائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات، والى جانب القوائم الثلاث، برزت قوائم اخرى قام بتشكيلها اعضاء انشقوا عن "العراقية"، مثل الكتلة البيضاء، والعراقية الحرة.
ولم تفلح جهود ومساعي الاطراف الخارجية الممولة والداعمة في رأب الصدع ومنع انشطارات "العراقية"، وهذه الاخيرة التي لم تكن في واقع الحال متماسكة بل ممسوكة من الخارج، لم تعد كذلك، والان ترسخ وثبت ذلك بأجلى واوضح صورة.
فالمكون السني دخل المعترك الانتخابي الجديد بعدة قوائم وائتلافات، من بينها ائتلاف الوطنية بزعامة اياد علاوي، وائتلاف متحدون للاصلاح بزعامة اسامة النجيفي، وائتلاف العربية بزعامة صالح المطلك، وائتلاف ديالى هويتنا ورئيسها هو الشيخ العشائري عامر حبيب الخيزران، وائتلاف عرب كركوك برئاسة الشيخ عبد الرحمن منشد العاصي.
اضف الى ذلك فان هناك قوائم وكتلاً اخرى صغيرة تتحرك ضمن الفضاء السياسي السني، لكنها انظمت الى ائتلافات واسعة متنوعة التوجهات والانتماءات مثل التحالف المدني الديمقراطي، وائتلاف العراق.
الضعف حاضر والقوة غائبة!
وفي خضم هذه الاحداث، يحتدم الجدل والسجال حول ما يمكن ان يحصل عليه المكون السني من اصوات ومقاعد في انتخابات الثلاثين من نيسان/ابريل الجاري.
هناك رؤية اجمالية عامة، يذهب اصحابها الى ان المكون السني سيحصل على نفس ما حصل عليه سابقا، او اكثر من ذلك بقليل، او اقل بقليل، انطلاقا من حقيقة ان مساحة المكون السني واضحة ومحددة كما هي مساحة المكون الشيعي، ومساحة المكون الكردي، والاستثناء القليل يتمثل في وجود هامش صغير في داخل كل مكون للتوجهات الليبرالية غير المحكومة بالاطر المذهبية والطائفية والقومية.
بيد ان المشكلة الحقيقية تكمن في ذلك التفكك الذي يحول دون تشكيل كتلة برلمانية كبيرة لها ثقلها وتأثيرها وحضورها، وهو ما يمكن ان يجعل كتل المكون السنية المتناثرة عرضة لمساومات وصفقات واغراءات من قبل قوى كبيرة، ولعل هذه هي نقطة الضعف الرئيسية التي يعاني منها المكون السني، وتكملها نقطة ضعف اخرى تتمثل في غياب زعامات سياسية ودينية وعشائرية تحظى بمقبولية جماهيرية واسعة، وقادرة على ان تقلص المسافات بين الفرقاء، وقادرة في ذات الوقت على طرح خطاب معتدل ومتوازن يخلو من التشنج والانفعال والتسقيط والتحريض، وافكار ايجابية لمعالجة وحل الازمات والمشكلات القائمة، وتجسير الخلافات والاختلافات في الفضاء الوطني العام.
اضف الى ذلك فان تعامل بعض الاطراف السياسية السنية مع جماعات ارهابية بطريقة او بأخرى، تستهدف كل المكونات الاجتماعية دون استثناء، يفقد تلك الاطراف مصداقيتها وشعبيتها.
وما يعقد المشكلة اكثر هو تقاطع اجندات واولويات ومشاريع القوى الخارجية الداعمة، ما ينعكس سلبا على الاطراف التي تتلقى الدعم، واكثر من ذلك يقوم البعض منها حين تتفاقم الخلافات بكشف اوراق الاخر.
ومثلما يقال فان نقاط القوة غائبة ونقاط الضعف حاضرة بقوة!. واغلب الظن ان مرحلة ما بعد الانتخابات ستكون عسيرة وصعبة على المكون السني، ارتباطا بصعوبة التوافق والاتفاق بين مكوناته على رؤية موحدة وقوية ينطلق من خلالها للتفاهم والتفاوض مع الكيانات والكتل الاخرى على تشكيل الحكومة المقبلة وصياغة ووضع منهج واقعي وعلمي وعملي لادارة شؤون الدولة.
تعليق