ايضا وبلا تصرف
سنن الترمذي
الحاشية رقم: 1
قوله : ( حدثنا عبد الوهاب بن عبد الحكم الوراق البغدادي ) صاحب أحمد روى عن يحيى بن سعيد الأموي ومعاذ بن معاذ ، وعنه أبو داود والترمذي والنسائي . قال أحمد : قل من يرى مثله ، وثقه النسائي والدارقطني توفي سنة 251 إحدى وخمسين ومائتين ( أخبرنا يحيى بن سليم ) بالتصغير الطائفي القرشي مولاهم المكي الخزار بمعجمة ثم مهملة وثقه ابن معين وابن سعد والنسائي إلا في عبيد الله بن عمر ، وقال أبو حاتم : محله الصدق ولم يكن بالحافظ ولا يحتج به ، قال الخزرجي : احتج به الأئمة الستة ، وقال الحافظ في مقدمة فتح الباري : وقال النسائي : ليس به بأس وهو منكر الحديث عن عبيد الله بن عمر . وقال الساجي : أخطأ في أحاديث رواها عن عبيد الله بن عمر . قال الحافظ : لم يخرج له الشيخان من روايته عن عبيد الله بن عمر شيئا انتهى ( عن عبيد الله ) هو ابن عمر العمري من الثقات الأثبات .
قوله : ( فكانوا يصلون الظهر والعصر ركعتين ركعتين ) وفي رواية الشيخين قال : صحبت النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان لا يزيد في السفر على ركعتين وأبا بكر وعمر وعثمان كذلك ، وفي رواية لمسلم : صحبت النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله عز وجل ، وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله -عز وجل- وصحبت عمر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله -عز وجل- وصحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله عز وجل .
وظاهر هذه الرواية وكذا [ ص: 83 ] الرواية التي ذكرها الترمذي أن عثمان لم يصل في السفر تماما ، وفي رواية لمسلم عن ابن عمر أنه قال : ومع عثمان صدرا من خلافته ثم أتم ، وفي رواية : ثمان سنين أو ست سنين . قال النووي : وهذا هو المشهور أن عثمان أتم بعد ست سنين من خلافته ، وتأول العلماء هذه الرواية بأن عثمان لم يزد على ركعتين حتى قبضه الله في غير منى . والرواية المشهورة بإتمام عثمان بعد صدر من خلافته محمولة على الإتمام بمنى خاصة وقد صرح في رواية بأن إتمام عثمان كان بمنى .
وفي الصحيحين أن عبد الرحمن بن يزيد قال : صلى بنا عثمان بمنى أربع ركعات ، فقيل في ذلك لعبد الله بن مسعود فاسترجع ثم قال : صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمنى ركعتين ، وصليت مع أبي بكر الصديق بمنى ركعتين ، وصليت مع عمر بن الخطاب بمنى ركعتين ، فليت حظي من أربع ركعتان متقبلتان . واعلم أن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أيضا كانت تتم في السفر وسيأتي ذكر سبب إتمامها ( لا يصلون قبلها ولا بعدها ) أي : لا يصلون السنن الرواتب قبلها ولا بعدها ، وليس المراد به نفي التطوع في السفر مطلقا . وسيجيء تحقيق هذه المسألة في باب التطوع في السفر ( لو كنت مصليا ) أي : رواتب ( قبلها أو بعدها لأتممتها ) قال الحافظ في الفتح : يعني أنه لو كان مخيرا بين الإتمام وصلاة الراتبة لكان الإتمام أحب إليه ، لكنه فهم من القصر التخفيف ، فلذلك كان لا يصلي الراتبة ولا يتم انتهى .
قوله : ( وفي الباب عن عمر وعلي وابن عباس وأنس وعمران بن حصين وعائشة ) أما حديث عمر فأخرجه مسلم . وأما حديث علي فأخرجه البزار قال : صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الخوف ركعتين إلا المغرب ثلاثا ، وصليت معه في السفر ركعتين إلا المغرب ثلاثا . قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد : في سنده الحارث وهو ضعيف . وأما حديث ابن عباس فأخرجه مسلم . وأما حديث أنس فأخرجه الشيخان . وأما حديث عمران بن حصين فأخرجه أبو داود . وأما حديث عائشة فأخرجه الشيخان .
قوله : ( حديث ابن عمر حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث يحيى بن سليم مثل هذا ) وقد عرفت ترجمة يحيى بن سليم ، وأصل هذا الحديث في الصحيحين كما عرفته أيضا .
[ ص: 84 ] قوله : ( وقد روي عن عطية العوفي عن ابن عمر إلخ ) أخرجه الترمذي في باب التطوع في السفر .
قوله : ( والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وغيرهم ) وهو القول الراجح المعول عليه ( وقد روي عن عائشة أنها كانت تتم الصلاة في السفر ) أخرجه البخاري في صحيحه عن عائشة -رضي الله عنها- قالت : الصلاة أول ما فرضت ركعتان فأقرت صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر . قال الزهري : فقلت لعروة : فما بال عائشة تتم؟ قال : تأولت ما تأول عثمان . قال الحافظ في فتح الباري : قد جاء عنها سبب الإتمام صريحا وهو فيما أخرجه البيهقي من طريق هشام بن عروة عن أبيه : أنها كانت تصلي في السفر أربعا ، فقلت لها : لو صليت ركعتين؟ فقالت يا ابن أختي إنه لا يشق علي . إسناده صحيح وهو دال على أن القصر رخصة ، وأن الإتمام لمن لا يشق عليه أفضل ، انتهى كلام الحافظ .
قوله : ( وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق إلا أن الشافعي يقول : التقصير رخصة له في السفر فإن أتم الصلاة أجزأ عنه ) . قد اختلف أهل العلم هل القصر واجب ، أم رخصة والتمام أفضل؟ فذهب إلى الأول الحنفية ، وروي عن علي وعمر ونسبه النووي إلى كثير من أهل العلم . قال الخطابي في المعالم : كان مذهب أكثر علماء السلف وفقهاء الأمصار على أن القصر هو [ ص: 85 ] الواجب في السفر وهو قول علي وعمر وابن عمر وابن عباس ، وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز وقتادة والحسن ، وقال حماد بن سليمان : يعيد من يصلي في السفر أربعا ، وقال مالك : يعيد ما دام في الوقت ، انتهى .
وذهب إلى الثاني الشافعي ومالك وأحمد قال النووي : وأكثر العلماء ، وروي عن عائشة وعثمان وابن عباس . قال ابن المنذر : وقد أجمعوا على أنه لا يقصر في الصبح ولا في المغرب .
واحتج القائلون بوجوب القصر بحجج منها : ملازمته -صلى الله عليه وسلم- للقصر في جميع أسفاره ، ولم يثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- بحديث صحيح أنه أتم الرباعية في السفر ألبتة . كما قال ابن القيم . وأما حديث عائشة : أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقصر في السفر ويتم ويفطر ويصوم رواه الدارقطني ؛ فهو حديث فيه كلام لا يصلح للاحتجاج وإن صحح الدارقطني إسناده ، وكذا حديثها قالت : خرجت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في عمرة في رمضان فأفطر وصمت ، وقصر وأتممت ، فقلت : بأبي وأمي أفطرت وصمت ، وقصرت وأتممت؟ فقال : أحسنت يا عائشة . رواه الدارقطني ، ولا يصلح للاحتجاج وإن حسن الدارقطني إسناده . وقد بين الشوكاني في النيل عدم صلاحيتهما للاحتجاج في النيل بالبسط ، من شاء الوقوف عليه فليرجع إليه .
ويجاب عن هذه الحجة بأن مجرد الملازمة لا يدل على الوجوب كما ذهب إلى ذلك جمهور أئمة الأصول وغيرهم .
ومنها حديث عائشة المتفق عليه بألفاظ منها : فرضت الصلاة ركعتين فأقرت صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر ، قالوا هو دليل ناهض على الوجوب ؛ لأن صلاة السفر إذا كانت مفروضة ركعتين لم تجز الزيادة عليها ، كما أنها لا تجوز الزيادة على أربع في الحضر .
ويجاب عنه بأنه من قول عائشة غير مرفوع ، وأنها لم تشهد زمان فرض الصلاة . وفي هذا الجواب نظر : أما أولا : فهو ما لا مجال للرأي فيه فله حكم الرفع ، وأما ثانيا : فعلى تقدير تسليم أنها لم تدرك القصة ؛ مرسل صحابي وهو حجة .
ويجاب أيضا بأنه ليس هو على ظاهره فإنه لو كان على ظاهره لما أتمت عائشة . حديث ابن عباس أنه قال : إن الله -عز وجل- فرض الصلاة على لسان نبيكم ، على المسافر ركعتين وعلى المقيم أربعا والخوف ركعة ، أخرجه مسلم قالوا : هذا الصحابي الجليل قد حكى عن الله تعالى أنه فرض صلاة السفر ركعتين وهو أتقى لله وأخشى من أن يحكي أن الله فرض ذلك بلا برهان .
ومنها حديث عمر -رضي الله عنه- أنه قال : صلاة السفر ركعتان وصلاة الأضحى ركعتان [ ص: 86 ] وصلاة الفطر ركعتان وصلاة الجمعة ركعتان تمام من غير قصر على لسان محمد -صلى الله عليه وسلم - . رواه أحمد والنسائي وابن ماجه ، قال في النيل : رجاله رجال الصحيح إلا يزيد بن زياد بن أبي الجعد ، وقد وثقه أحمد وابن معين . قال ابن القيم في الهدي : هو ثابت عنه .
واحتج القائلون بأن القصر رخصة والتمام أفضل بحجج منها : قول الله تعالى : ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ونفي الجناح لا يدل على العزيمة بل على الرخصة وعلى أن الأصل التمام ، والقصر إنما يكون من شيء أطول منه . وأجيب بأن الآية وردت في قصر الصفة في صلاة الخوف لا في قصر العدد لما علم من تقدم شرعية قصر العدد .
ومنها : قوله -صلى الله عليه وسلم- : صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته ، أخرجه الجماعة إلا البخاري . قالوا : الظاهر من قوله " صدقة " أن القصر رخصة فقط .
وأجيب بأن الأمر بقبولها يدل على أنها لا محيص عنها وهو المطلوب .
ومنها : ما في صحيح مسلم وغيره أن الصحابة كانوا يسافرون مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فمنهم القاصر ومنهم المتم ، ومنهم الصائم ومنهم المفطر لا يعيب بعضهم على بعض ، كذا قال النووي في شرح مسلم . قال الشوكاني في النيل : لم نجد في صحيح مسلم قوله : فمنهم القاصر ومنهم المتم ، وليس فيه إلا أحاديث الصوم والإفطار انتهى . قلت : لم نجد أيضا هذا اللفظ في صحيح مسلم . قال : وإذا ثبت ذلك فليس فيه : أن النبي -صلى الله عليه وسلم- اطلع على ذلك وقرره عليهم ، وقد نادت أقواله وأفعاله بخلاف ذلك .
ومنها : حديث عائشة : أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقصر في السفر ويتم ويفطر ويصوم ، أخرجه الدارقطني ، وقد تقدم وقد عرفت هناك أنه لا يصلح للاحتجاج . هذا كله تلخيص ما ذكره القاضي الشوكاني في النيل مع زيادة واختصار . وقال الشوكاني في آخر كلامه : وهذا النزاع في وجوب القصر وعدمه ، وقد لاح من مجموع ما ذكرنا رجحان القول بالوجوب . وأما دعوى أن التمام أفضل فمدفوعة بملازمته -صلى الله عليه وسلم- في جميع أسفاره وعدم صدور التمام عنه ، ويبعد أن يلازم -صلى الله عليه وسلم- طول عمره المفضول ويدع الأفضل ، انتهى .
قلت : من شأن متبعي السنن النبوية ومقتفي الآثار المصطفوية أن يلازموا القصر في السفر كما لازمه -صلى الله عليه وسلم- ولو كان القصر غير واجب فاتباع السنة في القصر في السفر هو المتعين . ولا حاجة لهم أن يتموا في السفر ويتأولوا كما تأولت عائشة وتأول عثمان رضي الله عنهما . هذا ما [ ص: 87 ] عندي ، والله تعالى أعلم .
http://library.islamweb.net/newlibra...k_no=56&ID=402
سنن الترمذي
الحاشية رقم: 1
قوله : ( حدثنا عبد الوهاب بن عبد الحكم الوراق البغدادي ) صاحب أحمد روى عن يحيى بن سعيد الأموي ومعاذ بن معاذ ، وعنه أبو داود والترمذي والنسائي . قال أحمد : قل من يرى مثله ، وثقه النسائي والدارقطني توفي سنة 251 إحدى وخمسين ومائتين ( أخبرنا يحيى بن سليم ) بالتصغير الطائفي القرشي مولاهم المكي الخزار بمعجمة ثم مهملة وثقه ابن معين وابن سعد والنسائي إلا في عبيد الله بن عمر ، وقال أبو حاتم : محله الصدق ولم يكن بالحافظ ولا يحتج به ، قال الخزرجي : احتج به الأئمة الستة ، وقال الحافظ في مقدمة فتح الباري : وقال النسائي : ليس به بأس وهو منكر الحديث عن عبيد الله بن عمر . وقال الساجي : أخطأ في أحاديث رواها عن عبيد الله بن عمر . قال الحافظ : لم يخرج له الشيخان من روايته عن عبيد الله بن عمر شيئا انتهى ( عن عبيد الله ) هو ابن عمر العمري من الثقات الأثبات .
قوله : ( فكانوا يصلون الظهر والعصر ركعتين ركعتين ) وفي رواية الشيخين قال : صحبت النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان لا يزيد في السفر على ركعتين وأبا بكر وعمر وعثمان كذلك ، وفي رواية لمسلم : صحبت النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله عز وجل ، وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله -عز وجل- وصحبت عمر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله -عز وجل- وصحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله عز وجل .
وظاهر هذه الرواية وكذا [ ص: 83 ] الرواية التي ذكرها الترمذي أن عثمان لم يصل في السفر تماما ، وفي رواية لمسلم عن ابن عمر أنه قال : ومع عثمان صدرا من خلافته ثم أتم ، وفي رواية : ثمان سنين أو ست سنين . قال النووي : وهذا هو المشهور أن عثمان أتم بعد ست سنين من خلافته ، وتأول العلماء هذه الرواية بأن عثمان لم يزد على ركعتين حتى قبضه الله في غير منى . والرواية المشهورة بإتمام عثمان بعد صدر من خلافته محمولة على الإتمام بمنى خاصة وقد صرح في رواية بأن إتمام عثمان كان بمنى .
وفي الصحيحين أن عبد الرحمن بن يزيد قال : صلى بنا عثمان بمنى أربع ركعات ، فقيل في ذلك لعبد الله بن مسعود فاسترجع ثم قال : صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمنى ركعتين ، وصليت مع أبي بكر الصديق بمنى ركعتين ، وصليت مع عمر بن الخطاب بمنى ركعتين ، فليت حظي من أربع ركعتان متقبلتان . واعلم أن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أيضا كانت تتم في السفر وسيأتي ذكر سبب إتمامها ( لا يصلون قبلها ولا بعدها ) أي : لا يصلون السنن الرواتب قبلها ولا بعدها ، وليس المراد به نفي التطوع في السفر مطلقا . وسيجيء تحقيق هذه المسألة في باب التطوع في السفر ( لو كنت مصليا ) أي : رواتب ( قبلها أو بعدها لأتممتها ) قال الحافظ في الفتح : يعني أنه لو كان مخيرا بين الإتمام وصلاة الراتبة لكان الإتمام أحب إليه ، لكنه فهم من القصر التخفيف ، فلذلك كان لا يصلي الراتبة ولا يتم انتهى .
قوله : ( وفي الباب عن عمر وعلي وابن عباس وأنس وعمران بن حصين وعائشة ) أما حديث عمر فأخرجه مسلم . وأما حديث علي فأخرجه البزار قال : صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الخوف ركعتين إلا المغرب ثلاثا ، وصليت معه في السفر ركعتين إلا المغرب ثلاثا . قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد : في سنده الحارث وهو ضعيف . وأما حديث ابن عباس فأخرجه مسلم . وأما حديث أنس فأخرجه الشيخان . وأما حديث عمران بن حصين فأخرجه أبو داود . وأما حديث عائشة فأخرجه الشيخان .
قوله : ( حديث ابن عمر حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث يحيى بن سليم مثل هذا ) وقد عرفت ترجمة يحيى بن سليم ، وأصل هذا الحديث في الصحيحين كما عرفته أيضا .
[ ص: 84 ] قوله : ( وقد روي عن عطية العوفي عن ابن عمر إلخ ) أخرجه الترمذي في باب التطوع في السفر .
قوله : ( والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وغيرهم ) وهو القول الراجح المعول عليه ( وقد روي عن عائشة أنها كانت تتم الصلاة في السفر ) أخرجه البخاري في صحيحه عن عائشة -رضي الله عنها- قالت : الصلاة أول ما فرضت ركعتان فأقرت صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر . قال الزهري : فقلت لعروة : فما بال عائشة تتم؟ قال : تأولت ما تأول عثمان . قال الحافظ في فتح الباري : قد جاء عنها سبب الإتمام صريحا وهو فيما أخرجه البيهقي من طريق هشام بن عروة عن أبيه : أنها كانت تصلي في السفر أربعا ، فقلت لها : لو صليت ركعتين؟ فقالت يا ابن أختي إنه لا يشق علي . إسناده صحيح وهو دال على أن القصر رخصة ، وأن الإتمام لمن لا يشق عليه أفضل ، انتهى كلام الحافظ .
قوله : ( وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق إلا أن الشافعي يقول : التقصير رخصة له في السفر فإن أتم الصلاة أجزأ عنه ) . قد اختلف أهل العلم هل القصر واجب ، أم رخصة والتمام أفضل؟ فذهب إلى الأول الحنفية ، وروي عن علي وعمر ونسبه النووي إلى كثير من أهل العلم . قال الخطابي في المعالم : كان مذهب أكثر علماء السلف وفقهاء الأمصار على أن القصر هو [ ص: 85 ] الواجب في السفر وهو قول علي وعمر وابن عمر وابن عباس ، وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز وقتادة والحسن ، وقال حماد بن سليمان : يعيد من يصلي في السفر أربعا ، وقال مالك : يعيد ما دام في الوقت ، انتهى .
وذهب إلى الثاني الشافعي ومالك وأحمد قال النووي : وأكثر العلماء ، وروي عن عائشة وعثمان وابن عباس . قال ابن المنذر : وقد أجمعوا على أنه لا يقصر في الصبح ولا في المغرب .
واحتج القائلون بوجوب القصر بحجج منها : ملازمته -صلى الله عليه وسلم- للقصر في جميع أسفاره ، ولم يثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- بحديث صحيح أنه أتم الرباعية في السفر ألبتة . كما قال ابن القيم . وأما حديث عائشة : أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقصر في السفر ويتم ويفطر ويصوم رواه الدارقطني ؛ فهو حديث فيه كلام لا يصلح للاحتجاج وإن صحح الدارقطني إسناده ، وكذا حديثها قالت : خرجت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في عمرة في رمضان فأفطر وصمت ، وقصر وأتممت ، فقلت : بأبي وأمي أفطرت وصمت ، وقصرت وأتممت؟ فقال : أحسنت يا عائشة . رواه الدارقطني ، ولا يصلح للاحتجاج وإن حسن الدارقطني إسناده . وقد بين الشوكاني في النيل عدم صلاحيتهما للاحتجاج في النيل بالبسط ، من شاء الوقوف عليه فليرجع إليه .
ويجاب عن هذه الحجة بأن مجرد الملازمة لا يدل على الوجوب كما ذهب إلى ذلك جمهور أئمة الأصول وغيرهم .
ومنها حديث عائشة المتفق عليه بألفاظ منها : فرضت الصلاة ركعتين فأقرت صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر ، قالوا هو دليل ناهض على الوجوب ؛ لأن صلاة السفر إذا كانت مفروضة ركعتين لم تجز الزيادة عليها ، كما أنها لا تجوز الزيادة على أربع في الحضر .
ويجاب عنه بأنه من قول عائشة غير مرفوع ، وأنها لم تشهد زمان فرض الصلاة . وفي هذا الجواب نظر : أما أولا : فهو ما لا مجال للرأي فيه فله حكم الرفع ، وأما ثانيا : فعلى تقدير تسليم أنها لم تدرك القصة ؛ مرسل صحابي وهو حجة .
ويجاب أيضا بأنه ليس هو على ظاهره فإنه لو كان على ظاهره لما أتمت عائشة . حديث ابن عباس أنه قال : إن الله -عز وجل- فرض الصلاة على لسان نبيكم ، على المسافر ركعتين وعلى المقيم أربعا والخوف ركعة ، أخرجه مسلم قالوا : هذا الصحابي الجليل قد حكى عن الله تعالى أنه فرض صلاة السفر ركعتين وهو أتقى لله وأخشى من أن يحكي أن الله فرض ذلك بلا برهان .
ومنها حديث عمر -رضي الله عنه- أنه قال : صلاة السفر ركعتان وصلاة الأضحى ركعتان [ ص: 86 ] وصلاة الفطر ركعتان وصلاة الجمعة ركعتان تمام من غير قصر على لسان محمد -صلى الله عليه وسلم - . رواه أحمد والنسائي وابن ماجه ، قال في النيل : رجاله رجال الصحيح إلا يزيد بن زياد بن أبي الجعد ، وقد وثقه أحمد وابن معين . قال ابن القيم في الهدي : هو ثابت عنه .
واحتج القائلون بأن القصر رخصة والتمام أفضل بحجج منها : قول الله تعالى : ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ونفي الجناح لا يدل على العزيمة بل على الرخصة وعلى أن الأصل التمام ، والقصر إنما يكون من شيء أطول منه . وأجيب بأن الآية وردت في قصر الصفة في صلاة الخوف لا في قصر العدد لما علم من تقدم شرعية قصر العدد .
ومنها : قوله -صلى الله عليه وسلم- : صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته ، أخرجه الجماعة إلا البخاري . قالوا : الظاهر من قوله " صدقة " أن القصر رخصة فقط .
وأجيب بأن الأمر بقبولها يدل على أنها لا محيص عنها وهو المطلوب .
ومنها : ما في صحيح مسلم وغيره أن الصحابة كانوا يسافرون مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فمنهم القاصر ومنهم المتم ، ومنهم الصائم ومنهم المفطر لا يعيب بعضهم على بعض ، كذا قال النووي في شرح مسلم . قال الشوكاني في النيل : لم نجد في صحيح مسلم قوله : فمنهم القاصر ومنهم المتم ، وليس فيه إلا أحاديث الصوم والإفطار انتهى . قلت : لم نجد أيضا هذا اللفظ في صحيح مسلم . قال : وإذا ثبت ذلك فليس فيه : أن النبي -صلى الله عليه وسلم- اطلع على ذلك وقرره عليهم ، وقد نادت أقواله وأفعاله بخلاف ذلك .
ومنها : حديث عائشة : أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقصر في السفر ويتم ويفطر ويصوم ، أخرجه الدارقطني ، وقد تقدم وقد عرفت هناك أنه لا يصلح للاحتجاج . هذا كله تلخيص ما ذكره القاضي الشوكاني في النيل مع زيادة واختصار . وقال الشوكاني في آخر كلامه : وهذا النزاع في وجوب القصر وعدمه ، وقد لاح من مجموع ما ذكرنا رجحان القول بالوجوب . وأما دعوى أن التمام أفضل فمدفوعة بملازمته -صلى الله عليه وسلم- في جميع أسفاره وعدم صدور التمام عنه ، ويبعد أن يلازم -صلى الله عليه وسلم- طول عمره المفضول ويدع الأفضل ، انتهى .
قلت : من شأن متبعي السنن النبوية ومقتفي الآثار المصطفوية أن يلازموا القصر في السفر كما لازمه -صلى الله عليه وسلم- ولو كان القصر غير واجب فاتباع السنة في القصر في السفر هو المتعين . ولا حاجة لهم أن يتموا في السفر ويتأولوا كما تأولت عائشة وتأول عثمان رضي الله عنهما . هذا ما [ ص: 87 ] عندي ، والله تعالى أعلم .
http://library.islamweb.net/newlibra...k_no=56&ID=402
تعليق