إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

لماذا الإجحاف بحق بعض الإئمة سلام الله عليهم ؟؟؟؟

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    شكرا اخى سليل الرسالة على هذا الموضوع

    و جزاك الله خيرا

    بانتظار المزيد

    تعليق


    • #17
      أخي العزيز مولاي السيد محسن

      أشكرك على المرور على موضوعي و لي الشرف بمشاركتك

      تعليق


      • #18
        بسم الله الرحمن الرحيم و به نستعين
        اللهم صلي على محمد و آل محمد

        كثيراً ما يظلم التاريخ عظماء من الناس ... و من هؤلاء الإمام الحسن الزكي .. و سنحاول إن شاء الله دفع هذه الشبهات من خلال هذا البحث

        الإمام الحسن الزكي عليه السلام


        نسبه الشريف :

        الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي أبو محمد الهاشمي، سبط رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وريحانته وأحد سيدي شباب أهل الجنة

        مولده و تسميته :

        في ليلة النصف من رمضان . كان بيت الرسالة يستقبل وليده الحبيب ، وقد كان ينتظره طويلا .. واستقبله كما تستقبل الزهرة النضرة قطرة شفافة من الندى بعد العطش الطويل .

        والوليـــد يتشابه كثيراً وجدَّه الرسول العظيم ، ولكنّ جدَّه لم يكن شاهَد ميلاده حتى تُحمل إليه البشرى . فقد كان في رحلة سوف يرجع منها قريباً .

        وكان أفراد الأسرة ينتظرون باشتياق ، ولا يتحفون الوليد بسنن الولادة ، حتى إذا جاء الرسول (ص) أسرع إلى بيت فاطمة (ع) على عادته في كل مرة عندما كان يدخل المدينة بعد رحلة . وعندما أتاه نبأ الوليد غَمَره الْبُشر ، ثم استدعاه . حتى إذا تناوله أخذ يشمّه ويقبّله ويؤذِّن له ويُقيم ، ويأمر بخرقة بيضاء يلف بها الوليد ، بعدما ينهى عن الثوب الأصفر .

        ثم ينتظر السماء هل فيها للوليد شيء جديد ، فينزل الوحي ، يقول : إن اسم ابن هارون - خليفة موسى (ع) كان شبَّراً .. وعلي منك بمنزلة هارون من موسى فسمِّه حَسَناً ، ذلك أن شُبَّراً يرادف الحسن في العربية .

        وسار في المدينة اسم الحسن ، كما يسير عبق الورد . وجاء المبشرون يزفون أحر آيات التهاني إلى النبي (ص) ، ذلك أن الحسـن (ع) كان الولد البكر لبيت الرسالة ، يتعلق به أمل الرسول وأصحابه الكرام . فهو مجدد أمر النبي الذي سوف يكون القدوة والأسوة للصالحين من المسلمين .. إنه امتداد رسالة النبي من بعده . وفي الغد يأمر الرسول (ص) بكبش ، يعق عنه ، فلما يأتون به يجيء بنفسه ليقرأ الدعاء الخاص بالمناسبة.



        عقيقة عن الحسن :

        اللـهم عظمُها بعظمــــــه ، ولحمُها بلحمه ، ودمُها بدمه ، وشعرُها بشعره ، اللـهمَّ اجعلها وقاءً لمحمد وآلـــه .

        ثم يأمر بأن يوزع اللحم على الفقراء والمساكين ، لتكون سنّة جارية من بعده ، تَذبح كلّ أسرة ثريَّة كبشاً بكل مناسبة متاحة ، لتكون الثروة موزعة بين الناس ، لا دَولة بين الأغنياء منهم .

        ثم يأخذه الرسول ذات يوم وقد حضرت عنده لبابة - أم الفضل - زوجة العباس بن عبد المطلب عمِّ النبيِّ (ص) فيقول لها : رأيتِ رؤيا ، في أمري ..

        فتقول : نعم يا رسول اللـه ..

        فيقول (ص) : قُصِّيها .

        فتقول : رأيت كأن قطعة من جسمك وقع في حضني .

        فناولها الرسول (ص) الرضيع الكريم ، وهو يبتسم ويقول : نعم هذا تأويل رؤياك . إنه بضعة مني . وهكذا أصبحت أم الفضل مرضعة الحسن (ع) .

        .. ويشب الوليد في كنف الرسول الأعظم (ص) ، وتحت ظلال الوصي (ع) ، وفي رعاية الزهراء (ع) ، ليأخذ من نبع الرسالة كلّ معانيها ، ومن ظلال الولاية كلّ قِيَمِها ومن رعاية العصمة كلّ فضائلها ومكارمها . ولايزال النبي والوصي والزهراء عليهم جميعاً صلوا ت اللـه يُوْلُون العناية البالغة التي تنمي مؤهلاته .



        الحسن في عهد جده رسول الله و ما قاله الرسول فيه :

        ولقد أولاه النبيُّ والوصيُّ والزهراءُ عليهم الصلاة والسلام من التربية الإسلامية الصالحة ما أهَّله للقيادة الكبرى . فإن بيت الرسالة كان يربي الحسن وهو يعلم ما سوف يكون له من المنزلة في المجتمع الإسلامي ، كما يوضح للمؤمنين منزلته وكرامته .

        فكان النبيُّ (ص) يرفعه على صدره ، ثم يقيمه لكي يكون منتصباً ويأخذ بيديه يجره إلى طرف وجهه الكريم جرَّاً خفيفاً وهو ينشد قائلاً :

        “ حزقَّةً حزقَّة تَرَقَّ عينَ بَقَّة “ .

        ويلاطفه ويداعبه .. ثم يروح يدعو : اللـهم إني أُحبه فأَحبَّ من يحبه ويقصد أن يسمع الناس من أتباعه لكي تمضي سيرتُه فيه أسوة للمؤمنين ، بكرامة الحسن (ع) واحترامه .

        ومرة يصلي النبي بالمسلمين في المسجد ، فيسجد ويسجدون ، يرددون في خضوع : “ سبحان ربي الأعلى وبحمده “ مرة بعد مرة ، ثم ينتظرون الرسول أن يرفع رأسه ولكن النبيَّ يطيل سجوده ، وهم يتعجبون : ماذا حدث ؟. ولولا أنهم يسمعون صوت النبي لايزال يَبعث الهيبة والضراعة في المسجد لظنوا شيئاً .

        ولا يزالون كذلك حتى يرفع النبي رأسه ، وتتم الصلاة ، وهم في أحر الشوق إلى معرفة سبب إبطائه في السجود فيقول لهم : جاء الحسن فركب عنقي ، فأشفقت عليه من أن أُنزله قسراً ، فصبرت حتى نزل اختياراً .

        وحيناً : يصعد النبي (ص) المنبر ويعظ الناس ويرشدهم ، فيأتي الحسنان من جانب المسجد فيتعثَّران بـثَوْبَيهمــــا فإذا به يهبط من المنبر مسرعاً إليهما حتى يأخذهما إلى المنبر ، يجعــل أحدهمــــا علــــى وركــــه اليمنــــى ، والآخــر على اليسرى ، ويستمر قائلاً : صدق اللـه ورسوله ، { اَنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَــةٌ } (الانفال/28) نظرت إلى هذين الصبيَّين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما “ .

        وكان يصطحبهما في بعض أسفاره القريبة ، ويُردفهما على بغلته من قُدَّامه ومن خَلْفه لئلا يشتاق إليهما فلا يجدهما ، أو لئلا يشتاقا إليه فلا يجدانه . وكان يشيد بذكرهما في كلّ مناسبة ، ويظهر كرامتهما إعلاناً أو تنويهاً . فقد أخذهما معه يوم المباهلة وأخذ أباهما وأمهما فظهر من ساطع برهانهم جميعاً ما أذهل الأساقفة “ .


        “ الحسن والحسين ابناي ، مَن أَحبَّهما أحبني ومن أحبني أحبه اللـه ، ومن أحبه اللـه أدخله الجنة . ومن أبغضهما أبغضني ، ومن أبغضني أبغضه اللـه ، ومن أبغضه اللـه أدخله النار “ .

        ثم أخذهما هذا عن اليمين وذاك عن الشمال ، مبالغة في الحب .

        ولطالما كان يسمع الصحابة قولته الكريمة :

        “ هذان ابناي وابنا بنتي ، اللـهم إني أُحبهما ، وأُحب من يحبهما “ .

        أو كلمته العظيمة يقولها وهو يشير إلى الحسن (ع) : “ وأُحب من يحبه “ .

        وقد بالغ النبيُّ (ص) في مدح الحسنين ، حتى لكان يُظن أنهما أفضل من والدهما علي (ع) ، مما حدا به إلى أن يستدرك ذلك فيقول : هما فاضلان في الدنيا والآخرة وأبوهما خير منهما .

        .. وطالما كان يرفعهما على كتفيه - يذرع معهما طرقات المدينة والناس يشهدون ، وقد يقول لهما :

        “ نعم الْجَمل جَمَلُكما ، ونعم الراكبان أنتما “ .

        وطالما كان ينادي الناس فيقول :

        “ الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة “ .

        أو :

        “ الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا “ .

        أو :

        “ الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا “ .

        وعن الرضا عن آبائه عليه وعليهم السلام ، قال : قال رسول اللـه :

        “ الولد ريحانة وريحانتاي الحسن والحسين “ .

        وعن رسول اللـه (ص) : “ من أحبّ الحسن والحسين فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني “ .

        وعنه (ص) :” الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة “ .

        وروى عمران بن حصين عن رسول اللـه (ص) أنه قال له : “ يا عمران بن حصين ! إن لكلّ شيء موقعاً من القلب ، وما وقع موقع هذين من قلبي شيء قط ..

        فقلت : كل هذا يا رسول اللـه !

        قال : يا عمران وما خفي عليك أكثر ، إن اللـه أمرني بحبّهما “ .

        وروى أبو ذر الغفاري قال : رأيت رسول اللـه يقبِّل الحسن بن عليّ وهو يقول :

        “ من أحب الحسن والحسين وذريتهما مخلصاً لم تلفح النار وجهه ، ولو كانت ذنوبه بعدد رمل عالج ، إلاّ ان يكون ذنباً يخرجه من الإيمان “ .

        وروى سلمان فقال : سمعت رسول اللـه يقول في الحسن والحسين :

        “ اللـهم إنّي أُحبُّهما فأَحبَّهما وأَحبب من أحبَّهما .. “ .

        وقال : “ من أحبّ الحسن والحسين أحببته ، ومن أحببته أحبه اللـه ، ومن أحبه اللـه أدخله الجنة ومن أبغضهما أبغضته ، ومن أبغضته أبغضه اللـه ، ومن أبغضه اللـه أدخله النار “.

        وما إلى ذلك من أقوال مضيئة نعلم - علم اليقين - أنها لم تكن صادرة عن نفسه ، بل عن الوحي الذي لم يكن ينطق إلاّ به .

        ولازالت عناية الرسول تشمل الوليد حتى شبّ ، وقد أخذ من منبع الخير ومآثره ، فكان أهلاً لقيادة المسلمين . وهكذا رآه الرسول ومن قبله إله الرسول ، إذ أوحى إليه أن يستخلف عليّــــاً ، ثم حسناً وحسينـاً ، فطفق يأمر الناس بمودَّتهم واتِّباعهم واتخاذ سبيلهم . ولئن شككنا في شيء فلن نشك في أن من رباه الرسول ، كان أولى الناس بخلافته .


        الإمام الحسن بعد فقد رسول الله

        وكــان للحســن (ع) من العمر زهاء ثمانية أعوام حينما لحق الرسول (ص) بالرفيــــق الأعلى (في السنــــة

        الحادية عشرة من الهجرة) فأثَّر في قلبه ألم الفاجعة ، وأضرم فيه نيران الكآبة والحزن .

        ولانصراف دفة الحكم عن أمير المؤمنين (ع) ، الذي كان له الحق الشرعي فيها ، أحسّ الحسن (ع) بمزيد من الحزن والغيظ ، لا لأن والده حُرم حقّاً هو له ، أو منصباً هو أهله ، أو زوي عنه من الدنيا ما كان لهم .. كلا ، لأنّه كان يرى أن انحراف المسلمين عن الجادة ، يعني انحدارهم إلى هوة الضلال بعد انتشالهم عنها ، ورجوعهم إلى مفاسد الجاهلية ، بعد تخلصهم منها ، لذلك حزن واشتد حزنه .

        وذات يوم دخل المسجد فرأى الخليفة الأول يخطب في الناس على منبر جده ، بل أبيه ، فثارت في فؤاده لوعة وكآبة ، فانقلبت إلى غيظ وسخط ، فاخترق الجميع حتى بلغ المنبر قائلاً : انزلْ ، انزلْ عن منبر أبي ..؟

        فسكت الخليفة الأول :

        وكرر الحسن (ع) يقول : وقد تقدم إلى المنبر شيئاً : انزل ، إياك أَعني . فقام صحابي ، وضمّ الحسن (ع) إلى نفسه يُسكت عنه الروع ، وساد الصمت حيناً ، ثم اخترقه الخليفة الأول وهو يقول : صدقتَ فمنبر أبيك ، ولم يزد شيئاً . ولكنه عاتب عليّاً (ع) بعد ذلك وقد ظن أنه أثار الحسن عليه ، بيد أن الإمام (ع) حلف له أنه لم يفعل


        الإمام الحسن في عهد عثمان بن عفان

        حينما اندلعت الثورة الجامحة من المسلمين تطالب الخليفة الثالث بخلع نفسه من الخلافة .. والثورة كانت تضطرم شيئاً فشيئاً ، وينضم إليها المسلمون أفواجاً وأفواجاً .. وقد اشتد بهم الحنق على سياسة الخليفة وسلوك تابعيه ، وكانت الثورة تنقاد بأمر العظماء من أصحاب الرسول (ص) وزعماء المسلمين ، أمثال عمار بن ياسر ، ومالك بن الحارث (الأشتر) ، ومحمد بن أبي بكر ، غير أنه انضوى تحت ألويتهم عدة غير قليلة من سواد الشعب من العراق ، ومصر وطائفة من الأعراب ، ولم يكن هؤلاء - طبعاً - ذوي سداد في الرأي ، وحنكة في التجربة بل أُولي نخوة ومصالح .. واشتد أمر الثورة ، حتى حاصروا دار عثمان يطالبونه : إما أن يخلع نفسه وإما أن يلبي دعوتهم . وأبى عثمان إلاّ الإعتماد على جيش معاوية . الذي استنجده وذلك الجيش كان قد أمره معاوية بالوقوف خارج المدينة حتى يأذن له بدخولها .

        وذات يوم أراد الإمام أمير المؤمنين علي (ع) أن يخبر عثمان بعزمه على الدفاع عنه ، والمشورة له والنصح للعالم الإسلامي ، إن أراد ذلك .. ولكن من يبلّغ هذه الرسالة إلى عثمان ، وحول بيته عشرات الألوف يهزون الرماح ويسلّون السيوف . فقام الحسن (ع) قائلا : أنا لذلك . ثم أخذ يخترق الجميع في عزيمة الشجاع العظيم ، حتى أتى دار عثمان ، فدخلها بكلّ طمأنينة وبلَّغ رسالة والده ، وجلس ينصحه ويشير عليه بالخير غير مبالٍ بما يثيره الثوار خارج البيت من صلصلة سيوف ، ودمدمة سروج ، ودغدغة رماح . فإنهم كانوا في حالة صَرَع ، لا يؤمن أن يخترقوا الدار ، فيقتلوا من فيها ، وفيها الحسن . غير أنه جلــــس رابــــط الجــــأش ثابت العزيمة ، شجاع الفؤاد ، لأنه علم أنه إن أصيب بشـــيء ففي سبيــــل النصح في سبيل اللـه ودفع غائلة الفتنة عن المسلمين .

        وهكذا جلس حتى أتمّ واجبه وبلّغ رسالته ، ورجع يخترق جموع الثوار مرة أخرى ..

        تعليق


        • #19
          الإمام الحسن .... إماماً و خليفة

          وتمت المؤامرة الكائدة باغتيال الإمام أمير المؤمنين (ع) في التاسع عشر من شهر رمضان .. سنة أربعين هجرية .. والعالم الإسلامي يومئذٍ في أشد ما يكون من الإضطراب والتوتر .

          وهناك في الشام ، يحشر معاوية جيشه لتجريد حملة عسكرية أخرى على الكوفة يكون فيها الفصل ، ويكتب إلى عمالهبالإستعداد للحرب

          ولنلق نظرةً إلى بيت الإمام علي (ع) ، يرجع المشيعون من أبناء علي (ع) وأقربائه ، ولا يزالون يقيمون العزاء إذ يدخل عليهم عبيد اللـه بن العباس ، الذي كان والياً على البصرة من قِبَلِ علي (ع) .. فيخرج الحسن إلى المسجد والمسلمون ينتظرون مقدمه على أحرّ انتظار .. ذلك لأنه قبل أن يدخل على الإمام ، وقف في الرأس خطيباً ، وقال : إن أمير المؤمنين تُوُفّي وقد ترك لكم خَلَفاً فان أجبتم خرج إليكم وإن كرهتم فلا لأحد على أحد .

          فضج الناس بالبكاء والعويل ، وكأن قول ابن العباس فجَّر ينابيع الكآبة والحزن في القلوب ، ثم نادوا بأعلى أصواتهم : بل يخرج إلينا ، فخرج إليهم الإمام الحسن (ع) ، وحمد اللـه وأثنى عليه ، ثم أبّن فقيد العالم الإسلامي ، وقال :

          “ لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون بعمل ، ولم يدركه الآخرون بعمل ، لقد كان يجاهد مع رسول اللـه (ص) فيقيه بنفسه ، وكان رسول اللـه (ص) يوجهه برايته فيكنفه جبرئيل (ع) عن يمينه وميكائيل عن شماله ، ولا يرجع حتى يفتح اللـه على يديه . ولقد تُوفي في هذه الليلة التي عرج فيها عيسى ابن مريم ، وقبض فيها يوشع بن نون وصي موسى (ع) . وما خلّف صفراء ولا بيضاء إلاّ سبعمائة درهم ، فضلت من عطائه أراد أن يبتاع بها خادماً لأهله .. “ .

          ثم خنقته العبرة ، فبعث بأنفاسه زفرات يهز الصخر لها لوعةً وأسىً ، وارتفع من الناس حسرات تبعتها آهات وآهات ، ثم قال :

          “ أيها الناس من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا “ الحسن بن علي “ وأنا ابن النبي ، وأنا ابن الوصي ، وأنا ابن البشير النذير ، وأنا ابن الداعي إلى اللـه بإذنه ، وأنا ابن السراج المنير ، وأنا من أهل البيت الذي كان جبرئيل ينزل إلينا ويصعد من عندنا ، وأنا من أهل البيت الذين أذهب اللـه عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ، وأنا من أهل بيت افترض اللـه مودَّتهم عى كلّ مسلم ، فقال تبارك وتعالى لنبيِّه (ص) : قل لا أسألكم عليه أجراً ومن يقترف حسنة نزد له منا حسناً . فاقتراف الحسنة مَوَدَّتُنا أهل البيت “ .

          وهكذا انهالت الجماهير إلى بيعة الإمام الحسن (ع) ، عن رضاً وطيب نفس ، لانهم رأوا فيه المثال الفاضل لمؤهلات الخليفة الحق ، (وعلى كلِّ حالٍ يجب أن يكون إمام المسلمين مختاراً من قبل اللـه تعالى منصوصاً عن لسان النبي (ص) قمة في المكرمات والفضائل ، أكفأ الناس وأورعهم وأعلمهم والحسن (ع) كذلك ، قد توفرت فيه شروط والي أمر المسلمين بأكمل وجه وأحسنه . وهو صاحب النص المأثور عن الرسول العظيم : الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا .... وبايعــــه الناس بعد أن حضّهم عليها خيار الصحابة والأنصار ، فقد قال في ذلك عبيد اللـه بن العباس : “ معاشر الناس هذا ابن نبيِّكم ، ووصي إمامكم فبايعوه “ .

          .. وكان للإمام الحسن (ع) حُبٌّ في القلوب نابعٌ عن صميم قلوب المسلمين .. وقد اتَّخذ اصله عن حُبِّ النبيِّ (ص) له ، وحُبِّ اللـه تعالى لمن أَحَبه النبي .

          أضف إلى ذلك ، ما كانت تقتضيه الظروف ، من رجل يقابل معاوية ومن التفَّ حوله من الحزب الأموي الماكر .. وله من كفاءة القيادة ، وسداد الرأي ، والمودة في قلوب المسلمين .

          لذلك أسرع المسلمون إلى بيعته قائلين : “ ما أَحبه إلينا ، وأوجب حقَّه علينا ، وأحقه بالخلافة “ .

          وجاء في مقدمة الزعماء المجاهدين الأنصاري الثائر ، قيس بن سعد فبايعه وهو يقول :

          (أبسط يدك أبايعك على كتاب اللـه وسنّة نبيه .. وقتال المحلين !) .

          فقال له الإمام : “ على كتاب اللـه وسنّة نبيه ، فإنهما يأتيان على كلّ شرط “ .

          .. وتمت البيعة ، في العقد الثالث من شهر رمضان المبارك بعد أربعين عاماً من الهجرة النبوية .. وكلما دخل فوج يبايعونه قال لهم :

          “ تبايعون لي على السمع والطاعة ، وتحاربون من حاربت ، وتسالمون من سالمت .. “ .

          .. فلما استوى الإمام (ع) على الحكم ، فُرضت عليه مسؤولية حسم الخلاف بين المعسكرين ، الذي كان في طريقه إلى هدِّ ركن الإسلام هدّاً ، حيث إن الكفار في أطراف البلاد الإسلامية كانوا يتربصون بها الدوائر حتى إذا رأوا ضعفاً أو ثغرة سدّدوا ضربة مؤلمةٌ عليها .

          هذا من جانب ، ومن جانب آخر كانت أنباء جيش الشام تذاع في الكوفة والبصرة وسائر البلاد مع شيء من المبالغة . وكان الجميع يعلم أن حرباً وشيكة تنتظرهم .

          وعندما حشد معاوية جيشه الجرار الذي انتهى عدده إلى ستين ألفاً ، وقاده هو بنفسه بعد ما استخلف مكانه الضحاك : فكان على الإمام (ع) أن يحشد قوة الحق أيضاً لتقابل جولة الباطل ، بيد أنه رأى أن يراسله قبل ذلك ، إتماماً للحجة وقطعاً للعذر .

          فأرسل إليه كتاباً ، هذا بعضه :

          “ فلما تُوفي (أيّ رسول اللـه (ص)) تنازعت سلطانه العربُ ، فقالت قريش نحن قبيلته وأسرته وأولياؤه ولا يحل لكم أن تنازعونا سلطان محمد وحقه ، فرأت أن القول ما قالت قريش وأن الحجة في ذلك لهم على مَن نازعهم أمر محمد فأنعمت لهم وسلَّمت إليهم ، ثم حاججنا نحن قريشاً بمثل ما حاججت به العرب فلم تنصفنا قريش إنصاف العرب لها . إنهم أخذوا هذا الأمر دون العرب بالإنصاف والإحتجاج ، فلما صرنا أهل بيت محمد وأولياءه إلى محاججتهم وطلب النصف منهم ، باعدونا واستولوا بالإجتماع على ظُلمنا ومراغمتنا والعنت منهم لنا ، فالموعد اللـه وهو الولي النصير .

          ثم قال : “ فاليوم فليتعجب من تَوَثُّبِك يا معاوية على أمر لست من أهله لا بفضل في الدين معروف ، ولا اثر في الإسلام محمود ، وأنت ابن حزب من الأحزاب ، وابن أعدى قريش لرسول اللـه (ص) ولكتابه ، واللـه خصيمك فَسَتَرِدُ وتَعلم لمن عقبى الدار . وباللـه لَتَلقينَّ عن قليل ربك ثم ليجزينَّك بما قدَّمت يداك وما اللـه بظلاَّم للعبيد ..

          .. وقال : “ وإنما حملني إلى الكتابة إليك ، الإعذار فيما بيني وبين اللـه عزَّ وجلَّ في أمرك ، ولك في ذلك إن فعلته الحظ الجسيم ، والصلاح للمسلمين ، فدع التمادي في الباطل ، وادخل فيما دخل فيه الناس من بيعتي ، فإنك تعلم اني أحق بهذا الأمر منك عند اللـه ، وعند كلّ أواب حفيظ ، ومن له قلب منيب . واتق اللـه ودع البغي ، واحقن دماء المسلمين . فواللـه مالك خير في أن تلقى اللـه من دمائهم بأكثر مما أنت لاقيه به ، وادخل في السلم والطاعة ، ولا تُنازع الأمرَ أهلَه ومَن هو أحق به منك ، ليطفئ اللـه النائرة بذلك ، ويجمع الكلمة ويصلح ذات البين ، وإن أنت أبيت إلاّ التمادي في غيك ، سرت إليك بالمسلمين فحاكمتك حتى يحكم اللـه بيننا وهو خير الحاكمين .. “ .

          وقد كتب إلى الإمام الحسن عبيد اللـه بن العباس واليه على البصرة يقول :

          أما بعد ، فإن المسلمين ولَّوك أمرهم بعد علي (ع) فشمر للحرب وجاهد عدوك ، وقارب أصحابك واشترِ من الظنين دينَه بما لا يلثم لك دنياه ، وولِّ أهل البيوت والشرف تستصلح به عشائرهم ، حتى يكون الناس جماعة ، فإن بعض ما يكره الناس مالم يتعد الحق ، وكانت عواقبه تؤدّي إلى ظهور العدل وعزّ الدين ؛ خير من كثير مما يحبه الناس إذا كانت عواقبه تدعو إلى ظهور الجور ، وذل المؤمنين وعزّ الفاجرين ، واقتدِ بما جاء عن أئمة العدل ، فقد جاء عنهم أنه لايصلح الكذب إلاّ في حرب أو إصلاح بين الناس ، فإن الحرب خُدعة ، ولك في ذلك سعة إذا كنت محارباً مالم تبطل حقّاً .

          وإعلم أن عليّاً أباك ، إنما رغب الناس عنه إلى معاوية أنه آسى بينهم في الفيء ، وسوَّى بينهم في العطاء فثقل عليهم . وإعلم أنك تحارب مَن حارب اللـه وَرسوله في ابتداء الإسلام ، حتى ظهر أمر اللـه . فلما وُحِّدَ الرب ومُحق الشرك وعَزَّ الدين ، أظهروا الإيمان وقرأوا القرآن ، مستهزئين بآياته ، وقاموا الى الصلاة وهم كسالى ، وآتوا الفرائض وهم لها كارهون “ .

          ثم راح ابن العباس يستعرض الوضع الإجتماعي والمساوئ التي فيه ، وبيَّن طبيعة البيت الأموي وماضيه وحاضره هذا .. ولكن الإمام (ع) أبى إلاّ أن يلزم الحقَّ شرعةً ومنهاجاً ، ويتَّبع السبيل القويم ، أبداً ودائماً .

          ومع ذلك فقد حشّد من أهل الكوفة عدداً كبيراً ، ولم يهمنا تحديده وضبطه ، ولكن الذي يهمنا تحليل نفوس المنتسبين إليه ، ومَن كانوا ، ولِمَ جاؤوا وماذا كانت النتيجة ؟

          لقد قسّم المؤرخون جيشه إلى أقسام :

          1- الشيعة المخلصون الذين اتَّبعوه لأداء واجبهم الديني ، وإنجاز مهمتهم الإنسانية ، وهم قلة .

          2- الخوارج الذين كانوا يريدون محاربة معاوية والحسن ، فالآن وقد سنحت الظروف فليحاربوا معاوية حتى يأتي دور الحسن (ع) .

          3- أصحاب الفتن والمطامع الذين يبتغون من الحرب مغنماً لدنياهم .

          4- شكَّاكون لم يعرفوا حقيقة الأمر من هذه الحرب ، فجاؤوا يلتمسون الحجة لأيٍّ تكون ، يكونون معه .

          5- أصحاب العصبية الذين اتبعوا رؤساء القبائل على استفزازهم لهم على حساب القبيلة والنوازع الشخصية .

          هذه هي العناصر الأصيلة للجيش ، وهي طبعاً لا تفي لإنجاز المهمة التي تكون من أجلها ، حيث إن الحرب تريد الإيمان ، والوحدة ، والطاعة .

          ثم بعث بأول سريّة لتشكِّل مقدمة الجيش تحت إمرة عبيد اللـه بن العباس ، الذي فُضل لهذه المهمة من جهات شتى :

          أولاً : لأنه كان الداعية الأول للحرب .

          وثانياً : لأنه كان ذا سمعة طيبة في الأوساط .

          وثالثاً : لأنـــه كان موتوراً بولديه العزيزين الذين قتلهما جنود معاوية . ثم إنه كان يشده إلى الإمام القرابة . وزحف ابن العباس بالجيش إلى (مسكن على نهر دجلة) التقى بمعسكر معاوية ، ينتظر تلاحق السريّات الأخرى من الكوفة .

          وفي الكوفة ، خليط من الناس مختلفون ، فهناك من أنصار معاوية الذين أفسدتهم هدايا الحزب الأموي ومواعيده ، وهناك بعض الخوارج القشريين ، وهناك من يثبط الناس عن الجهاد ، وهناك أهل البصائر يُلهبون حماس الشعب ، ويحرضونهم لقتال أهل البغي بشتى أساليب الاستنهاض . والإمام الحسن (ع) لايزال يبعث الخطباء المفوَّهين ، والوجهاء البارزين إلى الأطراف ، يدعوهم إلى نصرته ، ولا يزال أيضاً يُلهب أفئدة الكوفيين بالخطبة إثر الأخرى .

          ولكن أهل الكوفـــــة كانوا باردين كالثلج أمام هذه الدعوة ، لأن الحروب الطاحنة التي سبقت عهد الإمـــام (من الجمل إلى صِفِّين والنهروان) قد أنهكتهم ، وقد أعرب الإمام الحسن نفسه في مناسبة عن هذه العلة التي تثبط عزيمة أهل الكوفة عن الخروج معه فقال :

          “ وكنتم في مسيركم إلى صفِّين ودينُكم أَمام دنياكم ، وأصبحتم اليوم ودنياكم أَمام دينِكم . وأنتم بين قتيلَين ، قتيلٍ بصِفِّين تبكون عليه ، وقتيلٍ بالنهروان تطلبون بثأره . فأما الباقي فخاذل ، وأما الباكي فثائـــر “ .

          وبالرغم من معاكسة كلّ الظروف ، فإن أصحاب الحق قرروا اقتحام غمار الجهاد المقدس ، علَّهم يكونون الفاتحين .

          ولكنها فعلتْ مكائدُ معاوية فعلَها ، حيث كان قد سخّر طائفةً غير قليلة من ذوي الأطماع ، يدبرون له مؤامراته ، فيبثون الشائعات عن قوة جيش الشام ، وقلة جند الكوفة ، وضعفه ، وعدم القدرة على مقاومته ، وعملت الدنانير والدراهم عملها الخبيث الأرعن ، فإذا بالعدة المعتمد عليها من قواد جيش الإمام الحسن (ع) ينهارون أمام قوة إعلام معاوية ، أو قوة إغرائه .

          أرسل الإمام ابن عمه لملاقاة معاوية وكتب إليه هذه الوصية :

          “ يا ابن العم ، إني باعث إليك اثنَي عشر ألفاً ، من فرسان العرب ، وقَرَّاء مصر ، الرجل منهم يريد الكتيبة . فِسِرْ بهم وأَلِنْ لهم جانبك ، وابسط لهم وجهك ، وافرش لهم جناحك ، وأَدْنِهم من مجالسك ، فإنهم بقية ثقاة أمير المؤمنين . وَسِرْ بهم على شط الفرات ، ثم امضِ حتى تستقبل معاوية . فإن أنت لقيته فاحتبسه حتى آتيك ، فاني على أثرك وشيكاً . وليكن خبرك عندي كلّ يوم ، وشاور هذَين - يعني قيس بن سعد ، وسعيد بن قيس - فإذا لقيت معاوية فلا تقاتله ، حتى يقاتلك ، فإن فعل فقاتله ؛ وإن أُصبتَ فقيس بن سعد على الناس ، فإن أُصيب فسعيد بن قيس على الناس “ .

          تعليق


          • #20
            ثم سار بنفسه - بعد أيام - في عدد هائل من الجيش ، لعله كان ثلاثين ألفاً أو يزيدون ، حتى بلغ مظلم ساباط ، التي كانت قريبة من المدائن ، فعملت دسائس معاوية في مقدمة جيش الإمام ، فأذيع بين الناس نبأ كان له أثر عميق في صفوف الجيش . وكان النبأ يقول : (إن الحسن يكاتب معاوية على الصلح فَلِمَ تقتلون أنفسكم ؟) ثم أخذ يستميل قادة الجيش بالمال والوعود ، فإذا هم يتسللون إليه في خفاء ، ويكتب عبيد اللـه نبأ ذلك إلى الإمام . ولكن مؤامرته تلك لم تكن بذات أهمية ، حتى اشترى ضمير القائد الأعلى فكتب إليه يقول :

            إن الحسن قد راسلني في الصلح ، وهو مسلِّم الأمر إليّ ، فإن دخلت في طاعتي الآن كنت متبوعاً ، وإلاّ دخلت وأنت تابع ، ولك إن أجبتني الآن أعطيك ألف ألف درهم أعجِّل لك في هذا الوقت نصفها وإذا دخلت الكوفة النصف الآخر .

            إن معاوية مكر بعبيد اللـه بثلاثة أساليب ، فإنه قال له :

            أولاً : إن الحسن يراسله في الصلح ، وهذه أول ما هدت أركان عبيد اللـه فقال في نفسه : إذن فلم أُسيء سمعتي في التاريخ ، وأحمل خطيئة الدماء التي تهراق تحت لوائي . ثم قال له :

            ثانياً : كن متبوعاً ، فغره بالرئاسة . وأخيراً وعده بمليون درهم وهذا الأخير كان أهم الثلاثة ، في شخص ألزمه إمامه بالعدل ، والمساواة مع أقل الناس .

            فأنسلّ عبيد اللـه القائد العام دون أن يخبر أحداً ، فأصبح الجيش يبحث عن القائد ليقيم بهم صلاة الصبح فلا يجده ، فقام قيس الثاني للجيش يصلي بالناس الصبح ، ثم لما انتهى خطب فيهم يهدئ روع الناس ، ويُطمْئن قلوبهم ويقول :

            إن هذا وأباه لم يأتوا بيوم خيراً قط ، إن أباه عمُّ رسول اللـه ، خرج يقاتله ببدر ، فأسره كعب بن عمرو الأنصاري ، فأتي به رسول اللـه (ص) فأخذ فداءه ، فقسّمه بين المسلمين ، وإن أخاه ولاه عليٌّ على البصرة فسرق ماله ، ومال المسلمين ، فاشترى به الجواري ، وزعم أن ذلك له حلال . وإنَّ هذا ولاّه عليٌ على اليمن ، فهرب من بسر بن أرطاة وترك ولده ، حتى قتلوا وصنع الآن هذا الذي صنع .

            فإذا بالجيش يصبح مؤيداً .

            وان هذا العدد الهائل الذي انتقص من اثني عشرإلى أربعة آلاف فقط بعث الخيبة في نفوس الجند في المقدمة ، كما بعث الخيبة في نفوس سائر الجيش الثاوي في مظلم ساباط ، حيث كان الإمام وحيث كان الجيش الذي انتشرت فيه دعايات معاوية ، التي لازالت تُبث فيه عبر جواسيسه . وبدأ بعضهم يتسللون إلى معاوية وكتب بعضهم إليه أن لو شئت جئنا بالحسن إليك أسيراً ، ولو شئت قتلناه . وجاءت عطايا معاوية التي زادت على مئة ألف غالباً ، ووعوده بتزويج بناته لهذا القائد أو ذاك .

            و قال الإمام لأحدهم بعد الصلح :

            “ لستُ مُذِلاًّ للمؤمنين ، ولكني مُعِزُّهم ، ما أردت بمصالحتي إلاّ أن أدفع عنكم القتل ، عندما رأيت تَباطُؤَ أصحابي ونُكولَهم عن القتال “ .

            وقال للآخر في هذا الشأن - وقد كان من الخوارج الذين لم يكن بغضهم للحسن (ع) وشيعته بأقل عن بغضهم لمعاوية وأصحابه - قال له :

            “ ويحك أيها الخارجي !! لا تقضِ ، فإن الذي أحوجني إلى ما فعلت قتلكم أبي ، وطعنكم إيّايّ ، وانتهابكم متاعي . وإنّكم لمّا سرتم إلى صِفِّين ، كان دينكم أمام دنياكم ، وقد أصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم ، ويحـك أيها الخارجي ! إني رأيت أهل الكوفة قوماً لا يوثق بهم ، وما أغترٍ بهم إلاّ من ذل ، وليس أحـــد منهم يوافــــق رأي الآخــــر . ولقد لقي أبي منهـــم أموراً صعبــة ، وشدائد مرّة ، وهي أسرع البـــلاد خرابــاً وأهلها هم الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً “ .

            ولذلك ولغيره من الأسباب صالح الإمام معاوية وكتب إليه هذه الوثيقة التالية :

            بسم اللـه الرحمن الرحيم

            “ هذا ما صالح عليه الحسن بن علي بن أبي طالب ، معاوية بن أبي سفيان ، صالحه على أن يسلِّم إليه ولاية الأمر على :

            1- أن يعمل فيهم بكتاب اللـه وسنّة رسوله وسيرة الخلفاء الصالحين .

            2- وليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهداً ، بل يكون الأمر بعده للحسن ثم لأخيه الحسين .

            3- وعلى أن الناس آمنون حيث كانوا في شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم .

            4- وعلى أن أصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم ونسائهم وأولادهم . وعلى معاوية بن أبي سفيان بذلك عهد اللـه وميثاقه وما أخذ اللـه على أحد من خلقه بالوفاء وبما أعطى اللـه من نفسه .

            5- وعلى أن لايبغي للحسن بن علي ، ولا لأخيه الحسين ، ولا لأحد من أهل بيت رسول اللـه ، غائلة سراً ولا جهراً ، ولا يخيف أحداً منهم في افق من الآفاق .

            تعهد عليه فلان بن فلان ، بذلك وكفى باللـه تعهيداً “ .


            و طبعاً معاوية لم يوفي العهد و هو ابن الطلقاء

            الموثوق أن محل الصلح كان مسكن ساباط ، قريباً من موقع مدينة بغداد اليوم ، حيث كان معسكر الإمام الحسن (ع) . فلما أن تمّ ذلك رجع الإمام بمن معه إلى الكوفة .


            إستراتيجية الصلح عند الإمام الحسن (ع) :

            ما أكرم أبا محمّد الحسن المجتبى (ع) ، وأسخى تضحيته حين أقدم على “ الصلح “ الذي اعتبره بعض حواريِّه ذُلاًّ وزعَمَهُ أعداؤه جبناً واستسلاماً ، ولم يكن إلاّ أروع صور النصر على الذات ، ومقاومة نزوة الهوى والمحافظة على دماء المسلمين ، وتحقيقاً لكلمة الرسول الصادق المصدّق (ص) حين قال :

            “ إنّ ابني هذا سيّد ، ولعلّ اللـه عزَّ وجلَّ يصلح به بين فئتين من المسلمين “ .

            و الإمام الحسن (ع) آثر الآخرة على الدنيا . وقبل الصلح للاسباب التالية :

            1- إن نظرة أهل البيت (ع) إلى الحكم كانت تنبع من انه وسيلةً لتحقيق قيم الرسالة . فإذا مال الناس عن الدين الحق ، وغلبت المجتمع الطبقات الفاسدة ، وأرادت تحويل الدين إلى مطية لمصالحهم اللامشروعة .

            لقد قال الإمام علي (ع) عن أسلوب الحكم :

            “ واللـه ما معاوية بأدهى منّي ، ولكنه يغدر ويفجر . ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس . ولكن كلّ غُدرة فُجرة وكلّ فُجرة كُفرة ، ولكلّ غادرٍ لواءٌ يُعرف به يوم القيامة . واللـه ما أُستغفل بالمكيدة ولا أُستّغمز بالشديدة “ .

            أما عن نظرته إلى الحكم ذاته فقد رُوي عن عبد اللـه بن العباس أنه قال :

            “ دخلت على أمير المؤمنين (ع) وهو يخصف نعله . فقال لي : ما قيمة هذا النعل ؟.

            فقلت : لا قيمة لها .

            فقال (ع) : واللـه لَهِيَ أحبُّ إليّ من إمرتكم ، إلاّ أن أُقيم حقّاً أو أدفع باطلاً “ .

            2- ولقد عاش الإمام الحسن (ع) مرحلة هبوط الروح الإيمانية عند الناس ، وبالذات في القبائل العربية التي خرجت من جو الحجاز . وانتشرت في أراضي الخير والبركات ، فنسيت رسالتها أو كادت .

            لقد تعبت الكوفة من الحروب ، وبدأت تفكر في العيش الرغيد . وغاب عنهم أهل البصائر الذين كانوا يحومون حول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، ويذكِّرون الناس باليوم الآخر . ويبيّنون للناس فضائل إمامهم الحق . لقد غاب عنهم اليوم عمار بن ياسر الذي كان ينادي بين الصفيْن في معركة صِفِّين : الرواحَ إلى الجنة !. ومالك الأشتر الذي كان لعليٍ (ع) مثلما كان عليٌّ لرسول اللـه (ص) بطلاً مقداماً . وقائداً ميدانيّاً محنكاً وغاب ابن التيهان الذي يعتبره الإمام علي (ع) أخاً له ، ويتأوه لغيابه ، بلى لقد غاب أهل البصائر من أصحاب الرسول وأنصار علي (ع) الذين كان أمير المؤمنين (ع) يعتمد عليهم في إدارته للحروب ..

            وغاب القائد المقدام ، البطل الهمام ، الإمام علي (ع) أيضاً ، بعد أن أنهى سيف الغدر حياته الحافلة بالأسى ،

            و نذكر ما جاء في حديث مأثور عن الحارث الهمداني قال :

            لمّا مات عليّ (ع) جاء الناس الى الحسن وقالوا : أنت خليفة أبيك ووصيّه ، ونحن السامعون المطيعون لك ، فمرنا بأمرك فقال :

            “ كذبتم ، واللـه ما وفيتم لمن كان خيراً منِّي ، فكيف تفون لي ؟. وكيف أطمئن إليكم ولا اثق بكم ؟. إن كنتم صادقين فموعد ما بيني وبينكم معسكر المدائن فوافوا هناك “ .

            لقد ترك السلطة حين علم بأنها لم تعد الوسيلة النظيفة لأداء الرسالة ، وان هناك وسيلة أفضل وهي الإنسحاب إلى صفوف المعارضة وبث الروح الرسالية في الأمة من جديد ، عبر تربية القيادات ، ونشر الأفكار ، وقيادة المؤمنين الصادقين المعارضين للسلطة وتوسيع نطاق المعارضة . وهكذا فعل (ع) .

            3- وشروط الصلح التي أملاها الإمام على معاوية . وجعلها بذلك مقياساً لسلامة الحكم ، تشهد على أنه (ع) كان يخطط لمقاومة الوضع الفاسد ، ولكن عبر وسائل أخرى . لقد جاء في بعض بنود الصلح ما يلي :

            1- أن يعمل (معاوية) بكتاب اللـه وسنّة رسوله وسيرة الخلفاء الصالحين .

            2- وليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهداً بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين .

            3- وعلى أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض اللـه في شامهم ، وعراقهم ، وحجازهم ، ويمنهم .

            4- وعلى أنّ أصحاب عليّ وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم ..

            5- وعلى أن لايبغي للحسن بن عليّ ولا لأخيه الحسين ولا لأحد من أهل بيت رسول اللـه غائلة سراً ولا جهراً ، ولا يخيف أحداً منهم في أفق من الآفاق .

            إن نظرة خاطفة لهذه الشروط تهدينا إلى أنها اشتملت على أهم قواعد النظام الإسلامي من دستورية الحكم (على هدى الكتاب والسنّة) وشوريّة الحكم . وإنه مسؤول عن توفير الأمن للجميع وبالذات لقيادة المعارضة ، وهم أهل بيت الرسول . وقـد قبل معاوية بهذه الشروط ، مما جعلها أساساً للنظام عند الناس . وقد وجد الإمام بذلك أفضل طريقة لتبصير الناس بحقيقته ، وتأليب أصحاب الضمائر والدين عليه ، حين كان يخالف بعض تلك الشروط .

            لقد خطب الإمام بعد صلحه مع معاوية في الناس وقال :

            “ أيها الناس ‍‍ إنكم لو طلبتم ما بين جابلقا وجابرسا رجلاً جدّه رسول اللـه (ص) ما وجدتم غيري وغير أخي . وإن معاوية نازعني حقّاً هو لي فتركته لصلاح الأمة ، وحقن دمائها . وقد بايعتموني على أن تسالمــــوا من سالمت ، وقد رأيت أن أُسالمه ، وأن يكون ما صنعت حجةً على مــــن كان يتمنّى هذا الأمــــر ، وإنْ أَدري لعلّه فتنة لكم ومتاع إلى حين “ .

            ومع ذلك فقد عارضه بعض أفضل أصحابه في ذلك . فقال حجر بن عدي رضوان اللـه عليه له : “ أما واللـه لَوَددتُ أنك مت في ذلك اليوم ، ومتنا معك ولم نَرَ هذا اليوم ، فإنا رجعنا راغمين بما كرهنا ، ورجعوا مسرورين بما أحبّوا “ .

            ويبدو أن الإمام كره أن يجيبه في الملأ إلاّ أنه حينما خلا به قال :

            “ يا حجر قد سمعتُ كلامك في مجلس معاوية . وليس كلُّ إنسان يُحب ما تُحب ، ولا رأيه كرأيك ، وإنّي لم أفعل ما فعلت إلاّ إبقاءً عليكم ، واللـه تعالى كلَّ يوم هو في شأن “ .

            وكان سفيان من شيعة أمير المؤمنين والحسن (ع) ، ولكنه دخل على الإمام وعنده رهط من الناس فقال له : السلام عليك يا مُذِلَّ المؤمنين ‍.

            فقال له : وعليك السلام يا سفيان .

            يقول سفيان : فنزلت فعقلت راحلتي ثم أتيته فجلست إليه فقال : كيف قلت يا سفيان ؟‍

            قال : قلت : السلام عليك يا مُذِلَّ المؤمنين . واللـه بأبي أنت وأمّي أذللت رقابنا حين أعطيت هذا الطاغية البيعة ، وسلّمت الأمر إلى اللعين ابن آكلة الأكباد ، ومعك مئة ألف كلّهم يموت دونك ، وقد جمع اللـه عليك أمر النّاس .

            فقال :

            “ يا سفيان إنّا أهل بيت إذا علمنا الحقَّ تمسّكنا به ، وإنّي سمعت عليّاً (ع) يقول : سمعت رسول اللـه (ص) يقول : لا تذهب الأيّام واللّيالي حتّى يجتمع أمر هذه الأمة على رجل واسع السرم ، ضخم البلعوم ، يأكل ولا يشبع ، لا ينظر اللـه إليه ، ولا يموت حتى لايكون له في السماء عاذر ، ولا في الأرض ناصر ، وإنّه لمعاوية . وإنّي عرفتُ أنّ اللـه بالغ أمره “ .

            ثم أذّن المؤذِّن فقمنا إلى حالب يحلب ناقته فتناول الإناء فشرب قائماً ثمّ سقاني وخرجنا نمشي إلى المسجد فقال لي :

            “ ما جاء بك يا سفيان ؟

            قلت : حُبُّكم والذي بعث محمدّاً بالهدى ودين الحق .

            قال : فأبشر يا سفيان فإنّي سمعت عليّاً (ع) يقول : سمعت رسول اللـه (ص) يقول : يرد عليَّ الحوض أهل بيتي ومَن أحبّهم من أُمّتي كهاتين - يعني السبّابتين - أو كهاتين - يعني السبابة والوسطى - إحداهما تفضل على الأخرى ، أبشر يا سفيان ، فإنّ الدنيا تسع البرّ والفاجر ، حتّى يبعث اللـه إمام الحقّ من آل محمّد (ص) “ .

            تعليق


            • #21
              الإمام الحسن في ذمة الله .....

              كان الإمام الحسن (عليه السلام) ولعقد من الزمن يعيش بين أظهر المسلمين، يمثل الكهف الحصين ومعدن الأمن، وملجأ الهاربين والمحتاجين، ومصدر غوث اللاجئين قبال البطش الأموي فهذا سعيد بن سرح حينما أقدم زياد بن أبيه على مصادرة ممتلكاته وإخراجه من بيته واعتقال زوجته وعياله وأخيه، جاء سعيد إلى الإمام (عليه السلام) وشكا له ما جرى عليه، فكتب الإمام الحسن (عليه السلام) رسالة إلى زياد جاء فيها: (من الحسن بن علي إلى زياد أما بعد: فإنك عمدت إلى رجل من المسلمين، له ما لهم، وعليه ما عليهم، فهدمت داره، وأخذت ماله، وحبست أهله وعياله، فإن أتاك كتابي هذا فابن له داره، واردد عليه عياله وماله وشفعني فيه فقد أجرته والسلام).

              ولما بلغ الكتاب إلى زياد غضب لأن الإمام (عليه السلام) لم ينسبه إلى أبي سفيان، ولم يبدأ به قبله فكتب زياد رسالة نال منها من الإمام (عليه السلام) وأشبعها من سموم شتمه وقدحه والتي لا يزفرها سوى زياد وأمثاله ومن تبعه.

              ورد الإمام (عليه السلام) على الرسالة في سطرين موجزين: (من الحسن بن فاطمة، إلى زياد بن سميّة، أما بعد: فإن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: (الولد للفراش وللعاهر الحجر والسلام) وأرسل الإمام (عليه السلام) كتاب زياد إليه لمعاوية مع رد زياد على رسالة الإمام (عليه السلام) الثانية، فما أن وصلت الرسائل إلى معاوية فبعث برسالة عاجلة إلى زياد وكتب فيما كتب:

              (.. من ذلك كتابك إلى الحسن تشتم أباه وتعرض له بالفسق، ولعمري أنك لأولى بالفسق.. وأمّا تسلطه عليك بالأمر فحق لمثل الحسن أن يتسلط، وأما تركك تشفيعه فيما شفع فيه إليك، فحظ دفعته عن نفسك إلى من هو أولى به منك، وإذا ورد عليك كتابي فخل ما في يديك لسعيد بن أبي سرح، وابن له داره، واردد عليه ماله ولا تتعرض له، فقد كتبت إلى الحسن (عليه السلام) أن يخبره إن شاء أقام عنده وإن شاء رجع إلى بلده، ولا سلطان لك عليه ولا يد ولا لسان)(1).

              هكذا كان الإمام الحسن (عليه السلام)، حتى أن التاريخ لم يذكر مورداً أو قصة أو حادثة واحدة أن معاوية أو أزلامه باشروا ارتكاب جرائم القتل في حياة الإمام الحسن (عليه السلام) وربما كان ذلك سبب إقدام معاوية على تنفيذ مخطط اغتيال الإمام (عليه السلام).

              وبالفعل فكّر معاوية في طريقة يقوم بها لتصفية وجود الإمام (عليه السلام) خاصة وأن النشاط الرسالي بدأ يتصاعد بقوة وأن معاوية مكبّلاً في وجود الإمام (عليه السلام) لا يستطيع التعرض بالسوء لأي من أصحاب الحسن (عليه السلام).. فأوعز معاوية إلى المستشارين السياسيين وهكذا أفراد الحاشية وعناصر من المقربين له أن يدلّوه على طريقة مناسبة يتم فيها اغتيال الإمام (عليه السلام)، فالبعض اقترح التصفية المعلنة أمام الناس في المدينة لبث الرعب في كافة أرجاءها والبعض الآخر اقترح استدعاؤه إلى الشام ثم تنفيذ فيه خطة الاغتيال.. غير أن معاوية كان يخشى أن تؤدي هذه العمليات إلى تأليب فئات من الشعب ضد نظامه وتدهور الأوضاع السياسية في الداخل، ولذلك فكّر في طريقة يتفادى فيها أي بادرة إثارة وذلك من خلال أمرين وهما:

              أولاً: عدم تنفيذ خطة الاغتيال بصورة علنية أو استفزازية ممّا قد تثير حفيظة الشعب أو المعارضة.

              ثانياً: عدم المباشرة في تنفيذ خطة الاغتيال لإبعاد الشبهة قدر الإمكان عن السلطة ولذلك وجد معاوية في جعدة بنت محمد بن الأشعث الكندي وهي بنت لأم فروة أخت الخليفة أبي بكر لتكون هي الأداة المناسبة ـ بكافة المواصفات ـ لتنفيذ الجريمة، وقد اختار معاوية السمّ كوسيلة هادئة للجريمة..

              واستطاع معاوية أن يتصل بجعدة وراح يعرض عليها الإغراءات المادية ويحدثها عن الأموال الطائلة والضياع والثروة التي سيعطيها إيّاها والتي بلغت عشرة آلاف دينار وإقطاع عشرة ضياع من سورار وهي موضع بالعراق من بلد السريانيين، وسواد الكوفة، ووعدها أيضاً بتزويجها من ابنه يزيد... ولكن بشرط أن تدس السم إلى الإمام الحسن (عليه السلام)، فلم تطل التفكير في الأمر بل أعطت موافقة فورية.

              وفي اليوم المحدد جاءت جعدة بالطعام المسموم وقدمته إلى الإمام الحسن (عليه السلام) فلمّا وضعته بين يديه قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، والحمد لله على لقاء محمد سيد المرسلين، وأبي سيد الوصيين وأمي سيدة نساء العالمين، وعمي جعفر الطيار في الجنة، وحمزة سيد الشهداء صلوات الله عليهم أجمعين.

              وأما إن رفعت جعدة المائدة من تحت الإمام (عليه السلام) حتى بدأ السم ينتشر داخل جسمه (عليه السلام) ويقطع أمعاءه فكان السم يسري.. والألم يسري معه.. وكلاهما يصرمان ما تبقى من عمره الشريف.

              جاء إليه أخوه الإمام الحسين (عليه السلام) فلمّا رأى حاله بكى، فقال له الحسن (عليه السلام): ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ قال: أبكي على ما أراك فيه. فقال له الحسن (عليه السلام): إن الذي يأتي إليّ بسمّ يدبّر فأقتل به، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل، يدّعون أنهم من أمة جدنا، وينتحلون دين الإسلام فيجتمعون على قتلك، وسفك دمك، وانتهاك، وسبي ذراريك ونسائك وأخذ ثقلك، فعندها تحلّ ببني أمية اللعنة، وتمطر السماء رماداً ودماً، ويبكي عليك كلّ شيء حتى الوحوش في الفلوات والحيتان في البحار)(2).

              وظل الإمام الحسن (عليه السلام) يكابد الألم وقد سيطر السّم على كل أنحاء جسمه حتى أنه شكا لأخيه الحسين (عليه السلام) قائلاً: (يا أخي سقيت السّم ثلاث مرات لم أسق مثل هذه، إني لأضع كبدي).

              يقول جنادة بن أبي أمية: (... ثم انقطع نفسه وأصفر لونه، حتى خشيت عليه، ودخل الحسين (عليه السلام) والأسود بن الأسود عليه، حتى قبّل رأسه بين عينيه، ثم قعد عنده فتسارّا جميعاً فقال أبو الأسود: إنا لله إن الحسن قد نعيت إليه نفسه.

              ودنا الإمام الحسين (عليه السلام) من أخيه الحسن (عليه السلام) فوجد أن وجه الإمام (عليه السلام) يميل إلى الاخضرار فقال الإمام الحسين (عليه السلام): مالي أرى لونك إلى الخضرة؟ فبكى الحسن؟ وقال: يا أخي لقد صحّ حديث جدي فيّ وفيك.

              ثم تعانقا طويلاً وتعابرا ثم بكيا كثيراً فسأل الإمام الحسين (عليه السلام) أخاه الحسن (عليه السلام) عن حديث رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال الإمام الحسن (عليه السلام): (أخبرني جدّي قال: لما دخلت ليلة المعراج روضات الجنان، على منازل أهل الإيمان رأيت قصرين عاليين متجاورين على صفة واحدة إلا أن أحدهما من الزبرجد الأخضر والآخر من الياقوت الأحمر، فقلت: يا جبرائيل لمن هذان القصران فقال: أحدهما للحسن والآخر للحسين (عليهما السلام). فقلت: يا جبرائيل فلم لا يكونان على لونٍ واحد؟ فسكت ولم يرد جواباً، فقلت لم لا تتكلم؟ قال: حياءً منك. فقلت له: سألتك بالله إلا ما أخبرتني فقال: أما خضرة قصر الحسن فإنه يموت بالسم ويخضر لونه عند موته، وأما حمرة قصر الحسين فإنه يقتل ويحمر وجهه بالدم.

              ثم سكت الإمام الحسن (عليه السلام) وقال كلمته الأخيرة عليكم السلام يا ملائكة ربي ورحمة الله وبركاته وصعدت روحه الطاهرة إلى بارئها، وغاب شخص الإمام (عليه السلام) عن دار الدنيا إلى دار الخلد في الجنات النعيم)(3).


              والمطاف الأخير ـ تشييع جنازة الإمام (عليه السلام):

              تولى الإمام الحسين (عليه السلام) مهمة تغسيل الجسد الطاهر لأخيه الحسن (عليه السلام) وهكذا تكفينه ولفّه، وبعدها حملت جنازة الإمام الحسن (عليه السلام) إلى مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ولمّا وصلوا المسجد اعترض مروان طريق الجنازة للحيلولة دون الدخول بها إلى المسجد، ثم مضى إلى عائشة يحرضها على منع دفن الإمام الحسن (عليه السلام) عند جده، فجاءت عائشة على بغلة لتمنع دفن الإمام (عليه السلام) و قالت كلمتها المشهورة (( لا تدخلوا بيتي من لا أحب ))، فدنا عبد الله بن عباس منها وزجرها وقال لها: يوم على الجمل ويوم على البغل،

              تجملت تبغلت و لو عشت تفيلت *** لك التسع من الثمن و على الكل تحولت

              فلم تنتهر، بل قامت بتهييج بني أمية، فأقدموا على رشق جنازة الإمام (عليه السلام) بالسهام،

              فجرد بنو هاشم السيوف لمواجهة سهام بني أمية، لو لا تدخل الإمام الحسين (عليه السلام) الذي التزم بوصية أخيه الإمام الحسن (عليه السلام)، ثم أمر الحسين (عليه السلام) بأن تحمل الجنازة إلى البقيع، فمالوا بالجنازة نحو البقيع. وقد اجتمع الناس لجنازته حتى ما كان البقيع يسع أحداً من الزحام وقد بكاه الرجال والنساء سبعاً، واستمر نساء بني هاشم ينحبن عليه شهراً، وحدّت نساء بني هاشم عليه.

              وقبل أو يوارى الجثمان الطاهر للإمام الحسن (عليه السلام) دنا منه أخوه محمد بن الحنفية ونعاه قائلاً: رحمك الله يا أبا محمد، فوالله لئن عزّت حياتك لقد هدّت وفاتك، ونعم الرّوح، روح عمّر به بدنك ونعم البدن، بدن ضمه كفنك، لم لا يكون كذلك وأنت سليل الهدى، وحلف أهل التقوى، ورابع أصحاب الكساء، غذتك كفّ الحق، وربيت في حجر الإسلام، وأرضعتك ثديا الإيمان، فطب حيّاً وميتاً، فعليك السلام ورحمة الله وإن كانت أنفسنا غير قالية لحياتك ولا شاكّة في الخيار لك. وحينما وضع الإمام الحسين (عليه السلام) جسد أخيه الحسن (عليه السلام) في لحده أنشأ يقول:

              أأدهن رأسي أم تطيب محـاسني***ورأسك معفـــــــور وأنت سليب
              بكائي يطــــول والدموع غــــــــزيرة***وأنت بعـــــيد والمــــزار قــــريب
              غريب وأطـراف البيوت تحوطــــــــه ***ألا كلّ مـــن تحت التراب غريب
              فليس حريــــب من أصيب بمالـــه ***ولكـــــنّ من وارى أخاه حريــب

              فسلام عليك يا أبا محمد يوم ولدت ويوم جاهدت وبلغت ويوم استشهدت ويوم تبعث حياً..

              وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.


              و موعدنا إن شاء الله مع سيد الشهداء أبو عبدالله الحسين الشهيد ...شهيد كربلاء

              تعليق


              • #22
                اللهــــــــم صل على محمد وآل محمـــــــــد

                السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مولاي ....

                عذراً إذا قطعت السلسلة ، ولكن لدي أسئلة بخصوص حياة أمير المؤمنين عليه السلام ،

                س1 : سمعت في الخبر أنه في حربه مع معاوية قال : (( اخوتنا بغوا علينا )) .. فيحتج بعضهم بكلمة [ اخوتنا ] ، وبما ان الإمام سيد البلغاء ، وشخصيته تأبى أن يؤاخي مثل معاوية ، فأتمنى منك _ مشكوراً _ أن توضح هذه النقطة .

                س2 : الرد على من يحتج علينا أن لو كان الخبر صحيحاً حول الهجوم على دار السيدة فاطمة عليها السلام ، فلمَ كان موقفه عليه السلام سلبياً .


                جزاك الله عن شيعة علي خير الجزاء ، وعذرا على المقاطعة

                تعليق


                • #23
                  بسم الله الرحمن الرحيم
                  اللهم صلي على محمد و آل محمد

                  أختي العزيزة ... كنت سأورد في هذه المداخلة أنه من لذيه أسئلة حول الإمام الذي نتناوله أن يطرحها و إذا بي أجد سؤالك رحمك الله


                  أختي العزيزة بالنسبة للكلمة و إن صحت فهي ليست الأخوة بين الإمام علي و بين معاوية بل الأخوة بين جيش الإمام علي من مسلمين و جيش معاوية ة المسلمين الذين فيه فيقول أن إخوتنا بغو علينا و ليس أخي . أرجو أن تكون الإجابة واضحة


                  أما بخصوص سلبية الإمام من حرق داره فهناك عدة أسباب

                  أولاً وصية الرسول صلى الله عليه و آله له و هي أن يا علي إصبر و الإمام علي يقول و لو أخذوا حقنا و الرسول يقول إصبر يا علي حتى وصل الإمام و قال و إن آذو فاطفة فيرد عليه الرسول و يقول إصبر يا علي
                  لأن الرسول يعلم كيف تقوم الفتن و هذا أبو سفيان أول من ذهب إلى الإمام علي و يقول له يا أبا الحسن لو أردت لملأتها خيلاً و رجالاً

                  ثانياً كانت الوصية لحفظ وحدة المسلمين و هذا ما طبقه علي بن أبي طالب فقد كان الحاكم بين الناس بالعدل فأي مسألة يعجز عنها القوم كانوا يستجيرون بالإمام علي سلام الله عليه في المعضلات و كان يطبق دوره كإمام معصوم

                  ثالثاً ما ورد عنه ... أنه لما أتت السيدة فاطمة و هي غاضبة علي أبي بكر قالت للإمام أنت قاعد عن ابن أبي قحافة و هو يسلبنا حقنا (( و في الأثناء إرتفع صوت الأذان )) فقال الإمام علي يا فاطمة لو أردت أن يبقى هذا النداء عالياً فإصبري
                  التعديل الأخير تم بواسطة سليل الرسالة; الساعة 07-05-2003, 11:17 PM.

                  تعليق


                  • #24
                    بسم الله الرحمن الرحيم
                    اللهم صلي على محمد و آل محمد

                    السلام عليك يا أبا عبدالله السلام عليك يا ابن رسول الله السلام عليك و على الأرواح التي حلت بفنائك و لا جعل الله آخر العهد مني لزيارتك .

                    موضوعنا اليوم ... عن سيد الشهداء و أبو الأحرار أبو عبدالله الحسين عليه السلام

                    نسبه الشريف :
                    الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي أبو عبدالله الهاشمي، سبط رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وريحانته وأحد سيدي شباب أهل الجنة


                    مولده الشريف :

                    رأت السيدة أم الفضل بنت الحارث في منامها رؤيا غريبة لم تهتد إلى تأويلها، فهرعت إلى رسول الله (ص) قائلة له : " إني رأيت حلما منكرا كأن قطعة من جسدك قطعت، ووضعت في حجري ؟. .. " .

                    فأزاح النبي (ص) مخاوفها، وبشرها بخير قائلا :

                    " خيرا رأيت، تلد فاطمة إن شاء الله غلاما فيكون في حجرك. . "

                    ومضت الايام سريعة فوضعت سيدة النساء فاطمة ولدها الحسين فكان في حجر أم الفضل، كما أخبر النبي (ص) .

                    وظل الرسول (ص) يترقب بزوغ نجم الوليد الجديد الذي تزدهر به حياة بضعته التي هي أعز الباقين والباقيات عنده من أبنائه وبناته .


                    الوليد المبارك :

                    ووضعت سيدة نساء العالمين وليدها العظيم الذي لم تضع مثله سيدة من بنات حواء لا في عصر النبوة، ولا فيما بعده، أعظم بركة ولا أكثر عائدة على الانسانية منه، فلم يكن أطيب، ولا أزكى ولا أنور منه .

                    لقد أشرقت الدنيا به، وسعدت به الانسانية في جميع أجيالها، واعتز به المسلمون، وعمدوا إلى احياء هذه الذكرى، افتخارا بها في كل عام ، فتقيم وزارة الاوقاف في مصر احتفالا رسميا داخل المسجد الحسيني اعتزازا بهذه الذكرى العظيمة كما تقام في أكثر مناطق العالم الاسلامي .

                    وتردد في آفاق يثرب صدى هذا النبأ المفرح فهرعت أمهات المؤمنين وسائر السيدات من نساء المسلمين إلى دار سيدة النساء، وهن يهنئنها بمولودها الجديد، ويشاركنها في أفراحها ومسراتها .


                    وجوم النبي (ص) وبكاؤه :

                    ولما بشر الرسول الاعظم بسبطه المبارك خف مسرعا إلى بيت بضعته فاطمة (ع) وهو مثقل الخطا قد ساد عليه الوجوم والحزن، فنادى بصوت خافت حزين النبرات .

                    " يا أسماء هلمي ابني " .

                    فناولته أسماء، فاحتضنه النبي، وجعل يوسعه تقبيلا، وقد انفجر بالبكاء فذهلت أسماء، وانبرت تقول:

                    " فداك أبي وأمي مم بكاؤك ؟ ! ! " .

                    فاجابها النبي (ص) وقد غامت عيناه بالدموع: " من ابني هذا " .

                    وملكت الحيرة إهابها فلم تدرك معنى هذه الظاهرة ومغزاها فانطلقت تقول :

                    " إنه ولد الساعة " .

                    فاجابها الرسول بصوت متقطع النبرات حزنا وأسى قائلا :

                    " تقتله الفئة الباغية من بعدي لا أنالهم الله شفاعتي. .. " .

                    ثم نهض وهو مثقل بالهم وأسر إلى أسماء قائلا :

                    " لا تخبري فاطمة فانها حديثة عهد بولادة. .. " .

                    وانصرف النبي (ص) وهو غارق بالاسى والشجون، فقد استشف من وراء الغيب ما سيجري على ولده من النكبات والخطوب التي تذهل كل كائن حي .


                    سنة ولادته :

                    واستقبل سبط النبي (ص) دنيا الوجود في السنة الرابعة من الهجرة وقيل في السنة الثالثة واختلف الرواة في الشهر الذي ولد فيه فذهب الاكثر إلى أنه ولد في شعبان، وأنه في اليوم الخامس منه ولم يحدد بعضهم اليوم، وإنما قال : ولد لليالي خلون من شعبان وأهمل بعض المؤرخين ذلك مكتفيا بالقول أنه ولد في شعبان وذهب بعض الاعلام إلى أنه ولد في آخر ربيع الاول إلا أنه خلاف المشهور فلا يعني به .


                    مراسيم ولادته :

                    وأجرى النبي (ص) بنفسه أكثر المراسيم الشرعية لوليده المبارك، فقام (ص) بما يلي :


                    أولا - الاذان والاقامة :

                    واحتضن النبي وليده العظيم فأذن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى وجاء في الخبر " أن ذلك عصمة للمولود من الشيطان الرجيم " .

                    إن أول صوت اخترق سمع الحسين هو صوت جده الرسول (ص ) الذي هو أول من أناب إلى الله، ودعا إليه، وأنشودة ذلك الصوت : " الله أكبر لا إله إلا الله. .. " .

                    لقد غرس النبي (ص) هذه الكلمات التي تحمل جوهر الايمان وواقع الاسلام في نفس وليده، وغذاه بها فكانت من عناصره ومقوماته، وقد هام بها في جميع مراحل حياته، فانطلق إلى ميادين الجهاد مضحيا بكل شئ في سبيل أن تعلو هذه الكلمات في الارض، وتسود قوى الخير والسلام وتتحطم معالم الردة الجاهلية التي جهدت على اطفاء نور الله .

                    ثانيا - التسمية :

                    وسماه النبي (ص) حسيناً كما سمى أخاه حسناً ويقول المؤرخون لم تكن العرب في جاهليتها تعرف هذين الاسمين حتى تسمي أبناءهما بهما ، وإنما سماها النبي (ص) بهما بوحي من السماء.

                    وقد صار هذا الاسم الشريف علما لتلك الذات العظيمة التي فجرت الوعي والايمان في الارض، واستوعب ذكرها جميع لغات العالم، وهام الناس بحبها حتى صارت عندهم شعارا مقدسا لجميع المثل العليا، وشعارا لكل تضحية تقوم على الحق والعدل .

                    ثالثا : العقيقة :

                    وبعدما انطوت سبعة أيام من ولادة السبط أمر النبي (ص) أن يعق عنه بكبش، ويوزع لحمه على الفقراء كما أمر أن تعطى القابلة فخذا منها ، وكان ذلك من جملة ما شرعه الاسلام في ميادين البر والاحسان إلى الفقراء .

                    رابعا : حلق رأسه :

                    وأمر النبي (ص) أن يحلق رأس وليده، ويتصدق بزنته فضة على الفقراء فكان وزنه - كما في الحديث - درهما ونصفا وطلى رأسه بالخلوق ونهى عما كان يفعله أهل الجاهلية من اطلاء رأس الوليد بالدم .

                    خامسا : الختان :

                    وأوعز النبي (ص) إلى أهل بيته باجراء الختان على وليده في اليوم السابع من ولادته، وقد حث النبي (ص) على ختان الطفل في هذا الوقت المبكر لانه أطيب له وأطهر


                    ملامح من حياة الإمام الحسين

                    وتولى النبي (ص) بنفسه رعاية الحسين، واهتم به اهتماما بالغا فمزج روحه بروحه، ومزج عواطفه بعواطفه، وكان - فيما يقول المؤرخون - :

                    يضع ابهامه في فيه، وأنه أخذه بعد ولادته فجعل لسانه في فمه ليغذيه بريق النبوة وهو يقول له :

                    " إيها حسين، إيها حسين، أبى الله إلا ما يريد هو - يعني الامامة - فيك وفي ولدك. .. " .

                    وفي ذلك يقول السيد الطباطبائي :

                    ذادوا عــــن الماء ضمآنا مراضعه * من جده المصطفى الساقي أصابعــه

                    يعطيه إبهامــــــه آنـــــا وآونــــــــة * لسانه فاستـــــوت منــــه طبائعــــه

                    غــــرس سقاه رسـول الله من يده * وطاب من بعـــد طيب الاصل فارعه

                    لقد سكب الرسول (ص) في نفس وليده مثله ومكرماته ليكون صورة عنه، وامتدادا لحياته، ومثلا له في نشر أهدافه وحماية مبادئه .


                    تعويذ النبي للحسنين :

                    وبلغ من رعاية النبي (ص) لسبطيه، وحرصه على وقايتهما من كل سوء وشر أنه كان كثيرا ما كان يعوذهما فقد روى ابن عباس قال :

                    " كان النبي (ص) يعوذ الحسن والحسين قائلا : " أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة " ويقول : " هكذا كان ابراهيم يعوذ ابنيه اسماعيل واسحاق " ويقول عبد الرحمن بن عوف:

                    قال لي رسول الله (ص) :

                    " يا عبد الرحمن : ألا أعلمك عوذة عوذة كان ابراهيم يعوذ بها ابنيه اسماعيل واسحاق، وأنا أعوذ بها ابني : الحسن والحسين. .. كفى بالله واعيا لمن دعا، ولا مرمى وراء أمر الله لمن رمى. .. " .

                    ودل ذلك على مدى الحنان، والعطف الذي يكنه (ص) لهما ، وأنه كان يخشى عليهما من أن تصيبهما عيون الحساد فيقيهما منها بهذا الدعاء .


                    ملامحه :

                    وبدت في ملاح الامام الحسين (ع) ملامح جده الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله فكان يحاكيه في أوصافه، كما كان يحاكيه في أخلاقه التي امتاز بها على سائر النبيين، ووصفه محمد بن الضحاك فقال : " كان جسد الحسين يشبه جسد رسول الله (ص)"، وقيل : إنه كان يشبه النبي (ص) ما بين سرته إلى قدميه وقال الامام علي (ع):

                    " من سره أن ينظر إلى أشبه الناس برسول الله (ص) ما بين عنقه وثغره فلينظر إلى الحسن، ومن سره أن ينظر إلى أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله ما بين عنقه إلى كعبه خلقا ولونا فلينظر إلى الحسين بن علي. .. " .

                    لقد بدت على وجهه الشريف أسارير الامامة فكان من أشرق الناس وجها، فكان كما يقول أبوكبير الهذلي :

                    وإذا نظرت إلى أسرة وجهه * برقت كبرق العارض المتهلل

                    ووصفه بعض المترجمين له بقوله : " كان أبيض اللون، فاذا جلس في موضع فيه ظلمة يهتدى اليه لبياض حسنه ونحره " ويقول آخر : " كان له جمال عظيم، ونور يتلالا في جبينه وخده، يضئ حواليه في الليلة الظلماء وكان أشبه الناس برسول الله (ص)"، ووصفه بعض الشهداء من أصحابه في رجز كان نشيدا له في يوم الطف يقول :

                    له طلعة مثل شمس الضحى * له غرة مثل بدر منير


                    هيبته :

                    وكانت عليه سيماء الانبياء، فكان في هيبته يحكي هيبة جده التي تعنو لها الجباه، ووصف عظيم هيبته بعض الجلادين من شرطة ابن زياد بقوله :

                    " لقد شغلنا نور وجهه، وجمال هيبته عن الفكرة في قتله " .

                    ولم تحجب نور وجهه يوم الطف ضربات السيوف، ولا طعنات الرماح، فكان كالبدر في بهائه ونضارته وفي ذلك يقول الكعبي :

                    ومجرح ما غيرت منه القـــنا حسنا * ولا أخــــــلقـــــن منـــــــــه جــــديدا

                    قد كان بدرا فاغتدى شمس الضحى * مذ ألبستــــه يــــد الدماء بــــرودا

                    ولما جئ برأسه الشريف إلى الطاغية ابن زياد بهر بنور وجهه

                    فانطلق يقول :

                    " ما رأيت مثل هذا حسنا ! ! " .

                    فانبرى إلى أنس بن مالك منكرا عليه قائلا :

                    " أما أنه كان أشبههم برسول الله ؟ " .

                    وحينما عرض الرأس الشريف على يزيد بن معاوية ذهل من جمال هيبته

                    وطفق يقول :

                    " ما رأيت وجها قط أحسن منه ! ! " .

                    فقال له بعض من حضر :

                    " إنه كان يشبه رسول الله (ص) " .

                    لقد أجمع الرواة أنه كان يحاكي جده الرسول (ص) في أوصافه وملامحه وأنه كان يضارعه في مثله وصفاته، ولما تشرف عبد الله بن الحر الجعفي بمقابلته امتلات نفسه اكبارا وإجلالا له وراح يقول :

                    " ما رأيت أحدا قط أحسن، ولا أملا للعين من الحسين. . "

                    لقد بدت على ملامحه سيماء الانبياء وبهاء المتقين، فكان يملا عيون الناظرين إليه، وتنحني الجباه خضوعا وإكبارا له .


                    كنيته :

                    كان يكنى بأبي عبد الله وذكر غير واحد من المؤرخين أنه لا كنية له غيرها ، وقيل : إنه يكنى بأبي علي وكناه الناس من بعد شهادته بأبي الشهداء وأبي الاحرار .


                    نقش خاتمه :

                    كان له خاتمان أحدهما من عقيق، وقد نقش عليه " ان الله بالغ أمره " الثاني وهو الذي سلب منه يوم قتل، وقد كتب عليه " لا إله إلا الله عدد لقاء الله "، وقد ورد " أن من يتختم بمثله كان له حرز من الشيطان ".


                    استعماله الطيب :

                    وكان الطيب محببا إليه فكان المسك لا يفارقه في حله وترحاله، كما كان بخور العود في مجلسه .


                    دار سكناه :

                    وأول دار سكنها مع أبويه كانت الدار المجاورة لبيت السيدة عائشة ولها باب من المسجد، وتعرف بدار فاطمة

                    تعليق


                    • #25
                      الإمام الحسين في رحيل جده الرسول الأعظم صلوات الله و سلامه عليه



                      عاش الامام الحسين (ع) وهو في ريعان الصبا، وغضارة العمر في كنف جده الرسول الاعظم (ص) وكان يغدق عليه بعطفه، ويفيض عليه بحنانه، ويعمل على توجيهه وتقويمه، حتى توسعت مداركه، ونمت ملكاته وهو في سنه المبكر، وكانت هذه الفترة القصيرة التي عاش مع جده من أهم الفترات وأروعها في تاريخ الاسلام كله، فقد وطد الرسول (ص) فيها أركان دولته، وأقامها على أساس العلم والايمان، وهزم جويش الشرك وفلل قواعد الالحاد، وقام الاسلام على سوقه عبل الذراع مفتول الساعد وأخذت الانتصارات الرائعة تترى على الرسول (ص) وأصحابه، فقد دخل الناس في دين الله أفواجا، أفواجا، وامتد حكم الاسلام على أغلب مناطق الجزيرة العربية .

                      وفي غمرات هذه الانتصارات الرائعة شعر الرسول (ص) بان حياته قد انطوت وأيامه قد انتهت، لانه أدى ما عليه وأقام دينه العظيم يؤدي فعالياته في توجيه الانسان، واقامة سلوكه، فإذن لابد له من الرحيل عن هذه الحياة...

                      ونتحدث عن فصول هذه المأساة الكبرى التي مني بها المسلمون وننظر إلى ما رافقها من الاحداث الخطيرة فانها ترتبط ارتباطا موضوعيا بما نحن فيه، فهي تكشف عن كثير من الاسباب التي أدت إلى ما عاناه الامام الحسين (ع) مع أهل البيت من النكبات والخطوب .

                      علمت سيدة النساء ان لقاء أبيها بربه قريب خفت إلى دارها وصحبت معها ولديها الحسن والحسين، وهي تذرف الدموع، وتطلب مه أن يورثهما شيئا من مكارم نفسه التي عطر شذاها العالم بأسره قائلة :

                      " أبه هذان ولداك فورثهما منك شيئا... " .

                      ويفيض عليهما الرسول ببعض خصائصه وذاتياته التي امتاز بها على سائر النبيين قائلا :

                      " أما الحسن فان له هيبتي وسؤددي، وأما الحسين فان له جرأتي وجودي " .

                      ويقومان الحسنان من عند جدهما وقد ورثا منه الهيبة والسؤدد، والجرأة والجود، وهل هناك مما تحويه هذه الارض أثمن وأعز من هذا الميراث الذي لا صلة له بعالم المادة وشؤونها، وانما يحوى كمالات النبوة وخصائصها .

                      وصية النبي بالسبطين :

                      وأوصى النبى (ص) الامام عليا برعاية سبطيه، وكان ذلك قبل موته بثلاثة ايام، فقد قال له :

                      " يا أبا الريحانتين أوصيك بريحانتي من الدنيا فعن قليل ينهدم ركناك والله خليفتي عليك... " .

                      ولما قبض الرسول (ص) قال علي :

                      " هذا أحد ركني الذي قال لي رسول الله " .

                      فلما ماتت فاطمة قال علي :

                      " هذا الركن الثاني الذي قال لي رسول الله (ص) " .

                      لوعة النبي على الحسين :

                      وخف الامام الحسين (ع) إلى جده الرسول (ص) حينما كان يعانى آلام المرض وشدائد الاحتضار، فلما رآه ضمه إلى صدره وذهل عن آلام مرضه وجعل يقول :

                      " مالي وليزيد، لا بارك الله فيه، اللهم يزيد... " .

                      ثم غشي عليه طويلا، فلما أفاق أخذ يوسع الحسين تقبيلا، وعيناه تفيضان بالدموع، وهو يقول :

                      " أما ان لي ولقاتلك مقاما بين يدي الله عزوجل " .

                      لقد تمثلت كارثة الحسين (ع) أمام جده الرسول وهو في ساعاته الاخبرة فزادته آلاما وأحزانا



                      الإمام الحسين في عصر أبيه

                      وامتزجت عواطف الامام امير المؤمنين بعواطف ولده الحسين ، وتفاعلت روحه مع روحه حتى صار صورة فذة عنه تحكي واقعة وهديه .

                      لقد أفاض الامام جميع ذاتياته في نفس ولده الحسين، ومنحه حبه واخلاصه، وزوده بأروع حكمه وآدابه، وقد بلغ من عظيم حبه أنه لم يسمح له بالدخول في عمليات الحروب أيام صفين كما لم يسمح لاخيه الحسن بذلك لئلا ينقطع بموتهما نسل رسول الله (ص)، وقد انطبعت مثل الامام وسائر اتجاهاته الفكرية في نفس الحسين فكان كأبيه في ثورته على الظلم والباطل، ومناهضته للبغي والجور، وتفانيه في سبيل الحق والعدل وتنبيه لجميع وسائل الاصلاح والخير .

                      لقد كان كأبيه في بسالته وصموده، وعزة نفسه، وأبائه، وشممه وقد اعترف بهذه الظاهرة اعداؤه يوم الطف فانهم لما عرضوا عليه الاستسلام لابن مرجانة، والخضوع لارادته، قال بعضهم :

                      إنه لا يستجيب لكم فان نفس أبيه بين جنبيه، لقد كانت نفس أبيه عملاق هذه الامة ورائدها الاعلى إلى العزة والكرامة ماثلة بجميع مظاهرها ومقوماتها في نفس الامام الحسين حتى كأنه لم يعد هناك تعدد في الوجود بين الاب وولده، فكانا معا من ألمع من تعتز بهما الانسانية في جميع الاجيال.

                      اخبار الامام بمقتل الحسين :

                      واشاع الامام بين الناس مقتل ولده الحسين، كما أشاع ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وقد أدلى الامام بذلك في كثير من المناسبات، وهذه بعضها :

                      1 - روى عبد الله بن يحيى عن ابيه انه سافر مع علي إلى صفين، وكان صاحب مطهرته، فلما حاذوا نينوى، تأثر الامام، ورفع صوته قائلا :

                      " صبرا أبا عبد الله، صبرا أبا عبد الله، بشط الفرات ! " .

                      فذهل يحيى، وانبرى يقول :

                      " من ذا أبو عبد الله ؟ " .

                      فاجابه الامام وقلبه يتقطع الما وحزنا قائلا :

                      " دخلت على رسول الله (ص) وعيناه تفيضان، فقلت يا نبي الله اغضبك أحد ؟ ما شأن عينيك تفيضان ؟ قال :

                      قام من عندي جبرئيل فحدثني ان الحسين يقتل بشط الفرات، وقال :

                      هل لك أن أشمك من تربته ؟ قال :

                      قلت :

                      نعم فقبض قبضة فاعطانيها، فلم أملك عيني أن فاضتا " .

                      2 - حدث هرثمة بن سليم قال :

                      عزونا مع علي بن أبي طالب غزوة صفين، فلما نزلنا بكربلا صلى بنا صلاة، فلما سلم رفع إليه من تربتها فشمها ثم قال :

                      " واها لك أيتها التربة، ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب " .

                      وبهر هرثمة.

                      وظل حديث الامام يراوده في كل فترة، وكان منكرا له فلما رجع إلى زوجته جرداء بنت سمير، وكانت شيعة لعلي حدثها بما سمعه من الامام، فقالت له :

                      " دعنا منك أيها الرجل فان أمير المؤمنين لم يقل إلا حقا " .

                      ولم تمض الايام حتى بعث ابن زياد بجيوشه لحرب ريحانة رسول الله وكان فيهم هرثمة فلما انتهى إلى كربلا ورأى الحسين واصحابه تذكر قول الامام أمير المؤمنين فكره حربه، وأقبل على الامام الحسين، وأخبره بما سمعه من أبيه، فقال له الامام :

                      - معنا أنت أو علينا ؟ - لا معك، ولا عليك، تركت أهلي وولدي، وأخاف عليهم من ابن زياد .

                      فنصحه الامام، وقال له :

                      " ول هاربا حتى لا ترى لنا مقتلا، فوالذي نفس محمد بيده لا يرى مقتلنا اليوم رجل، ولا يغيثنا إلا أدخله الله النار.." .

                      وانهزم هرثمة من كربلا ولم يشهد مقتل الامام الحسين .

                      3 - وروى أبوجعفة قال :

                      جاء عروة البارقي إلى سعيد بن وهب فسأله وأنا أسمع، فقال :

                      حديث حدثتنيه عن علي بن أبي طالب قال :

                      نعم، بعثني مخنف بن سليم إلى علي فاتيته بكربلا فوجدته يشير بيده ويقول :

                      " هاهنا، هاهنا " .

                      فبدر اليه رجل فقال له :

                      " ما ذلك يا أمير المؤمنين ؟ " .

                      قال (ع) :

                      " ثقل لآل محمد ينزل هاهنا فويل لهم منكم، وويل لكم منهم " .

                      ولم يعرف الرجل معنى كلامه، فقال :

                      " ما معنى هذا الكلام يا أمير المؤمنين ؟ ! ! " .

                      فقال (ع) : " ويل لهم منكم تقتلونهم، وويل لكم منهم يدخلكم الله بقتلهم النار " .

                      4 - روى الحسن بن كثير عن أبيه أن عليا أتى كربلاء فوقف بها فقيل له :

                      " يا أمير المؤمنين هذه كربلاء " .

                      فاجاب والالم يحز في نفسه قائلا :

                      " ذات كرب وبلاء، ثم أومأ بيده إلى مكان فقال :

                      هاهنا موضع رحالهم ومناخ ركابهم، وأومأ بيده إلى موضع آخر فقال :

                      هاهنا مهراق دمائهم " .

                      5 - روى أبوهريمة قال :

                      كنت مع علي بنهر كربلا فمر بشجرة تحتها بعر غزلان فأخذ من التراب قبضة فشمها، ثم قال :

                      " يحشر من هذا الظهر سبعون الفا يدخلون الجنة بغير حساب " .

                      6 - روى أبوخيرة قال :

                      صحبت عليا حتى أتى الكوفة، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال :

                      - كيف أنتم إذا نزل بذرية نبيكم بين ظهرانيكم ؟ - إذا نبلي الله فيهم بلاءا حسنا .

                      فاجابهم الامام :

                      " والذي نفسي بيده لينزلن بين ظهرانيكم، ولتخرجن اليهم فلتقتلنهم ثم أقبل يقول :

                      هم أوردوه بالغرور وغردوا * اجيبوا دعاه لا نجاة ولا عذرا

                      7 - روى الطبراني بسنده عن علي انه قال :

                      " ليقتلن الحسين ، واني لاعرف التربة التي يقتل فيها بين النهرين " .

                      8 - روى ثابت عن سويد بن غفلة أن عليا (ع) خطب ذات يوم فقام رجل من تحت منبره، فقال :

                      يا أمير المؤمنين إني مررت بوادي القرى، فوجدت خالد بن عرفطة قد مات، فاستغفر له فقال (ع) :

                      " والله ما مات ولا يموت حتى يقود جيش ضلالة، صاحب لوائه حبيب بن حمار " .

                      فقام اليه رجل ورفع عقيرته قائلا :

                      " يا أمير المؤمنين، أنا حبيب بن حمار، واني لك شيعة ومحب " .

                      فقال الامام :

                      " أنت حبيب بن حمار ؟ " .

                      " نعم " .

                      وكرر الامام قوله :

                      " أنت حبيب " وهو يقول :

                      نعم، فقال (ع) :

                      " اي والله إنك لحاملها، ولتحملنها، ولتدخلن من هذا الباب - واشار إلى باب الفيل بمسجد الكوفة -.." .

                      قال ثابت :

                      والله ما مت حتى رأيت ابن زياد، وقد بعث عمر بن سعد إلى الحسين بن علي، وجعل خالد بن عرفطة على مقدمته، وحبيب ابن حمار صاحب رايته فدخل بها من باب الفيل .

                      9 - وخطب الامام أمير المؤمنين فكان من جملة خطابه :

                      " سلوني قبل أن تفقدوني، فوالله لا تسألوني عن فئة تضل مائة، أو تهدي مائة إلا نبأتكم بناعقها وسائقها، ولو شئت لاخبرت كل واحد منكم بمخرجه ومدخله، وجميع شأنه " فانبرى إليه الوغد الخبيث تميم بن اسامة التميمي فقال ساخرا ومستهزءا : " كم في رأسي طاقة شعر ؟.." .

                      فرمقه الامام بطرفه وقال له :

                      " أما والله إني لاعلم ذلك، ولكن أين برهانه لو اخبرتك به :

                      ولقد اخبرتك بقيامك ومقالك، وقيل لي :

                      إن على كل شعرة من شعر رأسك ملكا يلعنك، وشيطانا يستفزك، وآية ذلك أن في بيتك سخلا يقتل ابن رسول الله (ص)، ويحض على قتله...".

                      يقول ابن أبي الحديد :

                      " فكان الامر بموجب ما أخبر به عليه السلام كان ابنه حصين - بالصاد المهملة - يومئذ طفلا صغيرا يرضع اللبن، ثم عاش إلى ان صار على شرطة عبيدالله بن زياد، وأخرجه عبيدالله إلى عمرو بن سعد يأمره بمناجزة الحسين ويتوعده على لسانه إن أرجأ ذلك ، فقتل (ع) صبيحة اليوم الذي ورد فيه الحصين بالرسالة في ليلته " .

                      10 - قال (ع) للبراء بن عازب :

                      " يا براء أيقتل الحسين وأنت حي فلا تنصره ؟ ! " فقال البراء :

                      لا كان ذلك يا أمير المؤمنين، ولما قتل الحسين ندم البراء وتذكر مقالة الامام أمير المؤمنين فكان يقول :

                      " إعظم بها حسرة إذ لم أشهده وأقتل دونه " .

                      11 - قال أمير المؤمنين :

                      " كأني بالقصور وقد شيدت حول قبر الحسين (ع) وكأني بالاسواق وقد حفت حول قبره، ولا تذهب الايام والليالي حتى يسار اليه من الآفاق، وذلك بعد انقطاع بني مروان " .

                      وتحقق ما أخبر به الامام أمير المؤمنين (ع) الذي هو باب مدينة علم النبي (ص) ومستودع أسراره وحكمته، فانه لم تكد تنقرض الدولة الاموية حتى ظهر مرقد ريحانة رسول الله (ص) وأصبح حرم الله الاكبر الذي تهفو اليه قلوب المؤمنين، وتتلهف على زيارته ملايين المسلمين، وتشد اليه الرحال من كل فج عميق، فالسعيد السعيد الذي يحضى بالتبرك بزيارته ويلثم أعتاب مرقده .

                      لقد أصبح مرقده العظيم عند المسلمين وغيرهم رمزا للكرامة الانسانية ومنارا مشرقا لكل تضحية تقوم على الحق والعدل، وعنوانا فذا لاقدس ما يشرف به هذا الحي من بين سائر الاحياء في جميع الاعصار والآباد .

                      وبهذا ينتهي بنا الحديث عن الحلقة الاولى من هذا الكتاب، ونستقبل الامام الحسين (ع) في الحلقة الثانية وهي تعرض للاحداث الرهيبة التي منيت بها الخلافة الاسلامية في عهد الامام علي (ع)، والتي امتحن بها المسلمون امتحانا عسيرا، فقد ادت إلى خذلانه، واجبار الامام الحسن على التنازل عن الخلافة وتسلط الطغمة الاموية على رقاب المسلمين، واخضاعهم للذل، وارغامهم على ما يكرهون، وتدميرهم للقيم العليا التي جاء هذا الدين ليقيمها في ربوع الارض .

                      تعليق


                      • #26
                        اخي سليل الرساله اود ان اسجل حضوري في الموضوع

                        نسألكم الدعاء...

                        وبالتوفيق...

                        تعليق


                        • #27
                          الإمام الحسين في رحيل جده الرسول الأعظم صلوات الله و سلامه عليه



                          عاش الامام الحسين (ع) وهو في ريعان الصبا، وغضارة العمر في كنف جده الرسول الاعظم (ص) وكان يغدق عليه بعطفه، ويفيض عليه بحنانه، ويعمل على توجيهه وتقويمه، حتى توسعت مداركه، ونمت ملكاته وهو في سنه المبكر، وكانت هذه الفترة القصيرة التي عاش مع جده من أهم الفترات وأروعها في تاريخ الاسلام كله، فقد وطد الرسول (ص) فيها أركان دولته، وأقامها على أساس العلم والايمان، وهزم جويش الشرك وفلل قواعد الالحاد، وقام الاسلام على سوقه عبل الذراع مفتول الساعد وأخذت الانتصارات الرائعة تترى على الرسول (ص) وأصحابه، فقد دخل الناس في دين الله أفواجا، أفواجا، وامتد حكم الاسلام على أغلب مناطق الجزيرة العربية .

                          وفي غمرات هذه الانتصارات الرائعة شعر الرسول (ص) بان حياته قد انطوت وأيامه قد انتهت، لانه أدى ما عليه وأقام دينه العظيم يؤدي فعالياته في توجيه الانسان، واقامة سلوكه، فإذن لابد له من الرحيل عن هذه الحياة...

                          ونتحدث عن فصول هذه المأساة الكبرى التي مني بها المسلمون وننظر إلى ما رافقها من الاحداث الخطيرة فانها ترتبط ارتباطا موضوعيا بما نحن فيه، فهي تكشف عن كثير من الاسباب التي أدت إلى ما عاناه الامام الحسين (ع) مع أهل البيت من النكبات والخطوب .

                          علمت سيدة النساء ان لقاء أبيها بربه قريب خفت إلى دارها وصحبت معها ولديها الحسن والحسين، وهي تذرف الدموع، وتطلب مه أن يورثهما شيئا من مكارم نفسه التي عطر شذاها العالم بأسره قائلة :

                          " أبه هذان ولداك فورثهما منك شيئا... " .

                          ويفيض عليهما الرسول ببعض خصائصه وذاتياته التي امتاز بها على سائر النبيين قائلا :

                          " أما الحسن فان له هيبتي وسؤددي، وأما الحسين فان له جرأتي وجودي " .

                          ويقومان الحسنان من عند جدهما وقد ورثا منه الهيبة والسؤدد، والجرأة والجود، وهل هناك مما تحويه هذه الارض أثمن وأعز من هذا الميراث الذي لا صلة له بعالم المادة وشؤونها، وانما يحوى كمالات النبوة وخصائصها .

                          وصية النبي بالسبطين :

                          وأوصى النبى (ص) الامام عليا برعاية سبطيه، وكان ذلك قبل موته بثلاثة ايام، فقد قال له :

                          " يا أبا الريحانتين أوصيك بريحانتي من الدنيا فعن قليل ينهدم ركناك والله خليفتي عليك... " .

                          ولما قبض الرسول (ص) قال علي :

                          " هذا أحد ركني الذي قال لي رسول الله " .

                          فلما ماتت فاطمة قال علي :

                          " هذا الركن الثاني الذي قال لي رسول الله (ص) " .

                          لوعة النبي على الحسين :

                          وخف الامام الحسين (ع) إلى جده الرسول (ص) حينما كان يعانى آلام المرض وشدائد الاحتضار، فلما رآه ضمه إلى صدره وذهل عن آلام مرضه وجعل يقول :

                          " مالي وليزيد، لا بارك الله فيه، اللهم يزيد... " .

                          ثم غشي عليه طويلا، فلما أفاق أخذ يوسع الحسين تقبيلا، وعيناه تفيضان بالدموع، وهو يقول :

                          " أما ان لي ولقاتلك مقاما بين يدي الله عزوجل " .

                          لقد تمثلت كارثة الحسين (ع) أمام جده الرسول وهو في ساعاته الاخبرة فزادته آلاما وأحزانا



                          الإمام الحسين في عصر أبيه

                          وامتزجت عواطف الامام امير المؤمنين بعواطف ولده الحسين ، وتفاعلت روحه مع روحه حتى صار صورة فذة عنه تحكي واقعة وهديه .

                          لقد أفاض الامام جميع ذاتياته في نفس ولده الحسين، ومنحه حبه واخلاصه، وزوده بأروع حكمه وآدابه، وقد بلغ من عظيم حبه أنه لم يسمح له بالدخول في عمليات الحروب أيام صفين كما لم يسمح لاخيه الحسن بذلك لئلا ينقطع بموتهما نسل رسول الله (ص)، وقد انطبعت مثل الامام وسائر اتجاهاته الفكرية في نفس الحسين فكان كأبيه في ثورته على الظلم والباطل، ومناهضته للبغي والجور، وتفانيه في سبيل الحق والعدل وتنبيه لجميع وسائل الاصلاح والخير .

                          لقد كان كأبيه في بسالته وصموده، وعزة نفسه، وأبائه، وشممه وقد اعترف بهذه الظاهرة اعداؤه يوم الطف فانهم لما عرضوا عليه الاستسلام لابن مرجانة، والخضوع لارادته، قال بعضهم :

                          إنه لا يستجيب لكم فان نفس أبيه بين جنبيه، لقد كانت نفس أبيه عملاق هذه الامة ورائدها الاعلى إلى العزة والكرامة ماثلة بجميع مظاهرها ومقوماتها في نفس الامام الحسين حتى كأنه لم يعد هناك تعدد في الوجود بين الاب وولده، فكانا معا من ألمع من تعتز بهما الانسانية في جميع الاجيال.

                          اخبار الامام بمقتل الحسين :

                          واشاع الامام بين الناس مقتل ولده الحسين، كما أشاع ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وقد أدلى الامام بذلك في كثير من المناسبات، وهذه بعضها :

                          1 - روى عبد الله بن يحيى عن ابيه انه سافر مع علي إلى صفين، وكان صاحب مطهرته، فلما حاذوا نينوى، تأثر الامام، ورفع صوته قائلا :

                          " صبرا أبا عبد الله، صبرا أبا عبد الله، بشط الفرات ! " .

                          فذهل يحيى، وانبرى يقول :

                          " من ذا أبو عبد الله ؟ " .

                          فاجابه الامام وقلبه يتقطع الما وحزنا قائلا :

                          " دخلت على رسول الله (ص) وعيناه تفيضان، فقلت يا نبي الله اغضبك أحد ؟ ما شأن عينيك تفيضان ؟ قال :

                          قام من عندي جبرئيل فحدثني ان الحسين يقتل بشط الفرات، وقال :

                          هل لك أن أشمك من تربته ؟ قال :

                          قلت :

                          نعم فقبض قبضة فاعطانيها، فلم أملك عيني أن فاضتا " .

                          2 - حدث هرثمة بن سليم قال :

                          عزونا مع علي بن أبي طالب غزوة صفين، فلما نزلنا بكربلا صلى بنا صلاة، فلما سلم رفع إليه من تربتها فشمها ثم قال :

                          " واها لك أيتها التربة، ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب " .

                          وبهر هرثمة.

                          وظل حديث الامام يراوده في كل فترة، وكان منكرا له فلما رجع إلى زوجته جرداء بنت سمير، وكانت شيعة لعلي حدثها بما سمعه من الامام، فقالت له :

                          " دعنا منك أيها الرجل فان أمير المؤمنين لم يقل إلا حقا " .

                          ولم تمض الايام حتى بعث ابن زياد بجيوشه لحرب ريحانة رسول الله وكان فيهم هرثمة فلما انتهى إلى كربلا ورأى الحسين واصحابه تذكر قول الامام أمير المؤمنين فكره حربه، وأقبل على الامام الحسين، وأخبره بما سمعه من أبيه، فقال له الامام :

                          - معنا أنت أو علينا ؟ - لا معك، ولا عليك، تركت أهلي وولدي، وأخاف عليهم من ابن زياد .

                          فنصحه الامام، وقال له :

                          " ول هاربا حتى لا ترى لنا مقتلا، فوالذي نفس محمد بيده لا يرى مقتلنا اليوم رجل، ولا يغيثنا إلا أدخله الله النار.." .

                          وانهزم هرثمة من كربلا ولم يشهد مقتل الامام الحسين .

                          3 - وروى أبوجعفة قال :

                          جاء عروة البارقي إلى سعيد بن وهب فسأله وأنا أسمع، فقال :

                          حديث حدثتنيه عن علي بن أبي طالب قال :

                          نعم، بعثني مخنف بن سليم إلى علي فاتيته بكربلا فوجدته يشير بيده ويقول :

                          " هاهنا، هاهنا " .

                          فبدر اليه رجل فقال له :

                          " ما ذلك يا أمير المؤمنين ؟ " .

                          قال (ع) :

                          " ثقل لآل محمد ينزل هاهنا فويل لهم منكم، وويل لكم منهم " .

                          ولم يعرف الرجل معنى كلامه، فقال :

                          " ما معنى هذا الكلام يا أمير المؤمنين ؟ ! ! " .

                          فقال (ع) : " ويل لهم منكم تقتلونهم، وويل لكم منهم يدخلكم الله بقتلهم النار " .

                          4 - روى الحسن بن كثير عن أبيه أن عليا أتى كربلاء فوقف بها فقيل له :

                          " يا أمير المؤمنين هذه كربلاء " .

                          فاجاب والالم يحز في نفسه قائلا :

                          " ذات كرب وبلاء، ثم أومأ بيده إلى مكان فقال :

                          هاهنا موضع رحالهم ومناخ ركابهم، وأومأ بيده إلى موضع آخر فقال :

                          هاهنا مهراق دمائهم " .

                          5 - روى أبوهريمة قال :

                          كنت مع علي بنهر كربلا فمر بشجرة تحتها بعر غزلان فأخذ من التراب قبضة فشمها، ثم قال :

                          " يحشر من هذا الظهر سبعون الفا يدخلون الجنة بغير حساب " .

                          6 - روى أبوخيرة قال :

                          صحبت عليا حتى أتى الكوفة، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال :

                          - كيف أنتم إذا نزل بذرية نبيكم بين ظهرانيكم ؟ - إذا نبلي الله فيهم بلاءا حسنا .

                          فاجابهم الامام :

                          " والذي نفسي بيده لينزلن بين ظهرانيكم، ولتخرجن اليهم فلتقتلنهم ثم أقبل يقول :

                          هم أوردوه بالغرور وغردوا * اجيبوا دعاه لا نجاة ولا عذرا

                          7 - روى الطبراني بسنده عن علي انه قال :

                          " ليقتلن الحسين ، واني لاعرف التربة التي يقتل فيها بين النهرين " .

                          8 - روى ثابت عن سويد بن غفلة أن عليا (ع) خطب ذات يوم فقام رجل من تحت منبره، فقال :

                          يا أمير المؤمنين إني مررت بوادي القرى، فوجدت خالد بن عرفطة قد مات، فاستغفر له فقال (ع) :

                          " والله ما مات ولا يموت حتى يقود جيش ضلالة، صاحب لوائه حبيب بن حمار " .

                          فقام اليه رجل ورفع عقيرته قائلا :

                          " يا أمير المؤمنين، أنا حبيب بن حمار، واني لك شيعة ومحب " .

                          فقال الامام :

                          " أنت حبيب بن حمار ؟ " .

                          " نعم " .

                          وكرر الامام قوله :

                          " أنت حبيب " وهو يقول :

                          نعم، فقال (ع) :

                          " اي والله إنك لحاملها، ولتحملنها، ولتدخلن من هذا الباب - واشار إلى باب الفيل بمسجد الكوفة -.." .

                          قال ثابت :

                          والله ما مت حتى رأيت ابن زياد، وقد بعث عمر بن سعد إلى الحسين بن علي، وجعل خالد بن عرفطة على مقدمته، وحبيب ابن حمار صاحب رايته فدخل بها من باب الفيل .

                          9 - وخطب الامام أمير المؤمنين فكان من جملة خطابه :

                          " سلوني قبل أن تفقدوني، فوالله لا تسألوني عن فئة تضل مائة، أو تهدي مائة إلا نبأتكم بناعقها وسائقها، ولو شئت لاخبرت كل واحد منكم بمخرجه ومدخله، وجميع شأنه " فانبرى إليه الوغد الخبيث تميم بن اسامة التميمي فقال ساخرا ومستهزءا : " كم في رأسي طاقة شعر ؟.." .

                          فرمقه الامام بطرفه وقال له :

                          " أما والله إني لاعلم ذلك، ولكن أين برهانه لو اخبرتك به :

                          ولقد اخبرتك بقيامك ومقالك، وقيل لي :

                          إن على كل شعرة من شعر رأسك ملكا يلعنك، وشيطانا يستفزك، وآية ذلك أن في بيتك سخلا يقتل ابن رسول الله (ص)، ويحض على قتله...".

                          يقول ابن أبي الحديد :

                          " فكان الامر بموجب ما أخبر به عليه السلام كان ابنه حصين - بالصاد المهملة - يومئذ طفلا صغيرا يرضع اللبن، ثم عاش إلى ان صار على شرطة عبيدالله بن زياد، وأخرجه عبيدالله إلى عمرو بن سعد يأمره بمناجزة الحسين ويتوعده على لسانه إن أرجأ ذلك ، فقتل (ع) صبيحة اليوم الذي ورد فيه الحصين بالرسالة في ليلته " .

                          10 - قال (ع) للبراء بن عازب :

                          " يا براء أيقتل الحسين وأنت حي فلا تنصره ؟ ! " فقال البراء :

                          لا كان ذلك يا أمير المؤمنين، ولما قتل الحسين ندم البراء وتذكر مقالة الامام أمير المؤمنين فكان يقول :

                          " إعظم بها حسرة إذ لم أشهده وأقتل دونه " .

                          11 - قال أمير المؤمنين :

                          " كأني بالقصور وقد شيدت حول قبر الحسين (ع) وكأني بالاسواق وقد حفت حول قبره، ولا تذهب الايام والليالي حتى يسار اليه من الآفاق، وذلك بعد انقطاع بني مروان " .

                          وتحقق ما أخبر به الامام أمير المؤمنين (ع) الذي هو باب مدينة علم النبي (ص) ومستودع أسراره وحكمته، فانه لم تكد تنقرض الدولة الاموية حتى ظهر مرقد ريحانة رسول الله (ص) وأصبح حرم الله الاكبر الذي تهفو اليه قلوب المؤمنين، وتتلهف على زيارته ملايين المسلمين، وتشد اليه الرحال من كل فج عميق، فالسعيد السعيد الذي يحضى بالتبرك بزيارته ويلثم أعتاب مرقده .

                          لقد أصبح مرقده العظيم عند المسلمين وغيرهم رمزا للكرامة الانسانية ومنارا مشرقا لكل تضحية تقوم على الحق والعدل، وعنوانا فذا لاقدس ما يشرف به هذا الحي من بين سائر الاحياء في جميع الاعصار والآباد .

                          تعليق


                          • #28
                            الإمام الحسين في حكومة يزيد بن معاوية

                            وتسلم يزيد بعد هلاك أبيه قيادة الدولة الاسلامية، وهو في غضارة العمر، لم تهذبه الايام ولم تصقله التجارب، وانما كان - فيما اجمع عليه المؤرخون - موفور الرغبة في اللهو والقنص والخمر والنساء وكلاب الصيد وممعنا كل الامعان في اقتراف المنكر والفحشاء، ولم يكن حين هلاك أبيه في دمشق، وانما كان في رحلات الصيد في حوارين الثنية فارسل إليه الضحاك بن قيس رسالة يعزيه فيها بوفاة معاوية، ويهنئه بالخلافة ، ويطلب منه الاسراع الى دمشق ليتولى أزمة الحكم، وحينما قرا الرسالة اتجه فورا نحو عاصمته في ركب من أخواله، وكان ضخما كثير الشعر ، وقد شعث في الطريق وليس عليه عمامة، ولا منقلدا بسيف، فاقبل الناس يسملون عليه، ويعزونه، وقد عابوا عليه ما هو فيه، وراحوا يقولون :

                            " هذا الاعرابي الذي ولاه معاوية أمر الناس، والله ساله عنه "

                            خطاب يزيد في أهل الشام :

                            وخطب في أهل الشام خطابا أعلن فيه عن عزمه وتصميمه على الخوض في حرب مدمرة مع أهل العراق، وهذا نصه :

                            " يا أهل الشام فان الخير لم يزل فيكم، وسيكون بيني وبين أهل العراق حرب شديد، وقد رايت في منامي كان نهرا يجري بيني وبينهم دما عبيطا، وجعلت أجهد في منامي أن أجوز ذلك النهر فلم اقدر على ذلك حتى جاءني عبيد الله بن زياد فجازه بين يدي، وأنا أنظر إليه." .

                            وانبرى أهل الشام فاعلنوا تاييدهم ودعمهم الكامل له قائلين :

                            " يا امير المؤمنين امض بنا حيث شئت " واقدم بنا على من أحببت فنحن بين يديك، وسيوفنا تعرفها أهل العراق في يوم صفين.

                            " فشكرهم يزيد واثنى على اخلاصهم وولائهم له وقد بات من المقطوع به عند أوساط الشام ان يزيد سيعلن الحرب على أهل العراق لكراهتهم لبيعة، وتجاوبهم مع الامام الحسين .

                            مع المعارضة في يثرب :

                            ولم يرق ليزيد أن يرى جبهة معارضة، لا تخضع لسلطانه، ولا تدين بالولاء لحكومته وقد عزم على التنكيل بها بغير هوادة، فقد استتبت له الامور وخضعت له الرقاب، وصارت أجهزة الدولة كلها بيده فما الذي يمنعه من ارغام اعدائه ومناوئيه .

                            وأهم ما كان يفكر به من المعارضين الامام الحسين (ع) لانه يتمتع بنفوذ واسع النطاق، ومكانة مرموقة بين المسلمين فهو حفيد صاحب الرسالة وسيد شباب أهل الجنة، أما ابن الزبير فلم تكن له تلك الاهمية البالغة في نفسها .

                            الاوامر المشددة الى الوليد :

                            وأصدر يزيد أوامره المشددة الى عامله على يثرب الوليد بن عتبة بارغام المعارضين له على البيعة، وقد كتب إليه رسالة :

                            1 - رواها الطبري والبلاذري، وهذا نصها :

                            " أما بعد، فخذ حسينا، وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير أخذا شديدا ليست فيه رخصة حتى يبايعوا والسلام ".

                            2 - رواها اليعقوبي وهذا نصها :

                            " اذا أتاك كتابي فاحضر الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير، فخذهما بالبيعة فان امتنعا فاضرب أعناقهما، وابعث إلي برؤوسهما وخذ الناس بالبيعة فمن امتنع فانفذ فيه الحكم، وفي الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير والسلام " .

                            وليس في الرواية الثانية ذكر لعبد الله بن عمر، واكبر الظن أنه أضيف اسمه الى الحسين وابن الزبير لالحاقه بالجبهة المعارضة وتبريره من التاييد السافر لبيعة يزيد .

                            بفي هنا شئ وهو أن هذه الرسالة قد وصفها المؤرخون كانها اذان فارة لصغرها ولعل السبب في ارسالها بهذا الحجم هو ان يزبد قد حسب ان الوليد سينفذ ما عهد إليه من قتل الحسين وابن الزبير، ومن الطبيعي ان لذك كثيرا من المضاعفات السيئة ومن أهمها ما يلحقه من التذمر والسخط الشامل بين المسلمين فاراد أن يجعل التبعة على الوليد، وأنه لم يعهد إليه بقتلهما، وانه لو أمره بذلك لا صدر مرسوما خاصا مطولا به .

                            وحمل الرسالتين زريق مولى فاخذ يجذ في السير لا يلوي على شئ حتى انتهى الى يثرب وكان معه عبد الله بن سعد بن أبى سرح متلثما لا يبدو منه الا عيناه فصادفه عبد الله بن الزبير فاخذ بيده وجعل يساله عن معاوية وهو لا يجيبه، فقال له :

                            امات معاوية ؟ فلم يكلمه بشئ فاعتقد بموت معاوية، وقفل مسرعا الى الحسين وأخبره الخبر ، فقال له الحسين :

                            إني أظن ان معاوية قد مات، فقد رايت البارحة في منامي كان منبر معاوية منكوس، ورايت داره تشتعل نارا فاولت ذلك في نفسي بموته .

                            واقبل زريق الى دار الوليد فقال للحاجب استاذن لي، فقال قد دخل ولا سبيل إليه، فصاح به زريق :

                            انى جئته بامر، فدخل الحاجب وأخبره بالامر فاذن له، وكان جالسا على سرير فلما قرا كتاب يزيد بوفاة معاوية جزع جزعا شديدا، وجعل يقوم على رجليه، ويرمي بنفسه على فراشه .

                            فزع الوليد :

                            وفزع الوليد مما عهد إلى يزيد من التنكيل بالمعارضين، فقد كان على يقين من أن أخذ البيعة من هؤلاء النفر ليس بالامر السهل، حتى يقابلهم بالعنف، او يضرب أعناقهم - كما أمره يزيد - ان هؤلاء النفر لم يستطع معاوية مع ما يتمتع به من القابليات الدبلوماسية أن يخضعهم لبيعة يزيد، فكيف يصنع الوليد أمرا عجز عنه معاوية .

                            استشارته لمروان :

                            وحار الوليد في امره فراى انه في حاجة الى مشورة مروان عميد الاسرة الاموية فبعث خلفه، فاقبل مروان وعليه قميص أبيض وملاه موردة فنعى إليه معاوية فجزع مروان وعرض عليه ما أمره يزيد من ارغام المعارضين على البيعة له واذا اصروا على الامتناع فيضرب أعناقهم ، وطلب من مروان أن يمنحه النصيحة، ويخلص له في الراي .

                            راي مروان :

                            واشار مروان على الوليد فقال له :

                            ابعث إليهم في هذه الساعة فتدعوهم الى البيعة والدخول في طاعة يزيد، فان فعلوا قبلت ذلك منهم ، وان ابوا قدمهم، واضرب أعناقهم قبل أن يدروا بموت معاوية، فانهم إن عملوا ذلك وثب كل رجل منهم فاظهر الخلاف، ودعا إلى نفسه ، فعند ذلك اخاف أن ياتيك من قبلهم مالا قبل لك به، الا عبد الله بن عمر فانه لا ينازع في هذا الامر أحدا...مع اني اعلم ان الحسين بن علي لا يجيبك إلى بيعة يزيد، ولا يرى له عليه طاعة، ووالله لو كنت في وضعك لم اراجع الحسين بكلمة واحدة حتى أضرب رقبته كاننا في ذلك ما كان .

                            وعظم ذلك على الوليد وهو احنك بني أمية وأملكهم لعقله ورشده فقال لمروان :

                            " يا ليت الوليد لم يولد ولم يك شيئا مذكورا.

                            " .

                            فسخر منه مروان وراح يندد به قائلا :

                            " لا تجزع مما قلت لك :

                            فان آل أبي تراب هم الاعداء من قديم الدهر ولم يزالوا وهم الدين قتلوا الخليفة عثمان بن عفان، ثم ساروا إلى أمير المؤمنين - يعني معاوية - فحاربوه..." .

                            ونهره الوليد فقال له :

                            " ويحك يا مروان عن كلامك هذا، واحسن القول في ابن فاطمة فانه بقية النبوة " .

                            واتفق رايهم على استدعاء القوم، وعرض الامر عليهم للوقوف على مدى تجاوبهم مع السلطة في هذا الامر .

                            استدعاء الحسين :

                            وأرسل الوليد في منتصف الليل عبد الله بن عمرو بن عثمان وهو غلام حدث خلف الحسين وابن الزبير، وانما بعثه في هذا الوقت لعله يحصل على الوفاق من الحسين ولو سرا على البيعة ليزيد، وهو يعلم انه اذا اعطاه ذلك فلن يخيس بعهده، ولن يتخلف عن قوله .

                            ومضى الفتى يدعو الحسين وابن الزبير للحضور عند الوليد فوجدهما في مسجد النبي (ص) فدعاهما إلى ذلك فاستجابا له، وأمراه بالانصراف وذعر ابن الزبير، فقال للامام :

                            - ما تراه بعث إلينا في هذه الساعة التي لم يكن يجلس فيها ؟ - أظن أن طاغيتهم - يعني معاوية - قد هلك فبعث إلينا بالبيعة قبل أن يفشو بالناس الخبر .

                            - وأنا ما أظن غيره فما تريد أن تصنع ؟ - اجمع فتياني الساعة، ثم اسير إليه، واجلسهم على الباب .

                            - إني اخاف عليك اذا دخلت .

                            - لا آتيه إلا وأنا قادر على الامتناع .

                            وانصرف أبو عبدالله الى منزله فاغتسل، وصلى ودعا الله وأمر أهل بيته بلبس السلاح والخروج معه، فخفوا محدقين به، فامرهم بالجلوس على باب الدار، وقال لهم :

                            اني داخل فاذا دعوتكم أو سمعتم صوتي قد علا فادخلوني علي باجمعكم، ودخل الامام على الوليد فراى مروان عنده وكانت بينهما قطيعة فامرهما الامام بالتقارب والاصلاح، وترك الاحقاد ، وكانت سجية الامام (ع) التي طبع عليها الاصلاح حتى مع أعدائه وخصومه، فقال (ع) لهما :

                            " الصلة خير من القطيعة، والصلح خير من الفساد، وقد آن لكما أن تجتمعا، اصلح الله ذا بينكما.

                            "ولم يجيباه بشئ فقد علاهما صمت رهيب، والتفت الامام إلى الوليد فقال له :

                            هل اتاك من معاوية خير ؟ فانه كان عليلا وقد طالت علته، فكيف حاله الان ؟ فقال الوليد بصوت خافت حزين النبرات :

                            " آجرك الله في معاوية فقد كان لك عم صدوق، وقد ذاق الموت وهذا كتاب أمير المؤمنين يزيد...".

                            فاسترجع الحسين، وقال له :

                            " لماذا دعوتني ؟ " .

                            " دعوتك للبيعة " فقال (ع) :

                            إن مثلي لا يبايع سرا، ولا يجنزئ بها مني سرا ، فاذا خرجت الى الناس ودعتهم للبيعة، دعوتنا معهم كان الامر واحدا .

                            لقد طلب الامام تاجيل الامر الى الصباح، حتى يعقد اجتماع جماهيري فيدلي برايه في البيعة ليزيد، ويستنهض همم المسلمين على الثورة والاطاحة بحكمه، وكان الوليد - فيما يقول المؤرخون - بحب العافية ويكره الفتنة فشكر الامام على مقالته، وسمح له بالانصراف الى داره ، وانبرى الوغد الخبيث مروان بن الحكم وهو مغيظ محنق فصاح بالوليد " " لئن فارقك الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبدا حتى تكثر القتلى بينكم وبينه، احبسه فان بايع والا ضربت عنقه " .

                            ووثب أبو عبدالله الى الوزغ ابن الوزغ فقال له :

                            " يابن الزرقاء أأنت تقتلني أم هو ؟ كذبت والله ولؤمت " .

                            وأقبل على الوليد فاخبره عن عزمه وتصميمه على رفض البيعة ليزيد قائلا :

                            " أيها الامير إنا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة ومحل الرحمة، بنا فتح الله، وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق، شارب خمر قاتل النفس المحرمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون، وننظر، وتنظرون أينا أحق بالخلافة والبيعة " .

                            وكان هذا اول اعلان له على الصعيد الرسمي - بعد هلاك معاوية - في رفض البيعة ليزيد، وقد أعلن ذلك في بيت الامارة ورواق السلطة بدون مبالاة ولا خوف ولا ذعر .

                            وكانت كلمة الحق الصارخة التي أعلنها ابو الاحرار قد احدثت استياء في نفس مروان فاندفع يعنف الوليد ويلومه على اطلاق سراحه قائلا :

                            " عصيتني ! لا والله لا يمكنك مثلها من نفسه أبدا " .

                            وتاثر الوليد من منطق الامام، وتيقظ ضميره فاندفع يرد أباطيل مروان قائلا :

                            " ويحك ! ! انك أشرت علي بذهاب ديني ودنياي، والله ما أحب أن أملك الدنيا باسرها، واني قتلت حسينا :

                            سبحان الله ! ! اأقتل حسينا ان قال :

                            لا ابايع، والله ما اظن احدا يلقى الله بدم الحسين الا وهو خفيف الميزان، لا ينظر الله إليه يوم القيامة، ولا يزكيه وله عذاب اليم " وسخر منه مروان وطفق يقول :

                            " اذا كان هذا رايك فقد اصبت ! ! ".

                            وعزم الحسين على مغادرة يثرب والتوجه الى مكة ليلوذ بالبيت الحرام ويكون بمامن من شرور الامويين واعتدائهم .

                            تعليق


                            • #29
                              الحسين عليه السلام مع (مروان) :

                              والتقىالحسين في أثناء الطريق بمروان بن الحكم في صبيحة تلك الليلة التي اعلن فيها رفضه لبيعة يزيد، فبادره مروان قائلا :

                              " اني ناصح، فاطعني ترشد وتسدد.." .

                              " وما ذاك يا مروان ؟ " .

                              " اني آمرك ببيعة امير المؤمنين يزيد فانه خير لك في دينك ودنياك.

                              " والتاع كأشد ما تكون اللوعة واسترجع، وأخذ يرد على مقالة مروان ببليغ منطقه قائلا :

                              " على الإسلام السلام، إذ قد بليت الامة براع مثل يزيد، ويحك يا مروان ! ! أتامرني ببيعة يزيد، وهو رجل فاسق :

                              لقد قلت :

                              شططا من القول..

                              لا الومك على قولك، لانك اللعين الذي لعنك رسول الله (ص) وأنت في صلب أبيك الحكم بن أبي العاص وأضاف الامام يقول :

                              " إليك عني يا عدو الله ! ! فانا أهل البيت رسول الله (ص) والحق فينا، وبالحق تنطق ألسنتنا، وقد سمعت رسول الله (ص) يقول :

                              الخلافة محرمة على آل أبي سفيان، وعلى الطلقاء وابناء الطلقاء، وقال :

                              اذا رايتم معاوية على منبري فابقروا بطنه، فوالله لقد راه أهل المدينة على منبر جدي فلم يفعلوا ما أمروا به.." :

                              وتميز الخبيث الدنس مروان غيظا وغضبا، واندفع يصيح :

                              " والله لا تفارقني أو تبايع ليزيد صاغرا فانكم آل أبي تراب، قد اشربتم بغض آل أبي سفيان، وحق عليكم أن تبغضوهم، وحق عليهم أن يبغضوكم " وصاح به الامام :

                              " إليك عني فانك رجس، وأنا من أهل بيت الطهارة الذين انزل الله فيهم على نبيه (ص) :

                              " انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " .

                              ولم يطق مروان الكلام، وقد تحرق ألما وحزنا، فقال له الامام :

                              " ابشر يابن الزرقاء بكل ما تكره من الرسول (ص) يوم تقدم على ربك فيسالك جدي عن حقي وحق يزيد.." .

                              وانصرف مروان مسرعا الى الوليد فاخبره بمقالة الحسين له .

                              اتصال الوليد بدمشق :

                              وأحاط الوليد يزيد علما بالاوضاع الراهنة في يثرب، وعرفه بامتناع الحسين (ع) من البيعة، وانه لا يرى له طاعة عليه، ولما فهم يزيد بذلك تمير غيظا وغضبا .

                              الاوامر المشددة من دمشق :

                              وأصدر يزيد أوامره المشددة الى الوليد باخذ البيعة من أهل المدينة ثانيا، وقتل الحسين (ع) وارسال راسه إليه وهذا نص كتابه .

                              " من عبد الله يزيد أمير المؤمنين الى الوليد بن عتبة، أما بعد :

                              فاذا ورد عليك كنا هذا فخذ البيعة ثانيا على أهل المدينة بتوكيد منك عليهم وذر عبد الله بن الزبير فانه لن يفوت أبدا مادام حيا، وليكن مع جوابك إلي براس الحسين بن علي، فان فعلت ذلك، فقد جعلت لك أعنة الخيل ولك عندي الجائزة، والحظ الاوفر والنعمة والسلام.." .

                              رفض الوليد :

                              ورفض الوليد رسميا ما عهد إليه يزيد من قتل الحسين، وقال :

                              لا والله لا يراني الله قاتل الحسين بن علي..

                              لا أقتل ابن بنت رسول الله (ص ) ولو أعطاني يزيد الدنيا بحذافيرها وقد جاءته هذه الرسالة بعد مغادرة الامام يثرب الى مكة .

                              وداع الحسين لقبر جده :

                              وخف الحسين (ع) في الليلة الثانية الى قبر جده (ص) وهو حزين كثيب ليشكو إليه ظلم الظالمين له، ووقف أمام القبر الشريف - بعد أن صلى ركعتين - وقد ثارت مشاعره وعواطفه، فاندفع يشكو الى الله ما ألم به من المحن والخطوب قائلا :

                              " اللهم إن هذا قبر نبيك محمد، وأنا ابن بنت محمد، وقد حضرني من الامر ما قد علمت، اللهم اني أحب المعروف وانكر المنكر، وأنا اسالك يا ذا الجلال والاكرام بحق هذا القبر ومن فيه الا ما اخترت لي ما هو لك رضى ولرسولك رضى.

                              رؤيا الحسين لجده :

                              وأخذ الحسين يطيل النظر الى قبر جده، وقد وثقت نفسه أنه لا يتمتع برؤيته، وانفجر بالبكاء، وقبل أن يندلع نور الفجر غلبه النوم فراى جده الرسول (ص) قد اقبل في كتيبة من الملائكة فضم الحسين الى صدره وقبل ما بين عينيه، وهو يقول له :

                              " يا بني كأنك عن قريب اراك مقتولا مذبوحا بأرض كرب وبلاء، بين عصابة من أمتي، وانت مع ذلك عطشان لا تسقى، وظمان لا تروى، وهم مع ذلك يرجون شفاعتي يوم القيامة، فما لهم عند الله من خلاق .

                              حبيبي يا حسين إن أباك وأمك وأخاك قد قدموا علي، وهم إليك مشتاقون ان لك في الجنة درجات لن تنالها إلا بالشهادة..." .

                              وجعل الحسين يطيل النظر إلى جده (ص) ويذكر عطفه وحنانه عليه فازداد وجيبه، وتمثلت أمامه المحن الكبرى التي يعانيها من الحكم الاموي فهو اما ان يبايع فاجر بني أمية أو يقتل، وأخذ يتوسل الى جده ويتضرع اليه قائلا :

                              " يا جداه لا حاجة لي في الرجوع الى الدنيا، فخذني إليك ، وادخلني معك الى منزلك " .

                              والتاع النبي (ص) فقال له :

                              " لا بد لك من الرجوع الى الدنيا، حتى ترزق الشهادة، وما كتب الله لك فيها من الثواب العظيم فانك، واباك، وأخاك، وعمك، وعم أبيك تحشرون يوم القيامة، في زمرة واحدة حتى تدخلوا الجنة ".

                              واستيقظ الحسين فزعا مرعوبا قد ألمت به تيارات من الاسى والاحزان وصار على يقين لا يخامره أدنى شك انه لا بد أن يرزق الشهادة، وجمع أهل بيته فقص عليهم رؤياه الحزينة، فطافت بهم الالام، وأيقنوا بنزول الرزء القاصم، ووصف المؤرخون شدة حزنهم، بانه لم يكن في ذلك اليوم لا في شرق الارض ولا في غربها أشد غما من أهل البيت رسول الله (ص ) ولا أكثر باكية وباك منهم .

                              وداعه لقبر امه وأخيه :

                              وتوجه الحسين في غلس الليل البهيم الى قبر امه وديعة النبي (ص ) وبضعته، ووقف امام قبرها الشريف مليا، وهو يلقى عليه نظرات الوداع الاخير، وقد تمثلت امامه عواطفها الفياضة، وشدة حنوها عليه، وقد ود أن تنشق الارض لتواريه معها، وانفجر بالبكاء، وودع القبر وداعا حارا، ثم انصرف الى قبر أخيه الزكي أبي محمد، فاخذ يروي ثرى القبر من دموع عينيه، وقد ألمت به الالام والاحزان، ثم رجع إلى منزله ، وهو غارق بالاسى والشجون .

                              فزع الهاشميات :

                              ولما عزم الامام على مغادرة يثرب واللجوء الى مكة اجتمعن السيدات من نساء بني عبد المطلب، وقد جاشت عواطفهن بالاسى والحزن :

                              فقد تواترت عليهن الانباء عن رسول الله (ص) عن مقتل ولده الحسين ، وجعلن ينحن، وتعالت أصواتهن بالبكاء، وكان منظرا مفزعا، وانبرى إليهن الحسين، وهو رابط الجاش

                              واقبلت عليه بعض عماته، وهي شاحبة اللون، فقالت بنبرات منقطعة بالبكاء لقد سمعت هاتفا يقول :

                              وان قتيل الطف من آل الهاشم * اذل رقابا من قريش فذلت

                              وجعل الامام (ع) يهدا أعصابهم، يامرها بالخلود الى الصبر ، كما أمر سائر السيدات من بني عبد المطلب بذلك .

                              مع أخيه ابن الحنفية :

                              وفزع محمد بن الحنيفة الى الحسين، فجاء يتعثر في خطاه، وهو لا يبصر طريقه من شدة الحزن والاسى، ولما استقر به المجلس اقبل على الحسين قال له بنبرات مشفوعة بالاخلاص والحنو عليه .

                              " يا أخي فدتك نفسي، أنت أحب الناس إلي، وأعزهم علي ، ولست والله أدخر النصيحة لاحد من الخلق، وليس أحد أحق بها منك فانك كنفسي وروحي، وكبير أهل بيتي، ومن عليه اعتمادي، وطاعته في عنقه لان الله تبارك وتعالى قد شرفك وجعلك من سادات أهل الجنة واني اريد أن اشير عليك برايي فاقبله مني..." .

                              لقد عبر محمد بهذا الحديث الرقيق عن عواطفه الفياضة المترعة بالولاء والاكبار لاخيه، واقبل عليه الامام فقال له محمد :

                              " اشير عليك أن تتنخ ببيعتك عن يزيد بن معاوية وعن الامصار ما استطعت، ثم ابعث برسلك الى الناس، فان بايعوك حمدت الله على ذلك وان اجتمعوا على غيرك لم ينقض الله بذلك دينك، ولا عقلك، ولم تذهب مروءتك، ولا فضلك، واني اخاف عليك أن تدخل مصرا من هذه الامصار فيختلف الناس بينهم فطائفة معك، وأخرى عليك، فيقتتلون ، فتكون لاول الاسنة غرضا، فاذا خير هذه الامة كلها نفسا وأبا وأما أضيعها دما واذلها اهلا.." .

                              وبادر الامام الحسين فقال له :

                              " اين أذهب ؟ " " تنزل مكة فان اطمانت بك الدار، والا لحقت بالرمال، وشعب الجبال وخرجت من بلد الى آخر حتى ننظر ما يصير إليه أمر الناس ، فانك اصوب ما تكون رايا واحزمهم عملا، حتى تستقل الامور استقبالا ولا تكون الامور أبدا اشكل عليك منها حتى تستدبرها استدبارا ".

                              وانطلق الامام وهو غير حافل بالاحداث، فاخبره عن عزمه وتصميمه الكامل على رفض البيعة ليزيد قائلا :

                              " يا أخي :

                              لو لم يكن في الدنيا ملجا ولا ماوى لما بايعت يزيد ان معاوية " .

                              وانفچر ابن الحنفية بالبكاء، فقد أيقن بالرزء القاصم، واستشف ماذا سيجري على أخيه من الرزايا والخطوب، وشكر الامام نصيحته وقال له :

                              " يا اخى :

                              جزاك الله خيرا لقد نصحت، وأشرت بالصواب ، وأنا عازم على الخروج الى مكة، وقد تهيات لذلك أنا واخوتي وبنو أخي وشيعتي أمرهم أمري، ورايهم رايي، وأما أنت فلا عليك أن تقيم بالمدينة فتكون لي عينا لا تخف عني شيئا من امورهم ".

                              وصيته لابن الحنفية :

                              وعهد الامام بوصيته الخالدة إلى أخيه ابن الحنفية، وقد تحدث فيها عن أسباب ثورته الكبرى على حكومة يزيد وقد جاء فيها بعد البسملة :

                              " هذاا ما أوصى به الحسين بن علي الى أخيه محمد بن الحنفية، ان الحسين يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وان محمدا عبده ورسوله جاء بالحق من عنده، وان الجنة حق، والنار حق، وان الساعة آتية لا ريب فيها، وان الله يبعث من في القبور .

                              واني لم أخرج أشرا، ولا بطرا، ولا مفسدا، ولا ظالما، وانما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي (ص) أريد أن آمر بالمعروف وانهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق، فالله اولى بالحق، ومن رد علي اصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين .

                              " وهذه وصيتي إليك يا أخي، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب " .

                              وتهيا الامام بعد وصيته لاخيه محمد الى السفر الى مكة ليلتقي بحجاج بيت الله الحرام وغيرهم، ويعرض عليهم الاوضاع الراهنة في البلاد ، وما تعانيه الامة من الازمات والاخطار في عهد يزيد .

                              وقبل أن يغادر الامام (ع) يثرب متجها الى مكة دخل مسجد جده الرسول (ص) وهو غارق في الاسى والشجون فالقى عليه نظرة الوداع الاخير، وقد نظر الى محراب جده (ص) ومنبره، فطافت به ذكريات ذلك العطف الذي كان يفيضه عليه جده (ص) حينما كان في غضون الصبا، فلم ينس الحسين في جميع فترات حياته ذلك الحنان الذي اغدقه عليه جده حينما يقول فيه :

                              " حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا، حسين سبط من الاسباط..." :

                              وتذكر كيف كان النبي (ص) يفرغ عليه ما انطوت عليه نفسه الكبيرة من المثل العليا التي كان بها خاتم النبين وسيد المرسلين، وأيقن انه لم يكن يشيع ذلك في نفسه بمحض العاطفة بل بشعور آخر هو الابقاء على رسالته، ومبادئه، وراى انه لا بد أن يقدم التضحية الرهيبة التي تصون رسالة الاسلام من عبث الناقمين عليه...ويقول المؤرخون :

                              انه دخل المسجد بين أهل بيته، وهو يعتمد في مشيه على رجلين ويتمثل بقول يزيد بن مفرغ :

                              لا ذعرت السوام في فلق الصبح * مغيرا ولا دعيت يزيدا
                              يوم أعطى من المهانة ضيما * والمنايا ترصدنني أن أحيدا

                              ويقول أبو سعيد :

                              لما سمعت هذين البيتين قلت في نفسي :

                              انه ما تمثل بهما الا لشئ يريده فما مكث الا قليلا حتى بلغني أنه سار الى مكة لقد صمم على التضحية والفداء ليغير مجرى الحياة، ويرفع كلمة الله وفكرة الخيرر في الارض .

                              أما يثرب مهد النبوة فانه حينما اذيع فيها مغادرة الحسين عنها علتها الكابة وخيم على أهلها الحزن والذعر فقد أيقنوا بالخسارة الفادحة التي ستحل بهم، فسيغيب عنهم قبس من نور الرسالة الذي كان يضئ لهم الحياة، وحزنت البقية الباقية من صحابة النبي (ص) كاعظم ما يكون الحزن، فقد كانوا يرون في الحسين امتدادا لجده الرسول (ص) الذي انقذهم من حياة التيه في الصحراء .

                              تعليق


                              • #30
                                الإمام في مكة




                                وبعد ما اعلن الامام الحسين (ع) رفضه الكامل لبيعة يزيد اتجه مع اهل بيته إلى مكة التي هي حرم الله، وحرم رسوله، عائذا ببيتها الحرام الذي فرض فيه تعاى الامن والطمانينة لجميع العباد .

                                لقد اتجه إلى هذا البلد الامين ليكون بمامن من شرور الامويين واعتداءاتهم، ويقول المؤرخون :

                                إنه خرج ليلة الاحد لليلتين بقيتا من رجب سنة (60 هـ) وقد خيم الذعر على المدنيين حينما رؤوا آل النبي (ص) ينزحون عنهم إلى غير ماب .

                                وفصل الركب من يثرب، وهو جاد في مسيرته، وكان الامام (ع) يتلو قوله تعالى :

                                " رب نجني من القوم الظالمين " لقد شبه خروجه بخروج موسى على فرعون زمانه، وكذلك قد خرج على طاغية زمانه فرعون هذه الامة ليقيم الحق، ويبني صروح العدل وسلك الطريق العام الذي يسلكه الناس من دون أن يتجنب عنه، واشار عليه بعض اصحابه ان يحيد عنه - كما فعل ابن الزبير - مخافة أن يدركه الطلب من السلطة في يثرب، فاجابه عليه السلام بكل بساطة وثقة في النفس قائلا :

                                (لا والله لا فارقت هذا الطريق ابدا او انظر إلى ابيات مكة، أو يقضي الله في ذلك ما يجب ويرضى.." .

                                لقد رضي بكل قضاء يبرمه الله، ولم يضعف، ولم توهن عزيمته الاحداث الهائلة التي لا يطيقها اى انسان، وكان يتمثل في اثناء مسيرته بشعر يزيد بن المفرغ :

                                لا ذعرت السوام في فلق الصبح * مغيرا ولا دعيت يزيدا

                                يوم اعطي مخافة الموت ضيما * والمنايا ترصدنني أن احيدا

                                لقد كان على ثقة ان المنايا ترصده ما دام مصمما على عزمه الجبار في أن يعيش عزيزا لا يضام ولا يذل ولا يخضع لحكم يزيد..ويقول بعض الرواة انه كان في مسيرته ينشد هذه الابيات :

                                اذا المرء لم يحم بنيه وعرسه * ونسوته كان اللئيم المسببا

                                وفي دون ما يبقي يزيد بنا غدا * نخوض حياض الموت شرقا ومغربا

                                ونضرب كالحريق مقدما * اذا ما راه ضيغم راح هاربا

                                ودل هذا الشعر على مدى عزمه على أن يخوض حياض الموت سواء أكانت في المشرق أم في المغرب ولا يبايع يزيد بن معاوية.

                                مع عبد الله بن مطيع :

                                واستقبله في أثناء الطريق عبد الله بن مطيع العدوي، فقال له :

                                - أين تريد أبا عبد الله، جعلني الله فداك ؟

                                - اما في وقني هذا أريد مكة، فاذا صرت إليها استخرت الله في أمري بعد ذلك .

                                - خار الله لك، يا ابن بنت رسول الله فيما قد عزمت عليه، اني أشير عليك بمشورة فاقبلها مني .

                                - ما هي ؟


                                - اذا أتيت مكة فاحذر أن يغرك أهل الكوفة، فيها قتل أبوك واخوك طعنوه بطعنة كادت أن تاني على نفسه، فالزم الحرم فانك سيد العرب في دهرك " فو الله لئن هلكت ليهلكن اهل بيتك بهلاكك " .

                                وشكره الامام وودعه ودعاله بخير وسار موكب الامام يجد السير لا يلوي على شئ حتى انتهى إلى مكة فلما نظر الامام إلى جبالها تلا قوله تعالى :

                                " ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل " .

                                لقد كانت هجرته إلى مكة كهجرة موسى إلى مدين، فكل منهما قد فر من فرعون زمانه، وهاجر لمقاومة الظلم ومناهضة الطغيان .

                                في مكة :

                                وانتهى الامام إلى مكة ليلة الجمعة لثلاث ليال مضين من شعبان وقد حط رحله في دار العباس بن عبد المطلب وقد استقبل استقبالا حافلا من المكيين، وجعلوا يختلفون إليه بكرة وعشية، وهم يسالونه عن أحكام دينهم، واحاديث نبيهم، يقول ابن كثير :

                                " وعكف الناس بمكة يفدون إليه، ويجلسون حواليه، ويستمعون كلامه، وينتفعون بما يسمعون منه ، ويضبطون ما يروون عنه " لقد كان بجاذبيته الروحية مهوي القلوب ، وندي الافئدة، وقد حامت حوله النفوس تروي غليلها من نمير علومه التي هي امتداد من علوم جده مفجر العلم والنور في الارض .

                                احتفاء الحجاج والمعتمرين به :

                                وأخذ القادمون إلى بيت الله من الحجاج والمعتمرين من سائر الافاق يختلفون إليه ويهتفون بالدعوة إليه، ويطوفون حوله، هذا يلتمس منه العلم والحديث، وذاك يقتبس منه الحكم النافعة، والكلم الجامعة ليهتدي بانوارهما في ظلمات الحياة ولم يترك الامام ثانية من وقته تمر دون أن يبث الوعي الاجتماعي، ويدعو الى اليقظة والحذر من السياسة الاموية الهادفة إلى استعباد المسلمين واذلاهم .

                                فزع ابن الزبير :

                                وكان ابن الزبير لاجئا الى مكة فرارا من البيعة ليزيد، وقد ثقل عليه اختلاف الناس على الامام الحسين (ع) واجماعهم على تعظيمه وتبجيله وزهد الناس وانصرافهم عنه لانه لم يكن يتمتع بصفة محبوبة، ولا بنزعة كريمة، واظهر ابن الزبير النسك والطاعة والتقشف تصنعا لصيد البسطاء واغراء السذج، وقد وصفه الامام امير المؤمنين (ع) بقوله :

                                " ينصب حبالة الدين لاصطفاء الدنيا " .

                                ومن المؤكد أنه لم يكن يبغي في خروجه على سلطان بني أمية وجه الله وانما كان يبغي الملك والسلطان، وقد أدلى بذلك عبد الله بن عمر حينما ألحت عليه زوجته في مبايعته، وذكرت له طاعته وتقواه فقال لها :

                                " أما رايت بغلات معاوية التي كان يحج عليها الشهباء ؟

                                فان ابن الزبير ما يريد غيرهن " .

                                وعلى أي حال فان ابن الزبير لم يكن شئ اثقل عليه من أمر الحسين لعلمه بانه لا يبايعه احد مع وجود الحسين (ع) لانه ابن رسول الله (ص) فليس على وجه الارض أحد يساميه ولا يساويه - كما يقول ابن كثير - واكد ذلك (اوكلي) قال :

                                ان ابن الزبير كان مقتنعا تماما بان كل جهوده ستضيع عبثا طالما بقي الحسين على قيد الحياة، ولكن اذا أصابه مكروه فان طريق الخلافة سيكون ممهدا له .

                                وكان يشير على الامام بالخروج إلى العراق للتخلص منه، ويقول له :

                                " ما يمنعك من شيعتك وشيعة أبيك ؟

                                فو الله لو أن لي مثلهم ما توجهت إلا إليهم ".

                                ولم يمنح ابن الزبير النصيحة للامام، ولم يخلص له في الراي، وانما أراد أن يستريح منه، ولم تخف على الامام دوافعه، فراح يقول لاصحابه :

                                " إن هذا - وأشار إلى ابن الزبير - ليس شئ من الدنيا أحب إليه من أن اخرج من الحجاز وقد علم أن الناس لا يعدلونه بي فود أني خرجت حتى يخلو له ".

                                ولم تحفل السلطة الاموية بابن الزبير وإنما وجهت جميع اهتمامها نحو الامام الحسين .


                                وذعرت السلطة المحلية في مكة من قدوم الامام إليها، وخافت أن يتخذها مقرا سياسيا لدعوته، ومنطلقا لاعلان الثورة على حكومة دمشق ، وقد خفت حاكم مكة عمرو بن سعيد الاشدق وهو مذعور فقابل الامام ، فقال له :

                                - ما أقدمك ؟

                                - عائذا بالله، وبهذا البيت...

                                لقد جاء الامام عائذا ببيت الله الحرام الذي من دخله كان آمنا ، وكان محصنا من كل ظلم واعتداء .

                                ولم يحفل الاشدق بكلام الامام وانما رفع رسالة إلى يزيد أحاطه بها علما بمجيئ الامام إلى مكة، واختلاف الناس إليه، وازدحامهم على مجلسه، واجماعهم على تعظيمه، وأخبره ان ذلك يشكل خطرا على الدولة الاموية .

                                قلق يزيد :

                                واضطرب يزيد كاشد ما يكون الاضطراب حينما وافته الانباء بامتناع الحسين عن بيعته وهجرته إلى مكة، واتخاذها مركزا لدعوته، وارسال العراق الوفود والرسائل إلى الدعوة لبيعته، فكتب إلى عبد الله بن عباس رسالة، وهذا نصها :

                                " أما بعد :

                                فان ابن عمك حسينا، وعدو الله ابن الزبير التويا ببيعتي ولحقا بمكة مرصدين للفتنة، معرضين أنفسهما للهلكة، فاما ابن الزبير فانه صريع الفنا، وقتيل السيف غدا، وأما الحسين فقد أحببت الاعذار إليكم أهل البيت مما كان منه، وقد بلغني أن رجالا من شعيته من أهل العراق يكاتبونه، ويكاتبهم، ويمنونه الخلافة، ويمنيهم الامرة ، وقد تعلمون ما بيني وبينكم من الوصلة وعظيم الحرمة ونتائج الارحام ، وقد قطع ذلك الحسين، وبته، وأنت زعيم أهل بيتك، وسيد بلادك ، فالقه فاردده عن السعي في الفتنة، فان قبل منك وأناب فله عندى الامان، والكرامة الواسعة، وأجري عليه ما كان أبي يجريه على أخيه وإن طلب الزيادة فاضمن له ما أديك، وأنفذ ضمانك، وأقوم له بذلك وله علي الايمان المغلظة، والمواثيق المؤكدة بما تطمئن به نفسه، ويعتمد في كل الامور عليه، عجل بجواب كتابي، وبكل حاجة لك قبلي والسلام وختم كتابه بهذه الابيات :

                                يا أيها الراكب العادي مطيته * على غذافرة في سيرها فحم

                                ابلغ قريشا على ناي المزار بها * بيني وبين الحسين الله والرحم

                                وموقف بفنا البيت أنشده * عهد الاله غدا وما توفي به الذمم

                                عنيتم قومكم فخرا بامكم * أم لعمري حصان عفة كرم

                                هي التي لا يداني فضلها أحد * بنت الرسول وخير الناس قد علموا

                                اني لاعلم أو ظنا كعالمه * والظن يصدق أحيانا فينتظم

                                ان سوف يترككم ما تدعون بها * قتلى تهاداكم العقبان والرخم

                                يا قومنا لا تشبوا الحرب إذ سكنت * وامسكوا بحبال السلم واعتصموا

                                قد جرب الحرب من قد كان قبلكم * من القرون وقد بادت بها الامم

                                فانصفوا قومكم لا تهلكوا برحا * فرب ذي برح زلت به القدم

                                ودلت هذه الرسالة على غباوة يزيد فقد حسب ان الامام يطلب المال والثراء في خروجه عليه، ولم يعلم أنه انما ناهضه لا يبغي بذلك إلا الله والتماس الاجر في الدار الاخرة .

                                جواب ابن عباس :

                                وأجابه ابن عباس " أما بعد :

                                فقد ورد كتابك تذكر فيه لحاق الحسين وابن الزبير بمكة، فاما ابن الزبير فرجل منقطع عنا برايه وهواه يكاتمنا مع ذلك اضغانا يسرها في صدره يوري علينا وري الزناد، لافك الله أسيرها فارى في أمره ما انت راء .

                                واما الحسين فانه لما نزل مكة وترك حرم جده، ومنازل آبائه سالته عن مقدمه فاخبرني ان عمالك بالمدينة أساؤا إليه، وعجلوا عليه بالكلام الفاحش، فاقبل إلى حرم الله مستجيرا به، وسالقاه فيما اشرت إليه، ولن أدع النصيحة فيما يجمع الله به الكلمة، ويطفئ به النائرة ويخمد به الفتنة، ويحقن به دماء الامة ، فاتق الله في السر والعلانية، ولا تبيتن ليلة وأنت تريد لمسلم غائلة، ولا ترصده بمظلمة، ولا تحقر له مهراة فكم من حافر لغيره حفرا وقع فيه، وكم من مؤمل أملا لم يؤت أمله، وخذ بحظك من تلاوة القران ، ونشر السنة، وعليك بالصيام والقيام لا تشغلك عنهما ملاهي الدنيا وأباطيلها فان كل ما اشتغلت به عن الله يضر ويفنى وكل ما اشتغلت به من أسباب الاخرة ينفع ويبقى.

                                والسلام...".

                                تعليق

                                المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                                حفظ-تلقائي
                                x

                                رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                                صورة التسجيل تحديث الصورة

                                اقرأ في منتديات يا حسين

                                تقليص

                                المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                                أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, 02-05-2025, 09:44 PM
                                استجابة 1
                                12 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة ibrahim aly awaly
                                بواسطة ibrahim aly awaly
                                 
                                أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, 02-05-2025, 07:21 AM
                                ردود 2
                                13 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة ibrahim aly awaly
                                بواسطة ibrahim aly awaly
                                 
                                يعمل...
                                X