* * *
نقلنا هذه المحاورة بطولها لانها تجلي كثيرا من الغوامض في بحثنا ، فهي تكشف لنا :
( اولا ) ـ عما في نفوس الطرفين من نزوان بغضاء كامنة يستطير شرارها . وهذا ما أردنا استكشافه الآن وسقنا لاجله المحاورة .
و( ثانيا ) ـ عن ان القوم كانوا قد تعمدوا منع الامر عن آل البيت ، وان منعهم كان عاطفيا كراهة اجتماع النبوة والخلافة فيهم خشية تبجحهم ، وقد فسر ابن عباس هذه الخشية بالحسد وانها من الظلم . واستشعر الالم الكامن من تأكيد هذه الكلمة ( بجحا بجحا ) .
و( ثالثا ) ـ عن ان الامامة انما هي باختيار الله ، وأن الخلافة في آل البيت مما انزله الله ، وليست تابعة لا ختيار قريش وكراهتهم .
و ( رابعا ) ـ عن ان ظلمهم لآل البيت بأخذها منهم مشهور يعرفه كل احد .
وهذان الامران الاخيران صرح بهما ابن عباس على شدة تحفظه واتقائه غضب عمر الذي لم يسلم منه بالاخير . ولم يرد عليه عمر الرد الذي يكذب هذا التصريح اكثر من الطعن فيه وفي بني هاشم ثم الزجر له بقوله : « اليك عني » . وهذا الزجر ينطق صريحا بالعجز عن الجواب ، فختمت به المحاورة .
والغرض من كل ذلك ان اقدام عمر الجرئ ، على نسبة الهجر إلى النبي المعصوم ، وعلى دعوى ان كتاب الله وحده كاف للناس بلا حاجة إلى شيء آخر على عكس تصريح النبي ، لا يستغرب منه ما دام القصد منع الامر عن علي . وقد اتضح ان بينهما مالا يستطيع التأريخ نكرانه والتمويه فيه .
واما اعتذار بعض الناس عنه بأنه ظهر له ان الامر ليس للوجوب فهو اعتذار بارد لا يقره العلم . فمن اين ظهر ذلك ؟ أمن قول النبي « لا تضلوا بعده أبدا » ـ وهل هناك أمر اعظم مصلحة في الحكم الشرعي تجعله للوجوب من هداية الخلق اجمعين إلى أبد الدهور ـ أم من وقوع النزاع وغضب النبي وزجرهم بالانصراف . وإذا كان قد فهم الاستحباب فلماذا يرده بأشنع كلمة لا يواجه بمثلها الرجل العادي من الناس لا سيما عند المرض ، أعني كلمة الهجر والهذيان ، مهما لطفت العبارة بتحويلها إلى كلمة « قد غلبه الوجع » . ثم أي معنى حينئذ لقوله : « حسبنا كتاب الله » ، وهو رد على النبي وتدخل في مصلحة الحكم واساسه ، وكان يغنيه ان يقول لا يجب علينا امتثال الامر .
* * *
والخلاصة إن الكتاب الذي أراد أن يكتبه النبي ( ص ) من نفس وصفه له : « لا تضلوا بعده أبدا » ومن نفس رد عمر « حسبنا كتاب الله » ومن قرائن الاحوال المحيطة بالقصة بعد سبق توقف البعث عن الذهاب نعرف ان المقصود منه النص على خليفته من بعده وهو علي بن ابي طالب ، لا سيما ان كل خلاف بين المسلمين وكل ضلال وقع ويقع في الامة هو ناشيء من الخلاف في أمر الخلافة فهو أس كل ضلالة . ولو تركوا النبي يكتب التصريح بالخلافة من بعده لما كان مجال للشك والخلاف الا بالخروج رأسا عن الاسلام .
وليس بالبعيد انه ( ص ) امتنع عن التصريح شفاها أو كتبا بعد هذه القصة بالنص على خليفته لئلا يأخذ اللجاج بالبعض إلى الخروج على الاسلام ، فتكون المصيبة أعظم على الاسلام والمسلمين وهذا ما حدا بعلي عليه السلام إلى المجاراة والمماشاة ، فلذا قال في خطبته الشقشقية : « فطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء . . .
نقلنا هذه المحاورة بطولها لانها تجلي كثيرا من الغوامض في بحثنا ، فهي تكشف لنا :
( اولا ) ـ عما في نفوس الطرفين من نزوان بغضاء كامنة يستطير شرارها . وهذا ما أردنا استكشافه الآن وسقنا لاجله المحاورة .
و( ثانيا ) ـ عن ان القوم كانوا قد تعمدوا منع الامر عن آل البيت ، وان منعهم كان عاطفيا كراهة اجتماع النبوة والخلافة فيهم خشية تبجحهم ، وقد فسر ابن عباس هذه الخشية بالحسد وانها من الظلم . واستشعر الالم الكامن من تأكيد هذه الكلمة ( بجحا بجحا ) .
و( ثالثا ) ـ عن ان الامامة انما هي باختيار الله ، وأن الخلافة في آل البيت مما انزله الله ، وليست تابعة لا ختيار قريش وكراهتهم .
و ( رابعا ) ـ عن ان ظلمهم لآل البيت بأخذها منهم مشهور يعرفه كل احد .
وهذان الامران الاخيران صرح بهما ابن عباس على شدة تحفظه واتقائه غضب عمر الذي لم يسلم منه بالاخير . ولم يرد عليه عمر الرد الذي يكذب هذا التصريح اكثر من الطعن فيه وفي بني هاشم ثم الزجر له بقوله : « اليك عني » . وهذا الزجر ينطق صريحا بالعجز عن الجواب ، فختمت به المحاورة .
والغرض من كل ذلك ان اقدام عمر الجرئ ، على نسبة الهجر إلى النبي المعصوم ، وعلى دعوى ان كتاب الله وحده كاف للناس بلا حاجة إلى شيء آخر على عكس تصريح النبي ، لا يستغرب منه ما دام القصد منع الامر عن علي . وقد اتضح ان بينهما مالا يستطيع التأريخ نكرانه والتمويه فيه .
واما اعتذار بعض الناس عنه بأنه ظهر له ان الامر ليس للوجوب فهو اعتذار بارد لا يقره العلم . فمن اين ظهر ذلك ؟ أمن قول النبي « لا تضلوا بعده أبدا » ـ وهل هناك أمر اعظم مصلحة في الحكم الشرعي تجعله للوجوب من هداية الخلق اجمعين إلى أبد الدهور ـ أم من وقوع النزاع وغضب النبي وزجرهم بالانصراف . وإذا كان قد فهم الاستحباب فلماذا يرده بأشنع كلمة لا يواجه بمثلها الرجل العادي من الناس لا سيما عند المرض ، أعني كلمة الهجر والهذيان ، مهما لطفت العبارة بتحويلها إلى كلمة « قد غلبه الوجع » . ثم أي معنى حينئذ لقوله : « حسبنا كتاب الله » ، وهو رد على النبي وتدخل في مصلحة الحكم واساسه ، وكان يغنيه ان يقول لا يجب علينا امتثال الامر .
* * *
والخلاصة إن الكتاب الذي أراد أن يكتبه النبي ( ص ) من نفس وصفه له : « لا تضلوا بعده أبدا » ومن نفس رد عمر « حسبنا كتاب الله » ومن قرائن الاحوال المحيطة بالقصة بعد سبق توقف البعث عن الذهاب نعرف ان المقصود منه النص على خليفته من بعده وهو علي بن ابي طالب ، لا سيما ان كل خلاف بين المسلمين وكل ضلال وقع ويقع في الامة هو ناشيء من الخلاف في أمر الخلافة فهو أس كل ضلالة . ولو تركوا النبي يكتب التصريح بالخلافة من بعده لما كان مجال للشك والخلاف الا بالخروج رأسا عن الاسلام .
وليس بالبعيد انه ( ص ) امتنع عن التصريح شفاها أو كتبا بعد هذه القصة بالنص على خليفته لئلا يأخذ اللجاج بالبعض إلى الخروج على الاسلام ، فتكون المصيبة أعظم على الاسلام والمسلمين وهذا ما حدا بعلي عليه السلام إلى المجاراة والمماشاة ، فلذا قال في خطبته الشقشقية : « فطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء . . .
تعليق