إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

في سجن ولاية الفقية

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • في سجن ولاية الفقية

    بسم الله الرحمن الرحيم


    في سجن ولاية الفقيه
    بقلم: الأصولي الشهير و الفقيه المحقق و الفيلسوف البارع سماحة آية الله السّيد رضا الصّدر ـ قدّس الله نفسه الزكيّة ـ.

    ــــــــــــــــــــــــــ

    بسم الله الرحمن الرحيم
    إنقضت سبعة عشر ليلة من شهر رجب المرجّب و إنتهت العُطلة النوروزيّة [1] و تعانق مساء السّبت المصادف الثامن عشر من شهر رجب المرجّب عام 1406 الهجريّة القمريّة، مع ليلة الأحد العاشر من شهر فروردين عام 1365 الهجريّة الشّمسيّة [2].
    قضيت تلك الليلة في طهران بسبب وعكة صحية أصبت بها و لم أعد إلى قم المقدّسة، و بذلك أصبحت محروماً من مواصلة مهامّي التي كانت تحتم عليّ البقاء في قم، و حيث أنّ الدروس كانت تُشرع من يوم السّبت، لم يكن لي حظّ من الحضور، و فى ظاهر الأمر تلامذتي كانوا مسرورين من غيابي!

    حينما رنّ جرس الدّار كانت السّاعة تشير الى بعد العاشرة مساءاً؛ فتحت باب الدّار فإذا بالسّادة الحاج السّيد جلال الإمامي و الحاج مير جليل المنيبي و الحاج موسى شيخ زادگان و الحاج مهدي الدواتگران و الحاج أكبر المراغه چي، يطلون علي، الزوار خمسة أشخاص ولكن العددين خمسة و سبعة تعتبر من الأعداد الآحادية، التي لا يمكن تقسيمها على الإثنين و الثلاثة و الأربعة و لا يكون لهما نصف صحيح و لا ثلث صحيح و لا ربع صحيح.

    بادر زوّاري الخمسة بالحديث عن سبب مجيئهم قائلين:

    أتينا ـ هنا ـ لندلي بالشهادة على الوصية الشفاهية التى أصغانا بها مرجع عظيم طريح الفراش:
    غسّلوني في حسينيتي بقم المقدّسة، و يصلي على جنازتي السّيد الصدر، و أدفنوني في الحرم [3]، و إذا منعوكم من ذلك، فادفنوني في حسينيّتي ...
    خلال الحديث، إنجرّ الكلام إلى مدح كاتب هذه الأسطر الذي كان بمثابة الدليل على وصيّته فنصرف عنان القلم للتعبير بلطف ذلك الرجل العظيم لى.

    وكان السّيد الإمامي صهر ذلك الرجل العظيم و هو عالم جليل. و أمّا السّيد المنيبي فهو ابن عمّ سماحته و أخو زوجته و هو تاجر أمين. و أمّا سائر السّادة فيعدّون من زمرة أصدقائه و أقاربه.


    زيارة الشهيد في المستشفى

    بعد مضيّ ليلتين من هذا الحادث، ذهبت لعيادة ذلك الرجل العظيم الذي كان طريح الفراش في مستشفى مهرداد في غرفة الإنعاش أو ما يسمى بالعناية القصوى ـ CCU ـ. أوصلني المصعد إلى الطابق الرابع. السّيد الحائري ـ الشريعتمداري ـ "أخ المريض" فتح عليّ باب القسم الذي تقع فيه غرفة الإنعاش ـ و دلني على غرفة المريض. كان سرير المريض منحنياً حتى يتكأ عليها و كان في أنفه شيئا يُسهّل عليه التنفس.
    التلفاز الخاص الذي كان منصوبا فوق رأسه ، كان يخبر عن سلامة قلبه، ولكن حينما كان المرض قد إستولى على خاصرته اليمنى و تجاوز الكبد، فماذا يستطيع أنْ يفعل القلب المعافى؟!
    القلب قائد، و حينما يكون جنوده مرضى و عاجزين فلا يستطيع أنْ يفعل شئاً.
    السّرطان إستولى على خاصرته اليمنى و إقتحم كبده و جيوشه قد دخلت رئته إلى حدّ سلبت منه الراحة في التنفس و كان ينقله شيئا فشيئا نحو الموت، و أمّا القلب فكان عاجزاً عن الدفاع و التصدي له.

    أغمض عينيه الكريمتين اللتين كانتا ترى عواقب الأمور، لكنهما لم تكونا نائمتين. ربما لم يكن لهما أي شوق و رغبة في رؤية العالم و العالمين!
    السّيد الحائري نادى أخاه قائلاً: جاء سماحة السّيد الصّدر ...، فتح عينيه و ردّ سلامي بإبتسامة جميلة كانت من خصائصه.
    إنجرّ الكرسي الذي كان في زاوية الغرفة إلى قرب السّرير فجلست عليه. فرح من زيارتي، لأنّه كان غريباً و إنهم منعوا مخلصيه و أصدقائه من عيادته، بالرغم من أنّ عيادة المريض في الإسلام المحمّدي مستحب و من السّنن الأكيدة في الدّين.
    لماذا فعلوا ذلك؟ لماذا منعوا عيادته؟ ماالذى كان يقع إن كان يزوره الناس؟ كان المريض عاجزاً عن التكلم!
    لماذا منعوا إبنه [4] في اللحظات الأخيرة، أنْ يكلّم والده ببضع كلمات قلائل؟ إذا كان يتكلم هذا الولد مع هذا الوالد مالذى كان يحدث؟ هل هذا هو العدل إسلامي؟!
    بدأت كلامي مع المريض بهذه الكلمات:
    إسمحوا لي بقرائة سورة الحمد سبع مرّات لشفائكم.. و قرأت السّورة سبع مرّات و لكن لمْ أر أثراً من شفاء المريض، لابد من حدوث إعجاز في البين أعجز و يعجز أمثالي من فعله.

    بعد ما إنتهيت من قراءة سورة الحمد – الشفاء- استقبلنى سماحته بحفاوة بالغة باسارير وجهه الكريم الذي ابهجني وأخذ يجاملني ، فتفضل لى قائلاً: أشكركم كثيراً... و لم يكتف بهذا المقدار وأضاف: لطفتم بي كثيراً. ثمّ دار الحديث مع أقاربه حول سفرته العلاجية الى أوروبا، وعرفت أنّ القائد ـ الخميني ـ لم يوافق على ذلك!
    لماذا؟ إن كان يذهب إلى أوروبا ماذا كان يحدث؟ إنّه لم يتمكن من الإجتماع و المقابلةـ مع الصحفيين ـ.
    من سنن الإسلام المحمّدي و مستحباته، التعجيل في القيام من عند المريض ومغادرته إلا إذا طلب المريض من الزائر البقاء، و لكن الأطباء لم يسمحوا لعيادة المريض في غرفة الإنعاش لأنّها مضرّة له. فمن المؤكد مائة بالمائة أنهم لم يوافقوا على إطالة العيادة.
    كنت أمام مفترق الطرق، من جانب كان يحب المريض أن أبقى عنده و لكنّ شدة مرضه لم تسمح لي بالبقاء.
    على أيّة حال، آثرت المصلحة على العاطفة و قمت من عنده، و بعد ـ هذا اللقاء ـ لم أره نهائيا- [ وكان هذا لقاءنا الأخير والوداعي ]!.
    منذ سنين لم ألتق به، لأنّه كان محبوساً في داره و لا يسمح لأحد بزيارته، و إذا كان شخص ما يمرّ من زقاق بيته يشعر كأنّ الجدران تريد أنْ تحطم رأسه ألماً وحزناً من الصّمت الظالم الذى لحق بها و الصّعوبة في الوصول إليه ـ قدّس سرّه ـ في بيته ـ [5] ـ لأنّ بيته ـ قدّس سرّه ـ كان محاطاً برجال الأمن و المخابرات ـ.
    كان في زمانه ملجأ و ملاذاً للاجئين و املاً للمؤملين و الآملين، انقذ الكثير من السجناء و كم أسعد المساكين و البؤساء؟ بعد حبسه لم يكن هنالك من ينوب عنه و يقوم مقامه و لا نرى كمثله أحدا حيث يلجئ إليه اللآجئين . قصارى ما كنت أستطيع فعله هو أنْ أحمي نفسى بنفسى و أهل بيتي و أقاربي فقط و لم أتمكن من حماية غيرهم؛ الويل كل الويل لمن يطلب منك اللجوء ولم تستطع حمايته!
    إنني سعيت كثيراً لإنقاذه من السّجن.. ففي أوائل الأمر أرسلت رسالة بواسطة الموسوي الأردبيلي كتبت فيها إنني مستعد لحلّ المشكلة، بيّنوا رأيكم في الأمر؟ ثمّ بعثت رسائلي [6] بواسطة السّيد الحاج محمّد صادق اللواساني. هذا الرجل الشريف كان يستقبل رسائلي بحفاوة بالغة وكان يأتيني بردود الرسائل. لكني لم أتمكن من انقاذ هذا الرجل العظيم. وكأنّ التقدير و التدبير لم ينسقا مع بعضهما البعض وجهودنا لم تثمر ثمارها.
    قبل عام شخّص الدكتور باهر المرض في خاصرته [7] اليمنى، و إذا كان يُسمح بمجيئه إلى طهران أو كان حرّاً في الذهاب إلى الدول الأوروبيّة، كان بإمكانهم القضاء على المرض و ربما كان يطول عمره أكثر و لكن لم يسمحوا له بالذهاب إلى خارج البلد! [8]، لماذا؟!
    وبعد مضيّ عام، إستعصى المرض شيئا فشيئا و إستكثرت الآلام عنده و بعد سعى مرير والمطاليب المكررة سمحوا له بالمجئ إلى طهران [9]، ولكن قد فات الأوان، حيث أنّ الأدوية لم تصل اليه بالوقت المناسب.
    في هذه الأثناء أراد إبنه أنْ يتحدث مع والده هاتفيا من المانيا، و يسئله عن صحته، لكنهم لم يسمحوا له! لماذا؟! بالرغم من أنّ فى جميع القوانين الدولية يحق لعائلة السّجين التحدث مع أقربائه، خاصة إنْ كان السّجين محتضراً و على أعتاب الموت، إذ لعلّه يريد أنْ يوصي.
    ماذا كان سيحدث لو أراد الوالد أنْ يتحدث مع ولده وهو محتضر على فراش الموت و أمنيّته الوحيدة فى تلك اللحظة رؤية ولده والسّماع إلى صوته الحنون؟!
    ماالذى كان يحدث ان كان الإبن الغريب و المشرد و البعيد عن أمّه و أبيه يستطيع التحدث مع والده و الإستماع إلى صوت ذلك الشيخ الكبير الطاعن فى السن؟! ألا يجيز ذلك الإسلام الأصيل المحمّدي ؟!
    أويس القرني[10]، لكي لا يبتعد عن والدته، حرّم نفسه من زيارة رسول الله ـ صلى الله عليه و آله و سلم ـ [11].
    كان ذاهباً الى المدينة لللقاء برسول الله، ولكن النبى كان آنئذ خارجاً من المدينة، و والدته لم تأذن له بالتأخير فى عودة ولدها فعاد مسرعا إليها، لأنّ النبى قد أمر بطاعة الأم – و إنْ كانت كافرة- .
    وحينما عاد رسول الله ـ صلى الله عليه و آله و سلم ـ إلى المدينة قال: أشمّ روائح الجنة، من كان هنا؟
    قيل: كان شاب عليه ثياب رثة قد جاء من اليمن لرؤيتك يا رسول الله، و لم يتوفق لذلك.
    بقى أويس خادماً لوالدته طيلة حياتها ولم يشارك فى أيّ غزوة من غزوات النبى، وحينما فارقت والدته الحياة، إلتحق بأميرالمؤمنين علي بن أبي طالب ـ عليهما الصّلاة و السّلام ـ [12]، لأنّ والدته قد توفيت بعد رحيل رسول الله ـ صلى الله عليه و آله و سلم ـ.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    [1] أي رأس السّنة الإيرانية، فهذه العطلة لعيد النوروز فإنّه و يوم الجمعة كانا عيدين للمجوس و مشركي العرب فأقرهما الإسلام و أمضاهما.
    [2] 30/مارس/1986 الميلادى.
    [3] أي حرم السّيدة فاطمة المعصومة ـ سلام الله عليها ـ.
    [4] المهندس السّيد حسن الشريعتمداري السّاكن في المانيا.
    [5] ديوان حافظ الشيرازي و أصله:
    اي كه از كوچه معشوقه ما مي گذري *** بر حذر باش كه سر مي شكند ديوارش!
    [6] إلى السلطة الحاكمة أو إلى الخميني نفسه و الله العالم.
    [7] أي خاصرة الشهيد الشريعتمداري ـ قدّس سرّه الشريف ـ.
    [8] هذا مصداق جلي من مصاديق القتل العمدي كما هو واضح؛ قال المحقق الخوئي ـ قدّس سرّه ـ: [ يتحقق العمد بقصد البالغ العاقل القتلَ ..، كما يتحقق القتل العمدي فيما إذا كان فعل المكلف علة تامّة للقتل أو جزءاً أخيراً للعلة بحيث لا ينفك الموت عن الفاعل زماناً، كذلك يتحقق فيما إذا ترتب القتل عليه من دون أنْ يتوسطه فعل إختياري من شخص آخر، كما إذا رمى سهماً نحو من أراد قتله فأصابه فمات بذلك بعد مدّة من الزمن، و من هذا القبيل ما إذا خنقه بحبل و لم يرخه عنه حتى مات "أو حبسه في مكان ومنع عنه الطعام و الشراب حتى مات أو نحو ذلك، فهذه الموارد و أشباهها داخلة في القتل العمدي" ] منهاج الصالحين لسماحة آية الله العظمى السّيد أبو القاسم الخوئي ـ قدّس سرّه ـ مع فتاوي الأصولي البارع و الفقيه الجامع سماحة آية الله العظمى الشيخ حسين الوحيد الخراساني ـ دام ظله الوارف ـ ج 3 ص 506.
    [9] لتلقي العلاج.
    [10] أويس بن عامر القرني من أصحاب أمير المؤمنين ـ عليه أفضل الصّلاة و السّلام ـ و من حواريه و المستشهدين بين يديه في صفين؛ روي عن الإمام الباقر ـ عليه أفضل الصّلاة و السّلام ـ أنّه قال: [ شهد مع علي بن أبي طالب ـ عليمها الصّلاة و السّلام ـ من "التابعين" ثلاثة نفر بصفيّن شهد لهم رسول الله ـ صلى الله عليه و آله ـ بالجنة و لم يرهم: أويس القرني، و زيد بن صوحان العبدي و جندب الخير الأزدي ] بحار الأنوار: ج 32 ص 618؛ و روى الشيخ المفيد في الإختصاص ـ ص 61 ـ بسندين عن علي بن أسباط بن سالم عن أبيه قال: قال أبوالحسن موسى بن جعفر ـ عليهما الصّلاة و السّلام ـ: [ إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: أين حواري محمّد بن عبد الله رسول الله ـ صلى الله عليه و آله ـ الذين لم ينقضوا العهد و مضوا عليه؟
    فيقوم سلمان، و المقدار، و أبوذر ].
    قال ـ عليه الصّلاة و السّلام ـ : [ ثمّ ينادي: أين حواري علي بن أبي طالب وصيّ رسول الله ـ صلى الله عليه و آله ـ و سلم ـ؟
    فيقوم عمرو بن الحمق الخزاعي، و محمّد بن أبي بكر، وميثم بن يحيى التمّار مولى بني أسد، و "أويس القرني" ].
    قال ـ عليه الصّلاة و السّلام ـ : [ ثمّ ينادي: المنادي أينْ حواري الحسنبن علي بن فاطمة بنت محمّد رسول الله ـ صلى الله عليه و آله و سلم ـ؟
    فيقوم سفيان بن أبي ليلى الهمداني، و حذيفة بن أسيد الغفاري ].
    قال ـ عليه الصّلاة و السّلام ـ : [ ثمّ ينادي: أين حواري الحسين بن علي ـ عليه الصّلاة و السّلام ـ؟
    فيقوم كلّ من أستشهد معه و لم يتخلف عنه ].
    قال ـ عليه الصّلاة و السّلام ـ : [ ثمّ ينادي: أين حواري علي بن الحسين ـ عليه الصّلاة و السلام ـ؟
    فيقوم: جبير بن مطعم، و يحيى بن أمّ الطويل، و أبو خالد الكابلي، و سعيد بن المسيّب ].
    قال ـ عليه الصّلاة و السّلام ـ : [ ثمّ ينادي: أين حواري محمّد بن علي و جعفر بن محمّد ـ عليهم الصّلاة و السّلام؟
    فيقوم عبد الله بن شريك العامري، و زرارة بن أعين، و بريد بن معاوية العجلي، و محمّد بن مسلم الثقفي، و ليث بن البختري المرادي، و عبد الله بن أبي يعفور، و عامر بن عبد الله بن جذاعة، و حجر بن زائدة، و حمران بن أعين.
    ثمّ ينادي المنادي سائر الشيعة مع سائر الأئمة يوم القيامة، فهؤلاء أوّل الشيعة الذين يدخلون الفردوس و هؤلاء أوّل السّابقين و أوّل المقرّبين و أوّل المتحوّرة من التابعين ] بحار الأنوار: ج 34 ص 277. أقول: نقله الكشيّ في رجاله ص 6، بسند آخر عنه مثله مع إختلاف يسير في بعض ألفاظه.
    و إيّاه يعني دعبل الخزاعي في قصيدته التي يفتخر فيها على نزار و ينقض على الكميت بن زيد قصيدته التي يقول فيها:
    ألا حبيت عنا يا مدينا *** أويس ذو الشفاعة كان منا
    فيوم البعث نحن الشافعونا
    ثمّ أنه قال المحقق المامقاني ـ أعلى الله مقامه ـ في تنقيح المقال ـ: [ قد إتفق الفريقان على جلالة الرجل ـ أي أويس القرني ـ و تقواه و زهده و علاه و ملاؤا الكتب في مدائحه و فضائله حتى إلتجأ بعض وقحاء العامّة إنكار شهادته بصفيّن؛ فراراً عن لازمه و لكنْ المنصفين من العامّة و المحققين منهم و من له من الحياء قليل نصيب إعترفوا بذلك و كفاهم بذلك مثلبة و فضيحة ]، أقول: بل بلغت بهم الوقاحة حدّاً أنْ أنكروا وجود أويس القرني كما ذهب إلى هذا الرأي الشاذ إمامهم المالك.
    [11] الطبقات الكبرى للشعراني، و الإصابة: ج1 ص 115، والسّيرة الحلبيّة: ج2 ص 256.
    [12] بحار الأنوار: ج 41 ص 300 و ج 42 ص 147، و 155 و 156.

  • #2
    التكملة

    أيّامه الأخيرة


    لم أعرف كم استغرقت كل الفترة التى عاش بها المريض العظيم فى المستشفى!. حينما نقلوا سماحته إلى المستشفى، أخذ حرس الثورة [1] جهاز الهاتف من أمامه و أخرجوه من الغرفة!، لماذا ؟! لأنّ المريض لا يحق له يتكلم مع أحد؟! السّجين لا يحق له أنْ يتكلم مع أحد؟! هل كانوا يجيزون التصرّف في مال أحد أو حقه من دون إذنه ؟! [2] الإسلام الأصيل المحمّدي لا يجيز ذلك!.

    وجوده في المستشفى كان للأطباء عزّاً و شرفاً و للممرضين بهجة و سروراً. كلهم كان يودّ و يتمنى سلامته و صحّته و لكن أيّ متفائلٍ نال ودّه و أي مؤمّل حصل أمنيته؟!. كان محبّوه يذهبون و يجلسون خلف جدران المستشفى أو عند المصعد حتى ينالوا شرف رؤيته و لو للحظة واحدة.

    كان ـ الشهيد الشريعتمداري ـ عاملاً بعلمه و كان بعيد المدى.
    عادة ما الإصلاحيّون لا يرون خيراً لأنفسهم في المجتمعات المتخلفة ،
    فالعالم الذى يعيشون فيه عاجز عن مكافئتهم و مقصر فى تقديرهم و إنّما الموفقية للهدّامين و المخربين.
    أولئك الذين أدخلوا الشيوعيّة في المجتمعات المتخلفة كانوا هدّامين و مخربين و ليسوا من المصلحين[3] و لذلك إستطاعوا أنْ يصلوا إلى مبتغاهم و يحصلوا فرصهم في مثل هكذا مجتمعات. ـ شى غيفارا ـ كان صنم امريكا اللاتينية ولكنه بعد وصول فيدل كاسترو إلى سدة الحكم ما إستطاع التلاؤم معه.

    وكذلك آلنده، ما استطاع أنْ يواصل برامجه الإصلاحيّة فى شيلي و ذلك بسبب بينوشة الذي جاء به معارضي الشيوعيّة وسلطوا حكمه عليه.

    إستشهاد الشهيد الشريعتمداري

    http://www.shiia.com/pictures/farsi/shariatmadar
    مساء الخميس الثالث و العشرون من شهر رجب المرجّب، أردت أنْ أتوضأ إستعداداً لصلاة العتمة و النوم، فاذا بهم قد جاؤا بنبأ رحيل ذلك الرجّل العظيم.
    يا لها من ليلة مقدّسة! في ليلة الجمعة! في شهر رجب المرجّب! بعد وكعة صحيّة طويلة! بعد سجن طويل! و ذلك في بلد الغربة! و في حال الغربة!.
    أدّيتُ صلواتي الثنائيّة للواحد الأحد ـ جلّ وعلا ـ، و عزمت نحو المستشفى. مستشفى مهرداد تقع في شارع ـ مير عماد ـ و هي من الشوارع الفرعيّة الممتدّة من الجنوب الى الشمال. رأيّت أناساً قد جاؤا لتشييع الجثمان، و لكن أغلق عليهم باب المستشفى.
    الناس أوقفوا سيّاراتهم في الشارع و وقفوا على الرصيف. كانت آثار الحزن و الصّمت بادية على وجوههم .
    لماذا منعوا المشيّعين من الدخول الى المستشفى ؟! هل أنّ تشييع المؤمن السّيد الغريب حرام في الإسلام [ الأصيل المحمّدي ]؟!
    إستطعت العبور من الباب الأوّل و لكنهم أغلقوا عليّ الباب الثاني. بسبب آلام فى قدميي ما إستطعت الوقوف خلف الباب، فأتى أصحابي بكرسي فجلست عليه ـ خلف الباب ـ.
    جلوسي خلف الباب إضافة إلى إلحاح الناس كانت مضرة لسمعتهم.. لذلك إضطروا أخيراً بفتح الباب و إستطعت الدخول.
    الصّمت الممزوج بالحزن كان بادياً على وجوه الأطباء و الممرضين و الموظفين في المستشفى.
    فى هذه الأثناء سمعنا بأصوات الضجيج و الصّراخ تتعالى من عند الناس الواقفين فى الشارع، إذ قد جاءت إمرأة جليلة باكية من هذا البيت الجليل و النساء كنّ يواسينها، فتحوا لها الباب فدخلت.
    لم تمض لحظات إلا و أخبروني أنّهم يريدون إخراج الجثمان بسيّارة الإسعاف من الباب الخلفي للمستشفى و يضعون المشيعين في الأمر الواقع، و بالفعل صار كما أرادوا.
    لماذا؟! هل تشييع الجنازة في الإسلام حرام؟! خاصةً إذا كانت الجنازة، جنازة العالم السّيد! و سليل فاطمة الزهراء ـ سلام الله عليها ـ.
    يسلمون جنازة السّجناء و المجرمين و المعدوميين إلى ذويهم و لكنّ هذه الجنازة كانت إستثنائيّة!.
    سيّارة الإسعاف ـ الحاملة للجنازة ـ تحرّكت بسرعة مذهلة نحو قم المقدّسة، و نحن أيضاً تبعناها. سيّارتنا كانت بطيئة لذلك تأخرنا عن سيّارة الإسعاف و لم نعرف إلى أين أخذوا الجنازة!.

    أوامر و نواهي خاصّة


    لم اعرف من الذي أصدر هذه الأوامر و النواهي:

    1- لا يُعطى جثمان الشريعتمداري إلى ذويه.
    2- لا تــُـشيّع جنازته.
    3- لا يُعمل بوصيّته.
    4- لا يُغسّل في حسينيّته.
    5- لا يصلي السّيد الصدر على جثمانه.
    6- لا تُدفن الجنازة في حرم قم ـ حرم السّيدة المعصومة ـ.
    7- لا يدفن في حسينيّته.
    8- لا يأبّن.
    9- يسجن كلّ من أقام مجلس العزاء على روحه.
    10- يلقى القبض على كلّ من لبس السّواد في يوم إستشهاد الإمام الكاظم ـ صلوات الله و سلامه عليه ـ.
    11- إعتقلوا السّيد رضا الصّدر إذا ذهب لتعزية ذوي الميّت.
    12- لا يُحق لإبن الشريعتمداري أنْ يتكلم مع والده و إنْ كان في حالة الإحتضار.
    13- لا تصل برقيّات التعزية إلى المخاطبين.
    14- لا يحق لأحد أنْ يذهب إلى بيت ذوي الميّت.
    15- لا تقام على روحه السّابع و الأربعين.
    16- لاترفع أصوات البكاء و النحيب من بيته.
    17- لا يحق لأحد أنْ يقرأ المصيبة.
    18- إذا إشتكى أصحاب العزاء عند أحد فهم ضدّ الثورة.

    هل هذه الأوامر و النواهي تتطابق مع تعاليم الإسلام الأصيل مائة في المائة [4] ؟!


    وصول الجثمان الطاهر إلى قم المقدّسة


    عند منتصف الليل وصلنا إلى قم المقدّسة و في بداية دخولنا ذهبنا مباشرة إلى بيت المرحوم. أخبرنا هناك بأنّهم نقلوا الجنازة إلى مغتسل مقبرة جنة السّيدة المعصومة ـ سلام الله عليها ـ و أنّه لا يّحق للسّيد رضا الصّدر أنْ يصلي على الجنازة.
    السّيد الإمامي بالرغم من أنّه صهر لذلك الرجل العظيم كان حقا يُعدّ من أبنائه أيضاً. إقترح السّيد الإمامي أنْ نتصّل بالسّيد الگلپايگاني لكي يتوسط حتى يُعمل بالوصيّة.
    قلت: ليس صحيحاً، لأنّه من الممكن أنّ وساطته ستجلب له الأذى ـ من قبل النظام ـ.
    على كلّ حال؛ ذهبنا مع الأقارب و مع أولئك الذين أتوا معنا من طهران لتشييع جنازة المتوفى، إلى مقبرة جنّة السّيدة معصومة ـ سلام الله عليها ـ. توقف هطول المطر و كان الجوّ رطباً و القمر كان يريد أنْ يظهر لنا نفسه و يكون شاهداً على الأحداث ـ التي كانت تجري في منتصف الليل ـ!!، لأنّه كان مستيقظاً و كان الذين من شأنهم أن يشرفوا على المجريات نائمين.
    مقبرة جنّة السّيد المعصومة ـ سلام الله عليها ـ تقع بجنب طريق قم طهران و المسافر الذي يذهب من قم إلى طهران يراها على طرفه الأيمن.
    وصلنا إلى مفترق الطرق و توجّهنا إلى اليمين و دخلنا في مقبرة جنة السّيدة معصومة ـ سلام الله عليها ـ. حرس الثورة قطع علينا الطريق و منعونا من الدخول إلى المقبرة!! لماذا؟!.
    ماذا كان سيحدث إذا كان أفراد قلائل خلف جدار المغتسل في ظلام الليل ينتظرون الجنازة؟!
    في هذه الأثناء وصلت سيّارة مرسدس بلا رقم و دخلت بسرعة إلى محوّطة المقبرة و لم يمنعها أحد. و لعلّ السّبب في عدم سماحهم لنا في الدخول هو أنّ سيّارتنا لم تكن من نوع المرسدس!. تفاوضنا معهم قليلاً و لكن دون جدوى و لم يسمحوا لنا في الدخول. في النهاية قالوا لنا:
    نحن نغسّل الجنازة و نأتي بها إلى المنزل ... و نحن أيضاً اقتنعنا بكلامهم وذهبنا و لكنّهم لم يفعلوا ذلك. هل يجوز الكذب في الإسلام؟! هل يجوز هتك حرمة المسلم؟!
    ـــــــــــــــــــــــــــــــ
    [1] يطلق عليهم اسم پاسدار في الفارسيّة.
    [2] من القواعد الفقيهة المسلمة قاعدة التسلط [ الناس مسلطون على أموالهم و أنفسهم "بل و حقوقهم" ]، فهل طبقوها؟! كلا ثمّ كلا!
    [3] كما يعتبرهم البعض.
    [4] بل هي تخالف "الإسلام الأصيل المحمّدي" مائة في المائة.

    تعليق


    • #3
      جنازة الشهيد لا تسلم من ظلمهم!

      تُغسل الجنازة و يُقترح على السّيد الإمامي أنْ يصلي عليها و لكنّه لم يقبل و يقول: يجب أنْ يصلي عليها السّيد الصّدر بحسب الوصيّة. و لكنهم يقولون له: لا يحق للسّيد الصّدر أنْ يصلي عليها فإنْ لم تصل أنت عليها نقول لشخص آخر لكي يصلي صلاة الميّت ... فبعد اللتيا و التي يصلي السّيد الإمامي عليها.
      لقد سمعنا بمصادرة الأموال من ذي قبل و لكن لم نر مصادرة الصّلاة!! و لم نسمع أيضاً بمصادرة الوصيّة و لكن رأيناها بأمّ أعيننا!!.
      في الإسلام الأصيل المحمّدي يجب في صلاة الميّت إذن وليّ الميّت هذا إذا لم يوصي الميّت بأنْ يصلي عليه شخص معيّن، و لكن في حال وجود الوصيّة لشخص معيّن يجب العمل بها [1].
      بعد تغسيل الجثمان الطاهر و [ الصّلاة عليه ] ينقلونه إلى مقبرة أبي حسين و يدفنونه في غرفة إختاروها قبل إرتحال هذا الرّجل العظيم بيومين و يدفنوه فيها [2]. هذه الغرفة تقع بجنب المراحيض العامّة!! [3]. ماذا كان سيحدث لو أعطوا الجثمان الطاهر إلى ذويه ؟! صدّام أعطى جنازة شهيدنا المرحوم السّيد محمّد باقر الصّدر بعد إعدامه إلى أقاربه !!. الإمام الصّادق ـ عليه الصّلاة و السّلام ـ صلّى على جنازة عمّه زيد بن علي و هو مصلوب و لم تمنعه بني أميّة ..!! [4].
      في تلك الليلة التي كانت ليلة الجمعة أيضاً صلى الكثير من الناس صلاة ليلة الدفن [ الوحشة ] و في ليلة السّبت أعادوها أيضاً ـ من باب الإحتياط ـ و ذلك لإحتمال وقوع الدّفن بعد فجر يوم الجمعة.

      التأبين ممنوع!

      صباح يوم الجمعة ذهبت إلى أصحاب العزاء للمشاركة في المصيبة، و لكن باب بيتهم كان مغلقاً؛ لماذا؟! طرقت الباب و لكن لم يجبني أحد! طرقت الباب مرّة أخرى و لكن لم يجبني أحد. إستمررت في قرع الباب حتى فُتح لي و دخلت البيت.
      رأيت المنكسرة قلوبهم مجتمعين و ملتجئين إلى القرآن الكريم و قد وضعوا ختمات القرآن أمامهم. كان أحدهم يقرأ القرآن و الآخر يبكي و الثالث غارق في السّكوت و الرابع ينظر إلى الأرض، كلّ منهم كان في حالة خاصّة و لكن الجميع كانوا محزونين.
      نعم ـ لإظهار الحزن ألوان.
      قلت: أخبروا أحداً لقراءة التعزية.
      قالوا: لقد منعونا من ذلك و لقد أصدَروا أمراً بعدم رفع أصوات البكاء من البيت!!.
      هل يحرم البكاء و النحيب و النياحة في الإسلام المحمّدي على المكروبين ؟[5] هل بكاء المفجوعين و ندبة النادبين كان يضرّ بالنظام ؟! لعلّ ذلك كان ينفع النظام، لأنّ المنع من البكاء يولد العقدة و إنفجار العقدة أمر خطير.
      فترة من الزمان شاركت أصحاب العزاء و لكن لا أدري هل تمكنت من أنْ أسلي قلوبهم المنكسرة و أهدئهم أم لا؟! سألت عن أحد الأصدقاء؛ قالوا: ذهب إلى بيت الشيخ الرستگاري [6] لأنّ الشيخ أقام مأتماً، فقررنا أنْ نذهب إلى بيته و نحضر في المأتم.
      الشيخ الرستگاري من الفضلاء الأجلاء المازندرانيين في الحوزة العلميّة [7] و له تفسير على القرآن الكريم باللغة العربيّة في ستين مجلد طبع منه 21 جزءاً. كان يحضر هذا الرجل الجليل في دروس السّيد الشريعتمداري و كان يعشقه و بعد إعتقال سماحة السّيد الشريعتمداري ذكر سماحة الشيخ في تفسيره بعض الظلامات التي وقعت على أستاذه و إنتقد فيه النظام و لهذا السبب سجنوه عدّة أشهر؛ و هو الآن أقام مأتماً و سيكون هذا مبرراً لإعتقاله و حبسه في السّجن لمدة غير محدّدة. هل يحرم إقامة المأتم في وفاة المرجع التقليد ؟! و هل يستحق المؤبّن السّجن بمدّة غير محدّدة ؟! هل يحكم الإسلام بهذا الحكم ؟! يا أيّها الإسلام ماذا يفعلون بإسمك!! [8].
      في خارج بيت الشيخ الرستگاري رأيت أناساً كثيريين، واقفين بجنبي الزقاق و أعينهم ساكبة. حيث كان في البيت زحاماً كان الناس واقفين في حديقة البيت. كلهم كانوا واقفين وهم يبكون و ينتحبون و ينوحون بأصواتٍ عالية، و من أثر الزحام لم يتمكن أحد منهم أنْ يجلس على الأرض أو يعبر من ذلك المكان. قطرات الدموع كانت تنزل كالمطر ولكنها لم تصل إلى الأرض بل كانت تقع على الأبدان و الملابس. لم يكن هنالك قارئ للمصيبة . الناس أنفسهم كانوا ينوحون و يبكون. الجدران و الأبواب أيضاً كانت تصرخ و تبكي. كان لكلّ واحد منهم نغمة خاصّة و في نفس الوقت كانت موزونة و منظومة. سمح الناس لي بالدخول و إفتتحوا لي زقاقاً! زقاقاً كانت جدرانه من اللحم. جدراناً لها أعين! لها ألسن! كانت الجدران تنطق و تفهم و تعلم بما جرى! ترى ما كان يجري و تسمع و تعرف فرائضها !.
      عبرت من فضاء السّاحة و صعدت على السّلم و وضعت قدمي في المكتبة. كلّ مكان كان قد ملئ بالمعزّين والغرف كانت كذلك. الأعين كانت مليئة بالدموع. القلوب كانت مليئة بالدّم!. صوت الصّراخ و العويل كان عالياً. الكل كان يبكي و أنا أيضاً واسيتهم و ما تمكنّت أنْ أمتلك نفسي فبكيت.
      ما أحسن البكاء، فهو يسكن الغم و يطفئ نيران القلب، يخرج دم القلب من العين حتى لا يقع الإنفجار. الطاقات إذا تراكمت إنفجرت. الدمعة لا تسمح بحبس طاقات القلب بل تفتح عليها الطريق حتى تذهب الطاقات المتراكمة حيث تشاء. البكاء أهدى الهدوء إلى الناس قليلاً!. الشيخ الإعتمادي إستفاد من الفرصة و أمر بإتيان القرآن الكريم فأطاعوه و أتوا بالختمة و الكل إلتجئ إلى القرآن و أمّا البكاء فقد تبدّل إلى قراءة القرآن، لأنّها للحيّ سكينة و للميّت مغفرة و للنشأتين سعادة.
      بعد ختم القرآن الكريم، إقترحوا علينا بشيء كان مضمونه : هل تسمحوا لنا بالمشي الجماعي إلى بيت السّيد الشريعتمداري؟ من لوازم الإحترام و التجليل في العادات و التقاليد القديمة في الشرع [ الشرق ] الإسلامي حين إرتحال العلماء و الفقهاء، أنْ تذهب مواكب العزاء إلى بيوتهم. لكنني لم أوافق لأنّي كنت مطمئناً بأنّ القوى الإنتظاميّة مأمورون بالمنع و إني أدركت الخطر [ الكامن ] و كنت أخشى من مقاومة الجمع و هي بالفعل كانت تقاوم و كنت أخاف من إراقة الدماء بل كنت خائفاً على سقوط و لو قطرة واحدة لكي لا أكون مسؤولاً عن تلك القطرة أمام الله تعالى!.
      كان الناس متحمسين جدّاً و قد وصل غضبهم و سخطهم إلى حدّه الأعلى و كانوا متهيئين لأيّ نوع من المقاومة، فإذا عُمل بالطلب لم أكن أعرف بالضبط عاقبة الأمر. المسؤوليّة كانت على عاتق ذلك الذي أجاز الفعل.
      إنّهم أيضاً [9] جزوني! و لعلني كنت مستحقاً لعطائهم!.
      قمت و خرجت من بيت سماحة الشيخ الرستگاري. المشارإليه أحسن و أجاد في المأتم أكثر من المتوقع و هذا يدّل على حُسن أخلاقه. عند خروجي من البيت تبعني بعض المعزين. ذهبنا معاً إلى أنْ وصلنا إلى أوّل الموانع أمام بيت السّيد الشريعتمداري. هناك توجّهت نحو الناس و قلت لهم: أرجو من الرّجال أنْ يتفرقوا و لا يتبعوني... أطاعوني و تفرقوا.
      لمرّة أخرى دخلت على المفجوعين و شاركتهم في مصابهم. قُبيل الزوال ترخصت و خرجت من ذلك المكان لأنّي كنت بحاجة إلى الإستراحة.
      في قم المقدسة، ساعتين قبل صلاة العشاء أستضيف الفضلاء..فباب المنزل مفتوح و الصّلاة الجماعة عامّة . عصر ذلك اليوم جائني الكثير من الفضلاء الذين كانوا محزونين. قلوب المريدين لذلك الرجل العظيم كانت حزينة كاملاً و مصابة تماماً. كلّ واحد منهم كان يقرأ سورة الفاتحة و يبعث رسالة إلى ذلك الجسم الذي أصبح روحاً !. ما ألطف هذه الرّسالة لأنّها للحيّ سكينة و للميّت مغفرة. لم أر بسمة على شفة أحد منهم و لكن كانت الدّموع تبرق في الأعين، ، لأنهم منعوهم من إقامة المآتم. ماذا كان سيحدث لو كانت تقام المآتم ؟! كان يقرأ فيه القرآن الكريم و تسيل الدّموع و تلقي القلوب ما فيها من الغموم و تتخلى عنها.
      ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
      [1] قال المحقق الخوئي ـ قدّس سرّه ـ : [ و يجب فيها ـ أي في صلاة الميّت ـ أمور: .... منها: إذن الولي على الأحوط(*) إلا إذا أوصى الميّت بأنْ يصلي عليه شخص معيّن فلم يأذن له الولي و أذن لغيره فلا يحتاج إلى الإذن ] منهاج الصّالحين: ج 2 ص 92 مع فتاوي آية الله العظمى الشيخ حسين الوحيد الخراساني ـ دام ظله الوارف ـ.
      (*) قال المحقق الوحيد الخراساني ـ دام ظله الوارف ـ: بل الأقوى.
      [2] و بعد أشهر من الدّفن يسوّن القبر و يهدمون الغرفة و يضعون عليها الإسمنت و التراب و بعض المواد التي تستخدم في المقابر!! و تقع المقبرة تحت وطأة أولئك الذين يذهبون إلى المراحيض للتخلي!!.
      [3] قال المحقق الخوئي ـ قدّس سرّه ـ: [ لا يجوز دفن المسلم في مكان يوجب هتك حرمته ـ أي حرمة الميّت ـ كالمزبلة و البالوعة، و...] منهاج الصّالحين: ج 2 ص 96 مع فتاوي آية الله العظمى الشيخ حسين الوحيد الخراساني ـ دام ظله الوارف ـ.
      [4] تعرف الأمور بأضدادها و أمثالها؛ فعلى المنصف أنْ يقارن بين هذه الحكومة و بين حكومة بني أميّة و بين نظام البعث الصدّامي الكافر و يستخرج النتيجة الواضحة!.
      [5] عمر بن الخطاب ـ عليه لعائن الله ـ كان يمنع الناس من البكاء و النياحة على الميّت و هل هنالك تشابه بينهم و بينه؟! فهل طبقوا الإسلام الأصيل المحمّدي أو إنهم طبقوا الإسلام الأصيل العمري؟!
      [6] هو المرجع الديني المظلوم سماحة آية الله العظمى الشيخ يعسوب الدين الرستگاري المازندارني ـ دام ظله الوارف ـ صاحب المؤلفات الكثيرة في التفسير و الأصول و الفقه و علم الكلام و المنطق و.. له أضخم تفسير للقرآن الكريم يقع في 60 مجلد و يعدّ من أبرز تلاميذ الشهيد الشريعتمداري. أعتقل بعد الثورة كراراً و مراراً لصراحة لهجته مع البكريين تارة و لمواقفه المخالفة للنظام تارة أخرى... و النظام في الفترة الأخيرة حبسته و عذبته في سجن ولاية الفقيه لتأليفه كتاب "حقيقت وحدت در دين" الذي يفضح فيه بعض دعاة الوحدة تارة و غاصبي الخلافة تارة أخرى!.
      [7] بقم المقدّسة.
      [8] يقول الحكيم الأنوري من الشعراء المعروفين في العصور السّابقة مخاطباً لرسول الله ـ صلى الله عليه و آله ـ:
      شـرع تو را در پي آرايشند *** در پـي آرايش و پيرايشند
      هرچه بر اين شرع ببستند آز *** گر تـو بيايي نشناسيش باز
      الترجمة:
      إنهم ـ أي حكام عصر الأنوري ـ يتلاعبون مع دينك ـ يا رسول الله ـ و يغيّرونه بحيث لو أتيت من جديد و عرضوا دينهم عليك لما عرفته لتلاعبهم الفظيع معه.
      [9] أي أعوان النظام جزوه ـ قدّس سرّه ـ بإعتقاله.

      تعليق


      • #4
        يوم الإعتقال

        حلّ يوم آخر. يوم السّبت كان يوم إستشهاد الإمام الكاظم ـ عليه أفضل الصّلاة و السّلام ـ. ما هذه الصدفة؟! هل كان بين هذا الكاظم [1] و ذلك الكاظم [2] علاقة ؟!. هل كانت حياتهما متشابهة ؟! و هل مماتهما متماثلة ؟! كان الخليفة آنئذٍ [3] قد أمر بإلقاء القبض على الإمام الكاظم و تمّ ذلك باسم الإسلام و سجنه سنين و في النهاية قتله .
        الإمام الكاظم ـ عليه أفضل الصّلاة و السّلام ـ سادس أحفاد الرسول الأعظم ـ صلى الله عليه و آله ـ و وصيّه السّابع و كان للبشريّة قائداً كبيراً و كان الإمام ـ عليه أفضل الصّلاة و السّلام ـ أطهر أهل زمانه و أعلمهم.
        و كان إسم السّيد الشريعتمداري ـ قدّس سرّه ـ أيضاً كاظم و كان من سلالة رسول الإسلام ـ صلى الله عليه و آله ـ فرأت السّلطات فى زمنه أنّه يشكّل خطراً على الإسلام !! ولذلك سجنته سنين و في النهاية دفن بتلك الصورة! و منعوا الناس من إقامة مراسيم العزاء و مجالس المأتم له [4]!
        في ذلك اليوم جاء عدد كبير من الناس إلى مدينة قم المقدسة لزيارة بنت الإمام موسى بن جعفر الكاظم ـ سلامه الله عليه ـ ولإحياء ذكرى إستشهاد الإمام ـ عليه السّلام ـ و للإستضاء من نوره الطاهر و المقدّس.
        مزار الإمام الكاظم ـ سلام الله عليه ـ يقع في مدينة الكاظميّة بجنب بغداد و له مشهد عظيم.
        في الصّباح وصل سماحة السّيد صادق الخلخالي من طهران و جاء لزيارتي فىالبيت. السّيد الخلخالي إمام جماعة المسجد الأعظم في مدينة طهران و قبل ذلك كان يأم الجماعة في مدينة بغداد حتى أنْ تمّ طرده بواسطة السّلطات الصداميّة في بغداد.
        سئلته: هل تريدون أنْ نذهب معاً إلى بيت السّيد الشريعتمداري؟ قـَـبــِـل ذلك فذهبنا بمعيّته نحو المكان. حينما وصلنا عند بداية الزقاق الذي يؤدي إلى بيت السّيد، واجهنا شاب بدين و قصير القامة كان من حرس الثورة، حديث العهد لم تمس وجهه غبار الزمن و آلامها و كما يبدو كان من أتراك آذربايجان [5] وقطع علينا الطريق!. أردت أنْ أرفع المانع من أمامنا فقلت له: علينا أنْ نذهب.
        فبدأت المشاجرة والنزاع بيني و بينه، سبّبت مقاومتي و ممانعته، إجتماع الناس ممّا أثار مخاوف الحكومة، فتدخلت قوى الأمن لتفرق المجتمعين.
        إجتمع الناس مرة أخرى و كان يزداد عددهم شيئا فشيئا ورجال الأمن تسعى لإخمادهم. في هذه الأثناء قلت لذلك الشاب: ما أروع عملك المقدّس، تريد أنْ يكون عاقبة أمرك خيراً!! فإحمرّت وجنات وجهه وكانت تزداد احمراراً فى كلّ لحظة
        ففي النهاية جائت الموافقة من مخفر القيادة التى كانت تقع آخرالزقاق فإرتفع المانع و دخلنا مع السّيد الخلخالي إلى بيت أصحاب العزاء و واسيناهم.
        لماذا منعونا من الذهاب؟! هل المشاركة في مصيبة المصابين حرام؟!
        لم تمض لحظات من جلوسنا في المكان فإذا بالسّيد العباسي جاء و بلغني رسالة شفهيّة. الرّسالة كانت من الحرس. هل إنهم كانوا مجبورين في إبلاغها؟! هل كانوا يستطيعون أنْ لا يبلغونها ؟! هكذا كان نصّ الرسالة: إذا خرج السّيد الصّدر من المنزل فعندنا شغل معه!!. المراد من الشغل كان واضحاً تماماً: كلّ من يأكل البطيخ لابدّ أنْ يتحمل تبعاته ..[6].. خرجت من البيت و جلست على السّلم.
        قلت لهم: قولوا ماذا تريدون؟!
        قالوا: تفضلوا إلى ذلك المكان؛ و أشاروا إلى غرفة صغيرة كانت مقرّ القوى المحيطة بمنزل السّيد الشريعتمداري.
        ذهبت هناك و جلست و قلت: ماذا تريدون مني؟!
        قالوا: رئيسنا يريد أنْ يلتقي بكم.
        قلت: عليه أنْ يأتي إلى هنا و يقول ما يشاء.
        قالوا: لا يمكن ذلك؛ و عليك أنْ تذهب عنده.
        قلت: لا أذهب!! إذا كان لقاء و زيارة فليأتي إلى هنا و إذا تريدون أنْ تعتقلوني فذلك شيء آخر.
        قالوا: نعم هو كذلك!؛ فتكلم شاب ضخم و بدين و جسيم من حرس الثورة بكلام قبيح و تغالط عليّ فلم أجبه.
        أتوا بسيارة بيكان و أجلسوني على الكرسيّ الخلفي و جلس جندي أمامي و الآخر بجنبي. و أمّا السّائق فكان رئيسهما و كانا تحت أمره. لم أسئله عن إسمه لأنّه كان من الممكن أنْ لا يخبرني.
        البيكان الأسود عبر من شارع "إرم" و وصل إلى شارع "السّاحلي"؛ الشارع الذي كان يحمل سابقاً إسم والدي و لكنهم بعد الثورة محوا إسمه و أبدلوه بإسم آخر.
        عندما عبرنا من على جسر النهر قال لي السّائق: إخلعوا عمامتكم ...
        قلت: لا يمكن ذلك و أنا لا أفعله، و إذا أحببتم فإرفعوها أنتم... حقيقة إنهم كانوا يخافون من الناس لأنهم كانوا يذهبون بي. أمّا أنا فلم أخف من أحد ( من الناس ). عصياني أوجد غيظاً في نفس الآمر! و لكنه لم يظهر ذلك ( و لم يقل شيئاً ). بعد فترة من الزمن قال لي من جديد: إنحني إلى الأمام، و لكن لم يُمتثل أمره هذا كسابقه.

        الذين يقولون: نحن في قلب الشعب، لماذا يخجلون من ركوبي في سيارتهم؟!
        هولاء هم نفس اولئك الذين قبل أعوام إستقبلهم الشعب و كانوا في قلوب الناس و أمّا اليوم يخافون من الناس!. وصلت سيّارة البيكان إلى أمام محطّة القطار و إلى المكان الذي كان سافاك الآريا مهري [7] مستقراً فيه و اليوم صار مقرّاً لسافاك ولاية الفقيه و ما أقدس هذا المكان!!... نزل السّائق و طرق النافذة التي غطيّت بستار و فتح الباب الكبير و دخلت السّيارة ثمّ وقفت و أنزلوني. ركض رجل و أغلق عيني بمئزر الحمّام! كأنهم لا يحبّون الأعين النظارة و مطلوبهم العمى.
        و في هذه المناسبة يقول شاعر كبير لم ألتقه:

        از بستن چشم حق بين تو شد لنگ خجل *** با لنگ کجا بسته شود ديده ي دل
        جز اين دو سه تن کور دل مهر گسل *** کس چشمه ي خورشيد نيندود به گل

        يخجل المئزر من شدّ عين الحق، ولكن كيف يمكن أن تشد عين القلب بالمئزر؟!
        ماعدى هؤلاء الإثنان أو الثلاثة من أعماء البصيرة، ستصبح القلب الرقيقة صلبة، ولا أحد يستطيع أن يلقى نظرة على الورود بواسطة عين الشمس [8].

        ثمّ أخذ السّائق بيدي و سحبنى كالأعمى إلى المكان الذي يريده.
        بعد قليل من المشي قال: ههنا كرسي .. أجلسوا.
        حسب الظاهر كان يريد أنْ يطبق أحكام الإسلام!!.. تحت الفضاء الطلق و المطر جلست على الكرسي. كان الجوّ بارداً و رطباً رغم أنه لم تمض من تخلصى مرض الربو فترة، حيث للتوّ كنت قد برءت من هذا المرض. شعرت بالبرودة و كنت أبصر خطر الزكام رغم إنهم قد ربطوا على عيني.. مع ذلك لم أقل لهم شيئاً. إنّهم أغلقوا عيني و أنا أغلقت لساني. لم أرّ أحداً حتى أتكلم معه لعلني كنت مستحقاً لهذا التعذيب لأني شاركت في مأتم العظماء و عزيتهم و أخمدت ثورة على ثورة و صرت مانعاً من النزاع.

        مضت فترة من الزمن أتى السّائق مرة أخرى و أخذ بيدي و قال: تفضلوا. على حالة العمي كنت أخطوا خطواتي نحو جهة إلى أن وصلنا إلى مكان قال هنا سلّم فوضعت قدمي عليه. عندما وضعت قدمي على الدرج الثاني دخلت الى غرفة. قال: هنا كرسي و إجلسوا. جلست عليه. هذا الكرسي كان كرسييّ الثاني.

        الحارس كان في الغرفة و رفع المئزر من على عيني و أغلقها مرّة أخرى بعصبة سوداء. لم أعرف سببا لترجيحهم العصبة على المئزر الحمام!!
        هذه المرّة الثانية التي كانوا يغلقون عيناي و يأخذون بصري مني. لعلهم كانوا يريدون أن اكون مثلهم و يحرموني من نعمة البصيرة! لكن من المستحيل ان يأخذوا بصيرتي
        أو كان يريد أن لا أعرفهم لأنهم يخافون أنْ يُعرفوا. لماذا؟! مع أنّ البشر مجبول على حبّ إظهار النفس و تعريف الذات و لهذا السّبب تراه يستخدم شتى الوسائل الفرديّة و الإجتماعيّة لإرضاء هذه الرغبة؛ إذاً فلمَ لا يريدون أنْ يعرفوا؟!
        لم يصدر من بصري أيّ ذنب حتى يغلقوه! و أنا الذي حبسوني أيضاً كنت بريئاً [9]. وضعت الرأس الذي فيه عيناي المعصبتين على مقبض عصاي حتى يكون عصاي متكأ لرأسي. العصى في الوقوف عون و في المشي عون و في الجلوس عون و في القيام عون.
        بعينيي المعصبتين كنت أبصر البعيد، كنت أشاهد المستقبل. و لكن هل كان لديهم هذه القدرة؟!. مع انّهم يملكون أنواع و صنوف القدرات؛ فإذا كان لديهم كمّاً من هذه القدرة [10] لم يقعوا في هذه المشاكل و المعضلات. هل يزعمون أنّ "العنف" يحلّ كلّ مشكلة و معضلة؟! يا لها من خطيئة فادحة!. العنف لا يحلّ المشاكل[11].
        رفعت العصبة بيدى قليلاً لأنّ اليد تهدي العميان. في الجهة اليمنى رأيت منضدة و في الجهة اليسرى رأيت منضدة أخرى لم يجلس خلفهما أحد. و في المقابل رأيت قدمين واقفتين عند الباب لعلهما كانتا لنفس ذلك الشخص الذي أغلق بيده عينيي!!. كان يفكر بماذا وأنا كنت افكر في ماذا؟! كان واقفاً و كنت جالساً. كان مأموراً و يرى نفسه معذوراً [12]، و لعله كان يفكر أنّه يخدم الإسلام!! و لكن ماذا جنيتُ على الإسلام!!، كان مأموراً معذوراً و كنت محبوساً غير معذور. أتى هناك بالرّضا و الرغبة و لكن أتوا بي من دون رضى و رغبة. هل هنا إجتمع النقيضان؟! لأنهم جلبوا الرّضا من دون رضى!. مَن منّا سيربح في هذه المنافسة؟! هل هو أم أنا أم الذى كان يأمره؟!
        مضت لحظات و أنا معصب العينين. و إنْ كانت العينان مغلقتان و لكن عين القلب كان يبصر.
        الباري ـ جلّ و علا ـ كان يراني. القابض كان يراني. الحابس كان يراني. و الآمر كان يراني.
        الباري ـ جلّ و علا ـ كان يرى ماذا فعلوا بإسم دينه و ماذا يفعلون. ذاته المقدّسة غير محدود و صبره أيضاً غير محدود.
        مضت فترة من الزمن، و دخل السّائق فى الغرفة و أخذ بيدي و أخرجني منها و أوصلني إلى غرفة أخرى وقال: الآن تستطيعون أنْ ترفعوا العُصبة من على عينيكم؛ ثمّ قال: غدائنا العيش و مرقة السّبانخ [13]؛ أئتي به؟
        رفضت و قلت لا أشتهي و في الحقيقة أيضاً كنت لا أشتهي. تبيّن من هذا الإقتراح أنّ وقوفي سيطول.
        قمت أطالع الغرفة في الجهة اليمنى نظرت إلى الأرض فوجدت قطرات من الدّم، و ربما كان لوناً.
        كان كرسيّاً في زاوية الغرفة بحيث إذا كان أحد يجلس عليه كان يكون ظهره على الغرفة. في الجهة اليسرى، كان على الجدار صورة باهنر و السّيد الخميني؛ مرّة أخرى شعرت بالبرد! وكنت أريد غطاء من الصّوف للتدفئة
        رفعت البطانية البولنديّة التي كانت على المنضدة و تغطيت بها و جلست على الأرض. إذا كانت البطانيّة من الصّوف الخالص، كنت قد أصحبت صوفيّاً من دون أنْ أدخل حلقة الدراويش[14].
        بقيت ساعة بتلك الحالة، ثمّ رفعت القرآن الكريم و في البداية قراتُ سورة يوسف و بعثت ثواب قرائتها إلى نبيّ الله يوسف و طلبت من روحه الطاهرة أن ينصرني. ذلك النبيّ العظيم أيضاً حُبس بريئاً مثلي و ذاق طعم السّجن والحبس. الفرق الوحيد [15] هو أنّه ـ عليه السّلام ـ سُجن في سجن الكافر و أنا سُجنت في سجن المسلم.
        كانت تربطني علاقةٌ خاصّة به أيضاً، إذ ألفت كتاباً في أحوال و سيرة ذلك المَلَك الكريم.
        ثمّ قرأت سورة الإسراء. كنت أحفظ هذه السّورة على قلب و لكننى تلوتها في ذلك اليوم من على القرآن و بعثت ثواب قرائتها إلى الإمام موسى بن جعفر الكاظم ـ عليهما الصّلاة و السّلام ـ و طلبت من حضرته أنْ يعينني لأنّه ـ عليه الصّلاة و السّلام ـ ذاق طعم السّجن و كان إسمي مسجل فى قائمة تشرفت باسمه المبارك؛ إذ أنّهم سجنوه بإسم الإسلام. ذلك الوجود العظيم سُجن بإسم الخلافة و أنا سجنت بإسم ولاية الفقيه. ذلك اليوم كان الخامس و العشرين من شهر رجب المرجّب و كان يوم إستشهاده ـ عليه الصّلاة و السّلام ـ. و هناك رابطة ٌ أخرى تربطني بحضرته لأنّي سيّد موسوي و يصل نسبي إليه ـ عليه السّلام ـ.
        هارون العبّاسي، خليفة الوقت حضر عند مرقد رسول الله ـ صلى الله عليه و آله ـ جدّ الإمام الكاظم ـ عليه السّلام ـ و قال: إبنك نشر الشائعات بين الناس و أنا من أجل الحفاظ على الوحدة الإسلاميّة أسجنه!!. يا ترى هل يقصد هارون الرّشيد من حفاظ الوحدة، حفظ حاكميّته؟!

        ــــــــــــــــــــــــــــــــ
        [1] أي الشهيد الشريعتمداري ـ أعلى الله مقامه ـ.
        [2] أي الإمام الهمام موسى بن جعفر ـ صلوات الله و سلامه عليه ـ.
        [3] أي هارون الرشيد ـ عليه لعائن الله ـ.
        [4] فما أكثر العبر و أقلّ المعتبر!
        [5] محافظة آذربايجان تقع في شمال غربي ايران عند الحدود التركية.
        [6] مثل فارسي مشهور و أصله: هر كس خربزه مي خورد پاي لرزش هم مينشيند.
        [7] أي سافاك [ ساواك ] البهلوي المقبور.
        [8] كما يبدو أنّه حصل بعض التغييرات في البيتين و الله العالم.
        [9] مثل بصري.
        [10] التي كنت أمتلكها.
        [11] لقد إتفق الحكماء و الفلاسفة على أنّ القسر لا يدوم!.
        [12] عندما يرتكب أنصار ولاية الفقيه في ايران جريمة يقولون: [ المأمور معذور ] و لكن المأمور مأزور و ليس بمعذور!.
        [13] أكله ايرانية معروفة.
        [14] أي حلقة أهل التصوف.
        [15] من حيث الحبس.

        تعليق


        • #5
          مضت ساعات و أنا في السّجن و لم يكن لديّ عمل سوى التضرّع و الإستغاثة إلى الذات الربوبي. أنا لم أطلع من خارج السّجن كما أنّ الآخرين أيضاً لم يطلعوا على حالي. نعم ـ كان المأمورون الإنتظاميّون يعرفون ذلك جيّداً. مضت خمس ساعات من الظهر و فتح قفل باب السّجن و دخل شاب بيده قلم و كميّة من الأوراق.
          في البداية سلم و سمع الإجابة. عندما شاهدني و أنا جالس على الأرض سأل:
          لماذا؟!
          قلت: لقد أجهدني البرد و أردت تدفئة نفسي..
          قال: أمعطلة خدمة تدفئة الشوفاج؟! ثمّ وضع يده على الشوفاج فوجده بارداً. ثمّ قال: ليس من المناسب أنْ أجلس على الكرسي و أنتم على الأرض!!
          قلت: نجيز لك أنْ تجلس على الكرسي!
          ثمّ سأل: هل تجسّر عليكم أحد؟
          قلت: بلى؛ حين الإعتقال تجسّر أحد الحرّاس عليّ و قال كلمة بذيئة.
          قال: ما قال لكم؟!
          قلت: لم أذكر لأني لا أريد أنْ أكذب و أمتنع من نقله لأنّه يمكن أنْ يكون خطأًً..؛ و كأنّ أصل الإعتقال لم يكن جسارة! الأمر بخلع العمامة لم يكن جسارة! الأمر بالإنحناء على الكرسي لم يكن جسارة! غلق العين بالمئزر لم يكن جسارة! المئزر الذي يشدونه في الحمام على مكان آخر!! سدّ العين بالعصبة السّوداء لم يكن جسارة؛ السّجن لم يكن جسارة!َ! ألم تكن هذه الأعمال محرّمة في الإسلام الأصيل المحمّدي؟!

          ثمّ شرع في التحقيق معي و سأل بلحن خشن:
          متابعاتكم هذه في جريانات السّيد الشريعتمداري في زمان حياته و مماته ينشأ من أي شيء؟
          أجبته: لديّ نقطة ضعف في الحياة و هي إنني أحامي الغرباء و المظلومين مثلما ساعدت السّيد الخميني في زمن الشاه [ البهلوي ]. كان السيد الشريعتمداري رجلا عظيما ومرجعا للتقليد، و له مقام شامخ عند الناس.. كان من الذين تعبوا على أنفسهم و كان ملجئاً لللاجئين و حين سجنوه في بيته و أهانوه في الصّحف، ذهبتُ لنصرته و أردتُ حلّ المشكلة و بعثت إلى السّيد الخميني عدّة رسائل و لكن دون جدوى. هذه كانت متابعتي في أمور السّيد الشريعتمداري في حياته؛ و لا يعرف ذلك إلا السّيد الخميني و ثلاثة أشخاص آخرون و لكن متابعتي لقضاياه في مماته كان لأجل وصيّته لي بالصّلاة عليه! فأتيت مع جنازته إلى قم و ذهبت إلى منزله و واسيت المفجوعين.. فأيّ العملين محرّمين في قانون من قوانين العالم؟!
          ثمّ سأل: هل تقولون أنّ حكومة اليوم مثل حكومة الشاه [ البهلوي ]؟
          قلت: الفرق بين حكومة اليوم و حكومة الشاه [ البهلوي ] هو أنّ كلّ ما يقع اليوم يكون باسم الإسلام و لكن كلّ ما كان يقع في زمن الشاه [البهلوي ] لم يكن باسم الإسلام!
          ثمّ سأل: إنكم في هذه السّنين القلائل لم تشتركوا في أي مجلس من مجالسنا لا في مجالس الشهداء و لا في مجالس الاحتفال و لا في صلاة الجمعة!، ما هو السّبب في عدم مشاركتكم؟!
          قلت: لأني كنت مخالفاً مع الجمهوريّة الإسلاميّة و مشاركتي فيها كانت بمعنى تأييدي لها و لذلك لم أشترك؛ صدقني بأني أعلنتُ مخالفتي مع الجمهوريّة الإسلاميّة بمرأى من السّيد الخميني و مسمع منه قبل الاستفتاء العام [1]! و قلت له: حاج آقا! أنا مخالف مع الجمهوريّة الإسلاميّة!
          قال: مخالف؟!
          قلت: نعم.
          سأل: لماذا؟!
          أجبته: بأنّ الحكومات في العالم و الأنظمة فيها في جميع صورها و أشكالها ديكتاتورية سوداء كانت أو ديكتاتورية حمراء وسواء أكانت ديموقراطيّة أم كانت ذا أحزاب متعددة..لا تستطيع أنْ ترضي كافة أفراد الشعب و لأنها فاقدة لهذه القدرة و مغلوب على أمرها. الجمهوريّة الإسلاميّة أيضاً بأي صورة من الصّور حكمت سيكون لها في المستقبل معارضين و إنهم سوف لا يرضون عن الإسلام.. فستكون الجمهوريّة الإسلاميّة في اللفظ و اللسان فقط. باكستان فعلت ذلك و الحكومة السّعوديّة تدّعي بأنها حكومة إسلاميّة.
          سأل: فماذا نفعل؟!
          قلت: أعلنوا الجمهوريّة وحدها بعد ذلك صيّروا القوانين إسلاميّة حتى تقول المعارضة غداً: لم يقيموا الجمهوريّة الإسلاميّة فوقعنا في هذه المصائب و إذا كانت الجمهوريّة إسلاميّة لم تصبنا هذه البلايا!!
          يشهد التاريخ بأنّ الحكومات التي حكمت باسم الدّين و المذهب لم تنفع المذهب بل كانت تزرع البغض و الحقد على المذهب. الحكومة الوحيدة التي تنفع المذهب هي الحكومة اللائيكيّة.
          ثمّ سأل المحقق: ما هو السّبب في مشاركاتكم في مجالس أعداء الثورة؟!
          قلت له: ما المقصود من عدو الثورة و ضدها؟ إذا كان المراد من أعداء الثورة، خصوص مجاهدي الخلق و فدائيو الخلق ونظائرهما فأنا أيضاً أخالفهم و آثاري المكتوبة و مؤلفاتي و محاضراتي تشهد على صحّة ما أقول.
          و امّا إذا كان المراد "من أعداء الثورة" الموالون لأهل البيت ـ عليهم الصّلاة و السّلام ـ؛ فأيّ ثورة تقصدها أنت؟! لأنّ الموالي يعني المحب لعلي و آل علي ـ عليهم الصّلاة و السّلام ـ؛ فماذا سوف تكون حقيقة ثورتكم التي تنعتون محبي علي بن أبي طالب و آله بأعدائها؟!
          و أمّا إذا كان المراد عدم الرضى و الإنتقاد من الحكومة و النظام فأنا عدو الثورة! لأني أنتقدها! و ليس انتقادي لغير المعممين، لكوني غير متخصص في علم الإقتصاد و السّياسة بل إنتقادي من المعممين؛ مع الملالي في الكميتة و المحاكم الذين يصدرون حكم الإعدام و مصادرة الأموال و السّجن للأشخاص و اعلم أنّ فقهاء الشيعة يتفقون على ثلاثة أمور من موارد الإحتياط الشرعي في الشبهات الموضوعيّة التي لا يجري فيها أصل الحل:
          1. الدماء
          2. النواميس
          3. الأموال
          و بعض الفقهاء ألحق بهذه الأمور الثلاثة "الأعراض".
          و بلا شك أنّ بعض المعممين أيضاً ليسوا غير مقصرين لأني سمعت: كلّ من لا يقلد السّيد الخميني، لا يستخدموه و إذا كان عاملاً في الدولة يطردوه و هذه المواجهة لا تلائم الإسلام [ الأصيل ] المحمدي. الدّين ميل قلبي و الميل القلبي لا يتحقق بالقسر و العنف.
          سأل: ألم تشاهد بأنّ النساء تحجبن و محلات بيع الخمور أغلقت و الإذاعة تبث الأشرطة المذهبيّة..؟!
          لم أخض معه في هذه المسألة و لكن نقلت الكلام إلى موضوع آخر وقلت له:
          قبل انتصار الثورة، كان الشباب في أوروبا يعشقون الإسلام لأنهم لم يفهموا من الديانة المسيحيّة شيئاً و تعبوا من الشيوعيّة.. و الأفارقة أيضاً ضجرهم الإستعمار المسيحي و لم ينخدعوا بأكاذيب المبشرين و كان لهم انجذاب نحو الإسلام و لكن حكومة الثوريين في ايران سبّبت تنفرهم من الإسلام و ابتعادهم عنه.. ثمّ نقلت له هذين القصتين:

          1-كان السّيد المحققي الذي عيّنه السّيد البروجردي إماماً للجماعة في مسجد هامبورغ في آلمانيا يقول:
          دعيت لإلقاء محاضرةٍ في إحدى جامعات آلمانيا؛ حينما وقفت خلف المنصّة رأيتُ بنات شابات آلمانيّات و لكن محجّبات جالسات في الصف الأوّل من الصالة و كلهنّ اعتنقن الإسلام. في أثناء المحاضرة و لكثرة تصفيقهنّ لي و لتقبلهن لنطقي و منطقي، أراد رئيس تلك الجامعة الآلمانيّة الذي كان مسيحيّاً متعصّباً، أنْ يخجلني أمامهنّ فبعد نهاية المحاضرة وضع القرآن الكريم على المنضدة و أراني قوله تعالى: ( وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ) [2]!
          قلت له: كأنّك لم تجيد اللغة العربيّة’ لأنّ لفظة [ إضرب ] لم تستعمل فقط في معنى اللطم مثلاً؛ بل تستعمل في معان اُخر منها السّفر و في القرآن الكريم استعملت بهذا المعنى و تلوت عليه آية السّفر.
          ثمّ قلت له: يقول القرآن الكريم: إذا لم تستطيعوا أنْ تتوافقوا مع نسائكم فاتركوهن... و البنات حين سمعن مني هذا الكلام صفقن لي.

          القصّة الثانية:
          هكذا نقلتها له و قلت:
          أحد أصدقائي هو تاجر يُسمّى بالخونساري و هو يسكن الآن في مدينة بلفيلد في آلمانيا و هو من أنصار حزبكم "حزب الله"!!. قبل مدّة جاء إلى ايران و جاء لزيارتي و سألته عن نظرة الآلمانيين إلى حكومتنا الإسلاميّة!! أجابني بإنتباه قائلاً:
          هناك الملة تابعة للدولة فاليوم إنْ أرادت الدولة أنْ تصيّر أحداً عند الناس محبوباً فتتمكن و غداً إنْ أرادت أن تفر الناس منه تصل إلى مقصودها!...
          إلتفت! إنّه يصف إحدى الملل و يقول بأنها فاقدة للوعي و الشعور و التشخيص و في الأثناء أيضاً إعترف بأنّ آلمانيا متنفرة من الإسلام بينما دولة آلمان لها روابط حسنة مع الجمهورية الإسلاميّة و أنها تستفيد من برودة الروابط الديبلوماسيّة و الإقتصاديّة بين ايران و فرنسا و لكن التعصب يوجب أن يتكلم [3] هكذا.

          سأل المحقق:
          ألم تذهبوا إلى مكة و تشاهدوا المظاهرات التي تخرج في حماية الجمهوريّة الإسلاميّة و كل الشعوب تشترك فيها؟!
          قلت له: صحيح ذلك و لم أنكر تواجد قلة تحبّكم من كلّ دولة؛ تلك الأقليّة التي خلقتموها أنتم! كلامي في الأكثريّة! تعال معي نذهب إلى آلمانيا و بريطانيا حتى يتضح لنا وجهة نظرهم حول الإسلام.. إنكم تظنون بأنه إذا دعوتم بعض الأشخاص من دولة من الدول و أنهم تكلموا في صالحكم و هتفوا بشعار تعتبرونه نجاحاً بينما لا يصح الإطمئنان بهؤلاء لإحتمال نفاقهم و جدلهم و مصانعتهم لكم.
          سمعت أحد المقامات الراقية في الوزارة الخارجيّة يقول: بأنّ سفيرنا في سوريا أنجح من جميع سفرائنا في العالم!.
          قلت له: لمْ تـــُرجع سوريا إلى ايران مليار و ثمان مائة مليون دولار ثمنُ نفطنا الرخيص! هذا السّفير لم يستطع أنْ يرد إلى ايران فلساً واحداً من ذلك المبلغ فهل هذا السّفير ناجح؟!
          سكت و لم يقل شيئاً؛ لأنّه [4] كان يريد في الواقع أنْ يبيّن بأنّ سفيرهم في سوريا إستطاع أنْ يؤسس حزب الله في لبنان لا في سوريا!!

          بعد ذلك أظهر المحقق غضبه على الشيخ الرستگاري و السّيد الإمامي.
          قلت له: ما أضعفكم أنتم لأنكم غير مرتاحين [ و خائفين ] من هذين الرجلين!! أيّ قدرة لهما قبال قدرتكم و الحال أنّ سافاككم أقوى من سافاك البهلوي؟!
          بعد ذلك سألني المحقق عن إسم والدي و أعطيته اسمه...
          الشعب الإيراني و الأفغاني و السّوري و اللبناني و الهندي و الباكستاني يعرف والدي لكنه [5] لم يعرفه! مع أنه في بداية التحقيق سألته هل تعرفني؟ قال: نعم.
          ثمّ أملى المحقق شروطاً و قدّمها لي حتى أوقعها و لكنني لم أفعل ذلك فكتب تحتها: لأنّ هذا الشخص لم يتعهد و لم يلتزم بالبنود فلو تعرّض له حزب الله في المستقبل في بيته أو في الأزقة أو في المسجد لم نتحمل المسؤوليّة...
          فقبلت ذلك.

          ثمّ سأل المحقق: لماذا ذهبتم إلى بيت الشيخ الرستگاري؟
          قلت: لم يكن الذهاب إلى بيت الرستگاري ممنوعاً، و سمعت أنّه عقد في بيته مجلساً تأبينيّاً للسّيد الشريعتمداري فحضرت في المجلس و هذا من سنن المسلمين الذين يقيمون للميّت العزاء و مجالس الترحيم.. بل هو عادة قديمة عند الإيرانيين تسمّى ب "پرسه". ثمّ قلت له: كانوا يريدون أن يرسلوا ذلك الجمع الغاضب إلى بيت السّيد الشريعتمداري و أنا منعتهم؛ فهل جزاء الإحسان الإساءة؟!

          ثمّ قال: هل تدرّسون الفلسفة و تعلمونها؟!
          قلت: نعم؛ لأنّ السّيد الخميني ألقى ثقل تدريسها على عاتقي حين ذهبت إلى بيته في النجف الأشرف قال لي: أخشى أن يموت هذا العلم إن لم تدرسوهم الفلسفة و بعد عودتي من النجف الأشرف شرعت بتدريس الفلسفة مع أني كنت أدرّس قبل ذلك [ خارج ] الفقه و الأصول.
          ثمّ سأل عن كيفية السّير في الفلسفة؟!
          قلت: هل تعرف العربيّة؟!
          قال: نعم؛ لأني طالب من طلبة العلوم الدينيّة!!
          سألته: ما إسمك؟!
          قال: أحمد
          و ما هو لقبك؟
          قال: خزاعي!!
          شغلك؟
          رئيس الأمن في مدينة قم المقدّسة!!
          قلت: إذا أراد الشخص أن يتعلم الفلسفة عليه أنْ يبدأ بشرح تجريد الاعتقاد للعلامة أو شرح الهداية للميمندي ثمّ شرح الإشارت أو الشوارق أو شرح المنظومة [6]؛ ثمّ الأسفار [7] لصدر الدّين الشيرازي... و للمرحوم القمشه ائي ترجمة على كتاب الفصوص للفارابي و هذا الكتاب من حيث المقدمي نافع للدنيا!.
          قال: من الآن لا تذهب إلى بيت السّيد الشريعتمداري
          قلت: أذهب.
          قال: لا نسمح لكم..
          حوالي السّاعة الخامسة رخصوني.
          قلت: لا أستطيع أنْ أمشي ليستأجروا لي سيّارة.. فنادى: أستأجروا سيّارة للسّيد.
          جاء شاب و قال تعالوا معي إلى الإدارة فأنا أستأجر لكم سيّارة.
          ثمّ ذهبنا معاً و عبرت من ذلك الطريق الذي أتيتُ منه بالعينين المغلقتين بأعين مفتوحة. من المعلوم أنّ الذهاب بالأعين المغلقة و الرجوع بالأعين المنفتحة يُعدّ نجاحاً!
          ثمّ عبرت من الباب الكبير للإدارة و وقفت عند الميدان بانتظار السّيارة. جائت سيّارة فانت صفراء و ذهبتُ إلى بيت ابنتي لأني كنتُ مدعوّاً لصرف الغداء هناك. كان السّيد الشبيري في المنزل. قلت إذهبوا و قولوا للسادة الذين ينتظروني في خارج البيت بأني عُدت من السّجن.. بعد ذلك ذهبتُ إلى بيتي لأداء صلاة الجماعة.
          ذلك اليوم كان يوم إستشهاد الإمام الكاظم ـ عليه أفضل الصّلاة و السّلام ـ و الكثير من الناس في ذلك اليوم لبسوا السّواد.. و سمعتُ بأنّ قوّات الأمن إعتقلت الكثير منهم لظنهم بأنّ المعتقلين لبسوا السّواد على السّيد الشريعتمداري ـ قدّس سرّه ـ!! لماذا؟! هل التعزية على السّيد الشريعتمداري حرام في الإسلام؟!
          هل لبس السّواد حرام في الإسلام؟!
          سمعتُ بأنهم في بعض الأحيان كانوا يعتقلون بعض الشباب لأنه مثلاً يلبس قميصاً ردائه قصيراً أو يلبس بنطلون "لي" و حتى كانوا يجلدونهم! لماذا؟!
          لا ملابس خاصّة في الإسلام يجب لبسها.. و لم يعاقب الرسول الأعظم و أميرالمؤمنين ـ عليه أفضل الصّلاة و السّلام ـ الناس في القضايا المشابهة.
          لماذا عندهم مشكلة مع ألبسة الناس؟!
          لماذا يزرعون بغض الإسلام في قلوب الناس؟! مع أنّ الرسول الأعظم ـ صلى الله عليه و آله و سلم ـ قال: قولوا للناس ما يعرفون.. هذا و أنّ الإسلام لم يعيّن للرجال و النساء لباساً خاصّاً إلا ما خرج بالدليل.

          الخاتمة:

          إنتشر بين الناس خبر وصية ذلك المرجع العظيم كما أنه إنتشر خبر ممانعتهم إيّاي من صلاتي عليه و عملي بوصيّته و الإذاعات العالميّة نشرت خبر إعتقالي؟!
          من أينَ عرفوا هذه الأخبار بهذه السّرعة؟! هل لديهم بين الإنتظاميين صحفي أو مخبر؟!
          في تلك الليلة بدأ أصدقائنا في قم و غير قم بالإتصال بي و السؤال عن صحتي و أحوالي و في اليوم الثاني كثر عدد زوّاري في البيت و لكن لم يصدر أيّ لطف من جانب راعي الحوزة العلميّة [8] إلى هذا الرّجل المختطف من الرّعيّة و لم نشاهد أيّ ردود فعل من سكان قم.. لعلّ ذلك كان لعدم إستحقاقي لذلك!!
          كتبت صحيفة لبنانيّة و قال خطيبٌ في لبنان:
          ( القذافي سجن الإمام موسى الصّدر و الإيرانيّون سجنوا أخاه الأكبر)!!
          و لم تظهر حركة من طهران أيضاً لعلني لم أستحقها!!
          أمّا البرقيّات فأخربت إلى هنا و من نقاط مختلفة في العالم و لم تصل إلىّ حتى واحدة منها!!
          ألم يجب إيصال الأمانة في الإسلام؟!
          ألم يحرم أخذ الراتب لعمل من دون إتمامه؟!
          المرجع الديني الكبير سماحة السّيد القمّي ـ دام ظله الوارف ـ [9] أخبر من المشهد المقدّس برقيّة لم تصل إليّ و لكن أرسل سماحته مرّة أخرى متنها و إليك نصّها:

          قم ـ سماحة آية الله الصدر ( دامت بركاته )
          الحادثة المؤلمة و المخجلة و الظالمة التي إرتكبوها بحقكم، أثارت ألمنا الشديد و تأثرنا.
          من العجيب أنّ في الدولة التي تسمى بال ( جمهوريّة الإسلاميّة ) تُُرسَل هيئة إلى الإتحاد السّوفيتي ( الماركسي الإشتراكي ) لتشييع جنازة قائدها الكافر و الملحد و العدو لله [10]، ولكن العالم الديني و المرجع الذي يقلده و يتبعه الكثير في الخارج و الداخل يرتحل، فتحمل جنازة ذلك العالم من دون تشييع و تجليل و يمنعونكم من الصلاة على جنازة ذلك المرحوم التي وجبت عليكم بوصيته. و هنا يظهر مصداق لقوله تعالى ( و ينهون عن المعروف )[11].
          و عجبا عجبا عجبا!! و الأعظم من ذلك تذهبون الى تعزية المصابين و مشاطرة أولياء المرحوم أداءاً لوظيفتكم ( الشرعيّة ) و لكن بكل دناءة و سفالة يعتقلون حضرتكم و تبقون مدة من الزمان قيد الإعتقال.
          الألم الكبير لأهل الدين ( المؤمنين ) هو أن جميع هذه الأعمال وغيرها من الأفعال التي هي ايضا مخالفة للشرع الأنور ، تصدر "من هؤلاء " باسم الدين و المذهب ( الشيعي )!!"فإنا لله وإنا إليه راجعون" و "إلى الله المشتكى ونسأل الله تعالى أن يفرج عن وليّه و أنْ يُصلح به كل فاسد من أمور المسلمين وأسأل الله لكم النصر والعز والتائيد".

          القمى ( الختم الشريف ).

          أرسل سماحة السّيد الحاج ميرزا حسن السّعيد برقيّة و لكنها لم تصل.
          السّيد علي بن الحسين الباقري مدير مجلة [ رسالة الصّلح ] التي تنشر في مدينة ولهي أرسل برقيّة و لم تصل و أرجعت و لم يعرف المرسل المبدأ الذي رجعت منه.
          السّيد الباقري يكتب بلغات ثلاث ( الأردو و الفارسيّة و الإنجليزية ) و كان يحضر دروسي في الفلسفة مدّة من الزمن و هو الآن أستاذ في الجامعة الإسلاميّة في مدينة ( عليكر ) الهنديّة و ترجم كتابي ( سيد الشهداء ) إلى لغة الأردو.
          حين هاجر الرّسول الأعظم ـ صلى الله عليه و آله و سلم ـ من المكة المكرّمة أرجع أمانات الكفار و مشركي قريش إليهم مع أنهم كانوا كفار و أعداءه الألداء!
          البرقيّة الوحيدة التي وصلت إلينا كانت من مدينة هامبورغ الآلمانيّة و لكنها كانت بلا توقيع!!
          هل أرسلت من آلمانيا بلا توقيع أو نسي الشخص الذي يستقبل البرقيّات أنْ يكتب التوقيع؟!

          السّيد رضا الصّدر
          ___________________
          [1] الرفراندوم.
          [2] النساء آية 34.
          [3] أي الخونساري.
          [4] أي ذلك الشخص في الوزارة الخارجيّة.
          [5] أي المحقق.
          [6] للسبزواري.
          [7] التي سمّاها مؤلفها بالحكمة المتعالية.
          [8] أي الخميني.
          [9] هو المرجع الديني المظلوم سماحة آية الله العظمى الإمام السّيد حسن الطباطبائي القمّي ـ دام ظله الوارف ـ و هو خال مؤلف هذه الوجيزة سماحة آية الله السّيد رضا الصّدر و الإمام موسى الصّدر ـ قدّس سرّهما ـ و هو غنيّ عن التعريف.
          [10] و هو ( Leonid Brezhnev ) ليانيد برژنف "December 19, 1906 - November 10, 1982".
          [11] قال سبحانه و تعالى: ( الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) التوبة / 67؛ فهذه هي صفات المافق في القرآن الكريم و لكنّ الحميّة الجاهليّة تصيّر من المافق ملكاً مقدّساً.

          إنتهت الوجيزة

          تعليق


          • #6
            والى الله المشكى..ومن ثم الى خليفته الامام المنتظر (عج) ليملا الارض قسطا و عدلا بعدما ملئت ظلما و جورا...
            رحم الله المرجع الكبير الشريعتمداري و العالم الكبير اية الله الصدر و حشرهم مع اجدادهم الائمة الميامين..

            تعليق


            • #7
              بودي أن أصدق كلامكم
              لكن هذا العالم الكبير لايخرج منه هذه الركاكة
              إلعبوا غيرها

              تعليق


              • #8
                هذه الوجيزة ذكرها الامام المنتظري ايضا في مذكراته..
                و هذه الوجيزة ترجمها الأستاذ الدكتورعلي مهدي و انا نقلتها ايضا منذ فترة من هذا الموقع:
                http://www.so.co.nz/arabic/viewtopic.php?t=487

                تعليق

                المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                حفظ-تلقائي
                x

                رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                صورة التسجيل تحديث الصورة

                اقرأ في منتديات يا حسين

                تقليص

                المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, 02-05-2025, 07:21 AM
                ردود 2
                17 مشاهدات
                0 معجبون
                آخر مشاركة ibrahim aly awaly
                بواسطة ibrahim aly awaly
                 
                أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, 02-05-2025, 09:44 PM
                استجابة 1
                12 مشاهدات
                0 معجبون
                آخر مشاركة ibrahim aly awaly
                بواسطة ibrahim aly awaly
                 
                يعمل...
                X