إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

الإمام علي مجمع الفضائل

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #31
    الإمام علي ابن أبي طالب عليه السلام


    .
    أبو الحسن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، إبن عم الرسول الأعظم صلَّى اللَّه عليه وآله، وأول من لبَّى دعوته واعتنق دينه، وصلّى معه.


    هو أفضل هذه الأمة مناقب، وأجمعها سوابق، وأعلمها بالكتاب والسنة، وأكثرها إخلاصاً لله تعالى وعبادة له، وجهاداً في سبيل دينه، فلولا سيفه لما قام الدين، ولا انهدت صولة الكافرين.



    نعم، لم تعرف لإنسانية في تاريخها الطويل رجلاً - بعد الرسول الأعظم (ص) أفضل من علي بن ابي طالب ولم يسجّل لإحد من الخلق بعد الرسول صلى الله عليه وآله من الفضائل والمناقب والسوابق، ما سجّل لعلي بن ابي طالب، وكيف تحصى مناقب رجل كانت ضربته لعمرو بن عبدود العامري يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين، وكيف تعد فضائل رجل اسرّ اولياؤه مناقبه خوفا، وكتمها أعداؤه حقداً، ومع ذلك شاع منها ما ملأ الخافقين، وهو الذي لو اجتمع الناس على حبه - كما يقول الرسول صلى الله عليه وآله - لما خلق الله النار.



    والحديث عن علي بن ابي طالب طويل، لا تسعه المجلدات، ولا تحصيه الأرقام، حتى قال ابن عباس لو أنّ الشجرَ اقلامٌ، والبحرَ مدادٌ، والإنس والجن كتّاب وحسّاب، ما أحصوا فضائل أمير المؤمنين عليه السلام.



    وكان لا بد لنا من الإختصار في الكتابة في هذة السلسة العلوية، وحسبنا أن نشير فيها إلى بعض خصائصه، ومناقبه، وعليها فقس ما سواها.





    ولادته
    ولد عليه السلام بمكة في البيت الحرام يوم الجمعة الثالث عشر من شهر الله الأصم رجب بعد عام الفيل بثلاثين سنة ولم يولد في البيت الحرام سواه قبله ولا بعده وهي فضيلة خصه الله بها إجلالاً له واعلاءً لرتبته وإظهاراً لتكرمته. وقيل ولد لسنة ثمان وعشرين من عام الفيل، والأول عندنا أصح وكان عليه السلام هاشمياً من هاشميين، وأول من ولده هاشم مرتين (أي من قبل الأب والأم)، فمن جهة الأب فهو علي بن أبي طالب بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف، ومن قبل الأم فهي فاطمة بنت أسد بنت هاشم بن عبد مناف.


    في مقتله عليه الصلاة والسلام: لما تواعد إبن ملجم - عليه لعنة الله وملائكته وخلقه - وصاحباه على قتل علي عليه السلام ومعاوية وعمرو بن العاص دخل إبن ملجم المسجد في بزوغ الفجر الأول فدخل الصلاة تطوعاً وافتتح القراءة فأقبل علي عليه السلام وبيده مخفقة وهو يوقظ الناس للصلاة فمر بابن ملجم لعنه الله ودخل الصلاة فتبعه ابن ملجم لعنه الله فضربه على قرنه ووقع ذبابة السيف في الجدار فأطار فدرة من آجره فابتدره الناس ووقع السيف منه فجعل يقول: أيها الناس احذروا السيف فإنه مسموم فمات روحي وروح العالمين له الفدا من تلك الضربة بعد ليلتين منها فأخذه (ابن ملجم) عبدالله بن جعفر فقطع يديه ورجليه وروى الحافظ أبوبكر البيهقي: خرج علي عليه السلام لصلاة الفجر فأقبل الوز يصحن في وجهه فطردوهن عنه فقال: دعوهن فإنهن نوائح ولما ضرب عليه السلام قال: فزت ورب الكعبة.. وفي الحديث أن النبي (ص) قال لعلي عليه السلام ألا أخبرك بأشد الناس عذاباً يوم القيامة؟ قال: أخبرني يا رسول الله. قال: فإن أشد الناس عذاباً يوم القيامة عاقر ناقة ثمود، وخاضب لحيتك بدم رأسك وصاحباه (الذين كانا مع إبن ملجم).


    عمره
    في عمره الشريف سلام الله عليه: مضى أمير المؤمنين عليه السلام وهو إبن خمس وستين سنة ونزل الوحي وله إثنا عشر سنة وأقام بمكة مع النبي (ص) ثلاث عشر سنة ثم هاجر فأقام معه بالمدينة عشر سنين وأقام بعده ثلاثين سنة وقبض عليه السلام في ليلة الجمعة إحدى وعشرين من شهر رمضان المبارك سنة أربعين من الهجرة وقبره بالغري بمدينة النجف الأشرف في العراق. دفنه الحسن عليه السلام في الغـري، وأخفى قبره مخافة الخوارج ومعاوية، وهو اليوم ينافس السماء سمو ورفعة، على أعتابه يتكدس الذهب، ويتنافس المسلمون في زيارته من جميع العالم الإسلامي.







    إمامته
    واختلفت الأمة في إمامته بعد وفاة رسول الله (ص) وقالت شيعته وهم: بنوهاشم كافة وسلمان وعمار وأبوذر والمقداد وخزيمة بن ثابت ذوالشهادتين وأبو أيوب الأنصاري وجابر بن عبد الله وأبوسعيد الخدري في أمثالهم من أجلة المهاجرين والأنصار: أنه كان الخليفة بعد رسول الله (ص) لما إجتمع له من صفات الفضل والكمال والخصائص التي لم تكن في غيره من سبقه إلى الإسلام ومعرفته بالأحكام وحسن بلائه في الجهاد و بلوغه الغاية القصوى في الزهد والورع والصلاح وما كان له حق القربى ثم للنص الوارد في القرآن وهو قوله تعالى: ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلوة ويؤتون الزكاة وهم راكعون )، والولاية كانت ثابته له عليه السلام بنص القرآن وبقول النبي (ص) يوم الدار وقوله في غديرخم، فكانت إمامته عليه السلام بعد النبي ثلاثين سنة منها أربع وعشرون سنة وأشهر ممنوعاً من التصرف آخذاً بالتقية والمداراة محلاً عن مورد الخلافة قليل الأنصار كما قال فطفقت أرتأى بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء ) ومنها خمس سنين وأشهر ممتحناً بجهاد المنافقين من الناكثين والقاسطين والمارقين مضطهداً بفتن الضالين واجداً من العناء ما وجده رسول الله (ص) ثلاث عشرة سنة من نبوته ممنوعاً من أحكامها حائفاً ومحبوساً وهارباً ومطروداً لا يتمكن من جهاد الكافرين ولا يستطيع الدفاع عن المؤمنين.



    ألقابه
    وفي كناه وألقابه عليه السلام : أبا الحسنين وأبا الريحانتين أبا تراب أميرالمؤمنين ويعسوب الدين ومبيد الشرك والمشركين وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ومولى المؤمنين وشبيه هارون والمرتضى ونفس الرسول وزوج البتول وسيف الله المسلول وأبوالسبطين وأمير البررة وقاتل الفجرة وقسيم الجنة والنار وصاحب اللواء وسيد العرب وخاصف النعل وكشاف الكرب والصديق الأكبر وذوالقرنين والهادي والفاروق الأعظم والداعي والشاهد وباب المدينة وغرة المهاجرين وصفوة الهاشميين والكرار غير الفرار صنو جعفر الطيار رجل الكتيبة والكتاب وراد المعضلات وأبو الأرامل والأيتام وهازم الأحزاب وقاصم الأصلاب قتال الألوف ومذل الأعداء ومعزالأولياء وأخطب الخطباء وقدوة أهل الكساء وإمام الأئمة الأتقياء والشهيد أبوالشهداء وأشهر أهل البطحاء ومثكل أمهات الكفرة ومفلق هامات الفجرة والحيدرة ومميت البدعة ومحيي السنة وسيد العرب وموضع العجب ووارث علم الرسالة والنبوة وليث الغابة والحصن الحصين والخليفة الأمين والعروة الوثقى وابن عم المصطفى وغيث الورى ومصباح الدجى والضرغام والوصي الولي والهاشمي المكي المدني الأبطحي الطالبي والرضي المرضي وهذا قليل من كثير.



    أصحابه
    أصحابه وممن بايعه بغير ارتياب بالإجماع والإتفاق: من المهاجرين: عمار بن ياسر - الحصين بن حارث بن عبدالمطلب - الطفيل بن الحارث - مسطح بن اثاثة - جهجاه بن سعيد الغفاري - عبدالرحمن بن حنبل الجمحي - عبدالله و محمد إبنا بديل الخزاعي - الحارث بن عوف - البراء بن عازب - زيد بن صوحان - يزيد بن نويرة - هاشم بن عتبه المرقال - بريدة الأسلمي - عمرو بن الحمق الخزاعي - الحارث بن سراقة - أبوأسيد بن ربيعة - مسعود بن أبي عمر - عبدالله بن عقيل - عمرو بن محصن - عدي بن حاتم - عقبة بن عامر - حجر بن عدي الكندي - شداد بن اوس .

    ومن الأنصار: أبو أيوب خالد بن زيد - خزيمة بن ثابت - أبو الهيثم بن التيهان - أبوسعيد الخدري - عبادة بن الصامت - سهل وعثمان إبنا حنيف - أبو عياش الزرقي - سعيد وقيس إبنا سعد بن عبادة - زيد بن أرقم - جابر بن عبدالله بن حرام - مسعود بن أسلم - عامر بن أجبل - سهل بن سعيد - النعمان بن عجلان - سعد بن زياد - رفاعة بن سعد - مخلد وخالد إبنا أبي خالد - ضرار بن الصامت - مسعود بن قيس - عمرو بن بلال - عمارة بن أوس - مرة الساعدي - رفاعة بن رافع الزرقي - جبلة بن عمرو الساعدي - عمرو بن حزم - سهل بن سعد الساعدي .

    بنو هاشم : الحسن والحسين عليهما السلام - محمد بن الحنفية - عبدالله و محمد وعون أبناء جعفر - عبدالله بن عباس - الفضل وقثم وعبيدالله أبناء عباس بن عبدالمطلب - عتبة بن أبي لهب - عبدالله بن الزبير بن عبد المطلب - عبدالله بن أبي سفيان بن الحارث .

    بني هاشم وسائر الشيعة: محمد بن أبي بكر - محمد بن أبي حذيفة - مالك بن الحارث الأشتر - ثابت بن قيس - كميل بن زياد - صعصعة بن صوحان العبدي - عمرو بن زرارة النخعي - عبد الله بن الأرقم - زيد بن الملفق - سليمان بن صرد الخزاعي - قبيصة بن جابر - أويس القرني - هند الجملي - جندب الأزدي - الأشعث بن سوار - حكيم بن جبلة - رشيد الهجري - معقل بن قيس بن حنظلة - سويد بن الحارث - سعد بن مبشر - عبدالله بن وال - مالك بن ضمرة - الحارث الهمداني - حبة بن جوين العرني رحمهم الله جميعاً.

    أبوه
    أبوه هو أبي طالب عليه السلام واسم أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب واسم عبدالمطلب شيبة الحمد وكنيته أبو الحارث وكان ولد أبي طالب طالباً ولاعقب له وعقيلاً وجعفراً وعلياً كل واحد أسن من الآخر بعشر سنين.



    أمه
    أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف وكانت من رسول الله (ص) بمنزلة الأم، ربته في حجرها وكانت من السابقات إلى الإيمان وهاجرت معه إلى المدينة المنورة، وكفنها النبي (ص) بقميصه ليدرأ به عنها هوام الأرض، وتوسد في قبرها لتأمن بذلك ضغطة القبر ولقنها الإقرار بولاية إبنها كما اشتهرت الرواية.



    زوجاته
    أما في ذكر زوجاته(عليهم السلام) فهي فاطمة بنت محمد الرسول الأكرم (ص) سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين ومن المناقب عن عبدالله بن مسعود عنه قال: قال رسول الله (ص) يا فاطمة زوجتك سيداً في الدنيا وأنه في الآخرة لمن الصالحين أنه لما أراد الله عز وجل أن أملكك من علي أمر الله جبرائيل فقام في السماء الرابعة فصف الملائكة صفوفاً ثم خطب عليهم فزوجك من علي (ع) ثم أمر الله شجر الجنان فحملت الحلي والحلل ثم أمرها فنثرت على الملائكة فمن أخذ منها شيئا أكثر مما أخذ غيره افتخر به إلى يوم القيامة، ولم يتزوج عليها حتى توفيت عنده، ثم تزوج بعدها أم البنين بنت حزام بن الوحيد بن كعب بن عامر، وتزوج أيضا ليلى بنت مسعود بن خالد بن مالك بن زيد مناة بن تميم، وتزوج أيضا أسماء بنت عميس الخثعمية، وتزوج أيضا الصهباء بنت زمعة بن ربيعة بن علقمة بن الحارث بن عتبة بن سعيد، وأيضا تزوج عليه السلام من أمامة بنت أبي العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف، - وأمها زينب بنت رسول الله (ص) - وتزوج أيضا خولة بنت جعفر بن قيس بن سلمة بن يربوع، وأيضا تزوج من أم سعيد بنت عروة بن مسعود، وتزوج أيضا محياة بنت امرئ القيس بن عدي وأفضلهن فاطمة البتول بنت محمد (ص).



    إخوته: طالب ، عقيل ، جعفر
    أخواته: أم هاني ، جمانة



    أولاده
    أما أولاده عليه السلام، فالحسن والحسين عليهما السلام سيدا شباب أهل الجنة أولاده من فاطمة عليها السلام سيدة نساء العالمين وله أيضا منها محسن مات صغيراً حيث ورد في تاريخ الكامل: ج3 ص397 وروى ابن أبي دارم المحدث أن عمر بن الخطاب رفس فاطمة حتى أسقطت محسناً كما في ترجمة أحمد بن محمد بن السري برقم -255- من كتاب ميزان الإعتدال ج1 ص139 ومثله في كتاب لسان الميزان ج1 ص268 وذكره أيضا ابن قتيبة المتوفي سنة 276 في كتاب المعارف ص92 ط القاهرة تحقيق ثروت عكاشة قال: أن محسناً فسد من ضرب قنفذ العدوي لعنه الله مولى عمر بن الخطاب.

    أيضا له منها عليها السلام زينب الكبرى وأم كلثوم الكبرى، وله عليه السلام أيضا العباس وجعفر وعبدالله وعثمان وهم من زوجته أم البنين أستشهدوا مع إبنه الحسين الشهيد في واقعة الطف بكربلاء. وله أيضا عليه السلام عبدالله وأبا بكر من زوجته ليلى بنت مسعود أستشهدوا أيضا مع الحسين عليه السلام في كربلاء، وله أيضا يحيى ومحمد الأصغر من أسماء بنت عميس ولا عقب لهما، وله أيضا عليه السلام عمر ورقية من الصهباء بنت زمعة، وله أيضا محمد الأوسط من أمامة بنت أبي العاص، وله أيضا محمد بن الحنفية من خولة بنت جعفر، وله أيضا عليه السلام أم الحسن ورملة الكبرى من أم سعيد بنت عروة بن مسعود وله ايضا عليه السلام بنات من أمهات شتى منهن أم هاني وميمونة وزينب الصغرى وأم كلثوم وفاطمة وأمامة وخديجة وأم الكرام وأم سلمة وأم جعفر وجمانة ونفيسة وهؤلاء أمهاتهن أمهات أولاد.


    خاتمة المطاف

    هذه شذرات من حياة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، ونسبتها إليها كقطرة ماء من البحر المحيط، أو كباقة ورد من رياحين الدنيا، نقدمها بين يديك تشم منها عبق الولاء، وتنتشق من روائحها المودة لأهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام.

    ثم هي بعد هذا وذاك: دعوة للإستقامة على مبدأ الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، والذود عنه، والسير على خطاه، والدعوة إليه؛

    { قل هذه سبيلي أدعوا الى الله على بصيرة أنا ومن أتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين }


    منقول عن احد المواقع المواليه

    تعليق


    • #32
      نقدم لكم أجمل التهاني والتبريكات بمناسبة هذا اليوم العظيم ** عيد الله
      الاكـــبر** ، الذي فيه أكمل الله سبحانه وتعالى دينه وأتــم نعمته على العباد
      بتعيينه الإمام والقائد للإمة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ..



      ففي مثل هذا اليوم الثامن عشر من ذي الحجة الحرام العام العاشر بعد الهجرة النبوية
      ،، وبعد أن أتم النبي الاكرم (ص) حجة الوداع وبين للناس حجهم ومناسكهم ،، ووقف
      راجعا إلى المدينة ومعه جموع المسلمين وإذا بجبرائيل (ع) ينزل على النبي (ص) ،،
      عندما وصل إلى غدير خم وأمره بأن يوقف ركب المسلمين وأن يخطب فيهم وأن ينصب الإمامة
      لعلي بن أبي طالب (ع) إماما وخليفة من بعده ،، في ذلك الوقت الحار ووقت الزوال
      وكانت الشمس في كبد السماء ،، ويأمر النبي (ص) بأن يعمل له منبرا من أحذاج الإبل ،،
      وبعد أن إجتمع المسلمون حوله قام (ص) فيهم خطيبا ،، وألقى خطبته المشهورة المدونة
      في كتب التاريخ .... إلى أن قال : أيها الناس ، ألست أولى بكم من أنفسكم ،، قالوا :
      بلى يا رسول الله ،، وهنام أخذ بيد علي (ع) ورفعه معه على المنبر قائلا : من كنت
      مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره واخذل
      من خذله ، وأدر معه الحق حيثما دار .

      ثم أمر النبي (ص) بخيمة فنصبت وأجلس فيه الإمام علي بن أبي طالب (ع) ،، وأمر
      المسلمين جميعا بأن يدخلوا عليه ويبايعوه ،، فبايعوه جميعا بأمرة المؤمنين
      والمسلمين ،، وبخبخ له بعضهم قائلا : بخ بخ لك يا علي ، أصبحت مولاي ومولى كل مسلم
      ومسلمة .

      وباتمام هذه النعمة العظيمة وبتعيين الإمام من بعد النبي الاكرم (ص) ،، فقد
      إكــتمل الدين وارتضى الله جل وتعالى ، الإسلام دينا يتعبد به الناس ولم يكمل الدين
      إلا بولاية امير المؤمنين (ع) والأئمة المعصومين من ذرية (ع) ..

      وتأكيدا لهذا الحدث العظيم نزلت الآية الكريمة في قوله تعالى : (اليوم أكملت لكم
      دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلام ديناً) ،، وهكذا يكون رسول الله (ص)
      قد أنهى مهمته الرسالية العظيمة بما تم تبليغه في عيد الغدير ..

      فالحمد لله على إكمال الدين ،، وإتمام النعمة ،، ورضى الرب ،، بولايتك يا أمير
      المؤمنين ويا سيد الوصيين
      وكما نحمد الله تعالى على ان جعلنا من الذين استجابو لدعوة رسول الله (ص) ،،
      وجعلنا من الذين قبلوا أمر الله تعالى بجعل علي بن أبي طالب (ع) إماما لنا ، وجعلنا
      كذلك من المتمسكين بولاية الإئمة المعصومين (ع)



      وأنتم أعزائنا الموالين والمواليات مدعوين معنا لنعيش هذا اليوم العظيم ،، بالكلمة
      الهادفة والمواضيع المميزة والقصائد والاناشيد الرائعة بما تقدمه أياديكم الكريمة
      في هذا العيد الاكبر لنكتسب طبعا ماديا ومعنويا جديدا ،، ولتبتهج الروح مع الجسد
      فتكون حقيقة ومشاعر مرهفة بالإحساس نحو السمو والتكامل البشري...


      والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

      الغديرعيد الله الاكبر وعيد آل محمّد (عليهم السلام)

      تعليق


      • #33
        من هو الامام علي بن ابي طالب عليه السلام


        بسم الله الرحمن الرحيم

        اللهم صل على محمد و آل محمد

        لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار

        السلام عليك يا أمير المؤمنين

        السلام على أخو النبي (ص)
        السلام على ابن عم النبي (ص)
        السلام على وليد الكعبة
        السلام على زوج البتول (ع)
        السلام على أبو السبطين و سيدا شباب أهل الجنة ، الحسن و الحسين عليهم السلام
        السلام على باب مدينة علم الرسول (ص)
        السلام على سيف الاسلام الاول
        السلام على قائد الغر المحجلين
        السلام على قالع باب خيبر
        السلام على الايمان كله
        السلام على حيدرة
        السلام على ابي تراب
        السلام على وصي رسول الله
        السلام على صاحب ذو الفقار
        السلام على الحق
        السلام على القرآن الناطق
        السلام على شهيد المحراب
        السلام على أبو اليتامى
        السلام على مولاى كل مؤمن و مؤمنة

        السلام على من لا تحصى فضائله

        انه لفخر كبير ان يتحدث المرء عن افضل الرجال والابطال على وجه الارض
        علي بن ابي طالب عليه السلام
        ها هو الامام علي (ع) :

        اجتمع للامام علي بن ابي طالب من صفات الكمال ومحمود الشمائل

        والخلال وسناء الحسب وباذخ الشرف مع الفطرة النقيه والنفس المرضيه مالم يتهيا لغيره من افذاذالرجال

        تحدر من اكرم المناسب وانتمى الى اطيب الاعراق

        فابوه ابو طالب عظيم المشيخه من قريش وجده عبد المطلب

        امير مكه وسيد البطحاء ثم هو قبل من هامات بني هاشم واعيانهم

        وبنو هاشم كانواكما وصفهم الجاحظ: ملح الارض وزينة الدنيا

        وحلى العالم والسنام الاضخم والكاهل الاعظم ولباب كل جوهر كريم وسر كل عنصر شريف والطينه البيضاء والمغرس المبارك والنصاب الو ثيق
        ومعدن الفهم وينبوع العلم واختص بقرابته القريبه من الرسول عليه السلام فكان ابن عمه وزوج ابنته واحب عترته اليه كما كان كاتب وحيه واقرب الناس الى فصاحته وبلاغته واحفظهم لقوله وجوامع كلمه اسلم على يديه صبيا قبل ان يمس قلبه عقيدة سابقه او يخالط عقله شوب من شرك موروث ولازمه فتيا يافعا في غدوة ورواحه
        وسلمه وحربه حتى تخلق باخلاقه واتسم بصفاته وفقه عنه الدين وثقف
        مانزل به الروح الامين فكان من افقه اصحابه واقضاهم واحفظهم واوعاهم وادقهم في الفتيا واقربهم الى الصواب وحتى قال فيه عمر:لا بقيت لمعضلة ليس فيها ابو الحسن وكانت حياته كلها مفعمة بالاحداث مليئه بجلائل الامور فعلى عهد الرسول عليه السلام
        ناضل المشركين واليهود فكان فارس الحلبه ومسعر الميدان صليب النبع جميع الفؤاد ذلك هو الامام
        على بن ابي طالب عليه السلام ..


        مع الاعتذار الكبير للتقصير فمن انا لاعرف الامام علي بن ابي طالب
        عليه افضل الصلاه و السلام

        تعليق


        • #34
          مدخلية اختصاص أميرالمؤمنين الإمام عليّ بالمعرفة القرآنية في الإعداد لخلافته

          الدكتور عبد الجبار شراره

          هناك علاقة وارتباطاً من نوع خاصٍّ بين عليّ (عليه السلام) والقرآن الكريم، نشأت هذه العلاقة، ونمت، وتطورت حتى انتهت ـ على حد تعبير الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ـ إلى أنَّ: (القرآن مع عليّ، وعليّ مع القرآن، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض...)(1). وكذلك انتهت أيضاً إلى أنّ علياً سيقاتل على تأويل القرآن كما كان قد قاتل على تنزيله(2)، فما هي مدخلية ذلك في عملية الإعداد الفكري والتربوي لخلافة علي؟

          نستطيع أن نؤكد أولاً أن الرسول القائد صلوات الله وسلامه عليه نفسه قد قام بتنمية وترسيخ مثل هذه العلاقة، وبأمر من الله تعالى كما كان يحدث دائماً. ويظهر أنَّ هدفاً كبيراً يلزم الوصول إليه عِبرَ تلك الإجراءات والخطوات العلمية والعملية.

          ونستطيع أن نبين ذلك الهدف في ضوء الملاحظات الآتية:

          أولاً: إنّ منطق الشريعة الخالدة الكاملة يقتضي تأمين الوصول إلى فهم القرآن ومعرفة تفسيره وفقه أحكامه، بصفته المصدر الأساس(3) لهذه الشريعة الخالدة وإن تحكيم القرآن في البلاد والعباد هو ما أمرنا الله تعالى به، إذ جاء فيه: (أَفَحُكْمَ الجَاهِليَّةِ يَبغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ)(4). ومقتضاه أن نحتكم إلى القرآن في كل صغيرة وكبيرة. وأن نكفر بحكم الجاهلية الذي هو حكم الأهواء. كما نهانا الله تعالى أيضاً أن نتحاكم إلى الطاغوت، فقال: (أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَآ اُنزِلَ إليكَ وَما اُنزِلَ مِن قَبلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إلَى الطَّاغُوتِ وقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً)(5).

          وقد جعل القرآن الكريم هنا اختيار التحاكم إلى غير ما أنزل الله وإلى غير رسول الله (صلى الله عليه وآله) تحاكماً إلى الشيطان(6) الذي يسير بهم إلى الضلال حتماً، ثمّ أكّد القرآن الكريم أن الاحتكام إلى غير ما أنزل الله هو فسق وظلم وكفر؛ قال تعالى (... وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ)(7) وقال تعالى: (... وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)(8) وقال تعالى (... وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اللهُ فأُوْلَئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ)(9) وقد بُعث نبينا محمد (صلى الله عليه وآله) لإمحاء صفحة الظلم والفسق والكفر.

          إذن فبحسب منطق القرآن، يكونُ عدم الرجوع إلى أحكام القرآن التي أنزلها الله تعالى، يعني الاحتكام إلى الطاغوت(10)، وعليه فإذا كان ذلك أي الرجوع إلى أحكام القرآن. أمراً إلهياً، وارادة ربانية، وإذا كان ذلك يتطلب بالضرورة الوصول إلى حكم الله تعالى الذي أنزله في القرآن الكريم، فلا بدَّ من افتراض من هو مؤهل ومعدٌّ إعداداً أميناً لتحقيق ذلك الأمر الإلهي، وتلك الإرادة الربانية، وليس ذلك بالضرورة إلاّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو من هو منه يؤدي عنه(11)، ويبلغ عنه، ومؤهل مثله، ومعدٌّ لذلك الغرض.

          ثانياً: إنّ العلماء قد وقع بينهم الاختلاف الكثير، وقد حصل ذلك منذ وقت مبكر، بالأخص في الأقضية التي تهمُّ الناس، وتتصل بحياتهم، وليس إلاّ بسبب عدم فقههم بالقرآن.

          وقد تحدث الإمام عليّ عن هذه المسألة في معرض ذمّهِ لمثل هذا الاختلاف مع وجود القرآن بين أظهرهم، فقال (عليه السلام): (تردُ على أحدهم القضية، في حكم من الأحكام، فيحكم فيها برأيه، ثمّ تردُ تلك القضية بعينها على غيره، فيحكم فيها بخلاف قوله، ثمّ يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي استقضاهم فيصوّب آراءهم جميعاً، والههم واحد! ونبيّهم واحد! وكتابهم واحد! أفأمرهم الله سبحانه بالاختلاف فأطاعوه؟! أم نهاهم عنه فعصوه؟! أم أنزل الله ديناً ناقصاً فاستعان بهم على اتمامه؟! أم كانوا شركاء له فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى؟! أم أنزل الله ديناً تاماً فقصّر الرسول (صلى الله عليه وآله) عن تبليغه وأدائه، والله سبحانه وتعالى يقول: (... مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيءٍ) (12)،(...وَنَزَّلْنَا عَلَيكَ الكِتَابَ تِبيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً...)(13)، وذكر أن الكتابَ يصدق بعضه بعضاً وأنه - أي القرآن - لا اختلاف فيه فقال سبحانه (... وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً)(14). وإنّ القرآن ظاهر أنيق...)(15) إذن بموجب هذا وبمقتضاه لابدّ من افتراض إعدادِ أحدٍ مؤهلٍ لفقه القرآن.

          ثالثاً: إن اختصاص عليٍّ بالعلوم القرآنية، وبمعرفة القرآن ظاهره وباطنه محكمه ومتشابهه، خاصه وعامه، وإنَّ قدرته الفذّة على فهم آياته وفقه أحكامه، أمرٌ متسالم عليه عند علماء الصحابة، وقد ساعدت النصوص النبوية، على تأكيده وبيانه ـ كما ذكرنا ـ ويؤيده أيضاً، ما أورده أصحاب التفسير والأثر عن عليٍّ (عليه السلام) ومن طرق اُخرى: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (يا عليٌّ إنَّ الله عزَّ وجل أمرني أن اُدنيك واُعلمك لتعِي، واُنزلت هذه الآية (وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ)(16) فأنت أُذن واعية لعلمي...)(17).

          وقد جاء عن عليّ (عليه السلام) أيضاً قوله:

          (ذلك القرآن فاستنطقوه ولن ينطق، ولكن اُخبركم عنه... ألاّ وإنَّ فيه علم ما يأتي، والحديث عن الماضي، ودواء دائكم، ونظم أمركم...)(18). وهكذا يصرّحُ الإمامُ عليٌّ ويؤكد بأن هذا القرآن بما انطوى عليه من هذه المطالب الجليلة والمعاني العميقة من شفاء الأدواء الاجتماعية، وانتظام اُمور الحياة بكل جوانبها، كل ذلك لا يكون بمقدور أحدٍ أن يصل إليه، أو يفقههُ إلاّ هو، وإلاّ عن طريقه. وهكذا يتضح لدينا أنه ليس هناك أحدٌ مؤهل لفقه القرآن ومعدّ لتحقيق الأمر الإلهي وتنفيذ الإرادة الربانية بإزالة الظلم والفسق والكفر غير عليّ بن أبي طالب حصراً. كما هو مقتضى النصوص والوقائع. وهو الافتراض المنطقي والمعقول جداً لتفسير الاجراءات العلمية والعملية التي اتخذها الرسول القائد (صلى الله عليه وآله) بإفراد عليٍّ وتخصيصه دون غيره بالعلوم القرآنية والمعارف القرآنية والأحكام القرآنية كما صرحت النصوص المتواترة.

          وأخيراً يقتضي الموقف أن نعالج تساؤلاً يثور بالضرورة، أو هو طالما اُثير مراراً وهو:

          إذا كانت كل تلك الإجراءات والخطوات العلمية والعملية قد اتُّخذت من أجل تولي عليّ بن أبي طالب الخلافة وقيادة المسيرة بعد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) فلماذا لم يكن هناك عهدٌ مكتوب بصورة جازمة قاطعة ليس فيه عذرٌ لمعتذر ولا تأويل لمتأول؟!(19).

          وجوابه:

          إنَّ النصوص التي أوردناها، والروايات المتضافرة التي تصرّح ببيان الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ولاية عليّ ووزارته، وخلافته، وإمرته من بعده، في مواقف لا تحصى كثرة، ومناسبات لا تعدُّ مما لم يحظ به أمرٌ ديني أو دنيوي، ومما لم ينل من اهتمامه صلوات الله وسلامه عليه ما ناله مثل هذا الأمر، حتى انتهى إلى الإعلان الرسمي يوم الغدير المشهود، وإلى التصريح به مراراً، كما اشرنا إليه، فضلاً عما اقتضاه منطق الأشياء، ومنطق الشريعة الخالدة الكاملة، إنَّ ذلك كله فيه الكفاية لمن القى السمع وهو شهيد. ومع ذلك كله فقد أراد الرسول القائد (صلى الله عليه وآله) أن يختصر على الأُمة المعاناة، وأن يكرمها بألطاف العناية الربانية فيجنبها العثرات وأسباب الضلال فقال صلوات الله وسلامه عليه وهو على فراش مرضه وفي آخر ساعات حياته الشريفة: (هلموا أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعدي أبداً...)(20) وقد كان عنده جمع من كبار الصحابة، نعم أراد أن يكون ذلك عهداً مكتوباً يشهده جمعهم، إلاّ أن الرزية كلَّ الرزية قد حدثت ـ على حد تعبير ابن عباس ـ عندما حيل بين النبي الأكرم وبين كتابة الكتاب على ما أخرجه البخاري قال: (لما اشتد بالنبي وجعه قال: ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده. قال عمر: إنَّ النبي غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا. فاختلفوا وكثر اللغط. قال ـ أي النبي ـ قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع. فخرج ابن عباس يقول: الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين كتابه...)(21).

          ولعل من المناسب أن نذكر هنا محاورةً رواها ابن عباس جرت بينه وبين عمر بن الخطاب في أوائل عهده بالخلافة؛ وملخّصها أنَّ عمر قال له: (يا عبد الله عليك دماء البدن إن كتمتها.. هل بقي في نفس عليٍّ شيء من أمر الخلافة؟ قلتُ: نعم، قال: يزعم أنَّ رسول الله نصَّ عليه؟ قلت: نعم، فقال عمر، لقد كان في رسول الله من أمره ذروة من قول، لا يثبت حجة، ولا يقطع عذراً.. ولقد أراد في مرضه أن يصرّح باسمه فمنعتُ من ذلك اشفاقاً وحيطةً على الإسلام.. فعلم رسول الله ما في نفسي فأمسك...)(22) وسواء صحّت أم لا، فإنّ هناك ما يؤيد هذا المسعى من الخليفة عمر في أكثر من مناسبة لاحقاً، وقد صرّح مرةً كما نقل الطبري عنه: (إن قومكم يكرهون أن تجتمع فيكم ـ والخطاب لابن عباس أيضاً ـ النبوة والخلافة...)(23).

          والظاهر أن ترك رسول الله (صلى الله عليه وآله) للكتابة والعهد المذكور قد يكون لاعتبارين والله العالم:

          الأول: هو وقوع الاختلاف والتنازع واللغط في الدار عند إرادة كتابة الكتاب (العهد) إلى الحدّ الذي وصل إلى اتهامه صلوات الله وسلامه عليه بأنه يهجر، كما في رواية(24) أو غلبه الوجع كما في رواية اُخرى، وهذا اتهام خطير يمسُّ أصل النبوة وصدق الرسالة. ثمّ إنَّ الأمر قد كان بيّنه رسول الله صلوات الله وسلامه عليه مراراً وكراراً كما وضحنا. فليبق إذن الاختيار، ولتبق القضية للامتحان والابتلاء.

          الثاني: إنَّ النبي الأكرم صلوات الله وسلامه عليه قد اتخذ احتياطاً لمثل هذه الحالة الطارئة، إذ قد جهَّز جيش أسامة بن زيد، وأمر بإنفاذه على كل حالٍ، وقد بلغ من حرصه صلوات الله وسلامه عليه على إنفاذه مبلغاً عظيماً، إذ تذكر الروايات أن الرسول الأعظم مع بدء مرضه واشتداده لم يكن يشغله شيء عن محاولة انفاذ جيش أسامة(25)، وننقل من رواية ابن سعد في الطبقات ما يثبت ذلك، فقد قال ـ بعد أن ذكر تجهيز جيش أسامة ـ لما كان يوم الأربعاء بدأ برسول الله المرض فحُمّ.. فلما أصبح يوم الخميس عقَد لأسامة لواءً بيده ثمّ قال: اغزُ باسم الله وفي سبيل الله، فقاتل من كفر بالله.. قال ابن سعد فخرج بلوائه معقوداً فدفعه إلى بريدة بن الحصيب الأسلمي، وعسكرَ بالجرف ـ وهو موضع على ثلاثة أميال من المدينة ـ مع وجوه المهاجرين والأنصار، فيهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة... فتكلم قومٌ وقالوا: أيستعمل علينا هذا الغلام على المهاجرين الأولين؟ فغضب الرسول (صلى الله عليه وآله) غضباً شديداً، فخرج وقد عصبَ على رأسه عصابة، فصعد المنبر، وقال: (أما بعد أيها الناس فما مقالةٌ بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة، ولئن طعنتم في إمارة أسامة لقد طعنتم في إمارة أبيه من قبله، وأيم الله إنْ كان للإمارة لخليقاً، وإنَّ ابنه من بعده لخليق للإمارة، إن كان لمن أحب الناس إليّ، وانهما لمحلان لكل خير، فاستوصوا به خيراً فإنه من خياركم...، ثمّ نزل صلوات الله عليه، فدخل بيته، وذلك يوم السبت لعشر خلون من ربيع الأول.. وثقل على الرسول المرض، وجعل يقول: انفذوا بعث اسامة...)(26).

          ويظهر من كل تلك المواقف والكلمات وتطورات الأحداث أن الرسول الأعظم إنما أراد من جملة ما أراد:

          1 - تهيئة الأجواء الفكرية والنفسية من جهة تأمير أسامة على وجوه المهاجرين والأنصار، فيكون قبوله سابقةً لقبول تولي عليّ الإمرة والخلافة، فلا يعترض معترض بكونه أصغر سناً من بعضهم.

          2 - أراد ايضاً تهيئة الأجواء السياسية والأمنية وذلك بإبعاد عناصر المعارضة المحتملة(27)، ليتولى عليّ بن أبي طالب مهام الخلافة التي كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتولّى رعايتها والتخطيط

          والسهر من أجل بلوغها، كما توضَّح لنا ذلك.

          ومع كل ذلك فقد جرت الأمور والأحداث على غير ما أراده رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقد أراد أن يختزل على الأُمة المعاناة، وأراد أن يجنبها ويلات تجربة الخطأ والصواب، أراد أن تتمسك الأُمة بالكتاب الكريم، وبالعترة الطاهرة لتسلم من التيه والضلال.

          وهكذا ترك أمر (العهد القاطع الجازم المكتوب) لتظلُّ الأُمة عرضة للامتحان في مثل هذه القضية الخطيرة، وكما جرت السنن الإلهية، فقد قال تعالى: (الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُترَكُوَاْ أَن يِقُولُوَاْ آمَنَّا وَهُم لاَ يُفتَنُون* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ الكَاذِبِينَ)(28).

          نعم أراد الله تعالى ذلك، كما أراد رسوله الكريم أن يكون إيمان من يؤمن منهم بمن ولاّه عليهم، وجعلهُ خليفةً من بعده إيماناً راسخاً، واعتقادهم بأحقيته اعتقاداً عن تدبر، وتشيّعهم له تشيّعاً مخلصاً، حتى تستمر المسيرة في تنفيذ الإرادة الإلهية تحت قيادته المباركة، ويتحقق إزالة الظلم والفسق والكفر من الوجود.

          (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخلِفَنَّهُمْ فِي الأَرضِ كَمَا استَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ)(29).

          والحمد لله ربّ العالمين أولاً وآخراً





          الهوامش:

          1- راجع: الصواعق المحرقة لابن حجر ص 123 وراجع تاريخ الخلفاء: السيوطي ص 173.

          2- ينابيع المودة: القندوزي البلخي الحنفي ج 2 ص 58 ط 1 منشورات الأعلمي / بيروت. وراجع الصواعق المحرقة: لابن حجر ص 127.

          3- كون القرآن المصدر الأول والأساس للشريعة الإسلامية محل اجماع الملة الإسلامية. راجع: الاُصول العامة للفقه المقارن: العلامة محمد تقي الحكيم ص 101.

          4- سورة المائدة: الآية 50.

          5- سورة النساء: الآية 60.

          6- الكشاف: الزمخشري ج 1 ص 525.

          7- سورة المائدة: الآية 47.

          8- سورة المائدة: الآية 45.

          9- سورة المائدة: الآية 44.

          10- الطاغوت: يطلق على كل رئيس في الضلالة، وعلى كل من عُبد من دون الله، ويطلق على الكافر والشيطان والأصنام، مجمع البحرين: الطريحي ج 1 ص 276، باب الألف أوله ط.

          11- راجع قصة تبليغ سورة براءة، مسند الإمام أحمد بن حنبل ج 1 ص 3 طبعة دار صادر، وراجع نصّ الحديث في الصواعق المحرقة لابن حجر ص 122.

          12- سورة الأنعام: الآية 38.

          13- سورة النحل: الآية 89.

          14- سورة النساء: الآية 82.

          15- راجع النص في الخطبة 18 نهج البلاغة ضبط الدكتور صبحي الصالح ص 60 و 61، وراجع: الصواعق المحرقة ص 152، نقل عن الإمام زين العابدين في دعاء له قائلاً: (فالى من يفزع خلف هذه الأُمة وقد درست أعلام هذه الملة، ودانت الأُمة بالفرقة والاختلاف يكفر بعضهم بعضاً، والله تعالى يقول: (وَلاَ تكُونُواْ كَالذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُواْ مِنَ بَعدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِنَاتُ) فمن الموثوق به على إبلاغ الحجة وتأويل الحكم إلاّ أبناء أئمة الهدى، ومصابيح الدجى الذين احتج الله بهم على عباده، ولم يدع الخلق سدىً من غير حجة، هل تعرفونهم أو تجدونهم إلاّ من فروع الشجرة المباركة، وبقايا الصفوة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وبرأهم من الآفات وافترض مودتهم في الكتاب...).

          16- سورة الحاقة: الآية 12.

          17- راجع: ما نزل من القرآن في عليّ: لأبي نعيم تحقيق المحمودي ص 266 وقد ذكر المحقق في الهامش أسانيده. وراجع الدر المنثور: السيوطي ج 6 ص 260 منشورات المرعشي.

          18- نهج البلاغة: ص 223 خطبة (158).

          19- هذا السؤال أُثير في (المراجعات) بين العلامة شرف الدين، والشيخ سليم البشيري شيخ الجامع الأزهر.

          20- راجع الطبقات الكبرى: لابن سعد ج 2 ص 244 طبعة دار بيروت للطباعة 1985.

          21- صحيح البخاري ج 1 ص 37، كتاب العلم ـ باب كتابة العلم، وراجع ج 8 ص 161. كتاب الاعتصام. طبعة اوفسيت عن طبعة دار العامرة ـ استانبول ـ دار الفكر بيروت.

          22- شرح نهج البلاغة: لابن أبي الحديد ج 3 ص 97. دار الكتب العربية الكبرى مصر.

          23- راجع: تاريخ الطبري ج 2 ص 577 طبعة دار الكتب العلمية ـ بيروت.

          24- راجع: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير ج 5 ص 246 مادة هجرَ تحقيق الطناحي.

          25- الكامل في التاريخ: لابن الأثير ج 2 ص 218 طبعة دار صادر.

          26- الطبقات الكبرى ج 2 ص 248 و 250.

          27- المراجعات: العلامة عبد الحسين شرف الدين ص 472.

          28- سورة العنكبوت: الآية 1 - 3.

          29- سورة النور: الآية 55.


          تعليق


          • #35
            عمرو بن العاص



            معـــــاويــــــة الحـــــال لا تجهل *** وعــــن سبــــل الحـــــق لا تعدل

            نسيت احتيــــــالي فــــي جلــــق *** عــــلى أهـلها يوم لبس الحلي ؟

            وقد أقبلــــوا زمــــرا يهــرعون *** مهاليع كالبــــقر الجــــفــــل

            وقولي لهم : إن فرض الصـلاة *** بغــــير وجــــودك لــــم تــــقبــــل

            فــــولوا ولــــم يعـــبأوا بالصلاة *** ورمــــت النــــفار إلـــى القسطل

            ولما عــــصيت إمــــام الهــــدى *** وفي جــــيشه كــــل مــــستــفحل

            أبا البــــقر البــــكم أهـــل الشأم *** لأهل التــــقى والحــــجى أبتلي؟

            فقــــلت : نعــــم، قــم فإني أرى *** قــــتــــال المفــــضل بالأفــــضل

            فبي حــــاربوا سيد الأوصــــياء *** بقولي : دم طــــل مـــن نعثل

            وكــــدت لهم أن أقـاموا الرماح *** عليها المصاحف فــــي الـقسطل

            وعــــلمتهم كشــــف سوأتــــهم *** لرد الغــــضنفــــرة المــــقــــبـــل

            فــــقام البغــــاة عــــلى حــــيدر *** وكفوا عن المشعــــل المـصطلي

            نسيت محــــاورة الأشـــعــــري *** ونحن عــــلى دومة الجــــنـــدل؟

            أليــــن فيطــــمع فــــي جـــانبي *** وسهمي قــــد خـــاض في المقتل

            خلعــــت الخــــلافة من حــــيدر *** كخــــلع النعــــال مـــن الأرجـــل

            وألبستهــــا فيك بعــــد الأيــاس *** كـــــلبس الخــــواتــــيم بالأنمــــل

            ورقيــــتك المنــــبر المشمخـــر *** بلا حــــد سيــــف ولا مــــنصــــل

            ولو لــــم تكــــن أنـــت من أهله *** ورب المقــــام ولــــــــم تـــــكمل

            وسيرت جيش نفــــاق العــــراق *** كسير الجـــــنـــــوب مع الشمأل

            وســــيرت ذكــــرك في الخافقين *** كــــسير الحــــمير مــــع المحمل

            وجهلــــك بــي يا بن آكلة الكبود *** لأعــــظـــــم مــــا أبــــتــــلــــــــي

            فــــلولا مــــوازرتي لــــم تــــطع *** ولــــولا وجــــودي لــــم تــــقــبل

            ولــــولاي كــــنت كمثـــل النساء *** تعــــاف الخــــروج مـــن المنزل

            نصــــرناك مــن جهلنا يا بن هند *** عــــلى النــــبأ الأعــــظم الأفضل

            وحــــيث رفعــناك فوق الرؤوس *** نــــزلنا إلــــى أسفــــل الأســــفل

            وكــــم قــد سمعنا من المصطفى *** وصايــــا مخــــصصة فــي علي؟

            وفــــي يــوم " خم " رقى منبرا *** يــــبلغ والــــركب لــــم يــــرحــل

            وفي كــــفه كفــــه معــــلــــنـــــا *** يــــنادي بــــأمر العــــزيز العـلي

            ألست بكم منكــــم فـــي النفوس *** بــــأولى ؟ فـــــقالوا : بلى فافعل

            فأنحله إمــــرة المــــؤمنــــيــــن *** من الله مستخــــلــــف المنحــــل

            وقــــال : فــــمن كنــت مولى له *** فهــــذا له الــــيوم نعــــم الــولي

            فــــوال مواليــــه يــــا ذا الجلال *** وعــــاد معــــادي أخ المــــرسـل

            ولا تنــــقـضوا العهد من عترتي *** فــــقــــاطعهم بــــي لــــم يــوصل

            فبخــــبخ شيــــخــــك لمــــا رأى *** عــــرى عــــقــــد حــيدر لم تحلل

            فــــقال : ولــــيكم فاحفــــظــــوه *** فــــمدخــــله فــــيكم مــــدخــــلي

            وإنــــا ومــــا كان من فعــــلـــنا *** لــــفي النار فـــــي الدرك الأسفل

            ومــــا دم عــــثمان منــــج لـــنا *** مــــن الله فــــي الموقف المخجل

            وإن عــــليا غــــدا خــــصمــــنا *** ويعــــتــــز بــــالله والمرسـل

            يحــــاسبنا عــــن أمــــور جرت *** ونحــــن عــــن الحــــق في معزل

            فما عــذرنا يوما كشف الغطا ؟ *** لك الويــــل منــــه غــــدا ثــــم لي

            إلا يــــا بن هــــند أبعـت الجنان *** بعــــهــــد عـــهــــدت ولم توف لي

            وأخــــسرت أخــــراك كيما تنال *** يــــسير الحطــــام مــــن الأجــــزل

            وأصبحـــت بالناس حتى استقام *** لك المــــلك مــــن مــــلك محــــول

            وكنت كمقـتنص في الشراك*** تــــذود الظــــماء عــــن المــــنهل

            كأنك أنســــيت ليــــل الهــــريــر *** بصفين مــــع هــــولهــــا المهـول

            وقد بــــت تــــذرق ذرق النـــعـام *** حــــذارا مــــن البطــــل المقــــبـل

            وحــــين أزاح جــــيوش الضـلال *** وافــــاك كــــالأسد المــــبــــســــل

            وقــــد ضاق منـــك عليك الخناق *** وصــــار بــــك الرحب كالفلفل

            وقــــولك: يا عمرو ؟ أين المفر *** مــــن الفــــارس القسور المسبل؟

            عسى حيلــــة منــــك عـــن ثنيه *** فــــإن فــــؤدادي فـــي عــــسعــــل

            وشــــاطرتــــني كلما يستــــقــيم *** مــــن الملك دهــــرك لــــم يــــكمل

            فقمت عــــلى عجلتي رافــــعــــا *** وأكــــشف عــــن سوأتي أذيــــلــي

            فستــــر عــــن وجهه وانـثــــنى *** حــــياء وروعــــك لــــم يــــعــــقــل

            وأنــــت لخــــوفك مــــن بـــأسه *** هــــناك مــــلأت مــــن الأفــــكل

            ولمـــا ملــــكت حمــــاة الأنــــام *** ونــــالــت عــــصــــاك يــــــــد الأول

            منحــــت لغــــيري وزن الجــبال *** ولــــم تعــــطني زنــــة الــــخـــــردل

            وأنــــحلت مصرا لعبد الملك *** وأنــــت عــــن الغــــي لــــم تعــــدل

            وإن كنت تــــطــــمع فيها فـــــقد *** تخــــلى الــــقطا مــــن يـد الأجــــدل

            وإن لم تسامــــح إلــــى ردهــــا *** فــــإنـــي لحــــوبكم مصــــطــــلــــي

            بخــــيل جــــياد وشــــم الأنــوف *** وبــالــــمــــرهــــفات وبــــالــــذبــــل

            وأكشــــف عــنك حجاب الغرور *** وأيقــــظ نــــائــــمــــة الأثــــكـــــــــل

            فرإنك مــــن إمــــرة المــؤمنين *** ودعــــوى الخــــلافة فــــي معـــــزل

            ومــــالــــك فــــــــيهــــا ولا ذرة *** ولا لــــجــــــــــــــدودك بــــــــــــالأول

            فــــإن كــــان بينكما نــســــبــــة *** فــــأين الحــــسام مــــن المنجــــل ؟

            وأيــن الحصا من نجوم السما ؟ *** وأيــــن معــــاوية مــــن عــــلـــي ؟

            فــــإن كــــنت فيـــها بلغت المنى *** فــــفي عــــنقي عــــلق الجلجل





            أبو الفرج الرازي



            تجلى الهدى يوم (الغدير) على الشبه *** وبـــرز إبـــــريز البـــــيان عـن الشبه

            وأكـــــمل رب العــــرش للناس دينهم *** كـــــما نـــــزل القرآن فـــــيه فأعــربه

            وقـــــام رســـول الله في الجمع رافعا *** بضبـــــع عــلي ذي التعالي من الشبه

            وقـــــال: ألا مـــــن كنت مولى لنفسه *** فهـــــذا لـــــه مـولى فيا لك منقبه

            تعليق


            • #36
              received by e mail

              في رحاب "الغدير" ويوم الولاية لعليّ (ع) الشخصية التي تحركت مع الزمن كله
              عظمته (ع ) بعبودية الله

              عليّ (ع)، هذا الإنسان العظيم الذي تجلت عظمته بأنه كان عبداً لله في أعمق معاني العبودية وفي أعلاها مرتبة، حيث كان لا يرى شيئاً إلا ويرى الله معه، لأن عقله، كما قلبه، كان مشرقاً بالله، ولأن حياته كانت تفيض بنور الله، في كل كلمة من كلماته وكل عمل من أعماله وفي كل علاقة من علاقاته. وقد نزلت الآية التي تحدد ذلك كله في بداية شباب عليّ (ع) عندما بات ليلة الهجرة على فراش رسول الله (ص): {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله}، فلم يكن لعليّ (ع) شيء في ذات عليّ، بل كان كل عليّ (ع) لله، ولهذا لم ينطلق من عقله إلا الحق، ومن قلبه إلا الحب، ولم ينطلق في حياته إلا العدل، ولذلك، كان عليّ (ع) أولى الناس بالناس.



              بالغدير إتمام الرسالة

              أما لماذا الغدير؟ إن الله تعالى أنزل على رسوله: {يا أيها الرسول بلّغ ما أُنزل إليك من ربك}، وكان النبي (ص) قد بلّغ كل ما أُنزل إليه من ربه، ولكن المقصود في ذلك ولاية عليّ (ع)، لأنه كان يجمع كل ما أُنزل إليه من ربه، لأن علياً(ع) كان يملك علم الإسلام كله، وهذا ما عبّر عنه رسول الله (ص): "أنا مدينة العلم وعليّ بابها"، وهل يمكن أن يدخل أحد المدينة إلا من الباب؟



              إنسان الحق

              كان عليّ (ع) إنسان الحق كله، فلم يقترب الباطل من عقله ومن قلبه ومن حياته في سلمه وحربه، كان يراقب الله حتى في حربه لتكون حربه لله، وقد عبّر عن ذلك في مواقف عديدة، ففي معركة "الأحزاب" عندما صرع "عمرو بن عبد ود" والمسلمون يصرخون: احتز رأسه يا عليّ قبل أن يغدر بك، ولم يستجب لصرخاتهم، بل تأمل قليلاً ثم احتز رأسه، وسُئل عن السبب، فأجاب – كما روي عنه – أني عندما صرعته سبّني (أو بصق في وجهي) فثارت نفسي لهذه الإهانة، فخفت إن أنا قتلته في تلك الحال أن أقتله ثأراً لنفسي، فسكنت حتى استقرت مشاعري فقتلته قربة لله تعالى.



              همّه الرسالة

              وفي موقف آخر في معركة "صفين"، وقد مضى عدة أيام على مرابطة الجيش فيها، وعليّ لم يأذن له بالقتال، فبدأ العسكر يهمس بعضه لبعض: لقد جاء بنا عليّ لنحارب، فلماذا أبطأ في إذنه للقتال؟ أكان ذلك كراهية للموت أو شكاً في أهل الشام؟ وسمع عليّ همساتهم، وكان في عظمته، الإمام والقائد الذي لا يتعقّد من الكلمات السلبية من بعض أتباعه، أو من التشكيك الذي قد يجول في أذهانهم، بل كان (ع) يسمع بسعة صدر، ويجيب بوعي الرسالة، لأن صاحب الرسالة يختلف عن صاحب الذات، فصاحب الذات يريد الناس لنفسه، وصاحب الرسالة يريد الناس لرسالته، وقد عبّر عن ذلك بقوله(ع): "ليس أمري وأمركم واحداً إنني أريدكم لله وأنتم تريدونني لأنفسكم". كما ردّ على اتهامه بكراهية الموت أو الشك بأهل الشام، عندما وقف خطيباً فيهم وقال: "أما قولكم إن ذلك كان كراهية للموت، فوالله ما أبالي أدخلت إلى الموت أو خرج الموت إليّ، وأما قولكم إن ذلك كان شكاً في أهل الشام فوالله ما دفعت الحرب يوماً إلا وأنا أرجو أن تهتدي بي فئة فتعشو إلى ضوئي وذلك أحبّ إليّ على ضلالها وإن كانت تبوء بآثامها".



              أبعاد متنوعة وحركية

              لذلك، قصة الإمام عليّ (ع) في مسألة القرآن والنبي (ص) محسومة، ليس هناك أحد متعدد الأبعاد، متنوع الثقافات، متحرك في كل الواقع الإسلامي غير عليّ(ع)، بخلاف كل الصحابة، لأن عليّاً (ع) عُجن بالإسلام كله، حيث احتضنه رسول الله في أول أيام طفولته، فربى عقله وقلبه ومفاهيمه وقيمه، فكان عليّ الصادق الأمين، كما كان رسول الله الصادق الأمين. ولم يكن هناك بيت في الإسلام إلا البيت الذي جمع الثلاثة؛ النبي وخديجة وعليّ، ولم يسبقه للصلاة إلا رسول الله، ثم كان عليّ يسمع الوحي ويحفظه، حتى قال له رسول الله: "إنك ترى ما أرى وتسمع ما أسمع إلا أنك لست بنبي"، وكان مع رسول الله في الليل والنهار، لم تنزل آية – كما يقول عليّ (ع) – في جبل أو في سهل إلا وكان أول من يسمعها ويعرف بمن نزلت، حتى كانت نساء رسول الله يغرن من عليّ لأنه كان يشغل النبي عنهن، ثم بعد أن زوّجه ابنته فاطمة (ع) التي لولا عليّ لما كان لها كفؤ، فكان بيت عليّ وفاطمة أحبّ البيوت إليه.. ولم يتحدث رسول الله عن صحابيّ كما تحدث عن عليّ، لأنه كان يريد أن يهيئ الذهنية الإسلامية لتجد في عليّ الوصي والخليفة بعد رسول الله.



              أهليته القيادية والرسالية

              وهناك نقطة بيّنتها في كلمات سابقة، وهي أن خلافة النبي تختلف عن خلافة أيّ حاكم، لأن النبي كان يحمل شخصية الرسول وشخصية الحاكم، فخلافة النبي كانت تحتاج إلى الرسالي الذي يعرف الإسلام كله فكراً وتطبيقاً ومنهجاً ويعرف الحكم، وعندما ندرس كل المسلمين – من نجح ومن فشل – لا نجد أن أحداً كان عالماً بالإسلام كما كان علي(ع)، كان عليّ مؤهلاً ليكمل ما بدأه رسول الله من بيان الإسلام ومعرفته وإعطاء النظريات التي يمكن أن تتحرك مع الزمن كله، ولذلك عندما ندرس كل صحابة النبي، فإننا نسأل ما تركه أيّ صحابي من فكر ومنهج وحلول لمشاكل الإنسان كما ترك علي(ع)، حتى أننا عندما نقرأ عليّاً الآن فإننا نلاحظ أنه يحدثنا عن عصرنا ومشاكله وتطلعاته، وكانت مأساة عليّ أن المسلمين لم يتعلّموا منه الكثير، حتى قال بعض المستشرقين: لو كان عليّ موجوداً الآن لوجدت مسجد الكوفة مملوءاً بالقبعات الأوروبية ولن تجد فيه موطئ قدم لعربي واحد!! لذلك كان عليّ(ع) وحده هو الذي يملك علم ذلك كله، وقد كان عليّ كل رسول الله وكل عقله وكل قلبه..



              الولاية .. إكمال الدين

              لذلك، كانت ولاية عليّ في يوم "الغدير" التي أكمل رسول الله بها كل الكلمات التي كانت تشير إلى الولاية، وقد نزلت الآية بعد الغدير: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً}. ويبقى لنا أن نعيش مع عليّ دائماً، أن لا يكون دورنا كدور الذين عايشوه ولم يأخذوا شيئاً من روحه وفكره، إن بطولة عليّ الفكرية والروحية أعظم من بطولته الجسدية، فعلينا أن نغرف من ذلك الفكر والعلم والروحانية، أن نعيش معه في دعاء كميل وغيره من الأدعية: "فهبني يا إلهي صبرت على عذابك فكيف أصبر على فراقك، وهبني صبرت على حر نارك فكيف أصبر عن النظر إلى كرامتك"، كان يحترق حباً لله ولذلك عاش لله، فهل نتعلم منه أن نعيش لله، أن لا نعيش لعصبياتنا وقبلياتنا وحزبياتنا وذاتياتنا، أن لا نتحرك لنقتل في كل يوم ألف عليّ وعليّ ولنغتال معنوياً ألف عليّ وعليّ، عليّ كان شخصاً ولكنه كان نموذجاً..

              في عيد الغدير، علينا أن ننفتح على الإسلام كما انفتح عليّ على الإسلام، وعلينا أن نسلم لأمور المسلمين كما أسلم عليّ كل نفسه ما سلمت أمور المسلمين، علينا أن لا ننطلق من ذكرى عليّ لنسيء إلى الوحدة الإسلامية، فقد كان عليّ بطل الوحدة الإسلامية، ولم يتحرك أحد في الوحدة الإسلامية كما تحرك عليّ (ع).. مع عليّ ننطلق ونتحرك ونبلغ الأهداف، لأن علياً كان مع الله ورسوله، فمن سار مع عليّ سار مع الله ورسوله، "مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح – تعالوا إلى سفينة الحق والعدل – من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق وهوى".

              تعليق


              • #37
                يا وليّ الله..
                يا خليفة رسول الله..
                يا سيد الأوصياء..
                ويا أبا الأئمة النجباء..
                ماذا أقول وكيف أتحدث عنك وأنا لا أستطيع بجميع طاقاتي أن أتفوّه حتى بكلمة تكشف عن عظمة خادمك قنبر…؟!.
                وكيف يمكن استخدام الكلمات في تبيين علو مقامك، ورفعة مرتبتك، وعظمة شأنك يا إمام المتقين، وأهل السماء والأرض لفي حيرة وعجز…؟!.
                (لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي)
                وكيف أحصى مناقبك وفضائلك، وها أنا أقل ذاك الحسّاب والكتـّاب الذين إن جمعنـا ـ على طول الـدهور والعصـور ـ لعدّ بعض ما أعطاك الله سبحانه، لأعيانا العدّ، وما قدرنا على إحصاءها، ولا تمكناّ من عدّ آلافها ولا ملايينها…؟!.
                (وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها )
                ولكن حسبي هذا التوفيق أن نظرت ـ مع الاعتراف بعجزي الكامل ونقصي الشامل ـ إلى قطرات من بحر فضائلك الزّخار…
                حسبي هذه السعادة والشرف، أن جمعت قطرات التي لا تقدّر بثمن، معترفاً بها، ومتيمّناً بذكرها، ومستنيراً بهديها، ولكي ينتفع بها الآخرون، ويدنون في ساحة المعرفة بك وبأولادك الطاهرين (عليهم السلام)، و يزدادون بكم حبّاً فإنكم ـ لا غيركم ـ سبيل السعادة في الدنيا والآخرة…
                وكفى بي عزّاً أن أكون لك محبّاً وموالياً وشيعيّاً.
                وكفى بي فخراً إن نظرت إليّ نظرة رحيمة،يا عين الله الناظرة، يا علي… (وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم)
                دمشق ـ السيدة زينب (عليها السلام)
                21 / رمضان المبارك / 1419
                خادم قنبرك… مهدي مرتضى محمود

                1
                قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
                إنّ الله جلّ جلاله جعل لأخي عليّ بن أبي طالب فضائل لا تحصى كثرة، فمن ذكر فضيلة من فضائله مقّراً بها غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، ومن كتب فضيلة من فضائله لم تزل الملائكة تستغفر له ما بقي لتلك الكتابة رسم، ومن أصغى إلى فضيلة من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالإستماع، ومن نظر إلى كتاب في فضائل عليّ غفر الله له الذنوب التي إكتسبها بالنظر.
                ثم قال: النظر إلى عليّ بن أبي طالب عبادة، وذكره عبادة، ولا يقبل الله إيمان عبد من عباده كلّهم إلاّ بولايته والبراءة من أعدائه(1).

                تعليق


                • #38
                  قال رسول الله (ص) : يوم غدير خم أفضل أعياد أمتي ، وهو اليوم الذي أمرني الله تعالى ذكره فيه بنصب أخي علي بن أبي طالب علماً لأمتي ، يهتدون به من بعدي ، وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين ، وأتمّ على أمتي فيه النعمة ، ورضي لهم الإسلام دينا .... جواهر البحار

                  تعليق


                  • #39
                    الإعداد الفكري والتربوي للإمام علي (عليه السلام)

                    الدكتور عبد الجبار شرارة

                    نستطيع القول بكل تأكيد أنَّ الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، قد قامَ بعملية الإعداد الرسالي (التربوي والفكري) لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) منذ صدع بالوحي، وكان صلوات الله عليه يضع الخطوات العملية من أجل بلوغ الغاية المتوخاة من ذلك، وهي تولّي عليّ للمهمة القيادية (الاجتماعية والسياسية) بعده مباشرةً. ويظهر لنا من سير الأحداث، وما تناقلته كتبُ السيرة والتواريخ، وما نقله الرواة الثقات، أنَّ ذلك تمَّ عن طريقين:

                    الأول: تعهد الرسول القائد (صلى الله عليه وآله) نفسه بكفالة عليّ (عليه السلام) منذ صغره، وتولّي تربيته ورعايته، والحرص البالغ على أن لا يفارقه إلاّ لضرورة.

                    والثاني: إفراد عليّ (عليه السلام) من بين سائر الصحابة بمقامات وعلوم ومواقف ترتبط بوجود الإسلام وبمستقبله.


                    فأما أولاً: فإنَّ كتب السيرة والرواية قد تكفلت ببيان تفصيلات وافية في هذا الصدد، حتى أن أمر تعهد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) لعلي بكفالته منذ صغره، وتربيته في بيته من أوضح ما تزخر به سيرته الشريفة(1)، ويكفي أن نوردَ ما بيّنه الإمام عليّ (عليه السلام) نفسه في خطبته الشهيرة بالقاصعة إذ يقول: (وقد علمتم موضعي من رسول الله (صلىالله عليه وآله) بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة، وضعني في حِجره وأنا وَلدٌ، يضمّني إلى صدره، ويكنفني في فراشه، ويُمسُّني جسده، ويُشِمني عَرْفَه. وكان يمضغ الشيء ثمّ يُلقمنيه، وما وجَدَ لي كذبةً في قولٍ، ولا خطلةً في فعلٍ... ولقد كنتُ أتّبعهُ اتّباعَ الفصيل اثرَ اُمِه، يرفع لي في كل يومٍ من أخلاقه عَلَماً، ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاورُ في كل سنةٍ بحراء فأراه ولا يراه غيري. ولم يجمع بيتٌ واحد يومئذ في الإسلام غيرَ رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخديجةَ وأنا، أرى نور الوحي والرسالة وأشمُّ ريح النبوة...)(2).

                    إنَّ هذه الصورة التي ينقلها لنا الإمام عليّ (عليه السلام) نفسه عن كيفية وطريقة التعامل التي كان يتبعها النبي معه، تكشف لنا عن حقيقة وأبعاد الهدف الأعظم من ذلك.

                    إنَّ هذه التربية المخصوصة لعليّ (عليه السلام)، والرعاية الفائقة، والحرص على أن يكون عليٌّ قريباً جداً من أنوار الوحي، وأن يكون متعرضاً لنفحات النبوة، وأن يكون ثالث ثلاثة في بيت الرسول القائد حيث مهبط الوحي، فيتلقى في هذا المكان المشرف الدروس الأولى، والتوجيهات النبوية المباشرة، فينعكس ذلك على تكوينه الفكري والعقيدي (فلا يسجد لصنم قط)(3) ولا يخالط عقله لحظة شرك، وينعكس على سلوكه (فلا كذبة في قول، ولا خطلة في فعل...) إنَّ هذا ليكشف عن إعدادٍ تربوي خاص بلا أدنى شك. ومما يلاحظ في هذا الصدد أن تعهد الرسول القائد (صلى الله عليه وآله) لعليٍّ بالرعاية والعناية الخاصتين لم يقتصر على فترة الطفولة والصبا، ولم يتوقف عند مرحلةٍ معينة لأننا نجدُ أن الرسول القائد كان حريصاً على أن يكون عليٌّ إلى جانبه دائماً لا يفارقه ليلاً ولا نهاراً، كما ورد عن عليّ (عليه السلام) قال: (كان لي مع النبي (صلى الله عليه وآله) مدخلان، مدخل بالليل، ومدخل بالنهار...)(4) بل نجد الرسول القائد لا يفارق عليّاً ولا يتركه إلاّ لضرورةٍ تتصل بحفظ حياة الرسول نفسه أو بحفظ الدعوة الإسلامية وحمايتها من أخطار محتملة.

                    ونذكر على كلِّ حالةٍ مثالاً واحداً، لتأكيد المطلب.

                    أ - المورد الأول الذي يتصل بحفظ حياة الرسول القائد نفسه، وهو عندما تركَ رسولُ الله عليّاً ليبيت في فراشه ليلة هجرته(5) المباركة إلى المدينة، إيهاماً لقريش المترصدين، وإنجاءً لنفسه صلوات الله عليه وآله وسلم من مؤامرتهم لقتله(6). وقد نزل في ذلك قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ...)(7) كما ذكره الفخر الرازي(8).

                    ب - المورد الآخر الذي يتصل بحفظ الرسالة وحمايتها؛ وهو عندما أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يخرج إلى بعض مغازيه ـ قيل تبوك ـ ترك علياً في المدينة خليفةً(9) عنه، لأنَّ ابن أُبيّ بن سلول رأس المنافقين كان قد تخلف في المدينة، فاقتضى الموقف أن يُترك عليٌّ لمواجهة أي تطور غير محسوب قد يهدد دولة الرسول القائد في المدينة، ذكر الطبري: (أنه لما سارَ رسول الله إلى تبوك تخلّف عنه عبد الله بن أُبيّ فيمن تخلف من المنافقين وأهل الريب، وكان عبد الله بن أُبيّ أخا بني عوف بن الخزرج، وعبد الله بن نَبْتَل أخا بني عمرو بن عوف، ورفاعة بن زيد بن التابوت أخا بني قينقاع، وكانوا ـ أي المذكورون ـ من عظماء المنافقين، وكانوا ممن يكيد الإسلامَ وأهله.

                    قال الطبري: وفيهم ـ فيما حَدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة عن ابن اسحاق، عن عمرو بن عبيد عن الحسن البصري ـ أنزل الله تعالى: (لَقَدِ ابتَغَوُاْ الفِتْنَةَ مِن قَبلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ...)(10)... وهنا أدرك المنافقون أنَّ بقاء عليٍّ في المدينة سيفوّت الفرصة عليهم، قال الطبري في تتمة الخبر: (فأرحف المنافقون بعلي بن أبي طالب، وقالوا: ما خلّفه إلاّ استثقالاً له وتخففاً منه. فلما قال ذلك المنافقون، أخذ عليٌّ سلاحه ثمّ خرج حتى أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو بالجُرف ـ موضع على مسافة من المدينة ـ فقال: يا نبي الله؛ زعم المنافقون أنّك إنما خلفتني؛ أنّك استثقلتني وتخففت مني!! فقال: كذبوا، ولكني إنما خلفتك لما ورائي... أفلا ترضى أن تكون مني ـ يا عليّ ـ بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبيَّ بعدي!!، فرجع عليٌّ إلى المدينة ومضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) على سفره)(11).

                    وقد نقل البخاري(12) ومسلم(13) حديث المنزلة هذا، وفي الرواية عن سعد بن أبي وقاص: قال: خلّف رسولُ الله عليّاً ـ في بعض مغازيه ـ في المدينة، فقال عليٌّ: يا رسول الله قد خلفتني مع النساء والصبيان؛ فسمعت رسول الله يقول: (أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبوةَ بعدي...)(14) ومن الأمور الملفتة للنظر أن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) كان يعبّرُ عن تلهفه وهواجسه عندما يغيب عنه عليٌّ (عليه السلام)، ويتطلع الى رؤيته والاطمئنان عليه، فعن أمّ عطية على ما أخرجه ابن كثير(15) وحسّنه، قالت: بعثَ النبيُّ (صلى الله عليه وآله) جيشاً، وفيهم عليٌّ. قالت: فسمعتُ النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: (اللهمَّ لا تمتني حتى تريني عليّاً)(16).

                    ويصلُ الأمر أحياناً إلى أنَّ النبي (صلى الله عليه وآله) عندما يُخصُّ بأكلةٍ لا يطيق أن يأكلها لوحده، ثمّ هو لا يكتفي بان يدعو الله إلى أن يشاركه عليٌّ بتلك الأكلة، بل يجعلها مناسبةً لبيان مقام علي (عليه السلام) ومنزلته، فعن أنس بن مالك قال: (كان عند النبي طيرٌ ـ وفي بعض الروايات طائر مشوي ـ(17) فقال (صلى الله عليه وآله): (اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير، فجاء عليٌّ فأكل معه...)(18). ومن الملفت للنظر أن بعض الروايات تنقل أن محاولة جرت لصرف عليّ عند مجيئه الى بيت الرسول (صلى الله عليه وآله) بعد دعوته تلك، ولكنها فشلت بتدخل الرسول نفسه على ما نقله ابن كثير(19).

                    ويستفاد من هذه الرواية ـ كما هو ظاهر ـ أن النبي (صلى الله عليه وآله) أراد أن يُرسّخ ويؤكد أنَّ علياً هو أحب الخلق إلى الله تعالى أيضاً(20).

                    كل ذلك يدلُّ بما لا يدعُ مجالاً للشك على أنَّ التربية التي خصَّ بها نبينا محمد (صلى الله عليه وآله) علياً، كانت تهدف الى إعداده وتهيئته لمسؤولية قيادة الدعوة، وليس لمجرد أن يكون أحد أركانها وكوادرها الأساسية. إذ وجدنا الرسول القائد يتعهد جمعاً من صحابته بالتربية والتثقيف والرعاية، ولكن ليس بمثل المستوى والطريقة والأسلوب والعناية التي اتبعت مع عليٍّ، مما يكشف أن المسؤولية المنوطة بعليّ هي أكبر بكثير من مسؤولية الآخرين.

                    أما الأسلوب الثاني: وهو افرادُ عليٍّ، واختصاصه بالعلوم، وخاصةً القرآنية، وبالمواقف الحاسمة في تاريخ الرسول والرسالة، وتثقيفه تثقيفاً مركّزاً بأحكام الشريعة؛ فإنّ هناك شواهد كثيرة، وادلةٌ وفيرةٌ عليه، ومن يراجع كتب الحديث والسيرة والتواريخ(21) يظفر بالكثير جداً.

                    ونذكر أمثلةً وشواهد عليه تنثبيتاً للمطلب:

                    لقد تولّى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بنفسه، وبأمرٍ إلهي مهمة الإعداد الفكري والعلمي لعليٍّ، وتزويده دون سواه بالمعرفة القرآنية الشاملة، وباُصول العلوم وينابيعها، وبالحكمة وآدابها، وبتفهيم أحكام الشريعة حلالها وحرامها.

                    جاء عن عليٍّ (عليه السلام) قوله: (علمني رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) ألف باب من العلم، يفتح لي من كل باب ألف باب ...)(22). وكان عليٌّ (عليه السلام) تارةً يبادر هو بالحصول على المعارف والعلوم والأحكام من الرسول الأعظم، وتارةً يبادر الرسول (صلى الله عليه وآله) نفسه بذلك؛ قال عليٌّ (عليه السلام): (كنت إذا سألتُ النبي (صلى الله عليه وآله) أعطاني، وإذا سكتُّ ابتدأني..)(23). ثمّ قال مرةً: (إنَّ الله وهبَ لي لساناً سؤولاً، وقلباً عقولاً...)(24) وفي حديث طويل تحدث الإمام عليّ (عليه السلام) في هذا الصدد قائلاً: (ما نَزلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) آيةٌ إلاّ أقرأنيها وأملاها عليَّ فكتبتها بخطي، وعلمني تأويلها وتفسيرها، وناسخها ومنسوخها، ومحكمها ومتشابهها، وخاصّها وعامّها، ودعا الله لي أن يعطيني فهمها وحفظها فما نسيتُ آية من كتاب الله تعالى، وعلماً أملاه عليَّ وكتبته منذ دعا الله لي بما دعا، وما ترك رسول الله علماً علّمه الله من حلال ولا حرام، ولا أمرٍ ولا نهي كان أو يكون.. إلاّ علمنيه وحفظته، ولم أنسَ حرفاً واحداً منه...)(25).

                    وقد أورد السيوطي أن مُعَمر روى عن وهب عن أبي الطفيل قال: شهدتُ عليّاً يخطب وهو يقول: سلوني فوالله لا تسألوني عن شيء إلاّ أحدثكم به، وسلوني عن كتاب الله، فوالله ما من آية إلاّ وأنا أعلمُ أبليلٍ نزلت أم في نهار أم في سهل أم في جبلٍ...)(26).

                    قال السيوطي: (إنَّ أحداً من الصحابة لم يجرؤ على أن يقول سلوني غير عليّ...)(27).

                    وكل ما تحدث به عليٌّ، ونقله لنا التاريخ نقلاً أميناً، شهد به أجلاء الصحابة وأقرَّ به علماؤهم وكبارهم؛ فقد أخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن مسعود أنه قال: (إنَّ القرآن أُنزل على سبعة أحرف، ما منها حرفٌ إلاّ وله ظهرٌ وبطن، وإنَّ عليّ بن أبي طالب عنده من الظاهر والباطن...)(28). وجاء عن ابن عباس أنه قال: (والله لقد أُعطي عليُّ بن أبي طالب تسعة أعشار العلم)(29)، وورد عنه أيضاً قوله: (كنا نتحدث أنَّ النبي (صلى الله عليه وآله) عهد إلى عليٍّ سبعين عهداً، لم يعهد إلى غيره)(30). وعملياً كان عليٌّ مرجع الصحابة في كل ما يعترضهم من المسائل العلمية والمشاكل الإدارية، والمعضلات القضائية. فلقد ثبتَ عن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب أنه قال: (لولا عليٌّ لهلك عمر)(31)، وأنه كان يقول: (أعوذ بالله من معضلةٍ، ولا أبو حسن لها...)(32)، وثبتَ عنه أنه قال: (أقضانا عليّ...)(33). والقضاء يعني العِلم بكل أحكام الشرع.


                    الهوامش:

                    1- السيرة النبوية: ابن هشام، ج 1 ص 246، تحقيق مصطفى السقا وآخرون.

                    2- نهج البلاغة: ضبط الدكتور صبحي الصالح خطبة 192 ص 300 و301.

                    3- مناقب أمير المؤمنين، ج 2 ص 540 حديث رقم 1045 عن ابي سعيد الخدري، وراجع الروض الآنف السهيلي ج 3 ص 16 أول من صلى عليّ، الهامش (1) قال: وإليه ذهب سلمان وخباب وجابر وأبو سعيد كذا في الطبراني.

                    4- السنن الكبرى: الخصائص، النسائي ج 5 ص 141 ح 8502.

                    5- سيرة ابن هشام: ج 2 ص 95. مطبعة الحجازي القاهرة 1937.

                    6- المصدر السابق.

                    7- سورة البقرة: الآية 207.

                    8- التفسير الكبير: ج 5 ص 204 ـ نشر دار الكتب العلمية ـ طهران ط 3.

                    9- صحيح الترمذي: ج 5 ص 596 ـ مطبعة دار الفكر ـ تحقيق كمال الحوت.

                    10- سورة التوبة: الآية 48.

                    11- تاريخ الطبري ج 2 ص 182 و 183؛ البداية والنهاية ابن كثير ج 7 ص 340 وما بعدها.

                    12- راجع التاج الجامع للأصول، الشيخ ناصف ج 3 ص 332 قال: رواه الشيخان والترمذي.

                    13- صحيح مسلم ج 4 ص 1873.

                    14- صحيح الترمذي: 5 ص 596.

                    15- البداية والنهاية: ابن كثير ج 7 ص 357.

                    16- التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول الشيخ منصور عليّ ناصف ج 3 ص 334 دار احياء الكتب العربية ـ طبعة باموق استانبول ط 3، 1961.

                    17- البداية والنهاية: ج 7 ص 351.

                    18- التاج الجامع للأصول: السابق ج 3 ص 336.

                    19- البداية والنهاية: ص 351 و 352.

                    20- غاية المأمول شرح التاج الجامع للأصول: ج 3 ص 336، الهامش(6). قال عن الحديث (وفيه أنَّ علياً رضي الله عنه أحب الخلق إلى الله تعالى).

                    21- راجع مختصر تاريخ ابن عساكر: لابن منظور ج 17 ص 356 وما بعدها، ج 18 إلى ص 51.

                    22- الارشاد: الشيخ المفيد، رواية عن عبد الله بن مسعود ص 22.

                    23- التاج الجامع للأصول: ج 3 ص 335، تاريخ الخلفاء السيوطي ص 170، الصواعق المحرقة ابن حجر ص 126 و 127.

                    24- الاتقان: السيوطي ج 4 ص 234.

                    25- نهج البلاغة: خطبة 210 ص 325. ضبط الدكتور صبحي الصالح 110، راجع أيضاً بحار الأنوار، المجلسي ج 92 ص 99 طبعة طهران.

                    26- الاتقان ج 4 ص 233 وراجع طبقات ابن سعد ج 2 ص 338، الصواعق المحرقة ابن حجر ص 127.

                    27- تاريخ الخلفاء ص 166.

                    28- نقله في الاتقان، السيوطي ج 4 ص 233.

                    29- ينابيع المودة: القندوزي، ج 1 ص 68 و 69.

                    30- حلية الأولياء: ج 1 ص 68 ـ دار الكتب العربية، بيروت ط 5.

                    31- البداية والنهاية: ابن كثير ج 7 ص 359، وراجع تاريخ الخلفاء: السيوطي، ص 171.

                    32- المصدر السابق: ج 7 ص 373، الصواعق المحرقة: لابن حجر ص 127.

                    33- الطبقات الكبرى: ابن سعد، ج 3 ص 339 ط 2 دار الكتب العلمية، بيروت / 1408 هجري.


                    تعليق


                    • #40
                      اليوم الرّابع والعِشرون :

                      هُو يوم المباهلة على الاشهر، باهل فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نصارى نجران وقد اكتسى بعبائه، وأدخل معه تحت الكساء عليّاً وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وقال:
                      " اللهمّ انّه قد كان لكلّ نبيّ من الانبياء أهل بيت هم أخصّ الخلق اليه، اللهمّ وهؤلاءِ أهل بيتي فأذهب عنهم الرِّجس وَطهّرهم تطهيراً " فهبط جبرئيل بآية التّطهير في شأنهم (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) ، ثمّ خرج النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بهم عليهم السلام للمباهلة، فلمّا بصر بهم النّصارى ورأوا منهم الصّدق وشاهدوا امارات العذاب، لم يجرؤا على المباهلة، فطلبوا المصالحة وقبلوا الجزية عليهم، وفي هذا اليوم أيضاً تصدّق أمير المؤمنين عليه السلام بخاتمه على الفقير وهو راكع، فنزل فيه الاية (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ )

                      تعليق


                      • #41
                        نعم، لم تعرف لإنسانية في تاريخها الطويل رجلاً - بعد الرسول الأعظم (ص) أفضل من علي بن ابي طالب ولم يسجّل لإحد من الخلق بعد الرسول صلى الله عليه وآله من الفضائل والمناقب والسوابق، ما سجّل لعلي بن ابي طالب، وكيف تحصى مناقب رجل كانت ضربته لعمرو بن عبدود العامري يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين، وكيف تعد فضائل رجل اسرّ اولياؤه مناقبه خوفا، وكتمها أعداؤه حقداً، ومع ذلك شاع منها ما ملأ الخافقين، وهو الذي لو اجتمع الناس على حبه - كما يقول الرسول صلى الله عليه وآله - لما خلق الله النار.

                        تعليق


                        • #42
                          محمد بن الحنفية ابن الإمام علي عليهما السلام

                          التسمية: هو أبو القاسم وأبو عبد الله، محمد بن الإمام علي بن أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب، شيبه بن هاشم، عمرو بن عبد مناف بن قصي بن كلاب، القرشي الهاشمي، المدني، أخو الحسن والحسين. وأمه من سبي اليمامة زمن أبي بكر، وهي خولة بنت جعفر الحنفية.

                          ولادته: ولد محمد بن الحنفية في سنة 20 للهجرة النبوية وقد أرخ سنة ولادته فيمن أرخها ابن خلكان في كتابه (وفيات الأعيان) بقوله لسنتين بقيتا من خلافة عمر وتوفي في أول محرم سنة 72 للهجرة. في المدينة المنورة وقيل انه خرج إلى الطائف مبتعداً عن ابن الزبير فتوفي هناك.

                          وقيل بل إلى ايلة أو رضوى ولم يعد بعدها ولذلك قال فيه أحد الكيسانية الذين ادعوا فيه الإمامة بعد الحسين (عليه السلام) كما ادعى فيه بعضهم انه المهدي (عليه السلام) قال:

                          الأقل للوصي فدتك نفسي اطلت بذلك الجبل المقاما

                          وعانوا فيك أهل الأرض طراً مغيبك عنهم سبعين عاما

                          فما ذاق ابن خولة طعم موت و وارت له أرض عظاما

                          لقد أمسى بمردف شعب رضوى تراجعه الملائكة الكلاما

                          وقال آخر منهم في هذا الصدد:

                          إلا إن الأئمة من قريش ولاة الحق أربعة ســواء

                          عليٌّ والثلاثة من بنيه هم الاسباط ليس بهم خفاء

                          فســــبط سبط إيمان وبر وســبط غـيـبـتـه كربلاء

                          وسبط لا تراه العين حتى يقود الخيل يتبعها اللواء(1)

                          إلى آخر ما جاء في ذلك وهو ما يدل على عظم شأنه بحيث إن طائفة كبيرة من الناس ادعت فيه الإمامة يضاف إلى ذلك ترشيح أخيه عبيد الله له بالإمامة مع وجود الحسنين (عليهما السلام) كما سيأتي ذكر ذلك في الكلام عن عبيد الله المذكور.. إضافة إلى كون محمد من الأئمة الثانويين كما في الحديث عن العباس (عليه السلام) وغير ذلك مما يطول الكلام بذكره.

                          وكانت تلك الطائفة أعني الكيسانية القائلة بإمامته قد بلغ من أمرها تقويض الدولة الأموية وإقامة الدولة العباسية فمسودة أبي مسلم الخراساني كلها كيسانية لأن أبا هاشم بن محمد بن الحنفية لما حضرته الوفاة بالشام اجتمع بمحمد بن علي بن عبد الله بن العباس وسلم إليه كتب الدعاة وأطلعه على ما يفعل ثم مات عنده بالحميمة من أرض الشراة بالبلقاء - كما ذكر ذلك ابن الجوزي في كتابه التذكرة (2).

                          ومما يدل على عظم شأن محمد بن الحنفية ما ذكره البحاثة المظفري في كتابه بطل العلقمي من انه سبق للرسول (صلى الله عليه وآله) أن قال لعلي (عليه السلام) سيولد لك ولد سمه باسمي وكنه بكنيتي فلما ولد لعلي ولده هذا من خولة الحنفية سماه باسم النبي (صلى الله عليه وآله) وكناه بكنيته.

                          وكان اتصال خولة هذه بالإمام علي (عليه السلام) أن الإمام اشتراها من سبي حنيفة أو انه قومها على نفسه من السبي المذكور فقد جاء فيما جاء في هذا الصدد في كتاب الفضائل لشاذان بن جبرئيل القمي أن علياً دخل مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفيه سبي بني حنيفة بين يدي أبي بكر وخولة تتمنع من أن يملكها أي شخص ممن حضر فقال علي (عليه السلام) لا يملكها إلا من يخبرها بخبرها وأمها في سنة ولادتها، فلما سمعت خولة هذا الكلام قالت من هذا المتكلم قال (عليه السلام): أنا علي بن أبي طالب فقالت بك دهينا ومن أجلك سبينا، ثم أخبر الإمام (عليه السلام) بأن خولة ولدت في سنة قحط فتشائمت منها أمها وسمعتها امرأة كتابية فقالت لها لا تتشاءمي منها فإنها مباركة وستكون نصيب رجل عظيم يتزوجها فتلد له غلاماً يكون له شأن عظيم... فقالت خولة أي والله لقد صدقت فيما قالت.

                          وكانت نصيب أمير المؤمنين علي (عليه السلام) فتزوجها فأنجبت له محمد المذكور. قال ابن خلكان في (وفيات الأعيان) كان محمد هذا كثير العلم والورع وكان شديد القوة وله في ذلك أخبار عجيبة وذكر قضية الدرع والرومي وغير ذلك.

                          وقال الابشيهي في المستطرف (محمد بن علي أبوه علي بن أبي طالب كان أبوه يلقيه في الوقائع ويتقي به العظائم وهو شديد البأس ثابت الجنان قيل له يوما ما بال أبيك (عليه السلام) يقحمك في الحروب دون الحسن والحسين (عليه السلام) فقال لأنهما كانا عينيه. وكنت أنا يده فكان يتقي عينيه بيده).

                          الهوامش

                          1- ج 2، شجرة طوبى كما عن مصادر مختلفة.

                          2- لاحظ: ص 169.

                          تعليق


                          • #43


                            اما فضائله (عليه السلام) : فهي كما قال ابن ابي الحديد قد بلغت من العظم والجلال والانتشار والاشتهار، مبلغاً يسمج معه التعرض لذكرها، والتصدي لتفصيلها، فصارت كما قال ابو العيناء لعبيد اللّه بن يحيى بن خاقان وزير المتوكل والمعتمد، وانني فيما اتعاطى من وصف فضلك كالمخبر عن ضوء النهار الباهر والقمر الزاهر الذي لا يخفى على الناظر. فايقنت اني حيث انتهى بي القول منسوب الى العجز، مقصر عن الغاية. فانصرفت عن النثاء عليك الى الدعاء لك، وكانت الاخبار عنك الى علم الناس بك، وما أقول في رجل اقر له اعداؤه وخصومه بالفضل، ولم يمكنهم جحد مناقبه ولا كتمان فضائله، فقد علمت انه استولى بنو امية على سلطان الإِسلام في شرق الأرض وغربها، واجتهدوا بكل حيلة في اطفاء نوره والتحريف عليه ووضع المعائب والمثالب له، ولعنوه على جميع المنابر، وتوعدوا مادحيه بل حبسوهم وقتلوهم، ومنعوا من رواية حديث يتضمن له فضيلة، او يرفع له ذكراً حتى حظروا ان يسمى احد باسمه، فما زاده ذلك الا رفعة وسمّواً، وكان كالمسك كلما ستر انتشر عرفه، وكلما كتم تضوع نشره، وكالشمس لا تستر بالراح، وكضوء النهار ان حجبت عنه عيناً واحدة ادركته عيون كثيرة، وما اقول في رجل تُعْزى اليه كل فضيلة، وتنتهي اليه كل فرقة، وتتجاذبه كل طائفة، فهو رئيس الفضائل وينبوعها، وابو عذرها وسابق مضمارها، ومجلّي حلبتها، كل من بزغ فيها بعده، فمنه اخذ، وله اقتفى، وعلى مثاله احتذى، الى آخر ما قال في ذلك.

                            وقال صاحب مدينة المعاجز: واما ما جاء في فضل عليّ امير المؤمنين (عليه السلام)، فاحاديثه لا تحصى، وآثاره لا تستقصى، فمن طريق المخالفين ما ذكر صاحب ثاقب المناقب، عن محمد بن عمر الواقدي قال: كان هارون الرشيد يقعد للعلماء في يوم عرَّفه، فقعد ذات يوم وحضره الشافعي وكان هاشمياً يقعد الى جنبه وحضر محمد بن الحسين وابو يوسف فقعدا بين يديه، وغص المجلس بأهله، فيهم سبعون رجلاً من اهل العلم، كل منهم يصلح ان يكون امام صقع من الاصقاع

                            قال الواقدي: فدخلت في آخر الناس، فقال الرشيد لم تأخرت، فقلت: ما كان لاضاعة حق، ولكني شغلت بشغل عاقني، قال: فقربني حتى اجلسني بين يديه، وقد خاض الناس في كل فن من العلم، فقال الرشيد للشافعي: يا ابن عمّي كم تروي في فضائل علي بن ابي طالب، فقال: اربعمئة حديث واكثر فقال له: قل ولا تخف، قال: تبلغ خمسمئة وتزيد ثم قال لمحمد بن الحسن: كم تروي يا كوفي من فضائله، قال: الف حديث او اكثر فاقبل على ابي يوسف، فقال: كم تروي انت يا كوفي من فضائله اخبرني ولا تخشَ، قال: يا امير المؤمنين لولا الخوف لكانت روايتنا في فضائله اكثر من ان تحصى، قال: مم تخاف؟ قال: منك ومن عمالك واصحابك، قال: انت آمن، فتكلم واخبرني كم فضيلة تروى فيه، قال: خمسة عشر الف خبر مسند وخمسة عشر الف حديث مرسل، قال الواقدي فاقبل عليَّ، فقال: ما تعرف في ذلك؟ فقلت مثل مقالة ابي يوسف. قال الرشيد: لكني اعرف له فضيلة رأيتها بعيني وسمعتها باذني، اجلّ من كل فضيلة تروونها انتم الى آخر ما ذكره من الفضيلة.

                            وروى الصدوق عن الطبري عن الحسن بن محمد عن الحسن بن يحيى الدهان قال: كنت ببغداد عند قاضي بغداد، واسمه سماعة، اذ دخل عليه رجل من كبار اهل بغداد، فقال له: اصلح اللّه القاضي، اني حججت في السنين الماضية فمررت بالكوفة فدخلت في مرجعي الى مسجدها، فبينا انا واقف في المسجد اريد الصلاة اذا امامي امرأة اعرابية بدوية مرخية الذوائب، عليها شملة وهي تنادي وتقول: يا مشهوراً في السماوات، يا مشهوراً في الأرضيين، يا مشهوراً في الآخرة، يا مشهوراً في الدنيا، جهدت الجبابرة والملوك على اطفاء نورك، واخماد ذكرك، فابى اللّه لذكرك الا علواً ولنورك الا ضياءً وتماماً ولو كره المشركون، قال: فقلت: يا امة اللّه ومن هذا الذي تصفينه بهذه الصفة قالت: ذاك امير المومنين، قال فقلت لها: أي امير المؤمنين هو، قالت عليّ بن أبي طالب الذي لا يجوز التوحيد الا به وبولايته. قال فالتفت اليها فلم أر أحداً.



                            وحكى عن الشافعي، انه قيل له ما تقول في عليّ (عليه السلام) قال: ما تقول في حقّ من أخفى اولياؤه فضائله خوفاً، وأخفى أعداؤه فضائله حسداً، وشاع من بين ذين ما ملأ الخافقين.

                            ولقد اجاد مادح اهل البيت الشيخ الازري (قدس سره) في قوله:

                            لا فتى في الجود الا علي*** ذاك شخص بمثله اللّه باها

                            لا ترم وصفه ففيه معانٍ*** لم يصفها الا الذي سوّاها

                            ما حوى الخافقان انس وجن*** قَصَبَات السبق الّتي قد حواها

                            انما المصطفى مَدينةُ علم*** وهو البابُ من اتاه أتاها

                            وهما مقلتا العوالم يسرا*** ها عليّ واحمد يمناها

                            هل أتى هل أتى بمدح سواه*** لا ومولى بذكره حلاها

                            فتأمل بعمَّ(1) تُنْبئك عنه*** نبأً كل فرقة أعياها

                            وبمعنى أحبّ(2) خلقك فانظر*** تجد الشمس قد أزاحت دجاها

                            وتفكر بانت منِّي(3) تجدها*** حكمة تورث الرقود(4) انتباها

                            او ما كان بعد موسى اخوه*** خير اصحابه واعظم جاهَا

                            ليس(5) تخلو إلا النبوة منه*** ولهذا خير الورى استثناها

                            وهي في آية(6) التباهل نفس*** المصطفى ليس غيره اياها

                            ثم سل انما وليكم اللّه*** ترى الاعتبار في معناها

                            آية خصّت الولاية للّه*** وللطهر حيدراً بعد طه

                            _________________________________

                            (1) أي بسورة عم وهي سوة النبأ.

                            (2) اشارة الى حديث الطير المشوي حيث قال (صلى اللّه عليه وآله وسلم) اللهم ائتني باحب خلقك اليك يأكل معي.

                            (3) اشارة الى حديث المنزلة حيث قال (صلى اللّه عليه وآله وسلم) انت مني بمنزلة هارون من موسى.

                            (4) الرقود جمع راقد.

                            (5) يعني انه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) استثنى من تنزيله في ذاك الحديث النبوة والاستثناء دليل تعميم المماثلة.

                            (6) اية المباهلة هي قوله تعالى قل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم الخ.



                            لك في مرتقى العلى والمعالي*** درجات لا يرتقى أدناها

                            يا اخا المصطفى لدي ذنوب*** هي عين القذى(1) وانت جلاها

                            كيف تخشى العصاة بلوى المعاصي*** وبك اللّه منقذ مبتلاها

                            وقال سبط بن الجوزي في التذكرة سمعت جدي ينشد في مجالس وعظه ببغداد (سنة 592هجري) بيتين ذكرهما في كتاب تبصرة المبتدي وهما:

                            اهوى علياً وإيماني محبتُه*** كم مشرك دمُه من سيفه وكفا

                            ان كنت ويحك لم تسمع فضائله*** فاسمع مناقبه من هل أتى وكفى

                            (وقال غيره)

                            بآل محمد عُرِفَ الصَّوابُ*** وفي ابياتهم نزلَ الكتابُ

                            وهم حججُ الإِله على البرايا*** بهم وبجدّهم لا يسترابُ

                            ولا سيما ابو حسن عليّ*** له في الحرب مرتبة تهابُ

                            طعامُ سيوفه مهجُ(2) الاعادي*** وفيضُ دمِ الرقاب لهُ شرابُ

                            وضرْبَتُهُ كبيعتِهِ بخمّ*** معاقدهُا من القومِ الرِّقابُ

                            عليُّ الدرّ والذهب المصفَّى*** وباقي الناس كلهمُ ترابُ

                            هو البكّاء في المحراب ليلاً*** هو الضحاك اذا اشتد الضّراب

                            هو النبأ العظيم وفلك(3) نوح*** وباب اللّه وانقطع الخطاب

                            ____________________________

                            (1) القذى ما سقط على العين.

                            (2) جمع مهجة وهي الدم.

                            (3) اشارة الى الحديث الوارد عن النبي (صلى اللّه عليه وآله وسلم) حيث قال فيه مثل اهل بيتي كمثل سفينة نوح.

                            تعليق


                            • #44
                              الاستراتيجية العسكرية في معارك الإمام علي (ع)

                              شهاب الدين الحسيني

                              في التاريخ، وعندما تتطلع إلى تلك المعارك التي خاضها المسلمون تجد أن هناك وإلى جانب العزيمة والاستبسال والإقدام جوانب رائعة من التخطيط والتنفيذ بحيث أصبحت هناك قواعد ربما نجد بعضها واضحة في العلوم العسكرية المعاصرة رغم أن تلك المعارك قد سبقت عصرنا بقرون.

                              والآن الموضوع الذي نحن بصدده يكتسب طابعاً فنياً بحتاً، فقد تتبعنا فيه مقاطع من توجيهات وممارسات ميدانية لقائد فذ كان لها دور كبير في تثبيت أركان الإسلام. ذلك هو بطل الإسلام وابن عم الرسول (صلّى الله عليه وآله) الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) الذي تميز وبالإضافة إلى شجاعته الفريدة بقدرة عالية على إدارة المعارك وتوجيه صفحاتها وفق أساليب علمية فنية بحتة.

                              وفي الجانب العسكري إذ ترتبط عدة عوامل وتتشابك لتقرير نتيجة الحرب، فإن العلم العسكري يفرض أن القوة أو العدة تحتاج إلى تخطيط، والتخطيط يحتاج إلى قادة ميدانيين، ويضع إلى جانب ذلك كله العنصر المعنوي كشرط ضروري ملازم لكل مراحل المعركة وقبلها، وإلى هذه الصورة تبرز الحاجة إلى التدقيق في كيفية خلق الاستعداد لدى المقاتل كي يخوض المعركة بصرامة واستبسال.

                              وحسب المدرسة العسكرية الحديثة، فإن الجانب المعنوي يرتبط بعوامل كثيرة معظمها تطور عن واقع الحروب وقواعدها في الماضي، أما البعض الآخر فهو إدخالات حديثة على ضوء التطور الكبير الذي حصل في الأسلحة والفنون والوسائل والأفكار، ومن بين القضايا التي عجزت المدرسة العسكرية الحديثة عن بلوغ مستواها هي تلك الروح التي تحلى بها الجندي والقائد الإسلامي وهو يخوض معارك الفتح، والتصدي للكفر والوثنية، وهنا تبدو النقطة المركزية في تقرير مصير المعركة، ألا وهي قيمة الفكرة التي توجه سلوك المقاتل، ومن ثم قيمة أهدافها وغايتها، وكيف يمكن أن تلهب حماس المقاتل حتى يلقي بنفسه على الموت. وبعبارة أوضح أن المقاتل وحتى يؤمن بأهدافه إلى حد التضحية، لابدّ أن تكون له رسالة آمن بها، وذاب في قيمتها، وسار على هديها، هذه الرسالة تستملك روح الجندي وعقله وعندما تبدو هذه المسألة بعيدة عن متناول الفن العسكري وليست هي من اختصاصه، فإن المدرسة العسكرية الحديثة لا تمتلك ما تعالج فيه تأثير الجانب الإيديولوجي، والعقيدة التي تؤثر في سلوك الجنود.

                              ولكي تبدو هذه المسألة واضحة نفترض أن العلم العسكري فرغ من وضع الصيغ (المثلى) لفنون القتال والأساليب الصحيحة في التعامل مع التكنولوجيا العسكرية. لكن كيف يتسنى له ضبط الجانب المعنوي ورفع روحية المقاتلين في المعركة؟ بالتأكيد إن ذلك معضلة عجز عن حلها العقل الإنساني، وما يقال عن أساليب متبعة في جيوش العالم تتكفل بالجانب المعنوي هو في الحقيقة أفكار قابلة للارتفاع والانخفاض، بل تأثيرها نسبي وضئيل إذا ما قورنت بالأثر الذي تتركه العقيدة الإلهية في نفوس المدافعين عن حياض الإسلام.

                              وعلية فإن القوة إذا كانت أحد أدوات المعركة فإنها لا تصنع النصر إذا لم تتوفر إلى جانبها عدة عوامل تتعلق معظمها بالإنسان، والإنسان بدوره يخضع سلوكه لتأثير الأفكار التي تخلف عنده الشعور بهذا الاتجاه أو ذاك.

                              إذن الفكرة التي تنطبع في ذهن الإنسان إذا كانت ذات قيمة فإنها تحركه باتجاه فاعل يستلهم فيها العزيمة والاندفاع نحو تمكين ذات الفكرة من الواقع وتطويقه باتجاهها. ومن هنا فإن الإيمان يشكل القاعدة التي تؤسس عليها عوامل صنع النصر، وحيث أن المعارك التي خاضها الإمام علي (عليه السلام) كان تستخدم فيها أدوات حربية واحدة سواء تلك التي يمتلكها صف الإيمان أو صف الكفر، فلنتابع التفوّق العسكري للإمام علي (عليه السلام) بما هو عوامل مجتمعة ومتداخلة وفّرتها الفكرة الصالحة والقيادة الملهمة.

                              إن ما يحقق النصر ويحسم المعركة وكما أشرنا قبل قليل هو جميع ما يحيط بالمعركة من نوايا وأهداف وغايات لها علاقة وثيقة بالطبع بفكر الجبهتين المتصارعتين إضافة إلى الخطط والأساليب والوسائل والتعبئة والفنون العسكرية، وهو ما يطلق عليه في المصطلح الحديث الاستراتيجية بالنسبة للأولى، والتكتيك بالنسبة إلى الثانية. هذا على أن التوصيف السابق يمكن اختصاره كالآتي:

                              نعني بالاستراتيجية: الخطوط العامة للمعركة والثوابت التي تتعلق بالأهداف البعيدة.

                              ونعني بالتكتيك: الخطوط المرحلية للمعركة.

                              وبما أن الاستراتيجية والتكتيك يتداخلان ويتلازمان، فسوف لن نضع فواصل بين الموضوعات التي تدخل تحت عنوانيهما.


                              أهداف المعركة

                              المعركة ذات الأهداف الواضحة والمحددة تكون عاملاً دافعاً لمن يخوض أغوارها وتمنح المقاتلين روح التفاني والاستبسال والثبت إلى آخر أشواطها، ولهذا السبب كان الإمام علي (عليه السلام) يحدد أهداف المعركة ويوضحها لأصحابه قبل أن يخوضها، ولقد قال في أحد حروبه: (ألا إنا ندعوكم إلى الله وإلى رسوله، وإلى جهاد عدوّه، والشدة في أمره، وابتغاء مرضاته، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت وصيام شهر رمضان، وتوفير الفيء على أهله)(1).

                              ووفق هذه العبارة المختصرة، فإن أهداف المعركة لخّصها الإمام علي (عليه السلام) في تمكين الشريعة الإسلامية وتطبيق مبادئها السامية، ولذلك عندما تضمحل المصالح الشخصية وتوضع المصلحة الإسلامية العليا هدفاً واضحاً، فإن الأهداف الذاتية الضيقة الملغية من التفكير والممارسة معاً تجعل المقاتل لا يحسب في تحركه سوى تحقيق أهداف الإسلام الكبرى حتى وإن كان خصمه أخاه، ولعل المقطع التالي من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) يوضح هذه الحقيقة بجلاء: (ولكنا إنّما نقاتل إخواننا في الإسلام على ما دخل فيه من الزيغ والاعوجاج، والشبهة والتأويل، فإذا أطمعنا في خصلة يلمّ الله بها شعثنا، ونتدانى بها إلى البقية فيما بيننا، رغبنا فيها، وأمسكنا عما سواها)(2).

                              إن الإمام علي (عليه السلام) الذي انصهر بالإسلام، كان لا يرى مصلحة فوق مصلحة الإسلام، ولا هدفاً أهم من تدعيم كيان الدولة الإسلامية وتشذيب مسيرتها وهو إذا كان صارماً مع أعداء الإسلام من الكفار والملحدين، فإنه لم يلين قط أمام الذين حاولوا استثمار الدين لصالح شهواتهم، ولذلك حارب المنحرفين الذين أرادوا تحويل الإسلام إلى ملك عضوض بنفس العزم الذي قاتل فيه الكافرين. وهو (عليه السلام) لما كان يضع جنوده وأمراء أجنحته أمام صورة واضحة للأهداف المطلوبة في القتال، فقد كان أصحابه كزبر الحديد، وصناديد لا تلين لهم عزيمة، فالأهداف واضحة، ويقاتلون تحت راية الحق. وقلما ذكر التاريخ جنود أشداء كجنود وأصحاب الإمام علي (عليه السلام).


                              الجانب المعنوي

                              كنّا قد أشرنا إلى أن معنويات الجيش والمقاتلين هي من صناعة العقيدة، وكلما كانت العقيدة متمكنة من نفوس الجنود، كلما ارتفعت معنوياتهم، ومن هنا نجد أن الإمام علي (عليه السلام) يحث أفراده إلى التقرب إلى الله تعالى عبر التذكير على الممارسات العبادية في كل مراحل المعركة، ومن توصياته في هذا المجال قوله (عليه السلام): (ألا إنكم ملاقو العدو غداً إن شاء الله، فأطيلوا الليلة بالقيام، وأكثروا تلاوة القرآن، واسألوا الله الصبر والنصر، وألقوهم بالجدّ والحزم، وكونوا صادقين)(3).

                              ولما كان الدعاء هو الطريق الأقرب إلى الله تعالى، ويغذي المقاتل بمعنويات هائلة من الثقة والاستعداد والاطمئنان، فلا يتهيب أمام الكثرة العددية للعدو ما دام متصلاً بالقوة الحقيقية وما دام آخذاً بالأسباب الموصلة لصاحب القوة وصاحب العون والمدد. فقد كان الإمام علي (عليه السلام) لا يفارق الدعاء في المعركة، ويوجه جيشه إلى مصدر الحول والقوة والنصر وهو الله تعالى ومن أدعيته (عليه السلام) في ميدان المواجهة. (اللهم إليك أفضت القلوب، ومدّت الأعناق، وشخصت الأبصار، ونقلت الأقدام، وأنضيت الأبدان، اللهم افتح بيننا وبين قومنا بالحق، وأنت خير الفاتحين)(4).


                              التمثّل بالخلق الإسلامي

                              عرض القيم الإسلامية في واقع الحياة تطبيقياً يعكس الصورة الجاذبة للإسلام كعقيدة إلهية تضمن للبشرية سعادتها، وحتى في الحرب التي هي استثناء في الشريعة هناك آداب وقواعد يراعي استخدامها مهما كان لون العدو وطبيعته العدوانية. ومن مصاديق الخلق الإسلامي الرفيع في معارك الإمام علي (عليه السلام) أنه كان يحرص دائماً على أن لا يكون البادئ في القتال (لا تقاتلوهم حتى يبدءوكم فإنكم بحمد الله على حجّة، وترككم إياهم حتى يبدءوكم حجة أخرى لكم عليهم، فإذا كانت الهزيمة للعدو بإذن الله فلا تقتلوا مدبراً، ولا تصيبوا معوراً، ولا تجهزوا على جريح، ولا تهيجوا النساء بأذى وإن شتمن أعراضكم وسببن أمراءكم)(5).

                              لقد ترك الإمام علي (عليه السلام) قادة الجبهات المعادية ممن وقعوا في قبضته حينما انكشفت عوراتهم، وعفا عن قادة معركة الجمل بعد انتهائها. وهو كذلك الذي سمح لجيش معاوية بشرب الماء بعد أن سبق منعه على جيش الإمام (عليه السلام).

                              ومن خصاله (عليه السلام) أنه يقول الصدق ويلتزم به في تناوله لحقيقة المعركة، والصدق عامل مساعد من عوامل إحراز النصر العسكري. يقول ليدل هارت: (إن أضمن شكل من أشكال العمل التي يمكن إدراكها وتصورها وأكثرها فاعلية للانتصار على المدى الطويل، هو عمل الرجل الذي يقول الحقيقة دون لف أو دوران أو قيود أو تحفظات)(6).

                              ومن أخلاق المعركة الوفاء بالعهد، وقد وفى الإمام علي (عليه السلام) بعهده مع معاوية بعد الصلح برغم أن جيشه طالب بإعادة الحرب.


                              انتخاب المقاتلين

                              لا أحد يزعم أن المجتمع يعد أفراداً بنفس المستوى من الشجاعة أو المروءة أو السجايا الجميلة الأخرى، وعندما يتعلق الأمر بالحرب، فإن الجندي الحائز على الشوط التي تجمل توفير القيم والأخلاق والشمائل الحسنة فيه هو بالتأكيد عنصر فاعل في المعركة وعامل حسم ضروري في توجيه المعركة نحو هزيمة العدو ولذا حرص الإمام علي (عليه السلام) على انتخاب الصالحين وخصوصاً إذا تعلق الأمر بالقادة والأمراء.

                              وكانت توصياته تؤكد على هذا الجانب المهم، ولعل نموذج مالك الأشتر، وعمار بن ياسر، وغيرهم تعكس مدى اهتمام الإمام علي (عليه السلام) بانتخاب القادة وتربيتهم وإعدادهم ليكونوا قدوات حسنة في ساحات الوغى.

                              ففي عهده (عليه السلام) لمالك الأشتر يقول: (فولّ من جنودك أنصحهم في نفسك لله ولرسوله ولإمامك، وأنقاهم جيباً، وأفضلهم حلماً ممن يبطئ عن الغضب ويستريح إلى العذر، ويرأف بالضعفاء، ولا ينبو على الأقوياء، وممن لا يثيره العنف ولا يقعد به الضعف، ثم الصق بذوي المروءات والأحساب وأهل البيوتات الصالحة والسوابق الحسنة، ثم أهل النجدة والشجاعة والسخاء والسماحة)(7).

                              ولغرض توضيح هذه المسألة، ودقة الإمام في انتخاب أركان حربه نذكر هذا القول لعمار بن ياسر حيث يقول: (والله لو هزمنا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق وإنهم على الباطل)(8).


                              المشاركة الميدانية ووحدة الأوامر

                              ربما لا نحتاج إلى سوق الشواهد التاريخية التي تؤكد معايشة الإمام لجنوده وقادته، بل إنه كان في جميع المعارك التي خاضها متواجداً في القلب، حيث يحتدم القتال ويلتحم الجيشان، ويبدأ صخب المعركة وقعقعة السلاح. وقد وصفه صعصعة بن صوحان بالتالي: (كان فينا كأحدنا)(9).

                              إن ثمرة هذا التواجد الميداني الهاب حماس المجاهدين، والتوفر على وضع المعركة والتعرف بدقة على تفاصيلها وما يجب أنه يتخذ من قرارات هامة مصيرية فيها. هذا وبالإضافة إلى ذلك، فإن الأمر الصادر من القائد الميداني ربما لا يحتاج إلى وقت طويل كي يصل إلى المجاهدين. وهذه المركزية هي في الحقيقة من أهم العوامل الاستراتيجية في كسب المعركة، حيث تقطع الطريق على الفوضى والبلبلة نتيجة تأخر القرار، وتجعل الطاعة والانضباط هما السائدين في كل مراحل المعركة.


                              السرية والكتمان

                              (لا احتجز دونكم سراً إلا في حرب)(10)، هذه العبارة المختصرة للإمام علي (عليه السلام) والتي صرّح بها إلى أمرائه من الجيش تلخص أهمية الكتمان في الحرب، وخطورة تسرب الأسرار إلى الجهة المعادية، والإمام (عليه السلام) عندما يحتفظ لنفسه ببعض الأمور التي لا يبوح بها حتى إلى أقرب الناس من الصحابة إنما يلحظ خطورة الوضع العسكري وحساسيته ولذلك يأخذ الحيطة من تسرب بعض المعلومات إلى العدو، حيث لا يشك في أمر أصحابه الأوفياء، ولكنه قد يحتمل وجود بعض المندسين في صفوف جيشه وهو أمر وارد في جميع الجيوش، حيث يعتمد على التجسس في تحصيل المعلومات المهمة حول قوة الجبهة المقابلة، وخططها، وأساليبها في القتال.


                              وصايا ثابتة

                              من جملة من أمر به الإمام (عليه السلام) جيشه هو: (عضوا على النواجذ، وأكملوا اللاّمة، وقلقوا السيوف، والحظوا الخزر، واطعنوا الشزر، ونافحوا بالظبا، وصلوا السيوف بالخطا، وعاودوا الكرّ، وعليكم بهذا السواد الأعظم والرواق المطنب فاضربوا شبجه)(11). وهذا النص الموجز يلخص دقة التعليمات الضرورية في الحرب:

                              1ـ فالعض على النواجذ، هي أقصى الأضراس، حيث يساعد على تصلب الأعصاب والعضلات المتصلة بالدماغ، وإزالة الاسترخاء.

                              2ـ وإكمال اللامة وهي الدرع، يعني تحصين جسد المجاهد، بإحاطة أعضائه البارزة بالحديد وهي الرأس والصدر والسواعد، إضافة إلى تهيئة وسائل الدفاع من درع ورمح وسيف.

                              3ـ وقلقلة السيوف أي تحريكها للتحقق من عدم تأثرها بالصدأ.

                              4ـ وإلحاظ الخزر هو أن ينظر المجاهد بعينه بصورة من صور الغضب.

                              5ـ والطعن شزراً، هو الطعن عن اليمين والشمال.

                              6ـ والنفح بالضبا، وهو الضرب بطرف السيف.

                              7ـ ووصل السيوف بالخطا هو التوازن بين حركة السيوف وخطوة المجاهد.

                              8ـ ومعاودة الكر، أي إدامة الكرّ دون تراجع.

                              9ـ والسواد الأعظم هو جمهور الشام المحيط بمركز القيادة والمراد منه أن يكون الهجوم على وسط مركز القيادة لأن ذلك يعجّل في حسم المعركة.


                              استعدادات تسبق المعركة

                              هناك جملة من الاستعدادات التي عادة ما تكون بهيئة إجراءات تسبق المعركة وتشكل بطبيعتها الخطوات الأولية التي تؤثر على سير المعركة في حالة وقوع الصدام بين الطرفين وسنذكر بعضها باختصار مع شواهد تاريخية مختصر تعكس الواقع التطبيقي لهذه القواعد العسكرية التي اعتمدها الإمام علي (عليه السلام) في معاركه.

                              أولاً: الاستطلاع.

                              حيث هو من الضرورات التي يتم التعرف به على حجم قوة العدو ونقاط ضعفه والأسلوب المتتبع عنده في دخول المعركة، وبالتالي هو وسيلة جمع المعلومات ليتم الإعداد وتوقيت المعركة واختيار أسلوب ومواقع المواجهة، ولقد استخدم الإمام (عليه السلام) أربعة طرق في ذلك.

                              أ) من خلال الأفراد القريبين من العدو.

                              ب) من خلال أمراء الولايات والمدن.

                              ج) نشر العيون.

                              د) اختراق العدو.

                              ثانياً: اختيار المواقع العسكرية المحصّنة.

                              (فإذا نزلتم بعدو أو نزل بكم، فليكن معسكركم في قبل الأشراف، أو سفاح الجبال، أو أثناء الأنهار... واجعلوا لكم رقباء في صياصي الجبال، ومناكب الهضاب)(12).

                              ثالثاً: أخذ الحيطة والحذر.

                              (واعلموا أن مقدمة القوم عيونهم، وعيون المقدمة طلائعهم، وإياكم والتفرق، فإذا نزلتم فأنزلوا جميعاً، وإذا ارتحلتم فارتحلوا جميعاً، وإذا غشيكم الليل فاجعلوا الرماح كفّة، ولا تذوقوا النوم إلا غراراً)(13).

                              رابعاً: تجهيز السلاح.

                              (وثب الناس إلى رماحهم وسيوفهم ونبالهم يصلحونها)(14).

                              خامساً: التعبئة القتالية.

                              وهي تختلف من معركة إلى أخرى.

                              سادساً: تقسيم القطعات العسكرية.

                              سابعاً: الهجوم على مواقع القيادة.

                              ثامناً: استخدام الخدعة العسكرية والتمويه والمناورة.

                              الهوامش:

                              1- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج5، ص181.

                              2- نهج البلاغة، تحقيق الدكتور صبحي الصالح، ص122.

                              3- شرح نهج البلاغة، ج5، ص182.

                              4- نفس المصدر، ج15، ص112.

                              5- نهج البلاغة، ص373.

                              6- الفكر والحرب، جان غيتون، ص7.

                              7- نهج البلاغة، ص432-433.

                              8- شرح النهج، ج10، ص104.

                              9- نفس المصدر، ج1، ص25.

                              10- نهج البلاغة، ص424.

                              11- نهج البلاغة، ص97.

                              12- نهج البلاغة، ص371.

                              13- نهج البلاغة، ص371.

                              14- نهج البلاغة، ص372.

                              تعليق


                              • #45
                                على منهج من نحن؟




                                علي بن أبي طالب أم الخوارج؟



                                ما زلت في الحديث عن الشرعية. وأريد في هذه المقالة أن أركز على منهج علي بن أبي طالب (رض) في تعامله مع الخوارج، لأني أجد فيه آية على الشرعية التي نعجز عنها اليوم بعد أن اختلطت الشرعية باللاشرعية عند المسلمين وعلي بن أبي طالب شخصية عجيبة في تاريخنا ومعلم من معالم الحق والشرعية، ولكن تداخلت عند الناس الحقائق والخوارق في تصور حياته.

                                إن تاريخنا دخل حقبة جديدة في الصراع الذي حدث بين الخوارج وعلي بن أبي طالب. كان علي (كرم الله وجهه) خليفة المسلمين بالشورى والبيعة، وبعد أن صار في الحكم بطريق شرعي خرج عليه الخوارج. ولكن علياً قال لأصحابه: (لا تبدأوهم حتى يسفكوا دماً حراماً). هذه مقولة مهمة، وستظل مهمة وستظهر في المستقبل أنها الحق وأنها الشرعية.

                                فالأفكار تغير بالأفكار، وليس بالقتل. ومقولة علي معناها عميق، أي لا يقاتل الناس من أجل أفكارهم وعقائدهم، وإنما من أجل ممارساتهم العملية، حين يبدأون بقتل الناس وسفك الدماء. والسلطة الشرعية هي التي توقف هذا العدوان كائناً من كان مرتكبه بصرف النظر عن عقيدته، حيث لا يؤاخذ الناس على عقائدهم ما لم يلجأوا إلى سفك الدماء واستلاب الأموال بالقوة. هذان فقط المحرمان في المجتمعات النبوية التي يتمتع المجتمع بالشرعية وبالصبر على الأذى.

                                يقال أن علي بن أبي طالب قال: (لا تقاتلوا الخوارج بعدي). ما أدري هل قال هذا أم لا ولكن نحن يمكن أن نفهم هذا القول على ضوء معطيات التاريخ وتغيير الأقوام والأنفس. ففعلاً لم يحدث قتال شرعي بعد علي بن أبي طالب، لأن الذين جاءوا من بعده كانوا يقاتلون الباغي بالبغي من غير أن يصنعوا مجتمع الرشد بالرشد. ولم يتحول قتال البغي إلى قتال جهاد شرعي.

                                إن تطور البشر في فهم آيات الآفاق والأنفس فرض الشرعية. فالذي يخرج على الشرعية بشريعة الغاب يُطبق عليه القانون بغض النظر عن إخلاصه والقيم التي ينادي بفرضها بالإكراه. وفي تاريخنا كان الذين يخرجون على القانون ويصلون إلى الحكم من غير شرعية هم الذين يقاتلون غير الشرعية. أي لا شرعي يقاتل لا شرعياً. وهذا ما ظل عليه المسلمون إلى يومنا هذا والمسلمون الآن مضطرون إلى أن يفكروا ملياً وبوضوح للخروج من المأزق الذي هم فيه حتى يكشفوا الشرعية النبوية.

                                إن الشرعية النبوية التي جاء بها الأنبياء قاطبة ليست بارزة إلى الآن، لأن الناس إما يرونها كنتيجة لتدخل إلهي وكمعجزة أو يرونها كأسطورة حلوة مثالية غير قابلة للتطبيق، بل يرونها جنوناً (كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون أتواصوا به بل هم قوم طاغون). لقد جاء الأنبياء جميعاً ليعملوا الناس الكفر بالطاغوت وليخرجوهم من ملة الطغيان (يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به).

                                ويصف الله الأنبياء والذين آمنوا بالأنبياء أنهم هم (والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب). ويصف الله الفاسقين بأنهم (من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكاناً وأضل عن سواء السبيل). ويصف الله الذين كفروا بأنهم يقاتلون في سبيل الطاغوت (والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفاً).

                                الطاغوت - كلمة مشتقة من فعل طغى - هو الذي يعتمد على الإكراه في مولده واستمراره. وبما أنه لا إكراه في دين الأنبياء الذين أرسلهم الله فقد صار تضاد بين هاتين الملتين: ملة الأنبياء التي تنبذ الإكراه وتدعو إلى الكفر بالطاغوت، وملة الكفر أولياؤهم الطاغوت، التي تعتمد الإكراه في تثبيت نفسها. فمن هنا كانت إزالة الطاغوت ليست بالدخول إلى ملته وأسلوبه، بل كان موقف الأنبياء أن قالوا: (قد افترينا على الله كذباً إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها).

                                لقد قدم الأنبياء البديل لمنظومة الطاغوت التي تعتمد الإكراه. فالشرعية النبوية تتأسس عن طريق تغيير ما بأنفس الناس، أي تغيير القناعات، وتغيير ما يؤمنون به. وهذا هو قانون التغيير الإلهي، وما جاء به الأنبياء. ولكن الطواغيت لا يعطون قيمة لتغيير ما بالأنفس، وإنما يقهرون الناس ويجعلونهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، ويحولونهم إلى منافقين، ولسان حالهم يقول: لقد أجلك من يرضيك مظهره، وقد أطاعك من يعصيك مستتراً. هذا الانفصال بين دعوة الله إلى كلمة سواء وبين دعوة الطواغيت الذين يريدون العلو في الأرض والفساد وجعل أهلها شيعاً هو ما يركز عليه القرآن.

                                إن تاريخ علي بن أبي طالب يظهر أزمة الشرعية في تاريخنا، حيث قتله المسلمون وهو حاكم راشد أتى بطوع الناس، وهذا يدل على أن التغيير ليس بتغيير الحاكم وإنما بتغيير ما بأنفس الناس. وعلي التزم الشرعية وكان مدركاً أن الحكم برضى الناس وبيعتهم، ولهذا لم يخرج عليها حتى عندما خرج الآخرون، وظل ملتزماً كلمة التقوى وكلمة السواء من طرفه. وهناك نقطة مهمة أخرى في حياة علي. فعندما بايعه الناس اعتبر أن هذا هو الطريق الشرعي وأن التغيير يكون بتغيير ما بأنفس الناس وليس بقهرهم، وأن ما يأتي الناس ينبغي أن يذهب برضاهم أيضاً، وهي نقطة غابت عن عثمان ومن يعطي السلطة للحاكم؟

                                وهذه العقبة اشتبهت على الناس، كما حصل في قضية عثمان إن الناس هم الذين يعطون الملك، وهم الذين ينزعونه، ليس بالقتل، والإكراه، وإنما بالشورى. فكما يُختار الحاكم بالشورى، يغير أيضاً بالشورى.

                                إن الخروج على الشرعية خطأ كما فعل المسلمون مع عثمان. ولكن الاختلاط حدث من جانبين، من جانب الذين أجازوا تغيير الشرعية بغير الشرعية، من قتل الأنفس واغتيالها، ومن جانب عثمان الذي كان يشعر أن السلطة ثوب من الله، ولا يخلعها إلا الله. ونحن يجب أن نفهم بوضوح هذا الاختلاط أكثر من الذين كانوا يحيونها في تلك الأيام. إن عثمان كان مصيباً في عدم قتال الذين خرجوا عليه. والذين خرجوا عليه انزلقوا في الغي حين قتلوه ولم يصبروا على حل المشكلة.

                                إني أقول مطمئناً أن علي بن أبي طالب معلم للشرعية، حسب ما جاء به الأنبياء الذين لم يخرجوا على مجتمعاتهم باستعمال القوة، وإنما بتغيير ما بأنفس الناس، من غير إكراه وحتى من غير دفاع عن النفس إذا اعتدى عليهم مجتمع الطاغوت، حتى يغيروا الناس برضاهم. لقد ظل الأنبياء صابرين على الأذى، حتى أتاهم نصر الله بالإقناع، وليس بالإكراه.

                                إن في حياة علي بن أبي طالب عبراً كثيرة، وهو الذي فهم منهج الخوارج على حقيقته. فعندما سئل عنهم: أكفار هم؟ قال: بل من الكفر فروا. فسُئل: أمنافقون هم؟ قال : لا. قيل: فمن هم إذن؟ قال (رض) القول الفصل الذي يشتبه على كثير من الناس: (ليس من طلب الباطل فأدركه كمن طلب الحق فأخطأه). هذا الكلام معلم من معالم الحق والنزاهة واللا إكراه في الأفكار. لقد شخص علي المرض بوضوح ووضع إصبعه على خطأ المنهجية في السلوك اللاشرعي. وحين اغتاله الخوارج. قال في وصيته عن قاتله: إن أعش فالأمر لي وإن مت من هذه الضربة فالأمر إليكم، فإن أبيتم القصاص فضربة، إن تعفوا أقرب للتقوى.

                                عليك سلام الله يا إمام المتقين الذين يعيشون في هذه الأرض، ومع النبيين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً في يوم الدين.

                                تعليق

                                المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                                حفظ-تلقائي
                                x

                                رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                                صورة التسجيل تحديث الصورة

                                اقرأ في منتديات يا حسين

                                تقليص

                                المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                                أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, اليوم, 07:21 AM
                                ردود 2
                                10 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة ibrahim aly awaly
                                بواسطة ibrahim aly awaly
                                 
                                يعمل...
                                X