هل تستطيع فرنسا فرضَ تفسيرِ موحدِ لمبادئها؟
هل تستطيع فرنسا فرضَ
تفسيرِ موحدِ لمبادئها؟
عصام نعمة اسماعيل
تضمن الاتفاق الذي أبرمته قناة <<المنار>> مع المجلس الأعلى للمرئي والمسموع في فرنسا، بنوداً تنص على وجوب التزام القناة بجملة مبادئ واردة في المواد 1 و13 و15 من القانون رقم 1086 تاريخ30/9/1986، إضافةً إلى جملة مبادئ واردة في متن الاتفاقية. وعند بدء تنفيذ هذه الاتفاقية، جرى وقف <<المنار>> عن البث بموجب أمرٍ قضائي (له صفة استثنائية ويمكن الرجوع عنه) والسبب هو بث <<المنار>> برامج تحضُّ على العنف والكراهية على أساس الدين أو الجنسية بصورة مخالفة لأحكام القانون الفرنسي.
وفي هذه النقطة يكمن أساس النزاع، فالخلاف هو حول كيفية تفسير هذه المبادئ، وبصورة خاصة تلك المبادئ المرتبطة بعدم التمييز على أساس الدين أو العرق أو المبادئ المتعلقة بعدم التحريض على العنف.
ومصدر هذا الخلاف، هو التباين الحاد بين وجهتي النظر العربية والفرنسية حول هذه المفاهيم.
بالنسبة للمبادئ المتعلقة بعدم التمييز، فمن المتفق عليه أن لا تمييز بين البشر على أساس ديانتهم أو عرقهم، وأن هذا المبدأ هو أساس العقيدة الاسلامية التي تعتنقها <<المنار>>، التي جاء فيها أن الناس سواسية كأسنان المشط، ولكن وجه الخلاف هو حول مدى هذا المبدأ، وما إذا كان من الواجب أن يمتدَّ تطبيقه إلى الدولة العدو، فإسرائيل بالنسبة للعرب ول<<المنار>> العربية هي دولة عدوة، و<<المنار>> لم تناصب اليهود العداء، لكي نقول أنها خالفت مبادئ عدم التمييز، ولكنها تجهر بالإشارة إلى مساوئ دولة اسرائيل وما تنتهكه من حرماتٍ ومقدسات. وهي بذلك لا تخرج على مبدأ عدم التمييز على أساس العرق أو الدين أو المعتقد، وإنما بمفهومها فهي تواجه عدواً يستحقُّ المواجهة.
وبالنسبة إلى مفهوم التحريض على العنف وتمييزه عن العمل المقاوم المشروع. فمن وجهة النظر العربية فإن التحريض على قتال إسرائيل هو واجبٌ وطني وقومي ينبغي على كل إعلامي أن يحرِّض على إزالة وتدمير اسرائيل مغتصبة الأرض العربية.
ومن هنا نقول أن الخلاف الأساسي فيما بين فرنسا والعرب هو حول تفسير مبادئ الدولة الفرنسية، وليس حول الالتزام بتطبيق هذه المبادئ، ومجال الاختلاف لا ينحصر فقط بقضية دولة اسرائيل، بل يتعداه إلى العديد من القضايا الأخرى، مثل قضية تعدد الزيجات، أو جواز التزوج من قاصر، وقضايا الإرث والعادات والتقاليد العربية وغيرها من الأمور التي هي محل خلاف جوهري، فهل تقفل فرنسا كل قناة عربية تنادي بهذه المبادئ لعلة أنها لا تتماشى مع قوانين الدولة الفرنسية؟
أعتقد أن الأمر يحتاج إلى دراسة وحوار أكثر جدية وموضوعية، لا أن تفرض فرنسا تعاليمها ومبادئها على الآخرين بالقوة، لأنها بذلك تخالف المبادئ التي تنادي بها.
وإذا كانت فرنسا، من وجهة نظرها الخاصة، لا تعتبر إسرائيل دولة معتدية، فلا يحقُّ لها إرغام <<المنار>> على اعتبار اسرائيل صديقة.
وإذا كانت فرنسا تتعامل مع اسرائيل على أنها الطرف المعتدى عليه، فإن هذا هو حال كل مستعمِر، حيث نجدهم يختلقون الأعذار المبررة للمجازر التي يرتكبونها بحق الشعوب المغلوب على أمرها. ولعل فرنسا وغيرها من الدول المستعمِرة تخشى فيما إذا أجازت للمنار أن توجِّه اتهاماً لاسرائيل بارتكابها جرائم بحق الشعب الفلسطيني، في أن يبادلها الاسرائيليون المعاملة بالمثل، ويفضحوا جرائمها بحق الشعوب التي لا تزال تستعمرها وخاصةً في القارة الأفريقية.
وتذكِّرنا محاكمة <<المنار>> أمام مجلس الدولة الفرنسي، بالمحاكم الفرنسية التي كانت تحاكم الثوار الجزائريين وتصدر أحكامها القاسية بحقهم وذلك قبل حوالى الأربعين عاماً فقط، ولعل الشبه الأساس فيما بين المحكمتين، هي أن جهتي الإدعاء والحكم انطلقتا من خلفية واحدة، وهي القناعة الراسخة بأن المتهم الذي يحاكم أمامهم لا يستحق الحياة.
مركز بيروت للابحاث والمعلومات
هل تستطيع فرنسا فرضَ
تفسيرِ موحدِ لمبادئها؟
عصام نعمة اسماعيل
تضمن الاتفاق الذي أبرمته قناة <<المنار>> مع المجلس الأعلى للمرئي والمسموع في فرنسا، بنوداً تنص على وجوب التزام القناة بجملة مبادئ واردة في المواد 1 و13 و15 من القانون رقم 1086 تاريخ30/9/1986، إضافةً إلى جملة مبادئ واردة في متن الاتفاقية. وعند بدء تنفيذ هذه الاتفاقية، جرى وقف <<المنار>> عن البث بموجب أمرٍ قضائي (له صفة استثنائية ويمكن الرجوع عنه) والسبب هو بث <<المنار>> برامج تحضُّ على العنف والكراهية على أساس الدين أو الجنسية بصورة مخالفة لأحكام القانون الفرنسي.
وفي هذه النقطة يكمن أساس النزاع، فالخلاف هو حول كيفية تفسير هذه المبادئ، وبصورة خاصة تلك المبادئ المرتبطة بعدم التمييز على أساس الدين أو العرق أو المبادئ المتعلقة بعدم التحريض على العنف.
ومصدر هذا الخلاف، هو التباين الحاد بين وجهتي النظر العربية والفرنسية حول هذه المفاهيم.
بالنسبة للمبادئ المتعلقة بعدم التمييز، فمن المتفق عليه أن لا تمييز بين البشر على أساس ديانتهم أو عرقهم، وأن هذا المبدأ هو أساس العقيدة الاسلامية التي تعتنقها <<المنار>>، التي جاء فيها أن الناس سواسية كأسنان المشط، ولكن وجه الخلاف هو حول مدى هذا المبدأ، وما إذا كان من الواجب أن يمتدَّ تطبيقه إلى الدولة العدو، فإسرائيل بالنسبة للعرب ول<<المنار>> العربية هي دولة عدوة، و<<المنار>> لم تناصب اليهود العداء، لكي نقول أنها خالفت مبادئ عدم التمييز، ولكنها تجهر بالإشارة إلى مساوئ دولة اسرائيل وما تنتهكه من حرماتٍ ومقدسات. وهي بذلك لا تخرج على مبدأ عدم التمييز على أساس العرق أو الدين أو المعتقد، وإنما بمفهومها فهي تواجه عدواً يستحقُّ المواجهة.
وبالنسبة إلى مفهوم التحريض على العنف وتمييزه عن العمل المقاوم المشروع. فمن وجهة النظر العربية فإن التحريض على قتال إسرائيل هو واجبٌ وطني وقومي ينبغي على كل إعلامي أن يحرِّض على إزالة وتدمير اسرائيل مغتصبة الأرض العربية.
ومن هنا نقول أن الخلاف الأساسي فيما بين فرنسا والعرب هو حول تفسير مبادئ الدولة الفرنسية، وليس حول الالتزام بتطبيق هذه المبادئ، ومجال الاختلاف لا ينحصر فقط بقضية دولة اسرائيل، بل يتعداه إلى العديد من القضايا الأخرى، مثل قضية تعدد الزيجات، أو جواز التزوج من قاصر، وقضايا الإرث والعادات والتقاليد العربية وغيرها من الأمور التي هي محل خلاف جوهري، فهل تقفل فرنسا كل قناة عربية تنادي بهذه المبادئ لعلة أنها لا تتماشى مع قوانين الدولة الفرنسية؟
أعتقد أن الأمر يحتاج إلى دراسة وحوار أكثر جدية وموضوعية، لا أن تفرض فرنسا تعاليمها ومبادئها على الآخرين بالقوة، لأنها بذلك تخالف المبادئ التي تنادي بها.
وإذا كانت فرنسا، من وجهة نظرها الخاصة، لا تعتبر إسرائيل دولة معتدية، فلا يحقُّ لها إرغام <<المنار>> على اعتبار اسرائيل صديقة.
وإذا كانت فرنسا تتعامل مع اسرائيل على أنها الطرف المعتدى عليه، فإن هذا هو حال كل مستعمِر، حيث نجدهم يختلقون الأعذار المبررة للمجازر التي يرتكبونها بحق الشعوب المغلوب على أمرها. ولعل فرنسا وغيرها من الدول المستعمِرة تخشى فيما إذا أجازت للمنار أن توجِّه اتهاماً لاسرائيل بارتكابها جرائم بحق الشعب الفلسطيني، في أن يبادلها الاسرائيليون المعاملة بالمثل، ويفضحوا جرائمها بحق الشعوب التي لا تزال تستعمرها وخاصةً في القارة الأفريقية.
وتذكِّرنا محاكمة <<المنار>> أمام مجلس الدولة الفرنسي، بالمحاكم الفرنسية التي كانت تحاكم الثوار الجزائريين وتصدر أحكامها القاسية بحقهم وذلك قبل حوالى الأربعين عاماً فقط، ولعل الشبه الأساس فيما بين المحكمتين، هي أن جهتي الإدعاء والحكم انطلقتا من خلفية واحدة، وهي القناعة الراسخة بأن المتهم الذي يحاكم أمامهم لا يستحق الحياة.
مركز بيروت للابحاث والمعلومات
تعليق