إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

علماؤنا عظماؤنا .. سيرة و تاريخ.!!!!!!

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • علماؤنا عظماؤنا .. سيرة و تاريخ.!!!!!!

    بسم الله الرحمن الرحيم و الحمدلله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و اله الطاهرين
    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
    عن رسول الله صلى الله عليه و اله و سلم انه قال...
    العلماء ورثه الانبياء .... العلماء هم ملح الارض ...الخ...
    أيها الاعزاء
    ابدأ من هذا المنتدى المبارك بنقل سيرة و تاريخ علمائنا الاعلام المجاهدين الابرار راجيا من الجميع دون استثناء حين وجود اية روايه او حديث او خبر عن العالم الذي نتكلم عنه ان ينقله هنا دون تردد كما ارجو ان ارى مداخلات في العمق من الاخوه الموالين الاعزاء تعبر عما يجول في خاطرهم دون مغالاة ولا تفريط ودون الوقوع في خطأ النقاش لان هذا الموضوع هو نقل اخبار و سيره و تاريخ وليس للنقاش لذا ارجو الالتزام بهذه النقطه بالذات..
    ان تاريخ علمائنا الاعلام من مراجع و مجتهدين و غيرهم من الاهميه بمكان و علينا ان نوفيه حقه على الاقل حسب مفهومنا القاصر للامور و المقصر فيها بدون شك.
    نبدا على بركة الله بسيرة سماحة الامام القائد المغيب السيد موسى الصدر ارجعه الله سالما معافى و نأمل من الجميع التقيد بالموضوع و التزام النقل الصحيح و الابتعاد عن النقاش..
    سيرة بطل من ابطال الاسلام و مؤسس عظيم لمقاومة ابيه قل نظيرها على مدى التاريخ العربي و الاسلامي .. رفيق درب الامام الراحل اية الله العظمى الامام الموسوي الخميني قدس سره ... الامام القائد السيد موسى الصدر...
    الحاج ابراهيم علي عوالي العاملي
    الملفات المرفقة

  • #2
    سيرة سماحة الإمام السيد موسى الصدر




    أولاً: نسبه



    الامام السيد موسى الصدر هو ابن السيد صدر الدين ابن السيد اسماعيل ابن السيد صدر الدين ابن السيد صالح شرف الدين، من جبل عامل في جنوب لبنان.

    ولد السيد صالح شرف الدين في قرية شحور ( قضاء صور- جنوب لبنان) سنة 1122هـ. وأقام فيها ، وكان عالماً دينياً جليلاً، وكان يملك مزرعة اسمها (شدغيت) بالقرب من قرية معركة (قضاء صور)، وفي هذه المزرعة ولد ابنه السيد صدر الدين.

    تعرض السيد صالح شرف الدين لاضطهاد أحمد الجزّار، في إطار حملة الجزار الشاملة باضطهاد العلماء المسلمين الشيعة في جبل

    عامل، فأقدم جنود الجزار على قتل ابنه الاكبر السيد هبة الدين، وكان في الحادية والعشرين من عمره، أمام بيت والده في قرية شحور وبحضوره، ثم اعتقلوا السيد صالح وبقي تسعة أشهر في معتقله في عكا إلى أن تمكن من الفرار إلى العراق حيث أقام في النجف الأشرف السيد صالح إلى النجف الاشرف أخوه السيد محمد الذي ألحق به زوجته وولديه السيد صدر الدين والسيد محمد علي.

    صار السيد صدر الدين ابن السيد صالح من جهابذة علماء الدين وتزوج ابنة المجتهد الاكبر الشيخ كاشف الغطاء، ثم نزح إلى أصفهان في ايران، وأنجب خمسة علماء دين أصغرهم السيد اسماعيل الذي ترك أصفهان وأقام في النجف الأشرف وعرف باسم السيد الصدر وانعقدت له المرجعية العامة للشيعة إلى أن توفي سنة 1338هـ. تاركاً أربعة أولاد صاروا علماء دين، أولهم السيد محمد مهدي الذي صار أحد مراجع الدين الكبار في الكاظمية قرب بغداد وشارك في الثورة العراقية ( ابن عمه السيد محمد الصدر تولى رئاسة الوزارة في العراق وكان أحد قادة الثورة العراقية الكبار وشملت قيادته منطقتي سامراء والدجيل)، وثانيهم السيد صدر الدين ( والد الامام السيد موسى الصدر) قاد في شبابه حركة دينية تقدمية وارتبط اسمه بالنهضة الادبية العراقية ثم هاجر إلى ايران واستوطن خراسان وتزوج من السيدة صفية ( والدة الامام السيد موسى الصدر) كريمة السيد حسين القمي المرجع الديني للشيعة ، واستدعاه المرجع العام الشيخ عبد الكريم اليزدى ليقيم معه في (قم) معاوناً له في إدارة الحوزة الدينية ، وصار أحد أركان هذه الحوزة الكبار ومرجعاً معروفاً، وأنشأ مؤسسات علمية ودينية واجتماعية وصحية ، وتوفي سنة 1954م.




    ثانياً: نشأته وعلومه



    ولد الامام السيد موسى الصدر في 15 نيسان 1928م في مدينة "قم" في ايران حيث تلقى في مدارسها الحديثه علومه الابتدائية والثانوية، كما تلقى دراسات دينية في كلية "قم" للفقه.

    تابع دراسته الجامعية في كلية الحقوق بجامعة طهران ، وكانت عمّته أول عمامة تدخل حرم هذه الجامعة، وحاز الأجازة في الاقتصاد.

    أتقن اللغتين العربية والفارسية، وألّم باللغتين الفرنسية والانكليزية.

    صار أستاذاً محاضراً في الفقه والمنطق في جامعة "قم" الدينية.

    أنشأ في "قم" مجلة باسم "مكتب إسلام" أي المدرسة الاسلامية، امتيازها باسمه، وأدارها سنوات، وصارت أكبر مجلة دينية في ايران.

    انتقل في سنة 1954 إلى العراق ، وبقي في النجف الأشرف أربع سنوات يحضر فيها دروس المراجع الدينية الكبرى: السيد محسن الحكيم، الشيخ محمد رضا آل ياسين والسيد ابو القاسم الخوئي، في الفقه والأصول.

    تزوج سنة 1955 ورزق أربعة أولاد: صبيان وبنتان.





    ثالثاً: كتاباته ومحاضراته



    -1 مؤلفات: جمعت بعض محاضراته وأبحاثه في كتابين

    أ- منبر ومحراب..

    ب- الاسلام عقيدة راسخة ومنهج حياة ..



    وقد بدأ مركز الإمام الصدر للأبحاث والدراسات بجمع كتابات ومقالات الإمام ونشرها تباعاً منذ 1995 وقد صدر حتى الآن الكتب التالية:



    - الاسلام وثقافة القرن العشرين

    - الاسلام والتفاوت الطبقي

    - حوارات صحفية (1) : تأسيساً لمجتمع مقاوم

    - حوارات صحفية (2) : الوحدة والتحرير

    - معالم التربية القرآنية "دراسات للحياة"

    - معالم التربية القرآنية "احاديث السحر"

    - المذهب الاقتصادي في الإسلام

    - أبجدية الحوار



    كما أصدر المركز عشرات المقالات المطبوعة في كتيبات منها:

    - حوار تصادمي

    - الاسلام وكرامة الانسان

    - الدين وحركات التحرر

    - العدالة الاقتصادية والاجتماعية في الاسلام

    - القضية الفلسطينية وأطماع اسرائيل في لبنان

    - تقرير الى المحرومين

    - رعاية الاسلام للقيم والمعاني الانسانية

    - الجانب الاجتماعي في الاسلام

    - الاسلام، الاصالة- الروحية- التطور



    -2 كتب الإمام مقدمات مطولة للمؤلفات التالية:

    - كتاب "تاريخ الفلسفة الاسلامية" للبروفسور الفرنسي هنري كوربان،1966.

    - كتاب "القرآن الكريم والعلوم الطبيعية" للمهندس يوسف مروة،1967 .

    - كتاب "فاطمة الزهراء" للأديب الجزائري سليمان الكتاني. وهذا الكتاب نال جائزة أحسن كتاب عن فاطمة الزهراء، 1968.

    - كتاب "ثمن الجنوب" لمؤلفة جان نانو.

    -كتاب "حديث الغدير" لآية الله السيد مرتضى خسروشاهي 1978 .

    - كتاب "تاريخ جباع" للاستاذ علي مروة.



    -3 محاضرات:

    ألقى مئات المحاضرات في الجامعات والمعاهد العلمية اللبنانية وفي الندوة اللبنانية وفي المؤسسات والمراكز الدينية والثقافية والاجتماعية الاسلامية والمسيحية وفي مؤتمرات البحوث الاسلامية في مصر (الازهر) مكة المكرمة،الجزائر والمغرب وفي اوروبا (المانيا وفرنسا) والاتحاد السوفياتي .

    محاضراته في مواضيع مختلفة: دينية، تربوية، ثقافية، اجتماعية، وطنية، قومية وانسانية. ولا يزال معظمها غير منشور حتى الآن.




    يتبع............

    تعليق


    • #3
      رابعاً: قدومه إلى لبنان



      قدم الإمام السيد موسى الصدر إلى لبنان- أرض أجداده - أول مرة سنة 1955، فتعرف إلى أنسبائه في صور وشحور ، وحلّ ضيفاً في دار كبيرهم حجة الاسلام المرجع الديني السيد عبد الحسين شرف الدين الذي تعرف إلى مواهب الإمام الصدر ومزاياه ، وصار يتحدث عنه في مجالسه بما يوحي بجدارته لأن يخلفه في مركزه بعد وفاته.

      فبعد أن توفي حجة الاسلام السيد عبد الحسين شرف الدين بتاريخ 30/12/1957، كتبت"صور" رسالة إلى الإمام الصدر في "قم" تدعوه إليها. ولفته المرجع السيد البروجردي إلى ضرورة تلبية الدعوة.

      وهكذا قدم الإمام الصدر إلى لبنان في أواخر سنة 1959 وأقام في مدينة صور.





      خامساً: نشاطاته قبل إنشاء المجلس الإسلامي الشعي الأعلى


      بدأ الامام الصدر الرعاية الدينية والخدمة العامة في صور، موسعاً نطاق الدعوة والعمل الديني بالمحاضرات والندوات والاجتماعات والزيارات ، ومتجاوزاً سلوك الاكتفاء بالوعظ الديني إلى الاهتمام بشؤون المجتمع. وتحرّك في مختلف قرى جبل عامل ثم في قرى منطقة بعلبك- الهرمل، يعيش حياة سكانها ومعاناتهم من التخلف والحرمان. ثم تجوّل في باقي المناطق اللبنانية، متعرفاً على أحوالها ومحاضراً فيها ومنشئاً علاقات مع الناس من مختلف فئات المجتمع اللبناني وطوائفه، وداعياً إلى نبذ التفرقة الطائفية باعتبار أن وظيفة الدين هي الاستقامة الاخلاقية و"أن الأديان واحدة في البدء والهدف والمصير " (راجع خطبته في كنيسة الكبوشية، أبجدية الحوار) وداعياً أيضاً إلى نبذ المشاعر العنصرية وإلى تفاعل الحضارات الإنسانية وإلى مكافحة الآفات الاجتماعية والفساد والالحاد.

      وفي مدينة صور، نجح في القضاء على التسوّل والتشرّد ، وفي شدّ أواصر الأخوة بين المواطنين من مختلف الطوائف.

      وشارك في " الحركة الاجتماعية " مع المطران غريغوار حداد في عشرات المشاريع الاجتماعية. وساهم في العديد من الجمعيات الخيرية والثقافية. وأعاد تنظيم "جمعية البر والاحسان" في صور وتولى نظارتها العامة، وجمع لها تبرعات ومساعدات أنشأ بها مؤسسة اجتماعية لايواء وتعليم الايتام وذوي الحالات الاجتماعية الصعبة ثم أنشأ مدرسة فنية عالية باسم "مدرسة جبل عامل المهنية" وأنشأ مدرسة فنية عالية للتمريض وكذلك مدرسة داخلية خاصة للبنات باسم "بيت الفتاة" . كما أنشأ في صور "معهد الدراسات الاسلامية".

      سافر الإمام الصدر إلى عدة بلدان عربية وإسلامية وإفريقية وأوروبية ، مساهماً في المؤتمرات الاسلامية ، ومحاضراً، ومتفقداً أحوال الجاليات اللبنانية والاسلامية ، ودارساً معالم الحياة الاوربية (راجع حول رحلاته كتاب" حوارات صحفية" الجزء الاول- تأسيساً لمجتمع مقاوم) ، ومتصلاً بذوي الفعاليات والنشاطات الإنسانية والاجتماعية والثقافية.

      وبعد أن وقف على أحوال الطائفة الاسلامية الشيعية ومناطقها ومؤسساتها في لبنان ، ظهرت له الحاجة إلى تنظيم شؤون هذه الطائفة، باعتبار أن لبنان يعتمد نظام الطوائف الدينية وأن لكل من الطوائف الاخرى تنظيماً يختص بها، وكان قد أنشئ بالمرسوم الاشتراعي رقم 18 تاريخ 13/1/1955 تنظيم خاص بالطائفة الاسلامية السنية يعلن استقلالها، وأنشئ بعده بالقانون الصادر بتاريخ 7/12/62 تنظيم خاص بالطائفة الدرزية ، بحيث بقيت الطائفة الإسلامية الشيعية وحدها دون تنظيم.

      فأخذ يدعو إلى إنشاء مجلس يرعى شؤون هذه الطائفة أسوة بالطوائف الأخرى ، ولقيت دعوته معارضة من بعض الزعماء السياسيين في الطائفة ومن بعض القوى خارجها. واستمر متابعاً هذه الدعوة سنوات، وفي مؤتمر صحفي عقده في بيروت بتاريخ 15/8/66 عرض آلام الطائفة ومظاهر حرمانها، بشكل علمي مدروس ومبني على إحصاءات، وبيّن الأسباب الموجبة للمطالبة بإنشاء هذا المجلس ، وأعلن أن هذا المطلب أصبح مطلباً جماهيرياً تتعلق به آمال الطائفة.

      وأتت الدعوة نتائجها بإجماع نواب الطائفة الاسلامية الشيعية على تقديم اقتراح قانون بالتنظيم المنشود، أقره مجلس النواب بالاجماع في جلسة 16/5/67، وصدقه رئيس الجمهورية بتاريخ 19/12/1967، وبمقتضاه أُنشئ "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى" ليتولى شؤون الطائفة ويدافع عن حقوقها ويحافظ على مصالحها ويسهر على مؤسساتها ويعمل على رفع مستواها. ونص القانون المذكور على أن يكون لهذا المجلس رئيس يمثله ويمثل الطائفة ويتمتع بذات الحرمة والحقوق والامتيازات التي يتمتع بها رؤساء الأديان.





      سادساً: نشاطاته بعد توليه رئاسة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى



      1- انتخابه وولايته:

      بتاريخ 69/5/23 انتخب الإمام السيد موسى الصدر أول رئيس للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى.

      وكانت ولاية الرئيس محددة في قانون إنشاء المجلس، بست سنوات.

      ونظراً لكون ولاية رؤساء الطوائف الأخرى تمتد مدى الحياة، فلقد جرى تعديل مدة ولاية رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بحيث أصبحت لغاية إتمامه الخامسة والستين من العمر. وتم هذا التعديل وفقاً للأصول بعد موافقة الهيئة العام للمجلس بالاجماع بتاريخ 29/3/75.



      2- برنامجه

      أعلن برنامج عمله لتحقيق أهداف المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ، في خطاب ألقاه يوم انتخابه، وفي كلمته الترحيبية برئيس الجمهورية اللبنانية عندما قدم لتهنئته بتاريخ 29/5/69، وفي البيان الأول الذي أصدره بتاريخ 10/6/69.

      تضمن هذا البرنامج الخطوط الرئيسية الآتية:

      - تنظيم شؤون الطائفة وتحسين أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية.

      - القيام بدور إسلامي كامل، فكراً وعملاً وجهاداً.


      - عدم التفرقة بين المسلمين، والسعي للتوحيد الكامل.

      - التعاون مع الطوائف اللبنانية كافة، وحفظ وحدة لبنان.

      - ممارسة المسؤوليات الوطنية والقومية، والحفاظ على استقلال لبنان وحريته وسلامة أراضيه.

      - محاربة الجهل والفقر والتخلف والظلم الاجتماعي والفساد الخلقي.

      - دعم المقاومة الفلسطينية والمشاركة الفعلية مع الدول العربية الشقيقة لتحرير الأراضي المغتصبة.



      3- سعيه لحماية جنوب لبنان وصمود أهله

      صادفت الأشهر الأولى من بداية ولاية الإمام الصدر، اعتداءات اسرائيلية على منطقة الحدود الجنوبية ، فقاد حملة مطالبة السلطات اللبنانية بتحصين قرى الحدود وتسليح أبناء الجنوب وتدريبهم للدفاع ووضع قانون خدمة العلم وتنفيذ مشاريع إنمائية في المنطقة، وذلك إلى جانب قيامه بحملة توعية حول الأخطار التي تهدد الجنوب مع دعوة المواطنين لعدم النزوح من قراهم الحدودية ولمجابهة الاعتداءات الاسرائيلية.

      وتحت ضغط هذه الحملة ، اتخذت الحكومة اللبنانية قراراً بتاريخ 12/1/70 بوضع خطة عامة لتعزيز أوضاع منطقة الحدود الجنوبية.



      4- تحركه الشعبي لانقاذ الجنوب: إنشاء مجلس الجنوب

      تابع الإمام الصدر ، بمحاضراته في المناطق اللبنانية كافة، يطرح وضع جنوب لبنان على المستوى الوطني العام، معبئاً المجتمع اللبناني بأسره ليتحرك باتجاه إنقاذ الجنوب.

      وعلى أثر العدوان الإسرائيلي بتاريخ 12/5/70 على القرى الحدودية الجنوبية الذي ألحق خسائر جسيمة بأرواح المواطنين الأبرياء وممتلكاتهم ، وتسبّب بنزوح أكثر من خمسين ألف مواطن من ثلاثين قرية حدودية، بادر الإمام الصدر بتاريخ 13/5/1970 إلى دعوة الرؤساء الدينيين في الجنوب، من مختلف الطوائف، فأسس معهم "هيئة نصرة الجنوب" التي أولته رئاستها وأولت نيابة الرئاسة للمطران انطونيوس خريش ( الذي أصبح فيما بعد بطريركاً للطائفة المارونية)، وتبنت هذه الهيئة مطالب الإمام الصدر من أجل حماية الجنوب وتنميته.

      ثم دعا الإمام الصدر إلى إضراب وطني سلمي شامل لمدة يوم واحد من أجل الجنوب، وتجاوب كل لبنان مع هذه الدعوة، ونُفذ الاضراب الشامل بتاريخ 26/5/1970، واعتبر حدثاً وطنياً كبيراً.

      واجتمع مجلس النواب في مساء اليوم ذاته، فأقر تحت ضغط التعبئة العامة ، مشروع قانون وضع أفكاره الإمام الصدر يقضي بإنشاء مؤسسة عامة تختص بالجنوب، مهتمها "تلبية حاجات منطقة الجنوب وتوفير أسباب السلامة والطمأنينة لها". وصدر هذا القانون بتاريخ 2/6/1970، وسنداً له أنشئ "مجلس الجنوب" وربط برئاسة مجلس الوزراء، وتأمنت لهذا المجلس واردات بلغ مجموعها لغاية منتصف سنة 1980 أكثر من مائتي مليون ليرة لبنانية خصصت لتعزيز صمود الجنوبيين وللتعويض عن أضرار الاعتداءات الإسرائيلية وللإنفاق على مشاريع وخدمات عامة في الجنوب.



      5- حركته من أجل المحرومين:

      مع استمرار الاعتداءات الاسرائيلية على جنوب لبنان في سنة 1971وما يليها ، استمر الامام الصدر حاملاً لواء الدفاع عن هذه المنطقة ومعلناً أن انهيارها يعني انهيار لبنان ، ومؤكداً مطالبته بالتجنيد الاجباري وتعميم الملاجيء وتحصين القرى وتأمين وسائل الدفاع الحديثة.

      إلى جانب مطالبته هذه ، قاد الامام الصدر حملة مطالبة السلطة اللبنانية بتنمية المناطق المحرومة وإلغاء التمييز الطائفي وإنصاف الطائفة الإسلامية الشيعية في المناصب الوزارية والوظائف العامة وموازنات المشاريع الانمائية.

      أنكر العهد الجمهوري الجديد في لبنان ( عهد الرئيس فرنجية الذي بدأ في أيلول 1970) على المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ورئيسه حقهما القانوني في تعاطي الشؤون العامة ، فتجاهلت الدولة هذه الحملة.

      أعلن الإمام الصدر بتاريخ 2/2/1974 معارضته للحكام المسؤولين في لبنان "لأنهم يتجاهلون حقوق المحرومين وواجب تعمير المناطق المتخلفة ويهددون بسلوكهم أمن الوطن وكيانه".

      صعد الإمام الصدر حملته من أجل المحرومين ، بمهرجانات شعبية عارمة كان أضخمها مهرجان بعلبك بتاريخ 17/3/74 ومهرجان صور بتاريخ 5/5/74 اللذين ضم كل منهما أكثر من مائة ألف مواطن أقسموا مع الإمام "على أن يتابعوا الحملة، وأن لا يهدأوا إلى أن لا يبقى محروم في لبنان أو منطقة محرومة".

      وهكذا ولدت " حركة المحرومين" التي رسم مبادئها الإمام الصدر بقوله: " إن حركة المحرومين تنطلق من الإيمان الحقيقي بالله وبالإنسان وحريته الكاملة وكرامته. وهي ترفض الظلم الاجتماعي ونظام الطائفية السياسية. وتحارب بلا هوادة الاستبداد والاقطاع والتسلط وتصنيف المواطنين. وهي حركة وطنية تتمسك بالسيادة الوطنية وبسلامة أرض الوطن، وتحارب الاستعمار والاعتداءات والمطامع التي يتعرض لها لبنان".

      اثر المهرجانات اهتمت قيادة الجيش اللبناني بالمطالب، فشكلت بتاريخ 20/6/74 لجاناً مشتركة من اختصاصيين في الجيش واختصاصيين انتدبهم الإمام الصدر ، لدراسة المطالب وعددها عشرون مطلباً، ولتحديد وسائل تنفيذها. ووضعت هذه اللجان تقارير عن بعض المطالب ، بقيت دون نتيجة. فتابع الإمام الصدر الحملة بنداء وجهة علماء الدين المسلمون الشيعة إلى السلطة بتاريخ 4/8/74" بتأييد حركة المطالبة والتحذير من مغبة الاستمرار في إهمال المطالب أو تمييعها..."، وباجتماعات عقدها مع شخصيات البلاد ورؤساء الطوائف والأحزاب، وبحوار مع نخبة من المفكرين اللبنانيين من مختلف الطوائف انتهى بوثيقة وقعها /190/ مفكراً بإقرار هذه المطالب. ثم دعا الإمام الصدر إلى اجتماع عقدته الهيئة العامة للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بتاريخ 13/9/74 وهي تضم أكثر من ألف شخص هم علماء الدين للطائفة ونوابها وكبار موظفيها في الدولة ونخبة من أبنائها المجلين في مختلف النشاطات والفعاليات السياسية والاجتماعية والمهنية والاقتصادية والفكرية . فأقرت هذه الهيئة بالاجماع "التأييد المطلق للإمام الصدر في جهاده الوطني من أجل المطالب، واستنكار موقف الدولة اللامبالي منها، وتفويضه باتخاذ كافة الخطوات في سبيل تحقيق هذه المطالب".

      وحدث إثر ذلك أن استقالت الحكومة، وقامت حكومة جديدة تعهدت بموقف ايجابي من المطالب، إلا أنه لم ينقض على حكمها سوى أشهر قليلة، حتى قدمت استقالتها بتاريخ 15/5/57 تحت وطأة حادث مقتل النائب السابق معروف سعد وحادث اوتوبيس عين الرمانة اللذين كانا الشرارة لاندلاع الحرب اللبنانية فيما بعد، وأعلن رئيس تلك الحكومة (رشيد الصلح) في بيان تلاه بالتاريخ المذكور في مجلس النواب أسباب الاستقالة وهي تضمنت حسب نص البيان: "إن الامتيازات الطائفية التي تشكل أساس النظام السياسي اللبناني ... تحولت إلى عائق يمنع أي تقدم ... ويحول دون المساواة الحقيقية بين المواطنين بما يقضي على الحرمان ويرفع من مستوى المناطق المحرومة..."



      6- دوره في إنشاء أفواج المقاومة اللبنانية " أمل".

      في خطاب ألقاه الإمام الصدر بتاريخ 20/1/1975، بمناسبة ذكرى عاشوراء، دعا المواطنين اللبنانيين إلى تشكيل مقاومة لبنانية تتصدى للاعتداءات الإسرائيلية وللمؤامرات التي تدبرها اسرائيل لتشريد اللبنانيين من أرضهم "لأن الدفاع عن الوطن ليس واجب السلطة وحدها، وإذا تخاذلت السلطة فهذا لا يلغي واجب الشعب في الدفاع".

      وفي مؤتمر صحفي عقده الإمام الصدر بتاريخ 6/7/1975، أعلن ولادة أفواج المقاومة اللبنانية "أمل"، وقدمها بأنها " أزهار الفتوة والفداء ممن لبوا نداء الوطن الجريح الذي تستمر اسرائيل في الاعتداء عليه من كل جانب وبكل وسيلة". وأوضح أن شباب "أمل" هم الذين استجابوا لدعوته من أجل حماية الوطن وصيانة كرامة الأمة عندما وجه لهذه الغاية دعوته إلى اللبنانيين جميعاً بتاريخ 20/1/1975" في الايام التي بلغت الاعتداءات الاسرائيلية على الجنوب ذروتها ولم تقم السلطات المسؤولة بواجبها الدفاعي عن الوطن والمواطنين".

      وبرهن شباب "أمل" على أرض جنوب لبنان، عن مواقف بطولية في عدة معارك مع العدو الإسرائيلي ( معركة الطيبة مثلاً) وسقط منهم شهداء في الهجمات الاسرائيلية المتكررة على الجنوب، وكان لهم فضل كبير في منع صهينة القطاع الحدودي وفي تثبيت المواطنين في قراهم الجنوبية.



      7- إنجازاته في المشاريع وبتمليك عقارات للأوقاف:

      في بدء ولايته، عمل الإمام الصدر علي تأمين مقر للمجلس الإسلامي الشيعي الاعلى في بناء لائق يتألف من أربعة طوابق ويقوم على عقار مساحته /6375/م مربع، ويحتوي على قاعات واسعة للاجتماعات العامة ، ويقع في محلة الحازمية بضاحية بيروت الشرقية الجنوبية، سجلت ملكية هذا العقار باسم أوقاف الطائفة الإسلامية الشيعية.

      كما عمل على تمليك أوقاف الطائفة عقاراً ثانياً في ضاحية بيروت الغربية الجنوبية (محلة خلدة) مساحته /7904/م. مربع ويقوم عليه بناء مؤلف من سبع طوابق، أطلق عليه اسم "مدينة الزهراء الثقافية والمهنية" ، تستعمله مؤسسات الطائفة.

      وأمن لمشاريع المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الانتفاع من قطعة أرض مساحتها/15034/م مربع من مشاعات قرية الغبيري في ضاحية بيروت الغربية الجنوبية (محلة الجناح) ، أنشأ عليها " مستشفى الزهراء" التابع للمجلس.

      وحقق شراء /190/ألف متر مربع من الأراضي في الوردانية ( طريق صيدا-بيروت) لتشييد مؤسسات اجتماعية وثقافية ومهنية عليه. وسجل ملكية هذه الأراضي باسم أوقاف الطائفة.

      كما حقق لجمعية البر والاحسان في صور التي يتولى نظارتها العامة، وهي من مؤسسات الطائفة ذات المنفعة العامة، شراء /900/ ألف متر مربع في اللبوة -بعلبك، لإنشاء مدرسة فنية زراعية ومشاريع اخرى عليها.

      وعمل على توسيع منشآت وتجهيزات جميعة البر والاحسان في صور، تحقيقا بتوسيع المؤسسات المهنية التابعة لها وإنشاء المدرسة الفنية العالية للتمريض التي استحدثها.

      أقام مبرة الإمام الخوئي لرعاية أبناء الشهداء في برج البراجنة (ضاحية بيروت الجنوبية) وفي بعلبك والهرمل.

      كما أقام مراكز صحية في برج البراجنة وحي السلم ( ضاحية بيروت الجنوبية) وفي صور، وأقام مدرسة للتعليم الديني في صور.

      وقدرت قيمة هذه العقارات والمنشأت والتجهيزات آنذاك بأكثر من مائة مليون ليرة لبنانية.


      يتبع...........

      تعليق


      • #4
        سابعاً- موقفه من الحرب الداخلية في لبنان



        فور انطلاق الشرارة الأولى لهذه الحرب بتاريخ 13/4/1975، بادر الإمام الصدر إلى بذل المساعي الحميدة والجهود لدى مختلف الفرقاء، لخنق الفتنة وتهدئة الوضع ، ووجه نداءاً عاماً نُشر بتاريخ 15/4/1975، حذر فيه من مؤامرات العدو ومخططات الفتنة، ودعا اللبنانيين " لحفظ وطنهم وفي قلبه مكان للثورة الفلسطينية" وناشد الثوار الفلسطينيين" لحفظ قضيتهم التي جعلت لها من قلب لبنان عرشها".

        وبادر الإمام الصدر إلى دعوة عدد كبير من نخبة المفكرين وممثلي الفعاليات اللبنانية ، اجتمع منهم/77/شخصا في مركز المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بتاريخ 18/4/1975 وشكلوا من بينهم لجنة دعيت " لجنة التهدئة الوطنية" اجتمعت فوراً بممثل المقاومة الفلسطينية وباشرت مهمتها لتهدئة الاوضاع وتحديد أسباب المحنة ووضع الحلول الآنية والبعيدة المدى، مسترشدة بتوجيهات الإمام الصدر القاضية.

        بوجوب المحافظة على تعايش الطوائف اللبنانية.

        واعتماد الحوار والوسائل الديمقراطية سبيلا لتحقيق الاصلاحات السياسية والاجتماعية.

        ورفض القهر الطائفي.

        ووجوب المحافظة على التعايش اللبناني – الفلسطيني.

        وصيانة الثورة الفلسطيني.

        ولما استمر القتال ، واستقالت الحكومة بتاريخ 26/5/75، وظهرت صعوبات في وجه قيام حكومة جديدة الأمر الذي هدد بخطر انقسام الوطن، أعتصم الإمام الصدر بتاريخ 27/6/75 في مسجد الصفا (الكلية العاملية) ببيروت، متعبدا وصائماً، وأعلن: "نعتصم لنفرض على المواطنين الاعتصام عن السلاح الذي يستعمل ضد اللبنانيين والأخوان ... إننا نريد أن نخنق صفحة العنف بصفحة العبادة والاعتصام والصيام ... فالسلاح لا يحل الأزمة بل يزيد في تمزيق الوطن. " وطالب بالاسراع في ايجاد حكومة وطنية تعيد السلام وتقيم المصالحة الوطنية على أسس واضحة يعاد بناء الوطن عليها وتلبي مطالب المحرومين. ولقيت خطوته تأييداً شاملاً في الاوساط الدينية لدى مختلف الطوائف والاوساط الشعبية والسياسية . وتألفت حكومة جديدة بتاريخ 1/7/1975 فأنهى اعتصامه بعد أن تلقى وعداً بتبني المطالب المطروحة والعمل على تنفيذها. وسارع إلى منطقة بعلبك -الهرمل ليعمل على فك الحصار عن قرية "القاع" المسيحية وتهدئة الاوضاع في المنطقة.

        كانت نظرة الإمام الصدر إلى الحرب اللبنانية منذ بدايتها، حسب قولة في جلسة عقدها المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بتاريخ 13/9/1975:"ان انفجار الوضع اليوم يؤدي إلى سقوط لبنان وتحجيم المقاومة الفلسطينية وإلحاق الضرر الكبير بسوريا وبالقضية العربية، وهو لمصلحة العدو الإسرائيلي ". ولذا ألح منذ البدء في الدعوة إلى المصالحة الوطنية على أسس جديدة للوطن تحقق العدالة الاجتماعية ومعالجة الحرمان، وتصون جنوب لبنان". وكانت مطالبته بالأسس الجديدة للوطن منطلقة من نظرة عبر عنها في الجلسة المشار اليها بقول:" لم يتفق اللبنانيون منذ الاستقلال وعند إقرار تأسيس لبنان الكبير، على المبادئ الوطنية الأساسية، فاجتنبوا البحث فيها خوفاً من الانقسام، وعرضوا عن ذلك بالمجاملات واستعمال الكلمات ذات المعاني المتعددة ، وباختيار الحلول لمشاكلهم، حتى كاد أن لا نحس بوحدة الشعب اللبناني".

        دعا الإمام الصدر لاقامة حوار وطني مهد له بمبادرته التي حققت بتاريخ 4/10/75 عقد مؤتمر قمة للرؤساء الدينيين لمختلف الطوائف اللبنانية ، نتج عنه:

        التأكيد على وجوب استمرار تعايش الطوائف في لبنان ،

        والدعوة إلى الحوار ووقف القتال،

        وتبنى مطلب تحقيق العدالة الاجتماعية،

        إنصاف المحرومين

        والتمسك بالسيادة الوطنية

        ورفض التقسيم

        ودعم القضية الفلسطينية.

        بتاريخ 27/11/75 أعلن الإمام الصدر ورقة للحوار الوطني، متضمنة مقترحات محددة للاصلاحات المنشودة في شتى الحقول. وعندما نادى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء بتاريخ 30/11/75 بالمصالحة الوطنية ، سارع إلى التأييد.

        ولما وقعت مجزرة السبت الأسود بتاريخ 6/12/75 وقُتل فيها حوالي مائتي شخص من أبناء الطائفة الاسلامية الشيعية من العمال الأبرياء فيما كانوا بأعمالهم في منطقة مرفأ بيروت، وأُحرقت بتاريخ 11/12/75 وبعده مساكن المسلمين واعتدي عليهم وهجروا من حارة الغوارنة وسبنيه ورويسات الجديدة وعين بياقوت والزلقا الواقعة ضمن مناطق ذات أكثرية مسيحية، وظهرت بوادر للتدخل الاسرائيلي في لبنان مع إقدام اسرائيل على إزالة الشريط الحدودي في بعض المواقع ودخول جيشها الأراضي اللبنانية وقيام طيرانها بتاريخ 2/12/75 بالقصف الجوي الواسع الذي أدى إلى تقديم لبنان شكوى أمام مجلس الأمن، في هذه الظروف أعلن الإمام الصدر في خطبة له في صور بتاريخ 21/12/75 أن ملامح تقسيم الوطن قد برزت، وحذر من مخاطر إقامة اسرائيل جديدة في لبنان وتصفية القضية الفلسطينية والاعتداء الاسرائيلي على الجنوب، ودعا للتدريب وحمل السلاح دفاعاً عن النفوس والوطن ومنعاً للتقسيم، وشدد على وجوب حماية الأقليات من الطوائف الأخرى المقيمة في مناطق إسلامية ، محذراً من الاعتداء والانتقام من الأبرياء، إلى جانب ذلك استمر يوجه النداءات لوقف القتال وإعادة النظام والسيادة الوطنية وللعودة إلى الحوار والتلاقي.

        شارك الإمام الصدر في اجتماعات القمة الإسلامية التي تكونت من رؤساء الطوائف الإسلامية ورئيس الوزراء وبعض كبار الشخصيات الاسلامية السياسية، والتي رفضت الحكومة العسكرية المعينة بتاريخ 23/5/75، ورحبت بالمبادرة السورية التي أدت إلى " الوثيقة الدستورية" التي أعلنها رئيس الجمهورية اللبنانية بتاريخ 14/2/1976.

        اعتبر " الوثيقة الدستورية" مدخلا للسلام النهائي في لبنان وأرضية للوفاق الوطني، وأن كل تعديل لها يجب أن يتم بالطرق الديمقراطية والحوار الهادىء في المستقبل، وعلى هذا الأساس استمر بتأييد الوساطة السورية الرامية إلى إنهاء الحرب وإجراء مصالحة وطنية ، وشجب بشدة استئناف القتال في أواخر آذار 1976 وتوسيع رقعته في الجبال.

        بذل جهوداً لإزالة سوء التفاهم بين المقاومة الفلسطينية وبين سورية ، وتحمل لهذه الغاية مخاطر الانتقال مراراً إبان المعارك بين بيروت ودمشق، وأمن اللقاء بين الرئيس الاسد ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ، بحضوره وإسهامه في إنجاح المحادثات، بتاريخ 6/5/76، الأمر الذي أسهم في تأمين انعقاد مجلس النواب اللبناني بتاريخ 8/5/76 حيث تم انتخاب رئيس الجمهورية الجديد وتحقق بذلك استمرار السلطة الشرعية اللبنانية. واستأنف هذه الجهود خلال شهري حزيران وتموز 1976 عندما اهتزت العلاقات مجددا بين الطرفين.

        عارض الإمام الصدر بشدة أعمال الجبهتين المتحاربتين في لبنان، في إنشاء "إدارات محلية" تابعة لهما، بديلة عن الادارات الرسمية ، وندد بهذه الاعمال في بيانه بتاريخ 27/4/76، معتبراً هذه الاعمال أنها تمهيد لتقسيم الوطن وناعتاً القائمين بها أنهم انفصاليون . وانتقل إلى بعلبك بتاريخ 23/7/76 يعمل على إحياء الادارات الرسمية في محافظة البقاع، ولبى المحافظ دعوته ابتداء من تاريخ 7/8/76 حيث عاد إلى مزاولة وظيفته وأعيد سير دوائر المحافظة.





        ثامناً- سعيه لإنهاء الحرب الداخلية في لبنان



        أدرك الإمام الصدر أن إنهاء الحرب في لبنان يتطلب قراراً عربياً مشتركا. وأن هذا القرار يجب أن يسبقه وفاق وطني.

        فانتقل الإمام الصدر إلى دمشق بتاريخ 23/8/76 ومنها انتقل إلى القاهرة بتاريخ 2/9/76، عاملا على تنقية الاجواء بين البلدين وتوحيد موقفيهما من حرب لبنان من أجل إنهائها . واستمر لغاية 13/10/76 متنقلا بين هذين البلدين وبين السعودية والكويت ومتصلا برئيس الجمهورية اللبنانية الجديد وبالمقاومة الفلسطينية ، ساعياً مع الملوك والرؤساء والمسؤولين العرب لتحقيق تضامن عربي يُنهي حرب لبنان. وأثمرت هذه المساعي مع مساعي مسؤولين عرب وانتهت بانعقاد مؤتمر قمة الرياض بتاريخ 16/10/76 الذي تلاه مؤتمر قمة القاهرة بتاريخ 25/10/76، وفيهما تقرر إنهاء الحرب اللبنانية وفرض ذلك بقوات الردع العربية.

        مع دخول قوات الردع العربية ، دعا الإمام الصدر إلى الخروج من أجواء الحرب والالتفاف حول الشرعية اللبنانية والتمسك بوحدة لبنان الواحد وصيانة كيانه واستقلاله وإعادة بناء الوطن ومؤسساته. وأعلن بتاريخ 11/5/1977 ورقة عمل بمقترحات الاصلاحات السياسية والاجتماعية والمبادئ الاساسية لبناء لبنان الجديد متمسكا بصيغة التعايش بين طوائفه الدينية. ونادى بفضل الازمة اللبنانية عن أزمة الشرق الاوسط، وبوضع اتفاق بديل لإتفاق القاهرة في تنظيم العلاقات بين الدولة اللبنانية والمقاومة الفلسطينية .ودعا الحكم اللبناني لاتخاذ مواقف حازمه ممن يعرقلون مسيرة السلام والوفاق.





        تاسعاً- سعيه لإنقاذ جنوب لبنان



        لم تدخل قوات الردع العربية جنوب لبنان، ولم تتمكن السلطة اللبنانية من بسط سيادتها على هذه المنطقة ، فانتقل إليها صراع الفئات والقوى التي كانت تتصارع على الآراضي اللبنانية الاخرى قبل دخول القوات المذكورة.

        واشتدت محنة جنوب لبنان وباتت هذه المنطقة مسرحاً لأحداث خطيرة تهدد مصيرها، فيما الإمام الصدر يتابع مساعيه مع المسؤولين والقيادات في لبنان، ورؤساء بعض الدول العربية ، ويرفع صوته في الخطابات والأحاديث الصحفية والمناسبات ، ابتداء من أواخر سنة 1976 وطيلة سنة 1977 وفي أوائل سنة 1978 محذراً من كارثة في جنوب لبنان ومن خطر تعريضه للاحتلال الإسرائيل ولمؤامرات التوطين، وداعياً لتحقيق السلاح في هذه المنطقة ولإعادة سلطة الدولة اللبنانية عليها. ولما حصل الاجتياح الإسرائيلي لهذه المنطقة بتاريخ 14/3/1978، واستقر الاحتلال الإسرائيلي في الشريط الحدودي من جنوب لبنان، قام الإمام الصدر بجولة جديدة على الدول العربية ، يعرض خلالها على الملوك والرؤساء العرب واقع الاوضاع في هذه المنطقة مطالباً بإبعاد لبنان عن ساحة الخلاف العربي وبعقد مؤتمر قمة عربية محدود يعالج قضية جنوب لبنان ويعمل على إنقاذه.

        وبعد أن زار لهذه الغاية سوريا والاردن والسعودية والجزائر، انتقل إلى ليبيا بناء على إشارة من الرئيس الجزائري بومدين بتاريخ 25/8/1978.



        - اخفاؤه في ليبيا



        وصل الامام الصدر الى ليبيا بتاريخ25/8/1978 يرافقه فضيلة الشيخ محمد يعقوب والصحافي الاستاذ عباس بدر الدين ، في زيارة رسمية، وحلوا ضيوفاً على السلطة الليبية في "فندق الشاطئ" بطرابلس الغرب.

        وكان الامام الصدر قد أعلن قبل مغادرته لبنان، أنه مسافر إلى ليبيا من أجل عقد اجتماع مع العقيد معمر القذافي.

        أغفلت وسائل الاعلام الليبية أخبار وصول الامام الصدر إلى ليبيا ووقائع أيام زيارته لها، ولم تشر إلى أي لقاء بينه وبين العقيد القذافي أو أي من المسؤولين الليبيين الآخرين. وانقطع اتصاله بالعالم خارج ليبيا، خلاف عادته في أسفاره حيث كان يُكثر من اتصالاته الهاتفية يومياً بأركان المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى في لبنان وبعائلته.

        شوهد في ليبيا مع رفيقيه ، لآخر مرة ، ظهر يوم 31/8/1978.

        بعد أن انقطعت أخباره مع رفيقيه، وأثيرت ضجة عالمية حول اختفاءه معهما، أعلنت السلطة الليبية بتاريخ 18/9/1978 أنهم سافروا من طرابلس الغرب مساء يوم 31/8/1978 إلى ايطاليا على متن طائرة "أليطاليا".

        وجدت حقائبه مع حقائب فضيلة الشيخ محمد يعقوب في فندق "هوليداي ان" في روما.

        أجرى القضاء الايطالي تحقيقاً واسعاً في القضية انتهى بقرار اتخذه المدعي العام الاستئنافي في روما بتاريخ 12/6/79 بحفظ القضية بعد أن ثبت أن الامام الصدر ورفيقيه لم يدخلوا الأراضي الايطالية.

        وتضمنت مطالعة نائب المدعي العام الايطالي المؤرخة في 19/5/79 الجزم بأنهم لم يغادروا ليبيا.

        أبلغت الحكومة الايطالية رسمياً، كلاً من الحكومة اللبنانية والمجلس الاسلامي الشيعي الاعلى في لبنان، وحكومة الجمهورية العربية السورية، وحكومة الجمهورية الاسلامية الايرانية، أن الامام الصدر ورفيقيه لم يدخلوا الاراضي الايطالية ولم يمروا بها "ترانزيت".

        أوفدت الحكومة اللبنانية بعثة أمنية إلى ليبيا وايطاليا، لاستجلاء القضية فرفضت السلطة الليبية السماح لها بدخول ليبيا، فاقتصرت مهمتها على ايطاليا حيث تمكنت من إجراء تحقيقات دقيقة توصلت بنتيجتها إلى التثبت من ان الامام الصدر ورفيقيه لم يصلوا إلى روما وأنهم لم يغادروا ليبيا في الموعد والطائرة اللذين حددتهما السلطة الليبية في بيانها الرسمي.

        أعلن المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى ، في بيانات عدة ، وخاصة في مؤتمرين صحفيين عقدهما نائب رئيس هذا المجلس في بيروت بتاريخ 31/8/79 و 10/4/1980 مسؤولية العقيد القذافي شخصياً عن إخفاء الامام الصدر ورفيقيه، كما أعلنت هذه المسؤولية أيضاً منظمة التحرير الفلسطينية في مقال افتتاحي في صحيفتها المركزية "فلسطين الثورة - العدد 949 تاريخ 11/12/1979".

        وأعلن أيضاً نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى، أن ملوكاً ورؤساء عرب أبلغوه وأبلغوا ممثلي المجلس مسؤولية العقيد القذافي عن هذا الإخفاء.


        جميع الحقوق محفوظة© مركز الدراسات و التوثيق - المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى

        http://www.shiitecouncil.gov.lb/imam%20sadr%20page1.htm

        يتبع..............
        التعديل الأخير تم بواسطة ibrahim aly awaly; الساعة 16-06-2005, 06:55 PM.

        تعليق


        • #5
          من محاضرات سماحة الامام القائد السيد موسى الصدر في ذكرى عاشوراء



          بسم الله الرحمن الرحيم..

          أيها اللبنانيون..

          ويأتي يوم عاشوراء، ذكرى استشهاد سيد الشهداء الحسين بن علي (ع)، فيكمل بمعانيه السامية معاني الأعياد الكريمة التي اقترنت هذه السنة، لتضع أمام المواطن اللبناني الذي يعيش في بلد الله والإنسان بعد محنة دامية كانت أبعد ما تكون عن الله والإنسان، لتضع صورة واضحة للإنسان الذي أراده الله في لبنان وفي العالم..

          إنّ الحسين القائد.. البقية الباقية من الإنسان الإلهي، الذي تربى في مدرسة دين الله، يدرك أنّ الطغيان والفساد يلتهمان الجميع، وإنّ الخوف والطمع يمنعان توجيه أي نصيحة واعتراض، وإنّ مخافة الله والضمير النقيّ يتقلصان في المجتمع حتى أصبح الإيمان والخُلق يتهددان بالفناء..

          وشاء ربك أن يستقبل لبنان بعد نهاية محنته الدامية مع ذكريات الهجرة وعاشوراء ذكرى الميلاد المجيد وميلاد العام الجديد.. ذكرى ولادة الإيمان والسلام والفداء، لكي يبشّر اللبنانيين وينشر في عقولهم وقلوبهم وعلى أرضهم الفجر الجديد للمستقبل الذي يليق بتضحياتهم وآلامهم، مستقبلاً مشرقاً بالإيمان والإباء، حافلاً بالعدل والسلام، راسخاً بالمحبة والتضحيات، رافضاً للأحقاد والعقَد، شامخاً بالتحرر والمبادرات، وفياً لأرواح أبطاله، سعيداً بمواهب أبنائه، حاملاً شعلة الحق والفكر والجمال..

          وكخلود الميلاد وشموخ عاشوراء: يرتبط خلود الوطن وشموخه بالقيم الإنسانية فقط.. التي لا انتصار يخلد بدونها، ولا مجد للبطولات مع عدم الالتزام بها، كما يأبى الكون أن يحفظ أو يرفع موقفاً ينطلق من سوى الإنسان وخدمته وخيره، بل ينبذه في زوايا النسيان ويحتقره دون اهتمام..

          أيها المواطنون الأعزاء.. إنّ المسؤولية التي تنتظرنا وينتظرها الوطن والعالم منا كبيرة جداً وتتطلب الكبار لحملها واتقانها وإيصالها للأجيال..

          إنّ العالم قلق علينا لأننا أثبتنا أنّ الوطن الصغير كما تمكّن من حمل مشعل الثقافة والحضارة ردحاً طويلاً من الدهر كذلك يمكنه أن يصبح مصدر الشرور والأخطار وأن يقضّ المضاجع، وأدرك العالم أن هذا المواطن الذي كان يراه يدخل وحده عالم المجهول فينسجم ويتجاوب ويبني كذلك تمكّن أن يشهد قلة منحرفة تتنكر وترفض وتحطّم.

          فماذا نختار أيها الاخوة؟ يا أيها المحتفلون بميلاد السيد، ويا أيها المكرِّمون للشهيد؟..

          أمام هذا الخيار الواضح الذي لا نتردد فيه لحظة، واستمراراً لتاريخنا الحضاري البنّاء، ومع أجواء الذكريات التي نقدّسها، علينا:

          أولاً/ أن نخرج من أجواء الحرب فوراً، فإنها لم تكن بالمدافع فقط، بل كانت بالعقول والنفوس والألسن أيضاً.

          لقد أبدعت العقول مع الأسف في ابتكار الخطط الجهنمية وفي استعمال الوسائل المحرِّضة والمحطِّمة وفي تنظير الانحرافات والمظالم وتبريرها حتى لم يبق أمام بعضنا عمل غير مبرر مهما كان بعيداً عن المبادئ الإنسانية والتقاليد اللبنانية..

          وتشنجت النفوس، فكرهت كما لا يمكن أن يُكره، وقد كنا في تاريخنا مؤسّسي الرحمة مع الأعداء والحماية للاجئين والحفظ للأطفال والنساء والجرحى، وإنّ ألسنة العالم لا تزال تنقل كيف كنا نبعث الأطباء في الحرب لجرحى الأعداء قبل أن توجد مؤسسات الصليب الأحمر في العالم، وتؤكد أنّ الأشجار والأبرياء والحيوانات حتى كانت تتطلب التفاني منا..

          أما الألسنة والأقلام فقد خاضت حربا تجاوزت في شراستها الأسلحة الفتّاكة، فاختلقت وشوّهت وحبّبت وكرّهت وضخّمت وصغّرت وحطّمت وتجاوزت حدود أفكار "غوبلز"..

          إنّ الحرب اللبنانية يمكن اعتبارها الحرب الإعلامية أولاً، ونتجت عن هذا التشنج الإعلامي الذي صُرفت له الملايين (بل مئات الملايين) وجُنِّدت له الأفكار والمواهب.. نتجت عن هذا حرب العقول والنفوس، وأدى كل ذلك الى حرب الأيدي والسلاح والى المآسي والكارثة..

          لذلك، فإنّ الدمار النفسي في الوطن فاق الدمار المادي، وتجاوزَ الضحايا والجرحى، مما يجعل أمام القادة والمفكرين مهاماً جديدة وجسيمة تفوق مهامهم بعد الحروب الصغرى الكونية..

          ولاحظ الحسين (ع) أنّ تضحية كبرى تعادل جسامة المحنة: وحدها تتمكن من تفجير ينابيع الخير في ضمير الأمة، فلم يتردد ساعة واحدة، ووضع روحه في كفّه، وحمل معه كل من له وكل ماله، وقذف بجميع ذلك في مثل هذا اليوم في نيران الظلم والظلام المستعرة، فاحترق بها، ولكنه أطفأها، فأضيء بهذه الشموع الطاهرة ليل المجتمع الطويل، وأطلّ الفجر..

          لقد وجد الحسين (ع) أنّ الحق لا يُعمل به، وأنّ الباطل لا يتناهى عنه، وأنّ الحاكم يتمادى في اغتصاب حقوق الناس، ويستعمل في تنفيذ ذلك سيفهم وأبناءهم، وأنه يستعبد الإنسان ويجرّه الى تأمين المصالح الذاتية، وأنه يشتري الألسن ويسخّر الأفكار ويشوّه الحقائق ويجتذب القلوب.. ثم يتصرف في هذه المزرعة دون منازع ولا رادع.. يسفك ويهتك ويدمّر ويرحل، ويحوّل الإنسان الحر الشريف الى آلة طيّعة، وها هو يورّث سلطانه ويخلّد ملكه ويفرض البيعة لابنه..

          وأخطر ما في الأمر أنه يستعين بالدين الإلهي ومؤسساته وشعائره وأحكامه فيصبغ تصرفاته ومخالفاته بصبغة الشريعة والشرعية، ويعتبر إطاعة أمره فريضة، ومخالفة أهوائه مروقاً، ويسلّ سيف الدين لقتل المؤمنين الأحرار بعد ان يجعل منهم (بحكم القضاة وأحاديث الرواة ومواعظ الدعاة) خوارج مرتدين، فإذا بالإنسان الذي طالما تطلع الى السماء، وناضل في سبيل ترسيخ قواعد الدين، ووضع آماله الكبرى (في الحرية والكرامة والأمان والعيش الطاهر) أمانة بيد قادته.. إذ به يفاجأ بأنّ أعداء حريته وكرامته ومغتصبي حقوقه وأمانيه هم الذين يحكمونه ويؤمونه ويقررون مصيره..

          أما الناس: أولئك الذين ربّاهم محمد على أن لا يقاروا على كظة ظالم ولا على سغب مظلوم وألا يسكتوا على الانحراف مهما كان صغيرا.. أولئك الذين ملأت احتجاجاتهم مجالس الحكام وأندية المجتمع، ها هم أسرى السيف أو الرغيف أو التحريف، وها بعضهم يقول للحسين (بعد ان طلب منه المتحكم في مدينة الرسول مبايعة يزيد): "قلوبنا معك وسيوفنا عليك"..

          وخرج من المدينة على إرادة الحكام والاستسلام مهاجراً الى الله الحق، ثم ترك مكة في موسم الحج بالذات إمعاناً في الاحتجاج وإتماماً للتحدي معلناً على رؤوس الأشهاد رفضه لكل ما يجري في العالم الإسلامي ولكل من يجري وراء الطواغيت والمنحرفين مؤكداً أن الحج والمؤسسات الدينية كلها هي لحماية الإنسان وكرامته ولتحريره ومعراجه وتربيته وسموّه، وإلا فالرحلة الحقيقية الى الله هي الى المكان الذي تتوفر فيه القيم الروحية ولو كان عبر الصحراء الى مقام الشهادة في سبيل الله..

          خرج الحسين (ع) من مكة الى الصحراء قائلاً: "خُطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني الى أسلافي اشتياق يعقوب الى يوسف.. وكأنّي بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء فيملأن منّي أكراشاً جوفاء وأجربة سغباء"..

          ثم ينهي خطبته الشهيرة بقوله: "إني لا أرى الموت إلا سعادة ولا الحياة مع الظالمين، إلا برما ألا ومن كان منكم باذلاً مهجته متشوقاً الى لقاء الله فليرحل معنا"..

          ثم ذهب فلاقى مصرعه ومصارع أهله وأصحابه جميعاً، وملأ مسامع العالم خبر استشهاده وطنين شعاراته وبريق بطولاته وجرائم أعدائه، وبدأت الاحتجاجات والندامات والتوبات والثورات تغطّي أرجاء العالم الإسلامي، فهزّت عروش الظالمين وأسقطت كيان المنحرفين وامتدت الشعلة الإنسانية الطاهرة التي أوقدها الله بدمائهم الى أفق الدهر والتاريخ..

          وفي هذه السنة (وفي كل سنة) تقترن بداية السيدة الهجرية.. هجرة محمد مع ذكرى الهجرة الحسينية.. واقتران البداية بالاستمرار.. وانسجام الجذور بالأغصان والأسس بالبناء..

          وبنفس القوة والإبداع، وعلى قدر الابتكارات المدهشة، علينا أن نعالج حالة الحرب، وأن نخرج منها بملء إرادتنا وبكامل حريتنا..

          إنّ قوات الأمن العربية المعززة لا تتمكن من أن تدخل في هذه الساحات الكبرى في حربنا ولا يعالجها إلا عزمنا (النابع من إلهام الفادي وفداء الحسين) وإرادتنا الصلبة لبناء مستقبلنا ومستقبل أولادنا..

          علينا أن نعيد النظر في المعلومات التي أعطيت لنا قبيل الحرب وخلالها، وبالتالي نعيد تقييمنا في العلاقات العامة والخاصة وفي اختيار الحليف والخصم وفي انتخاب القادة..

          علينا أن نتجدد كالسنة الجديدة (هجرية وميلادية) وقد تجددتا معاً، فنتجدد بعقولنا ونفوسنا ومعلوماتنا وأحاديثنا المجلسية والصحفية والعامة..

          إذا أردنا أن نقرر مصيرنا بأنفسنا ونملك الزمام مجدداً علينا أن نتجه بكل أبعاد وجودنا الى البناء، الى الأمام، الى الخلود، وإلا يعتبرنا العالم ولداً عاقاً يقاطعنا ويتغاضى عما يحل بنا من كوارث ويضع محجراً على دخولنا حدوده..

          فيا أيها اللبنانيون الطيبون.. عالجوا المحنة قبل أن تستعصي على العلاج، وابدأوا فوراً ودون تأخير بالخروج من أجواء الحرب في العقول والنفوس والحلقات واللقاءات الخاصة والعامة، ولنبادر إلى منع بقايا التهديد والخطف والنسف والتحريض والتبجح والتحدي وبيع المسروقات علناً، ولنستعجل إل الطلب بإطلاق سراح المعتقلين ليعودوا إلى بيوتهم وذويهم الذين طال انتظارهم وتعبت عيونهم متجهة نحو الأبواب..

          لنتجنب تبرير كل انحراف بإسناده الى عناصر غير منضبطة أو بحجة المقابلة بالمثل أو بمختلف الحجج والأعذار والفلسفات التي تبتكرها عقولنا النوابغ..

          ويا بناة الوطن والتاريخ: اشجبوا علناً كل انحراف حصل أو يحصل، وقاطعوا كل ظالم ظلم أثناء المحنة وبعدها، ولا تحاولوا الحكم عليه من منطق ارتباط مرتكبيه معكم، فبالعدل وحده تبنى الأوطان: العدل في السلوك والحكم والقول.. وبالعدل يُصنع التاريخ..

          أيها الاخوة المواطنون.. إنّ مبادرتنا العامة الشاملة في إنهاء الحرب وأجوائها تُخرجنا من الحاجة الى القيّمين ولو كانوا اخوة لنا، وتوفّر علينا المشاق والأخطار، وتجعلهم يتفرغون لمسؤولياتهم الوطنية والقومية التي تنتظرهم. وإنّ إسراعنا في بناء مؤسساتنا الوطنية واجب وطني وقومي في آن معاً، ومن دون مشاركاتنا في طرد الحرب وآثارها نعرّض وطننا وأمتنا لأخطار كبرى أتهيب من ذكرها، فيكف إذا حاولنا تمديد أجواء الحرب بشكل أو آخر؟..

          أعود.. أمام ثقل المسؤولية وصعوبة تحملها، والحرب قد تعمّقت.. أعود وأذكّركم بالميلاد المجيد ومعانيه وأبعاده، ونحن نحتفل به ونكرّمه، وأضع أمام أعينكم استشهاد الحسين وأعماقه (ونحن نعيش احتفالاته ومعانيه)..

          هلمّوا يا أيها الاخوة لنعمل آحادً وجماعات نبادر الى تصفية ذيول الحرب عبر خلق المصالحات وخرق الأجواء الصعبة: في إيجاد الحوار والبحث المحبّ في تقرير المصير والتفكير به.

          أيها اللبنانيون.. تعالوا نتحدى العالم: الصديق الذي راهن بألم على نهايتنا، والعدو الذي تآمر على وطننا، أو على وحدته، أو على سيادته، أو على حريته، أو على انفتاحه، أو على طموحه، أو على ازدهاره، أو على كل ذلك معاً.. (تعالوا) نتحداهم جميعاً ونقول لهم بالفعل لا بالإدعاء أننا هنا باقون.. صامدون.. مستمرون.. نحفظ وطننا ووحدته وسيادته وحريته وانفتاحه وازدهاره..

          يا أيها العالم الذي ساهمنا في تثقيفه وتحضيره وبنائه والدفاع عن المظلومين في أي بقعة منه، والذي سارعنا في تبنّي قضاياه، والذي فتحنا عقولنا وقلوبنا وبيوتنا ومؤسساتنا وصحفنا له.. إننا هنا لا نزال رغم إساءاتك وتجاهلك وحزنك المترف علينا ومحاسباتك الاقتصادية والسياسية في إسعافنا ومساعدتنا.. إننا موجودون موحدون مستعدون للبقاء في نفس الموقع المعطاء، وسنضمد جروحنا لنتفرغ لتضميد جروحك، وسنبعد الظلم عن داخلنا لكي نحارب الظلم لديك، وسنقضي على التخلف والعنصرية والتمييز لكي نقف لخدمة المتعطشين الى التقدم والمساواة والحرية..

          ويا أيها العالم الذي انزعجت من انتشار وجودنا وعمق تأثير أبنائنا ومن تبنينا لقضية فلسطين ولنضال شعبها العادل ومن إلقائنا لكلمة فلسطين في الأمم المتحدة ومن حمايتنا لثورتها وثوارها ومكاتبهم ومخيماتهم... إننا رغم معاناتنا التي تجاوزت كل حد باقون في ذات الموقع، وسوف نتعاون معهم في إعادة التقييم لمرحلة ثورتهم المقبلة وفي وضع استراتيجية جديدة لها وفي حماية قضيتهم العادلة الى يوم العودة..

          إنّ القدس التي هي عاصمة بلدهم هي قبلتنا وملتقى قيمنا وتجسيد وحدتنا ومعراج رسالتنا.. إنها قدسنا وقضيتنا، وجهادهم في سبيل تحريرها جهادنا ومسؤوليتنا..

          إنّ وطننا أقوى شكيمة وأوسع أفقاً من أن يتأثر بالجروح المفتعلة، وإنّ الصعوبات التي تعترضنا أقل من أن تسلب رسالتنا الحضارية ومسؤوليتنا التاريخية..

          ويا أيها الذي أردت القضاء على تعايشنا المثالي لكي لا تشكّل بوجودنا سنداً حياً قريباً لإدانتك.. يا إسرائيل: إعلمي إننا قبلنا أمانة الله وأمانة الإنسان التي هي وحدتنا الوطنية الشاملة للمسيحيين والمسلمين، قبلناها وحدنا بين بلاد الله كلها، وكنا نعرف صعوباتها ومسؤولياتها، وبذلك أصبحنا موضع وآمال العالم ومثالاً متجسداً لمستقبله وواحة نموذجية لحضارته المستقبلية، كما كسبنا بذلك رضا ربنا ودافعنا عن دينه أمام الاتهامات الموجهة الى رسالاته، وسوف نبقى متمسكين بتعايشنا، أمناء على الأمانة الغالية.. ندافع عنها بكل ما نملك من قوة فكرية وعاطفية ودفاعية، ولا نسمح للفكر الصهيوني أو النازي أو الفاشي أو العنصري أن ينمو في وطننا، كما لا نسمح للفكر العنصري الجديد المتلبس بغطاء بعض الأحزاب أن ينتشر بين أبنائنا..

          ويا دعاة الإلحاد ومتهمي الإيمان، ويا أيها الظالمون في أرض وطني، الرافعون لشعارات سياسية وعقائدية.. فتشوا عن قاعدة أخرى لكم.. فلبنان أرض الله والإنسان، ولا مكان فيه لمنكري الله ولمتنكريه ولا لمحتقري الإنسان ومصنفيه..

          ويا أيها التاريخ: لقد حمينا في مواقع متعددة ومتناقضة، أحياناً بدمائنا وبسخاء، حمينا وطننا ووحدته وسيادته، وطردنا الفكرة التي كانت تعتبرنا تجار الوطن أو المجتمع، ولذلك فإنّ سجلّنا لديك قد اكتمل، وإننا كتبنا على صفحاتك الخلود بدماء شهدائنا الأبرار، وإنّ المسلكية القذرة التي استعملها البعض ودفع إليها البعض لا يمكن أن تشوّه انتفاضتنا النابعة من القناعات السامية، وسنحاول بكل دقة وثبات إعادة بناء النفسية لدى أبنائنا في ضوء الإيمان بالله والالتزام الكامل بالقيم..

          أيها المواطنون: إنّ هذه المخاطبة للعالم وللتاريخ في هذه الساعات المصيرية تصدر عن قلبي ولساني، وإنني أحسّ بأنهما يعبّران عما في ضمائركم وسرائركم، فقد لاحظت ولاحظ العالم ما ورد على لسان رئيس البلاد في جلسة قسمه واستلامه، ورد ذلك على لسانه ورعود المدافع كانت تصمّ الآذان، ثم تجددت هذه المرتكزات في الدعاء المخلص الذي ابتهل به سماحة مفتي الجمهورية بمناسبة رأس السنة الهجرية، وفصّلها بلغةٍ واضحة ومنطق سليم صاحب الغبطة البطريرك خريش في كلمته الميلادية الرائعة..

          ولذلك، فإنني لا أعتبر نفسي في مضامين هذه المناشدة شاعراً أو حالماً أو واعظاً، إنها بصمات عقولكم وقلوبكم وأيديكم على جبين هذه الجبال والشواطئ، وإنها خطوط سلوككم القديم الحديث عبر البحار الى القارات الخمس، وإنها مفهوم احتفالاتكم المستمرة بهذه الذكريات المجيدة..

          أيها الاخوة الأعزاء: مع هذه الدمعات أعزّي الأمهات والآباء وذوي الشهداء، فمع هذه الخفقات أبتهل الى الله القدير أن يحتضنهم في عليائه، وهو أقرب وأرحم إليهم من أهلهم، وبهذه الخطرات الفكرية العاطفية أرسم تفاؤلي في الصفحة الأولى من السنة الجديدة، والى الأمام، والى الترفّع، والى التعمّق، والسلام.



          القيت المحاضرة بتاريخ 1977/1/1 .

          و الى اللقاء غدا باذن الله














          تعليق


          • #6
            الإمام روح الله الموسوي الخميني قدس الله سره الشريف

            كلمته لوفد الإخوة في قيادة الحركة

            بسم الله الرحمن الرحيم

            السيد الصدر رجل أستطيع أن أقول بأنني ربّيته، وهو بمنـزلة ولد من أولادي الأعزاء، أتمنى أن يعود بخير إلى دياره إنشاء الله، وأنا متأسف جداً لعدم وجوده بيننا في هذه الفترة.

            آمل أن يأتي ذلك اليوم الذي نصلي فيه معكم ومع السيد موسى الصدر في القدس إنشاء الله

            تعليق


            • #7
              محاضرة بمناسبة عيد الغدير


              بسم الله الرحمن الرحيم



              الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى الانبياء المرسلين وسلام الله على أوليائه واصحابهم الطيبين .

              سيدي أبا الحسن ، عذراً وان جئت اعتذر ففيك تضطرب الاراء والفكر، ماذا اقول في ذكرى علي ، يقول في حقه زميله وصديقه الخليفة عمر بن الخطاب ، يقول : (لو أن البحر مداد والرياض أقلام والإنس كتّاب والجن حسّاب ما أحصوا فضائلك يا أبا الحسن ). وكان الخليفة ابو بكر ينظر كثيراً بوجه علي وحينما سئل عن ذلك قال سمعت رسول الله يقول النظر إلى وجه علي عبادة ) .هذا الرجل إذا أردنا أن نتكلم عنه فسوف لا نتمكن إلا أن نغترف غرفة من بحار فضله ولكن المناسبة مناسبة ليلة الغدير تخصص لنا حقلاً أحاول أن أوضحه وان اذكر اسناده وان افسر معانيه بصورة موجزة ، أما واقعة الغدير فكانت حين رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع في أواسط السنة العاشرة من الهجرة حينما وصلت الى غدير خم ، مكان تتشعب فيها طرق الحجاج من مختلف الاقطار في الجحفة كان الحجاج مجتمعين وكانت يوم الخميس الثامن عشر من شهر ذي الحجة وكان معه جموع من المسلمين حدده بعض أكابر المؤرخين بما يزيد على مئة ألف شخص ، قام فيهم خطيباً وقال ( الحمد لله نستعينه ونؤمن به، ونتوكل عليه ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا الذي لا هادي لمن ضلّ ولا مضلّ لمن هدى وأشهد أن لا اله الا الله وان محمداً عبده ورسوله أيها الناس اني اوشك ان أدعى فأجيب ، وأني مسؤول وأنتم مسؤولون فماذا أنتم قائلون . قالوا نشهد أنك بلغت ونصحت وجاهدت فجزاك الله خيرا . قال ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وأن جنته حق وأن ناره حق وأن الموت حق وأن الساعة أتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور . قالوا بلى . قال اللهم اشهد ثم قال فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين ، فنادى منادٍ وما الثقلان يا رسول الله قال الثقل الاكبر كتاب الله له طرف متصل الى الله وطرف الى أيديكم فتمسكوا به ولا تضلوا والاخر الاصغر عترتي وأن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض فسألت ذلك لهما ربي فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تكثروا عنهما فتهلكوا ثم اخذ بيد علي فرفعها حتى رؤي بياض إبطيهما وعرفه القوم أجمعون وقال ايها الناس من اولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم قالوا الله ورسوله أعلم قال أن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فعلي مولاه يقولها ثلاث مرات وفي لفظ الامام احمد بن حنبل في المستند أربع مرات ثم قال اللهم وال من والاه وعادِ من عاداه وأحب من أحبه وابغض من أبغضه وانصر من نصره واخذل من خذله وادر الحق معه كيفما دار ألاّ فليبلغ الشاهد الغائب ، فنزلت قبل تفرقهم الاية الكريمة اليوم اكملت دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا، فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الله اكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب ) هذه هي نص الواقعة نقلتها عن بعض الكتب المعتبرة وهو كتاب مسند للامام احمد بن حنبل أما سند الحديث فاستعرضه بصورة موجزة ذكر واقعة الغدير من المؤرخين اربعة وعشرين شخصاً من كبار المؤرخين منهم إبن قطيبة والطبري والبلاذري وابن عساكر وابن الاثير وابن خلدون وابن خلكان والعسقلاني والسيوطي . ومن المحدثين ذكر الواقعة سبع وعشرين شخصاً منهم الامام الشافعي والامام احمد بن حنبل وابن ماجة والترمذي والنسائي والحاكم والقسطلاني وصاحب كنز العمال .

              ومن ائمة المفكرين ذكر الواقعة احد عشر شخصاً منهم الطبري والثعلبي والقرطبي والفخر الرازي والنيسابوري والالوسي والسيوطي .

              ومن ائمة المتكلمين ذكر الواقعة احدى عشر شخصاً منهم الباطلاني والجرجاني والبيضاوي والقرقزاني والكوفي .

              ومن ائمة اللغة ذكر الواقعة ابن دريد في الجمهرة وابن الاثير في النهاية والحمري في معجم البلدان وغيرهم .

              اما رواة الحديث من الاصحاب مئة وستة (او ثمان مئة وستة ) صحابي منهم الخليفتين ابو بكر وعُمر ومنهم السيدتان فاطمة وعائشة ومنهم الصحابي ابو هريرة ومن التابعين نقل الواقعة اربع وثمانون رجلاً ومن علماء القرن الثاني ست وخمسون والقرن الثالث اثنان وتسعون ومن القرن الرابع ثلاث واربعون ومن القرن الخامس ثلاث وعشرون ومن القرن السادس عشرون ومن القرن السابع عشرون ومن علماء القرن الثامن ثمانية عشر ومن علماء القرن التاسع خمسة عشر ومن علماء القرن العاشر اربعة عشر ومن علماء القرن الحادي عشر احدى عشر ومن علماء القرن الثاني عشر اثنا عشر ومن علما القرن الثالث عشر احدى عشر ومن علماء القرن الرابع عشر ثمانية منهم نقلوا الحديث على تفاصيله فلا مجال هناك للتشكيك في صحة السند .



              أما المؤلفون في هذا الحقل فهناك ثمانية الى عشرين كتاباً في هذا الحديث منهم الطبري والانباري والشيباني والدار قطني والكراجكي والسيد حامد حسين الهندي والسيد عبد الحسين شرف الدين والشيخ الاميني المعاصر .



              أما المدعون للتواتر الحديث فهم جماعة أهمهم الفخر الرازي . هذه خلاصة للاسناد التي تروي حديث الغدير ذكرتها للإخوان وللتذكير .



              أما تأثير الغدير ومعنى الولاية التي أكد عليها رسول الله في هذا اليوم فيتلخص في بيان مقدمة . الدين أيها الإخوان يختلف عن التعليم ، الدين ليس كالتعليم يعلمه النبي للشعب ولقومه بل الدين عبارة عن تربية النفس لتغيير مفاهيمهم تغير إيمانهم تغير عقليتهم تغير عاداتهم وتغيير أعمالهم بعبارة مختصرة الدين محاولة لصنع الإنسان من جديد فبركة الإنسان . الإنسان الجاهلي كان يختلف عن الإنسان الذي يريد النبي محمد أن يصنعه في الأفكار في العقائد في الإيمان في العادات في الأعمال فلكي يتمكن من تغيير هذا الإنسان وصنعه من جديد حاول أن يربيه ولهذا تجد في حياة النبي وفي حياة كل نبي أنه يحاول لا النبي أن يحضر يوماً في المسجد فيأخذ الكتاب ويقرأ للناس ويقول هذا واجب وهذا حرام هذا مستحب وهذا مكروه هذا يجوز وهذا لا يجوز أبداً بالعكس ، هناك المحاولة لتربية الإنسان أذكر مثلاً مسألة الخمر في الإسلام ، الإسلام حرم الخمر ولكن ما حرمه دفعة واحدة وفي ساعة واحدة ، وكان هذا ممكناً أن يعلن عن تحريمه ساعة واحدة ولكن الخمر عادة في نفوس الناس منعه يجعل خللاً في نفوس المعتادين عليه ، فلكي يتمكن الناس من تركه بحاجة إلى توجيه وتربية ولها أن الإسلام ما حرم الخمر في أيام مكة حتى هاجر النبي وما حرم الخمر في السنة الأولى أو الثانية ما أباحه وما حرمه حتى حدث حادث ، خلاصة الحادث أن بعض كبار الصحابة كانوا مجتمعين في بيت عتبه بن مالك ، هناك شربوا الخمر وسكروا وحصل بينهم نزاع واشتد النزاع ، النزاع الذي حصل كان بين كبار زعماء القبائل ، سرعان ما احتشد أنصار كل زعيم الى شيخه فحصل ما لا يبشر بالخير وخافوا من وقوع الفتنة وكيان الامة في الإسلام لا يزال ضعيفاً فحصل استياء شديد في نفوس الناس بالنسبة الى هذه الواقعة التي كانت تهدد اعادة القوسية والخزرجية والمنازعات القبلية وكان تهدد كيان الإسلام ولهذا حصل استياء شديد والجميع يعلمون أن منشأ هذا النزاع السكر ، أستعدت النفوس لقبول حكم في هذا الحقل فنزلت المرحلة الاولى من تحريم الخمر (إنما يريد الشيطان ليوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر فهل أنتم منتهون ) ورد عتاب من الله ليس إلاّ ، فبدأ الناس يتساءلون عن الحكم ، شهر وشهرين وأكثر من ذلك نزلت المرحلة الثانية يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما أثم كبير ومنافع للناس واثمهما اكبر من نفعهما ، بعد ذلك وقع واقعة أخرى ، أحد الصحابة (كان) سكراناً فصلى في الناس جماعة أمّهم وكان يقرأ سورة الكافرون السورة التي تقول لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين فقرأ الامام السكران قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون وأنتم عابدون ما أعبد إلى أخر السورة بحذف كلمة لا من جميع الآيات حصل جراء ذلك استياء كبير فنزلت الاية الثالثة (يا أيها الناس لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولوا ) منعهم من شرب الخمر قبل أوقات الصلاة خمس مرات في النهار حتى صارت السنة الثالثة (او السادسة ) فنزلت الاية الرابعة أية التحريم (إنما الخمر والميسر والانصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ) . وهكذا تجدون أن كل حكم في الإسلام يبدأ بالتدريج لأجل إقناع الناس وتربية الناس وهذا الاسلوب ظاهر في دعوة الرسول صلى الله عليه واله وسلم كما ورد ولهذا نزلت (الآيات)القرآنية في ثلاث وعشرين سنة ، هذه المقدمة تثبت أن النبي صلى الله عليه واله وسلم كان يحاول بأمر من الله أن يربي الناس وأن يصلح معتقداتهم وثقافتهم وأخلاقهم وأعمالهم لأجل ذلك خلق مجتمع صالح لان الإنسان يتأثر بمجتمعه فلو كان المجتمع ، المجتمع القبلي الجاهلي لا يمكن صنع الناس في هذا المجتمع حاول النبي أن يخلق مجتماً صالحاً ولأجل خلق مجتمع صالح حاول النبي ان يستلم الحكم فأصبح حاكماً في المدينة والقرأن الكريم يعطي هذه السلطة للنبي الكريم بقوله النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم هذه السلطة غير سلطة الرسالة . سلطة الرسالة سلطة تبليغ الاحكام ، السلطة الثانية هي سلطة الولاية ، سلطة تربية الناس وتنظيم الناس وخلق مجتمع للناس وتهذيب الناس حتى يكون إرادة الحاكم هي المسيطرة على ارادة الناس لا إرادة الناس ، الولاية بهذا المعنى فوضت لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم من أجل تأديب الناس وصنع الناس من جديد ،هذه السلطة مدتها تسع سنوات ونصف ولا شك أن تسع سنوات ونصف لا تكفي من أجل تربية الناس تربية كاملة لان الإنسان كما تعلمون موجود معقد له مفاهيم وعقائد وزوايا في الخلف وعادات و أفعال و أخلاق بحاجة الى فترة واسعة لكي يتمكن من إصلاح شأنه . هنا يأتي معنى الولاية التي انتقلت من النبي الى علي عليه السلام : ألست أولى بكم من أنفسكم قالوا بلى قال من كنت مولاه فهذا علي مولاه يعني هو المرشد وهو الذي يجب إطاعته وهو الذي يأخذ مبادرة صنع المجتمع وصنع الأفراد و إكمال بناء الأمة ، هذا هو الدور الأساسي الذي فوض للإمام في يوم الغدير. هنا يطرح سؤال لماذا سلّمت أمور الولاية الى علي دون سواه يجب أن نرجع إلى شخصية الإمام ، أما عندما نريد أن نبحث شخصية الإمام هذا البحث الذي أريد وأحاول أن أختصره نجد أن علي هو الشخصية الإسلامية التي كانت تربية محمد وتلميذه فقط ، أنتم تعلمون أنه في سنة من السنين حصل في مكة قحط غلاء معيشة وأبو طالب كان شيخاً جليلاً كريماً وكان ضعيف المادة والمال ، أرحامه وأخوته جاؤوا عنده وكل منهم أخذ أبناً من أبنائه لكي يساعده على إدارة شؤون حياته فالعباس مثلاً أخذ طالب ابنه الأكبر والنبي أخذ {قبل الإسلام} من أبي طالب ابنه الصغير علي ، حينئذْ كان عمر علي ستة سنوات ، دخل علي في بيت محمد وكان عمره ست سنوات هذا قبل بعثة الرسول بسنتين . ست سنوات تعلمون أنه مبدأ التربية الأساسية للطفل . التربية الأساسية عند الطفل تبدأ بعد مرور ستة سنوات من الطفل قبل ذلك ، قبل ذلك وضع النواة للتربية دخل علي في هذا العمر أول عمر التقاط التربية الصحيحة في بيت النبي ولا شك أن النبي صلى الله عليه واله وسلم لم يكن رجلاً عادياً قبل البعثة يعني لم يكن مثل بقية الرجال إلى ليلة البعثة تغير دفعة واحدة وأصبح نبياً ، حتماً قبل مرحلة النبوة كان مر عليه أيام و أوقات وتفكير وعبادة ورياضة ، كيف لا وهو عندما كان عمره 25 سنة كان يدخل الى غار حراء ويعبد الله ويفكر في وضع أمته ويحاول تصحيح (او تصفية ) نفسه حتى بلغ صفاء قلبه نفسه (او قلبه ) القمة فحينئذٍ نزل الوحي . قبل نزول الوحي أيضاً كان بيت النبي بيت العبادة بيت التفسير ، بيت الرياضة الروحية ولا شك أن هذا الألوان تنعكس على الغير وعلي كان يعيش في هذا البيت . بعث النبي نبياً واسلم علياً وكان مع النبي ليلاً ونهاراً في الحرب والسلم في البيت وفي السفر في السراء وفي الضراء . ولهذا عاش مع النبي وكسب من النبي الكثير من التعاليم والعلوم حتى بلغ مقامه إلى درجة يقول فيه النبي (أنا مدينة العلم وعلي بابها) هذا مقام عظيم يثبت تأثر الإمام بالنبي و أخذه بتعاليمه . شخصيته شخصية مشابهة لشخصية النبي ولا شك أن التلميذ الأمين الذي يحاول تطبيق نفسه ح توصيفه هو يقول (كنت من رسول الله كالفصيل من أمه يحذو حذوها) ويحاول أن يعيش مثل النبي ويكون تلميذاً صادقاً أميناً بكل معنى الكلمة . وإذا لاحظنا حياة علي ، نجد مشابهات كثيرة في حباته من باب المثل حينما آخى بين المهاجرين والأنصار آخى بينه وبين علي ، عمر الرسول 63 سنة ، النبي يقول علي مني وأنا منه وحديث آخر أنا وعلي من شجرة واحدة . في أفعالهم و أخلاقهم تجد هذا التشابه بصورة واضحة مثلاُ في حفل العدالة تجد النبي صلى الله عليه واله وسلم في آخر يوم من حياته يأتي إلى المسجد ويصعد المنبر ويقول أيها الناس من جلدت له ظهراً فهذا ظهري ومن أخذت منه مالاً فهذا مالي ولا يخافن أحدكم الشحناء فإنها ليست من شأني . قام رجل وقال يا رسول لي عليك حق، يوم الأحد كنت ماسكاً بخشبة وتصف الناس للحرب فضربتني على بطني وأريد أن أنتقم منك . فقال أدنوا يا رجل فلما دنى منه فقال يا رسول الله عندما ضربتني على بطني ما كنت لابساً قميصاً بل كان بطني عاري فاكشف عن بطنك حتى أقتص منك كما ضربتني على بطني ، فكشف الرسول عن بطنه فالقى الرجل بنفسه على أرجل الرسول يقبلها ويعتذر ويقول يا رسول الله كنت أحب أن أؤكد لمن يستمع ويشاهد أنك تقول وتعيش ما تقول ، ليس هنا شكاً ولا رياءً ولا تظاهراً بأخذ الحق وبمطالبه الحق ، هذه العدالة العجيبة التي نجدها في حياة الرسول ، نسمع في كلمات علي مثلها ويقول علياً (والله لإن أبيت على حسك السعدان مسهدا وأجر في الأغلال مصفداً أحب إلي من أن ألقى الله يوم القيامة ظالماً لبعض حقوق العباد أو غاصباً لشيء من الحطام) .في الشجاعة نجد الشبه الكبير بينه وبين رسول الله هناك من يعرف شيئاً كبيراً عن شجاعة علي كما يقول لا أبالي أوقعت على الموت أم وقع الموت علي . ولكنهم يجب أن يسمعوا كلام الإمام حينما يقول (كنا إشتد البأس وحمي الوطيس نلوذ برسول الله . في الخلق والسخاء نجد مقامه مقام النبي والشبه الكافي بين حياتهما واضح . في باب الشجاعة قصة أنقلها لكم ، حينما كان الإمام في واقعة صفين طبعاً الحرب كان بينه وبين معاوية ، علي دعى معاوية للمبارزة قائلاً قائلاً أذهب للمبارزة حتى يستريح الناس ، يقتل الناس بعضهم بعضاً، نحن نحارب ونقاتل ونترك الناس نبارز بعضنا لبعض ونترك الناس يرتاحون حينما دعى علي معاوية الى المبارزة قال عمر بن العاص يا معاوية لقد أنصفك علي فقال له معاوية يا عمر ما غششتني منذ نصحتني إلا هذا اليوم أتأمرني بمبارزة أبي الحسن وأنت تعلم أنه الشجاع المطرق أراك طمعت في أمارة الشام من بعدي ، حينما ضرب علي عمر بن عبد ود جاءت أخته وعندما عرفت أن علياً هو قاتل عمر بن عبد ود ما بكت وما أظهرت الأسى على أساس أن قاتل عمر هو علي وهذا لا عيب في أن يكون مقتولاً بيده في قبائل العرب . يوماً من الأيام كان معاوية يداعب عبد الله بن الزبير وهو من أشجع شجعان العرب قال عبد الله بن الزبير لمعاوية : يا معاوية ما الذي تنكره من شجاعتي فقد وقفت في الصف إزاء علي وهذا كان يعتبر اكبر مقام له قال معاوية لا جرم انه لو وقفت لقتلك أنت وأباك بيسرى يديه وبقيت اليمنى فارغة يطلب من يقتله بها . شجاعة علي لا تحتاج إلى البحث في هذه كانت نسخة عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أما السخاء فنجد في حياته قصص كثيرة أذكر منها ما ورد في صورتها الأساس (ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً و أسيرا ) . يقول محقن ابن أبي محقن الظبي حينما جاء عند معاوية قال يا معاوية جئتك من عند أبخل الناس قال معاوية ويحك أتقول أن أبا الحسن ابخل الناس والله لو ملك بيتين من التبر والتبن لانفذ تبره قبل تبنه، وهكذا نجد في أخلاق علي شبهاً كبيراً بأخلاق رسول الله كان يعيش معه ويحسن تربيته فأصبح تلميذاً طبق الأصل ممثلاً للدين الكامل إلى درجة عبرّ عنه القرآن الكريم بنفس النبي ، أنفسنا و أنفسكم مفسرة في صحاح المفسرين بحق علي عليه السلام ولهذا كلف الإمام أن يكون ولياً ويربي ويحكم و ها أنا أذكر بعض كلماته الموجزة تثبت طريقته في الحكم وأسلوبه في تدريب الناس وتربية النفس إذن مؤمناً بما يأمر يقول المؤرخون في حقه أنه ما نهى الناس عن أمر إلا وقد انتهى قبلهم ولا طلب إليهم القيام بأمر إلا سبقهم عليه ، هو كان أول من يطبق القانون كان يقول أأقنع من نفسي أن يقال أمير المؤمنين لا أشاركهم في مكاره الدهر أو أكون لهم أسوة في شجوبة العيش فوالله ما خلقت ليشغلني أكل الطيبات كالبهيمة المربوضة همها علفها . أم المرسلة شغلها تطمرها تفترش أعلافها وتلهو عما يراد بها ويقول في كلام آخر ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل ولباب هذا القمح ونسائج هذا القز ولكن هيهات أن يغلبني هواي ويقودني جشعي الى تخير الأطعمة ولعل بالحجاز أو أهل اليمامة من لا سمع له بقرص ولا عهد له بالشبع ، هذا النوع من المسؤوليات التي يجدها الإنسان في حياة الإمام مما يجعل الدهشة في النفوس والاطمئنان في سيرة الحكم فالحاكم الصحيح هو الذي يكون أسوه لشعبه . الشخص الذي لا يأكل لماذا لا يأكل ؟ أليس الله خلق الطيبات للإنسان نعم ولكن للإنسان العادي ، الإنسان الحاكم هو الذي يعيش كأضعف محكوميه كأضعف شعبه ولهذا عندما كان حاكماً ما كان يقبل أن يشبع ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا سمع له بقرص ولا عهد له بالشبع هو يتحمل مسؤوليات شعبه ولا يفرق بين شعبه ويفلسف المساواة بين أبناء شعبه في رسالته الى واليه يقول (إن الخلق إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق ) مهما كان الشعب ومن أي فرقة ومن أي مذهب أو دين نظير لك في الخلق إنسان والإنسان هو المقياس تكوين المجتمعات ومبدأ خلق المجتمعات ، ومبدأ خلق المجتمعات القيمة في الشعب وفي مواطن بأن يكون أنساناً ، إذا عقائده تخرجه عن الإنسانية ليس له حق المواطنية أما اذا عقائد الإنسان لا تخرجه عن الإنسانية فله حق المواطنية لأنه نظير لك في الخلق يقول في بعض كلماته : لا يقوم سلطان بسفك دم حرام فإن ذلك مما يضعفه ويوهنه بل يزيله لا تتصوروا أن شخص يتمكن أن ينتصر بسفك الدم ويتغلب على الناس لا ، انتهى سفك الدم يوما في أول يوم ثاني يوم في مدة من الزمن يجعل القوة والهيبة في نفوس الناس ولكن سفك الدم بالعكس يؤدي إلى زوال الحكم أحد العلماء ينظر إلى كلمة الإمام يوم انتخابه خليفة للمسلمين ثم ينظر الى وصيته يوم وفاته وهو على فراش الموت فيكتشف شياً عجيباً ، يجد أن فقرات وصية الإمام يوم وفاته تنطبق تماماً مع كلماته في أول يوم سلطانه وخلافته . نستفيد من هذا الكلام أن هذا الرجل يستفيد من الكرسي كوسيلة للخدمة ووسيلة لأداء الواجب ولهذا يوم خلافته ويوم وفاته على حد سواء ، يوم وفاته يحمد الله على أدائه للرسالة ويوم صعوده إلى الكرسي يسأل الله أن يساعده على أداء هذه المهمة وهو يقول في كلمته لو لم يكن في هذا إقامة حق أو إبطال باطل لألقيت حبلها على غاربها ، في تعليماته للحكم ينهي ولادته عن الاحتجاب عن الخلق ويقول في كلمة له الانقطاع عن الشعب يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه فيصغر عندهم الكبير ويعظم عندهم الصغير ويقبح الحسن ويحسن القبيح ويشاب الحق بالباطل و إنما الوالي بشر لا يعرف ما توارى عنه الناس به من الأمور وهكذا يذكر أخطار التحجب هذا المرض الفاشي في الحكام والمرض الخطير عند الحكام وعند الناس العاديين الحاكم يحتجب عن الخلق ، يجد أن الاحتجاب اسهل له في حكمه ولكن ما هو نتائج احتجاب الحاكم عن الشعب يشرحها الإمام بصورة واضحة حينما يحتجب عن الخلق يتوارى عن أعينه حقائق الأمور يشعر الشعب بأن الرجل المحتجب عنهم يختلف عنهم لان التحجب يخلق جو من الهيبة والرهبة حين لا يطلع على الأمور يتردد عليه المتملقون فهناك من يمدحه ويقول أنت حكمك صالح والشعب في راحة وليس في الشعب أية مشكلة أما الناصح فيحاول أن يذكر للحاكم المعائب الموجودة بين أبناء الشعب والمشاكل التي يعانيها أبناء الشعب ، وجود المتملق وتطمين المتعلق وابتعاد الحاكم عن الناس يجعله يستصعب كلام الناس من الناقدين ويرغب إلى كلام المتملقين الكاذبين فيبعد من عنده الناصحين المشفقين الذين ينتقدوه لأنه لا يتحمل النقد بل يقرب إلى نفسه المتملقين . كثرة الملق إلى الحاكم تخيل الى الحاكم أنه بالفعل رسول من الله صاحب رسالة عنصر خاص بين العناصر يمتاز عن جميع العناصر كلف بإنقاذ هذا الشعب يحصل عنده هذا الغرور فلا يتحمل النقد أبداً . فيفوض الأمور إلى أصدقائه لأن ميزان الحق والباطل عنده هو مقياس حب الناس له لا مقياس الأمور عنده ميزان اكتسابهم ( أو كفاءتهم ) للأمور فالذي يحبه هو الذي يستلم الأمور والذي لا يحبه هو يبتعد عن الأمور وهكذا تنتقل المراكز من يد أصحاب الكفاءات إلى يد أصحاب الكلام المعسول والمتملقين للحكام فينحرف المجتمع ومن ناحية ثانية ابتعاد الناس عن الحاكم يحيل إليهم الصغير كبيراً والكبير صغيراً فيصبح الشعب في حيرة من الأمر فإنما أن يصبح يؤله الحاكم فيضعف نفوذ الشعب ويبتعد عن الناس ويحاول إخفاء الحقيقة وفي مثل هذه الحالة لا يتمكن الحاكم من أن يحكم الشعب يصبح حاقداً على الحاكم وحقد الشعب من أخطر الأمور نجده في حقل العدالة يقول والله لأنطقنا المظلوم من ظلمه وأقودن الظالم بخزامته ويقول الذليل عندي عزيز حتى اخذ الحق له والقوة عندي ضعيف حتى أخذ الحق منه . في مبدأ هو مبدأ أساسي في قانون جزاء لا يزال إلى اليوم نجد أول مرة في كتابه وفي كلماته يقول لا أخذ على التهمة ولا أعاقب على الظن في كلام آخر يقول أجور الناس من أي اكثر الناس جوراً من عد جوره عدلاً في كلام آخر يقول شر الناس من يعين على المظلوم ، حينما يريد أن يثير الناس حتى يساعد الحق ولا يقف المتفرجين أمام الظلم والظالم يقول الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم ويقول الساكت عن الحق شيطان اخرس في حقل العلم يقول كلمة قيمة أنا أستعرض هذه الأبحاث لأنه إذا نريد أن نبحث في كل كلمة تأخذ وقتاً كبيراً فقط هذه الكلمة كلمة أساسية يقول ( العقل حفظ التجارب ) يمكن الأخوان يعلمون أن اليوم مبدأ جميع العلوم التجربة وتكرير التجربة واتخاذ القانون من التجارب . القانون إدراك الكليات كما يراه ( أو باصطلاح ) المنطقين ونسميه العقل القوة العاقلة هذا المبدأ اليوم مبدأ أساسي في تنمية العلوم بالنسبة للحرية وحرية الشعوب له كلمة معروفة يقول ألا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً ثم يفسر مفهوم الحرية أحب أن أوضح لأنه كلمة الختام تقريباً هذه الجملة حتى تجدوا مدى سمو هذه الكلمات إذا تعمقنا فيها، هناك كلمة معروفة يقول أن الحرية تنتهي عند حرية الآخرين ، الإنسان مرّ يتصرف كما يشاء ولكن حريته محدودة بحرية الآخرين حينما حريته بدأت تتعدى على حرية الآخرين فلا حرية له هناك ، هذا تفسير شائع متبع حتى يومنا هذا في جميع القوانين المدنية القائمة في العالم لكن انظر إلى ذوق الإمام في تفسير الحريات من ترك الشهوات كان حراً ويذكر في جملة من الحملات أن الحرية لا حد لها ولكن ما الحرية ، الحرية ليست فقط التحرر من الآخرين ، الحرية أيضاً التحرر من النفس الأمارة بالسوء كما أني حر إذا تحررت من المستعمر أو إذا تحررت من المستثمر الاقتصادي أو إذا تحررت من سلطة غاصب أو ظالم أيضاً متحرر إذا تحررت من أهوائي وشهواتي، إذا لاحظنا هذا المفهوم تجد أنك تتمكن من أن تقول أن الحرية لا حد لها ، لكن الحرية من جميع الأشياء ليس فقط لان الحرية التي تتجاوز على حرية الآخرين هي نوع من التعدي والتعدي هو عبادة للنفس و للأنانية . فإذا تحررنا من الآخرين ومن النفس فقط لا تتعارض حريتنا مع حرية الآخرين بحال من الأحوال . أما بالنسبة للعامل والعمل فيكفينا أن ننظر إلى هذه الجملة التي يقول فيها ( العبادة سبعون جزءاً أفضلها العمل ) . يعطي العمل لون العبادة ولون القداسة وقد ذكرت في بعض الليالي الماضية تفاصيل عن هذه الفكرة فمن أجمل ما ورد في كلام الإمام بالنسبة إلى الحكام وبالنسبة لغيرهم هو احترام الرأي العام . أن الرأي العام له حرمة فكرة حديثة من مبتكرات الحياة الديموقراطية الحديثة ولكن نجد في كلام الإمام اعترافاً بهذه الحقيقة يقول في كلام له إنما يعرف الصالحون بما يجزي الله على ألسن عباده، وفي كلام أخر يقول قلوب الرعية خزائن راعيها فما أودع من عدل أو جور وجده فيها في كلام ثالث يقول اتقوا ظنون المؤرخين فإن الله سبحانه قد أجرى الحق على ألسنتهم والحقيقة أننا إذا أردنا أن نبحث في كيفية حكم الإمام وصلاحيته للولاية يجب أن نراجع هذه العهد له رسالة لمالك الأشتر حينما كان حاكماً على مصر رسالة مفصلة يذكر الإمام شؤون الحكم وكيفية الحكم وشرائط الحاكم وكيفية عشرته مع الخواص ومع العوام ومع الجيش ومع الوزراء ومع الوزراء السابقين ومع الأغنياء وفي هذه الرسالة كنوز من المعرفة أتمنى على الأخوان أن يطلعوا عليها موجودة في نهج البلاغة ومطبوعة طبعات خاصة أيضاً ..



              خلاصة أو غرفة من بحر فضائل علي عليه السلام ذكرتها في هذه الليلة المباركة أسأل الله أن يجعل هذا العيد مباركاً على الجميع واحب أن أذكر في ختام حديثي أن الولاية أيها الإخوان والحب لعلي عليه السلام ليست الولاية معناها الولاية الحب لعلي فقط أن الإنسان يحب فقط . سأل أحدهم الإمام الصادق فقال سيدي نحن نسمي بأسمائكم فهل ينفعنا ذلك ؟ فيقول الإمام له نعم وهل الدين إلا الحب ثم يضيف هذه الآية إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ، الحب المجرد وعدم المتابعة لا معنى له عاطفة عابرة موجودة ، بالنسبة إلى كل الأشياء وكل أمر أما الحب الصحيح أما الولاية أما الاعتراف بالولاية فيعني أولويته على أنفسنا هكذا اتفقنا . النبي يقول أولست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا بلى قال من كنت مولاه فهذا علي مولاه يعني الموالي لعلي هو الذي يفضل إرادة علي على إرادته فإذا أراد شيئاً و أراد علي شيئاً فانه يفضل إرادة علي على إرادته وبهذا المعنى يجب أن نفكر أن نشعر حينما نقف إمام حلال أو حرام صحيح أو باطل حق أو ظلم يجب أن نشعر بولايتنا يجب أن نشعر بولايتنا . علي الذي يقول والذي سمعناه يقول أنه لو أعطي الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن يظلم نملة يسلبها جلد شعيرة لما فعل، كيف يمكن أن الإنسان يقول أني موالي للإمام وهذا الإمام لا يحترم حقوق الناس كيف يمكن للإنسان انه يدعى انه موالي للإمام ويرى الإمام راجع من واقعة صفين وهو يمشي في السوق فيجد امرأة تحمل قربة وتقول الله بيني وبين أبا الحسن وهو خليفة المسلمين فيقف عندها ويقول لها يا أمة مالك وأبا الحسن فتقول إن زوجي كان في الحرب وقد قتل وترك لي أولاداً صغاراً لا عائل لهم فيحمل الإمام القربة له على كتفه ويمشي وحينما يجد في الطريق بعض أصحابه يحاولون اخذ القربة فيشير إليهم ويمتنع ويحاولون أن يشيروا إلى الإمام فيشير إليهم أن اتركوني معها ثم يذهب مع المرأة إلى البيت فيجد أيتاماً فيترك القربة فيذهب ويشتري طعاماً و أداماً ويرجع إلى البيت . تكلفه المرأة بأن تلعب الأولاد وان تضرم النار لتطبخ الخبز والمرأة تعجن العجين حينما يضرم النار يأخذ وجهه أمام النار ويقول ذق يا أبا الحسن هذا جزاء من ضيع الأيتام هذا النوع من الفكر هذا النوع من الشعور بالمسؤولية لا شك أن الإنسان إذا كان حاكماً على أمة مسؤوليته تدور حول هذه الدائرة الواسعة ولهذا يقول ولعل في الحجاز أو اليمامة من لا سمع له بالقرص ولكن أيضاً مسؤول في الدائرة الصغيرة كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته لا يحق له أن يتجاهل لا يحق له أن يتجاهل هذه المسؤولية ما أمن بالله واليوم الآخر من بات شبعاناً وجاره جائع . انتبهوا إلى الارتباط ما آمن بالله واليوم الآخر يعني ينكر الإيمان للشخص الذي لا يشعر بألم وجوع جاره من بات شبعاناً وجاره جائع الشخص الذي لا يشعر بهذا الشعور ينكر إيمانه ، ليس مؤمناً بالله ولا باليوم الآخر ، المسؤولية يجب أدائها أخواني . كيف ممكن للإنسان الذي يجد علياً يقول الساكت عن الحق شيطان أخرس ويسكت عن الحق ولا ينصر الحق حتى بلسانه بقلبه وهذا اضعف الإيمان كما ورد في الأحاديث ، فالولاية يعني الاعتراف بأولوية إرادته من إرادتنا ، يعني السلوك معه ، الانسجام معه تأييد لرسالته لدينه فنسأل الله إن يبارك لنا هذه الأيام ويجعلنا ممن ينصر علياً في رسالته في دينه لا أن نحب ونجعل من حبه سببا للتفرقة والابتعاد فهذا ليس حباً لأنه إيذاء للمحبوب وفقكم الله جميعاً والسلام عليكم ..

              يتبع..............





              تعليق


              • #8
                تغييبه..... الحقيقه لن تغيب

                لكلمته الصولة

                قديما قيل: للباطل جولة وللحق صولة، وما كان للباطل أن تقر جولاته، وليس أمام الحق إلا أن يصمد ليحقق صولاته، وهذا شأن قضايا الحرية مع أعدائها على مدى التاريخ، فلا هم أدركوا أن الحرية ليست أشخاصاً وأفراداً تنتهي بإبعادهم عن الساح، ولا هي تملك ألا تكون، لأنها ليست هي صانعة نفسها. وإن كانت الأجرام نتيجة تفجرات كونية انبثقت عنها كواكب أخذ كل كوكب دوره في حركة الكون، فقضايا الحرية تفجرات طموح الإنسان ليحقق ذاته في مدى التطلع.

                أعداء الحرية يجولون، يغيِّبون، يغتالون، يحجزون، يخطفون، يرهبون، يعرقلون، يؤخرون، يعطلون، ثم ماذا؟ هل توقف قضية عادلة عن التحقق، وإن طال المدى؟ وقديماً قيل: لا بد من صنعا وإن طال السفر.

                ربما كان الظن أن القضايا التي طرحها هي قضاياه الشخصية فغيّبوه، ولكن بعضاً من القضايا تحقق، وبعضاً ما زال بين الجولة والصولة، وليس هذا فحسب، فحيث تدجنت قيادات، تصدت الحجارة للقيادة، وإذ صار هو إحدى قضايا الحرية، فكلمته سيكون لها الصولة.

                ولا بد من صنعا وإن طال السفر.

                تعليق


                • #9
                  أسباب وظروف زيارة سماحة الإمام إلى ليبيا

                  تجاه اشتداد المحنة اللبنانية، وتعاظم الأخطار التي تهدد جنوبي لبنان بفعل العدو الإسرائيلي وممارساته اثر الاجتياح في 14/3/1978 والتي حالت دون تمكين الدولة اللبنانية من إخضاع هذه المنطقة لسلطتها لرفض إسرائيل الانسحاب من المنطقة الحدودية وتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 425 وذلك من أجل خلق وضع يخدم مخططاتها،

                  وجد سماحة الإمام السيد موسى الصدر، قياماً منه بمهام مسؤولياته، أن الواجب يدعوه لعرض تطورات الوضع العام في لبنان وحقيقة المخاطر التي تهدد جنوبه، على رؤساء الدول العربية ذات الاهتمام والتأثير المباشر في معالجة هذه الأوضاع.

                  وفي هذا الإطار، قام سماحة الإمام بجولة شملت كلاّ من الجمهورية العربية السورية والمملكة الأردنية الهاشمية والمملكة العربية السعودية والجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، داعياً لعقد مؤتمر قمة عربي محدود سعياً لإنهاء محنة لبنان وإنقاذ جنوبه، وهو ما أعلنه الإمام الصدر بنفسه في حديثه لصحيفة "أخبار الخليج" البحرينية والذي نقلت خلاصته صحيفة "النهار" في 24/7/1978.

                  في الجزائر، أجرى سماحته محادثات مع سيادة الرئيس هواري بومدين ومع السيد محمد صلاح يحياوي ومع مسؤولين آخرين في جبهة التحرير الوطني الجزائرية. وفي إحدى جلسات هذه المحادثات، أُشير على سماحته بزيارة الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية لما لقادتها من تأثير على مجريات الوضع العسكري والسياسي على الساحة اللبنانية إكمالا ًلجولته وخدمة لأهدافها القومية والوطنية. وأبدى سماحته أن زيارته الوحيدة لليبيا تمت عام 1975 وذلك للمشاركة بمؤتمر إسلامي عام وأنه سيلبي دعوة توجه إليه من سلطاتها للقيام بهذه الزيارة والاجتماع برئيسها وقادتها.

                  بتاريخ 28/7/78 استقبل سماحته في مكتبه القائم بأعمال السفارة الليبية في لبنان الذي أبلغه دعوة من مؤتمر الشعب العام في الجماهيرية العربية الليبية، لزيارة الجماهيرية والاجتماع بسيادة الأمين العام للمؤتمر، العقيد معمر القذافي متمنياً بدء الزيارة في 19 أو 21 آب 1978.

                  قَبِل سماحة الإمام هذه الدعوة، وتريث في تحديد موعد بدء الزيارة.
                  بتاريخ 20/8/1978 أبلغ سماحته القائم بالأعمال الليبي رغبته في أن تبدأ الزيارة بتاريخ 25/8/1978 واضطراره إلى أن يغادر الجماهيرية قبل 1/9/1978 من أجل الاهتمام بزوجته المريضة التي تُعالج في فرنسا والعودة إلى لبنان لمتابعة شؤون ملحة. كما أبلغه أسماء أعضاء الوفد المرافق لسماحته.

                  قدمت سفارة الجماهيرية العربية الليبية في لبنان لسماحته، تذاكر سفره مع عضوي الوفد المرافقين الشيخ محمد يعقوب والسيد عباس بدرالدين. وقد تم حجز مقاعد لحساب السفارة بالدرجة الأولى في الطائرة بموجب كتابها إلى شركة طيران الشرق الأوسط رقم 4/3/430 تاريخ 24/8/1978.

                  يوم الجمعة بتاريخ 22 رمضان 1398 هـ الموافق 25 آب 1978، سافر سماحة الإمام السيد موسى الصدر يرافقه فضيلة الشيخ محمد يعقوب والصحفي الأستاذ عباس بدر الدين (صاحب وكالة أخبار لبنان) إلى الجماهيرية الليبية، وكان في عداد مودعيه في مطار بيروت القائم بالأعمال الليبي السيد محمود بن كورة. ولدى وصوله مطار طرابلس الغرب استقبله عن السلطات الليبية رئيس مكتب الاتصال الخارجي في مؤتمر الشعب العام السيد أحمد الشحاتي.

                  أقام سماحة الإمام الصدر ومرافقاه في فندق الشاطئ بطرابلس الغرب، ضيوفاً على سلطات الجماهيرية الليبية.

                  أغفلت وسائل إعلام الجماهيرية الليبية أية إشارة إلى قدوم زائرها الرسمي سماحة الإمام الصدر، كما أغفلت أي خبر عنه خلال إقامته بضيافتها، لدرجة أن القائم بالأعمال اللبناني في طرابلس الغرب الأستاذ نزار فرحات لم يعلم بوجوده في هذه المدينة إلا عندما اتصل به الأستاذ عباس بدر الدين بتاريخ 28 آب 1978 م، وذلك وفقاً لمضمون التقرير الرسمي المحفوظ في وزارة الخارجية اللبنانية.



                  تعليق


                  • #10
                    انقطاع أخبار الإمام وبدء التحرك الرسمي

                    ومنذ وصول سماحة الإمام الصدر إلى ليبيا، وطيلة الأيام اللاحقة، لم يرد منه أي اتصال هاتفي أو رسالة أو خبر لأي كان في لبنان(1)، وذلك خلاف عادته في أسفاره. وكذلك حال مرافقيه، علماً بأن أحدهما الأستاذ بدر الدين صَحب الإمام الصدر في هذه الزيارة من أجل تغطية أخبارها في وكالته، وهذا الأمر لم يتحقق.

                    بعد أن تأخرت عودة الإمام الصدر ومرافقيه من ليبيا، واستمر الاتصال بهم منقطعاً، طلب المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى من القائم بالأعمال الليبي في لبنان بتاريخ 4 شوال 1398هـ الموافق 6 أيلول 1978 معلومات في الموضوع، فماطل في إجابة الطلب أربعة أيام عرض بعدها المجلس الموضوع على رئيس الحكومة اللبنانية الدكتور سليم الحص الذي استدعى على الفور القائم بالأعمال الليبي بتاريخ10 أيلول 1978م وأكد له الطلب رسمياً وبصورة مستعجلة. فأجابه ظهر اليوم التالي "أن الإمام الصدر ومرافقيه غادروا ليبيا مساء يوم 28 رمضان 1398 هـ الموافق 31 آب 1978م إلى روما على متن طائرة الخطوط الجوية الإيطالية ( الرحلة رقم 881)."

                    نظراً لما أثاره هذا الجواب من قلق، حاول رئيس الجمهورية اللبنانية الأستاذ الياس سركيس بتاريخ 12 أيلول 1978م الاتصال هاتفياً بالقذافي، لاستيضاحه في الموضوع وإبلاغه أن ضيوفه لم يصلوا إلى وطنهم ولم يظهروا خارج ليبيا، إلا أن هذه المحاولة لم تنجح بالرغم من تكرارها مراراً في اليوم ذاته، فالمتكلم الليبي على خط الهاتف المطلوب في طرابلس الغرب كان يجيب أن القذافي غير موجود على هذا الخط وكان يعطي رقماً آخر وكان هذا الرقم يطلب دون جدوى...

                    أما رئيس الحكومة اللبنانية فقد تمكن من الاتصال هاتفياً في اليوم ذاته برئيس الحكومة الليبية الرائد عبد السلام جلود الذي استمهل في بادئ الأمر للإجابة، ثم أجاب في مخابرة لاحقة مكرراً الجواب الذي قدّمه القائم بالأعمال الليبي، ومضيفاً "إن الإمام لم يكن راضياً وغادر ليبيا دون إعلام الجهات الرسمية بموعد سفره ليجري وداعه رسمياً. وأن أحد الموظفين السيد أحمد الحطاب شاهد سماحة الإمام صدفة أثناء وجوده في مطار طرابلس الغرب فودّعه".



                    لدى استقصاء أخبار سماحة الإمام، بسؤال العائدين من ليبيا (منهم السادة بشارة مرهج، اسعد المقدم، طلال سلمان، منح الصلح، محمد قباني، بلال الحسن، محمد سلمان إضافة إلى نزار فرحات القائم بالأعمال اللبناني في ليبيا) بعد حضورهم احتفال"الفاتح من سبتمبر"، تبين:

                    * أنه كان في استقبال سماحته عند وصوله إلى مطار طرابلس الغرب السيد أحمد الشحاتي رئيس مكتب الاتصال الخارجي في الأمانة العامة لمؤتمر الشعب العام.

                    * أن سماحته مع مرافقيه حلّوا ضيوفاً على الأمانة العامة لمؤتمر الشعب العام ونزلوا في فندق الشاطئ بطرابلس الغرب.

                    * أن السيد أحمد الشحاتي أجرى مباحثات مع سماحته بتاريخ 26و27 آب 1978، وفي إحدى جلسات هذه المباحثات أجرى التلفزيون الليبي تصويراً وسجل حديثاً لسماحته، لكن هذا التسجيل لم يبث.

                    * أنه سُجل حديث طويل لسماحته عن الشؤون اللبنانية والعربية الراهنة، من أجل بثه في إذاعة الوطن العربي في الجماهيرية، إلا أن إذاعة هذا الحديث منعت.

                    * أنه منذ وصول سماحته إلى طرابلس الغرب بتاريخ 25/8/1978 كان ينتظر إبلاغه موعد اجتماعه بالقذافي، وكان قد أبلغ عن اضطراره للسفر إلى باريس قبل 1/9/1978.

                    * إن مرافقي سماحة الإمام كانا ينويان السفر إلى باريس. ولذا طلب أحدهما السيد عباس بدرالدين من القائم بالأعمال اللبناني في ليبيا بتاريخ 29/8/1978 تأمين تأشيرة له لدخول فرنسا. أما سماحته والشيخ محمد يعقوب فكانا حائزين تأشيرتين صالحتين من السفارة الفرنسية في بيروت.

                    * ان سماحته ومرافقيه شوهدوا معا يخرجون من فندق الشاطئ حوالي الساعة الواحدة من بعد ظهر يوم 31/8/1978 ليستقلوا السيارات الموضوعة بتصرفهم، من أجل الانتقال للاجتماع بالقذافي الذي أكد فيما بعد أنه كان حدد موعداً لهذا الاجتماع في الساعة الواحدة والنصف من بعد ظهر اليوم نفسه، وأن الاجتماع لم يتم وأن سيادته أُبلغ أن سماحته سافر.

                    انتشر خبر اختفاء الإمام الصدر وأبرزته الصحف اللبنانية في صفحاتها الأولى بتاريخ 12 أيلول 1978م، وتناقلته الإذاعات ووسائل الإعلام العالمية، ولوحظ أنه في هذا التاريخ أوردت إحدى الصحف اللبنانية الوثيقة الصلة بالسلطات الليبية الخبر تحت عنوان "هل لأحداث إيران علاقة بهذا اللغز" وأدرجت هذه الصحيفة في متن الخبر أسباباً تعلل بها التوجه نحو إمكانية علاقة القضية بأحداث إيران. كما لوحظ أن وكالة الأنباء الكويتية أوردت في نشرتها بالتاريخ ذاته أن الإمام الصدر موجود منذ بضعة أيام في إيران، ونسبت هذا الخبر إلى مصادر رسمية ليبية، وتبين أن مصدر هذا الخبر هو مدير مكتب وكالة الجماهيرية الليبية للأنباء في بيروت.

                    تعليق


                    • #11
                      ملاحظات حول البيان الليبي الرسمي

                      تفاعلت القضية على الصعيد الشعبي في لبنان، وعلى الأصعدة الرسمية محلياً وفي الخارج، لبنانياً وعربياً وإسلامياً، طوال الأيام اللاحقة، وتعددت الاتصالات من مراجع عدة بالقذافي، وبقيت السلطات الليبية ساكته لا تولي القضية أي اهتمام، إلى أن اضطرت تحت ضغط المراجعات والرأي العام العالمي وبعد تحرك بعثة التحقيق اللبنانية(راجع ص : 29) وأجهزة التحقيق الإيطالية إلى إصدار بيان رسمي نشر بتاريخ 18 أيلول 1978م (راجع نص البيان ص :40)، تزعم فيه "أن الجماهيرية تولي الأمر اهتماماً كبيراً" و "أن الجماهيرية تلقي بكامل ثقلها مع القوى الإسلامية والتقدمية لمعرفة مصير الإمام موسى الصدر وإنقاذ حياته وحياة رفيقيه" (هذه الأقوال والتعهدات بقيت كلاماً دون أي تنفيذ).

                      وهذا البيان الليبي الرسمي، الذي أكد مجدداً أن الإمام الصدر ورفيقيه غادروا طرابلس الغرب في الساعة الثامنة والربع مساء 31 آب 1978 م متجهين إلى روما بطائرة "اليطاليا" (الرحلة 881)، تضمن مغالطات عدة، منها:

                      1- القول إن الإمام الصدر "زار الجماهيرية مرات عدة من قبل": هذا الكلام غير صحيح لأن الإمام الصدر لم يزر ليبيا من قبل سوى مرة وحيدة في أواخر شهر آب 1975 م للمشاركة في مؤتمر فكري إسلامي.

                      2- القول في مطلع البيان الرسمي إن الإمام الصدر "تربطه بالجماهيرية علاقات متينة مبعثها التقدير والاحترام"، وتكراره في ختام البيان بالقول "تؤكد أمانة الخارجية أن الإمام الصدر تربطه بالجماهيرية علاقات أخوية متينة وتكن له كل احترام وتقدير".

                      هذا القول عن العلاقات لا أساس له من الصحة، لأنه لم تقم بين الإمام وبين الجماهيرية الليبية أية علاقة، من أي نوع كان.

                      أما القول عن التقدير والاحترام، فتدحضه ممارسة عبد السلام جلود الذي أقام في لبنان أكثر من /45/ يوماً خلال شهري حزيران وتموز 1976، في ظروف القتال، عقد أثناءها اجتماعات ولقاءات مع مختلف القادة والزعماء ورؤساء الفعاليات والأحزاب والتنظيمات في لبنان، واستمع إلى وجهات نظر الجميع، من مختلف الفرقاء، دون أن يجتمع مع الإمام الصدر. وعندما التقيا صدفة في دمشق بتاريخ 12/7/76 وعد جلود الإمام بالاجتماع به في بيروت عند عودتهما إليها، وحصلت هذه العودة بتاريخ 14/7/76 واستمر جلود في بيروت مدة أسبوعين بعدها متابعاً اجتماعاته واتصالاته الواسعة دون أن ينفذ وعده.

                      3- أما الأقوال والوقائع الأخرى التي أوردها البيان الليبي الرسمي المنشور بتاريخ 18/9/78 م، فتدحضها التحقيقات القضائية التي ستعرض نتائجها لاحقاً.



                      تعليق


                      • #12
                        تصريح القذافي لوفد العلماء



                        بتاريخ 21/9/78م توجهت مسيرة شعبية كبرى، من بيروت إلى دمشق حيث كان يعقد "مؤتمر قمة الصمود والتصدي" لإثارة قضية الإمام الصدر في هذا المؤتمر.

                        وبطلب من القذافي، تمّ اجتماع خاص بينه وبين وفد من المسيرة تألف من العلماء أصحاب الفضيلة الشيخ عبد الأمير قبلان، الشيخ أحمد الزين، الشيخ عبد الحليم الزين والشيخ خليل شقير.



                        وفي هذا الاجتماع صرّح القذافي:

                        1- أنه كان حدّد موعداً للاجتماع بالإمام الصدر في الساعة الواحدة والنصف بعد ظهر يوم 31/8/78 م، إلا أن الإمام لم يحضر وقيل للقذافي انه سافر. هذا القول يثير السؤالين الآتيين:

                        أ- لماذا لا يحضر الإمام الصدر هذا الاجتماع وهو الذي جاء إلى ليبيا من أجله، ومكث فيها أياماً ينتظر موعده الذي حدّد قبل ست ساعات وخمس وأربعين دقيقة من التوقيت المحدد في البيان الليبي لإقلاع الطائرة التي قيل أن الإمام سافر بواسطتها إلى روما، علماً بأن الطائرة أقلعت بعد ثلاثة أرباع الساعة من هذا التوقيت.

                        ب- أين كان الإمام الصدر في ليبيا خلال الفترة الواقعة بين موعد الاجتماع بالقذافي وبين الموعد الفعلي لإقلاع الطائرة، وهي فترة بلغت سبع ساعات ونصف.

                        ولماذا لم تجر السلطات الليبية تحقيقاً في هذا الأمر بعد انتشار نبأ الإخفاء؟

                        إلا أن المعلومات المتوافرة من مصادر عدة، تؤكد حصول الاجتماع ووقوع نقاش حاد خلاله وتباين شديد في وجهات النظر بمسألة محنة لبنان والدور الليبي.

                        وتأيد ذلك بشكل خاص في حديث الملك خالد والملك فهد بتاريخ 25/2/1979 للوفد الذي زار السعودية بموضوع الإمام وكان في عداده النائبان الأستاذان محمود عمار ومحمد يوسف بيضون.

                        وتوالت معلومات من مصادر دولية وخاصة ومنها أقوال صرح بها سراً وزير الخارجية الليبي السابق التريكي تفيد أن الإمام ورفيقيه احتجزوا بعد الاجتماع.

                        2- كما صرّح أن سفر الإمام الصدر ومرافقيه حصل دون إعلام السلطات الليبية. وأن أحد الموظفين الليبين السيد أحمد الحطاب تعرّف عليه في المطار فقام بتوديعه. هذا القول يثير أيضاً سؤالين:

                        أ - لماذا يغادر الإمام الصدر ليبيا وهو بضيافتها الرسمية، دون إعلام السلطة المضيفة؟

                        ب- كيف يتيسّر للإمام ومرافقيه مغادرة الفندق مع حقائبهم باتجاه المطار، قاصدين السفر، دون أن تتمكن السلطة الليبية من معرفة هذا الواقع في حينه وهي التي تعتمد نظاماً صارماً في المراقبة، لا سيما وأن الأمر يتعلق بضيف رسمي وبشخصية كبرى؟

                        3- وصرح أيضاً بأنه يعتبر قضية إخفاء الإمام الصدر إهانة عربية وإسلامية لليبيا نظراً لحرمة الضيف، ولذا فإنه يهتم بها ويضع كل إمكانياته لكشفها واتخذ إجراءات للتحقيق وأوفد بعثة إلى إيطاليا وأنه سيبلغ المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بالنتائج.





                        تعليق


                        • #13
                          برقية أمانة الخارجية الليبية



                          هذا القول لم يقترن بأي عمل سوى كتاب وحيد أرسلته السفارة الليبية في بيروت بتاريخ 28/9/78م إلى المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وفيه تورد نص برقية أمانة الخارجية الليبية المتضمنة أن المخابرات الإيطالية أكدت حضور الإمام الصدر والشيخ محمد يعقوب إلى فندق "هوليداي إن" في روما بتاريخ 1/9/78 م، وأن حقائبهما سُلمت إلى النيابة العامة الإيطالية، وأن "جميع وسائل الإعلام الإيطالية تُجمع على أن الدلائل تثبت وصوله ( أي الإمام الصدر) إلى روما، وأن اختفاءه قد يكون وراؤه أجهزة المخابرات المختلفة الإيرانية والإسرائيلية والأميركية وكذلك الكتائب الحمر والمنظمات الألمانية المتطرفة".

                          تعليق


                          • #14
                            ملاحظات حول البرقية



                            فضلاً عن الاستخفاف الظاهر في سرد هذه المعلومات ومضمونها، فإن هذه المعلومات الرسمية الليبية تتنافى مع المعلومات الصحيحة التي توصلت إليها آنذاك أجهزة التحقيق الإيطالي التي كانت استجوبت :

                            1) عناصر الشرطة والجمارك في مطار فيوميتشينو- روما بتاريخ 20/9/78 .

                            2) طاقم الطائرة الإيطالية للرحلة 881 التي غادرت طرابلس الغرب مساء 31/8/78م بتاريخ 24/9/78.

                            3) ركاب الدرجة الأولى في هذه الطائرة، بتاريخ 25/9/78.

                            4) مستخدمي وعمال فندق "هوليدي إن"بتاريخ 26/9/78.



                            والذين توافقت إفاداتهم جميعاً- بعد إطلاعهم على صورة وأوصاف كل من الإمام الصدر ورفيقيه- وكشفوا حقيقة أن الإمام الصدر ورفيقيه لم يكونوا في عداد ركاب الطائرة المذكورة ولا في عداد الواصلين إلى مطار فيوميشينو، وأن الشخصين اللذين حجزا غرفتين في الفندق المذكور باسم الإمام الصدر والشيخ محمد يعقوب وتركا فيه حقائبهما مع جوازي سفرهما، لم يكونا الإمام الصدر والشيخ محمد يعقوب المميزة أوصافهما. وهذه التحقيقات كانت أبلغت قبل 28/9/78 م إلى جميع المراجع القضائية والأمنية والحكومية المختصة في روما، بتقرير المفوض رئيس شرطة الحدود في مطار فيوميشينو تاريخ 25/9/78 م وتقرير رئيس شرطة روما تاريخ 27/9/78 م.





                            تعليق


                            • #15
                              شركة الخطوط الإيطالية

                              حسمت شركة "اليطاليا" المسألة بالنسبة إليها، ببلاغ صدر عنها وبثه التلفزيون الإيطالي مساء يوم 25/9/78 متضمنا ًأن سماحة الإمام السيد موسى الصدر والشيخ محمد يعقوب والصحفي السيد عباس بدرالدين، لم يكونوا بذواتهم وأشخاصهم في طائرة الشركة المذكورة (الرحلة رقم 881) التي أقلعت مساء يوم 31/8/78 من مطار طرابلس الغرب إلى روما.

                              وبث التلفزيون الإيطالي، بعد هذا البلاغ مباشرة، مقابلة شخصية مع قائد الطائرة للرحلة المذكورة، أعلن فيها أنه بعد اطلاع طاقم الطائرة على صور سماحة الإمام والشيخ محمد يعقوب والسيد عباس بدرالدين، أكدوا جميعاً أن هؤلاء الأشخاص لم يكونوا على متن الطائرة في رحلتها هذه، لا بالملابس الدينية ولا بالملابس المدنية.

                              تعليق

                              المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                              حفظ-تلقائي
                              x

                              رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                              صورة التسجيل تحديث الصورة

                              اقرأ في منتديات يا حسين

                              تقليص

                              لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                              يعمل...
                              X