والحمد لله ربِّ العالمين، وخالق الكون والبشر وما في السماء والأرضين، الاله الواحد الأحد، ربّ آدم ونوح وإبراهيم ويعقوب وإسماعيل وموسى وعيسى، وسائر الأنبياء والمرسلين، ونصلّي ونسلّم على خاتم الأنبياء نبيّ الرَّحمة والإنسانية، رسول السَّلام محمَّد بن عبد الله صلوات الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، من أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)إلى خاتم الوصيين، الحجّة المنتظر أرواحنا فداه.
وبعد:
فإنّ ما يجري في العالم اليوم، خصوصاً ما شهدناه في 11 ستمبر في نيورك وما جرى في إسبانيا وغيرها ـ وخصوصاً في العراق ـ يستدعي الوقوف عليه، بل نرى من الواجب الوقوف في وجهه.
والسّبب يعود إلى هذه الأعمال الإرهابية، من قتل الأبرياء والاعتداء على بني البشر، وقطع الرّؤوس وخطف الناس وتعذيبهم، وللاسف كلّ هذا يجري اليوم تحت راية الإسلام المزَّيفة، وباسم الإسلام المجازي، والإسلام ليس بريئاً من كلّ هذا فحسب ، بل يقف ضدّ هؤلاء وكلّ عمل يكون على هذه الشاكلة ويشجبها ويرفضها.
فالإسلام دينُ الإنسانية والرَّحمة والسلم والسّلام.
والإسلام أتى بالمحبَّة والعدل .
والإسلام رفض الإرهاب والإرهابين.
والإسلام يقول لكلّ من تلبَّس به، ونطق باسمه: عليكم برفض كلّ أنواع الإرهاب والظلم والعنف الّذي يجري في العالم من دون مبرّر وحاجة، وكذلك على علماء الأُمّة وقادتها وأصحاب الفكر فيها أن يتصدّوا لهؤلاء المنعزلين التكفيريين شُذّاذ الآفاق والأفكار هذا من جهة ومن جهة أُخرى، تتكاثف الجهود لشرح موقف الإسلام الحقيقي تجاه الإرهاب والظلم، والقتل والفساد والإفساد.
فهذه مسؤولية الأُمّة جمعاء.
فعلينا جميعاً إظهار مفاهيم الإسلام وأخلاقه، من السّلام والمحبَّة، والوفاء والأمانة، والصدق والعدل والتعايش المشترك على قاعدة: الناس صنفان: إمّا أخ لك في الدّين أو نظير لك في الخلق.
وعلى ضوء ما ذكرناه قامت «المؤسسة العالمية للحضارة الإسلامية» بجهود جبَّارة ـ تُشكر عليها ـ حيث عملت على إرسال الأسئلة الّتي تدور حول هذه المواضيع (العنف، واللاّعنف، الإرهاب الخ...) إلى أغلب مراجعنا وعلمائِنا ومفكري الأُمّة، وثمّ بعد الإجابة عليها قامت بترجمتها وطباعتها ونشرها في العالم. ليكون في ذلك توضيح وموقف الإسلام الحقيقي من كلّ هذه الأُمور.
ولحسن ظنِّهم بنا فقد أُرسل إلينا من قبل المؤسَّسة العالميَّةِ للحضارة الإسلامية عدد من الإسئلة الّتي تدور حول العنف واللاعنف ونظرتنا لهما.
فعملاً بقاعدة التعاون القرآنية: (َ تَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوَى)( ) من جهة، ولكراهية ردّ السائل واستحباب إجابته من جهة أُخرى، بل لوجوب إعطاء النظرة والرُّؤية، والموقف الإسلامي الصحيح، تجاه ما يجري على الساحة الإسلامية اليوم .
فكُلُّ هذه الأُمور أوجبت علينا الردَّ والإجابة على جميع أسئلة الأُخوة الافاضل الكرام، في المؤسَّسة العالمية للحضارة الإسلامية .
فبادرنا إلى الإجابة على الأسئلة، مع شغل البال وقلَّة البضاعة وضيق المجال.
فجمعنا الإجابات بكُتيِّب أسميناه «العنف واللأعنف بين السائل والمجيب» فأسأل الله ربّ الخلائق أجمعين، أن نكون قد بيّنا النظر والرؤية والموقف الإسلامي الحقيقي والصحيح تجاه هذه الأُمور، والاستفادة المرجوّة.
وأخيراً لا يسعنا إلاّ أن نشكر وندعو الله للأخوة الأفاضل القيِّميين على هذا المشروع حفظهم الله جميعاً، ووفَّقهم لِكُلّ خير. ونترحّم على رائد مبدأ اللاّعنف الإمام الشيرازي (رحمه الله)، وندعو الله بدوام الصحّة والعافية والتوفيق للإمام السيّد صادق الشيرازي ـ دام ظلّه ـ الّذي استمر على نهج أخيه الإمام الشيرازي (رحمه الله)فهذا الفرعُ من ذاك الأصل شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء.
والحمد لله ربِّ العالمين
محمد علي الحسيني
لبنان 009611541330
009613961846
س 1: ما هو تصوركم لكلٍّ من المفاهيم التالية:
العنف، اللاعنف، الإرهاب؟
ج 1: بسمه تعالى.
طالما كان السؤال حول المفاهيم، فعلينا أن نجيب عليه بعدَّة أساليب وطرق، لأنَّ المفهوم يختلف من شخص لآخر، أو من جهة لأُخرى، لكنّنا في هذه المفاهيم بالذات نعتقد أنّ المفهوم منها واحد وإن تعدّدت التعابير فيها.
أ. العنف لغة: قال إبن منظور في لسان العرب: العنف هو: (الخُرق بالأمر وقلَّة الرِّفق به، وهو ضدُّ الرفق)( ).
وقال أبو هلال العسكري: إنّ العنف هو: (التّشديد في التوصُّل إلى المطلوب)( ).
العنف اصطلاحاً: بالحقيقة هناك عدَّةُ تعابير لمصطلح العُنف، أنقل لكم أهمُّها:
يُعرَّف العنف بأنّه السُّلوك المشوب بالقسوة والعدوان والقهر والإكراه، وهو عادة سلوك بيعد عن التحضُّر والتمدُّن.
تستثمر فيه الدوافع والطاقات العدوانية استثماراً صريحاً بدائياً، كالضرب والتقتيل للأفراد، والتكسير والتدمير للممتلكات، واستخدام القوة لإكراه الخصم وقهره .( )
وهناك تعريف آخر هو: أنَّ العُنف سِمَة ظاهرة، أو عمل عنيف بالمعاني، وهو الاستعمال غير المشروع ـ أو على الأقل ـ غير القانوني للقُوَّة .( )
أمّا تعريفنا لمفهوم العنف: «إنّ العنفَ هو كلّ سلوك فعلي أو قولي، يتضمّن استعداداً للقوّة، أو تهديداً
باستخدامها لإلحاق الأذى والضّرر بالذات أو بالآخرين، وإتلاف الممتلكات لتحقيق أهداف معيّنة، وهناك أشكال من العنف، منها العنف الفردي بحيث يصدر عن فرد واحد، ومنها العنف الجماعي الّذي يصدر عن جماعة، وعنف الاُسرة، والعنف السياسي، والعُنف الاقتصادي، والعنف الثّقافي، والعنف الاجتماعي».
هذا ما نفهمه من العنف ( ) وعلى أيّة حال عباراتنا شتّى والمقصود واحد، وهو العنف بمعنى الشدّة في الأمر.
ب. وأما بالنسبة لتعريفنا لمفهوم اللاّعنف «فهو يقابل العنف، فإذا كان العنف بمعنى الشدّة، فهذا يعني أنّ اللاّعنف يأتي بمعنى الرّفق واللين والرَّخاء في كلّ سلوك فعلي وقولي، بعيداً عن أيِّ عنف، وهو بلا إشكال من صفات الأنبياء والرُّسل والأئمة الهداة، بل كلُّ إنسان يتَّصف حقّاً بالإنسانية».
هذا ما نفهمه من اللاّعنف، وأهم التعاريف لمفهوم اللاّعنف هو تعريف الإمام العظيم الشيرازي (رحمه الله) حيث قال: (اللاّعنف هو أن يعالجَ الإنسان الأشياء سواء كان بناءً أو هدماً بكلِّ لين ورفق، حتّى لا يتأذى أحد من العلاج).( )
ويُعرف اللاّعنف أيضاً: (بأنّه سياسة يقف فيها الشعب ضدّ المستعمر موقف عدم تعاون، وبطريقة سلبية، ولا يلجأ بحال إلى العنف).( )
والتعريف الأخير هو: (شكلٌ من أشكال التحرُّك السياسي، يتميّز بغياب كلّ تحرك عنيف).( )
ج. الإرهاب لغةً: في الحقيقة، لم يرد لفظ الإرهاب في المعاجم اللُّغوية، إنَّما ذُكر حسب ولعَّله لأوّل مرَّة ضمن مصطلحات اللُّغة العربية، في مختار الصحاح عام 1962 م، على العموم قال في تاج العروس:
(الارهاب ـ بالكسر ـ الإزعاج والإضافة)( ). وقال ابن منظور: الإرهاب مشتق من (رهب، بالكسرِ يَرهَبُ رهبةً وُرهباً، بالضم، ورَهَباً بالتَّحريك، أي خاف).( )
الإرهاب اصطلاحاً: يُعرّف معجم المصطلحات الفقهيه والقانونية الإرهاب بأنّه: (عمل تهديدي تخريبي يقصد منه زرع الخوف والذُّعر في نفوس الأهالي، وخلق الاضطراب، وزرع الفوضى بهدف الوصول إلى غايات مُعيَّنة)( ).
وتعريف آخر للإرهاب: (الإرهاب عنف سياسي من الأفراد أو الأقلية، يتّخذ صُوراً متعدِّدة كالاغتيال ووضع المتفجِّرات، وذلك يهدف استغلال إقليم معيَّن، أو قلب نظام سياسيِّ، أو مقاومة مظاهر معينة في سياسة الدولة، والإرهابي هو من يستخدم الإرهاب أو يشارك في أعماله)( ).
تعريفنا للإرهاب: «الإرهاب مفهوم متحرِّك ومُتطوّر ومختلف باختلاف الزَّمان والمكان، لكن يمكن لنا أن نعرِّفهُ بأنّه أُسلوب وشكل من أشكال العنف، يمارس لتحقيق هدف معين يختلف من طرف إرهابي لآخر، وقد تتغيَّر الأهدافُ بتغيُّر الظروفِ .
والإرهاب يُوصف بأنَّهُ محاوَلةٌ لنشر الذُّعر والخوف والفزع لأغراض وأهداف معينة، وبأساليب معروفة وغير معروفة، بل لم تكن تخطر ببال أحد، وللعمل الإرهابي أشكال منها:
إرهابُ الدَّولة كالنظام الدكتاتوري، ومنها الإرهاب الفردي والجماعي، ومنها إرهاب آيديولوجي عبر فرض وتحقيق إيديولوجية مُعيَّنة، ومنها إرهاب سياسيٌّ وفكري وثقافي واقتصادي وجنسيٌّ الخ...».
فهذه أجوبتنا عن السؤال الأوّل، والحمد لله ربِّ العالمين .
س 2: هل تفهم من العنف معنى سلبياً أم أيجابياً؟
وكذلك الأمر بالنسبة إلى اللاّعنف ؟
ج 2: بسمه تعالى:
في الحقيقة أنّ المسألة من وجهة نظرنا خاضعة للهدف المقصود، فالعنف كالسكّين ذو حدَّين، تارة يستعمل للأهداف المشروعة والأُمور المحتاجة إلى العنف، فعلى سبيل المثال إذا كان تعرّض أحد منّا لألم الضرس، وأصبح الوجع والألم لا يطاق فعندئذ ينبغي التوجُّه إلى الطبيب لقلع الضرس، وعمليّة قلع الضرس وإن كانت تخضع لعنف الدكتور، بيد أنَّ هذا العنف راجح ومطلوب وهو حسن في هذه الحالة، ولا يمكن لنا أن نقول: إنّ استعمال العنف سلبيُّ هنا، وكذلك الحال إذا نظر إلى الظرف العصيب أيام حكم الظالم المفسد صدّام، فإنّ حاله كحال الضرس في الفم، يجب قلعه، ولا وسيلة لدينا بل يكون آخر علاج هو العنف لإراحة البلاد والعباد من فساد هذا الطّاغي، فعندها نستعمل معه العنف لأنَّهُ الخيار الأخير والوحيد معه، فيكون استعمالُ العُنف في هذه الحالة حسن وممدوح وايجابي، لأنَّ الهدف منه العدل والديمقراطية والحرية واللاّعنف، فهذا ما نفهمه من العنف من الناحية الإيجابية.
وتارة يستعمل العنف بطريقة غير مشروعة، كالذي يستعمل في الذبح والقتل والإفساد بالبلاد والعباد، ولتحقيق المقاصد الشرّيرة والأهداف الخبيثة، فكما أسلفنا، فإن العنف كالسكّين تارة يستعمل بشكل إيجابي مثلاً لتقطيع الخضار واللّحم، وتارة يستعمل بشكل سلبي للطعن والجرح والقتل الخ.... هذا خلاصة رأينا باختصار، وهي أنّ هناك عُنفاً مشروعاً ايجاباً، وعنفاً غير مشروع سلبياً وهو الأصل .
وفي هذا السياق يصف الدكتور ابراهيم الحيدري العنف المشروع بأنّه :
(عنف محدَّد وموّجه نحو هدف أخلاقي هو تحرير الوطن من الاحتلال والاستغلال، والتخلّص من الظلم والقمع، أو الدفاع عن النفس، وهو عنف مفيد وردّ فعل على أعمال عنف وإرهاب تقوم بها منظّمة سياسية، أو دولة ضدَّ دولة معتدية أُخرى.
والعنفُ بالرغم من ضرره للإنسان لكنَّه نافع أيضاً، فهو الأساس في العمل المُثمر والتغيير والتحرُّر. ويمكن القولُ أنَّ العُنفَ على طول مسيرة التاريخ كان ضرورياً لمواجهة الشرّ...).( )
وأمّا بالنسبة إلى اللاّعنف فهو يَختلفُ عن العنف من ناحية السَّلبية والايجابية، فهو إيجابي محض، ولأنَّنا نرى مسلك اللاّعنف هو الأصل وهو مسلك السّماء والأنبياء والرَّسول والأئمة والصالحين، ومسلك العقلاء والأخيار من الناس، فإنَّ اللاّعنف ينطوي تحت المعاملة الحسنة، والقول اللّين، والتعاطي بالرحمة والرفق، حتّى ولو كان الآخر عنيفاً، فندفعه بالتي هي أحسن، فطالما نملك الحقَّ والحُجَّة والبرهان فنقرب البعيد بها، ونجعل العدوَّ صديقاً حميماً، فنسلك معه مسلك اللاّعنف .
وطريق السّلم هو أساس للنجاح وللوصول إلى أهدافنا. والتاريخ يشهد لكلّ منّا، وإذا استعرضنا الوقائع التاريخية لوجدنا أنَّ الطريق الصحيح والناجح هو طريق اللاّعنف، أنقل ما تأثر به القسّ مادتن لوثر كينع كثيراً بدعوات الزعيم الهندي «المهاتماغاندي» رائد مبدأ اللاّعنف، بأفكاره ونظرياته وأساليبه العملية في تطبيق هذا المبدأ في الواقع، ونجاحه في الوصول إلى الأهداف الّتي تبناها خلال نضاله السياسي والاجتماعي، فقد اعتمد غاندي على مبدأ اللاّعنف الّذي يستند إلى احترام عميق للقانون، ويدعو الناس إليه بقوله :
إنّ على الذين يستخدمونه ان يفعلوا ذلك بطريقة غير عنيفة دائماً.( )
لقد رسَّخ «المهاتماغاندي» مبادئ اللاَّعنف، والّتي يطلق عليها أحياناً مبدأ المسالمة، ويقول بهذا الصَّدد: إنَّ عقيدتي بشأن اللاّعنف لم تعتمد على سلطان شخصي، بل نشأت من دراستي لكلِّ أديان العالم.( )
وأمّا القول السديد لرائد مبدأ اللاّعنف الامام المعظّم الشيرازي (رحمه الله)(إن منطق الرُّسل والأنبياء، هو منطق السلم واللاّعنف، والاحتجاج العقلاني من أجل انقاذ البشرية) (اللاّعنف إحدى مقومات الدعوة الّتي ندعو إليها) (إنَّ التفاف الناس حول من يأتي في موقفه ويلتزم بسياسة اللاّعنف، فإنَّ الناس تنصره على الجاهل)( )ويقول كذلك (إنّ السلام ـ وهو يعني اللاّعنف ـ يصل بصاحبه إلى النتيجة الأحسن، والمسالمون يبقون سالمين مهما كان لهم من الأعداء )( ).
فخلاصة كلامنا: أنَّنا لا نفهم، من اللاّعنف معنى سلبياً أبداً بل بالعكس، اللاّعنف مبدأ إيجابي أصيل متأصّل، وهو طريق وأُسلوب الأنبياء والأئمَّة والعظماء والحكماء والعُقلاء عبر التاريخ .
والحمد لله ربِّ العالمين
تعليق