إلى متى هذا التطبير 5
سيكون خروجها عمّا دل على مطلوبية البكاء والإبكاء واضحاً وجلياً, لأن ما يدل على مطلوبية شيء لا يستفاد منه مطلوبيته ولو بالوسائل المحرمة.
الثالث: إن في هذا العمل (إدماء الرأس) اقتداءً بالحسين وصحبة, ومواساة وتعزية (لآل البيت(ع)), ولا ريب أن الاقتداء بالحسين مطلوب ومواساة أهل البيت من أعظم القربات.
والجواب على هذا الكلام:
1- إن الإقتداء بالإمام الحسين (ع) يكون بأن نُقتل حيث قتل ونجرح رؤوسنا حيث جرح رأسه, وهو لم يجرح نفسه بعقل بارد وهو يسير في الطرقات وإنما جرح نفسه وضحى بنفسه وهو في ساحة المعركة يقاتل في سبيل الله, فلنجرح رؤوسنا ونبذل دماءنا في مواجهة العدو فبذلك يكون الإقتداء (حديث عاشوراء 134).
2- أما مواساة أهل البيت (ع) فإنها مطلوبة بالتأكيد ولكن كيف تكون المواساة؟
تكون بالطرق المألوفة دون الطرق المستهجنة أو المحرفة, ومسألة أن يجرح الإنسان نفسه لأن حبيبه جُرح أو يجلد ظهره لأن حبيبة جلد ليست من أساليب المواساة لدى البشر ليشملها ما دل على مطلوبية المواساة.
إلى متى هذا التطبير 6
3- ثم لو سلمنا بأن ذلك من أساليب المواساة ولكن المواساة بذلك لمن؟ يتردد على الألسن أننا نواسي الزهراء بدمعتنا أو لطمنا أو جرح رؤوسنا, ولكن يعلق الشهيد مطهري على هذا الكلام ((إن هذا أمر مثير للسخرية, فهل تحتاج الزهراء بعد مرور 1400 عاماً على المأساة إلى المواساة, في الوقت الذي نعلم فيه بأنها الآن مجتمعة مع الحسين (ع)... وهل أن فاطمة عندكم طفلة صغيرة حتى تظل تلطم وتبكي بعد 1400 عاماً حتى نأتي لنعزيها ونأخذ بخاطرها هذا هو الكلام الذي يخرّب الدين)) (الملحمة الحسينة1/35).
الرابع: إن العقيلة زينب الكبرى (ع) عندما رأت رأس أخيها الحسين مرفوعاً فوق الرمح أمام محملها نطحت جبينها بمقدم المحمل حتى سال الدم وتقاطر من تحت قناعها (فتاوى العلماء في الشعائر الحسينية ص100, 141).
ولكن هذا الدليل مردود:
1. إن الرواية التي نقلت ذلك ضعيفة السند, لأنها مرسلة كما صرّح بذلك المجلسي في البحار 45/114, قال(رأيت في بعض الكتب المعتبرة روى مرسلاً عن مسلم الجصاص)) ثم ذكر الرواية, والظاهر أن الكتاب الذي نقل عنه المجلسي هو المنتخب للطريحي, كما ذكر النقدي (زينب الكبرى:112) وكون الكتاب معتبراً عند المجلسي لايعني أن رواياته كلها معتبرة عند المجلسي فضلاُ عن غيره.
إلى متى هذا التطبير 7
2. أنه من المستبعد صدور هذا الفعل من العقيلة زينب لأنه مخالف لوصية أخيها الإمام الحسين (ع), فإنه أوصاها قائلاً(أخيّه إني أقسمت فأبري قسمي, لا تشقي عليّ ولا تخمشي عليّ وجهاً, ولا تدعي عليّ بالويل والثبور إذا أنا هلكت)) (الإرشاد2/94 ورواه الطبري).
فإذا كان الحسين عليه السلام ينهاها عن خمش وجهها فكيف تدمي رأسها؟! إلا أن يوجه ذلك بأن الإدماء لم يكن مقصودا لها ولا كانت تتوقعه عندما لطمت رأسها فلا يتنافى فعلها مع الوصية, وهذا التوجه وإن رفع المنافاة ولكن لن يثبت جواز الإدماء لأنه غير مقصود لها حسب الفرض.
الخامس: أنه ورد في الخبر عن الإمام الرضا(ع)(... إن يوم الحسين أقرح جفوننا وأسبل دموعنا ...)) (آمالي الصدوق/190).
وهذه الرواية غير نقية السند, ويمكن الاعتراض على دلالاتها:
1- أن تقريح الجفون هو عبارة عن ظهور أثر البكاء على جفون العين فترى محمرة لذلك, وهذا التقريح لا يصل ضرره إلى حد ضرب الرأس بالسيف مع ما يستتبعه من نزف كثير للدم وربما إغماء, وعليه فلا يقاس الأعلى بالأدنى.
2- "أن تقريح الجفون" كما يرى السيد الأمين في التنزيه- يحصل بصورة قهرية نتيجة لكثرة البكاء وليس عن اختيار وتعمد – كما في ضرب الرأس
إلى متى هذا التطبير 8
– وإن لم يجز لذلك فلا أقل من احتماله احتمالاً يمنع من الاستدلال, وعلم الإمام (ع) بترتب القرح على بكائه غير معلوم إلا من باب علم الغيب الذي لا يكون مناطاً للتكليف.
وهناك حجج أخرى لمؤيدي التطبير أضعف مما تقدم لا يسع المجال لذكرها.
المعارضون وحججهم:
تمسك معارضو ((ضرب الرؤوس)) بأحد وجهين:
الأول: أن هذا العمل فيه إضرار واضح بالنفس, كل إضرار بالنفس حرام, ويدل على ذلك العقل الذي يحكم بقبح ظلم النفس, وسيرة العقلاء المستقرة على ذم من يجرح نفسه ويدميها بغير سبب مشروع, وهكذا النصوص الكثيرة مثل ما ورد عن إمامنا الباقر(ع)(ولكنه سبحانه خلق الخلق فعلم ما تقوم به أبدانهم فأحله لهم.. وعلم ما يضرهم فنهاهم عنه..) (الوسائل الباب1, من الأطعمة المحرمة الحديث1).
وقد أتفق الفقهاء((أنه إذا خاف المكلف حصول الخشونة في الجلد وتشققه من استعمال الماء في الوضوء أنتقل فرضه إلى التيمم ولم يجز له الوضوء, مع أنه أقل ضررا وإيذاءً من شق الرؤوس بالمدى والسيوف))(التنزيه ص:28), وقد تمسك بهذا الدليل الذي لن يسعنا الإفاضة فيه كل من السيد الأمين والسيد فضل الله, وقد أعترف به الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء.
إلى متى هذا التطبير 9
الثاني: أن هذا العمل لو افترضنا أنه مباح بالعنوان الأولي, ولكنه صار موجباً لوهن المذهب وهتك أتباعه ورميهم بالوحشية والتخلف فيحرم بالعنوان الثانوي وقد أمرنا الأئمة (ع) أن لا نفعل ما يسيء إليهم ((شيعتا كونوا زيناً لنا ولا تكونوا شيناً علينا)) وتمسك بهذا الدليل كثيرون من العلماء (كالسادة الأمين وفضل الله والخامنئي وهاشم معروف الحسيني والشيخ مغنية و...) وأقر آخرون بأن هذا العمل لو كان موجبا للهتك والسخرية فهو محرم, كالسيد الحكيم الذي أفتى ((بأنه لا مانع منها إن لم يكن فيها خوف الضرر... ولم تكن موجبة للسخرية وتهييج عداوة الغير)) (فتاوى العلماء في الشعائر88) ونظير هذا الكلام قال السيد الخوئي (المسائل الشرعية2/339).
وطبيعي أن صدق عنوان الهتك والتوهين أو السخرية كما عبر السيد الحكيم لن يدركه إلاّ من له إطلاع على أصداء المسألة في الواقع العالمي وما تعكسه وسائل الإعلام من ردود الفعل اتجاهها, وما تتركه من انطباعات سيئة في نفوس الآخرين عن أتباع أهل البيت (ع).
وقد يقول قائل: إذا كان استهزاء الآخر وسخريته موجبا لترك هذه العادة وتحريمها, فهذا يستلزم رفع اليد عن الحج والصلاة لأن الغير قد يسخر من حجنا وما فيه من أعمال قد تبدوا غريبة كرمي الجمرات أو الطواف.. وهكذا قد يسخر من صلاتنا وما فيها من ركوع و سجود و...
إلى متى هذا التطبير 10
والجواب: أن الصلاة والصيام والحج واجبات ولا يمكن لنا رفع اليد عن الواجبات بسبب سخرية الآخرين, كما لا يرفع الآخرون يدهم عن عباداتهم بسبب سخريتنا مثلاً, ولكن ضرب الرؤوس ليس واجبا وإنما هو على أحسن التقادير مباح, والمباح يتغير حكمه بتغير العناوين, كما لو اتصف بعنوان الهتك أو نحوه ولا يقاس بالواجب إطلاقاً.
ضرب الرأس وخدمة التشيع:
ثم إنه عندما نريد أن نحول عادة ما إلى سنّة نواظب عليها وشعيرة نهتم بها ووسيلة نتبعها في إحياء الذكرى الحسينية, ألا يلزمنا أن نسأل عن مدى مساهمة هذه الوسيلة في خدمة أهداف الثورة الحسينية, إن من حيث مساهمتها في الدعوة إلى الإسلام وفتح قلوب الآخرين على أهل البيت وتعاليمهم, أو على الأقل لجهة تأثيرها في تهذيب نفوس الذين يضربون رؤوسهم ويحيون عاشوراء بهذه الطريقة؟ فهل يستطيع المدافعون عن هذه العادة أن يذكروا لنا مدى مساهمتها في تحقيق هذه الأهداف؟
أو ليس جرح الرؤوس بالسيوف ثم ضربها بالأكف حتى ينزف الدم ويملأ الوجه والرأس واليدين والثياب كلها يعتبر منظراً منفراً للآخرين ومثيراً لدهشتهم وتعجبهم ومفزعاً للأطفال والنساء, وبالتالي قد نكون ساهمنا في إغلاق قلوب الناس عن الانفتاح على مدرسة أهل البيت تحت عنوان إحياء ذكرهم؟!
إلى متى هذا التطبير 11
موقف العلماء من ضرب الرأس:
قد يحلوا للبعض أن يقول أن القول بتحريم ضرب الرأس شاذ ولم يتبناه من يُعتد به من العلماء, ولكن هذا الكلام ناشئ عن قلة الاطلاع على آراء العلماء, فإن الكثير من علمائنا وقفوا بوجه هذه العادة وغيرها من العادات الدخيلة. يقول الإمام الخميني: ((فنحن لا نقول ولا يقول أحد من المؤمنين أن كل عمل يقام بهذا العنوان هو عمل مقبول, بل إن العلماء الكبار اعتبروا الكثير من هذه الأعمال غير جائزة وكانوا يمنعون منها..)) (كشف الأسرار/ 169).
ويُعتبر السيد محسن الأمين من أشجع العلماء في مواجهة هذه العادة وغيرها من ((المنكرات والبدع)) – على حد تعبيره – التي أدخلت على الشعائر الحسينية, فقد قاد رحمة الله حركة إصلاحية في مواجهتها, وقد ناصرة في حركته هذه السيد أبو الحسن الأصفهاني, - مفتياً بحرمة ضرب الرأس – والسيد هبة الدين الشهرستاني والشيخ عبد الكريم الجزائري المجتهد الكبير, وهكذا العلامة الشيخ محسن شرارة والسيد مهدي القزويني وغيرهم (أعيان الشيعة10/178).
وقد اعترف الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في كتابة (الفردوس الأعلى/21) بأن مقتضى القواعد حرمة إدماء الرأس, وإن دافع عنه في بعض كتبه الأخرى.
وهكذا هاجم هذه العادة علماء آخرون فالسيد هاشم معروف الحسيني اعتبرها ظاهرة شاذة ودخيلة, وأنها من الزيادات التي أساءت للمآتم الحسينية وإلى
إلى متى هذا التطبير 12
التشيع, وقد استغلها أعداء الشيعة لتنديد والتشويه والسخرية وصاروا يقصدون بلدة النبطية يوم العاشر من محرم ويسمونه يوم جنون الشيعة, ويضيف: بأن الأئمة بلا شك لا يرضون بهذه المظاهر ويتبرأون منها (من وحي الثورة الحسينية/167).
وهكذا وجدنا الشيخ عبدالله نعمة يراها من الشوائب الغريبة البعيدة عن روح الذكرى وجلالها وأهدافها, وأنها لا تتصل بالدين بسبب أو نسب, وإنما هي عادة دخيلة على المجتمع الشيعي امتصّها من خارجه (روح التشيع 499).
وأخيراً دعا آية الله العظمى السيد القائد الخامنئي إلى محاربة هذه الظاهرة والمنع منها لأنها تسيء إلى التشيع وتشوه صورته.
وأما فتاوى الفقهاء المعاصرين والمثقفين فهي تربوا على أربعين فتوى, وقد جمعها كتاب ((من فقه عاشوراء)) للفقير إلى الله عبد النبي عبد المجيد النشابة.
ونختم الحديث بكلمة للشيخ محمد جواد مغنية تصور موقف العلماء اتجاه هذه العادة يقول: ((وعلماء الشيعة بكاملها دون إستثناء ينكرونها أشد الإنكار, وإذا سكت عنها من سكت وغض الطرف, فإنما يسكت خوفاً من بعض العوام الذين اتخذوها سبيلاً للاتجار والكسب ((إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ))من سورة آل عمران الآية رقم 170.(الإسلام مع الحياة/68)...
سيكون خروجها عمّا دل على مطلوبية البكاء والإبكاء واضحاً وجلياً, لأن ما يدل على مطلوبية شيء لا يستفاد منه مطلوبيته ولو بالوسائل المحرمة.
الثالث: إن في هذا العمل (إدماء الرأس) اقتداءً بالحسين وصحبة, ومواساة وتعزية (لآل البيت(ع)), ولا ريب أن الاقتداء بالحسين مطلوب ومواساة أهل البيت من أعظم القربات.
والجواب على هذا الكلام:
1- إن الإقتداء بالإمام الحسين (ع) يكون بأن نُقتل حيث قتل ونجرح رؤوسنا حيث جرح رأسه, وهو لم يجرح نفسه بعقل بارد وهو يسير في الطرقات وإنما جرح نفسه وضحى بنفسه وهو في ساحة المعركة يقاتل في سبيل الله, فلنجرح رؤوسنا ونبذل دماءنا في مواجهة العدو فبذلك يكون الإقتداء (حديث عاشوراء 134).
2- أما مواساة أهل البيت (ع) فإنها مطلوبة بالتأكيد ولكن كيف تكون المواساة؟
تكون بالطرق المألوفة دون الطرق المستهجنة أو المحرفة, ومسألة أن يجرح الإنسان نفسه لأن حبيبه جُرح أو يجلد ظهره لأن حبيبة جلد ليست من أساليب المواساة لدى البشر ليشملها ما دل على مطلوبية المواساة.
إلى متى هذا التطبير 6
3- ثم لو سلمنا بأن ذلك من أساليب المواساة ولكن المواساة بذلك لمن؟ يتردد على الألسن أننا نواسي الزهراء بدمعتنا أو لطمنا أو جرح رؤوسنا, ولكن يعلق الشهيد مطهري على هذا الكلام ((إن هذا أمر مثير للسخرية, فهل تحتاج الزهراء بعد مرور 1400 عاماً على المأساة إلى المواساة, في الوقت الذي نعلم فيه بأنها الآن مجتمعة مع الحسين (ع)... وهل أن فاطمة عندكم طفلة صغيرة حتى تظل تلطم وتبكي بعد 1400 عاماً حتى نأتي لنعزيها ونأخذ بخاطرها هذا هو الكلام الذي يخرّب الدين)) (الملحمة الحسينة1/35).
الرابع: إن العقيلة زينب الكبرى (ع) عندما رأت رأس أخيها الحسين مرفوعاً فوق الرمح أمام محملها نطحت جبينها بمقدم المحمل حتى سال الدم وتقاطر من تحت قناعها (فتاوى العلماء في الشعائر الحسينية ص100, 141).
ولكن هذا الدليل مردود:
1. إن الرواية التي نقلت ذلك ضعيفة السند, لأنها مرسلة كما صرّح بذلك المجلسي في البحار 45/114, قال(رأيت في بعض الكتب المعتبرة روى مرسلاً عن مسلم الجصاص)) ثم ذكر الرواية, والظاهر أن الكتاب الذي نقل عنه المجلسي هو المنتخب للطريحي, كما ذكر النقدي (زينب الكبرى:112) وكون الكتاب معتبراً عند المجلسي لايعني أن رواياته كلها معتبرة عند المجلسي فضلاُ عن غيره.
إلى متى هذا التطبير 7
2. أنه من المستبعد صدور هذا الفعل من العقيلة زينب لأنه مخالف لوصية أخيها الإمام الحسين (ع), فإنه أوصاها قائلاً(أخيّه إني أقسمت فأبري قسمي, لا تشقي عليّ ولا تخمشي عليّ وجهاً, ولا تدعي عليّ بالويل والثبور إذا أنا هلكت)) (الإرشاد2/94 ورواه الطبري).
فإذا كان الحسين عليه السلام ينهاها عن خمش وجهها فكيف تدمي رأسها؟! إلا أن يوجه ذلك بأن الإدماء لم يكن مقصودا لها ولا كانت تتوقعه عندما لطمت رأسها فلا يتنافى فعلها مع الوصية, وهذا التوجه وإن رفع المنافاة ولكن لن يثبت جواز الإدماء لأنه غير مقصود لها حسب الفرض.
الخامس: أنه ورد في الخبر عن الإمام الرضا(ع)(... إن يوم الحسين أقرح جفوننا وأسبل دموعنا ...)) (آمالي الصدوق/190).
وهذه الرواية غير نقية السند, ويمكن الاعتراض على دلالاتها:
1- أن تقريح الجفون هو عبارة عن ظهور أثر البكاء على جفون العين فترى محمرة لذلك, وهذا التقريح لا يصل ضرره إلى حد ضرب الرأس بالسيف مع ما يستتبعه من نزف كثير للدم وربما إغماء, وعليه فلا يقاس الأعلى بالأدنى.
2- "أن تقريح الجفون" كما يرى السيد الأمين في التنزيه- يحصل بصورة قهرية نتيجة لكثرة البكاء وليس عن اختيار وتعمد – كما في ضرب الرأس
إلى متى هذا التطبير 8
– وإن لم يجز لذلك فلا أقل من احتماله احتمالاً يمنع من الاستدلال, وعلم الإمام (ع) بترتب القرح على بكائه غير معلوم إلا من باب علم الغيب الذي لا يكون مناطاً للتكليف.
وهناك حجج أخرى لمؤيدي التطبير أضعف مما تقدم لا يسع المجال لذكرها.
المعارضون وحججهم:
تمسك معارضو ((ضرب الرؤوس)) بأحد وجهين:
الأول: أن هذا العمل فيه إضرار واضح بالنفس, كل إضرار بالنفس حرام, ويدل على ذلك العقل الذي يحكم بقبح ظلم النفس, وسيرة العقلاء المستقرة على ذم من يجرح نفسه ويدميها بغير سبب مشروع, وهكذا النصوص الكثيرة مثل ما ورد عن إمامنا الباقر(ع)(ولكنه سبحانه خلق الخلق فعلم ما تقوم به أبدانهم فأحله لهم.. وعلم ما يضرهم فنهاهم عنه..) (الوسائل الباب1, من الأطعمة المحرمة الحديث1).
وقد أتفق الفقهاء((أنه إذا خاف المكلف حصول الخشونة في الجلد وتشققه من استعمال الماء في الوضوء أنتقل فرضه إلى التيمم ولم يجز له الوضوء, مع أنه أقل ضررا وإيذاءً من شق الرؤوس بالمدى والسيوف))(التنزيه ص:28), وقد تمسك بهذا الدليل الذي لن يسعنا الإفاضة فيه كل من السيد الأمين والسيد فضل الله, وقد أعترف به الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء.
إلى متى هذا التطبير 9
الثاني: أن هذا العمل لو افترضنا أنه مباح بالعنوان الأولي, ولكنه صار موجباً لوهن المذهب وهتك أتباعه ورميهم بالوحشية والتخلف فيحرم بالعنوان الثانوي وقد أمرنا الأئمة (ع) أن لا نفعل ما يسيء إليهم ((شيعتا كونوا زيناً لنا ولا تكونوا شيناً علينا)) وتمسك بهذا الدليل كثيرون من العلماء (كالسادة الأمين وفضل الله والخامنئي وهاشم معروف الحسيني والشيخ مغنية و...) وأقر آخرون بأن هذا العمل لو كان موجبا للهتك والسخرية فهو محرم, كالسيد الحكيم الذي أفتى ((بأنه لا مانع منها إن لم يكن فيها خوف الضرر... ولم تكن موجبة للسخرية وتهييج عداوة الغير)) (فتاوى العلماء في الشعائر88) ونظير هذا الكلام قال السيد الخوئي (المسائل الشرعية2/339).
وطبيعي أن صدق عنوان الهتك والتوهين أو السخرية كما عبر السيد الحكيم لن يدركه إلاّ من له إطلاع على أصداء المسألة في الواقع العالمي وما تعكسه وسائل الإعلام من ردود الفعل اتجاهها, وما تتركه من انطباعات سيئة في نفوس الآخرين عن أتباع أهل البيت (ع).
وقد يقول قائل: إذا كان استهزاء الآخر وسخريته موجبا لترك هذه العادة وتحريمها, فهذا يستلزم رفع اليد عن الحج والصلاة لأن الغير قد يسخر من حجنا وما فيه من أعمال قد تبدوا غريبة كرمي الجمرات أو الطواف.. وهكذا قد يسخر من صلاتنا وما فيها من ركوع و سجود و...
إلى متى هذا التطبير 10
والجواب: أن الصلاة والصيام والحج واجبات ولا يمكن لنا رفع اليد عن الواجبات بسبب سخرية الآخرين, كما لا يرفع الآخرون يدهم عن عباداتهم بسبب سخريتنا مثلاً, ولكن ضرب الرؤوس ليس واجبا وإنما هو على أحسن التقادير مباح, والمباح يتغير حكمه بتغير العناوين, كما لو اتصف بعنوان الهتك أو نحوه ولا يقاس بالواجب إطلاقاً.
ضرب الرأس وخدمة التشيع:
ثم إنه عندما نريد أن نحول عادة ما إلى سنّة نواظب عليها وشعيرة نهتم بها ووسيلة نتبعها في إحياء الذكرى الحسينية, ألا يلزمنا أن نسأل عن مدى مساهمة هذه الوسيلة في خدمة أهداف الثورة الحسينية, إن من حيث مساهمتها في الدعوة إلى الإسلام وفتح قلوب الآخرين على أهل البيت وتعاليمهم, أو على الأقل لجهة تأثيرها في تهذيب نفوس الذين يضربون رؤوسهم ويحيون عاشوراء بهذه الطريقة؟ فهل يستطيع المدافعون عن هذه العادة أن يذكروا لنا مدى مساهمتها في تحقيق هذه الأهداف؟
أو ليس جرح الرؤوس بالسيوف ثم ضربها بالأكف حتى ينزف الدم ويملأ الوجه والرأس واليدين والثياب كلها يعتبر منظراً منفراً للآخرين ومثيراً لدهشتهم وتعجبهم ومفزعاً للأطفال والنساء, وبالتالي قد نكون ساهمنا في إغلاق قلوب الناس عن الانفتاح على مدرسة أهل البيت تحت عنوان إحياء ذكرهم؟!
إلى متى هذا التطبير 11
موقف العلماء من ضرب الرأس:
قد يحلوا للبعض أن يقول أن القول بتحريم ضرب الرأس شاذ ولم يتبناه من يُعتد به من العلماء, ولكن هذا الكلام ناشئ عن قلة الاطلاع على آراء العلماء, فإن الكثير من علمائنا وقفوا بوجه هذه العادة وغيرها من العادات الدخيلة. يقول الإمام الخميني: ((فنحن لا نقول ولا يقول أحد من المؤمنين أن كل عمل يقام بهذا العنوان هو عمل مقبول, بل إن العلماء الكبار اعتبروا الكثير من هذه الأعمال غير جائزة وكانوا يمنعون منها..)) (كشف الأسرار/ 169).
ويُعتبر السيد محسن الأمين من أشجع العلماء في مواجهة هذه العادة وغيرها من ((المنكرات والبدع)) – على حد تعبيره – التي أدخلت على الشعائر الحسينية, فقد قاد رحمة الله حركة إصلاحية في مواجهتها, وقد ناصرة في حركته هذه السيد أبو الحسن الأصفهاني, - مفتياً بحرمة ضرب الرأس – والسيد هبة الدين الشهرستاني والشيخ عبد الكريم الجزائري المجتهد الكبير, وهكذا العلامة الشيخ محسن شرارة والسيد مهدي القزويني وغيرهم (أعيان الشيعة10/178).
وقد اعترف الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في كتابة (الفردوس الأعلى/21) بأن مقتضى القواعد حرمة إدماء الرأس, وإن دافع عنه في بعض كتبه الأخرى.
وهكذا هاجم هذه العادة علماء آخرون فالسيد هاشم معروف الحسيني اعتبرها ظاهرة شاذة ودخيلة, وأنها من الزيادات التي أساءت للمآتم الحسينية وإلى
إلى متى هذا التطبير 12
التشيع, وقد استغلها أعداء الشيعة لتنديد والتشويه والسخرية وصاروا يقصدون بلدة النبطية يوم العاشر من محرم ويسمونه يوم جنون الشيعة, ويضيف: بأن الأئمة بلا شك لا يرضون بهذه المظاهر ويتبرأون منها (من وحي الثورة الحسينية/167).
وهكذا وجدنا الشيخ عبدالله نعمة يراها من الشوائب الغريبة البعيدة عن روح الذكرى وجلالها وأهدافها, وأنها لا تتصل بالدين بسبب أو نسب, وإنما هي عادة دخيلة على المجتمع الشيعي امتصّها من خارجه (روح التشيع 499).
وأخيراً دعا آية الله العظمى السيد القائد الخامنئي إلى محاربة هذه الظاهرة والمنع منها لأنها تسيء إلى التشيع وتشوه صورته.
وأما فتاوى الفقهاء المعاصرين والمثقفين فهي تربوا على أربعين فتوى, وقد جمعها كتاب ((من فقه عاشوراء)) للفقير إلى الله عبد النبي عبد المجيد النشابة.
ونختم الحديث بكلمة للشيخ محمد جواد مغنية تصور موقف العلماء اتجاه هذه العادة يقول: ((وعلماء الشيعة بكاملها دون إستثناء ينكرونها أشد الإنكار, وإذا سكت عنها من سكت وغض الطرف, فإنما يسكت خوفاً من بعض العوام الذين اتخذوها سبيلاً للاتجار والكسب ((إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ))من سورة آل عمران الآية رقم 170.(الإسلام مع الحياة/68)...
تعليق