بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
لم يكن المسلمون ، في يوم من الأيام، أكثر حاجة إلى الوحدة منهم في هذه الأيام، فمنظروا الغرب الاستعماري فيهذا الزمن، يرون في الإسلام عدوهم الأول، ويعدون الخطط التي سرعان ما ينفذها السياسيون والعسكريون للقضاء عليه، بغية
السيطرة على بلاد المسلمين وامتلاك ثرواتها، وهذا يعني إن وجود المسلمين الفاعل نفسه مهدد بالخطر، ما يقتضي المبادرة إلى امتلاك القوة القادرة على مقاومة هذا الخطر، وأول شروط هذا الامتلاك هو الوحدة الإسلامية.
والوحدة المطلوبة ينبغي أن تقوم على أساس متين هو معرفة الآخر معرفة حقيقية شاملة وعميقة وحواره في الأمور الخلافية من دون تجاهل لأي أمر كان، أو لا يزال، موضع خلاف، ومن دون مداراة، ذلك أن النأي عن البحث الموضوعي الجدي في ما يختلف المسلمون فيه، والاكتفاء بالمجاملات يبقي النأي
قائما بينهم، مغطى بركام من الكلام العام الجاهز للاستهلاك في الوقت المناسب.
هذا الكلام يقصي أكثر مما يقرب ، وما يقرب هو الحوار العقلي الرصين الذي يحدد الموضوعات المختلف بشأنها،ويبحثها.
وكثيرا ما أدار علماء المسلمين مثل هذا الحوار، ومن نماذج ذلك ما ذكره المؤرخون من أن الشيخ عز الدين حسين بن عبد الصمد (918ه-948ه) ، وهو من أئمة الفقه والحديث عند الشيعة، حل ضيفا على عالم من علماء حلب، كان نظيرا له وصديقا، وقال له : ((انه يقبح بمثلي ومثلك، بعد أن صرف كل منا عمره في تحصيل العلوم الإسلامية وتحقيقمقدماتها، أن يقلد في مذهبه الذي يلقى اللّه به...
وليس حجة منجية لان كل احد يقلد سلفه...)) . فقال له صديقه : ((هلمنبحث)).
ليس حجة منجية لان يقلد كل واحد منا سلفه، فهلم نبحث...،
هذا هو المنهج القديم الذي يفضي إلى الوحدة الحقيقيةوهي، كما رأينا، شرط وجودنا الفاعل على هذا الزمن.
من هذه ألمقدمه البسيطة ارتأيت أن نجعل موضوعا لمناظرات العلماء التي سبقونا وهي مناظرات لا تخلو من الفائدة العظيمة لفهم الدين والعقيدة لذا أرجو منكم جميعا قراءتها وإضافة ما تحفظون أو تنقلون من مناظرات للعلماء أو حتى لائمة أهل البيت عليهم السلام .
وأنا ابتدأ بنقل هذه المناظرة القديمة بين علماء الشيعة وألسنه والتي تسمى ((بمؤتمر علماء بغداد )):-
المناظرة الاولى
في القرن الخامس الهجري
تدوين مقاتل بن عطية
وقعت أحداث هذه المناظرة في عصر الدولة السلجوقية. وقام
بتدوينها مقاتل بن عطية في المدرسة النظامية ببغداد..
وظلت مخطوطة هذه المناظرة محجوبة عن الأبصار حتى تم
العثور عليها في مكتبة (راجا محمود آباد) بخط مقاتلبنعطية
وذلك في عام (1300ه)..
وتم طباعتها في بيروت تحت اسم (مؤتمر علماء بغداد) في عام
1402ه..
ونود أن نشير هنا إلى إن هذه المناظرة قد استغرقت ثلاثة أيام
حسبما ذكر وهو أمر غير واضح من خلال السرد.
ويلاحظ القارىء انا قد اشرنا الى الفقيه الشيعي بلفظ العلوي..
والفقيه السني بلفظ العباسي التزاما بما ورد في نص المناظرة..
شخصيات المناظرة
ارتبطت هذه المناظرة بثلاثة شخصيات هي:
الداعي لها :- وهو الملك ملك شاه بن الب ارسلان السلجوقي..
المنفذ لها :- وهو الوزير الفقيه نظام الملك..
كاتبها :- وهو مقاتل بن عطية..
قصة المناظرة
الحمد للّه وحده والصلاة والسلام على من بعث رحمة للعالمين
محمد النبي العربي وآله الطيبين الطاهرين وعلىاصحابه
المطيعين.
دخل على الملك شاه احد العلماء الكبار واسمه: (الحسينبن
علي العلوي) وكان من كبار علماء الشيعة..
ولما خرج العالم من عند الملك استهزا به بعض الحاضرين
وغمزه.
فقال الملك: لماذا استهزات به؟
قال الرجل: الا تعرف ايها الملك انه من الكفار الذين غضب اللّه
عليهم ولعنهم؟
فقال الملك متعجبا: ولماذا. اليس مسلما؟
فقال الرجل: كلا انه شيعي!
فقال الملك: وما معنى الشيعي؟ اليس الشيعة هم فرقة من
فرق المسلمين؟
قال الرجل: كلا انهم لا يعترفون بخلافة ابي بكر وعمر وعثمان.
قال الملك: وهل هناك مسلم لا يعترف بامامة هؤلاء الثلاثة؟
قال الرجل: نعم هؤلاء الشيعة.
قال الملك: واذا كانوا لا يعترفون بامامة هؤلاء الصحابة فلماذا
يسميهم الناس مسلمين؟
قال الرجل: ولذا قلت لك انهم كفار..
فتفكر الملك مليا، ثم قال: لا بد من احضار الوزير نظام الملك
لنرى جلية الحال.
ولما جاء الوزير: نظام الملك وساله الملك عن الشيعة: هل هم
مسلمون؟
قال نظام الملك: اختلف اهل السنة فطائفة منهم يقولون انهم
مسلمون لانهم اي الشيعة يشهدون ان لا اله الا اللّه
وانمحمدا رسول اللّه ويصلون ويصومون، وطائفة منهم يقولون
انهم كفار.
قال الملك: وكم عددهم؟
فقال نظام الملك: لا احصي عددهم كاملا ولكنهم يشكلون
نصف المسلمين تقريبا.
قال الملك: فهل نصف المسلمين كفار؟
قال الوزير: ان بعض العلماء يعتبرونهم كفارا واني لا اكفرهم.
قال الملك: فهل لك ايها الوزير ان تحضر علماء الشيعة وعلماء
السنة لنرى جلية الحال؟
قال الوزير: هذا امر صعب واخاف على الملك والمملكة!
قال الملك: لماذا؟
قال الوزير: لان قضية الشيعة والسنة ليست قضية بسيطة، بل
هي قضية حق وباطل قد اريقت فيها الدماء، واحرقت
فيهاالمكتبات، واسرت فيها نساء والفت فيها كتب وموسوعات
وقامت لاجلها حروب!!
تعجب الملك الشاب من هذه القضية، وفكر مليا ثم قال: ايها
الوزير انك تعلم ان اللّه انعم علينا بالملك العريض،والجيش
الكثيف فلا بد ان نشكر اللّه على هذه النعمة، ويكون شكرنا ان
نتحرى الحقيقة ونرشد الضال الى الصراطالمستقيم، ولا بد ان
تكون احدى هاتين الطائفتين على حق والاخرى على باطل،
فلا بد ان نعرف الحق فنتبعه ونعرفالباطل فنتركه، فاذا هيات
ايها الوزير مثل هذا المؤتمر وبحضور العلماء من الشيعة
والسنة بحضور القواد والكتابوسائر اركان الدولة فاذا راينا ان
الحق مع السنة ادخلنا الشيعة في السنة بالقوة.
قال الوزير: واذا لم يقبل الشيعة ان يدخلوا مذهب السنة فماذا
تفعل؟
قال الملك الشاب: نقتلهم!
فقال الوزير: وهل يمكن قتل نصف المسلمين؟
قال الملك: فما هو العلاج والحل؟
قال الوزير: ان تترك هذا الامر.
انتهى الحوار بين الملك ووزيره الحكيم العالم، ولكن بات
الملك تلك الليلة متفكرا قلقا ولم ينم الى الصباح. وفيالصباح
الباكر دعى نظام الملك..
وقال الملك: لقد تفكرت في الامر ورايت ان نستدعي علماء
الطرفين، ونرى نحن من خلال المحادثات والمناقشاتالتي
تدور بينهما ان الحق مع ايهما، فاذا كان الحق مع مذهب السنة
دعونا الشيعة بالحكمة والموعظة الحسنة ورغبناهمبالمال
والجاه كما كان يفعل رسول اللّه(ص) مع المؤلفة قلوبهم،
وبذلك نتمكن من خدمة الاسلام والمسلمين..
فقال الوزير: رايك حسن ولكني اتخوف من هذا المؤتمر!
قال الملك: ولماذا الخوف؟
فقال الوزير: لاني اخاف ان يتغلب الشيعة على السنة وترجح
احتجاجاتهم علينا وبذلك يقع الناس في الشكوالشبهة!
فقال الملك: وهل يمكن ذلك؟
قال الوزير: نعم لان الشيعة لهم ادلة قاطعة وبراهين ساطعة
من القرآن والاحاديث الشريفة على صحة مذهبهم،
وحقيقةعقيدتهم!
فلم يقتنع الملك بهذا الجواب من وزيره (نظام الملك) وقال
له:
لا بد من احضار علماء الطرفين لينكشف لنا الحق ونميزه عن
الباطل، فاستمهل الوزير الملك شهرا لتنفيذ الامر، ولكنالملك
الشاب لم يقبل ذلك..
واخيرا تقرر ان تكون المدة خمسة عشر يوما.
وفي هذه الايام جمع الوزير نظام الملك عشرة رجال من كبار
علماء السنة الذين يعتمد عليهم في التاريخ والفقهوالحديث
والاصول والجدل، كما احضر عشرة من كبار علماء الشيعة،
وكان ذلك في شهر شعبان في المدرسة النظاميةببغداد،
وتقرر ان ينعقد المؤتمر على الشروط التالية:
اولا: ان يستمر البحث من الصباح الى المساء باستثناء وقت
الصلاة والطعام والراحة.
ثانيا: ان تكون المحادثات مستندة الى المصادر الموثوقة
والكتب المعتبرة لا الى المسموعات والشائعات.
ثالثا: ان تكتب المحادثات التي تدور في هذا المؤتمر.
نص المناظرة
اليوم الاول
وفي اليوم المعين جلس الملك ووزيره وقواد جيشه وجلس
العلماء السنة عن يمينه كما جلس علماء الشيعة عن
يساره،وافتتح الوزير نظام الملك المؤتمر باسم اللّه الرحمن
الرحيم والصلاة على محمد وآله وصحبه..
ثم قال: لا بد ان يكون الجدال نزيها، وان يكون طلب الحق هو
رائد الجميع وان لا يذكر احد صحابة الرسول(ص) بسباو سوء.
قال كبير علماء السنة (وهو الملقب بالشيخ العباسي): اني لا
اتمكن ان احادث مذهبا يكفر كل الصحابة.
قال كبير علماء الشيعة (وهو الملقب بالعلوي): ومن هم الذين
يكفرون الصحابة؟
قال العباسي: انتم الشيعة هم اولئك الذين يكفرون كل
الصحابة.
قال العلوي: هذا الكلام منك خلاف الواقع، اليس من الصحابة
علي عليه السلام والعباس وسلمان وابن عباس والمقدادوابو
ذر وغيرهم، فهل نحن الشيعة نكفرهم؟
قال العباسي: اني قصدت بكل الصحابة ابا بكر وعمر وعثمان
واتباعهم.
قال العلوي: نقضت نفسك بنفسك، الم يقرر اهل المنطق ان
(الموجبة الجزئية نقيض السالبة الكلية) فانك تقول مرة:
انالشيعة يكفرون كل الصحابة، وتقول مرة: ان الشيعة يكفرون
بعض الصحابة.
وهنا اراد نظام الملك ان يتكلم لكن العالم الشيعي لم يمهله.
وقال: ايها الوزير العظيم لا يحق لاحد ان يتكلم الا اذا عجزنا
عن الجواب والا كان خلطا للبحث، واخراجا للكلام عنمجراه،
من دون نتيجة.
ثم قال العالم الشيعي: تبين ايها العباسي ان قولك ان الشيعة
يكفرون كل الصحابة كذب صريح.
ولم يتمكن العباسي من الجواب واحمر وجهه خجلا..
ثم قال: دعنا عن هذا ولكن هل انتم الشيعة تسبون ابا بكر وعمر
وعثمان؟
قال العلوي: ان في الشيعة من يسبهم وفيهم من لا يسبهم.
قال العباسي: وانت ايها العلوي من اي طائفة منهم؟
قال العلوي: من الذين لا يسبون ولكن رايي ان الذين يسبون
لهم منطقهم، وان سبهم لهؤلاء الثلاثة لا يوجب شيئا، لا
كفراولا فسقا ولا هو من الذنوب الصغيرة.
قال العباسي: اسمعت ايها الملك ماذا يقول هذا الرجل؟
قال العلوي: ايها العباسي ان توجيهك الخطاب الى الملك
مغالطة، فان الملك احضرنا لاجل التكلم حول الحججوالادلة لا
لاجل التحاكم الى السلاح والقوة.
قال الملك: صحيح ما يقوله العلوي، ما هو ردك ايها العباسي؟
قال العباسي: واضح ان من يسب الصحابة كافر.
قال العلوي: واضح عندك لا عندي، ما هو الدليل على كفر من
يسب الصحابة عن اجتهاد ودليل، الا تعترف ان من
يسبهالرسول يستحق السب؟
قال العباسي: اعترف.
قال العلوي: فالرسول سب ابا بكر وعمر.
قال العباسي: واين سبهم؟ هذا كذب على رسول اللّه.
قال العلوي: ذكر اهل التواريخ من السنة ان الرسول هيا جيشا
بقيادة (اسامة) وجعل في الجيش ابا بكر وعمر.
وقال: لعن اللّه من تخلف عن جيش اسامة، ثم ان ابا بكر وعمر
تخلفا عن جيش اسامة فشملهم لعن الرسول ومن يلعنهالرسول
يحق للمسلم ان يلعنه.
وهنا اطرق العباسي براسه ولم يقل شيئا.
فقال الملك (متوجها الى الوزير): وهل صح ما ذكره العلوي؟
قال الوزير: ذكر اهل التواريخ ذلك.
قال العلوي: واذا كان سب الصحابة حراما وكفرا، فلماذا لا
تكفرون معاويةبن ابي سفيان ولا تحكمون بفسقه وفجورهلانه
كان يسب الامام عليبن ابي طالب عليه السلام الى اربعين
سنة وقد سب الامام الى سبعين سنة!؟
قال الملك: اقطعوا هذا الكلام وتكلموا حول موضوع آخر.
قال العباسي: من بدعكم انتم الشيعة انكم لا تعترفون بالقرآن!
قال العلوي: بل من بدعكم انتم السنة انكم لا تعترفون بالقرآن
والدليل على ذلك انكم تقولون: ان القرآن جمعه عثمان،فهل
كان الرسول جاهلا بما عمله عثمان، حيث انه لم يجمع القرآن
حتى جاء عثمان وجمعه، ثم كيف ان القرآن لم يكنمجموعا في
زمن النبي وكان يامر قومه واصحابه بختم القرآن فيقول: من
ختم القرآن كان له (كذا) من الاجر والثواب، هليمكن ان يامر
بختم القرآن ما لم يكن مجموعا، وهل كان المسلمون في
ضلال حتى انقذهم عثمان؟
قال الملك (موجها كلامه الى الوزير) وهل يصدق العلوي ان
اهل السنة يقولون بان القرآن من جمع عثمان؟
قال الوزير: هكذا يذكر المفسرون واهل التواريخ.
قال العلوي: اعلم ايها الملك ان الشيعة يعتقدون ان القرآن
جمع في زمن الرسول(ص) كما تراه الان لم ينقص منه
حرفولم يزد فيه حرف اما السنة فيقولون ان القرآن زيد فيه
ونقض منه، وانه قدم واخر وان الرسول لم يجمعه وانما
جمعهعثمان لما تسلم الحكم وصار اميرا.
قال العباسي: (وقد انتهز الفرصة): هل سمعت ايها الملك ان
هذا الرجل لا يسمي عثمان خليفة وانما يسميه اميرا.
قال العلوي: نعم عثمان لم يكن خليفة.
قال الملك: ولماذا؟
قال العلوي: لان الشيعة يعتقدون بطلان خلافة ابي بكر وعمر
وعثمان!
قال الملك: (بتعجب واستفهام) ولماذا؟
قال العلوي: لان عثمان جاء الى الحكم بشورى ستة رجال
عينهم عمر وكل اهل الشورى الستة لم ينتخبوا عثمان
وانماانتخبه ثلاثة او اثنين منهم، فشرعية خلافة عثمان
مستندة الى عمر، وعمر جاء الى الحكم بوصية ابي بكر مستندة
الىالسلاح والقوة ولذا قال عمر في حقه: (كانت بيعة الناس
لابي بكر فلتة من فلتات الجاهلية وقى اللّه المسلمين شرها
فمنعاد اليها فاقتلوه).
وابو بكر نفسه كان يقول: (اقيلوني فلست بخيركم وعلي
فيكم) ولذا فالشيعة يعتقدون بان خلافة هؤلاء باطلة
مناساسها.
قال الملك: (موجها الكلام الى الوزير): وهل صحيح ما يقوله
العلوي من كلام ابي بكر وعمر؟
قال الوزير: نعم هكذا ذكر المؤرخون!
قال الملك: فلماذا نحن نحترم هؤلاء الثلاثة؟
قال الوزير: اتباعا للسلف الصالح!
قال العلوي الملك: ايها الملك قل للوزير: هل الحق احق ان
يتبع ام السلف؟ اليس تقليد السلف ضد الحق مشمولا
لقولهتعالى: قالوا (انا وجدنا آباءنا على امة وانا على آثارهم
مقتدون).
قال الملك (موجها الخطاب الى العلوي): اذا لم يكن هؤلاء
الثلاثة خلفاء لرسول اللّه فمن هو خليفة رسول اللّه؟
قال العلوي: خليفة رسول اللّه هو الامام عليبن ابي طالب.
قال الملك: ولماذا هو خليفة؟
قال العلوي: لان الرسول عينه خليفة من بعده، حيث انه(ص)
اشار الى خلافته في مواطن كثيرة جدا ومن جملتها لماجمع
الناس في منطقة بين مكة والمدينة يقال لها: (غدير خم) ورفع
يد علي وقال للمسلمين: من كنت مولاه فهذا عليمولاه اللهم
وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله،
ثم نزل عن المنبر وقال للمسلمين وعددهميزيد على مائة
وعشرين الف انسان : سلموا علي بامرة المؤمنين، فجاء
المسلمون واحدا بعد واحد وهم يقولون لعلي:السلام عليك يا
امير المؤمنين، فجاء ابو بكر وعمر وسلما على علي عليه السلام
بامرة المؤمنين وقال عمر: السلامعليك يا امير المؤمنين (بخ
بخ لك يا ابن ابي طالب اصبحت مولاي ومولى كل مؤمن
ومؤمنة).
فاذن الخليفة الشرعي لرسول اللّه(ص) هو علي بن ابي طالب.
قال الملك: (موجها الكلام الى الوزير) هل صحيح ما يذكره
العلوي؟
قال الوزير: نعم هكذا ذكر المؤرخون والمفسرون.
قال الملك: دعوا هذا الكلام، وتكلموا حول موضوع آخر.
قال العباسي: ان الشيعة يقولون بتحريف القرآن.
قال العلوي: بل المشهور عندكم ايها السنة انكم تقولون
بتحريف القرآن!
قال العباسي: هذا كذب صريح.
قال العلوي: الم ترووا في كتبكم انه نزلت على رسول اللّه آيات
حول (الغرانيق) ثم نسخت تلك الايات وحذفت منالقرآن؟
قال الملك (للوزير): وهل صحيح ما يدعيه العلوي؟
قال الوزير: نعم هكذا ذكر المفسرون.
قال الملك: فكيف يعتمد على قرآن محرف؟
قال العلوي: اعلم ايها الملك انا لا نقول بهذا الشيء وانما هذه
مقالة اهل السنة، وعلى هذا فالقرآن عندنا معتمد عليهلكن
القرآن عند السنة لا يمكن الاعتماد عليه!
قال العباسي: وقد وردت بعض الاحاديث في كتبكم وعن
علمائكم؟
قال العلوي: تلك الاحاديث اولا: قليلة، وثانيا: هي موضوعة
ومزورة وضعها اعدا الشيعة لتشويه سمعة الشيعة، وثالثا:رواتها
واسنادها غير صحيحة، وما نقل عن بعض العلماء، فلا يعتمد
على كلامهم، وانما علماؤنا العظام الذين نعتمدعليهم لا
يقولون بالتحريف ولا يذكرون كما تذكرون انتم حيث تقولون
ان اللّه انزل آيات في مدح الاصنام فقال وحاشاهذلك تلك
الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى.
قال الملك: دعوا هذا الكلام وتكلموا بغيره.
قال العدوي: والسنة ينسبون الى اللّه تعالى ما لا يليق بجلال
شانه.
قال العباسي: مثل ماذا؟
قال العلوي: مثل انهم يقولون: ان اللّه جسم، وانه مثل الانسان
يضحك ويبكي وله يد ورجل وعين وعورة ويدخل رجلهفي
النار يوم القيامة، وانه ينزل من السماوات الى سماء
الدنيا!.
قال العباسي: وما المانع من ذلك، والقرآن يصرح به يقول
تعالى: (وجاء ربك).
ويقول: (يوم يكشف عن ساق.
ويقول: (يد اللّه فوق ايديهم) والسنة وردت بان اللّه يدخل رجله
في النار!
قال العلوي: اما ما ورد في السنة والحديث فهو باطل عندنا
وكذب وافترا، لان ابا هريرة وامثاله كذبوا على رسولاللّه(ص)
حتى ان عمر منع ابا هريرة عن نقل الحديث وزجره.
قال الملك: موجها الخطاب الى الوزير : هل صحيح ان عمر
منع ابا هريرة عن نقل الحديث؟
قال الوزير: نعم منعه كما في التواريخ.
قال الملك: فكيف نعتمد على احاديث ابي هريرة؟
قال الوزير: لان العلماء اعتمدوا على احاديثه.
قال الملك: اذن: يجب ان يكون العلماء اعلم من عمر لان عمر
منع ابا هريرة عن نقل الحديث لكذبه على رسول اللّه،ولكن
العلماء ياخذون باحاديثه الكاذبة؟!
قال العباسي: هب ايها العلوي ان الاحاديث الواردة في السنة
حول اللّه غير صحيحة، ولكن ماذا تصنع بالاياتالقرآنية؟
قال العلوي: القرآن فيه آيات محكمات هن ام الكتاب واخر
متشابهات وفيه ظاهر وباطن فالمحكم الظاهر يعملبظاهره،
اما المتشابه فاللازم ان تنزله على مقتضى البلاغة من ارادة
المجاز والكناية والتقدير والا لا يصح المعنى لا عقلاولا شرعا
فمثلا: اذا حملت قوله تعالى (وجاء ربك) على ظاهره فقد
عارضت العقل والشرع لان العقل والشرع يحكمانبوجود اللّه
في كل مكان وانه لا يخلو منه مكان ابدا، وظاهر الاية تقول
بجسمية اللّه، والجسم له حيز ومكان، ومعنىهذا ان اللّه لو كان
في السماء خلا منه الارض ولو كان في الارض خلا منه السماء،
وهذا غير صحيح لا عقلا ولاشرعا.
قال العباسي: اني لا اقبل هذا الكلام، وعلينا ان ناخذ بظواهر
آيات القرآن.
قال العلوي: فما تصنع بالايات المتشابهات؟؟، ثم انك لا
يمكنك ان تاخذ بظاهر كل القرآن، والا لزم ان يكون
صديقكالجالس الى جنبك (وهو من علماء السنة وكان اعمى
البصر) من اهل النار؟
قال العباسي: ولماذا؟
قال العلوي: لان اللّه تعالى يقول: (ومن كان في هذه اعمى فهو
في الاخرة اعمى واضل سبيلا) فحيث ان الشيخ اعمىالان في
الدنيا فهو في الاخرة اعمى واضل سبيلا، فهل ترضى بهذا يا
شيخ يقصد الشيخ الاعمى ؟
قال الشيخ: كلا، كلا فان المراد (الاعمى) في الاية: المنحرف
عن طريق الحق.
قال العلوي: اذن: ثبت انه لا يتمكن الانسان ان يعمل بكل
ظواهر القرآن.
وهنا اشتد الجدال حول ظواهر القرآن، هذا والعلوي يفحم
العباسي بالادلة والبراهين.
قال الملك: دعوا هذا الموضوع وانتقلوا الى غيره.
قال العلوي: ومن انحرافاتكم واباطيلكم انتم السنة حول اللّه
سبحانه انكم تقولون: ان اللّه يجبر العباد على
المعاصيوالمحرمات ثم يعاقبهم عليها؟
قال العباسي: ان اللّه يقول: (ومن يضلل اللّه).
ويقول: (طبع اللّه على قلوبهم).
قال العلوي: اما كلامك انه في القرآن، فجوابه: ان القرآن فيه
مجازات وكنايات يجب المصير اليها، فالمراد (بالضلال) اناللّه
يترك الانسان الشقي ويهمله حتى يضل، وذلك مثل قولنا:
(الحكومة افسدت الناس) فالمعنى انها تركتهم لشانهمولم
تهتم بهم، هذا اولا وثانيا: الم تسمع قول اللّه تعالى: (ان اللّه لا
يامر بالفحشاء).
وقوله سبحانه: (انا هديناه السبيل اما شاكرا واما كفورا).
وقوله: (وهديناه النجدين).
وثالثا: لا يجوز عقلا ان يامر اللّه بالمعصية ثم يعاقب عليها، ان
هذا بعيد من عوام الناس فكيف من اللّه العادل المتعالسبحانه
وتعالى عما يقول المشركون والظالمون علوا كبيرا.
قال الملك: لا، لا يمكن ان يجبر اللّه الانسان على المعصية ثم
يعاقبه، ان هذا هو الظلم بعينه، واللّه منزه عن الظلموالفساد
(وان اللّه ليس بظلام للعبيد)، ولكن لا اظن ان اهل السنة
يلتزمون بمقالة العباسي؟
ثم يوجه الملك خطابه الى الوزير قائلا: هل اهل السنة يلتزمون
بذلك؟
قال الوزير: نعم المشهور بين اهل السنة ذلك!
قال الملك: كيف يقولون بما يخالف العقل؟
قال الوزير: لهم في ذلك تاويلات واستدلالات.
قال الملك: ومهما يكن من تاويل واستدلال، فلن يعقل ولا ارى
الا راي السيد العلوي بان اللّه لا يجبر احدا على الكفروالعصيان،
ثم يعاقبه على ذلك؟!
قال العلوي: ثم ان السنة يقولون ان رسول اللّه(ص) كان شاكا
في نبوته.
قال العباسي: هذا كذب صريح.
قال العلوي: الستم تروون في كتبكم ان رسول اللّه قال: (ما
ابطا علي جبرئيل مرة الا وظننت انه نزل على ابن الخطاب)مع
العلم ان هناك آيات كثيرة تدل على ان اللّه اخذ الميثاق من
النبي محمد(ص) على نبوته؟
قال الملك موجها الخطاب الى الوزير : هل صحيح ما يقوله
العلوي من ان هذا الحديث موجود في كتب السنة؟
قال الوزير: نعم يوجد في بعض الكتب.
قال الملك: هذا هو الكفر بعينه.
قال العلوي: ثم ان السنة ينقلون في كتبهم ان رسول اللّه(ص)
كان يحمل عائشة على كتفيه لتتفرج على
المطبلينوالمزمرين، فهل هذا يليق بمقام رسول اللّه ومكانته؟
قال العباسي: انه لا يضر.
قال العلوي: وهل انت تفعل هذا، وانت رجل عادي، هل تحمل
زوجتك على كتفك لتتفرج على الطبالين؟؟
قال الملك: ان من له ادنى حياء وغيرة لا يرضى بهذا فكيف
برسول اللّه وهو مثال الحياء والغيرة والايمان. فهل صحيحان
هذا موجود في كتب اهل السنة؟
قال الوزير: نعم موجود في بعض الكتب!
قال الملك: فكيف نؤمن بنبي يشك في نبوته؟
قال العباسي: لا بد من تاويل هذه الرواية؟
قال العلوي: وهل تصلح هذه الرواية؟، اعرفت ايها الملك ان اهل
السنة يعتقدون بهذه الخرافات والاباطيلوالخزعبلات؟
قال العباسي: واي اباطيل وخرافات تقصد؟
قال العلوي: لقد بينت لك انكم تقولون:
1- ان اللّه كالانسان له يد ورجل وحركة وسكون.
2- ان القرآن محرف فيه زيادة ونقصان.
3- ان الرسول يفعل ما لا يفعله حتى الناس العاديين من حمل
عائشة على كتفه.
4- ان الرسول كان يشك في نبوته.
5- ان الذين جاؤوا الى الحكم قبل عليبن ابي طالب استندوا
الى السيف والقوة في اثبات انفسهم، ولا شرعية لهم.
6- ان كتبهم تروي عن ابي هريرة وامثاله من الاباطيل.
قال الملك: دعوا هذا الموضوع وانتقلوا الى موضوع آخر.
قال العلوي: ثم ان السنة ينسبون الى رسول اللّه(ص) ما لا يجوز
حتى على الانسان العادي!
قال العباسي: مثل ماذا؟
قال العلوي مثل انهم يقولون: ان سورة (عبس وتولى) نزلت في
شان الرسول!
قال العباسي: وما المانع من ذلك؟
قال العلوي: المانع قول اللّه تعالى: (وانك لعلى خلق عظيم)
وقوله: (وما ارسلناك الا رحمة للعالمين)، فهل يعقل انالرسول
الذي يصفه اللّه تعالى بالخلق العظيم ورحمة للعالمين ان يفعل
بذلك الاعمى المؤمن هذا العملالانساني؟
قال الملك: غير معقول ان يصدر هذا العمل من رسول
الانسانية ونبي الرحمة، فاذن ايها العلوي: فيمن نزلت
هذهالسورة؟
قال العلوي: الاحاديث الصحيحة الواردة عن اهل بيت النبي
الذين نزل القرآن في بيوتهم تقول انها نزلت في
عثمانبنعفان، وذلك لما دخل عليه ابن ام مكتوم فاعرض
عنه عثمان وادار ظهره اليه.
وهنا انبرى السيد جمال الدين (وهو من علماء الشيعة وكان
حاضرا في المجلس) وقال: قد وقعت لي قصة مع هذهالسورة
وذلك: ان احد علماء النصارى قال لي: ان نبينا عيسى افضل
من نبيكم محمد(ص) قلت لماذا؟
قال: لان نبيكم كان سيىء الاخلاق يعبس للعميان ويدير اليهم
ظهره، بينما نبينا عيسى كان حسن الاخلاق يبرىء
الاكمهوالابرص.
قلت: ايها المسيحي اعلم اننا نحن الشيعة نقول ان السورة
نزلت في عثمانبن عفان لا في رسول اللّه(ص)، وان
نبينامحمد(ص) كان حسن الاخلاق، جميل الصفات، حميد
الخصال.
وقد قال فيه تعالى: (وانك لعلى خلق عظيم).
وقال: (وما ارسلناك الا رحمة للعالمين).
قال المسيحي: لقد سمعت هذا الكلام الذي قلته لك من احد
خطباء المسجد في بغداد!
قال العلوي: المشهور عندنا ان بعض رواة السوء وبائعي الضمائر
نسبوا هذه القصة ليبرؤا ساحة عثمانبن عفان فانهم نسبوا
الكذب إلى اللّه والرسول حتى ينزهوا خلفاءهم وحكامهم!
هذا ما جاء في اليوم الأول
وسوف اكتب لكم ماجاء في اليوم الثاني والثالث لاحقا
بسم الله الرحمن الرحيم
لم يكن المسلمون ، في يوم من الأيام، أكثر حاجة إلى الوحدة منهم في هذه الأيام، فمنظروا الغرب الاستعماري فيهذا الزمن، يرون في الإسلام عدوهم الأول، ويعدون الخطط التي سرعان ما ينفذها السياسيون والعسكريون للقضاء عليه، بغية
السيطرة على بلاد المسلمين وامتلاك ثرواتها، وهذا يعني إن وجود المسلمين الفاعل نفسه مهدد بالخطر، ما يقتضي المبادرة إلى امتلاك القوة القادرة على مقاومة هذا الخطر، وأول شروط هذا الامتلاك هو الوحدة الإسلامية.
والوحدة المطلوبة ينبغي أن تقوم على أساس متين هو معرفة الآخر معرفة حقيقية شاملة وعميقة وحواره في الأمور الخلافية من دون تجاهل لأي أمر كان، أو لا يزال، موضع خلاف، ومن دون مداراة، ذلك أن النأي عن البحث الموضوعي الجدي في ما يختلف المسلمون فيه، والاكتفاء بالمجاملات يبقي النأي
قائما بينهم، مغطى بركام من الكلام العام الجاهز للاستهلاك في الوقت المناسب.
هذا الكلام يقصي أكثر مما يقرب ، وما يقرب هو الحوار العقلي الرصين الذي يحدد الموضوعات المختلف بشأنها،ويبحثها.
وكثيرا ما أدار علماء المسلمين مثل هذا الحوار، ومن نماذج ذلك ما ذكره المؤرخون من أن الشيخ عز الدين حسين بن عبد الصمد (918ه-948ه) ، وهو من أئمة الفقه والحديث عند الشيعة، حل ضيفا على عالم من علماء حلب، كان نظيرا له وصديقا، وقال له : ((انه يقبح بمثلي ومثلك، بعد أن صرف كل منا عمره في تحصيل العلوم الإسلامية وتحقيقمقدماتها، أن يقلد في مذهبه الذي يلقى اللّه به...
وليس حجة منجية لان كل احد يقلد سلفه...)) . فقال له صديقه : ((هلمنبحث)).
ليس حجة منجية لان يقلد كل واحد منا سلفه، فهلم نبحث...،
هذا هو المنهج القديم الذي يفضي إلى الوحدة الحقيقيةوهي، كما رأينا، شرط وجودنا الفاعل على هذا الزمن.
من هذه ألمقدمه البسيطة ارتأيت أن نجعل موضوعا لمناظرات العلماء التي سبقونا وهي مناظرات لا تخلو من الفائدة العظيمة لفهم الدين والعقيدة لذا أرجو منكم جميعا قراءتها وإضافة ما تحفظون أو تنقلون من مناظرات للعلماء أو حتى لائمة أهل البيت عليهم السلام .
وأنا ابتدأ بنقل هذه المناظرة القديمة بين علماء الشيعة وألسنه والتي تسمى ((بمؤتمر علماء بغداد )):-
المناظرة الاولى
في القرن الخامس الهجري
تدوين مقاتل بن عطية
وقعت أحداث هذه المناظرة في عصر الدولة السلجوقية. وقام
بتدوينها مقاتل بن عطية في المدرسة النظامية ببغداد..
وظلت مخطوطة هذه المناظرة محجوبة عن الأبصار حتى تم
العثور عليها في مكتبة (راجا محمود آباد) بخط مقاتلبنعطية
وذلك في عام (1300ه)..
وتم طباعتها في بيروت تحت اسم (مؤتمر علماء بغداد) في عام
1402ه..
ونود أن نشير هنا إلى إن هذه المناظرة قد استغرقت ثلاثة أيام
حسبما ذكر وهو أمر غير واضح من خلال السرد.
ويلاحظ القارىء انا قد اشرنا الى الفقيه الشيعي بلفظ العلوي..
والفقيه السني بلفظ العباسي التزاما بما ورد في نص المناظرة..
شخصيات المناظرة
ارتبطت هذه المناظرة بثلاثة شخصيات هي:
الداعي لها :- وهو الملك ملك شاه بن الب ارسلان السلجوقي..
المنفذ لها :- وهو الوزير الفقيه نظام الملك..
كاتبها :- وهو مقاتل بن عطية..
قصة المناظرة
الحمد للّه وحده والصلاة والسلام على من بعث رحمة للعالمين
محمد النبي العربي وآله الطيبين الطاهرين وعلىاصحابه
المطيعين.
دخل على الملك شاه احد العلماء الكبار واسمه: (الحسينبن
علي العلوي) وكان من كبار علماء الشيعة..
ولما خرج العالم من عند الملك استهزا به بعض الحاضرين
وغمزه.
فقال الملك: لماذا استهزات به؟
قال الرجل: الا تعرف ايها الملك انه من الكفار الذين غضب اللّه
عليهم ولعنهم؟
فقال الملك متعجبا: ولماذا. اليس مسلما؟
فقال الرجل: كلا انه شيعي!
فقال الملك: وما معنى الشيعي؟ اليس الشيعة هم فرقة من
فرق المسلمين؟
قال الرجل: كلا انهم لا يعترفون بخلافة ابي بكر وعمر وعثمان.
قال الملك: وهل هناك مسلم لا يعترف بامامة هؤلاء الثلاثة؟
قال الرجل: نعم هؤلاء الشيعة.
قال الملك: واذا كانوا لا يعترفون بامامة هؤلاء الصحابة فلماذا
يسميهم الناس مسلمين؟
قال الرجل: ولذا قلت لك انهم كفار..
فتفكر الملك مليا، ثم قال: لا بد من احضار الوزير نظام الملك
لنرى جلية الحال.
ولما جاء الوزير: نظام الملك وساله الملك عن الشيعة: هل هم
مسلمون؟
قال نظام الملك: اختلف اهل السنة فطائفة منهم يقولون انهم
مسلمون لانهم اي الشيعة يشهدون ان لا اله الا اللّه
وانمحمدا رسول اللّه ويصلون ويصومون، وطائفة منهم يقولون
انهم كفار.
قال الملك: وكم عددهم؟
فقال نظام الملك: لا احصي عددهم كاملا ولكنهم يشكلون
نصف المسلمين تقريبا.
قال الملك: فهل نصف المسلمين كفار؟
قال الوزير: ان بعض العلماء يعتبرونهم كفارا واني لا اكفرهم.
قال الملك: فهل لك ايها الوزير ان تحضر علماء الشيعة وعلماء
السنة لنرى جلية الحال؟
قال الوزير: هذا امر صعب واخاف على الملك والمملكة!
قال الملك: لماذا؟
قال الوزير: لان قضية الشيعة والسنة ليست قضية بسيطة، بل
هي قضية حق وباطل قد اريقت فيها الدماء، واحرقت
فيهاالمكتبات، واسرت فيها نساء والفت فيها كتب وموسوعات
وقامت لاجلها حروب!!
تعجب الملك الشاب من هذه القضية، وفكر مليا ثم قال: ايها
الوزير انك تعلم ان اللّه انعم علينا بالملك العريض،والجيش
الكثيف فلا بد ان نشكر اللّه على هذه النعمة، ويكون شكرنا ان
نتحرى الحقيقة ونرشد الضال الى الصراطالمستقيم، ولا بد ان
تكون احدى هاتين الطائفتين على حق والاخرى على باطل،
فلا بد ان نعرف الحق فنتبعه ونعرفالباطل فنتركه، فاذا هيات
ايها الوزير مثل هذا المؤتمر وبحضور العلماء من الشيعة
والسنة بحضور القواد والكتابوسائر اركان الدولة فاذا راينا ان
الحق مع السنة ادخلنا الشيعة في السنة بالقوة.
قال الوزير: واذا لم يقبل الشيعة ان يدخلوا مذهب السنة فماذا
تفعل؟
قال الملك الشاب: نقتلهم!
فقال الوزير: وهل يمكن قتل نصف المسلمين؟
قال الملك: فما هو العلاج والحل؟
قال الوزير: ان تترك هذا الامر.
انتهى الحوار بين الملك ووزيره الحكيم العالم، ولكن بات
الملك تلك الليلة متفكرا قلقا ولم ينم الى الصباح. وفيالصباح
الباكر دعى نظام الملك..
وقال الملك: لقد تفكرت في الامر ورايت ان نستدعي علماء
الطرفين، ونرى نحن من خلال المحادثات والمناقشاتالتي
تدور بينهما ان الحق مع ايهما، فاذا كان الحق مع مذهب السنة
دعونا الشيعة بالحكمة والموعظة الحسنة ورغبناهمبالمال
والجاه كما كان يفعل رسول اللّه(ص) مع المؤلفة قلوبهم،
وبذلك نتمكن من خدمة الاسلام والمسلمين..
فقال الوزير: رايك حسن ولكني اتخوف من هذا المؤتمر!
قال الملك: ولماذا الخوف؟
فقال الوزير: لاني اخاف ان يتغلب الشيعة على السنة وترجح
احتجاجاتهم علينا وبذلك يقع الناس في الشكوالشبهة!
فقال الملك: وهل يمكن ذلك؟
قال الوزير: نعم لان الشيعة لهم ادلة قاطعة وبراهين ساطعة
من القرآن والاحاديث الشريفة على صحة مذهبهم،
وحقيقةعقيدتهم!
فلم يقتنع الملك بهذا الجواب من وزيره (نظام الملك) وقال
له:
لا بد من احضار علماء الطرفين لينكشف لنا الحق ونميزه عن
الباطل، فاستمهل الوزير الملك شهرا لتنفيذ الامر، ولكنالملك
الشاب لم يقبل ذلك..
واخيرا تقرر ان تكون المدة خمسة عشر يوما.
وفي هذه الايام جمع الوزير نظام الملك عشرة رجال من كبار
علماء السنة الذين يعتمد عليهم في التاريخ والفقهوالحديث
والاصول والجدل، كما احضر عشرة من كبار علماء الشيعة،
وكان ذلك في شهر شعبان في المدرسة النظاميةببغداد،
وتقرر ان ينعقد المؤتمر على الشروط التالية:
اولا: ان يستمر البحث من الصباح الى المساء باستثناء وقت
الصلاة والطعام والراحة.
ثانيا: ان تكون المحادثات مستندة الى المصادر الموثوقة
والكتب المعتبرة لا الى المسموعات والشائعات.
ثالثا: ان تكتب المحادثات التي تدور في هذا المؤتمر.
نص المناظرة
اليوم الاول
وفي اليوم المعين جلس الملك ووزيره وقواد جيشه وجلس
العلماء السنة عن يمينه كما جلس علماء الشيعة عن
يساره،وافتتح الوزير نظام الملك المؤتمر باسم اللّه الرحمن
الرحيم والصلاة على محمد وآله وصحبه..
ثم قال: لا بد ان يكون الجدال نزيها، وان يكون طلب الحق هو
رائد الجميع وان لا يذكر احد صحابة الرسول(ص) بسباو سوء.
قال كبير علماء السنة (وهو الملقب بالشيخ العباسي): اني لا
اتمكن ان احادث مذهبا يكفر كل الصحابة.
قال كبير علماء الشيعة (وهو الملقب بالعلوي): ومن هم الذين
يكفرون الصحابة؟
قال العباسي: انتم الشيعة هم اولئك الذين يكفرون كل
الصحابة.
قال العلوي: هذا الكلام منك خلاف الواقع، اليس من الصحابة
علي عليه السلام والعباس وسلمان وابن عباس والمقدادوابو
ذر وغيرهم، فهل نحن الشيعة نكفرهم؟
قال العباسي: اني قصدت بكل الصحابة ابا بكر وعمر وعثمان
واتباعهم.
قال العلوي: نقضت نفسك بنفسك، الم يقرر اهل المنطق ان
(الموجبة الجزئية نقيض السالبة الكلية) فانك تقول مرة:
انالشيعة يكفرون كل الصحابة، وتقول مرة: ان الشيعة يكفرون
بعض الصحابة.
وهنا اراد نظام الملك ان يتكلم لكن العالم الشيعي لم يمهله.
وقال: ايها الوزير العظيم لا يحق لاحد ان يتكلم الا اذا عجزنا
عن الجواب والا كان خلطا للبحث، واخراجا للكلام عنمجراه،
من دون نتيجة.
ثم قال العالم الشيعي: تبين ايها العباسي ان قولك ان الشيعة
يكفرون كل الصحابة كذب صريح.
ولم يتمكن العباسي من الجواب واحمر وجهه خجلا..
ثم قال: دعنا عن هذا ولكن هل انتم الشيعة تسبون ابا بكر وعمر
وعثمان؟
قال العلوي: ان في الشيعة من يسبهم وفيهم من لا يسبهم.
قال العباسي: وانت ايها العلوي من اي طائفة منهم؟
قال العلوي: من الذين لا يسبون ولكن رايي ان الذين يسبون
لهم منطقهم، وان سبهم لهؤلاء الثلاثة لا يوجب شيئا، لا
كفراولا فسقا ولا هو من الذنوب الصغيرة.
قال العباسي: اسمعت ايها الملك ماذا يقول هذا الرجل؟
قال العلوي: ايها العباسي ان توجيهك الخطاب الى الملك
مغالطة، فان الملك احضرنا لاجل التكلم حول الحججوالادلة لا
لاجل التحاكم الى السلاح والقوة.
قال الملك: صحيح ما يقوله العلوي، ما هو ردك ايها العباسي؟
قال العباسي: واضح ان من يسب الصحابة كافر.
قال العلوي: واضح عندك لا عندي، ما هو الدليل على كفر من
يسب الصحابة عن اجتهاد ودليل، الا تعترف ان من
يسبهالرسول يستحق السب؟
قال العباسي: اعترف.
قال العلوي: فالرسول سب ابا بكر وعمر.
قال العباسي: واين سبهم؟ هذا كذب على رسول اللّه.
قال العلوي: ذكر اهل التواريخ من السنة ان الرسول هيا جيشا
بقيادة (اسامة) وجعل في الجيش ابا بكر وعمر.
وقال: لعن اللّه من تخلف عن جيش اسامة، ثم ان ابا بكر وعمر
تخلفا عن جيش اسامة فشملهم لعن الرسول ومن يلعنهالرسول
يحق للمسلم ان يلعنه.
وهنا اطرق العباسي براسه ولم يقل شيئا.
فقال الملك (متوجها الى الوزير): وهل صح ما ذكره العلوي؟
قال الوزير: ذكر اهل التواريخ ذلك.
قال العلوي: واذا كان سب الصحابة حراما وكفرا، فلماذا لا
تكفرون معاويةبن ابي سفيان ولا تحكمون بفسقه وفجورهلانه
كان يسب الامام عليبن ابي طالب عليه السلام الى اربعين
سنة وقد سب الامام الى سبعين سنة!؟
قال الملك: اقطعوا هذا الكلام وتكلموا حول موضوع آخر.
قال العباسي: من بدعكم انتم الشيعة انكم لا تعترفون بالقرآن!
قال العلوي: بل من بدعكم انتم السنة انكم لا تعترفون بالقرآن
والدليل على ذلك انكم تقولون: ان القرآن جمعه عثمان،فهل
كان الرسول جاهلا بما عمله عثمان، حيث انه لم يجمع القرآن
حتى جاء عثمان وجمعه، ثم كيف ان القرآن لم يكنمجموعا في
زمن النبي وكان يامر قومه واصحابه بختم القرآن فيقول: من
ختم القرآن كان له (كذا) من الاجر والثواب، هليمكن ان يامر
بختم القرآن ما لم يكن مجموعا، وهل كان المسلمون في
ضلال حتى انقذهم عثمان؟
قال الملك (موجها كلامه الى الوزير) وهل يصدق العلوي ان
اهل السنة يقولون بان القرآن من جمع عثمان؟
قال الوزير: هكذا يذكر المفسرون واهل التواريخ.
قال العلوي: اعلم ايها الملك ان الشيعة يعتقدون ان القرآن
جمع في زمن الرسول(ص) كما تراه الان لم ينقص منه
حرفولم يزد فيه حرف اما السنة فيقولون ان القرآن زيد فيه
ونقض منه، وانه قدم واخر وان الرسول لم يجمعه وانما
جمعهعثمان لما تسلم الحكم وصار اميرا.
قال العباسي: (وقد انتهز الفرصة): هل سمعت ايها الملك ان
هذا الرجل لا يسمي عثمان خليفة وانما يسميه اميرا.
قال العلوي: نعم عثمان لم يكن خليفة.
قال الملك: ولماذا؟
قال العلوي: لان الشيعة يعتقدون بطلان خلافة ابي بكر وعمر
وعثمان!
قال الملك: (بتعجب واستفهام) ولماذا؟
قال العلوي: لان عثمان جاء الى الحكم بشورى ستة رجال
عينهم عمر وكل اهل الشورى الستة لم ينتخبوا عثمان
وانماانتخبه ثلاثة او اثنين منهم، فشرعية خلافة عثمان
مستندة الى عمر، وعمر جاء الى الحكم بوصية ابي بكر مستندة
الىالسلاح والقوة ولذا قال عمر في حقه: (كانت بيعة الناس
لابي بكر فلتة من فلتات الجاهلية وقى اللّه المسلمين شرها
فمنعاد اليها فاقتلوه).
وابو بكر نفسه كان يقول: (اقيلوني فلست بخيركم وعلي
فيكم) ولذا فالشيعة يعتقدون بان خلافة هؤلاء باطلة
مناساسها.
قال الملك: (موجها الكلام الى الوزير): وهل صحيح ما يقوله
العلوي من كلام ابي بكر وعمر؟
قال الوزير: نعم هكذا ذكر المؤرخون!
قال الملك: فلماذا نحن نحترم هؤلاء الثلاثة؟
قال الوزير: اتباعا للسلف الصالح!
قال العلوي الملك: ايها الملك قل للوزير: هل الحق احق ان
يتبع ام السلف؟ اليس تقليد السلف ضد الحق مشمولا
لقولهتعالى: قالوا (انا وجدنا آباءنا على امة وانا على آثارهم
مقتدون).
قال الملك (موجها الخطاب الى العلوي): اذا لم يكن هؤلاء
الثلاثة خلفاء لرسول اللّه فمن هو خليفة رسول اللّه؟
قال العلوي: خليفة رسول اللّه هو الامام عليبن ابي طالب.
قال الملك: ولماذا هو خليفة؟
قال العلوي: لان الرسول عينه خليفة من بعده، حيث انه(ص)
اشار الى خلافته في مواطن كثيرة جدا ومن جملتها لماجمع
الناس في منطقة بين مكة والمدينة يقال لها: (غدير خم) ورفع
يد علي وقال للمسلمين: من كنت مولاه فهذا عليمولاه اللهم
وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله،
ثم نزل عن المنبر وقال للمسلمين وعددهميزيد على مائة
وعشرين الف انسان : سلموا علي بامرة المؤمنين، فجاء
المسلمون واحدا بعد واحد وهم يقولون لعلي:السلام عليك يا
امير المؤمنين، فجاء ابو بكر وعمر وسلما على علي عليه السلام
بامرة المؤمنين وقال عمر: السلامعليك يا امير المؤمنين (بخ
بخ لك يا ابن ابي طالب اصبحت مولاي ومولى كل مؤمن
ومؤمنة).
فاذن الخليفة الشرعي لرسول اللّه(ص) هو علي بن ابي طالب.
قال الملك: (موجها الكلام الى الوزير) هل صحيح ما يذكره
العلوي؟
قال الوزير: نعم هكذا ذكر المؤرخون والمفسرون.
قال الملك: دعوا هذا الكلام، وتكلموا حول موضوع آخر.
قال العباسي: ان الشيعة يقولون بتحريف القرآن.
قال العلوي: بل المشهور عندكم ايها السنة انكم تقولون
بتحريف القرآن!
قال العباسي: هذا كذب صريح.
قال العلوي: الم ترووا في كتبكم انه نزلت على رسول اللّه آيات
حول (الغرانيق) ثم نسخت تلك الايات وحذفت منالقرآن؟
قال الملك (للوزير): وهل صحيح ما يدعيه العلوي؟
قال الوزير: نعم هكذا ذكر المفسرون.
قال الملك: فكيف يعتمد على قرآن محرف؟
قال العلوي: اعلم ايها الملك انا لا نقول بهذا الشيء وانما هذه
مقالة اهل السنة، وعلى هذا فالقرآن عندنا معتمد عليهلكن
القرآن عند السنة لا يمكن الاعتماد عليه!
قال العباسي: وقد وردت بعض الاحاديث في كتبكم وعن
علمائكم؟
قال العلوي: تلك الاحاديث اولا: قليلة، وثانيا: هي موضوعة
ومزورة وضعها اعدا الشيعة لتشويه سمعة الشيعة، وثالثا:رواتها
واسنادها غير صحيحة، وما نقل عن بعض العلماء، فلا يعتمد
على كلامهم، وانما علماؤنا العظام الذين نعتمدعليهم لا
يقولون بالتحريف ولا يذكرون كما تذكرون انتم حيث تقولون
ان اللّه انزل آيات في مدح الاصنام فقال وحاشاهذلك تلك
الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى.
قال الملك: دعوا هذا الكلام وتكلموا بغيره.
قال العدوي: والسنة ينسبون الى اللّه تعالى ما لا يليق بجلال
شانه.
قال العباسي: مثل ماذا؟
قال العلوي: مثل انهم يقولون: ان اللّه جسم، وانه مثل الانسان
يضحك ويبكي وله يد ورجل وعين وعورة ويدخل رجلهفي
النار يوم القيامة، وانه ينزل من السماوات الى سماء
الدنيا!.
قال العباسي: وما المانع من ذلك، والقرآن يصرح به يقول
تعالى: (وجاء ربك).
ويقول: (يوم يكشف عن ساق.
ويقول: (يد اللّه فوق ايديهم) والسنة وردت بان اللّه يدخل رجله
في النار!
قال العلوي: اما ما ورد في السنة والحديث فهو باطل عندنا
وكذب وافترا، لان ابا هريرة وامثاله كذبوا على رسولاللّه(ص)
حتى ان عمر منع ابا هريرة عن نقل الحديث وزجره.
قال الملك: موجها الخطاب الى الوزير : هل صحيح ان عمر
منع ابا هريرة عن نقل الحديث؟
قال الوزير: نعم منعه كما في التواريخ.
قال الملك: فكيف نعتمد على احاديث ابي هريرة؟
قال الوزير: لان العلماء اعتمدوا على احاديثه.
قال الملك: اذن: يجب ان يكون العلماء اعلم من عمر لان عمر
منع ابا هريرة عن نقل الحديث لكذبه على رسول اللّه،ولكن
العلماء ياخذون باحاديثه الكاذبة؟!
قال العباسي: هب ايها العلوي ان الاحاديث الواردة في السنة
حول اللّه غير صحيحة، ولكن ماذا تصنع بالاياتالقرآنية؟
قال العلوي: القرآن فيه آيات محكمات هن ام الكتاب واخر
متشابهات وفيه ظاهر وباطن فالمحكم الظاهر يعملبظاهره،
اما المتشابه فاللازم ان تنزله على مقتضى البلاغة من ارادة
المجاز والكناية والتقدير والا لا يصح المعنى لا عقلاولا شرعا
فمثلا: اذا حملت قوله تعالى (وجاء ربك) على ظاهره فقد
عارضت العقل والشرع لان العقل والشرع يحكمانبوجود اللّه
في كل مكان وانه لا يخلو منه مكان ابدا، وظاهر الاية تقول
بجسمية اللّه، والجسم له حيز ومكان، ومعنىهذا ان اللّه لو كان
في السماء خلا منه الارض ولو كان في الارض خلا منه السماء،
وهذا غير صحيح لا عقلا ولاشرعا.
قال العباسي: اني لا اقبل هذا الكلام، وعلينا ان ناخذ بظواهر
آيات القرآن.
قال العلوي: فما تصنع بالايات المتشابهات؟؟، ثم انك لا
يمكنك ان تاخذ بظاهر كل القرآن، والا لزم ان يكون
صديقكالجالس الى جنبك (وهو من علماء السنة وكان اعمى
البصر) من اهل النار؟
قال العباسي: ولماذا؟
قال العلوي: لان اللّه تعالى يقول: (ومن كان في هذه اعمى فهو
في الاخرة اعمى واضل سبيلا) فحيث ان الشيخ اعمىالان في
الدنيا فهو في الاخرة اعمى واضل سبيلا، فهل ترضى بهذا يا
شيخ يقصد الشيخ الاعمى ؟
قال الشيخ: كلا، كلا فان المراد (الاعمى) في الاية: المنحرف
عن طريق الحق.
قال العلوي: اذن: ثبت انه لا يتمكن الانسان ان يعمل بكل
ظواهر القرآن.
وهنا اشتد الجدال حول ظواهر القرآن، هذا والعلوي يفحم
العباسي بالادلة والبراهين.
قال الملك: دعوا هذا الموضوع وانتقلوا الى غيره.
قال العلوي: ومن انحرافاتكم واباطيلكم انتم السنة حول اللّه
سبحانه انكم تقولون: ان اللّه يجبر العباد على
المعاصيوالمحرمات ثم يعاقبهم عليها؟
قال العباسي: ان اللّه يقول: (ومن يضلل اللّه).
ويقول: (طبع اللّه على قلوبهم).
قال العلوي: اما كلامك انه في القرآن، فجوابه: ان القرآن فيه
مجازات وكنايات يجب المصير اليها، فالمراد (بالضلال) اناللّه
يترك الانسان الشقي ويهمله حتى يضل، وذلك مثل قولنا:
(الحكومة افسدت الناس) فالمعنى انها تركتهم لشانهمولم
تهتم بهم، هذا اولا وثانيا: الم تسمع قول اللّه تعالى: (ان اللّه لا
يامر بالفحشاء).
وقوله سبحانه: (انا هديناه السبيل اما شاكرا واما كفورا).
وقوله: (وهديناه النجدين).
وثالثا: لا يجوز عقلا ان يامر اللّه بالمعصية ثم يعاقب عليها، ان
هذا بعيد من عوام الناس فكيف من اللّه العادل المتعالسبحانه
وتعالى عما يقول المشركون والظالمون علوا كبيرا.
قال الملك: لا، لا يمكن ان يجبر اللّه الانسان على المعصية ثم
يعاقبه، ان هذا هو الظلم بعينه، واللّه منزه عن الظلموالفساد
(وان اللّه ليس بظلام للعبيد)، ولكن لا اظن ان اهل السنة
يلتزمون بمقالة العباسي؟
ثم يوجه الملك خطابه الى الوزير قائلا: هل اهل السنة يلتزمون
بذلك؟
قال الوزير: نعم المشهور بين اهل السنة ذلك!
قال الملك: كيف يقولون بما يخالف العقل؟
قال الوزير: لهم في ذلك تاويلات واستدلالات.
قال الملك: ومهما يكن من تاويل واستدلال، فلن يعقل ولا ارى
الا راي السيد العلوي بان اللّه لا يجبر احدا على الكفروالعصيان،
ثم يعاقبه على ذلك؟!
قال العلوي: ثم ان السنة يقولون ان رسول اللّه(ص) كان شاكا
في نبوته.
قال العباسي: هذا كذب صريح.
قال العلوي: الستم تروون في كتبكم ان رسول اللّه قال: (ما
ابطا علي جبرئيل مرة الا وظننت انه نزل على ابن الخطاب)مع
العلم ان هناك آيات كثيرة تدل على ان اللّه اخذ الميثاق من
النبي محمد(ص) على نبوته؟
قال الملك موجها الخطاب الى الوزير : هل صحيح ما يقوله
العلوي من ان هذا الحديث موجود في كتب السنة؟
قال الوزير: نعم يوجد في بعض الكتب.
قال الملك: هذا هو الكفر بعينه.
قال العلوي: ثم ان السنة ينقلون في كتبهم ان رسول اللّه(ص)
كان يحمل عائشة على كتفيه لتتفرج على
المطبلينوالمزمرين، فهل هذا يليق بمقام رسول اللّه ومكانته؟
قال العباسي: انه لا يضر.
قال العلوي: وهل انت تفعل هذا، وانت رجل عادي، هل تحمل
زوجتك على كتفك لتتفرج على الطبالين؟؟
قال الملك: ان من له ادنى حياء وغيرة لا يرضى بهذا فكيف
برسول اللّه وهو مثال الحياء والغيرة والايمان. فهل صحيحان
هذا موجود في كتب اهل السنة؟
قال الوزير: نعم موجود في بعض الكتب!
قال الملك: فكيف نؤمن بنبي يشك في نبوته؟
قال العباسي: لا بد من تاويل هذه الرواية؟
قال العلوي: وهل تصلح هذه الرواية؟، اعرفت ايها الملك ان اهل
السنة يعتقدون بهذه الخرافات والاباطيلوالخزعبلات؟
قال العباسي: واي اباطيل وخرافات تقصد؟
قال العلوي: لقد بينت لك انكم تقولون:
1- ان اللّه كالانسان له يد ورجل وحركة وسكون.
2- ان القرآن محرف فيه زيادة ونقصان.
3- ان الرسول يفعل ما لا يفعله حتى الناس العاديين من حمل
عائشة على كتفه.
4- ان الرسول كان يشك في نبوته.
5- ان الذين جاؤوا الى الحكم قبل عليبن ابي طالب استندوا
الى السيف والقوة في اثبات انفسهم، ولا شرعية لهم.
6- ان كتبهم تروي عن ابي هريرة وامثاله من الاباطيل.
قال الملك: دعوا هذا الموضوع وانتقلوا الى موضوع آخر.
قال العلوي: ثم ان السنة ينسبون الى رسول اللّه(ص) ما لا يجوز
حتى على الانسان العادي!
قال العباسي: مثل ماذا؟
قال العلوي مثل انهم يقولون: ان سورة (عبس وتولى) نزلت في
شان الرسول!
قال العباسي: وما المانع من ذلك؟
قال العلوي: المانع قول اللّه تعالى: (وانك لعلى خلق عظيم)
وقوله: (وما ارسلناك الا رحمة للعالمين)، فهل يعقل انالرسول
الذي يصفه اللّه تعالى بالخلق العظيم ورحمة للعالمين ان يفعل
بذلك الاعمى المؤمن هذا العملالانساني؟
قال الملك: غير معقول ان يصدر هذا العمل من رسول
الانسانية ونبي الرحمة، فاذن ايها العلوي: فيمن نزلت
هذهالسورة؟
قال العلوي: الاحاديث الصحيحة الواردة عن اهل بيت النبي
الذين نزل القرآن في بيوتهم تقول انها نزلت في
عثمانبنعفان، وذلك لما دخل عليه ابن ام مكتوم فاعرض
عنه عثمان وادار ظهره اليه.
وهنا انبرى السيد جمال الدين (وهو من علماء الشيعة وكان
حاضرا في المجلس) وقال: قد وقعت لي قصة مع هذهالسورة
وذلك: ان احد علماء النصارى قال لي: ان نبينا عيسى افضل
من نبيكم محمد(ص) قلت لماذا؟
قال: لان نبيكم كان سيىء الاخلاق يعبس للعميان ويدير اليهم
ظهره، بينما نبينا عيسى كان حسن الاخلاق يبرىء
الاكمهوالابرص.
قلت: ايها المسيحي اعلم اننا نحن الشيعة نقول ان السورة
نزلت في عثمانبن عفان لا في رسول اللّه(ص)، وان
نبينامحمد(ص) كان حسن الاخلاق، جميل الصفات، حميد
الخصال.
وقد قال فيه تعالى: (وانك لعلى خلق عظيم).
وقال: (وما ارسلناك الا رحمة للعالمين).
قال المسيحي: لقد سمعت هذا الكلام الذي قلته لك من احد
خطباء المسجد في بغداد!
قال العلوي: المشهور عندنا ان بعض رواة السوء وبائعي الضمائر
نسبوا هذه القصة ليبرؤا ساحة عثمانبن عفان فانهم نسبوا
الكذب إلى اللّه والرسول حتى ينزهوا خلفاءهم وحكامهم!
هذا ما جاء في اليوم الأول
وسوف اكتب لكم ماجاء في اليوم الثاني والثالث لاحقا
تعليق