احسنت وفقك الله لكل خير وبارك سعيك
X
-
المناظرة الثالثة
مناظرة الشيخ المفيد حول زواج المتعة
قال الشيخ المفيد رحمه اللّه تعالى:
حضرت دار بعض قواد الدولة وكان بالحضرة شيخ من
الإسماعيلية يعرف بابن لؤلؤ، فسألني: ما الدليل
علىإباحة المتعة؟
فقلت له الدليل على ذلك قوله اللّه جل جلاله (واحل لكم ما
وراء ذلكم ان تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين،
فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح
عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة ان اللّه كان
عليما حكيما) فاحل جل اسمه نكاح المتعة بصريح لفظها وبذكر
أوصافه من الأجر عليها والتراضي بعد الفرض له من الازدياد في
الأجل وزيادة في الأجر فيها.
فقال: ما أنكرت أن تكون هذه الآية منسوخة بقوله تعالى:
(والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما
ملكتأيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك
هم العادون) فحظر اللّه تعالى النكاح إلا لزوجة أو ملك
يمين،وإذا لم تكن المتعة زوجة ولا ملك يمين فقد اسقط قول
من أحلها.
فقلت له: قد اخطات في هذه المعارضة من وجهين:
الاول: انك ادعيت ان المستمتع بها ليست بزوجة ومخالفك
يدفعك عن ذلك ويثبتها زوجة في الحقيقة.
الثاني: ان سورة المؤمنون مكية وسورة النساء مدنية والمكي
متقدم للمدني فكيف يكون ناسخا له وهو متاخر عنه،وهذه
غفلة شديدة.
فقال: لو كانت المتمتع بها زوجة لكانت ترث ويقع بها الطلاق
وفي اجماع الشيعة على انها غير وارثة ولا مطلقة دليلعلى
فساد هذا القول.
فقلت له: وهذا ايضا غلط منك في الديانة، وذلك ان الزوجة لم
يجب لها الميراث ويقع بها الطلاق من حيث كانت زوجةفقط،
وانما حصل لها ذلك بصفة تزيد على الزوجية والدليل على
ذلك ان الامة اذا كانت زوجة لم ترث والذمية لا ترثوالامة
المبيعة تبين بغير طلاق، والملاعنة تبين ايضا بغير طلاق،
وكذلك المختلعة والمرتد عنها زوجها والمرضعة قبلالفطام
بما يوجب التحريم من لبن الام، والزوجة تبين بغير طلاق،
وكل ما عددناه زوجات في الحقيقة.
فقال صاحب الدار وهو رجل اعجمي لا معرفة له بالفقه وانما
يعرف الظواهر، انا اسالك في هذا الباب عن مسالة خبرنيهل
تزوج رسول اللّه(ص) متعة، او تزوج امير المؤمنينعليه السلام
متعة؟
فقلت له: لم يات بذلك خبر ولا علمته.
فقال: لو كان في المتعة خير ما تركها رسول اللّه(ص) وامير
المؤمنينعليه السلام.
فقلت له: ايها القائل ليس كل ما لم يفعله رسول اللّه(ص) كان
محرما، وذلك ان رسول اللّه(ص) والائمة(ع) كافة لميتزوجوا
بالاماء ولا نكحوا الكتابيات ولا خالعوا ولا تزوجوا ولا نكحوا
السند ولا اتجروا الى الامصار ولا جلسوا باعةللتجار وليس ذلك
كله محرما، ولا منه شيء محظور الا ما خصت به الشيعة دون
مخالفيها من القول في نكاحالكتابيات.
فقال: فدع هذا واخبرني عن رجل ورد منكم يريد الحج
فدخل الى مدينة السلام، فاستمتع فيها بامراة ثمانقضى اجلها
فتركها وخرج الى الحج وكانت حاملا منه ولم يعلم بحالها فحج
ومضى الى بلده، وعاد بعد عشرين سنةوقد ولدت بنتا وشبت
ثم عاد الى مدينة السلام فوجد فيها تلك الابنة فاستمتع بها
وهو لا يعلم، اليس يكون قد نكحابنته وهذا فظيع جدا؟
فقلت له: ان اوجب هذا الذي ذكرته تحريم المتعة وتقبيحها،
فلقد اوجب تحريم نكاح الميراث وكل نكاح وتقبيحه،وذلك انه
قد يتفق في مثل ما وصفت وجعلته طريقا الى حظر المتعة،
وذلك انه لا يمنع ان يخرج رجل من اهل السنةواصحاب
احمدبن حنبل من خوارزم قاصدا للحج فينزل مدينة دار
السلام ويحتاج الى النكاح فيستدعي امراة منجيرانه حنبلية
سنية فيسالها ان تلتمس له امراة ينكحها فتدله على امراة شابة
ستيرة ثيب لا ولي لها فيرغب فيها وتجعلالمراة امرها الى امام
المحلة وصاحب مسجدها فيحضر رجلين ممن يصل معه
ويعقد عليها النكاح للخوارزمي السنيالذي لا يرى المتعة،
ويدخل بالمراة ويقيم معها الى وقت رحيل الحج الى مكة،
فيستدعي الشيخ الذي عقد عليهالنكاح فيطلقها بحضرته
ويعطيهم عدتها وما يجب عليه من نفقتها ثم يخرج فيحج
وينصرف من مكة على طريق البصرةويرجع الى بلده، وقد
كانت المراة حاملا وهو لا يعلم، فيقيم عشرين سنة ثم يعود الى
مدينة السلام للحج فينزل في تلكالمحلة بعينها ويسال عن
العجوز فيفقدها لموتها او لسبب ما فيسال عن غيرها فتاتيه
قرابة لها او نظيرة لها في الدلالةفتذكر له جارية هي ابنة
المتوفاة بعينها فيرغب فيها، ويعقد عليها كما عقد على امها
بولي وشاهدين ثم يدخل بها فيكونقد وطىء ابنته فيجب على
القائل ان يحرم لهذا الذي ذكرناه كل نكاح.
فقال السائل اولا: عندنا انه يجب على هذا الرجل ان يوصي الى
جيرانه باعتبار حالها وهذا يسقط هذه الشناعة.
فقلت له: ان كان هذا عندكم واجبا فعندنا اوجب منه واشد
لزوما ان يوصي المستمتع ثقة من اخوانه في البلد باعتبارحال
المستمتع بها فان لم يجد اخا يوصي قوما من اهل البلد، ويذكر
انها كانت زوجته ولم يذكر المتعة وهذا شرط عندنا،فقد سقط
ايضا ما توهمته.
ثم اقبلت على صاحب المجلس وقلت له: ان امرنا مع هؤلاء
المتفقهة عجيب، وذلك انهم مطبقون على تبديعنا فينكاح
المتعة مع اجماعهم على ان رسول اللّه(ص) قد كان اذن فيها
وانها عملت على عهده ومع ظاهر كتاب اللّه عزوجل في
تحليلها واجماع آل محمدعليه السلام على اباحتها والاتفاق
على ان عمر هو الذي حرمها في ايامه مع اقرارهبانها كانت
حلالا على عهد الرسول(ص) فلو كنا على ضلالة فيها لكنا في
ذلك على شبهة تمنع ما يعتقده المخالف فينامن الضلال
والبراءة منا..
وقال الشيخ المفيد: فقد كنت استدللت بالاية التي قدمت
تلاوتها على تحليل المتعة في مجلس كان صاحبه رئيس
زمانهفاعترض ابو القاسم الدراكي: فقال: ما انكرت ان يكون
المراد بقوله تعالى: (فما استمتعتم به منهن فآتوهن
اجورهنفريضة). انما اراد به نكاح الدوام واشار بالاستمتاع الى
الالتذاذ دون نكاح المتعة الذي تذهب اليه.
فقلت له: ان الاستمتاع وان كان في الاصل هو الالتذاذ فانه اذا
علق بذكر النكاح واطلق بغير تقييد لم يرد به الا نكاحالمتعة
خاصة لكونها علما عليها في الشريعة وتعارف اهلها، الا ترى انه
لو قال قائل نكحت امس امراة متعة، او هذهالمراة نكاحي لها، او
عقدي عليها متعة، او ان فلانا يستحل نكاح المتعة لما فهم من
قوله الا النكاح الذي يذهب اليهالشيعة خاصة، وان كانت المتعة
قد تكون بوطء الاماء والحرائر على الدوام كما ان الوطء في اللغة
هو وطء القدموممارسة باطنه للشيء على سبيل الاعتماد.
ولو قال قائل وطئت جاريتي، ومن وطىء امراة غيره فهو زان
وفلان يطا امراته وهي حائض، لم يعقل من ذلك مطلقاعلى
اصل الشريعة الا النكاح دون وطء القدم وكذلك الغائط هو
الشيء المحوط، وقيل هو الشيء المنهبط.
ولو قال قائل هل يجوز ان آتي الغائط ثم لا اتوضا واصلي، او قال
فلان اتى الغائط ولم يستبرىء لم يفهم من قوله الاالحديث
الذي يجب منه الوضوء واشباه ذلك مما قد قرر في الشريعة،
واذا كان الامر على ما وصفناه فقد ثبت ان اطلاقلفظ نكاح
المتعة لا يقع الا على النكاح الذي ذكرناه، وان كان الاستمتاع
في اصل اللغة هو الالتذاذ كما قدمناه.
فقال القاضي ابو محمد بن معروف معترضا: هذا الاستدلال
يوجب عليك ان لا يكون اللّه تعالى احل بهذه الاية غيرنكاح
المتعة، لانها لا تتضمن سواه وفي الاجماع على انتظامها
تحليل نكاح الدوام دليل على بطلان ما اعتمدته.
فقلت له: ليس يدخل هذا الكلام على اصل الاستدلال ولا
يتضمن معتمدي ما الزمنيه القاضي فيه وذلك ان قولهسبحانه:
(واحل لكم ما وراء ذلكم ان تبتغوا باموالكم محصنين غير
مسافحين) يتضمن تحليل المناكح المخالفة للسفاحفي
الجملة ويدخل فيه نكاح الدوام من الحرائر والاماء، ثم يختص
نكاح المتعة بقوله تعالى: (فما استمتعم به منهنفآتوهن
اجورهن فريضة) ويجري ذلك مجرى قول القائل (وقد حرم اللّه
عليك نساء باعيانهن، واحل لكم ما عداهنفان استمتعت منهن
فالحكم فيه كذا وكذا، وان نكحت الدوام فالحكم فيه كيت
وكيت) فيذكر فيه المحللات في الجملة،وتبين له حكم نكاح
بعضهن كما ذكرهن له، ثم بين له احكام نكاحهن كلهن. فما
اعلمه زاد عليها شيئا..
ثم قال الشيخ المفيد قد كنت حضرت مجلس الشريف ابي
الحسن احمدبن القاسم المحمدي وحضره ابو القاسمالدراكي،
فساله بعض الشيعة عن الدلالة على تحريم نكاح المتعة عنده
فاستدل بقول اللّه تعالى: (والذين هم لفروجهمحافظون الا
على ازواجهم او ما ملكت ايمانهم فانهم غير ملومين، فمن
ابتغى وراء ذلك فاولئك هم العادون) والمتعةباتفاق الشيعة
ليست بزوجة ولا بملك يمين فبطل ان تكون حلالا..
فرد السائل: ما انكرت ان تكون زوجة، وما حكيته عن الشيعة
في ذلك لا اصل له.
فقال الداركي: لو كانت زوجة لكانت وارثة لان الاتفاق حاصل
على ان كل زوجة فهي وارثة وموروثة الا ما اخرجه الدليلفي
الامة والذمية والقاتلة.
فرد عليه السائل: ما انكرت ان تكون المتعة ايضا زوجة تجري
مجرى الذمية والرق والقاتلة في خروجها عن
استحقاقالميراث، وضايقه في هذه المطالبة.
فلما طال الكلام بينهما في هذه النكتة تردد وقال الداركي:
الدليل على انها ليست بزوجة ان القاصد الى الاستمتاع بها
اذاقال لها تمتعيني نفسك فانعمت له حصلت متعة ليس بينها
وبينه ميراث ولا يلحقها الطلاق..
واذا قال لها زوجيني نفسك فانعمت حصلت زوجية يقع بها
الطلاق ويثبت بينها وبينه الميراث، فلو كانت المتعة زوجةما
اختلف حكمها باختلاف الالفاظ ولا وقع الفرق بين احكامها
بتغاير الكلام لوجب ان يقع الاستمتاع في العقد بلفظالتزويج
ويقع التزويج بلفظ الاستمتاع، وهذا باطل باجماع الشيعة وما
هم عليه في الاتفاق فلم يدر السائل ما له لعدمفقهه وضعف
بصيرته باهل المذهب.
فرد عليه الشيخ المفيد قائلا للداركي: لم زعمت ان الاحكام قد
تتغير باختلاف ما ذكرت في الكلام وما انكرت ان يكونالعقد
عليها بلفظ الزوجية وان يكون لفظ الزوجية يقوم مقام لفظ
الاستمتاع فهل تجد لما ادعيت في هذين الامرينبرهانا وعليه
دليلا او فيه بيان، وبعد فكيف استجزت ان تدعى، اجماع
الشيعة على ما ذكرت ولم يسمع ذلك احد منهمولا قرات لهم
في كتاب ونحن معك في المجلس نفتي بانه لا فرق بين
اللفظين في باب العقد للنكاح سواء كان نكاحالدوام او نكاح
الاستمتاع وانما الفصل بين النكاحين في اللفظ من جهة الكلام
ذكر الاجل في نكاح الاستمتاع وتركذكره في الميراث، فلقد
قال: تمتعيني نفسك ولم يذكر الاجل لوقع نكاح الميراث ولا
ينحل الا بالطلاق، ولو قالتزوجيني نفسك الى اجل كذا
فانعمت به لوقع نكاح الاستمتاع، وهذا ما ليس فيه بين الشيعة
خلاف فلم يرد شيئا تجبحكايته وظهر عليه بحمد اللّه.
- اقتباس
- تعليق
تعليق
اقرأ في منتديات يا حسين
تقليص
المواضيع | إحصائيات | آخر مشاركة | ||
---|---|---|---|---|
أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, 02-05-2025, 09:44 PM
|
استجابة 1
11 مشاهدات
0 معجبون
|
آخر مشاركة
بواسطة ibrahim aly awaly
02-05-2025, 09:48 PM
|
||
أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, 02-05-2025, 07:21 AM
|
ردود 2
13 مشاهدات
0 معجبون
|
آخر مشاركة
بواسطة ibrahim aly awaly
02-05-2025, 07:23 AM
|
تعليق