إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

كتاب( لاكون مع الصادقين ) للتيجاني/

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كتاب( لاكون مع الصادقين ) للتيجاني/

    اخواني الاعزاء انقل لكم كتاب التيجاني لاكون مع الصادقين وذلك من خلال مجموعة مشاركات ليكون مقروءا ضمن واجهة المنتدى * مع احترامي وتقديري اللا محدود لكم اخوتي
    **************************************************
    لأكون مع الصادقين
    تأليف:
    الدكتور محمد التيجاني السماوي
    {5}
    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين، المتفضّل علينا بالهداية والعناية والتمكين، والمنعم على عباده بكل خير وسعادة ليكونوا صالحين، من توكّل عليه كفاه وحفظه من كيد الشياطين، ومن تنكّب عن صراطه فهو من المخذولين.
    والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، ناصر المستضعفين والمظلومين، وحبيب المساكين الذين آمنوا بالله رغبة فيما أعدّه سبحانه لعباده الصادقين..
    وعلى آله الطيبين الطاهرين، الذين أعلا الله مقامهم على سائر المخلوقين، ليكونوا قدوة العارفين، ومنار الهدى وسفينة النجاة التي من تخلف عنها كان من الهالكين..
    .. ثم الرضا والرضوان على أصحابه الميامين الذين بايعوه وناصروه ولم يكونوا من الناكثين، وثبتوا بعده على العهد وما بدلوا وما انقلبوا وكانوا من الشاكرين.. وعلى من تبعهم باحسان وسار على هديهم من الأولين واللآخرين إلى قيام يوم الدين.
    {6}
    رب اشرح لي صدري ويسّر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقه قولي.
    رب وافتح بصيرة كل من يقرأ كتابي على الحقيقة التي تهدي بها عبادك المخلصين.
    أما بعد؛ فقد لقي كتابي «ثم اهتديت» قبولاً حسناً لدى القراء الأعزاء الذين أبدوا بعض الملاحظات الهامة حول موضوعات متفرقة في الكتاب المذكور وطلبوا المزيد من التوضيح في المسائل التي اختلف في فهمها كثير من المسلمين سنة وشيعة؛ ومن أجل رفع اللبس والغموض عن ذلك لمن أراد التحقيق والوقوف على جليّة الأمر فقد ألّفت هذا الكتاب بنفس الأسلوب الذي اتبعته هناك، ليسهل على الباحث المنصف الوصول إلى الحقيقة من أقرب سبلها، كما وصلت إليها من خلال البحث والمقارنة؛ وقد اسميته -على بركة الله- «مع الصادقين» اقتباساً من قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين).
    ومن من المسلمين يرفض أو يزهد في أن يكون مع أولئك الصادقين؟!
    هذا ما اقتنعت به شخصياً، وما أحاول توضيحه لغيري ما استطعت ألى ذلك سبيلاً، دون فرض لرأيي بل ومع احترامي لرأي غيري، فالله وحده الهادي وهو الذي يتولى الصالحين..
    وقد اعترض البعض على عنوان الكتاب السابق«ثم اهتديت» لانطوائه على غموض قد يبعث على التأمل والتساؤل حول ما إذا كان الآخرون على ضلالة؛ وما مدلول تلك الضلالة إن قصد هذا المعنى؟ وعلى هذا الإعتراض أجيب موضحاً:
    أولاً: جاء في القرآن الكريم لفظ الضلالة بمعنى النسيان؛ قال تعالى: (قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى)(1) وقال عز وجل: (أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى)(2). كما ورد في القرآن الكريم
    ______________________________
    (1) طه 52
    (2) البقرة 282.
    {7}
    لفظ الضلالة تعبيراً عن حالة التحقيق والبحث والتفتيش؛ قال تعالى مخاطباً رسوله الكريم: (ووجدك ضالاً فهدى)(1) أي وجدك تبحث عن الحقيقة فهداك إليها؛ والمعروف من سيرته صلى الله عليه وآله وسلم أنه قبل نزول الوحي عليه كان يهجر قومه في مكة ليختلي في غار حراء الليالي العديدة باحثاً عن الحقيقة.
    ومن هذا المعنى أيضاً قوله صلى الله عليه وآله وسلم:
    «الحكمة ضالة المؤمن أين ما وجدها أخذها»
    فعنوان كتابي الأول يتضمن هذا المعنى..
    ثانياً: وعلى فرض أن العنوان يتضمن معنى الضلالة التي تقابل الهداية فيما نقصده على المستوى الفكري من إصابة المنهج الإسلامي الصحيح الذي يضعنا على الصراط المستقيم، كما عقّب بعض القراء بذلك؛ فليكن كذلك، وهو الواقع الذي يتهيّب مواجهته البعض بروح رياضية بنّاءة، ونفس موضوعيّ خلّاق.. ينسجم في الفهم مع قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:
    «تركت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً».
    فالحديث واضح وصريح في الإشارة إلى ضلال من لم يتمسك بهما معاً (الكتاب والعترة).
    وعلى كل حال فأنا مقتنع بأنني اهتديت بفضل الله سبحانه وتعالى إلى التمسك بكتاب الله وعترة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؛ فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، لقد جاءت رسل ربنا بالحق.
    فكتابي الأول والثاني يحملان عناوين من القرآن الكريم وهو أصدق الكلام وأحسنه، وكل ما جمعته في الكتابين - إن لم يكن الحق فهو أقرب ما يكون إليه -
    ______________________________
    (1) الضحى 7.
    {8}
    لأنه مما اتفق عليه المسلمون سنة وشيعة وما ثبت عند الفريقين أنه صحيح. فكانت النتيجة ولادة هذين الكتابين بحمد الله «ثم اهتديت ولأكون مع الصادقين»
    والله أسأل أن يهدي أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم أجمعهم حتى يكونوا خير أمة ويقودوا العالم بأسره إلى النور والهداية تحت لواء الإمام المهدي المنتظر الذي وعدنا به جده صلى الله عليه وآله وسلم ليملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً وليتم نوره ولو كره الكافرون.

  • #2
    المقدمة
    بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا ومولانا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
    أما بعد فإن الدين يعتمد بنحو أساسي على العقائد التي تكون منه مجموعة الأصول والمرتكزات التي يؤمن بها معتنقوا هذا الدين أو ذاك. والتي لابد أن يقوم إيمانهم بها على الدليل القاطع والبرهان الجلي الذي ينطلق من المسلمات العقلية التي يؤمن بها جميع الناس، ليتسنى له إقناعهم بما يدعوهم إليه، ورغم ذلك فإنه ثمة أفكار يصعب على العالم تفسيرها.. مثلما يصعب على العقل التصديق بها عند الوهلة الأولى، من ذلك مثلاً أن تكون النار «برداً وسلاماً» في حين أن العلم والعقل يتفقان على أنها حرارة مهلكة، أو أن تقطع الطير إلى أجزاء متناثرة فوق الجبال ثم تدعى فتأتي تسعى، في حين أن العلم والعقل يستبعدان ذلك؛ أو أن يشفى الأعمى والأبرص والأكمه بمجرد مسح عيسى (ع)، بل وإحياء الموتى، في حين أن العلم والعقل لا يجدان تفسيراً لهذا.. وهي أمور تندرج في باب المعجزات التي أجراها الله تعالى على أيدي أنبيائه (عليهم السلام)، وهي موجودة لدى المسلمين واليهود والنصارى..
    {10}
    وإنما أجرى الله سبحانه وتعالى تلك المعجزات والخوارق على أيدي أنبيائه ورسله عليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام، ليفهم العباد بأن عقولهم قاصرة عن الإدراك والإحاطة بكل شيء، لأنه سبحانه لم يؤتهم من العلم إلا قليلاً، ولعل في ذلك صلاحهم وكمالهم النسبي، فقد كفر الكثير بنعمة الله وأنكر الكثير وجوده سبحانه، واعتز الكثير منهم بالعلم والعقل حتى عبدوهما من دون الله، هذا مع قلة العلم وقصور العقل، فكيف لو أعطاهم علم كل شيء؟!
    ونظراً لأهمية العقيدة ومركزيتها في إيمان المسلم فإن كتابي هذا قد تناول جملة من العقائد الإسلامية التي وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، والتي كانت مسرحاً لاختلاف فرق المذاهب الإسلامية؛ فعقدت فصلاً خاصاً بمعتقدات أهل السنة والشيعة في القرآن الكريم والسنة النبوية؛ ثم تطرقت بعد ذلك لسائر المسائل التي اختلفوا فيها وشنّع بعضهم على البعض الآخر بدون مبرر؛ هادفاً من ذلك بيان ما رأيته الحق، راغباً في مساعدة من يريد البحث عنه، آملاً أن يساهم ذلك في قيام الوحدة الإسلامية على اساس فكري متين، والله أسأل أن يوفقنا جميعاً لما يحب ويرضى ويجمع كلمة المسلمين على الصواب إنه عزيز قدير..
    القرآن الكريم عند أهل السنة والجماعة وعند الشيعة الامامية الإثني عشرية
    هو كلام الله المنزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو المرجع الأعلى للمسلمين في أحكامهم وعباداتهم وعقائدهم؛ من شك فيه أو أهانه فقد برئ من ذمة الإسلام، فهم - المسلمون كافة - متفقون على تقديسه واحترامه والتعبد بما ورد فيه..
    ولكنهم اختلفوا في تفسيره وتأويله، ومرجع الشيعة في التفسير والتأويل يعود إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشروحات الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام)، ومرجع أهل السنة والجماعة يعود إلى أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً ولكنهم يعتمدون على الصحابة - دون تمييز - أو أحد الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المعروفة في نقل الأحاديث وشرحها وتفسيرها..
    وبطبيعة الحال نشأ من ذلك اختلاف في العديد من المسائل الإسلامية وخصوصاً الفقهية منها، وإذا كان الإختلاف بين المذاهب الأربعة من مدرسة أهل السنة والجماعة ظاهراً، فلا غرابة في أن يكون بينهم وبين مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) أظهر..
    {12}
    وكما ذكرت في مستهل الكتاب فإنني سوف لن أتطرق إلا إلى بعض الأمثلة بغية الاختصار، وعلى من يريد البحث والاستزادة أن يغوص في أعماق البحر لاستخراج ما يمكنه من الحقائق الكامنة والجواهر المخفية!
    يتفق أهل السنة مع الشيعة في القول بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيّن للمسلمين كل أحكام القرآن وفسّر كل آياته، ولكنهم اختلفوا فيمن ينبغي الرجوع إليه بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بغية التعرّف إلى ذلك البيان والتفسير، فذهب أهل السنة إلى الإعتماد على الصحابة - دون تمييز - ومن بعدهم الأئمة الأربعة وعلماء الأمة الأسلامية؛ أما الشيعة فقالوا: أن الأئمة من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم هم المؤهلون لذلك وصفوة من الصحابة المنتجبين؛ فأهل البيت (عليهم السلام) هم أهل الذكر الذين أمرنا الله تعالى بالرجوع إليهم في قوله عز وجل: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)(1) وهم الذين اصطفاهم الله تعالى وأورثهم علم الكتاب في قوله عز وجل: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا)(2) ولكل ذلك جعلهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عدل القرآن والثقل الثاني الذي أمر المسلمين بالتمسك به فقال صلى الله عليه وآله وسلم:
    «تركت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً»(3).
    وفي لفظ مسلم كتاب الله أهل بيتي - اذكّركم الله في أهل بيتي قالها ثلاث مرات(4).
    ______________________________
    (1) النحل: آية 43؛ تفسير الطبري ج 14 ص 109 وتفسير ابن كثير ج 2 ص 570.
    (2) فاطر آية 32.
    (3) أخرجه الترمذي في صحيحة ج 2 ص 329 والنسائي والإمام أحمد.
    (4) صحيح مسلم ج 2 ص 362 باب فضائل علي بن أبي طالب.

    تعليق


    • #3
      {13}
      ومن المعلوم أن أهل البيت (عليهم السلام) كانوا أعلم الناس وأورعهم وأتقاهم وأفضلهم؛ وقد قال فيهم الفرزدق:
      إن عدّ أهل التقى كانوا أئمتهم *** أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم
      وأسوق هنا مثالاً واحداً للتذكير بطبيعة الرابطة بين أهل البيت (عليهم السلام) والقرآن الكريم؛ فقد قال تعالى: (فلا أقسم بمواقع النجوم. وإنه لقسم لو تعلمون عظيم. إنه لقرآن كريم. في كتاب مكنون. لا يمسه إلا المطهرون)(1).
      فهذه الآيات تشير بدون لبس إلى أن أهل البيت (عليهم السلام) - وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - هم الذين يدركون معاني القرآن الغامضة، لأنا لو أمعنا النظر في القسم الذي أقسم به رب العزة والجلالة لوجدنا ما يلي: إذا كان الله تعالى يقسم بالعصر وبالقلم وبالتين وبالزيتون فعظمة القسم بمواقع النجوم بيّنة لما تنطوي عليه من أسرار وتأثير على الكون بأمره سبحانه، ونلاحظ تعزيز القسم في صيغة النفي والإثبات؛ فبعد القسم يؤكد سبحانه: أنه لقرآن كريم. في كتاب مكنون، والمكنون ما كان باطناً ومستتراً، ثم يقول عز وجل: (لا يمسه إلا المطهرون)؛ و (لا) هنا للنفي، ويمسه تعني يدركه ويفهمه وليس المقصود بها لمس اليد، فهناك فرق بين اللمس والمس. قال تعالى: (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكّروا فإذا هم مبصرون)(2)
      وقال أيضاً عز من قائل: (والذي يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس)(3)، فالمس هنا يتعلق بالعقل والإدراك لا بلمس اليد؛ وكيف يقسم الله سبحانه وتعالى بأن لا يلمس القرآن (باليد) إلا من تطهر، والتاريخ يحدثنا بأن بعض الجبارين قد عبثوا به ومزقوه، وقد شاهدنا الإسرائيليين يدوسونه بأقدامهم - نستجير بالله - ويحرقونه عندما
      ______________________________
      (1) الواقعة: آية 75 - 79.
      (2) الأعراف: أية 201.
      (3) البقرة: آية 275.
      {14}
      احتلوا بيروت في اجتياحهم سيء الصيت، وقد نقلت أجهزة التلفزة عن ذلك صوراً بشعة ومذهلة. فالمدلول لقوله تعالى هو أنه لا يدرك معاني القرآن المكنون إلا نخبة من عباده الذين اصطفاهم وطهرهم تطهيراً، والمطهرون في هذه الآية اسم مفعول أي وقع تطهيرهم، وقد قال عزوجل: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)(1)
      فقوله تعالى: (لا يمسه إلا المطهرون) معناه: لا يدرك حقيقة القرآن إلا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته (عليهم السلام)، ولذلك قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
      «النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمتي من الإختلاف فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس»(2).
      وما يذهب إليه الشيعة في ذلك يستند إلى القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم المروية حتى في صحاح أهل السنة كما وجدنا.
      ______________________________
      (1) الأحزاب: آية 33.
      (2) أخرجه الحاكم في المستدرك ج 3 ص 149 عن ابن عباس وقال هذا حديث صحيح الإسناد.
      السنة النبوية الشريفة عند أهل السنة والجماعة وعند الشيعة الإمامية
      هي كل ما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو فعله، أو أقرّه. وهي المرجع الثاني عندهم بعد القرآن الكريم في أحكامهم وعباداتهم وعقائدهم.
      يضيف أهل السنة والجماعة إلى السنة النبوية سنة الخلفاء الراشدين الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وذلك لحديث يروونه:
      «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضّوا عليها بالنواجذ»(1)
      وليس أدل على ذلك من إتباعهم سنة عمر بن الخطاب في صلاة التراويح التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(2). والبعض منهم يضيفون إلى سنة الرسول سنة الصحابة بأجمعهم (أي صحابي كان) وذلك لحديث - يروونه:
      ______________________________
      (1) مسند الإمام بن حنبل ج 4 ص 126.
      (2) صحيح البخاري ج 7 ص 99 باب ما يجوز من الغضب والشدة لأمر الله.
      {16}
      «أصحابي كالنجوم بأيهم إقتديتم إهتديتم» وحديث «أصحابي أمنة لأمتي»(1)
      أما حديث أصحابي كالنجوم فهو لا ينسجم مع العقل والمنطق والحقيقة العلمية إذ أن العرب لم يكونوا ليهتدوا في مسيرهم الصحراوي لمجرد اقتدائهم بأي نجم من النجوم وإنما كانوا يهتدون باتباع نجوم معينة محددة معروفة لها اسماؤها، كما أن هذا الحديث لا تؤيده الأحاديث اللاحقة والممارسات التي بدت من بعض الصحابة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإن منهم من ارتد(2)، كما أنهم اختلفوا في كثير من الأمور التي سببت الطعن (بعضهم في بعض)(3)، ولعن بعضهم بعضاً(4)، وقتل بعضهم بعضاً(5)، وأقيم الحد على بعض (الصحابة) لشرب الخمر والزنا والسرقة وغير ذلك؛ فكيف يقبل عاقل بهذا الحديث الذي يأمر بالإقتداء بمثل هؤلاء؟ وكيف يكون من يقتدي بمعاوية الخارج على إمام زمانه أمير المؤمنين في حربه للإمام علي (عليه السلام) مهتدياً؟ وهو يعلم أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم سمّاه إمام الفئة الباغية(6)؟ وكيف يكون من المهتدين من يقتدي بعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وبسر بن أرطاة وقد قتلوا الأبرياء لتدعيم ملك الأمويين. وأنت أيها القارئ اللبيب إذا قرأت حديث أصحابي كالنجوم يتبيّن لك أنه موضوع لأنه موجّه إلى الصحابة فكيف يقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يا أصحابي اقتدوا باصحابي؟!..
      أما حديث يا أصحابي عليكم بالأئمة من أهل بيتي فهم يهدونكم من بعدي فهو أقرب إلى الحق لأنه له شواهد عديدة تؤيده في السنة النبوية...
      ______________________________
      (1) صحيح مسلم في كتاب فضائل الصحابة ومسند أحمد بن حنبل ج 4 ص 398.
      (2) كالذين حاربهم أبو بكر وسمّوا بأهل الردة.
      (3) كما طعن أكثر الصحابة في عثمان حتى قتلوه.
      (4) كما فعل ذلك معاوية الذي كان يأمر بلعن علي.
      (5) كحروب الجمل وصفين والنهروان وغيرها.
      (6) حديث «ويح عمار تقتله الفئة الباغية»
      {17}
      والشيعة الإمامية يقولون بأن المقصود بحديث «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي» هم الأئمة الإثنا عشر من أئمة أهل البيت سلام الله عليهم وهم الذين أوجب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، على أمته أن تتمسك بهم وتتبعهم كما تتمسك وتتبع كتاب الله(1).
      ولما أليت على نفسي فإني لا أستدل إلا بما يحتج به الشيعة من صحاح أهل السنة والجماعة فإني قد اقتصرت على ذلك، وإلا فإن في كتب الشيعة أضعاف ذلك وبعبارات أكثر صراحة ووضوحاً(2).
      على أن الشيعة لا يقولون بأن أئمة أهل البيت سلام الله عليهم لهم حق التشريع بمعنى أن سنتهم هي إجتهاد منهم، بل يقولون بأن كل أحكامهم هي من كتاب الله وسنة رسوله التي علّمها رسول الله علياً وعلّمها علي أولاده فهو علم يتوارثونه ولهم في ذلك أدلة كثيرة نقلها علماء أهل السنة والجماعة في صحاحهم ومسانيدهم وتواريخهم. ويبقى السؤال دائماً يعود بإلحاح: لماذا لم يعمل أهل السنة والجماعة بمضمون هذه الأحاديث الصحيحة عندهم..؟؟؟
      ثم بعد ذلك يختلف الشيعة والسنة في تفسير الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما سبق لنا توضيحه في فقرة إختلافهم في تفسير القرآن، بالنسبة لمعنى الخلفاء الراشدين الذي ورد في حديثه صلى الله عليه وآله وسلم وصححه كل من الفريقين، ولكن يفسره السنة على أنهم الخلفاء الأربعة
      ______________________________
      (1) صحيح الترمذي ج 5 ص 328 صحيح مسلم ج 2 ص 362 النسائي في الخصائص كنز العمال ج 1 ص 44 - مسند الامام أحمد بن حنبل ج 5 ص 189 الحاكم في المستدرك ج 3 ص 148 الصواعق المحرقة لابن حجر ص 148 الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 ص 194 الطبراني ج 1 ص 131.
      (2) أضرب لذلك مثلاً واحداً: أخرج الصدوق في الإكمال بسنده إلى الإمام الصادق عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله (ص) الأئمة من بعدي إثنا عشر. أولهم علي وآخرهم القائم، هم خلفائي وأوصيائي.

      تعليق


      • #4
        {18}
        الذين اعتلوا منصّة الخلافة بعد رسول الله، ويفسره الشيعة على أنهم الخلفاء الأثنا عشر وهم أئمة أهل البيت سلام الله عليهم.
        ذلك إنا نرى هذا الإختلاف شائعاً في كل ما يتعلق بالأشخاص الذين زكّاهم القرآن والرسول أو أمر باتباعهم، مثال ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم:
        «علماء أمتي أفضل من أنبياء بني إسرائيل» أو «العلماء ورثة الأنبياء»(1).
        فأهل السنة والجماعة يعمّمون هذا الحديث على كل علماء الأمة بينما يخصصه الشيعة بالأئمة الإثني عشر ومن أجل ذلك يفضّلونهم على الأنبياء ما عدا أولي العزم من الرسل.
        والحقيقة أن العقل يميل إلى هذا التخصيص.
        أولاً: لأن القرآن أورث علم الكتاب للذين إصطفى من عباده وهو تخصيص، كما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خصّ أهل بيته بأمور لم يشركهم فيها بأحد، حتى سمّاهم سفينة النجاة وسمّاهم أئمة الهدى ومصابيح الدجى والثقل الثاني الذي يعصم من الضلالة.
        فظهر من هذا، أن قول أهل السنة والجماعة يعارض هذا التخصيص الذي أثبته القرآن والسنة النبوية، وإن العقل لا يرتاح إليه لما فيه من الغموض وعدم المعرفة بالعلماء الحقيقيين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم، وعدم تمييزهم عن العلماء الذين فرضهم على الأمة الحكّام الأمويون والعباسيون، وما أبعد الفرق بين أولئك العلماء وبين الأئمة من أهل البيت الذين لا يذكر التاريخ لهم أستاذا تتلمذوا على يديه سوى أن يتلقّى الإبن عن أبيه ومع ذلك فقد روى علماء أهل السنة في علومهم روايات عجيبة وخصوصاً الإمام الباقر والإمام الصادق والإمام الرضا الذي أفحم بعلومه أربعين قاضياً جمعهم إليه المأمون وهو
        ______________________________
        (1) صحيح البخاري ج 1 كتاب العلم. صحيح الترمذي كتاب العلم أيضاً
        {19}
        لا يزال صبياً(1).
        ومما يؤكد تميز أهل البيت عن غيرهم ما يظهر لنا من إختلاف أصحاب المذاهب الأربعة عند أهل السنة والجماعة في كثير من المسائل الفقهية بينما لا يختلف الأئمة الإثنا عشر من أئمة أهل البيت في مسألة واحدة.
        ثانياً: لو أخذنا بقول أهل السنة والجماعة في تعميم هذه الآيات والأحاديث على كل علماء الأمة لوجب أن تتعدد الآراء والمذاهب على مر الأجيال ولأصبح هناك آلاف المذاهب ولعل علماء أهل السنة والجماعة تفطنوا لما لهذا الرأي من سخافة وتفريق لوحدة العقيدة فأسرعوا إلى غلق باب الإجتهاد منذ زمن بعيد.
        أما قول الشيعة فهو يدعو إلى الوحدة والإلتفاف حول أئمة معروفين خصهم الله تعالى والرسول بكل المعارف التي يحتاجها المسلمون في كل العصور، فلا يمكن لأي مدّع بعد ذلك أن يتقول على الله وعلى الرسول ويبتدع مذهباً يلزم الناس باتباعه، فاختلافهم في هذه المسألة كاختلافهم في المهدي الذي يؤمن به الفريقان، ولكن المهدي عند الشيعة معلوم معروف أبوه وجده، وعند أهل السنة والجماعة لا يزال مجهولاً وسيولد في آخر الزمان ولذلك ترى كثيراً منهم إدعى المهدية، وقد قال لي شخصياً الشيخ إسماعيل صاحب الطريقة المدنية بأنه هو المهدي المنتظر، وقالها أمام صديق لي كان من أتباعه ثم إستبصر فيما بعد.
        أما عند الشيعة فلا يمكن لأي مولود عندهم أن يدّعي ذلك وحتى لو سمى أحدهم إبنه بالمهدي فهو تيمّنا وتبركا بصاحب الزمان كما يسمّي أحدنا إبنه محمداً أو علياً، ولأن ظهور المهدي عندهم هو في حد ذاته معجزة لأنه ولد منذ إثني عشر قرناً وتغيّب.
        ثم بعد كل هذا قد يختلف أهل السنة والجماعة في معنى الحديث الثابت
        ______________________________
        (1) العقد الفريد لابن عبد ربه - والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ج 3 ص 42.
        {20}
        الصحيح عند الفريقين حتى لو كان الحديث لا يتعلق بالأشخاص ومن ذلك مثلاً حديث:
        «إختلاف أمتي رحمة».
        الذي يفسره اهل السنة والجماعة: بأن إختلاف الأحكام الفقهية في المسألة الواحدة هو رحمة للمسلم الذي بإمكانه أن يختار أي حكم يناسبه ويتماشى مع الحل الذي يرتضيه ففي ذلك رحمة به، لأنه إذا كان الإمام مالك مثلاً متشدداً في مسألة ما، فإن بإمكان المسلم أن يقلد أبا حنيفة المتساهل فيها.
        أما عند الشيعة فهم يفسّرون الحديث على غير هذا المعنى ويروون أن الإمام الصادق (عليه السلام) لما سئل عن هذا الحديث «اختلاف أمتي رحمة» قال صدق رسول الله! فقال السائل إذا كان اختلافهم رحمة فاجتماعهم نقمة! فقال الصادق: ليس حيث ذهبت ويذهبون (يعني في هذا التفسير) إنما قصد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إختلاف بعضهم إلى بعض يعني يسافر بعضهم إلى بعض وينفر إليه ويقصده لأخذ العلم عنه واستدل على ذلك بقول الله تعالى: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلّهم يحذرون)(1).
        ثم أضاف قائلاً فإذا إختلفوا في الدين صاروا حزب إبليس.
        وهو كما نرى تفسير مقنع ولأنه يدعو لوحدة العقيدة لا للإختلاف فيها(2).
        ثم إن الحديث بمفهوم أهل السنة والجماعة غير معقول لأنه يدعو للإختلاف والفرقة وتعدد الآراء والمذاهب وكل هذا يعارض القرآن الكريم الذي يدعونا للوحدة والإلتفاف حول شيء واحد: يقول سبحانه: (وإن هذه أمتكم أمة
        ______________________________
        (1) سورة التوبة: آية 122.
        (2) البسملة في الصلاة مكروهة عند المالكية وواجبه عند الشافعية ومستحبة عند الحنفية والحنابلة قالوا: بإخفاتها صلى في الصلاة الجهرية
        {21}
        واحدة وأنا ربكم فاتقون)(1) ويقول: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا)(2) ويقول: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم)(3).
        فأي نزاع وأية تفرقة هي أكبر من تقسيم الأمة الواحدة إلى مذاهب وأحزاب وفرق يخالف بعضهم بعضاً ويسخر بعضهم من بعض بل ويكفّر بعضهم بعضاً حتى يستحل بعضهم دم البعض الآخر، وهو ما وقع بالفعل على مر العصور، والتاريخ أكبر شاهد على ذلك، هذا وقد حذّرنا سبحانه من النتائج الوخيمة التي تصير إليها أمتنا إذا تفرقت فقال سبحانه: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعدما جاءهم البينات)(4) (إن الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء)(5) (ولا تكونوا من المشركين. من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً، كل حزب بما لديهم فرحون)(6).
        وتجدر الإشارة هنا بأن معنى شيعاً لا علاقة لها بالشيعة كما توّهم بعض البسطاء عندما جاءني ينصحني على زعمه قائلاً: يا أخي بالله عليك دعنا من الشيعة فإن الله يمقتهم وحذر رسوله أن يكون منهم! قلت وكيف ذلك؟ قال: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء) وحاولت إقناعه بأن شيعا معناها أحزاباً ولا علاقة لها بالشيعة ولكنه ومع الأسف الشديد لم يقتنع لأن سيده إمام المسجد هكذا علّمه وحذّره من الشيعة فلم يعد يتقبل غير ذلك.
        أعود إلى الموضوع فاقول بأني كنت في حيرة قبل استبصاري عندما أقرأ حديث «إختلاف أمتي رحمة» وأقارنه مع حديث:
        ______________________________
        (1) سورة المؤمنون آية 52.
        (2) سورة آل عمران آية 103
        (3) سوره الانفال آية 46
        (4) سورة آل عمران آية 105
        (5) سورة الأنعام آية 159.
        (6) سورة الروم آية 21 -22.

        تعليق


        • #5
          {22}
          «ستفترق أمتي إلى اثنين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة»(1).
          وأتساءل كيف يكون إختلاف الأمة رحمة وفي نفس الوقت يوجب دخول النار؟؟
          وبعد قراءتي لتفسير الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) لهذا الحديث زالت الحيرة وانحل اللغز وعرفت بعد ذلك بأن الأئمة من أهل البيت، هم أئمة الهدى ومصابيح الدجى وهم بحق ترجمان القرآن والسنة وحقيق بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن يقول في حقهم:
          «مثل اهل بيتي فيكم كسفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق، لا تتقدموهم فتهلكوا ولا تتخلفوا عنهم فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم»(2)
          وكان حقيق بالإمام علي (عليه السلام) أن يقول:
          «انظروا أهل بيت نبيكم فالزموا سمتهم واتبعوا أثرهم فلن يخرجوكم من هدى، ولن يعيدوكم في ردى، فإن لبدوا فالبدوا، وإن نهضوا فانهضوا، ولا تسبقوهم فتضلوا، ولا تتأخروا عنهم فتهلكوا»(3).
          وقال (عليه السلام) في خطبة أخرى يعرف بها قدر اهل البيت (عليهم السلام):
          «هم عيش العلم وموت الجهل، يخبركم حلمهم عن علمهم، وظاهرهم
          ______________________________
          (1) سنن ابن ماجة كتاب الفتن ج 2 رقم الحديث 3993 مسند أحمد ج 3 ص 120 والترمذي في كتاب الإيمان.
          (2) الصواعق المحرقة لابن حجر ص 136 وص 227 الجامع الصغير للسيوطي ج 2 ص 132 مسند أحمد بن حنبل ج 3 ص 17 وج 4 ص 366 حلية الأولياء ج 4 ص 306 مستدرك الحاكم ج 3 ص 151 تلخيص الذهبي - المعجم الصغير للطبراني ج 2 ص 22.
          (3) نهج البلاغة للإمام علي ج 2 ص 190.
          {23}
          عن باطنهم، وصمتهم عن حكم منطقهم، لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه هم دعائم الإسلام، وولائج الإعتصام، بهم عاد الحق إلى نصابه، وانزاح الباطل عن مقامه، وانقطع لسانه عن منبته، عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية لا عقل سماع ورواية. فإن رواة العلم كثير ورعاته قليل»(1).
          نعم، صدق الإمام علي فيما بيّنه فهو باب مدينة العلم، فهناك فرق كبير بين من عقل الدين عقل وعاية ورعاية وبين من عقله عقل سماع ورواية.
          والذين يسمعون ويروون كثيرون، فكم كان عدد الصحابة الذين يجالسون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويسمعون منه الأحاديث وينقلونها بغير فهم أو علم فيتغير معنى الحديث وقد يؤدّي إلى العكس الذي قصده الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقد يؤدّي بعض الأحيان إلى الكفر لصعوبة إدراك الصحابي للمعنى الحقيقي(2).
          أما الذين يعون العلم ويرعونه فقليلون جداً وقد يفني الانسان عمره في طلب العلم ولا يحصل منه إلا على اليسير، وقد يتخصص في باب من أبواب العلم أو فن من فنونه ولا يمكنه أن يحيط بكل أبوابه، ولكن المعروف أن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) كانوا ملمّين وعارفين بشتى العلوم، وهذا ما أثبته الإمام علي كما يشهد المؤرخون وكذلك محمد الباقر وجعفر الصادق الذي تتلمذ على يديه آلاف الشيوخ في شتى العلوم والمعارف من فلسفة وطب وكيميا وعلوم طبيعية وغيرها.
          ______________________________
          (1) نهج البلاغة للإمام علي ج 3 ص 439.
          (2) مثال ذلك ما رواه أبو هريرة من «أن الله خلق آدم على صورته» ولكن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أوضح الأمر فقال إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سمع رجلين يتسابان فقال أحدهما للآخر قبح الله وجهك ووجه من يشبهك فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «إن الله خلق آدم على صورته» أي أنك بسبك من يشبهه قد سببت آدم لأنه يشبهه.
          العقائد عند الشيعة وعند أهل السنة والجماعة
          مما زاد قناعتي بأن الشيعة الإمامية هي الفرقة الناجية هو أن عقائدهم سمحة وسهلة القبول لكل ذي عقل حكيم وذوق سليم، ونجد عندهم لكل مسألة من المسائل ولكل عقيدة من العقائد تفسيراً شافياً كافياً لأحد أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، قد لا نجد لها حلا عند اهل السنة وعند الفرق الأخرى.
          وسأتتبّع في هذا الفصل بعض العقائد وأهمها عند الفريقين، وأحاول إبراز ما اقتنعت به، وأترك للقارئ حرية الفكر والإختيار والنقد والتجريح.
          والفت النظر إلى ان العقيدة الأساسية هي بالنسبة للمسلمين كافة عقيدة واحدة، وهي الإيمان بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله، لا يفرّقون بين أحد من رسله كما يتفقون في أن النار حق والجنة حق وأن الله يبعث من في القبور ويحشرهم جميعاً ليوم الحساب.
          كما أنهم يتفقون على القرآن ويؤمنون بأن نبيهم محمد رسول الله، وقبلتهم واحدة ولكن وقع الإختلاف في مفهوم هذه العقائد، فأصبحت مسرحاً للمدارس الكلامية يرون فيها شتّى الآراء والمذاهب.
          العقيدة في الله تعالى (عند الطرفين)
          وأهم ما يذكر في هذا الموضوع هي رؤية الله تعالى فقد أثبتها أهل السنة والجماعة لكل المؤمنين في الآخرة وعندما نقرأ صحاح السنة والجماعة كالبخاري ومسلم مثلاً نجد روايات تؤكد الرؤية حقيقة لا مجازاً(1). بل نجد فيها تشبيهاً لله سبحانه، وأنه يضحك(2) ويأتي ويمشي وينزل إلى سماء الدنيا(3) بل ويكشف عن ساقه التي بها علامة يعرف بها(4). ويضع رجله في جهنم فتمتلئ وتقول قط قط إلى غير ذلك من الأشياء والأوصاف التي يتنزه الله جل وعلا عن أمثالها(5).
          وأذكر أنني مررت بمدينة لامو في كينيا بشرق أفريقيا ووجدت إماماً من الوهابية يحاضر المصلين داخل المسجد ويقول لهم بأن لله يدين ورجلين وعينين ووجهاً، ولما استنكرت عليه ذلك قام يستدل بآيات من القرآن قائلاً (وقالت
          ______________________________
          (1) صحيح البخاري ج 2 ص 47 ج 5 ص 179 وج 6 ص 33.
          (2) صحيح البخاري ج 4 ص 226 وج 5 ص 47 - 48 صحيح مسلم ج 1 ص 114 - 122.
          (3) صحيح البخاري ج 8 ص 197.
          (4) صحيح البخاري ج 8 ص 182.
          (5) صحيح البخاري ج 8 ص 187 وفي صفحة 202 يثبت أن لله يد وأصابع
          {26}
          اليهود يد الله مغلولة غلّت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان...)(1) وقال أيضاً (واصنع الفلك باعيننا...)(2) وقال: (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك...)(3).
          قلت: يا أخي، كل هذه الآيات التي أدليت بها وغيرها إنما هي مجاز وليست حقيقة!
          أجاب قائلاً: كل القرآن حقيقة وليس فيه مجازاً قلت: إذن ما هو تفسيركم للآية التي تقول: (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى...)(4) فهل تحملون هذه الآية على المعنى الحقيقي؟ فكل أعمى في الدنيا يكون أعمى في الآخرة؟ أجاب الشيخ نحن نتكلم عن يد الله وعين الله ووجه الله، ولا دخل لنا في العميان!
          قلت: دعنا من العميان فما هو تفسيركم في الآية التي ذكرتها: (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك...) التفت إلى الحاضرين وقال لهم: هل فيكم من لم يفهم هذه الآية؟ إنها واضحة جلية كقوله سبحانه (كل شيء هالك إلا وجهه)(5) قلت: أنت زدت الطين بلّة! يا أخي نحن إنما اختلفنا في القرآن، إدعيت أنت بأن القرآن ليس فيه مجازا وكله حقيقة! وادعيت أنا بأن في القرآن مجازاً وبالخصوص الآيات التي فيها تجسيم لله تعالى أو تشبيه، وإذا أصررت على رأيك فيلزمك أن تقول، بأن كل شيء هالك لولا وجهه معناه يداه ورجلاه وكل جسمه يفنى ويهلك ولا يبقى منه إلا الوجه، تعالى الله عن ذلك عواً كبيراً! ثم التفت إلى الحاضرين قائلاً: فهل ترضون بهذا التفسير؟ سكت
          ______________________________
          (1) سورة المائدة آية 64
          (2) سورة هود آية 37.
          (3) سورة الرحمن آية 27
          (4) سورة الإسراء آية 72.
          (5) سورة القصص آية 88.

          تعليق


          • #6
            {27}
            الجميع ولم يتكلم شيخهم المحاضر بكلمة فودّعتهم وخرجت داعياً لهم بالهداية والتوفيق.
            نعم هذه عقيدتهم في الله في صحاحهم وفي محاضراتهم ولأقول أن بعض علمائنا ينكر ذلك ولكن الأغلبية يؤمنون برؤية الله سبحانه في الآخرة وأنهم سوف يرونه كما يرون القمر ليلة البدر ليس دونها سحاب ويستدلون بالآية (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة)(1).
            وبمجرد إطلاعك على عقيدة الشيعة الإمامية في هذا الصدد يرتاح ضميرك ويسلّم عقلك بقبول تأويل الآيات القرآنية التي فيها تجسيم أو تشبيه لله تعالى وحملها على المجاز والإستعارة، لا على الحقيقة ولا على ظواهر الألفاظ، كما توهّمه البعض.
            يقول الإمام علي (عليه السلام) في هذا الصدد:
            «لا يدركه بعد الهمم ولا يناله غوص الفطن، الذي ليس لصفته حد محدود ولا نعت موجود ولا وقت محدود ولا أجل ممدود...»(2).
            ويقول الإمام محمد الباقر (عليه السلام) في الرد على المشبّهة:
            «بل كل ما ميّزناه بأوهامنا في أدق معانيه فهو مخلوق مصنوع مثلنا مردود إلينا...»(3).
            ويكفينا في هذا رد الله سبحانه في محكم كتابه قوله: (ليس كمثله شيء) وقوله (لا تدركه الأبصار) وقوله لرسوله وكليمه موسى (عليه السلام) لما طلب
            ______________________________
            (1) سورة القيامة آية 23 هذه الآية فسّرها أئمة أهل البيت (عليهم السلام) بأن الوجوه تكون يومئذ ناضرة بمعنى الحسن والبهجة وإلى رحمة ربها ناظرة.
            (2) نهج البلاغة شرح محمد عبده ج 1 الخطبة عدد 1.
            (3) عقائد الإمامية.
            {28}
            رؤيته (قال رب أرني أنظر إليك: قال: لن تراني) ولن «الزمخشرية» تفيد التأبيد كما يقول النحاة.
            كل ذلك دليل قاطع على صحة أقوال الشيعة الذين يعتمدون فيها على أقوال الأئمة من أهل البيت، معدن العلم وموضع الرسالة، ومن أورثهم الله علم الكتاب.
            ومن أراد التوسع في هذا البحث فما عليه إلا الرجوع إلى الكتب المفصلة لهذا الموضوع ككتاب «كلمة حول الرؤية» للسيد شرف الدين صاحب المراجعات(1).
            ______________________________
            (1) كتاب المراجعات من الكتب التي يجب أن يقرأها كل من يريد التعرف على عقائد الشيعة الإمامية وأفكارهم.
            العقيدة في النبوّة (عند الطرفين)
            والخلاف الواقع بين الشيعة وأهل السنة في هذا الباب هو موضوع العصمة، فالشيعة يقولون بعصمة الأنبياء (عليهم السلام) قبل البعثة وبعدها، ويقول أهل السنة والجماعة بأنهم معصومون في ما يبلّغونه من كلام الله فقط، أما فيما عدا ذلك فهم كسائر البشر يخطئون ويصيبون. وقد رووا في ذلك عدة روايات في صحاحهم تثبت بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخطأ في عدة مناسبات وكان بعض الصحابة يصوّبه ويصلحه، كما في قضية أسرى بدر التي أخطأ فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصاب عمر، ولولاه لهلك رسول الله...(1) ومنها أنه لما قدم المدينة وجد أهلها يؤبرون النخل فقال لهم: «لا تؤبّروه وسيكون تمراً» ولكنه جاء شيصا، فجاؤوه وشكوا له ذلك فقال لهم«أنتم أعلم بأمور دنياكم مني» وفي رواية أخرى قال لهم:
            «إنما أنا بشر إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوه، وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا بشر»(2).
            ______________________________
            (1) البداية والنهاية لابن كثير نقل عن الإمام أحمد ومسلم وأبي داود والترمذي.
            (2) صحيح مسلم في كتاب الفضائل ج 7 ص 95 ومسند الإمام أحمد ج 1 ص 162 وج 3 ص 152.
            {30}
            ومرة يروون أنه سحر وبقي أياماً مسحوراً لا يدري ما يفعل، حتى أنه كان يخيّل إليه أنه كان يأتي النساء ولا يأتيهن(1) أو يخيّل إليه أنه صنع شيئاً ولم يصنعه(2).
            ومرة يروون أنه سها في صلاته فلم يدر كم صلّى من ركعة(3) وأنه نام واستغرق في نومه حتى سمعوا غطيطه ثم استيقظ فصلى بدون وضوء(4) ويروون أنه يغضب ويسب ويلعن من لا يستحق ذلك فيقول:
            «اللهم إنما أنا بشر فأي المسلمين لعنته، أو سببته فاجعله له زكاة وحمة...»(5).
            ويروون انه كان مضطجعاً في بيت عائشة كاشفاً عن فخذيه ودخل عليه أبو بكر وتحدّث معه وهو على تلك الحال، ثم دخل عمر وتحدّث معه وهو على تلك الحال، ولما إستاذن عثمان جلس وسوّى ثيابه، ولما سألته عائشة عن ذلك، قال لها:
            «ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة»(6).
            ويروون أنه كان يصبح جنبا في رمضان(7) فتفوته صلاة الفجر إلى غير ذلك من الأحاديث التي لا يقبلها عقل، ولا دين، ولا مروءة(8).
            أما الشيعة - إستناداً إلى أئمة أهل البيت - فهم ينزهون الأنبياء عن هذه
            ______________________________
            (1) صحيح البخاري ج 7 ص 29.
            (2) صحيح البخاري ج 4 ص 68
            (3) صحيح البخاري ج 1 ص 123 وج 2 ص 65.
            (4) صحيح البخاري ج 1 ص 37 وص 44 وص 171.
            (5) سنن الدارمي كتاب الرقاق.
            (6) صحيح مسلم باب فضائل عثمان ج 7 ص 117.
            (7) صحيح البخاري ج 2 ص 232 وص 234.
            (8) صحيح البخاري ج 3 ص 114 وج 7 ص 96.
            {31}
            الترّهات وخصوصاً نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، ويقولون بأنه منزّه عن الذنوب والخطايا والمعاصي صغيرة كانت أم كبيرة، وهو معصوم عن الخطأ والنسيان والسهو السحر وكل ما يخالط العقل، بل هو منزّه حتى عما يتنافى مع المرؤة والأخلاق الحميدة كالأكل في الطريق، أو الضحك بصوت عال أو المزاح بغير حق، أو أي فعل يستهجن عمله عند العرف العام، فضلاً عن أن يضع خده على خدّ زوجته أمام الناس ويتفرج معها على رقص السودان(1) أو أن يخرج زوجته في غزوة فيتسابق معها فيغلبها مرة وتغلبه أخرى فيقول لها «هذه بتيك»(2).
            والشيعة يعتبرون الروايات التي رويت في هذا المعنى والتي تتناقض مع عصمة الأنبياء كلها موضوعة من قبل الأمويين وأنصارهم أولا. للحط من قيمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وثانياً. لكي يلتمسوا عذراً لأعمالهم القبيحة وأخطائهم الشنيعة التي سجّلها لهم التاريخ، فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخطئ ويميل مع الهوى، كما رووا ذلك في قصة «عشقه زينب بنت جحش لما رآها تمشط شعرها وهي زوجة لزيد بن حارثه فقال: سبحان الله مقلب القلوب»(3) أو قصة ميله إلى عائشة وعدم عدله مع بقية زوجاته حتى بعثن له مرة مع فاطمة ومرة مع زينب بنت جحش ينشدنه العدل(4) فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على هذا الحالة فلا لوم بعد ذلك على معاوية بن أبي سفيان ومروان بن الحكم وعمرو بن العاص ويزيد بن معاوية وكل الخلفاء الذين فعلوا الموبقات واستباحوا الحرمات وقتلوا الأبرياء.
            والأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) الذين هم أئمة الشيعة يقولون
            ______________________________
            (1) صحيح البخاري ج 3 ص 228 وج 2 ص 3 كتاب العيدين.
            (2) مسند الإمام أحمد بن حنبل ج 6 ص 75.
            (3) تفسير الجلالين في تفسير قوله تعالى (و تخفي في نفسك ما الله مبديه)
            (4) صحيح مسلم ج 7 ص 136 باب فضائل عائشة.

            تعليق


            • #7
              {32}
              بعصمته صلى الله عليه وآله وسلم، ويؤولون الآيات القرآنية التي يفهم ظاهرها أن الله سبحانه عاتب نبيه مثل «عبس وتولى» أو التي في بعضها إقرار الذنوب عليه كقوله (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) أو قوله (لقد تاب الله علي النبي) و (عفا الله عنك لم أذنت لهم).
              وكل هذه الآيات لا تخدش في عصمته صلى الله عليه وآله وسلم فبعضها لم يكن هو المقصود بها، وبعضها الآخر يحمل على المجاز لا على ظواهر الألفاظ، وهو كثير الإستعمال في لغة العرب وقد استعمله سبحانه في القرآن الكريم.
              ومن أراد التفصيل والوقوف على حقيقة الأشياء فما عليه إلا الرجوع إلى كتب التفسير عند الشيعة أمثال الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي وتفسير الكاشف لمحمد جواد مغنية والإحتجاج للطبرسي وغيرهم لأنني رمت الإختصار وإبراز عقيدة الفريقين بصفة عامة وليس هذا الكتاب إلا لغرض بيان قناعاتي الشخصية التي اقتنعت بها، واختياري الشخصي لمذهب يقول بعصمة الأنبياء والأوصياء من بعدهم ويريح فكري، ويقطع عني طريق الشك والحيرة
              والقول بأنه معصوم فقط في تبليغ كلام الله قول هراء لا حجة فيه لأنه ليس هناك دليل على أن هذا القسم من كلامه هو من عند الله، وذاك القسم هو من عند نفسه، فيكون في الأول معصوماً ويكون في الثاني غير معصوم ويحتمل فيه الخطأ.
              أعوذ بالله من هذا القول المتناقض الذي يبعث على الشك والطعن في قداسة الأديان
              وهذا يذكرني بمحاورة دارت بيني وبين جماعة من الأصدقاء بعد استبصاري، وكنت أحاول إقناعهم بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معصوم، وكانوا يحاولون إقناعي بأنه معصوم فقط في تبليغ القرآن، وكان من بينهم أستاذ من توزد «منطقة الجريد»(1) وهم مشهورون بالذكاء والعلم والنكتة
              ______________________________
              (1) منطقة الجريد بالجنوب التونسي تبعد عن قفصة 92 كلم وهي مسقط رأس أبو القاسم الشابي الشاعر المعروف والخضر حسين الذي ترأس الأزهر الشريف والكثير من علماء تونس مولودون في هذه المنطقة.
              {33}
              الطريفة، ففكر قليلاً ثم قال: «يا جماعة أنا عندي رأي في هذه المسألة» فقلنا جميعاً: - تفضل هات ما عندك! قال:
              - إن ما يقوله أخونا التيجاني على لسان الشيعة هو الحق الصحيح، ويجب علينا الإعتقاد بعصمة الرسول المطلقة، وإلا داخلنا الشك في القرآن نفسه!
              - قالوا: ولم ذلك؟ أجاب على الفور:
              هل وجدتم أي سورة من سور القرآن تحتها إمضاء الله تعالى؟؟
              ويقصد بالإمضاء: الختم الذي يختم به العقود والرسائل للدلالة على هوية صاحبها وأنها صادرة عنه. وضحك الجميع لهذه النكتة الطريفة، ولكنها ذات معنى عميق، فأي إنسان غير متعصّب يتمعّن بعقله ستصدمه هذه الحقيقة ألا وهي: الإعتقاد بأن القرآن كلام الله هو الأعتقاد بعصمة مبلّغه المطلقة بدون تجزأه لأنه لا يمكن لأحد أن يدعي بأنه سمع الله يتكلم ولا يدعي أحد بأنه رأى جبرائيل عندما ينزل بالوحي.
              والخلاصة أن قول الشيعة في العصمة قول سديد يطمئن إليه القلب ويقطع وساوس النفس والشيطان، ويقطع الطريق على كل المشاغبين وخصوصاً أعداء الدين من اليهود والنصارى والملحدين الذين يبحثون عن ثغرات ينفذون منها لنسف معتقداتنا وديننا، والطعن في نبينا، فتراهم كثيراً ما يحتجون علينا بما أورده صحيح البخاري ومسلم من أفعال وأقوال تنسب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو منها بريء(1).
              ______________________________
              (1) أخرج البخاري في صحيحه ج 3 ص 152 في باب شهادة الأعمى من كتاب الشهادات قال: حدثنا ابن عبيد بن ميمون أخبرنا عيسى... عن عائشة قالت: سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجلاً يقرأ في المسجد فقال: رحمه الله لقد أذكرني كذا وكذا أية اسقطتهن من سورة كذا وكذا...
              {34}
              وكيف لنا أن نقنعهم بأن كتاب البخاري وكتاب مسلم فيهما بعض الأكاذيب، وهذا الكلام خطير طبعاً، لأن أهل السنة والجماعة لا يقبلونه فالبخاري عندهم أصح كتاب بعد كتاب الله!
              ______________________________
              إقرأ واعجب أيها القارئ من هذا الرسول الذي يسقط الآيات، ولولا هذا الأعمى الذي ذكره بهنّ لكنّ في خبر كان - أستغفر الله من هذا الهذيان.
              العقيدة في الإمامة (عند الطرفين)
              والقصد من الإمامة في هذا البحث هي الإمامة الكبرى للمسلمين، أعني الخلافة والحكم، والقيادة والولاية.
              وبما أن كتابي إعتمد في أبحاثه على المقارنة بين مذهب أهل السنة والجماعة، والشيعة الإمامية لابد لي من إبراز مبدأ الإمامة عند الفريقين، حتى يتبين للقارئ والباحث ما هي الأسس والمعالم التي يرتكز عليها كل من الفريقين، ويعرف بالتالي القناعات التي ألزمتني بقبول التحوّل وترك ما كنت عليه.
              فالإمامة عند الشيعة، هي أصل من أصول الدين لما لها من الأهمية الكبرى والخطورة العظمى وهي قيادة خير أمة أخرجت للناس وما تقوم عليه القيادة من فضائل عديدة وخصائص فريدة أذكر منها، العلم والشجاعة والحلم والنزاهة والعفة والزهد والتقوى والصلاح الخ.
              فالشيعة يعتقدون بأن الإمامة منصب إلهي يعهد به الله سبحانه إلى من يصطفيه من عباده الصالحين ليقوم بذلك الدور الخطير ألا وهو قيادة العالم بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
              وعلى هذا كان الإمام علي بن أبي طالب إماماً للمسلمين باختيار الله له،
              {36}
              وقد أوحى لرسوله لكي ينصّبه علماً للناس، وقد نصبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودل عليه بعد حجة الوداع في غدير خم، فبايعوه «هذا ما يقوله الشيعة».
              أما أهل السنة والجماعة فيقولون أيضاً بوجوب الإمامة لقيادة الأمة، ولكنهم يجعلون للأمة حق إختيار إمامها وقائدها، فكان أبو بكر بن أبي قحافة إماماً للمسلمين باختيار المسلمين انفسهم له بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي سكت عن أمر الخلافة ولم يبيّن للأمة شيئاً منها وترك الأمر شورى بين الناس
              أين الحقيقة
              إذا تأمل الباحث في أقوال الطرفين وتمعّن في حجج الفريقين بدون تعصب فسوف يقترب من الحقيقة بدون شك. وها أنا سوف أستعرض وإياكم الحقيقة التي وصلت إليها على النحو التالي:
              الإمامة في القرآن الكريم:
              قال الله تعالى:
              (وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً، قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين)(1).
              في هذه الآية الكريمة يبيّن الله لنا بأن الإمامة منصب إلهي يعطيه الله لمن يشاء من عباده لقوله: جاعلك للناس إماماً كما توضّح الآية بأن الإمامة هي عهد من الله لا ينال إلا العباد الصالحين الذين اصطفاهم الله لهذا الغرض لانتفائه عن الظالمين الذين لا يستحقون عهده سبحانه وتعالى.
              وقال تعالى: (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين)(2).
              ______________________________
              (1) سورة البقرة آية 124.
              (2) سورة الأنبياء آية 73.

              تعليق


              • #8
                {37}
                وقال سبحانه وتعالى: (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون)(1).
                وقال أيضاً: (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين)(2).
                وقد يتوهّم البعض بأن مدلول الآيات المذكورة يفهم منها بأن الإمامة المقصودة هنا هي النبوة والرسالة وهو خطأ في المفهوم العام للإمامة، لأن كل رسول هو نبي وإمام وليس كل إمام رسول أو نبي!
                ولهذا الغرض أوضح الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز بأن عباده الصالحين يمكن لهم أن يسألوه هذا المنصب الشريف ليتشرفوا بهداية الناس وينالوا بذلك الأجر العظيم قال تعالى: (والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراماً والذين إذا ذكّروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعمياناً، والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً)(3).
                كما أن القرآن الكريم إستعمل لفظ الإمامة للتدليل على القادة والحكام الظالمين الذين يضلون أتباعهم وشعوبهم ويقودونهم إلى الفساد والعذاب في الدنيا والآخرة، فقد جاء في ذكر الحكيم، حكاية عن فرعون وجنوده، قوله تعالى: (فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين، وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون، وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين)(4).
                وعلى هذا الأساس فقول الشيعة هو الأقرب لما أقره القرآن الكريم لأن الله
                ______________________________
                (1) سورة السجدة آية 24
                (2) سورة القصص آية 5.
                (3) سورة الفرقان آية 71 - 74.
                (4) سورة القصص آية 41 - 42.
                {38}
                سبحانه وتعالى أوضح بما لا يدع مجالاً للشك بأن الإمامة منصب إلهي يجعله الله حيث يشاء وهو عهد الله الذي نفاه عن الظالمين وبما أن غير علي من صحابة النبي قد أشركوا فترة ما قبل الإسلام فإنهم بذلك يصبحون من الظالمين، فلا يستحقون عهد الله لهم بالإمامة والخلافة، ويبقى قول الشيعة بأن الإمام علي بن أبي طالب إستحق وحده دون سائر الصحابة عهد الله بالإمامة لأنه لم يعبد إلا الله وكرّم الله وجهه دون الصحابة لأنه لم يسجد لصنم، وإذا قيل بأن الإسلام يجبّ ما قبله، قلنا نعم ولكن يبقى الفرق كبيراً بين من كان مشركاً وتاب، ومن كان نقياً خالصاً لم يعرف إلا الله.
                الإمامة في السنة النبوية:
                قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الإمامة أقوالاً متعددة رواها كل من الشيعة والسنة في كتبهم ومسانيدهم فمرة تحدث عنها بلفظ الإمامة ومرة بلفظ الخلافة وأخرى بلفظ الولاية أو الإمارة.
                جاء في الإمامة قوله صلى الله عليه وآله وسلم:
                «خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم».
                قالوا يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف فقال «لا ما أقاموا فيكم الصلاة»(1).
                وقال صلى الله عليه وآله سلم:
                «يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس»(2).
                ______________________________
                (1) صحيح مسلم ج 6 ص 24 باب خيار الأئمة وشرارهم.
                (2) صحيح مسلم ج 6 ص 20 باب الأمر بلزوم الجماعة عند ظهور الفتن
                {39}
                وجاء في الخلافة قوله صلى الله عليه وآله وسلم:
                «لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم إثنا عشر خليفة كلهم من قريش»(1).
                وعن جابر بن سمرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة ثم قال كلمة لم أفهمها فقلت لأبي، ما قال؟ فقال كلهم من قريش»(2)
                وجاء في الإمارة قوله صلى الله عليه وآله وسلم:
                «ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن عرف برئ ومن أنكر سلم ولكن من رضي وتابع قالوا: أفلا نقاتلهم قال: لا ما صلوا»(3).
                وقال صلى الله عليه وآله وسلم في لفظ الإمارة أيضاً:
                «يكون إثنا عشر أميراً كلهم من قريش»(4).
                وجاء عنه صلى الله عليه وآله وسلم محذراً أصحابه:
                «ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة فنعم المرضعة وبئست الفاطمة»(5).
                وجاء الحديث أيضاً بلفظ الولاية.
                قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
                «ما من وال يلي رعية من المسلمين فيموت وهو غاش لهم إلا حرّم الله عليه
                ______________________________
                (1) صحيح مسلم ج 6 ص 4 باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش.
                (2) صحيح مسلم ج 6 ص 3 وصحيح البخاري ج 8 ص 105 وص 128.
                (3) صحيح مسلم ج 6 ص 23 باب وجوب الإنكارعلى الأمراء.
                (4) صحيح البخاري ج 8 ص 127 باب الإستخلاف.
                (5) صحيح البخاري ج 8 ص 106 باب ما يكره من الحرص على الإمارة.
                {40}
                الجنة»(1).
                كما حدّث صلى الله عليه وآله وسلم بلفظ الولاية:
                «لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم إثنا عشر رجلاً كلهم من قريش»(2).
                وبعد هذا العرض الوجيز عن مفهوم الإمامة أو الخلافة التي إستعرضتها من القرآن الكريم ومن السنة النبوية الصحيحة بدون تفسير ولا تأويل، بل إعتمدت على صحاح أهل السنة دون غيرهم من الشيعة لأن هذا الأمر (أعني الخلافة في إثني عشر كلهم من قريش) عندهم من المسلمات التي لا غبار عليها، ولا يختلف فيها إثنان منهم، مع العلم بأن بعض علماء أهل السنة والجماعة يصرحون بأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال:
                «يكون بعدي إثنا عشر خليفة كلهم من بني هاشم»(3).
                وعن الشعبي عن مسروق قال بينما نحن عند ابن مسعود نعرض مصاحفنا عليه إذ قال له فتى: هل عهد إليكم نبيكم كم يكون من بعده خليفة قال: إنك لحديث السن وإن هذا الشيء ما سألني عنه أحد قبلك، نعم عهد إلينا نبينا صلى الله عليه وآله وسلم أنه يكون بعده إثنا عشر خليفة بعدد نقباء بني إسرائيل...»(4).
                وبعد هذا فلنستعرض أقوال الفريقين على صحة إدعاء كل منهما من خلال النصوص الصريحة، كما نناقش تأويل كل منهما في هذه المسألة الخطيرة التي فرّقت المسلمين من يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى يومنا هذا، وقد نشأ من ذلك إختلاف المسلمين إلى مذاهب وفرق ومدارس كلامية وفكرية، بعد أن كانوا أمة واحدة. فكل خلاف وقع بين المسلمين سواء في الفقه أو في التفسير
                ______________________________
                (1) صحيح البخاري ج 8 ص 106 باب ما يكره من الحرص على الامارة.
                (2) صحيح مسلم ج 6 ص 3 باب الخلافة في قريش.

                تعليق


                • #9
                  {41}
                  للقرآن أو في فهم السنة النبوية الشريفة منشؤه وسببه الخلافة وما أدراك ما الخلافة التي أصبحت بعد السقيفة أمراً واقعاً يستنكر بسببها أحاديث صحيحة وآيات صريحة وتختلق من أجل تثبيتها وتصحيحها أحاديث أخرى لا أساس لها في السنة النبوية الصحيحة، وهذا يذكّرني بإسرائيل والأمر الواقع ذلك أن الرؤساء والملوك العرب اجتمعوا واتفقوا أن لا إعتراف بإسرائيل ولا تفاوض معها ولا سلم فما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة، وبعد سنوات قليلة إجتمعوا من جديد ليقطعوا هذه المرّة علاقاتهم مع مصر التي إعترفت بالكيان الصهيوني وبعد سنوات قليلة أعادوا علاقاتهم مع مصر ولم يطعنوا بعلاقتها بإسرائيل مع أن إسرائيل لم تعترف بحق الشعب الفلسطيني ولم تغيّر شيئاً من موقفها بل زادت في تعنتها وضاعفت قمعها للشعب الفلسطيني، فالتاريخ يعيد نفسه وقد إعتاد العرب التسليم بالأمر الواقع.
                  رأي أهل السنة والجماعة في الخلافة ومناقشته
                  رأيهم معروف وهو أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم توفي ولم يعين أحدا للخلافة، ولكن أهل الحل والعقد من الصحابة إجتمعوا في سقيفة بني ساعدة، وولوا أمرهم أبابكر الصديق لمكانته من رسول الله، ولأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إستخلفه في الصلاة أيام مرضه، فقالوا: رضيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأمر ديننا فكيف لا نرضاه لأمر دنيانا؟ ويتلخص قولهم في:
                  1 - الرسول لم ينص على أحد.
                  2 - لا تكون الخلافة إلا بالشورى.
                  3 - أستخلاف أبي بكر وقع من طرف كبار الصحابة.
                  نعم هذا رايي عندما كنت مالكياً أدافع عنه بكل ما أوتيت من قوة وأستدلّ عليه بآيات الشورى. وأحاول جهدي التبجح بأن الأسلام هو دين الديمقراطية في الحكم وأنه السابق لهذا المبدأ الإنساني الذي تفخر به الدول المتحضرة الراقية.
                  وأقول: إذا كان الغرب ما عرف النظام الجمهوري إلا في القرن التاسع عشر فإن الإسلام عرفه وسبق إليه من القرن السادس.
                  {43}
                  ولكن وبعد لقائي بعلماء الشيعة وقراءة كتبهم والإطلاع على ادلتهم المقنعة التي هي موجودة في كتبنا غيّرت رأيي الأول لما أسفرت الحجة عن وجهها لأنه لا يليق بجلال الله سبحانه أن يترك أمة بدون إمام وهو القائل: (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) كما لا يليق برحمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يترك أمته بدون راع، وبالخصوص إذا عرفنا أنه كان يخشى على أمته الفرقة(1) والإنقلاب على الأعقاب(2). والتنافس على الدنيا(3) حتى يضرب بعضهم رقاب بعض(4)، ويتبعوا سنن اليهود والنصارى(5).
                  وإذا كانت أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر تبعث إلى عمر بن الخطاب حين طعن فتقول له: «إستخلف على أمة محمد ولا تدعهم بعدك هملاً فإني أخشى عليهم الفتنة»(6).
                  وإذا كان عبد الله به عمر يدخل على أبيه حين طعن فيقول له: «إن الناس زعموا أنك غير مستخلف، وإنه لو كان راعي إبل أو راعي غنم ثم جاءك وتركها رأيت أن قد ضيّع فرعاية الناس أشد»(7)
                  وإذا كان أبوبكر نفسه وهو الذي إستخلفه المسلمون بالشورى يحطم هذا المبدأ ويسارع إلى إستخلاف عمر من بعده ليقطع بذلك دابر الخلاف والفرقة والفتنة، وهو الأمر الذي تنبأ به علي (عليه السلام) حينما شدد عليه عمر لمبايعة أبي بكر فقال له:
                  ______________________________
                  (1) الترمذي وأبو داود وابن ماجه ومسند أحمد بن حنبل ج 2 ص 332.
                  (2) صحيح البخاري ج 7 ص 209 باب الحوض. وج 5 ص 192.
                  (3) صحيح البخاري ج 4 ص 63.
                  (4) صحيح البخاري ج 7 ص 112.
                  (5) صحيح البخاري ج 4 ص 144 وج 8 ص 151.
                  (6) الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج 1 ص 28.
                  (7) صحيح مسلم ج 6 ص 5 باب الإستخلاف وتركه.
                  {44}
                  «أحلب حلبا لك شطره واشدد له اليوم يردده عليك غداً»(1).
                  أقول إذا كان أبوبكر لا يؤمن بالشورى، فكيف نصدق بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ترك الأمر بدون إستخلاف وهل أنه لم يكن يعلم ما علمه أبوبكر وعائشة وعبد الله بن عمر، وما يعلمه كل الناس بالبداهة، من إختلاف الآراء وتشتت الأهواء عندما يوكل إليهم أمر الإختيار وبالخصوص إذا كان الأمر يتعلق بالرئاسة واعتلاء منصة الخلافة، كما وقع ذلك بالفعل حتى في اختيار أبي بكر يوم السقيفة، إذ أننا رأينا خلاف سيد الأنصار سعد بن عبادة وإبنه قيس بن سعد، وعلي بن أبي طالب والزبير بن العوام(2) والعباس بن عبد المطلب وسائر بني هاشم وبعض الصحابة الذين كانوا يرون الخلافة حقاً لعلي (عليه السلام) وتخلفوا في داره عن البيعة حتى هددوه بالحرق(3).
                  في مقابل ذلك نرى الشيعة الإمامية يثبتون عكس مقالة أهل السنة ويؤكدون بأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عيّن علياً للخلافة ونص عليه في عدة مناسبات وأشهرها في غدير خم.
                  وإذا كان الإنصاف يقتضي منك أن تستمع إلى خصمك ليدلي برأيه وحجته في قضية وقع الخلاف فيها معك، فكيف إذا إحتج خصمك بما تشهد أنت نفسك بوقوعه»(4).
                  وليس دليل الشيعة دليلاً واهياً أو ضعيفاً حتى يمكن التغاضي عنه وتناسيه بسهولة وإنما الأمر يتعلق بآيات من الذكر الحكيم أنزلت في هذا الشأن وأولاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من العناية والأهمية ما سارت به الركبان
                  ______________________________
                  (1) الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج 1 ص 18.
                  (2) صحيح البخاري ج 8 ص 26 باب رجم الحبلى من الزنا.
                  (3) تاريخ الخلفاء لابن قتيبة ج 1 ص 18 وما بعدها.
                  (4) وذلك أنه ليس هناك دليل عند الشيعة إلا وفي كتب السنة مصداقه.
                  {45}
                  وتناقله الخاص والعام حتى ملأت كتب التاريخ والأحاديث وسجّله الرواة جيلاً بعد جيل.
                  1 - ولاية علي (عليه السلام) في القرآن الكريم
                  قال الله تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهو راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون)(1).
                  أخرج الإمام أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره الكبير(2) بالإسناد إلى ابي ذر الغفاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهاتين وإلا صمتا، ورأيته بهاتين وإلا عميتا، يقول:
                  «علي قائد البررة وقاتل الكفرة، منصور من نصره، مخذول من خذله».
                  أما إني صليت مع رسول الله ذات يوم، فسأل سائل في المسجد، فلم يعطه أحد شيئاً، وكان علي راكعا فأومأ بخنصره إليه وكان يتختم بها، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره، فتضرع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الله عز وجل يدعوه فقال: اللهم إن أخي موسى سألك «(قال ربي إشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي، واجعل لي وزيراً من أهلي، هارون أخي أشدد به أزري وأشركه في أمري، كي نسبحك كثيراً ونذكرك كثيراً إنك كنت بنا بصيرا) فأوحيت إليه (قد أوتيت سؤلك ياموسى) «اللهم وأني عبدك ونبيك، فاشرح لي صدري ويسر لي أمري، وأجعل لي وزيراً من أهلي علياً أشدد به ظهري» قال أبوذر، فوالله ما استتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الكلمة حتى هبط عليه الأمين جبرائيل بهذه الآية: (إنما وليكم الله
                  ______________________________
                  (1) سورة المائدة آية 55 - 56.
                  (2) أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري الثعلبي المتوفى سنة 337 هـ ذكره ابن خلكان وقال: كان أوحد زمانه في علم التفسير صحيح النقل موثوق به.

                  تعليق


                  • #10
                    {46}
                    ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهو راكعون، ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون)(1).
                    ولا خلاف عند الشيعة في أنها نزلت في علي بن أبي طالب رواية عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وهي من الأخبار المتسالم عليها عندهم فقد رويت في العديد من كتب الشيعة المعتبرة عندهم مثل:
                    1- بحار الانوار للمجلسي.
                    2 - إثبات الهداة للحر العاملي.
                    3 - تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي.
                    4- تفسير الكاشف لمحمد جواد مغنية.
                    5 - الغدير للعلامة الأميني - وغير هؤلاء كثير -.
                    كما روى نزولها في علي بن أبي طالب من علماء أهل السنة والجماعة جمع غفير أذكر منهم فقط علماء التفسير.
                    1 - تفسير الكشاف للزمخشري ج 1 ص 649.
                    2 - تفسير الطبري ج 6 ص 288.
                    3 - زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي ج 2 ص 383.
                    4 - تفسير القرطبي ج 6 س 219.
                    5 - تفسير الفخر الرازي ج 12 ص 26.
                    6 - تفسير ابن كثير ج 2 ص 71.
                    7 - تفسير النسفي ج 1 ص 289.
                    8 - شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي ج 1 ص 161.
                    9 - الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي ج 2 ص 293.
                    10 - أسباب النزول للإمام الواحدي ص 148.
                    ______________________________
                    (1) الجمع بين الصحاح الستة. صحيح النسائي - مسند أحمد - ابن حجر في صواعقه وكذلك رواها ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة.
                    {47}
                    11 - أحكام القرآن للجصاص ج 4 ص 102.
                    12 - التسهيل لعلوم التنزيل للكلبي ج 1 ص 181.
                    وما لم أذكره من كتب السنة أكثر مما ذكرت.
                    2 - أية البلاغ تتعلق أيضاً بولاية علي (عليه السلام)
                    قال تعالى: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس)(1).
                    يقول بعض المفسرين من أهل السنة والجماعة بأن هذه الآية نزلت في بداية الدعوة عندما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقيم حرساً يحرسونه خوفاً من القتل والإغتيال فلما نزلت (والله يعصمك من الناس) قال «إذهبوا فإن الله قد عصمني».
                    فقد أخرج ابن جرير وابن مردويه عن عبد الله بن شقيق قال: «إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يتعقّبه ناس من أصحابه فلما نزلت (والله يعصمك من الناس) فخرج فقال:
                    «يا أيها الناس إلحقوا بملاحقكم فإن الله قد عصمني من الناس»(2).
                    واخرج ابن حبان وابن مردويه عن ابي هريرة قال: كنا إذا صحبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفر تركنا له أعظم دوحة وأظلها فينزل تحتها فنزل ذات يوم تحت شجرة وعلق سيفه فيها، فجاء رجل فأخذه فقال: يا محمد من يمنعك مني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الله يمنعني منك. ضع عنك السيف فوضعه، فنزلت (والله يعصمك من الناس)(3).
                    ______________________________
                    (1) سورة المائدة آية 67.
                    (2) الدر المنثور في التفسير بالماثورج 3 ص 119.
                    (3) نفس المصدر السابق.
                    {48}
                    كما أخرج الترمذي والحاكم وابو نعيم عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحرس حتى نزلت (والله يعصمك من الناس) فأخرج رأسه من القبة فقال: أيها الناس، إنصرفوا فقد عصمني الله.
                    وأخرج الطبراني وابو نعيم في الدلائل وابن مردويه وابن عساكر عن ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحرس وكان يرسل معه عمه ابوطالب كل يوم رجلاً من بني هاشم يحرسونه، فقال: يا عم إن الله قد عصمني لا حاجة لي إلى من تبعث.
                    ونحن إذا تأملنا في هذه الأحاديث وهذه التأويلات وجدناها لا تستقيم ومفهوم الآية الكريمة ولا حتى مع سياقها فكل هذا الروايات تفيد بأنها نزلت في بداية الدعوة حتى أن البعض يصرح بأنها في حياة أبي طالب يعني قبل الهجرة بسنوات كثيرة، وبالخصوص رواية ابي هريرة التي يقول فيها «كنا إذا صحبنا رسول الله في سفر تركنا له أعظم دوحة... الخ» فهذه الرواية ظاهرة الوضع لأن ابا هريرة لم يعرف الإسلام ولا رسول الله إلا في السنة السابعة للهجرة النبوية كما يشهد هو نفسه بذلك(1) فكيف يستقيم هذا؛ وكل المفسرين سنة وشيعة أجمعوا على أن سورة المائدة مدنية وهي آخر ما نزل من القرآن؟؟؟
                    فقد خرج أحمد وأبو عبيد في فضائله والنحاس في ناسخه والنسائي وابن المنذر والحاكم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن جبير بن نفير قال: حججت فدخلت على عائشة، فقالت: لي يا جبير تقرأ المائدة؟ فقلت نعم، فقالت أما إنها آخر سورة نزلت، فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه، وما وجدتم من حرام فحرّموه(2).
                    ______________________________
                    (1) فتح الباري ج 6 ص 31 البداية والنهاية ج 8 ص 102 سير أعلام النبلاء للذهبي ج 2 ص 436 الإصابة لابن حجر ج 3 ص 287.
                    (2) جلال الدين السيوطي الدر المنثور ج 3 ص 3.
                    {49}
                    كما أخرج احمد والترمذي وحسّنه الحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في سننه عن عبد الله بن عمرو قال: آخر سورة نزلت سورة المائدة(1).
                    وأخرج أبو عبيد عن محمد بن كعب القرطني قال: نزلت سورة المائدة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع، فيما بين مكة والمدينة وهو على ناقته، فانصدعت كتفها فنزل عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(2).
                    وأخرج ابن جرير عن الربيع بن أنس قال: نزلت سورة المائدة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المسير في حجة الوداع وهو راكب راحلته، فبركت به راحلته من ثقلها(3).
                    وأخرج ابو عبيد عن ضمرة بن حبيب وعطية بن قيس قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المائدة من آخر القرآن تنزيلاً، فاحلوا حلالها وحرموا حرامها(4).
                    فكيف يقبل العاقل المنصف بعد كل هذا، أدعاء من قال بنزولها في أول البعثة النبوية؟ وذلك لصرفها عن معناها الحقيقي، أضف إلى ذلك أن الشيعة لا يختلفون في أن سورة المائدة هي آخر القرآن نزولاً وأن هذه الآية بالذات (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك...) والتي تسمى آية البلاغ نزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة عقيب حجة الوداع في غدير خم قبل تنصيب الإمام علي علماً للناس ليكون خليفته من بعده وذلك يوم الخميس، وقد نزل بها جبرائيل (عليه السلام) بعد مضي خمس
                    ______________________________
                    (1) نفس المصدر السابق.
                    (2) الدر المنثور في التفسير بالمأثور ج 3 ص 4.
                    (3) الدر المنثور في التفسير بالمأثور لجلال الدين السيوطي ج 3 ص 4.
                    (4) نفس المصدر السابق.
                    {50}
                    ساعات من النهار فقال: يا محمد إن الله يقرئك السلام ويقول لك: يا أيها الرسول (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك، وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس).
                    على أن قوله سبحانه وتعالى (وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) يدل دلالة واضحة بأن الرسالة إنتهت أو هي على وشك النهاية، وإن بقي فقط أمر مهم لا يكتمل الدين إلا به.
                    كما تشعر الآية الكريمة بأن الرسول كان يخشى تكذيب الناس له إذا ما دعاهم لهذا الأمر الخطير، ولكن الله سبحانه لم يمهله للتأجيل فالاجل قد قرب، وهذه الفرصة هي أحسن الفرص وموقفها هو أعظم المواقف إذ اجتمع معه صلى الله عليه وآله وسلم أكثر من مائة ألف رافقوه في حجة الوداع وما زالت قلوبهم عامرة بشعائر الله مستحضرة نعي الرسول نفسه إليهم.
                    وقوله لهم: لعلي لا ألقاكم بعد عامكم هذا ويوشك أن يأتي رسول ربي وأدعى فأجيب، وهم سيفترقون بعد هذا الموقف الرهيب للعودة إلى ديارهم ولعلهم لا تتاح لهم فرصة اللقاء مرة أخرى بهذا العدد الكبير، وغدير خم هو مفترق الطرقات فلا يمكن لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم أن يفوت هذه الفرصة بأي حال من الأحوال. كيف وقد جاءه الوحي بما يشبه التهديد على أن كل الرسالة منوطة بهذا البلاغ والله سبحانه قد ضمن له العصمة من الناس فلا داعي للخوف من تكذيبهم فكم كذبت رسل من قبله ولكن لم يثنهم ذلك عن تبليغ ما أمروا به فما على الرسول إلا البلاغ، ولو علم الله مسبقا بأن أكثرهم للحق كارهون(1) ولو علم بأن منهم مكذّبين(2) ما كان سبحانه ليتركهم بدون إقامة الحجة عليهم لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزاً
                    ______________________________
                    (1) سورة الزخرف آية 78.
                    (2) سورة الحاقة آية 49.

                    تعليق


                    • #11
                      {51}
                      حكيماً(1).
                      على أن لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسوة حسنة في من سبقه من إخوانه الرسل الذين كذّبتهم أممهم قال تعالى: (وإن يكذبوك فقد كذّبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وقوم لوط وأصحاب مدين، وكذب موسى فأمليت للكافرين، ثم أخذتهم فكيف كان نكير)(2).
                      ونحن إذا تركنا التعصب المقيت، وحب الإنتصار للمذهب لوجدنا أن هذا الشرح هو المناسب لعقولنا ويتماشى مع سياق الآية والأحداث التي سبقتها وأعقبتها.
                      وقد أخرج كثير من علمائنا نزولها في غدير خم في شأن تنصيب الإمام علي وصححوا تلك الروايات ووافقوا بذلك إخوانهم من علماء الشيعة، وأذكر على سبيل المثال من علماء السنة:
                      1 - الحافظ أبو نعيم في كتابه نزول القرآن.
                      2 - الإمام الواحدي في كتابه أسباب النزول ص 150.
                      3 - الإمام أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره الكبير.
                      4 - الحاكم الحسكاني في كتابه شواهد التنزيل لقواعد التفضيل ج 1 ص 187.
                      5 - جلال الدين السيوطي في كتابه الدر المنثور في التفسير بالمأثور ج 3 ص 117.
                      6 - الفخر الرازي في تفسيره الكبير ج 2 ص 50.
                      7 - محمد رشيد رضا في تفسير المنار ج 2 ص 86 ج 6 س 463.
                      8 - تاريخ دمشق لأبي عساكر الشافعي ج 2 ص 86.
                      9 - فتح القدير للشوكاني ج 2 ص 60.
                      ______________________________
                      (1) سورة النساء آية 165.
                      (2) سورة الحج آية 42 - 44.
                      {52}
                      10 - مطالب السؤول لابن طلحة الشافعي ج 1 ص 44.
                      11 - الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص 25.
                      12 - ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 120.
                      13 - الملل والنحل للشهرستاني ج 1 ص 163.
                      14 - ابن جرير الطبري في كتابه الولاية.
                      15 - ابن سعيد السجستاني في كتاب الولاية.
                      16 - عمدة القارئ في شرح البخاري لبدر الدين الحنفي ج 8 ص 584.
                      17 - تفسير القرآن لعبد الوهاب البخاري.
                      18 - روح المعاني للألوسي ج 2 ص 384.
                      19 - فرائد السمطين للحمويني ج 1 ص 185.
                      20 - فتح البيان في مقاصد القرآن للعلامة السيد صديق حسن خان ج 3 ص 63.
                      فهذا نزر يسير ممن يحضرني وهناك أضعاف هؤلاء من علماء أهل السنة ذكرهم العلامة الأميني في كتاب الغدير.
                      فماذا يا ترى فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما أمره ربه بإبلاغ ما أنزل إليه؟؟
                      يقول الشيعة، بأنه جمع الناس على صعيد واحد في ذلك المكان وهو غدير خم، وخطبهم خطبة بليغة طويلة وأشهدهم على انفسهم فشهدوا بانه صلى الله عليه وآله وسلم أولى بهم من أنفسهم وعند ذلك رفع يد علي بن أبي طالب وقال: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار»(1).
                      ______________________________
                      (1) وهو ما يسمى بحديث الغدير وقد أخرجه علماء الشيعة وعلماء السنة على حد سواء.
                      {53}
                      ثم ألبسه عمامته وعقد له موكباً وأمر أصحابه بتهنئته بإمرة المؤمنين ففعلوا وفي مقدمتهم أبوبكر وعمر يقولان بخ بخ لك يابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة(1).
                      وبعدما فرغوا أنزل الله عليه (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا).
                      هذا ما يقوله الشيعة وهو عندهم من المسلمات ولا يختلف فيه عندهم إثنان، فهل لهذه الحادثة ذكر عند أهل السنة والجماعة؟ وحتى لا ننحاز إليهم ويعجبنا قولهم: فقد حذرنا الله سبحانه بقوله: (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام...)(2).
                      فالواجب أن نحتاط ونبحث هذا الموضع بكل حذر وننظر في أدلة الفريقين بكل نزاهة مبتغين ذي ذلك رضاه سبحانه.
                      والجواب نعم، إن كثيرأ من علماء أهل السنة يذكرون هذه الحادثة بكل أدوارها وهاهي بعض الشواهد من كتبهم.
                      1 - أخرج الإمام أحمد بن حنبل من حديث زيد بن أرقم قال: نزلنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بواد يقال له وادي خم، فأمر بالصلاة فصلاّها بهجير، قال فخطبنا وظلل لرسول الله بثوب على شجرة سمرة من الشمس فقال:
                      «الستم تعلمون، أو ألستم تشهدون أني أولى بكل مؤمن من نفسه؟
                      ______________________________
                      (1) أحمد بن حنبل في مسنده ج 4 ص 281 والطبري في تفسيره والرازي في تفسيره الكبير ج 3 ص 636 وابن حجر في صواعقه والدارقطني والبيهقي والخطبي البغدادي والشهرستاني وغيرهم.
                      (2) سورة البقرة آية 204.
                      {54}
                      قالوا: بلى قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه...»(1).
                      2 - أخرج الإمام النسائي في كتاب الخصائص عن زيد بن أرقم قال: لما رجع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقمّمن، ثم قال:
                      «كاني دعيت فأجبت وإني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، ثم قال: إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن ثم إنه أخذ بيد علي فقال: من كنت وليه فهذا وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. قال أبو الطفيل فقلت لزيد: سمعته من رسول الله فقال: وإنه ما كان في الدوحات أحد إلا رآه بعينه وسمعه بأذنيه»(2).
                      3 - أخرج الحاكم النيسابوري عن زيد بن أرقم من طريقين صحيحين على شرط الشيخين قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حجة الوداع ونزل غدير خم، أمر بدوحات فقمّمن فقال:
                      «كأني دعيت فأجبت وإني تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله تعالى وعترتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، ثم قال: إن الله عز وجل مولاي وأنا مولى كل مؤمن ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت مولاه فهذا وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاده..»(3).
                      4 - كما أخرج هذا الحديث مسلم في صحيحه يسنده إلى زيد بن ارقم
                      ______________________________
                      (1) مسند أحمد بن حنبل ج 4 ص 372.
                      (2) النسائي في كتاب الخصائص ص 21.
                      (3) مستدرك الحاكم ج 3 ص 109.
                      {55}
                      ولكنه إختصره فقال: قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكّر ثم قال:
                      «أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فاجبيب وأنا تارك فيكم ثقلين اولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحث على كتاب ورغب فيه ثم قال: وأهل بيتي أذكّركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في اهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي...»(1).
                      تعليق - بالرغم من أن الإمام مسلم إختصر الحادثة ولم يروها بكاملها إلا أنها بحمد الله كافية وشافية ولعل الإختصار كان من زيد بن أرقم نفسه لما اضطرته الظروف السياسية إلى كتمان حديث الغدير وهذا نفهمه من سياق الحديث إذ يقول الراوي: إنطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم، فلما جلسنا إليه قال له حصين، لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسمعت حديثه وغزوت معه وصليت خلفه، لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً، حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: يابن أخي والله لقد كبرت سني وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فما حدثتكم فاقبلوا وما لا فلا تكلفونيه، ثم قال: قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خماً...
                      فيبدو من سياق الحديث أن حصينا سأل زيد بن أرقم عن حادثة الغدير وأحرجه أمام الحاضرين بهذا السؤال وكان بدون شك يعلم بأن الجواب الصريح على ذلك يسبب له مشاكل مع الحكومة التي كانت تحمل الناس على لعن علي بن أبي طالب، ولهذا نجده يعتذر للسائل بأنه كبرت سنه وقدم عهده ونسي بعض
                      ______________________________
                      (1) صحيح مسلم ج 7 ص 122 باب فضائل علي بن ابي طالب وذكر الحديث أيضاً الإمام أحمد والترمذي وابن عساكر وغيرهم.

                      تعليق


                      • #12
                        {56}
                        الذي كان يعي ثم يضيف طالباً من الحاضرين بأن يقبلوا ما يحدثهم به ولا يكلفوه ما يريد السكوت عنه.
                        ومع خوفه، ومع إختصاره للحادثة واقتضابها فقد أوضح زيد بن أرقم (جزاه الله خيراً) كثيراً من الحقائق وألمح لحديث الغدير بدون ذكره، وذلك قوله قام فينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطيباً بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة، ثم بعد ذلك فضل علي وأنه شريك القرآن في حديث الثقلين كتاب الله وأهل بيتي بدون أن يذكر إسم علي وترك للحاضرين أن يستنتجوا ذلك بذكائهم لأن كل المسلمين يعرفون أن علياً هو سيد أهل بيت النبوة.
                        ولذلك نرى حتى الإمام مسلم نفسه فهم من الحديث ما فهمناه وعرف ما عرفناه فتراه يخرج هذا الحديث في باب فضائل علي بن أبي طالب رغم أن الحديث ليس فيه ذكر لاسم علي بن أبي طالب(1).
                        5 - أخرج الطبراني في المعجم الكبير بسند صحيح عن زيد بن أرقم وعن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بغدير خم تحت شجرات فقال:
                        «أيها الناس يوشك أن أدعى فأجيب وإني مسؤول وإنكم مسؤولون فماذا أنتم قائلون؟ قالوا نشهد أنك قد بلغت وجاهدت ونصحت، فجزاه الله خيراً. فقال: أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله وأن جنته حق وأن ناره حق، وأن الموت حق وأن البعث حق بعد الموت، وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور؟ قالوا: بلى نشهد بذلك. فقال اللهم إشهد، ثم قال: يا أيها الناس إن الله مولاي، وانا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فهذا مولاه - يعني علياً - اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، ثم قال: يا أيها الناس إني فرطكم، وإنكم واردون علي الحوض، حوض أعرض ما بين بصري إلى
                        ______________________________
                        (1) صحيح مسلم ج 7 ص 122 باب فضائل علي بن أبي طالب.
                        {57}
                        صنعاء، فيه عدد النجوم قدحان من فضة، وإني سائلكم حين تردون علي عن الثقلين، كيف تخلفوني فيهما الثقل الأكبر كتاب الله عز وجل سبب طرفه بيد الله تعالى وطرفه بأيديكم، فاستمسكوا به لا تضلوا ولا تبدلوا، وعترتي أهل بيتي فإنه نبأني اللطيف الخبير أنهما لن ينقضيا حتى يردا علي الحوض»(1).
                        6 - كما أخرج الإمام أحمد من طريق البراء بن عازب من طريقين، قال: كنا مع رسول الله، فنزلنا بغدير خم، فنودي فينا الصلاة جامعة، وكسح لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي، فقال:
                        «ألستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى قال: ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى قال: فأخذ بيد علي، فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، قال فلقيه عمر بعد ذلك، فقال له: هنيئاً يابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة»(2).
                        وباختصار فقد روى حديث الغدير من أعلام أهل السنة زيادة عمن ذكرنا، الترمذي وابن ماجة، وابن عساكر وأبي نعيم، وابن الأثير، والخوارزمي، والسيوطي، وابن حجر والهيثمي، وابن الصباغ المالكي، والقندوزي الحنفي، وابن المغازلي وابن كثير، والحمويني، والحسكاني، والغزالي، والبخاري في تاريخه.
                        على أن العلامة الأميني صاحب كتاب الغدير ذكر من علماء أهل السنة
                        ______________________________
                        (1) ابن حجر في صواعقه ص 25 نقلاً عن الطبراني والحكيم الترمذي
                        (2) مسند الإمام أحمد بن حنبل الجزء الرابع صفحة 281. كذلك في كنز العمال جزء 15 ص 117. فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج 1 ص 350.
                        {58}
                        والجماعة الذين رووا حديث الغدير وأخرجوه في كتبهم على اختلاف طبقاتهم ومذاهبهم من القرن الأول للهجرة وحتى القرن الرابع عشر فكان عددهم يزيد عن ثلثمائة وستين عالماً، ولمن أراد التحقيق فعليه بمراجعة كتاب الغدير(1)
                        أفيمكن بعد كل هذا. أن يقول قائل بان حديث الغدير هو من مختلقات الشيعة.
                        والعجيب الغريب أن أغلب المسلمين عندما تذكر له حديث الغدير، لا يعرفه أو قل لم يسمع به والأعجب من هذا كيف يدّعي علماء أهل السنة بعد هذا الحديث المجمع على صحته، بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يستخلف وترك الأمر شورى بين المسلمين.
                        فهل هناك للخلافة حديث أبلغ من هذا وأصرح يا عباد الله؟؟ وإني لأذكر مناقشتي مع أحد علماء الزيتونة في بلادنا عندما ذكرت له حديث الغدير محتجاً به على خلافة الإمام علي فاعترف بصحته، وزاد في الحبل وصلة فأطلعني على تفسيره للقرآن الذي ألفه بنفسه، والذي يذكر فيه حديث الغدير ويصححه ويقول بعد ذلك:
                        «وتزعم الشيعة بأن هذا الحديث هو نص على خلافة سيدنا علي كرم الله وجهه، وهو باطل عند أهل السنة والجماعة لأنه يتنافى مع خلافة سيدنا أبي بكر الصديق وسيدنا عمر الفاروق وسيدنا عثمان ذي النورين، فلا بد من تأويل لفظ المولى الوارد في الحديث على معنى المحب والناصر، كما ورد ذلك في الذكر الحكيم، وهذا ما فهمه الخلفاء الراشدون والصحابة الكرام رضي الله تعالى عليهم أجمعين، وهذا ما أخذه عنهم التابعون وعلماء المسلمين، فلا عبرة لتأويل الرافضة لهذا الحديث لأنهم لا يعترفون بخلافة الخلفاء ويطعنون في صحابة الرسول وهذا وحده كاف لرد أكاذيبهم وإبطال مزاعمهم» إنتهى كلامه في
                        ______________________________
                        (1) كتاب الغدير للعلامة الأميني في إحدى عشر مجلداً وهو كتاب قيم جمع فيه صاحبه كل ما يتعلق بحديث الغدير من كتب أهل السنة والجماعة.

                        تعليق


                        • #13
                          {59}
                          الكتاب.
                          سألته: هل الحادثة وقعت بالفعل في غدير خم؟
                          أجاب: لو لم تكن وقعت ما كان ليرويها العلماء والمحدثون!
                          قلت: فهل يليق برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يجمع أصحابه في حر الشمس المحرقة ويخطب لهم خطبة طويلة ليقول لهم بأن علي محبكم وناصركم؟ فهل ترضون بهذا التأويل؟
                          أجاب: إن بعض الصحابة إشتكى علياً وكان فيهم من يحقد عليه ويبغضه، فأراد الرسول أن يزيد حقدهم فقال لهم بأن علياً محبكم وناصركم لكي يحبوه ولا يبغضوه.
                          قلت: هذا لا يتطلب إيقافهم جميعاً والصلاة بهم وبدأ الخطبة بقوله: ألست أولى بكم من أنفسكم لتوضيح معنى المولى، وإذا كان الأمر كما تقول فكان بإمكانه أن يقول لمن اشتكى منهم علياً «إنه محبكم وناصركم» وينتهي الأمر بدون ان يحبس في الشمس تلك الحشود الهائلة وهي أكثر من مائة ألف فيهم الشيوخ والنساء، فالعاقل لا يقنع بذلك أبداً!
                          فقال: وهل العاقل يصدّق بأن مائة ألف صحابي لم يفهموا ما فهمت أنت والشيعة؟؟
                          قلت: أولاً لم يكن يسكن المدينة المنورة إلا قليل منهم. وثانياً: إنهم فهموا بالضبط ما فهمته أنا والشيعة ولذلك روى العلماء بأن أبا بكر وعمر كانا من المهنئين لعلي بقولهم: «بخ بخ لك يابن أبي طالب أمسيت واصبحت مولى كل مؤمن».
                          قال: فلماذا لم يبايعوه إذاً بعد وفاة النبي؟ أتراهم عصوا وخالفوا أمر النبي؟ أستغفر الله من هذا القول.
                          قلت: إذا كان العلماء من أهل السنة يشهدون في كتبهم بأن بعضهم -
                          {60}
                          أعني من الصحابة - كانوا يخالفون أوامر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حياته وبحضرته(1) فلا غرابة في ترك أوامره بعد وفاته، وأذا كان أغلبهم يطعن في تأميره أسامة بن زيد لصغر سنه رغم أنها سرية محدودة ولمدة قصيرة فكيف يقبلون تأمير علي على صغر سنه ولمدة الحياة، وللخلافة المطلقة؟ ولقد شهدت أنت بنفسك بأن بعضهم كان يبغض علياً ويحقد عليه!!
                          أجابني متحرجاً: لو كان الإمام علي كرم الله وجهه ورضي الله عنه يعلم أن رسول صلى الله عليه وآله وسلم إستخلفه، ما كان ليسكت عن حقه وهو الشجاع الذي لا يخشى أحداً ويهابه كل الصحابة.
                          قلت: سيدي هذا موضوع آخر لا أريد الخوض فيه لأنك لم تقتنع بالأحاديث النبوية الصحيحة وتحاول تأويلها وصرفها عن معناها حفاظاً على كرامة السلف الصالح، فكيف أقنعك بسكوت الإمام علي او باحتجاجه عليهم بحقه في الخلافة؟
                          إبتسم الرجل قائلاً: أنا والله من الذين يفضلون سيدنا علياً كرم الله وجهه على غيره، ولو كان الأمر بيدي لما قدمت عليه أحداً من الصحابة، لأنه باب مدينة العلم وهو أسد الله الغالب، ولكن مشيئة الله سبحانه هو الذي يقدّم من يشاء ويؤخر من يشاء، لا يسأل عما يفعل وهو يسألون.
                          إبتسمت بدوري له وقلت: هذا أيضاً موضوع آخر يجرّنا للحديث عن القضاء والقدر وقد سبق لنا أن تحدثنا فيه وبقي كل منا على رايه، وإني لأعجب يا سيدي لماذا كلما تحدثت مع عالم من علماء أهل السنة وأفحمته بالحجة سرعان ما يتهرب من الموضوع إلى موضع آخر لا علاقة له بالبحث الذي نحن بصدده قال: وأنا باق على رأيي لا أغيّره. ودّعته وانصرفت. بقيت أفكّر ملياً لماذا لا أجد
                          ______________________________
                          (1) صحيح البخاري ومسلم إذ أخرجا عدة مخالفات لهم كما في صلح الحديبية وكما في رزية يوم الخميس وغير ذلك كثير.
                          {61}
                          واحداً من علمائنا يكمل معي هذا المشوار ويوقف الباب على رجله كما يقول المثل الشائع عندنا.
                          فالبعض يبدأ الحديث، وعندما يجد نفسه عاجزاً عن إقامة الدليل على أقواله يتملص بقوله: تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم، والبعض يقول ما لنا ولإثارة الفتن والأحقاد فالمهم أن السنة والشيعة يؤمنون بإله واحد ورسول واحد وهذا يكفي والبعض يقول بإيجاز: يا أخي إتق الله في الصحابة، فهل يبقى مع هؤلاء مجال للبحث العلمي وإنارة السبيل والرجوع للحق الذي ليس بعده إلا الضلال؟ وأين هؤلاء من أسلوب القرآن الذي يدعو الناس لإقامة الدليل (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) مع العلم بأنهم لو يتوقفون عن طعنهم وتهجمهم على الشيعة لما ألجأونا للجدال معهم حتى بالتي هي أحسن.
                          أية إكمال الدين تتعلق أيضاً بالخلافة
                          قوله سبحانه وتعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً)(1) يجمع الشيعة على نزولها بغدير خم بعد تنصيب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للإمام علي خليفة للمسلمين وذلك رواية عن أئمة العترة الطاهرة وبذلك تراهم يعدون الإمامة من أصول الدين.
                          ورغم أن الكثير من علمائنا يروون نزولها في غدير خم بعد تنصيب الإمام علي أذكر منهم على سبيل المثال:
                          1 - تاريخ دمشق لابن عساكر ج 2 ص 75.
                          2 - مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي الشافعي ص 19.
                          3 - تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج 8 ص 290.
                          4 - الإتقان للسيوطي ج 1 ص 31.
                          5 - المناقب للخوارزمي الحنفي ص 80.
                          6 - تذكرة الخواص للسبط ابن الجوزي ص 30
                          ______________________________
                          (1) سورة المائدة آية 3.
                          {64}
                          7 - تفسير ابن كثير ج 2 ص 14.
                          8 - روح المعاني للألوسي ج 6 ص 55.
                          9 - البداية والنهاية لابن كثير الدمشقي ج 5 ص 213.
                          10 - الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي ج 3 ص 19.
                          11 - ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 115.
                          12 - شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي ج 1 ص 157.
                          أقول رغم ذلك لابد لعلماء اهل السنة من صرف هذه الآية إلى مناسبة أخرى، وذلك للحفاظ على كرامة السلف الصالح من الصحابة، وإلا لو سلموا بنزولها في غدير خم لاعترفوا ضمنياً بأن ولاية علي بن أبي طالب هي التي أكمل الله بها الدين وأتم بها على المسلمين نعمته ولتبخرت خلافة الخلفاء الثلاثة الذين سبقوه، ولتزعزعت عدالة الصحابة، ولذابت أحاديث كثيرة مشهورة كما يذوب الملح في الماء، وهذا أمر مستحيل وخطب فادح، لأنه يتعلق بعقيدة أمة كبيرة لها تاريخها وعلماؤها وأمجادها، فلا يمكن لنا تكذيب أمثال البخاري ومسلم الذين يروون بأن الآية إنما نزلت عشية عرفة في يوم الجمعة.
                          وبمثل ذلك تصبح الروايات الأولى مجرد خرافات شيعية لا أساس لها من الصحة ويصبح الطعن على الشيعة أولى من الطعن على الصحابة فهؤلاء معصومون عن الخطأ(1) ولا يمكن لأي إنسان أن ينتقد أفعالهم وأقوالهم، أما أولئك الشيعة فهم مجوس، كفار، زنادقة وملحدون ومؤسس مذهبهم هو عبد الله بن سبأ(2) وهو يهودي أسلم في عهد عثمان ليكيد للمسلمين وللإسلام.
                          ______________________________
                          (1) لأنهم يعتقدون بأن الصحابة كالنجوم بايهم إقتديتم إهتديتم.
                          (2) إقرأ كتاب عبد الله بن سبأ للعلامة العسكري لتعرف بأنه لا وجود له، وهو من مختلقات سيف بن عمر التميمي المشهور بالوضع والكذب - واقرأ كتاب الفتنة الكبرى لطه حسين وإن شئت فاقرأ كتاب الصلة بين التصوف والتشيع للدكتور مصطفى كامل الشيبي لتعرف بأن عبد الله بن سبأ هذا ليس غير سيدنا عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه

                          تعليق


                          • #14
                            {65}
                            وهذا أسهل بكثير للتمويه على الأمة التي تربّت على تقديس واحترام الصحابة (أي صحابي كان ولو شاهد النبي مرة واحدة) وأنى لنا أن نقنعهم بأن تلك الروايات ليست خرافات شيعية وإنما هي من أحاديث الأئمة الإثني عشر الذين نص رسول الله على إمامتهم، الذين نجحت الحكومات الإسلامية في القرن الأول في غرس حب واحترام الصحابة مقابل التنفير من علي وبنيه، حتى لعنتهم على المنابر وتتبعت شيعتهم بالقتل والتشريد، فنشأ من ذلك بغض وكراهية لكل الشيعة، لما روّجته وسائل الإعلام في عهد معاوية من إشاعات وخزعبلات وعقائد فاسدة ضد الشيعة، وهم (الحزب المعارض) كما يسمى عندنا اليوم لعزلهم والقضاء عليهم.
                            ولذلك نجد حتى الكتاب والمؤرخين في تلك العصور يسمونهم الروافض ويكفرونهم ويستبيحون دماءهم تزلفاً للحكام ولما إنقرضت الدولة الأموية وخلفتها الدولة العباسية نسج بعض المؤرخين على منوالهم وعرف البعض حقيقة أهل البيت(1) فحاول التوفيق والإنصاف فألحق علياً بالخلفاء الراشدين ولكن لم يجرأوا على التصريح بأحقيته، ولذلك تراهم لا يخرجون في صحاحهم إلا النزر اليسير من فضائل علي والتي لا تتعارض مع خلافة الذين سبقوه، والبعض منهم وضع كثيراً من الأحاديث في فضل ابي بكر وعمر وعثمان على لسان علي نفسه حتى يقطع بذلك (على زعمه) الطريق على الشيعة الذين يقولون بافضليته.
                            واكتشفت خلال البحث بأن شهرة الرجال وعظمتهم إنما كانت تقدر ببغضهم لعلي بن أبي طالب، فالأمويون والعباسيون كانوا يقربون ويعظمون كل من حارب الإمام علي أو وقف ضده بالسيف أو باللسان، فتراهم يرفعون بعض الصحابة ويضعون آخرين، ويغدقون الأموال على بعض الشعراء ويقتلون آخرين، ولعل عائشة أم المؤمنين لم تكن لتحضى بتلك المنزلة عندهم لولا
                            ______________________________
                            (1) ذلك لأن الأئمة من أهل البيت فرضوا أنفسهم بأخلاقهم وعلومهم التي ملأت الخافقين وبزهدهم وتقواهم والكرامات التي حباهم الله بها.
                            {66}
                            بغضها(1) وحربها لعلي.
                            ومن ذلك أيضاً تجد العباسيون يعلون من شأن البخاري ومسلم والإمام مالك لأنهم لم يخرجوا من فضائله إلا القليل بل نجد صراحة في هذا الكتاب بان علي بن ابي طالب لا فضل له ولا مزية فقد روى البخاري في صحيحه في باب مناقب عثمان عن ابن عمر قال: كنا في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا نعدل بابي بكر أحداً ثم عمر ثم عثمان ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا نفاضل بينهم(2) فعلي عنده كسائر الناس (إقرأ واعجب)!!
                            كما أن في الأمة فرقاً أخرى كالمعتزلة والخوارج وغيرهم ممن لا يقول بمقالة الشيعة، ولأن إمامة علي وأولاده من بعده تقطع عليهم الطريق للوصول للخلافة والتحكم في رقاب الناس والتلاعب بمصيرهم وممتلكاتهم كما فعل ذلك بنو أمية وبنو العباس في عهد الصحابة وفي عهد التابعين وإلى يوم الناس هذا. لأن حكام العصر الذين وصلوا إلى الحكم سواء بالوراثة كالملوك والسلاطين، أو حتى الرؤساء الذين إنتخبتهم شعوبهم لا يعجبهم هذا الإعتقاد؛ أعني أن يعتقد المؤمنون بخلافة أهل البيت، ويضحكون من هذه الفكرة التيوقراطية، التي لا يقول بها إلا الشيعة، وخصوصاً إذا كان هؤلاء الشيعة قد بلغوا من سخافة العقل وسفاهة الرأي أنهم يعتقدون بإمامة المهدي المنتظر الذي سيملأ أرضهم قسطا وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
                            ونعود الآن لمناقشة أقوال الطرفين في هدوء وبدون تعصب، لنعرف ما هي
                            ______________________________
                            (1) كانت لا تطيق ذكر إسمه البخاري ج 1 ص 162 ج 7 ص 18 ج 5 ص 140 ويقول المؤرخون لما بلغها خبر مقتله سجدت شكرا لله وقالت في ذلك شعراً
                            (2) صحيح البخاري ج 4 ص 191 وص 201 كما روى البخاري في صحيحه ج 4 ص 195 رواية تنسب إلى محمد بن الحنفية قال: قلت لأبي أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: أبوبكر قلت ثم من قال: ثم عمر وخشيت أن يقول عثمان قلت ثم أنت قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين.
                            {67}
                            المناسبة وما هو سبب نزول آية «إكمال الدين» حتى يتضح لنا الحق فنتبعه وما علينا بعد ذلك من رضا هؤلاء، أو غضب أولئك ما دمنا نتوخى قبل كل شيء رضا الله سبحانه والنجاة من عذابه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كمنتم تكفرون، وأما الذين إبيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون»(1).
                            ______________________________
                            (1) سورة المائدة آية 106.
                            مناقشة القول بأن الاية نزلت يوم عرفة
                            أخرج البخاري في صحيحه(1) قال: حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب أن أناساً من اليهود قالوا: لو نزلت هذه الآية فينا لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، فقال عمر أيّة آية؟ فقالوا: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً).
                            فقال عمر: إني لأعلم أي مكان أنزلت، أنزلت ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واقف بعرفة.
                            وأخرج ابن جرير عن عيسى بن حارثة الأنصاري قال: كنا جلوساً في الديوان فقال لنا نصراني: يا أهل الإسلام، لقد أنزلت عليكم آية لو أنزلت علينا لاتخذنا ذلك اليوم وتلك الساعة عيداً ما بقي منا إثنان وهي (اليوم أكملت لكم دينكم) فلم يجبه أحد منا، فلقيت محمد بن كعب القرطني فسألته عن ذلك، فقال: ألا رددتم عليه؟ فقال عمر بن الخطاب أنزلت على النبي وهو واقف على الجبل يوم عرفة، فلا يزال ذلك اليوم عيداً للمسلمين ما بقي منهم
                            ______________________________
                            (1) صحيح البخاري ج 5 ص 127.
                            {70}
                            أحد(1)
                            أولاً - نلاحظ من خلال هذه الروايات أن المسلمين كانوا يجهلون تاريخ ذلك اليوم المشهود، ولا يحتفلون به مما دعا اليهود مرة والنصارى أخرى أن يقولوا لهم: لو أن هذه الآية فينا نزلت لاتخذنا يومها عيداً مما حدا بعمر بن الخطاب أن يسأل أية آية؟ ولما قالوا: (اليوم أكملت لكم دينكم) قال: إني لأعلم أي مكان أنزلت، أنزلت ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واقف بعرفة.
                            فإننا نشم رائحة الدس والتعتيم من خلال هذه الرواية وأن الذين وضعوا هذا الحديث على لسان عمر بن الخطاب في زمن البخاري أرادوا أن يوفّقوا بين آراء اليهود والنصارى في أن ذلك اليوم هو يوم عظيم يجب أن يكون عيداً وبين ما هم عليه من عدم الإحتفال بذلك اليوم وعدم ذكره بالمرة حتى تناسوه، والمفروض أن يكون من أكبر الأعياد لدى المسلمين إذ أن الله سبحانه أكمل لهم فيه دينهم وأتم فيه نعمته عليهم ورضي لهم الإسلام ديناً.
                            ولذلك ترى في الرواية الثانية قول الراوي عندما قال له النصراني: يا أهل الإسلام، لقد أنزلت عليكم آية لو أنزلت علينا لاتخذنا ذلك اليوم عيداً ما بقي منا إثنان.
                            قال الراوي فلم يجبه أحد منا؛ وذلك لجهلهم بتاريخ وموقف ذلك اليوم وعظمته، ويبدوا أن الراوي نفسه إستغرب كيف يغفل المسلمون عن الإحتفال بمثل ذلك اليوم ولهذا نراه يلقي محمد بن كعب القرطني فيسأله عن ذلك فيرد هذا الأخير بأن عمر بن الخطاب روي أنها أنزلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو واقف على الجبل يوم عرفة.
                            فلو كان ذلك اليوم معروفاً لدى المسلمين على أنه يوم عيد لما جهله هؤلاء الرواة سواء أكانوا من الصحابة أم من التابعين، لأن الثابت المعروف لديهم أن
                            ______________________________
                            (1) جلال الدين السيوطي الدر المنثور في التفسير بالمأثور ج 3 ص 18.

                            تعليق


                            • #15
                              {71}
                              للمسلمين عيدين إثنين وهما عيد الفطر وعيد الأضحى، حتى أن العلماء والمحدثين كالبخاري ومسلم وغيرهما تراهم يخرجون في كتبهم كتاب العيدين - صلاة العيدين - خطبة العيدين إلى غير ذلك من المتسالم عليه لدى خاصتهم وعامتهم، ولا وجود لعيد ثالث.
                              وأغلب الظن أن القائلين بمبدأ الشورى في الخلافة ومؤسسي هذه النظرية هم الذين صرفوا نزولها عن حقيقتها يوم غدير خم بعد تأمير الإمام علي، فكان تحويل نزولها في يوم عرفة أهون وأسهل عن القائلين به لأن يوم الغدير جمع مائة ألف حاج أو يزيدون، وليس هناك مناسبة في حجة الوداع أقرب إلى الغدير من يوم عرفة في المقارنة إذ أن الحجيج لم يجتمعوا على صعيد واحد إلا فيهما، فالمعروف أن الناس يكونون متفرقين جماعات وأشتاتاً في كل أيام الحج ولا يجتمعون في موقف واحد إلا في عرفة.
                              ولذلك نرى أن القائلين بنزولها يوم عرفة يقولون بنزولها مباشرة بعد خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم الشهيرة والتي أخرجها المحدثون.
                              وإذا كان النص بالخلافة على علي بن أبي طالب قد صرفوه عن حقيقته وباغتوا الناس (بمن فيهم علياً نفسه والذين كانوا منشغلين معه بتجهيز الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ودفنه) بالبيعة لابي بكر في سقيفة بني ساعدة على حين غفلة، وضربوا بنصوص الغدير عرض الجدار وجعلوه نسيا منسيا، فهل يمكن لأي أحد بعد الذي وقع أن يحتج بنزول الآية يوم الغدير؟
                              فليست الآية أوضح في مفهومها من حديث «الولاية» وإنما تحمل في معناها إكمال الدين وإتمام النعمة ورضا الرب ليس إلا، وإن كانت تنطوي على إشعار بحصول حدات لهم في ذلك اليوم هو الذي سبب كمال الدين.
                              ومما يزيدنا يقيناً بصحة هذا الإعتقاد، ما رواه ابن جرير عن قبيصة بن أبي ذؤيب قال: قال كعب «لو أن غير هذه الأمة نزلت عليهم هذه الآية لنظروا اليوم الذي أنزلت فيه عليهم فاتخذوه عيداً يجتمعون فيه»! فقال عمر: وأي آية يا
                              {72}
                              كعب؟ فقال: (اليوم أكملت لكم دينكم) فقال عمر: لقد علمت اليوم الذي أنزلت والمكان الذي نزلت فيه، نزلت في يوم جمعة، ويوم عرفة، وكلاهما بحمد الله لنا عيد(1).
                              ثانياً - على أن القول بنزول الآية (اليوم أكملت لكم دينكم) في يوم عرفة يتنافى مع آية البلاغ (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك) والتي تأمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بإبلاغ أمر مهم لا تتم الرسالة إلا به، والتي سبق البحث وتبين نزولها بين مكة والمدينة بعد حجة الوداع وهو ما رواه أكثر من مائة وعشرين صحابياً وأكثر من ثلثمائة وستين من علماء أهل السنة والجماعة، فكيف يكمل الله الدين ويتم النعمة في يوم عرفة ثم بعد أسبوع يامر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وهو راجع إلى المدينة بإبلاغ شيء مهم لا تتم الرسالة إلا به؟؟ كيف يصح ذلك يا أولي الألباب؟؟؟
                              ثالثاً - إن الباحث المدقق إذا أمعن النظر في خطبة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يوم عرفة لا يجد فيها أمراً جديداً يجهله المسلمون والذي يمكن إعتباره شيئاً مهما أكمل الله به الدين وأتم به النعمة، إذ ليس فيها إلا جملة من الوصايا التي ذكرها القرآن أو ذكرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في عدة مناسبات وأكد عليها يوم عرفة. وإليك ما جاء في الخطبة على ما سجله كل الرواة:
                              - إن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم كحرمة شهركم هذا ويومكم هذا.
                              - إتقوا الله ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين، فمن كانت عنده أمانة فليؤدها.
                              - الناس في الإسلام سواء لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى.
                              - كل دم كان في الجاهلية موضوع تحت قدمي، وكل ربا كان في الجاهلية موضوع تحت قدمي.
                              ______________________________
                              (1) الدر المنثور للسيوطي في تفسيره لآية (اليوم اكملت لكم دينكم) سورة المائدة.
                              {73}
                              - أيها الناس إنما النسيء زيادة في الكفر... ألا وأن الزمان قد إستدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض.
                              - إن عدة الشهور عند الله إثنا عشر شهراً في كتاب الله منها أربعة حرم.
                              - أوصيكم بالنساء خيراً، إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكتاب الله.
                              - أوصيكم بمن ملكت أيمانكم فاطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون.
                              - إن المسلم أخو المسلم، لا يغشه ولا يخونه ولا يغتابه ولا يحل له دمه ولا شيء من ماله.
                              -إن الشيطان قد يئس أن يعبد بعد اليوم ولكن يطاع فيما سوى ذلك من أعمالكم التي تحتقرون.
                              - أعدى الأعداء على الله قاتل غير قاتله، وضارب غير ضاربه ومن كفر نعمة مواليه فقد كفر بما أنزل الله على محمد، ومن إنتمى إلى غير أبيه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
                              - إنما أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله وإني رسول الله، وإذا قالوها عصموا مني دماءهم، وأموالهم إلا بحق وحسابهم على الله.
                              - لا ترجعوا بعدي كفاراً، مضلين يضرب بعضكم رقاب بعض.
                              هذا كل ما قيل في خطبة عرفة من حجة الوداع وقد جمعت فصولها من جميع المصادر الموثوقة حتى لا يبقى شيء من وصاياه صلى الله عليه وآله وسلم التي ذكرها المحدثون إلا أخرجتها فهل فيها شيء جديد بالنسبة للصحابة؟ كلا فكل ما جاء فيها مذكور في القرآن ومبيّن حكمه في السنة النبوية، فقد قضى صلى الله عليه وآله وسلم حياته كلها يبيّن للناس ما نزل إليهم ويعلمهم كل صغيرة وكبيرة، فلا وجه لنزول آية «إكمال الدين وإتمام النعمة ورضا الله» بعد هذه الوصايا التي يعرفها المسلمون، وإنما أعادها عليهم للتأكيد لأنهم لأول مرة يجتمعون عليه
                              {74}
                              بذلك العدد الهائل ولأنه أخبرهم قبل الخروج إلى الحج بأنها حجة الوداع فكان واجباً عليه أن يسمعهم تلك الوصايا أما إذا أخذنا بالقول الثاني: وهو نزول الآية يوم غدير خم بعد تنصيب الإمام علي خليفة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين، فإن المعنى يستقيم ويكون مطابقاً، لأن الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أهمّ الأمور ولا يمكن أن يترك الله عباده سدى ولا ينبغي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يذهب دون إستخلاف ويترك أمته هملا بدون راع وهو الذي ما كان يغادر المدينة إلا ويستخلف عليها أحداً من أصحابه فكيف نصدق بانه إلتحق بالرفيق الأعلى وما فكر في الخلافة؟؟؟
                              وإذا كان الملحدون في عصرنا يؤمنون بهذه القاعدة ويسرعون إلى تعيين خلف للرئيس حتى قبل موته ليسوس أمور الناس ولا يتركونهم يوماً واحداً بدون رئيس!
                              فلا يمكن أن يكون الدين الإسلامي وهو أكمل الأديان وأتمها والذي ختم الله به كل الشرائع أن يهمل أمراً مهمّاً كهذا.
                              وقد عرفنا في ما تقدم بأن عائشة وابن عمر وقبلهما ابوبكر وعمر أدركوا كلهم بأنه لابد من تعيين الخليفة وإلا لكانت فتنة، كما أدرك ذلك من جاء بعدهم من الخلفاء فكلهم عيّنوا من بعدهم فكيف تغيب هذه الحكمة على الله وعلى رسوله؟؟؟
                              فالقول بأن الله سبحانه أوحى إلى رسوله في الآية الأولى «آية البلاغ» وهو راجع من حجة الوداع بأن ينصّب علياً خليفة له بقوله: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) أي يا محمد إن لم تبلغ ما أمرتك به بأن علياً هو ولي المؤمنين بعدك فكأنك لم تكمل مهمتك التي بعثت بها، إذ إن إكمال الدين بالإمامة أمر ضروري لكل العقلاء.
                              {75}
                              ويبدو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يخشى معارضتهم له أو تكذيبهم، فقد جاء في بعض الروايات: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: وقد أمرني جبرئيل عن ربي أن أقوم في هذا المشهد وأعلم كل أبيض وأسود: أن علي بن أبي طالب أخي ووصيي وخليفتي والإمام بعدي، فسألت جبرئيل أن يستعفي لي ربي لعلمي بقلة المتقين وكثرة المؤذين لي واللائمين لكثرة ملازمتي لعلي وشدة إقبالي عليه حتى سموني أذناً، فقال تعالى: (ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم) ولو شئت أن أسميهم وأدل عليهم لفعلت ولكني بسترهم قد تكرمت، فلم يرض الله إلا بتبليغي فيه فاعلموا معاشر الناس أن الله قد نصبه لكم ولياً وإماما وفرض طاعته على كل أحد.. الخطبة(1).
                              فلما أنزل الله عليه (والله يعصمك من الناس) أسرع في نفس الوقت وبدون تأخير بامتثال أمر ربه فنصب علياً خليفة من بعده وأمر أصحابه بتهنئته بإمارة المؤمنين ففعلوا وبعدها أنزل الله عليهم (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا).
                              أضف إلى كل ذلك أننا نجد بعض علماء أهل السنة والجماعة يعترفون صراحة بنزول آية البلاغ في إمامة علي فقد رووا عن ابن مردويه عن ابن مسعود قال كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك - إن علياً مولى المؤمنين - وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس(2).
                              وبعد هذا البحث إذا أضفنا روايات الشيعة عن الأئمة الطاهرين يتجلى لنا
                              ______________________________
                              (1) أخرجها بكاملها الحافظ ابن جرير الطبري في كتاب الولاية كما أخرج جلال الدين السيوطي في الدر المنثور ج 2 ص 298 خطبة في نفس المعنى بألفاظ متقاربة.
                              (2) تفسير فتح القدير للشوكاني ج 3 ص 57.
                              جلال الدين السيوطي في الدر المنثور ج 2 ص 298 عن ابن عباس.

                              تعليق

                              المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                              حفظ-تلقائي
                              x

                              رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                              صورة التسجيل تحديث الصورة

                              اقرأ في منتديات يا حسين

                              تقليص

                              لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                              يعمل...
                              X