إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

كتاب( لاكون مع الصادقين ) للتيجاني/

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #31
    {201}
    أن نحمّل أهل السنة والجماعة مسؤولية ما كتبه وزير الثقافة المصري وعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين بخصوص القرآن والشعر الجاهلي؟
    أو مارواه البخاري وهو صحيح عندهم، من نقص في القرآن وزيادة، وكذلك صحيح مسلم، وغيره(1).
    ولكن لنضرب عن ذلك صفحاً ونقابل السيئة بالحسنة ولنعم ما قاله في هذا الموضوع الأستاذ محمد المديني عميد كلية الشريعة بالجامعة الأزهرية إذ كتب يقول:
    «وأما أن الإمامية يعتقدون نقص القرآن فمعاذ الله وإنما هي روايات رويت في كتبهم، كما روي مثلها في كتبنا، وأهل التحقيق من الفريقين قد زيفوها، وبينوا بطلانها وليس في الشيعة الإمامية أو الزيدية من يعتقد ذلك، كما أنه ليس في السنة من يعتقده.
    ويستطيع من شاء أن يرجع إلى مثل كتاب الإتقان للسيوطي ليرى فيه أمثال هذه الروايات التي نضرب عنها صفحاً
    وقد ألف أحد المصريين في سنة 1498 م كتاباً إسمه «الفرقان» حشاه بكثير من أمثال هذه الروايات السقيمة المدخولة المرفوضة، ناقلاً لها عن الكتب والمصادر عند أهل السنة، وقد طلب الأزهر من الحكومة مصادرة هذا الكتاب بعد ان بيّن بالدليل والبحث العلمي اوجه البطلان والفساد فيه. فاستجابت الحكومة لهذا الطلب وصادرت الكتاب، فرفع صاحبه دعوى يطلب فيها تعويضاً، فحكم القضاء الإداري في مجلس الدولة برفضها.
    أفيقال أن أهل السنة ينكرون قداسة القرآن؟ أو يعتقدون نقص القرآن لرواية رواها فلان؟ أو لكتاب ألّفه فلان؟
    ______________________________
    (1) إذ إن كتاب (فصل الخطاب) لا يعد شيئاً عند الشيعة، بينما روايات نقص القرآن والزيادة فيه أخرجها صحاح أهل السنة والجماعة أمثال البخاري ومسلم ومسند الإمام أحمد.
    {202}
    فكذلك الشيعة الإمامية، إنما هي روايات في بعض كتبهم كالروايات التي في بعض كتبنا، وفي ذلك يقول الإمام العلامة السعيد أبو الفضل بن الحسن الطبرسي من كبار علماء الإمامية في القرن السادس الهجري في كتاب «مجمع البيان لعلوم القرآن».
    «فأما الزيادة فيه فمجمع على بطلانها، وأما النقصان منه فقد روي جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية أهل السنة أن في القرآن تغييراً ونقصاناً، والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه، وهو الذي نصره المرتضى قدس الله روحه، وأستوفى الكلام فيه غاية الإستيفاء في جواب «مسائل الطرابلسيات» وذكر في مواضع: أن العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظام، والكتب المشهورة، وأشعار العرب، فإن العناية إشتدت والدواعي توفرت على نقله وحراسته، وبلغت إلى حد لم تبلغه فيما ذكرناه لأن القرآن معجزة النبوة، ومأخذ العلوم الشرعية، والأحكام الدينية، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية حتى عرفوا كل شيء أختلف فيه من إعرابه.وقراءته، وحروفه وآياته، فكيف يجوز أن يكون مغيّرا أو منقوصاً مع العناية الصادقة والضبط الشديد»(1).
    وحتى يتبين لك أيها القارئ أن هذه التهمة (نقص القرآن والزيادة فيه) هي أقرب لأهل السنة منها إلى الشيعة، وذلك من الدواعي التي دعتني إلى أن أراجع كل معتقداتي لأني كلما حاولت إنتقاد الشيعة في شيء والإستنكار عليهم إلا وأثبتوا براءتهم منه وإلصاقه بي، وعرفت أنهم يقولون صدقا وعلى مرّ الأيام ومن خلال البحث إقتنعت والحمد لله، وها أنا مقدم لك ما يثبت ذلك في هذا الموضوع:
    ______________________________
    (1) مقال الأستاذ محمد المديني عميد كلية الشريعة في الجامع الأزهر مجلة رسالة الإسلام العدد الرابع من السنة الحادية عشر ص 382 و 383.
    {203}
    أخرج الطبراني والبيهقي
    إن من القرآن سورتين - إحداهما هي:
    بسم الله الرحمن الرحيم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير كله ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك.
    والسورة الثانية هي:
    بسم الله الرحمن الرحيم - اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك الجد إن عذابك بالكافرين ملحق.
    وهاتان السورتان سماهما الراغب في المحاضرات سورتي القنوت وهما مما كان يقنت بهما سيدنا عمر بن الخطاب وهما موجودتان في مصحف ابن عباس ومصحف زيد بن ثابت(1).
    أخرج الإمام أحمد بن حنبل في مسنده.
    عن أبي بن كعب قال: كم تقرأون سورة الأحزاب؟ قال: بضعاً وسبعين آية، قال: لقد قرأتها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثل البقرة أو أكثر منها وإن فيها أية الرجم(2).
    وأنت ترى أيها القارئ اللبيب، أن السورتين المذكورتين في كتابي الإتقان والدر المنثور للسيوطي واللتين أخرجهما الطبراني والبيهقي والتين تسميان بسورتي القنوت لا وجود لهما في كتاب الله تعالى.
    وهذا يعني أن القرآن الذي بين أيدينا ينقص هاتين السورتين الثابتتين في مصحف ابن عباس ومصحف زيد بن ثابت كما يدل أيضاً بأن هناك مصاحف أخرى غير التي عندنا، وهو يذكرني أيضاً بالتشنيع على أن للشيعة مصحف فاطمة، فافهم!
    ______________________________
    (1) جلال الدين السيوطي في الإتقان وكذلك في الدر المنثور.
    (2) مسند الإمام أحمد بن حنبل ج 5 ص 132.
    {204}
    وإن أهل السنة والجماعة يقرؤون هاتين السورتين في دعاء القنوت كل صباح، وكنت شخصياً أحفظهما وأقرأ بهما في قنوت الفجر.
    أما الرواية الثانية ألتي أخرجها الإمام أحمد في مسنده والتي تقول بأن سورة الأحزاب ناقصة ثلاثة أرباع، لأن سورة البقرة فيها 286 آية بينما لا تتعدى سورة الأحزاب 73 آية وإذا اعتبرنا عد القرآن بالحزب فإن سورة البقرة فيها أكثر من خمسة أحزاب بينما لا تعد سورة الأحزاب إلا حزباً واحداً.
    وقول ابي بن كعب: «كنت أقرأها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثل البقرة أو أكثر» وهو من أشهر القراء الذين كانوا يحفظون القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو الذي إختاره عمر(1) ليصلي بالناس صلاة التراويح. فقوله هذا يبعث الشك والحيرة كما لا يخفى.
    -وأخرج الإمام أحمد بن حنبل في مسنده(2) عن أبي بن كعب قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال
    «إن الله تبارك وتعالى أمرني أن أقرأ عليك القرآن فقال فقرأ: لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب، فقرأ فيها «ولو أن ابن آدم سأل وادياً من مال فأعطيه لسأل ثانياً فلو سأل ثانياً فأعطيه لسأل ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب وإن ذلك الدين القيم عند الله الحنفية غير المشركة ولا اليهودية ولا النصرانية ومن يفعل خيراً فلن يكفره».
    -وأخرج الحافظ ابن عساكر في ترجمة أبي بن كعب أن أبا الدرداء ركب إلى المدينة في نفر من أهل دمشق فقرأ فيها على عمر بن الخطاب هذه الآية:
    (إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام) فقال عمر بن الخطاب من أقرأكم هذا القراءة؟ فقالوا:
    ______________________________
    (1) البخاري ج 2 ص 252.
    (2) مسند الإمام أحمد بن حنبل ج 5 ص 131.
    {205}
    أبي بن كعب، فدعاه فقال لهم عمر إقرأوا، فقرأوا: (ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام) فقال أبي بن كعب لعمر بن الخطاب، نعم أنا أقرأتهم فقال عمر لزيد بن ثابت إقرأ يا زيد، فقرأ زيد قراءة العامة فقال عمر: اللهم لا أعرف إلا هذا! فقال أبي بن كعب:
    والله يا عمر إنك لتعلم أني كنت أحضر ويغيبون وأدنو ويحجبون، ووالله لئن أحببت لألزمن بيتي فلا أحدّث أحداً ولا أقرئ أحداً حتى أموت، فقال عمر اللهم غفراً، إنك لتعلم أن الله قد جعل عندك علماً فعلّم الناس ما علمت.
    قال ومر عمر بغلام وهو يقرأ في المصحف:
    (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم) فقال: يا غلام حكها، فقال هذا مصحف أبي بن كعب فذهب إليه فسأله فقال له: إنه كان يلهيني القرآن ويلهيك الصفق بالأسواق(1)
    وروى مثل هذا ابن الأثير في جامع الأصول وأبو داود في سننه، والحاكم في مستدركه.
    وأترك لك أخي القارئ أن تعلق في هذه المرة بنفسك على أمثال هذه الروايات التي ملأت كتب أهل السنة والجماعة، وهم غافلون عنها ويشنعون على الشيعة الذين لايوجد عندهم عشر هذا.
    ولكن لعل بعض المعاندين من أهل السنة والجماعة ينفر من هذه الروايات فيرفضها كعادته وينكر على الإمام أحمد تخريجه مثل هذه الخرافات فيضعّف أسانيدها ويعتبر أن مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود ليسا عند أهل السنة بمستوى صحيحي البخاري ومسلم، ولكن مثل هذه الروايات موجودة في صحيح البخاري وصحيح مسلم أيضاً.
    ______________________________
    (1) تاريخ دمشق للحافظ بن عساكر ج 2 ص 228.
    {206}
    فقد أخرج الإمام البخاري في صحيحه(1) في باب مناقب عمار وحذيفة رضي الله عنهما عن علقمة قال: قدمت الشام فصليت ركعتين ثم قلت: اللهم يسّر لي جليساً صالحاً، فأتيت قوماً فجلست إليهم فإذا شيخ قد جاء حتى جلس إلى جنبي قلت من هذا؟ قالوا: أبو الدرداء، قلت إني دعوت الله أن ييسر لي جليساً صالحاً فيسّرك لي، قال ممن أنت، فقلت من أهل الكوفة، قال: أوليس عندكم ابن أم عبد صاحب النعلين والوساد والمطهرة، وفيكم الذي أجاره الله من الشيطان على لسان نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، أوليس فيكم صاحب سر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي لا يعلم أحد غيره، ثم قال كيف يقرأ عبد الله (والليل إذا يغشى) فقرأت عليه (والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى) قال والله لقد أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من فيه إلى فيّ.
    ثم زاد في رواية أخرى قال مازال بي هؤلاء حتى كادوا يستنزلوني عن شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(2).
    وفي رواية أخرى قال: (والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى) قال: أقرأنيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاه إلى فيّ فما زال هؤلاء حتى كادوا يردوني(3)
    فهذه الروايات كلها تفيد بأن القرآن الذي عندنا زيد فيه كلمة «وما خلق».
    -وأخرج البخاري في صحيحه بسنده عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب قال: إن الله بعث محمداً صلى الله عليه وآله وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل الله آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها، فلذا رجم رسول الله
    ______________________________
    (1) صحيح البخاري ج 4 ص 215
    (2) صحيح البخاري ج 4 ص 216.
    (3) صحيح البخار ج 4 ص 218 (باب مناقب عبد الله بن مسعود)
    {207}
    صلى الله عليه وآله وسلم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أين يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل والإعتراف، ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم أو إن كفراً بكم أن ترغبوا عن أبائكم(1).
    - وأخرج الإمام مسلم في صحيحه(2) (في باب لو أن لابن آدم واديين لابتغى ثالثاً).
    قال: بعث أبو موسى الأشعري إلى قراء أهل البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرأوا القرآن فقال: أنتم خيار أهل البصرة وقراءهم فاتلوه ولا يطولن عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم، وإنا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة فأنسيتها غير أني قد حفظت منها (لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب).
    وكنا نقرأ سورة كنا نشبهها بإحدى المسبحات فأنسيتها غير أني حفظت منها (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة)(3).
    وهاتان السورتان المزعومتان اللتان نسيهما أبو موسى الأشعري إحداهما تشبه براءة يعني 129 آية والثانية تشبه إحدى المسبحات يعني عشرون آية. لا وجود لهما إلا في خيال أبي موسى، فاقرأ واعجب فإني أترك لك الخبار - أيها الباحث المنصف.
    فإذا كانت كتب أهل السنة والجماعة ومسانيدهم وصحاحهم مشحونة بمثل
    ______________________________
    (1) صحيح البخاري ج 8 ص 26 (باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت).
    (2،3) صحيح مسلم ج 3 ص 100 (باب لو أن لابن آدم واديان لابتغى ثالثا)
    {208}
    هذه الروايات التي تدعي بأن القرآن ناقص مرة، وزائد أخرى، فلماذا هذا التشنيع على الشيعة الذين أجمعوا على بطلان هذا الإدعاء.
    وإذا كان الشيعي صاحب كتاب «فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الارباب» وهو المتوفى سنة 1320 هجرية كتب كتابه منذ ما يقرب مائة عام، فقد سبقه السني في مصر صاحب كتاب «الفرقان» بما يقارب أربعة قرون كما أشار ألى ذلك الشيخ محمد المدني عميد كلية الشريعة بالأزهر(1).
    والمهم في كل هذا أن علماء السنة وعلماء الشيعة من المحققين قد أبطلوا مثل هذه الروايات واعتبروها شاذة وأثبتوا بالادلة المقنعة بأن القرآن الذي بين أيدينا هو نفس القرآن الذي أنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وليس فيه زيادة ولا نقصان ولا تبديل ولاتغيير.
    فكيف يشنّع أهل السنة والجماعة على الشيعة من أجل روايات ساقطة عندهم، ويبرؤون أنفسهم بينما صحاحهم تثبت صحة تلك الروايات؟
    وإني أذ أذكر مثل هذه الروايات بمرارة كبيرة وأسف شديد، فما أغنانا اليوم عن السكوت عنها وطيّها في سلة المهملات، لولا الحملة العشواء التي شنها بعض الكتّاب والمؤلفين ممن يدعون التمسك بالسنة النبوية ومن ورائهم دوائر معروفة تموّلهم وتشجّعهم على الطعن وتكفير الشيعة خصوصاً بعد أنتصار الثورة الإسلامية في إيران، فإلى هؤلاء أقول: إتقوا الله في إخوانكم، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فالف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً.
    ______________________________
    (1) رسالة الإسلام العدد الرابع من السنة الحادية عشر ص 382 و 383.

    تعليق


    • #32
      الجمع بين الصلاتين
      ومما يشنّع به على الشيعة أيضاً جمعهم بين صلاة الظهر والعصر وبين صلاة المغرب والعشاء.
      وأهل السنة والجماعة إذ يشنعون على الشيعة فإنهم يؤكدون في المقابل بأنهم يحافظون على الصلاة لأن الله سبحانه وتعالى يقول: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً).
      وقبل أن نحكم لهم أو عليهم يجب علينا أن نبحث في الموضوع من جميع جوانبه ونرى أقوال الطرفين:
      أما أهل السنة والجماعة فهم متفقون على جواز الجمع يعرفه بين الظهر والعصر ويسمى جمع تقديم، وجواز الجمع بالمزدلفة وقت العشاء بينها وبين فريضة المغرب ويسمى جمع تأخير، وهذا ما يتفق عليه كل المسلمون شيعة وسنة بل كل الفرق الإسلامية بدون إستثناء.
      والخلاف بين الشيعة واهل السنة هو في جواز الجمع بين الفريضتين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء في كل أيام السنة بدون عذر السفر.
      أما الحنفية فيقولون بعدم الجواز حتى في السفر وذلك مع وجود النصوص
      {210}
      الصريحة بجوازه لاسيما في السفر وخالفوا بذلك إجماع الأمة سنة وشيعة.
      وأما المالكية والشافعية والحنبلية فيقولون بجواز الجمع بين الفريضتين في السفر، ويختلفون بينهم في جوازه لعذر الخوف والمرض والمطر والطين.
      وأما الشيعة الإمامية فمتفقون على جوازه مطلقاً في غير سفر ولا مطر ولا مرض ولا خوف، وذلك إقتداء بما رووه عن أئمة أهل البيت من العترة الطاهرة (عليهم السلام)
      وهنا يجب علينا أن نقف منهم موقف الإتهام والتشكيك، لأنه كلما أحتج أهل السنة والجماعة عليهم بحجة، إلا ويردونها بأن الأئمة من أهل البيت عليهم السلام علموهم وبينوا لهم كل ما أشكل عليهم ويفتخرون بأنهم يقتدون بأئمة معصومين يعلمون القرآن والسنة!
      وانا أتذكر بأن أول صلاة جمعت فيها بين الظهر والعصر كانت بإمامة الشهيد محمد باقر الصدر عليه رضوان الله إذ كنت وأنا في النجف أفرّق بين الظهر والعصر حتى كان ذلك اليوم السعيد الذي خرجت فيه مع السيد محمد باقر الصدر من بيته إلى المسجد الذى يؤم فيه مقلديه الذين إحترموني وتركوا لي مكاناً خلفه بالضبط ولما إنتهت صلاة الظهر وأقيمت صلاة العصر حدثتني نفسي بالإنسحاب ولكن بقيت لسببين أولهما هيبة السيد الصدر وخشوعه في الصلاة حتى تمنيت أن تطول - وثانيهما وجودي في ذلك المكان وأنا أقرب المصلين إليه وأحسست بقوة قاهرة تشدني إليه ولما فرغنا من أداء فريضة العصر وانهال عليه الناس يسألونه بقيت خلفه أسمع الأسئلة والإجابة عليها إلا ما كان خفياً، ثم أخدني معه إلى بيته للغذاء وهناك وجدت نفسي ضيف الشرف، واغتنمت فرصة ذلك المجلس وسألته عن الجمع بين الصلاتين.
      -سيدي! أيمكن للمسلم أن يجمع بين الفريضتين في حالة الضرورة؟
      قال: يمكن له أن يجمع بين الفريضتين في جميع الحالات وبدون ضرورة
      قلت: وما هي حجتكم؟
      {211}
      قال: لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جمع بين الفريضتين في المدينة في غير سفر ولا خوف ولا مطر ولا ضرورة، وإنها فقط لدفع الحرج عنا، وهذا بحمد الله ثابت عندنا من طريق الأئمة الأطهار وثابت أيضاً عندكم.
      - إستغربت كيف يكون ثابتاً عندنا ولم أسمع به قبل ذلك اليوم ولا رأيت أحداً من اهل السنة والجماعة يعمل به بل بل بالعكس يقولون ببطلان الصلاة إذا وقعت حتى دقيقة قبل الأذان فكيف بمن يصليها قبل ساعات مع الظهر، أو يصلي صلاة العشاء مع المغرب فهذا يبدوا عندنا منكراً وباطلاً.
      وفهم السيد محمد باقر الصدر حيرتي واستغرابي وهمس إلى بعض الحاضرين فقام مسرعاً وجاءه بكتابين عرفت بأنهما صحيح البخاري وصحيح مسلم، وكلف السيد الصدر ذلك الطالب بأن يطلعني على الأحاديث التي تتعلق بالجمع بين الفريضتين. وقرأت بنفسي في صحيح البخاري كيف جمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فريضة الظهر والعصر وكذلك فريضة المغرب والعشاء كما قرأت في صحيح مسلم بابا كاملاً في الجمع بين الصلاتين في الحضر في غير خوف ولا مطر ولا سفر.
      ولم أخف تعجّبي ودهشتي وإن كان الشك داخلني بأن البخاري ومسلم اللذين عندهم قد يكونان محرفين وأخفيت في نفسي أن اراجع هذين الكتابين في تونس.
      وسألني السيد محمد باقر الصدر عن رأيي بعد هذا الدليل.
      - قلت: أنتم على الحق، وأنتم صادقون في ما تقولون، وبودي أن أسألكم سؤالا آخر
      قل: تفضل.
      قلت: هل يجوز الجمع بين الصلوات الأربع كما يفعل كثير من الناس عندنا لما يرجعوا في الليل يصلون الظهر والعصر والمغرب والعشاء قضاء.
      قال: هدا لا يجوز.
      {212}
      قلت: إنك قلت لي فيما سبق بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرّق وجمع وبذلك فهمنا مواقيت الصلاة التي إرتضاها الله سبحانه.
      -قال: إن لفريضتي الظهر والعصر وقت مشترك ويبتدئ من زوال الشمس إلى الغروب، ولفريضتي المغرب والعشاء أيضاً وقت مشترك ويبتدئ من غروب الشمس إلى منتصف الليل ولفريضة الصبح وقت واحد يبتدئ من طلوع الفجر إلى شروق الشمس فمن خالف هذه المواقيت يكون خالف الآية الكريمة (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا) فلا يمكن لنا مثلاً ان نصلي الصبح قبل الفجر ولا بعد شروق الشمس كما لا يمكن لنا أن نصلي فريضتي الظهر والعصر قبل الزوال أو بعد الغروب كما لا يجوز لنا أن نصلي فريضتي المغرب والعشاء قبل الغروب ولا بعد منتصف الليل.
      وشكرت السيد محمد باقر الصدر وإن كنت إقتنعت بكل أقواله غير أني لم أجمع بين الفريضتين بعد مغادرته إلا عندما رجعت ألى تونس وانهمكت في البحث واستبصرت.
      هذه قصتي مع الشهيد الصدر رحمة الله عليه في خصوص الجمع بين الفريضتين أرويها ليتبين إخواني من أهل السنة والجماعة أولا، كيف تكون أخلاق العلماء الذين تواضعوا حتى كانوا بحق ورثة الأنبياء في العلم والأخلاق.
      وثانياً: كيف نجهل ما في صحاحنا ونشنع على غيرنا بأمور نعتقد نحن بصحتها، وقد وردت في صحاحنا.
      فقد أخرج الإمام أحمد بن حنبل في مسنده(1) عن ابن عباس قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة مقيماً غير مسافر سبعاً وثمانياً
      وأخرج الإمام مالك في الموطأ(2) عن ابن عباس قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الظهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء جميعاً في غير خوف
      ______________________________
      (1) مسند الإمام أحمد بن حنبل ج 1 ص 221.
      (2) موطأ الإمام مالك (شرح الحوالك) ج 1 ص 161.
      {213}
      ولا سفر.
      وأخرج الإمام مسلم في صحيحه(1) في باب الجمع بين الصلاتين في الحضر قال: عن ابن عباس قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً في غير خوف ولا سفر.
      كما أخرج عن ابن عباس أيضاً قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر - قال قلت لابن عباس لم فعل ذلك قال: كي لا يحرج أمته(2)
      ومما يدلك أخي القارئ أن هذه السنة النبوية كانت مشهورة لدى الصحابة ويعملون بها، ما رواه مسلم أيضاً في صحيحه في نفس الباب قال: خطبنا ابن عباس يوماً بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت النجوم وجعل الناس يقولون الصلاة الصلاة، قال فجاءه رجل من بني تميم لا يفتر ولا يثني الصلاة الصلاة، فقال ابن عباس: أتعلمني بالسنة لا أم لك ثم قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء. وفي رواية أخرى قال ابن عباس للرجل: لا أم لك أتعلمنا بالصلاة وكنا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(3).
      وأخرج الإمام البخاري في صحيحه(4) في باب المغرب قال: حدثنا آدم قال حدثنا شعبة قال حدثنا عمرو بن دينار قال سمعت جابر بن زيد عن أبن عباس قال: صلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم سبعاً جميعاً وثمانياً جميعاً.
      كما أخرج البخاري في صحيحه(5) في باب وقت العصر قال سمعت أبا
      ______________________________
      (1) صحيح مسلم ج 2 ص 151 (باب الجمع بين الصلاتين في الحضر)
      (2) صحيح مسلم ج 2 ص 152.
      (3) صحيح مسلم ج 2 ص 153 (باب الجمع بين الصلاتين في الحضر)
      (4) صحيح البخاري ج 1 ص 140 (باب وقت المغرب)
      (5) صحيح البخاري ج 1 ص 138 (باب وقت العصر).
      {214}
      أمامة يقول: صلينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر ثم خرجنا حتى دخلنا على أنس بن مالك فوجدناه يصلي العصر فقلت يا عم ما هذه الصلاة التي صليت قال العصر وهذه صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي كنا نصلي معه.
      ومع وضوح هذه الأحاديث فإنك لا تزال تجد من يشنع بذلك على الشيعة، وقد حدث ذلك مرة في تونس، فقد قام الإمام عندنا في مدينة قفصة ليشنّع علينا ويشهر بنا وسط المصلين قائلاً: أرأيتم هذا الدين الذي جاؤوا به إنهم بعد صلاة الظهر يقومون ويصلون العصر، إنه دين جديد ليس هو دين محمد رسول الله، هؤلاء يخالفون القرآن الذي يقول (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً) وما ترك شيئاً إلا وشتم به المستبصرين.
      وجاءني أحد المستبصرين وهو شاب على درجة كبيرة من الثقافة وحكي لي ما قاله الإمام بألم ومرارة، فأعطيته صحيح البخاري وصحيح مسلم وطلبت منه أن يطلعه على صحة الجمع وهو من سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لأنني لا أريد الجدال معه فقد سبق لي أن جادلته بالتي هي أحسن فقابلني بالشتم والسب والتهم الباطلة - والمهم أن صديقي لم ينقطع من الصلاة خلفه فبعد إنتهاء الصلاة جلس الإمام كعادته للدرس فتقدم إليه صديقي بالسؤال عن الجمع بين الفريضتين فقال: إنها من بدع الشيعة، فقال له صديقي: ولكنها ثابتة في صحيح البخاري ومسلم، فقال له: غير صحيح فأخرج له صحيح البخاري وصحيح مسلم وأعطاه فقرأ باب الجمع بين الصلاتين - يقول صديقي فلما صدمته الحقيقة أمام المصلين الذين يستمعون لدروسه، أغلق الكتب وأرجعها إلي قائلا: هذه خاصة برسول الله وحتى تصبح أنت رسول الله فبإمكانك أن تصليها، يقول هذا الصديق فعرفت أنه جاهل متعصب وأقسمت من يومها أن لا أصلي خلفه(1)
      ______________________________
      (1) يحكى أن رجلين خرجا للصيد ولقيا سوادا بعيدا فقال الأول إنه غراب وعانده الثاني بأنه عنزة وتعاندا وأصر كل منهما على رأيه ولكنهما عندما إقتربا من السواد فإذا به غراب إنزعج وطار هارباً. فقال الأول ألم أقل لك بأنه غراب هل إقتنعت الآن ولكن صديقه أصر على رأيه وقال: سبحان الله عنزة تطير؟
      {215}
      بعد ذلك طلبت من صديقي بأن يرجع إليه ليطلعه على أن ابن عباس كان يصلي تلك الصلاة كذلك أنس بن مالك وكثير من الصحابة فلماذا يريد هو تخصيصها برسول الله، أولم يكن لنا في رسول الله أسوة حسنة؟ ولكن صديقي إعتذر لي قائلا: لا داعي لذلك وإنه لا يقتنع ولو جاءه رسول الله صلى الله عليه آله وسلم.
      وإنه والحمد لله بعد أن عرف كثير من الشباب هذه الحقيقة وهي الجمع بين الصلاتين رجع أغلبهم إلى الصلاة بعد تركها لأنهم كانوا يعانون من فوات الصلاة في وقتها ويجمعون الأوقات الأربعة في الليل فتمل قلوبهم، وأدركوا الحكمة في الجمع بين الفريضتين لأن كل الموظفين والطلبة وعامة الناس يقدرون على أداء الصلوات في أوقاتها وهم مطمئنون، وفهموا قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كي لا أحرج أمتي.
      السجود على التربة
      أجمع علماء الشيعة على القول بأفضلية السجود على الأرض لما يروونه عن أئمة أهل البيت عليهم السلام قول جدهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
      «افضل السجود على الأرض».
      وفي رواية أخرى:
      «لا يجوز إلا على الأرض أو ما انبتت الأرض غير مأكول ولا ملبوس».
      وقد روى صاحب وسائل الشيعة عن محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: السجود على الأرض أفضل لأنه ابلغ في التواضع، والخضوع لله عز وجل - وفي رواية أخرى عن محمد بن الحسن بإسناده عن إسحاق بن الفضل: أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن السجود على الحصر والبواري المنسوجة من القصب فقال: لا بأس، وأن يسجد على الأرض أحب إلي، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم كان يحب ذلك، أن يمكّن جبهته من الأرض، فأنا أحب لك ما كان يحبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
      {218}
      أما علماء أهل السنة والجماعة فلا يرون بأساً في السجود على الزرابي والفرش وإن كان عندهم أفضلية في الحصر.
      وهناك بعض الروايات التي يخرجها البخاري ومسلم في صحيحيهما تؤكد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت له خمرة مصنوعة من سعف يسجد عليها فقد أخرج مسلم في صحيحه في كتاب الحيض عن يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة عن أبي معاوية عن الأعمش عن ثابت بن عبيد عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ناوليني الخمرة من المسجد قالت فقلت إني حائض فقال: إن حيضتك ليست في يدك(1) (يقول مسلم: والخمرة هي السجادة الصغيرة مقدار ما يسجد عليها)
      ومما يدلنا على أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يحب السجود على الأرض، ما أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يعتكف في العشر الأواسط من رمضان فاعتكف عاماً حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي يخرج صبيحتها من إعتكافه قال: من كان إعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر وقد رأيت هذه الليلة ثم أنسيتها وقد رأيتني أمجد في ماء وطين من صبيحتها فالتمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في كل وتر، فمطرت السماء تلك الليلة وكان المسجد على عريش فوكف المسجد فبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على جبهته أثر الماء والطين من صبح إحدى وعشرين(2)
      ومما يدلنا أيضاً على أن الصحابة كانوا يفضلون السجود على الأرض وذلك بحضرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما أخرجه الإمام النسائي في سننه في باب تبريد الحصى للسجود عليه - قال: أخبرنا قتيبة قال حدثنا عباد عن
      ______________________________
      (1) صحيح مسلم ج 1 ص 168 (باب جواز غسل الحائض رأس زوجها)
      سنن ابن داود ج 1 ص 68 (باب الحائض تناول من المسجد)
      (2) صحيح البخاري ج 2 ص 256 (باب الإعتكاف في العشر الأواخر)
      {219}
      محمد بن عمرو عن سعيد بن الحرث عن جابر بن عبد الله قال: كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الظهر فأخذ قبضة من حصى في كفي أبرده ثم أحوّله في كفي الآخر فإذا سجدت وضعته لجبهتي(1)
      أضف إلى كل ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:
      «جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً»(2)
      وقال أيضاً:
      «جعلت لنا الأرض كلها مسجداً وجعلت تربتها لنا طهوراً»(3)
      فكيف يتعصب المسلمون ضد الشيعة لأنهم يسجدون على الأرض بدلاً من السجود على الزرابي
      وكيف يصل بهم الأمر إلى تكفيرهم والتشنيع عليهم وقذفهم زوراً وبهتاناً بأنهم عبّاد الأصنام.
      وكيف يضربونهم في السعودية لمجرد وجود التربة في جيوبهم أو في حقائبهم.
      أهذا هو الإسلام الذي يأمرنا باحترام بعضنا وعدم إهانة المسلم الموحد الذي يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويصوم رمضان ويحج البيت وهل يعقل عاقل بأن الشيعي يتكبّد تلك الأتعاب ويخسر تلك الخسائر ويأتي لحج بيت الله الحرام وزيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يعبد الحجارة كما يحلو للبعض أن يصوروه؟
      أفلا يقتنع أهل السنة والجماعة بقول الشهيد محمد باقر الصدر الذي نقلته في كتابي الأول «ثم أهتديت» عندما سألته عن التربة فقال: نحن نسجد لله على
      ______________________________
      (1) سنن الإمام النسائي ج 2 ص 204 (باب تبريد الحصى للسجود عليه)
      (2) صحيح البخاري ج 1 ص 86 (كتاب التيمم)
      (3) صحيح مسلم ج 2 ص 64 (كتاب المساجد ومواضع الصلاة).

      تعليق


      • #33
        {220}
        الأرض، فهناك فرق بين السجود على التراب والسجود للتراب!
        وإذا كان الشيعي يحتاط ليكون سجوده طاهراً ومقبولا عند الله فيمتثل أوامر رسول الله والأئمة الأطهار من أهل البيت وخصوصا في زماننا هذا الذي أصبحت في كل المساجد مفروشة بالزرابي الوثيرة وفي البعض بما يسمى (moquette) وهي مادة مجهولة الصنع لدى عامة المسلمين ولم تصنع في بلاد إسلامية ولعل البعض منها فيها ما لا يجوز السجود عليه، أفيحق لنا أن ننبذ هذا الشيعي الذي يهتم بصحة صلاته، ونتهمه بالكفر والشرك لمجرد شبهة زائفة؟
        والشيعي الذي يهتم بأمور دينه وخصوصاً بصلاته التي هي عمود الدين فتراه ينزع حزامه وينزع ساعته لأن فيها حزاماً من الجلد الذي لا يعلم منشأه وفي بعض الأوقات ينزع سرواله الإفرنجي ليصلي في سروال فضفاض كل ذلك إحتياطا وإهتماما بتلك الوقفة العظيمة بين يدي الله لكي لا يقابل ربه بشيء يكرهه، أيستحق هذا منا الإستهزاء والنفور أم يستحق الإحترام والإكبار؟ لأنه عظم شعائر الله (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب).
        يا عباد الله إتقوا الله وقولوا قولاً سديداً.
        (ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم، إذ تلقونه بالسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيّناً وهو عند الله عظيم)(1)
        ______________________________
        (1) سورة النور آية 15.
        الرجعة (العودة إلى الحياة)
        هذه المسألة مما اختصت الشيعة بالقول بها، وأنا بحثت في كتب السنة فلم أجد لها أثر يذكر.
        وهم يعتمدون في ذلك على أخبار وروايات رووها عن الأئمة الأطهار سلام الله عليهم في أن الله سبحانه وتعالى سيحيي بعض المؤمنين وبعض المجرمين المفسدين لينتقم المؤمنون من أعدائهم أعداء الله في الدنيا قبل الآخرة.
        ولو صحت هذه الروايات وهي صحيحة ومتواترة عند الشيعة فلا تلزم أهل السنة والجماعة إذا لم يثقوا بصحتها، ومن ثم فإنهم غير ملزمين بوجوب الإعتقاد بها، لأن أئمة أهل البيت حدثوا بها عن جدهم صلى الله عليه وآله وسلم! كلا لأنا ألزمنا أنفسنا بالإنصاف في البحث وعدم التعصب، فلا نكلفهم إلا ما ألزموا به أنفسهم وأخرجوه في صحاحهم، ولأن روايات الرجعة لم ترد عندهم، فهم أحرار في عدم الأخذ بها، ورفضها هذا في صورة ما إذا أراد أحد الشيعة أن يفرض عليهم تلك الروايات.
        أما وأن الشيعة لم يفرضوا على أحد أن يقول بالرجعة ولا أنهم يقولون بكفر من يكذبها، فلا داعي لكل هذا التشنيع والتهويل على الشيعة سيما وأنهم
        {222}
        يفسرون بعض الآيات بنحو يوافق ذلك، وذلك كما في قوله تعالى: (ويوم نحشر من كل أمة فوجاً ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون)(1).
        فقد جاء في تفسير القمي عن ابن أبي عمير عن حماد عن أبي عبد الله جعفر الصادق عليه السلام قال: ما يقول الناس في هذه الآية (ويوم نحشر من كل أمة فوجاً)؟ قلت: يقولون إنه في يوم القيامة، قال: ليس كما يقولون إنها في الرجعة، أيحشر الله في القيامة من كل أمة فوجاً ويدع الباقين؟ إنما آية القيامة (وحشرناهم فلم نغادر منهم أحد)(2).
        كما جاء في كتاب عقائد الإمامية للشيخ محمد رضا المظفر قوله: إن الذي تذهب إليه الإمامية أخذاً بما جاء عن آل البيت عليهم السلام أن الله تعالى يعيد قوماً من الأموات إلى الدنيا في صورهم التي كانوا عليها، فيعز فريقا ويذل فريقاً آخر ويديل المحقين من المبطلين والمظلومين منهم من الظالمين، وذلك عند قيام مهدي آل محمد عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام.
        ولا يرجع إلا من علت درجته في الإيمان أو من بلغ الغاية من الفساد، ثم يصيرون من بعد ذلك إلى الموت، ومن بعده إلى النشور وما يستحقونه من الثواب أو العقاب، كما حكى الله تعالى في قرآنه الكريم تمني هؤلاء المرتجعين الذين لم يصلحوا بالإرتجاع فنالوا مقت الله، أن يخرجوا ثالثاً لعلهم يصلحون: (قالوا ربنا أمتنا إثنتين وأحييتنا إثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل) (سورة المؤمن آية 11)(3)
        أقول إذا كان أهل السنة والجماعة لا يؤمنون بالرجعة فلهم كامل الحق: ولكن ليس من حقهم أن يشنعوا على من يقول بها، لثبوت النصوص عنده: فليس لمن لا يعلم حجة على من يعلم ولا حجة للجاهل على العالم وليس عدم
        ______________________________
        (1) سورة النمل آية 83
        (2) سورة الكهف آية 47.
        (3) كتاب عقائد الإمامية للمظفر ص 80 (العقيدة الثانية والثلاثون).
        {223}
        الإيمان بالشيء دليل على بطلانه فكم من حجة دامغة عند المسلمين لا يؤمن بها أهل الكتاب من يهود ونصارى.
        وكم من إعتقادات وروايات عند أهل السنة والجماعة بخصوص الأولياء والصالحين وأصحاب الطرق الصوفية تبدوا مستحيلة ومنكرة ولكن لا تستدعي التشنيع والتهويل على عقيدة أهل السنة والجماعة.
        وإذا كانت الرجعة لها سند في القرآن والسنة النبوية وهي ليست مستحيلة على الله الذي ضرب لنا أمثلة منها في القرآن كقوله تعالى:
        (أو كالذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها، قال: أنى يحيي هذه بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه)(1).
        أو كقوله سبحانه وتعالى:
        (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم)(2).
        وقد أمات الله قوماً من بني إسرائيل ثم أحياهم قال تعالى
        (وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون، ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلك تشكرون)(3).
        وقال في أصحاب الكهف الذين لبثوا في كهفهم موتى أكثر من ثلثمائة عام (ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا)(4)
        فهذا كتاب الله يحكي أن الرجعة وقعت في الامم السابقة فلا يستحيل وقوعها في أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وخصوصاً إذا روى ذلك أئمة أهل
        ______________________________
        (1) سورة البقرة آية 259.
        (2) سورة البقرة آية 243.
        (3) سورة البقرة آية 56.
        (4) سورة الكهف آية 12.
        {224}
        البيت سلام الله عليهم. فهم الصادقون، العالمون.
        أما قول بعض المتطفلين بأن القول بالرجعة هو القول بالتناسخ الذي يقول به بعض الملحدين.
        فهو قول ظاهر الفساد والبطلان، ويقصدون من ورائه التشنيع والتهويل على الشيعة.
        إذ أن القائلين بالتناسخ لا يقولون بأن الإنسان يرجع إلى الدنيا بجسمه وروحه وصورته وكنهه
        إنما يقولون بأن الروح تنتقل من إنسان مات إلى جسد إنسان آخر يولد من جديد أو حتى إلى حيوان.
        وهذا كما نعلم بعيد كل البعد عن عقيدة المسلمين القائلين بأن الله يبعث من في القبور بأجسامهم وأرواحهم.
        فليست الرجعة من التناسخ في شيء وهو قول الجهلة الذين لا يفقهون أو المغرضين غير الورعين.
        الغلو (في حب الأئمة)
        لا نقصد بالغلو هنا هو الخروج عن الحق واتباع الهوى حتى يصبح المحبوب هو الإله المعبود فهذا كفر وشرك لا يقول به أي مسلم يعتقد برسالة الإسلام ونبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
        وقد وضع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حدودا لهذا الحب عندما قال للإمام علي عليه السلام:
        «هلك فيك إثنان محب غال ومبغض قال».
        وقوله صلى الله عليه وآله وسلم:
        «ياعلي إن فيك مثلا من عيسى بن مريم أبغضته اليهود حتى بهتوا أمه، وأحبه النصارى حتى انزلوه بالمنزلة التي ليس بها»(1).
        ______________________________
        (1) مستدرك الحاكم ج 3 ص 123 تاريخ دمشق لابن عساكر ج 2 ص 234.
        التاريخ الكبير للبخاري ج 2 ص 281 تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 173.
        خصائص النسائي ص 27 ذخائر العقبى ص 92 - الصواعق المحرقة لابن بحر ص 74.
        {226}
        وهو المعنى المرفوض للغلو أن يطغى الحب حتى يؤلّه المحبوب وينزله منزلة ليس فيها أو أن يطغى البغض حتى يصل إلى درجة البهت والإتهام الباطل.
        والشيعة في حب علي والأئمة من ولده لم يغالوا بل أنزلوهم المنزلة المعقولة التي بوأهم فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي أنهم أوصياء النبي وخلفاؤه ولم يقل أحد بنبوتهم فضلا عن ألوهيتهم، ودع عنك قول المشاغبين الذين يدّعون بأن الشيعة ألّهو علياً وقالوا بربوبيته، فهؤلاء إن صح الخبر لم يكونوا فرقة ولا مذهباً ولا شيعة ولا خوارج.
        وما هو ذنب الشيعة إذا كان رب العزة والجلالة يقول: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى) والمودة كما هو معلوم أكبر من الحب وإذا كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول:
        «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه فإن المودة تفرض عليك أن تحرم نفسك من شيء لتود به غيرك».
        وما هو ذنب الشيعة إذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:
        «يا علي أنت سيد في الدنيا وسيد في الآخرة من أحبك فقد أحبني ومن أبغضك فقد أبغضني وحبيبك حبيب الله وبغيضك بغيض الله والويل لمن أبغضك»(1).
        ويقول أيضاً:
        «حب علي إيمان وبغضه نفاق»(2).
        ويقول:
        «من مات على حب آل محمد مات شهيداً، ألا ومن مات على حب
        ______________________________
        (1) مستدرك الحاكم ج 3 ص 128 قال حديث صحيح على شرط الشيخين نور الأبصار للشبلنجي ص 73 ينابيع المودة ص 205 الرياض النضرة ج 2 ص 165.
        (2) صحيح مسلم ج 1 ص 48 - الصواعق المحرقة ص 73 كنز العمال ج 15 ص 105
        {227}
        آل محمد مات مغفوراً له، ألا ومن مات على حب آل محمد مات تائباً، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمناً مستكمل الإيمان ألا ومن مات على حب آل محمد بشّره ملك الموت بالجنة..»(1)
        وما هو ذنب الشيعة إذا كانوا يحبون رجلا قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
        «غداً لأعطين رايتي إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله»(2).
        فحبيب علي هو حبيب الله ورسوله وهو مؤمن وبغيض علي هو بغيض الله ورسوله وهو منافق.
        وقد قال الإمام الشافعي في حبهم:
        يا أهل بيت رسول الله حبكم *** فرض من الله في القرآن أنزله
        كفاكم من عظيم الفضل أنكم *** من لم يصل عليكم لا صلاة له
        وقد قال فيهم وفي حبهم الفرزدق في ميميته المشهورة.
        من معشر حبهم دين وبغضهم *** كفر وقربهم منجى ومعتصم
        إن عدّ أهل التقى كانوا أئمتهم *** أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم
        فالشيعة أحبوا الله ورسوله، وحبهم لله ورسوله هو الذي فرض حب أهل البيت فاطمة وعلي والحسن والحسين والأحاديث في هذا المعنى كثيرة لا تحصى وقد أخرجها علماء أهل السنة والجماعة في صحاحهم وقد ذكرنا البعض منها روماً للإختصار.
        وإذا كان حب علي وأهل البيت بصفة عامة هو حب لرسول الله صلى الله
        ______________________________
        (1) تفسير الثعلبي «الكبير» في آية المودة وكذلك تفسير الزمخشري «الكشاف» تفسير الفخر الرازي ج 7 ص 405 - إحقاق الحق للتستري ج 9 ص 486.
        (2) صحيح البخاري ج 4 ص 20 وج 5 ص 76.
        صحيح مسلم ج 7 ص 120 (باب فضائل علي بن أبي طالب)
        {228}
        عليه وآله وسلم، فعلينا أن نعرف مدى هذا الحب المطلوب من المسلمين حتى نعرف إن كان هناك غلو كما يزعمون.
        قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
        «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين»(1).
        وعلى هذا الأساس فلا بد ان يحب المسلم علياً وأولاده الأئمة الطاهرين أكثر من الناس أجمعين بما في ذلك الأهل والأولاد ولا يتم الإيمان إلا بذلك لأن رسول الله قال: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه.. الحديث.
        فالشيعة إذن لا يغالون وإنما يعطون كل ذي حق حقه وقد أمرهم رسول الله أن ينزلوا علياً بمنزلة الرأس من الجسد وبمنزلة العينين من الرأس فهل هناك من الناس من يتنازل عن عينيه أو عن رأسه؟
        ولكن في المقابل هناك مغالات عند أهل السنة والجماعة في حب الصحابة وتقديسهم في غير محله، وإنما يبدوا رد فعل على الشيعة الذين لم يقولوا بعدالة الصحابة أجمعين فكان الأمويون يرفعون من شأن الصحابة ويحطون من قيمة وشأن أهل البيت النبوي حتى إذا صلوا على محمد وآله أضافوا إليهم، وعلى أصحابه أجمعين لأن في الصلاة على أهل البيت فضل لم يسبقه سابق ولا يلحقه لاحق فأرادوا ان يرفعوا الصحابة إلى تلك الدرجة العلية وغفلوا عن أن الله سبحانه أمر المسلمين وعلى رأسهم الصحابة أجمعين أن يصلوا على محمد وعلي وفاطمة والحسنين ومن لم يصل عليهم فصلاته مردودة لا يقبلها الله إذا إقتصرت على محمد وحده كما هو ثابت في صحيح البخاري ومسلم.
        وإذا قلنا بأنه غلو في الصحابة ذلك لأن أهل السنة يتعدون حدود المنطق
        ______________________________
        (1) صحيح البخاري ج 1 ص 9 (باب حب الرسول من الإيمان)
        صحيح مسلم ج 1 ص 49 (باب وجوب محبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أكثر من الأهل والولد والوالد والناس أجمعين) وكذلك في صحيح الترمذي
        {229}
        عندما يقولون بعدالتهم أجمعين وقد شهد الله ورسوله بأن فيهم الفاسقين والمارقين والقاسطين والمنافقين.
        والغلو ظاهر عندما يقولون بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخطئ ويصوّبه صحابي. أو أن الشيطان يلعب ويمرح بحضرة النبي ولكنه يهرب من عمر، والغلو واضح في قولهم لو أصاب الله المسلمين بمصيبة بما فيهم رسول الله، لم يكن ينج منها إلا ابن الخطاب، والغلو أوضح في إلغائهم لسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأتباع سنه الصحابه وبالخصوص الخلفاء الراشدين وقد أوقفناك على البعض من ذلك وإذا أردت المزيد فعليك بالبحث والتأمل للوقوف على مزيد من هذه المفارقات.

        تعليق


        • #34
          المهدي المنتظر
          وهو أيضاً من المواضيع التي يشنع بها أهل السنة والجماعة على الشيعه. وذهب البعض منهم إلى حد السخرية والإستهزاء، إذ أنهم يستبعدون أو قل يعتقدون إستحالة أن يبقى بشر طيلة إثني عشر قرناً حيا ومخفياً عن أنظار الناس. حتى قال بعض الكتاب المعاصرين «بأن الشيعة اختلقوا فكرة الإمام الغائب الذي سينقذهم وذلك لكثرة ما لاقوه من ظلم الحكام وجورهم على مر الأزمان، فسلوا أنفسهم بأمنية المهدي المنتظر الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً وينتقم لهم من أعدائهم».
          وقد كثر الحديث في السنوات الأخيرة وبعد انتصار الثورة ألإسلامية في إيران عن المهدي المنتظر فأصبح المسلمون وبالخصوص الشباب المثقف في كل مكان يتساءلون عن حقيقة المهدي، وهل هي حقيقة وله وجود في العقائد الإسلامية أم هو من مختلقات الشيعة؟
          ورغم ما كتبه علماء الشيعة قديماً وحديثاً(1) بخصوص المهدي من موسوعات وأبحاث، ورغم إتصال كثير من السنيين بإخوانهم من الشيعة في مؤتمرات عديدة ومحادثاتهم في شتى المواضيع العقائدية، يبقى هذا الموضوع من
          ______________________________
          (1) كالشهيد محمد باقر الصدر في كتابه «بحث حول المهدي».
          {232}
          الألغاز عند الكثير منهم، لأنهم ما تعودوا سماع أمثال هذه الروايات.
          فما هي حقيقة المهدي المنتظر في العقائد الإسلامية؟ والبحث في هذا الموضوع ينقسم إلى قسمين: -
          القسم الأول يتعلق بالبحث عن المهدي من خلال الكتاب والسنة.
          والقسم الثاني يتعلق بالبحث عن حياته وغيبته وظهوره.
          أما في البحث الأول: فالشيعة والسنة متفقون على أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشّر به وأعلم أصحابه بأنه سيظهره الله سبحانه وتعالى في آخر الزمان وقد أخرج أحاديث المهدي عليه السلام كل من الشيعة والسنة في صحاحهم ومسانيدهم.
          وأنا بدوري وكالعادة حسبما تعهدت به في كل أبحاث الكتاب لا أستدل إلا بما هو ثابت وصحيح عند اهل السنة والجماعة.
          فقد جاء في سنن أبي داود(1)
          قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
          «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلا من أهل بيتي يواطئ إسمه إسمي، وإسم أبيه إسم أبي يمللأ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت ظلما وجورا».
          وجاء في سنن ابن ماجة(2):
          قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
          «إنا أهل بيت إختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء شديداً، وتطريداً، حتى يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات
          ______________________________
          (1) سنن أبي داود ج 2 ص 422.
          (2) سنن ابن ماجة ج 2 رقم الحديث 4082 و4087.
          {233}
          سود فيسألون الخير فلا يعطونه فيقاتلون فينتصرون، فيعطون ما سألوا: فلا يقبلونه، حتى يدفعونها إلى رجل من أهل بيتي فيملؤها قسطا كما ملئت جورا»
          وقال ابن ماجة في سننه:
          قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
          «المهدي منا أهل البيت، المهدي من ولد فاطمة»
          وقال صلى الله عليه وآله وسلم:
          «يكون في أمتي المهدي، إن قصر فسبع، وإلا فتسع تنعم فيها أمتي نعمة لم تنعم مثلها قط تأتي أكلها، ولاتدخر منه شيئاً، والمال يومئذ كدوس، فيقوم الرجل فيقول: يا مهدي أعطني فيقول: خذ»(1)
          وجاء في صحيح الترمذي(2):
          قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
          «يلي رجل من أهل بيتي يواطئ إسمه إسمي، ولو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يلي».
          وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
          «لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ إسمه إسمي»
          وأخرج الإمام البخاري في صحيحه(3)
          قال حدثنا بن بكير حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب عن نافع
          ______________________________
          (1) سنن ابن ماجة ج 2 رقم الحديث 4086.
          (2) الجامع الصحيح للترمذي ج 9 ص 74 - 75
          (3) صحيح البخاري ج 4 ص 143 (باب نزول عيسى بن مريم).
          {234}
          مولى أبي قتادة الأنصاري أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم.
          وقال صاحب غاية المأمول: إشتهر بين العلماء سلفا وخلفا أنه لابد من ظهور رجل من أهل البيت في آخر الزمان يسمى المهدي، وقد روي أحاديث المهدي جماعة من خيار الصحابة وخرّجها أكابر المحدثين: كأبي داود والترمذي، وابن ماجة والطبراني وأبي يعلي، والبزاز، والإمام أحمد بن حنبل والحاكم رضي الله عنهم أجمعين، ولقد أخطأ من ضعّف أحاديث المهدي كلها.
          قال الحافظ في فتح الباري: تواترت الأخبار بأن المهدي من هذه الأمة وأن عيسى بن مريم سينزل ويصلي خلفه»(1)
          وقال ابن حجر الهيثمي في الصواعق المحرقة: والأحاديث التي جاء فيها ذكر ظهور المهدي كثيرة متواترة(2)
          وقال الشوكاني في رسالة المسماة «التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح» وبعد سرده أحاديث المهدي قال: «وجميع ما سقناه بالغ حد التواتر كما لا يخفى على من له فضل إطلاع»
          وقال الشيخ عبد الحق في اللمعات:
          «قد تظافرت الأحاديث البالغة حد التواتر في كون المهدي من أهل البيت من أولاد فاطمة»(3)
          وقال الصبان في كتابه إسعاف الراغبين:
          «وقد تواترت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بخروجه وانه من
          ______________________________
          (1) فتح الباري ج 5 ص 362
          (2) الصواعق المحرقة لابن حجر ج 2 ص 211
          (3) حاشية صحيح الترمذي ج 2 ص 46.
          {235}
          أهل البيت وأنه يملأ الأرض عدلا»(1)
          وقال السويدي في كتابه المسمى «سبائك الذهب»:
          «الذي إتفق عليه العلماء أن المهدي هو القائم في آخر الوقت وانه يملأ الأرض عدلاَ، والأحاديث في ظهوره كثيرة»(2)
          وقال ابن خلدون في مقدمته:
          «إعلم أن المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على مر الأعصار أنه لابد في أخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين ويظهر العدل ويسمى بالمهدي»(3)
          كما أخرج أحاديث المهدي من المعاصرين مفتي الإخوان المسلمين السيد سابق في كتابه «العقائد الإسلامية» واعتبر أن فكرة المهدي من العقائد الإسلامية التي يجب التصديق بها
          وكتب الشيعة ايضا أخرجت أحاديث المهدي على كثرتها حتى قيل أنه لم يرو عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اكثر مما روي عنه في احاديث المهدي
          وقد استخرج الباحث لطف الله الصافي في موسوعته «منتخب الأثر» أحاديث المهدي عليه السلام من أكثر من ستين مصدرا من كتب الشيعة من ضمنها الكتب الأربعة
          أما بخصوص البحث الثاني والذي يتعلق بولادة المهدي وحياته وغيبته وعدم وفاته عليه السلام فهذا القسم أيضا لم ينكره بعض علماء أهل السنة الذين لا يستهان بهم، والذين يعتقدون بأن المهدي هو محمد بن الحسن العسكري
          ______________________________
          (1) إسعاف الراغبين ج 2 ص 140
          (2) سبائك الذهب ص 78
          (3) مقدمة ابن خلدون ص 367
          {236}
          الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت، ولد، وأنه لا يزال حيّاً وسيظهر في آخر الزمان فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً وينصر الله به دينه، وهم بذلك يوافقون أقوال الشيعة الإمامية، ومن هؤلاء:
          1- محي الدين بن العربي في فتوحاته المكية.
          2- سبط ابن الجوزي في كتابه تذكرة الخواص.
          3- عبد الوهاب الشعراني في كتابه عقائد الأكابر.
          4- إبن الخشاب في كتابه تواريخ مواليد الأئمة ووفياتهم.
          5- محمد البخاري الحنفي في كتابه فصل الخطاب.
          6- أحمد بن إبراهيم البلاذري في كتابه الحديث المتسلسل.
          7- ابن الصباغ المالكي في كتابه الفصول المهمة.
          8- العارف عبد الرحمن في كتابه مرآة الأسرار.
          9- كمال الدين بن طلحة في كتابه مطالب السؤول في مناقب آل الرسول.
          10- القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع المودة.
          ولو تتبّع الباحث لوجد في علماء السنة والجماعة أضعاف من ذكرنا يقولون بولادة المهدي وبقائه حياً حتى يظهره الله تعالى.
          وبعد هذا لم يبق معنا من أهل السنة والجماعة إلا المنكرون لولادته وبقائه حياً، بعد اعترافهم بصحة الأحاديث. وهؤلاء ليسوا حجة على غيرهم من القائلين بها.
          والقرآن الكريم لا ينفي مثل هذا الإفتراض، وكم ضرب الله مثل على ذلك لأهل العقول الجامدة لكي يتحرروا ويطلقوا العنان لأفكارهم وعقولهم حتى تستيقن وتسلّم بأن الله سبحانه قادر على كل شيء.
          لذا فإن المسلم الذي ملأ الإيمان قلبه فلا يستغرب أن يميت الله عزيراً مائة عام، ثم يبعثه فينظر إلى طعامه وشرابه لم يتسنه، وإلى حماره كيف ينشز الله عظامه ويكسوها لحماً فيرجع كما كان بعد أن كانت عظامه رميماً فلما تبيّن له قال:
          {237}
          أعلم أن الله على كل شيء قدير. سبحان الله ما أسرع تحوّله، بينما قبل الحادثة إستغرب واستبعد عند مروره على قرية خاوية على عروشها. قال أنى يحيي الله هذه بعد موتها؟؟
          والمسلم الذي يصدّق القرآن الكريم لا يستغرب أن يقطّع سيدنا إبراهيم الطير ويبعثر أجزاءه وأشلاءه على الجبال ثم يدعوهنّ فيأتينه سعياً.
          والمسلم لا يستغرب أن تصبح النار باردة فلا تحرق ولا تؤذي سيدنا إبراهيم عندما ألقي فيها فقال لها الله يا نار كوني برداً وسلاماً
          والمسلم لا يستغرب بأن سيدنا عيسى ولد من غير نطفة الذكر أي من غير أب. وأنه حي لم يمت وسيعود إلى الأرض.
          والمسلم لا يستغرب بأن سيدنا عيسى كان يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص والأعمى ولا يستغرب أن ينغلق البحر لسيدنا موسى ولبني إسرائيل فيمشوا فيه بدون بلل وتنقلب عصاه ثعباناً ويحوّل ماء النيل إلى دم.
          كذلك فإن المسلم لا يستغرب أن سيدنا سليمان كان يتكلم مع الطير ومع الجن ومع النمل ويحمل عرشه على بساط الريح. ويستقيم عرش بلقيس في لحظات.
          ولا يستغرب بأن الله أمات أصحاب الكهف ثلاثة قرون وازدادوا تسعاً ثم بعثهم فكان حفيد الحفيد أكبر سناً من جد الجد.
          ولا يستغرب بأن سيدنا الخضر عليه السلام حي لم يمت وقد إلتقى مع سيدنا موسى عليه السلام.
          ولا يستغرب بأن إبليس لعنه الله حي لم يمت وهو مخلوق قبل آدم عليه السلام، ومازال يواكب مسيرة البشر من أول خلقته إلى يوم فنائه، ومع ذلك فهو مخفي لم ولن يراه أحد رغم أعماله الشنيعة وأفعاله الذميمة، وهو يرى كل الناس
          {238}
          إن المسلم يؤمن بكل هذا ولا يستغرب وقوعه، أفيستغرب وجود المهدي مخفيا لفترة من الزمان لحكمة يريدها الله سبحانه
          فكل ما ذكره القرآن وهو أضعاف ما ذكرنا في هذه العجالة ليس هو مما جرت به العادة ولا هو معهود لدى الناس، ولا يقدرون عليه ولو إجتمعوا له.
          وإنما هو من صنع الله الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، ويصدق به المسلمون لأنهم آمنو بكل ما جاء في القرآن الكريم وبدون إستثناء وبدون تحفظ.
          على أن الشيعة هم أدرى بأمور المهدي عليه السلام لأنه إمامهم وقد عاصروه وعاشوا معه ومع آبائه، واهل مكة أدرى بشعابها.
          والشيعة يحترمون أئمتهم ويعظّمونهم وقد إتخذوا لأئمة أهل البيت قبوراً شيدوها والتزموا بزيارتها والتبرك بها، فلو كان الإمام الثاني عشر وهو المهدي سلام الله عليه قد توفّي لكان له قبر معروف، ولأمكنهم أن يقولوا بجواز بعثه بعد الموت مادام هذا الأمر ممكنا كما ذكره القرآن الكريم وخاصة أنهم يقولون «بالرجعة»
          بل تراهم يصرّون على ان المهدي سلام الله عليه حي يرزق وهو مخفي لحكمة أرادها سبحانه وتعالى قد يعرفها الراسخون في العلم وأولياءهم.
          وهم يدعون في صلواتهم أن يعجل الله فرجه الشريف لأن في ظهوره عز المسلمين وسعادتهم وانتصارهم ولأن به يتم الله نوره ولو كره الكافرون
          على ان الخلاف بين السنة والشيعة في أمر المهدي عليه السلام ليس هو خلاف جوهري ماداموا يعتقدون بظهوره في آخر الزمان، وأن عيسى عليه السلام يصلي خلفه وأنه سيملا الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، ويملك المسلمون الأرض كلها في زمانه ويعم الرخاء حتى لا يبقى فقير
          ويبقى الخلاف فقط في قول الشيعة بولادته وفي قول السنة بأنه سيولد،
          {239}
          ويجتمع قول الفريقين على ظهوره آخر الزمان -
          فليتوحد السنة والشيعة على كلمة الحق وعلى جمع شمل الأمة الممزقة ولمّ شتاتها وليدعوا الله جميعا مخلصين في دعائهم وفي كل صلواتهم بأن يعجل ظهوره لأن في ظهوره الفرج والنصر لأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم
          وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ومولانا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
          محمد التيجاني السماوي

          تعليق


          • #35
            ارجو ان يكون الموضوع وصيغة نشر الكتاب مفيدة /

            واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين

            تعليق

            المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
            حفظ-تلقائي
            x

            رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

            صورة التسجيل تحديث الصورة

            اقرأ في منتديات يا حسين

            تقليص

            المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
            أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, اليوم, 07:21 AM
            ردود 2
            10 مشاهدات
            0 معجبون
            آخر مشاركة ibrahim aly awaly
            بواسطة ibrahim aly awaly
             
            يعمل...
            X