بسم الله الرحمن الرحيم نص ترجمة خطاب سماحة آية الله العظمى الميرزا جواد التبريزي (دام ظله العالي)
في درس خارج الفقه صباح يوم 12 جمادى الأولى 1418هـ
بخصوص شهادة الزهراء (عليها السلام) والإنكار على تشكيك بعض المضلّين
... وعندما بلغ بنا الكلام إلى هذا الموضع فإنني سأتعرض لأمر صار محل ابتلاء في زماننا هذا، فالبعض يظن والآخر يتعمد في أن يصوّر أن التآلف والمماشاة مع العامة ـ وهم مسلمون وإخواننا في الدين، ويجب أن نعتبر حقوقهم وأموالهم محترمة ـ يعني رفع اليد عن عقائد الشيعة.
تحريف عقائد الشيعة
ولقد سعى البعض جهلاً والبعض الآخر عن عمد وقصد ضالاً ومضلاً (تحريف عقائد الشيعة)، هذه العقائد التي عانى أصحاب الأئمة (عليهم السلام) وعلماؤنا المصاعب الجمة طوال الأزمنة للحفاظ عليها، وهي أساس التشيع. إن هؤلاء يحرفون أولئك الشباب الذي لا اطلاع لهم ولا فحص لديهم في حقائق المسائل الدينية وتاريخ الإسلام، ولا معرفة لديهم بالمباني والأسس التي يجب أن تؤخذ منها المطالب والعقائد الحقة.
إن هؤلاء المضلّين يتحدثون بأمور لمجرد أن يستسيغها ويتقبلها أولئك الشباب (غير المطلعين)، وبدلاً من أن يبينوا الحقائق ليتعلم منها شباب الشيعة (فإنهم يحرفون شباب الشيعة أنفسهم!!). إن طريقة ترويج مذهب الشيعة كانت قائمة على بيان الحقائق وفي كل فرصة مناسبة باللسان اللين (وبالأسلوب الأمثل)، أما في المواضع التي لا تكون كذلك فإن الواجب هو الإمساك والتحرز عن التحدث. وهؤلاء (المضلون) بدلاً من أن يوصلوا عقائد الشيعة ويبينوا أدلتها ومداركها فإنهم ـ وفضلاً عن حيرتهم الشخصية في عقائد الشيعة ـ يلقون هؤلاء الناس المساكين في الضلالة.
إن قضية التشيع وما يقوله الشيعة واضحة جداً، فلو كان لأي شخص وصية ما "فإن وصية" رسول الله(صلى الله عليه وآله)باتفاق الفريقين هي: "إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي، لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض"، ونحن نأخذ فيما يرجع إلى الإسلام من الأئمة (عليهم السلام) .
مقام ومنزلة الصدّيقة الشهيدة فاطمة (عليها السلام)
ومن الأدلة القاطعة للشيعة التي لا مجال للخدشة فيها ولا يمكن أن يقع فيها الجهل وعمى البصيرة ـ لمن كانت له بصيرة! ـ هو ما يتعلق بفاطمة الزهراء (عليها السلام)، ففاطمة الزهراء (عليها السلام) كان لها مقام ومنزلة رفيعة عند الله عز وجل، فقد روى الشيخ الكليني (قدس الله نفسه) في الكافي بسند صحيح إن جبرائيل (عليه السلام) كان ينزل بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) على فاطمة (عليها السلام)، وكان يحدّثها بما سيجري على ذريتها، وكان علي بن أبي طالب (عليه السلام) يكتب ذلك(1).
فاطمة (عليها السلام) صدّيقة شهيدة
ولقد أكثر رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الوصية بابنته، ولكن هذه البنت توفيت بعد خمسة وسبعين يوماً من وفاة أبيها، ودفنوها في الليل، وغسلوها في الليل (يتعالى صوت البكاء في المسجد الأعظم) فماذا حدث في هذا الظلام؟ فلو كان للمودة في القربى قدر متيقن فهو فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فما الذي حدث بحيث دُفنت في الليل وأخفي قبرها؟!
إن هذا آية للجميع، فقد تم على أساس الحكمة، ففاطمة الزهراء (عليها السلام) أوصت بذلك في وصيتها وعمل المولى أميرالمؤمنين (عليه السلام) بتلك الوصية بحذافيرها، وهذا العمل إنما كان لغرض إقامة الحجة على الأجيال اللاحقة لكي تفكر في ذلك، ولماذا كان قبرها مخفياً؟
فالكليني ينقل رواية صحيحة عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) بثلاث وسائط فقط، فقد روى عن محمد بن يحيى العطار، عن العمركي بن علي البوفكي، عن علي بن جعفر أخ الإمام، عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام): " إن فاطمة صدّيقة شهيدة "(2). إنها صدّيقة شهيدة (بكاء الحضور).
إن الزهراء (عليها السلام) كانت تبيّن مقام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وكانت تقول إن بعلي جاهد وقدم الخدمات الجليلة للإسلام، وأخبرت أن الحق معه، " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي، ولن يفترقا ".
شكوى أميرالمؤمنين (عليه السلام)
إن فاطمة (عليها السلام) كانت صدّيقة شهيدة، ولاحظوا تلك الرواية التي رواها الكليني(3) وجاء فيها أن مولانا أميرالمؤمنين (عليه السلام) عندما دفن فاطمة الزهراء (عليها السلام) حوّل وجهه نحو قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: " قلّ يا رسول الله عن صفيتك صبري "، (أصوات البكاء) فعلي بن أبي طالب (عليه السلام) الذي صبر خمساً وعشرين سنة، وهو الذي قال: "صبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى"، وهو الذي صبر في القتال والجهاد، يقول بعد وفاة فاطمة الزهراء (عليها السلام): "قلّ يا رسول الله صبري"!
ثم يقول في نفس هذه الرواية: "وستنبئك ابنتك بتظافر أمتك على هضمها" (ارتفاع أصوات البكاء) التفتوا جيداً إلى ما سأقول، لقد فسروا الهضم بالظلم، والهضم في أصله بمعنى النقص، وعندما ينقصون شيئاً من شخص فهذا ظلم له، والنقص تارة يرد على الحق فيقال هضمها حقها كما في غصب فدك، لا، (ولكن الهضم هنا لم يكن كذلك) فقد أسند الهضم هنا إلى نفس الزهراء (عليها السلام)، فإذا ضممنا هذا إلى قول ولدها موسى بن جعفر (عليه السلام) "فاطمة صديقة شهيدة " فماذا ستكون النتيجة؟
إنكار قول الإمام الكاظم (عليه السلام) !!
ولكن ظهر أشخاص وبعضهم معممون ومنتسبون للسادات، (ذرية النبي صلى الله عليه وآله) فهؤلاء ينكرون شهادة الزهراء (عليها السلام) يعني ينكرون قول موسى بن جعفر (عليه السلام) من أنها صدّيقة شهيدة، فاحذروا ونبّهوا غيركم !
ولقد سمعت ـ وإن شاء الله لا يكون الأمر كذلك ـ إنهم في هذه الحوزة العلمية يريدون أن يعقدوا مجلساً باسم شهيد عظيم وأن يدعو ذلك الشخص الضال المضل ليخطب في تلك الجلسة، ونسأل الله أن لا يتم الأمر بهذا النحو، فهذه الحوزة هي ركن التشيع، والحوزة هي المكلفة بحفظ التشيع، وهؤلاء الذين هم على هذه الحال من الضلال يجب أن لا يتخذ معهم هذا النوع من التعامل في هذه الحوزة بحيث ينعكس الأمر عند الشباب ويكون دليلاً لهم على حسن حاله، ويقال إن مثل هذا الشخص ذهب إلى الحوزة وكانت له جلالة واحترام في مجلس ابن آية الله الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه)، فقد جعلوا ذلك الشهيد العظيم السيد مصطفى الخميني قميص عثمان، وهو الذي خدم الإسلام والشيعة وهذا البلد، إنهم يريدون أن يعقدوا باسم هذا الشهيد مجلساً ومؤتمراً ليأتي مثل هؤلاء الأشخاص المضلين ويحاضروا.
إنني أقول والله شاهد على ما أقول إن قلوبنا ممتلئة دماً وقيحاً، فهؤلاء يفسدون عقائد الشباب، والرسائل التي تصل إلينا من الخارج جعلتنا في حيرة من الأمر.
إن الترويج لأولئك فيه إشكال شرعي وغير جائز إلا أن يعود هذا الشخص ويقول إن ما قلته من الكلام كان اشتباهاً، ولا عيب في ذلك فالإنسان غير معصوم، وحينها سيكون أخاً لنا وشخصاً كبيراً، ولكنه ما دام باقياً على حاله فلا.
الاتحاد لا يعني حذف عقائد الشيعة
لقد قلنا إننا نريد الاتحاد ولكن ليس بالشكل الذي نحذف فيه عقائد الشيعة ونبطلها، كلا، فنحن لا نريد الاتحاد بهذا النحو، وإن إمام الزمان (عجّل الله فرجه الشريف) يتألم قلبه من ذلك (هذا الشكل من الوحدة)، وإن ما نصبوا إليه هو التآلف.
ولقد ذكرنا في أول حديثنا إنّ الاسلوب الذي ينبغي أن يبلّغ الإنسان فيه هو الأسلوب الأمثل (وجادلهم بالتي هي أحسن)، وهذا الاسلوب والخطاب شامل للكفار فضلاً عن إخواننا في الدين. إن أكثر هؤلاء المخالفين قاصرون، وهؤلاء لا يعذبون يوم القيامة لأن أكثرهم لا يعلمون الحقيقة، ولقد سافرت كثيراً للتبليغ إلى شمال العراق حيث يمتزج السنة بالشيعة، وذات يوم سألت سنياً: ما هو مذهبك؟ فأجاب: حنفي، قلت له: هل إن اسم أبي حنيفة مذكور في القرآن؟ فقال: بالطبع! ويجب أن يذكر اسمه في القرآن، وهل يعقل أن لا يكون اسمه موجوداً! ولم يكن يعلم بحقيقة الأمر، وكانوا قد لقّنوه بذلك فصدّق مقولتهم. فهؤلاء معذورون، وأنا لا أقول إن هؤلاء القاصرين يدخلون جهنم، وهؤلاء إخواننا، وكذلك الآخرون المقصّرون هم أخوة لنا أيضاً، ووظيفتنا في زمان الهدنة هي مداراتهم لا أن نرفع اليد ونتنازل عن عقائدنا.
إن أساس الدين قائم على التبليغ، وهو الدور الذي تضطلعون به، وعليكم أن توصلوا هذه الأمور التي ذكرناها إلى الناس، وأن تظهروا الحزن على فاطمة الزهراء (عليها السلام) التي يصادف وفاتها يوم غد، وأن تذكروا مصائبها لأنها تذكر فيما بيننا وفي مجالسنا الخاصة، فالموالون صفتهم أنهم "يحزنون لحزننا ويفرحون لفرحنا".
خطاب أميرالمؤمنين (ع) مع رسول الله (ص)
وكما ذكرنا سابقاً عن رواية الكليني فإن أميرالمؤمنين (عليه السلام) خاطب رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد دفن فاطمة (عليها السلام): " فأحفّها السؤال، واستخبرها الحال" أي اسألها كثيراً عما أصابها من هذه الأمة، "فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلاً"، فقد أضمرت في قلبها الكثير من المصائب ولم تجد في الدنيا موضعاً لكي تتحدث بغصصها، ويعلم من هذا أنه كان في قلبها بعض المصائب التي لم تذكرها حتى لعليّ عليه السلام (بكاء الحاضرين).
أقسم على الله بعزته وجلاله أن يهدينا وإياكم (وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله).
شفاعة الزهراء (عليها السلام)
إن هذه أبواب أهل البيت (عليهم السلام) التي أظهرها الله لنا، فلو لم يكن لطف الله ورحمته لم نكن لنحظى بهذه الهداية، واعلموا أن أهل البيت الذين لاقوا هذه المصائب في هذه الدنيا فلن يضيع أجرهم عند الله، أما ما تعقد الأمة المؤمنة آمالها عليها للحصول على شفاعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخاصة فاطمة الزهراء (عليها السلام) فهو هذا البكاء وهذه المجالس، فهذه أسباب الشفاعة، فإذا خاطبت فاطمة الزهراء (عليها السلام) الله سبحانه وتعالى يوم المحشر، وقالت: إن هذا قضى عمراً وهو يبكي على أولادي، (ارتفاع أصوات البكاء) فالله لا يرد ولا يلغي شفاعتها، ويجب أن نغتم أسباب النعمة التي في أيدينا لكي تبقى في أيدينا إلى الختام إن شاء الله تعالى.
وأسأل الله أن يوفقكم وجميع المؤمنين للعمل والتمسك بأهل البيت (عليهم السلام)، ونسأله أن يهدي من يقبل الهداية من هؤلاء الأشخاص الذين يمشون على هذا الطريق (الضلال وإنكار شهادة الزهراء) سواء عن علم أو جهل، أما الآخرون (الذين لا يقبلون الهداية) فالله تعالى هو الأعرف بما فيه الصلاح فيما سيفعله معهم.
والحمد لله رب العالمين
(1) الكافي: ج1، ص241، ح5.
(2) الكافي: ج1، ص485، ح2.
(3) الكافي: ج1، ص458، باب مولد الزهراء (عليها السلام)، ح3
في درس خارج الفقه صباح يوم 12 جمادى الأولى 1418هـ
بخصوص شهادة الزهراء (عليها السلام) والإنكار على تشكيك بعض المضلّين
... وعندما بلغ بنا الكلام إلى هذا الموضع فإنني سأتعرض لأمر صار محل ابتلاء في زماننا هذا، فالبعض يظن والآخر يتعمد في أن يصوّر أن التآلف والمماشاة مع العامة ـ وهم مسلمون وإخواننا في الدين، ويجب أن نعتبر حقوقهم وأموالهم محترمة ـ يعني رفع اليد عن عقائد الشيعة.
تحريف عقائد الشيعة
ولقد سعى البعض جهلاً والبعض الآخر عن عمد وقصد ضالاً ومضلاً (تحريف عقائد الشيعة)، هذه العقائد التي عانى أصحاب الأئمة (عليهم السلام) وعلماؤنا المصاعب الجمة طوال الأزمنة للحفاظ عليها، وهي أساس التشيع. إن هؤلاء يحرفون أولئك الشباب الذي لا اطلاع لهم ولا فحص لديهم في حقائق المسائل الدينية وتاريخ الإسلام، ولا معرفة لديهم بالمباني والأسس التي يجب أن تؤخذ منها المطالب والعقائد الحقة.
إن هؤلاء المضلّين يتحدثون بأمور لمجرد أن يستسيغها ويتقبلها أولئك الشباب (غير المطلعين)، وبدلاً من أن يبينوا الحقائق ليتعلم منها شباب الشيعة (فإنهم يحرفون شباب الشيعة أنفسهم!!). إن طريقة ترويج مذهب الشيعة كانت قائمة على بيان الحقائق وفي كل فرصة مناسبة باللسان اللين (وبالأسلوب الأمثل)، أما في المواضع التي لا تكون كذلك فإن الواجب هو الإمساك والتحرز عن التحدث. وهؤلاء (المضلون) بدلاً من أن يوصلوا عقائد الشيعة ويبينوا أدلتها ومداركها فإنهم ـ وفضلاً عن حيرتهم الشخصية في عقائد الشيعة ـ يلقون هؤلاء الناس المساكين في الضلالة.
إن قضية التشيع وما يقوله الشيعة واضحة جداً، فلو كان لأي شخص وصية ما "فإن وصية" رسول الله(صلى الله عليه وآله)باتفاق الفريقين هي: "إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي، لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض"، ونحن نأخذ فيما يرجع إلى الإسلام من الأئمة (عليهم السلام) .
مقام ومنزلة الصدّيقة الشهيدة فاطمة (عليها السلام)
ومن الأدلة القاطعة للشيعة التي لا مجال للخدشة فيها ولا يمكن أن يقع فيها الجهل وعمى البصيرة ـ لمن كانت له بصيرة! ـ هو ما يتعلق بفاطمة الزهراء (عليها السلام)، ففاطمة الزهراء (عليها السلام) كان لها مقام ومنزلة رفيعة عند الله عز وجل، فقد روى الشيخ الكليني (قدس الله نفسه) في الكافي بسند صحيح إن جبرائيل (عليه السلام) كان ينزل بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) على فاطمة (عليها السلام)، وكان يحدّثها بما سيجري على ذريتها، وكان علي بن أبي طالب (عليه السلام) يكتب ذلك(1).
فاطمة (عليها السلام) صدّيقة شهيدة
ولقد أكثر رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الوصية بابنته، ولكن هذه البنت توفيت بعد خمسة وسبعين يوماً من وفاة أبيها، ودفنوها في الليل، وغسلوها في الليل (يتعالى صوت البكاء في المسجد الأعظم) فماذا حدث في هذا الظلام؟ فلو كان للمودة في القربى قدر متيقن فهو فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فما الذي حدث بحيث دُفنت في الليل وأخفي قبرها؟!
إن هذا آية للجميع، فقد تم على أساس الحكمة، ففاطمة الزهراء (عليها السلام) أوصت بذلك في وصيتها وعمل المولى أميرالمؤمنين (عليه السلام) بتلك الوصية بحذافيرها، وهذا العمل إنما كان لغرض إقامة الحجة على الأجيال اللاحقة لكي تفكر في ذلك، ولماذا كان قبرها مخفياً؟
فالكليني ينقل رواية صحيحة عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) بثلاث وسائط فقط، فقد روى عن محمد بن يحيى العطار، عن العمركي بن علي البوفكي، عن علي بن جعفر أخ الإمام، عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام): " إن فاطمة صدّيقة شهيدة "(2). إنها صدّيقة شهيدة (بكاء الحضور).
إن الزهراء (عليها السلام) كانت تبيّن مقام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وكانت تقول إن بعلي جاهد وقدم الخدمات الجليلة للإسلام، وأخبرت أن الحق معه، " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي، ولن يفترقا ".
شكوى أميرالمؤمنين (عليه السلام)
إن فاطمة (عليها السلام) كانت صدّيقة شهيدة، ولاحظوا تلك الرواية التي رواها الكليني(3) وجاء فيها أن مولانا أميرالمؤمنين (عليه السلام) عندما دفن فاطمة الزهراء (عليها السلام) حوّل وجهه نحو قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: " قلّ يا رسول الله عن صفيتك صبري "، (أصوات البكاء) فعلي بن أبي طالب (عليه السلام) الذي صبر خمساً وعشرين سنة، وهو الذي قال: "صبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى"، وهو الذي صبر في القتال والجهاد، يقول بعد وفاة فاطمة الزهراء (عليها السلام): "قلّ يا رسول الله صبري"!
ثم يقول في نفس هذه الرواية: "وستنبئك ابنتك بتظافر أمتك على هضمها" (ارتفاع أصوات البكاء) التفتوا جيداً إلى ما سأقول، لقد فسروا الهضم بالظلم، والهضم في أصله بمعنى النقص، وعندما ينقصون شيئاً من شخص فهذا ظلم له، والنقص تارة يرد على الحق فيقال هضمها حقها كما في غصب فدك، لا، (ولكن الهضم هنا لم يكن كذلك) فقد أسند الهضم هنا إلى نفس الزهراء (عليها السلام)، فإذا ضممنا هذا إلى قول ولدها موسى بن جعفر (عليه السلام) "فاطمة صديقة شهيدة " فماذا ستكون النتيجة؟
إنكار قول الإمام الكاظم (عليه السلام) !!
ولكن ظهر أشخاص وبعضهم معممون ومنتسبون للسادات، (ذرية النبي صلى الله عليه وآله) فهؤلاء ينكرون شهادة الزهراء (عليها السلام) يعني ينكرون قول موسى بن جعفر (عليه السلام) من أنها صدّيقة شهيدة، فاحذروا ونبّهوا غيركم !
ولقد سمعت ـ وإن شاء الله لا يكون الأمر كذلك ـ إنهم في هذه الحوزة العلمية يريدون أن يعقدوا مجلساً باسم شهيد عظيم وأن يدعو ذلك الشخص الضال المضل ليخطب في تلك الجلسة، ونسأل الله أن لا يتم الأمر بهذا النحو، فهذه الحوزة هي ركن التشيع، والحوزة هي المكلفة بحفظ التشيع، وهؤلاء الذين هم على هذه الحال من الضلال يجب أن لا يتخذ معهم هذا النوع من التعامل في هذه الحوزة بحيث ينعكس الأمر عند الشباب ويكون دليلاً لهم على حسن حاله، ويقال إن مثل هذا الشخص ذهب إلى الحوزة وكانت له جلالة واحترام في مجلس ابن آية الله الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه)، فقد جعلوا ذلك الشهيد العظيم السيد مصطفى الخميني قميص عثمان، وهو الذي خدم الإسلام والشيعة وهذا البلد، إنهم يريدون أن يعقدوا باسم هذا الشهيد مجلساً ومؤتمراً ليأتي مثل هؤلاء الأشخاص المضلين ويحاضروا.
إنني أقول والله شاهد على ما أقول إن قلوبنا ممتلئة دماً وقيحاً، فهؤلاء يفسدون عقائد الشباب، والرسائل التي تصل إلينا من الخارج جعلتنا في حيرة من الأمر.
إن الترويج لأولئك فيه إشكال شرعي وغير جائز إلا أن يعود هذا الشخص ويقول إن ما قلته من الكلام كان اشتباهاً، ولا عيب في ذلك فالإنسان غير معصوم، وحينها سيكون أخاً لنا وشخصاً كبيراً، ولكنه ما دام باقياً على حاله فلا.
الاتحاد لا يعني حذف عقائد الشيعة
لقد قلنا إننا نريد الاتحاد ولكن ليس بالشكل الذي نحذف فيه عقائد الشيعة ونبطلها، كلا، فنحن لا نريد الاتحاد بهذا النحو، وإن إمام الزمان (عجّل الله فرجه الشريف) يتألم قلبه من ذلك (هذا الشكل من الوحدة)، وإن ما نصبوا إليه هو التآلف.
ولقد ذكرنا في أول حديثنا إنّ الاسلوب الذي ينبغي أن يبلّغ الإنسان فيه هو الأسلوب الأمثل (وجادلهم بالتي هي أحسن)، وهذا الاسلوب والخطاب شامل للكفار فضلاً عن إخواننا في الدين. إن أكثر هؤلاء المخالفين قاصرون، وهؤلاء لا يعذبون يوم القيامة لأن أكثرهم لا يعلمون الحقيقة، ولقد سافرت كثيراً للتبليغ إلى شمال العراق حيث يمتزج السنة بالشيعة، وذات يوم سألت سنياً: ما هو مذهبك؟ فأجاب: حنفي، قلت له: هل إن اسم أبي حنيفة مذكور في القرآن؟ فقال: بالطبع! ويجب أن يذكر اسمه في القرآن، وهل يعقل أن لا يكون اسمه موجوداً! ولم يكن يعلم بحقيقة الأمر، وكانوا قد لقّنوه بذلك فصدّق مقولتهم. فهؤلاء معذورون، وأنا لا أقول إن هؤلاء القاصرين يدخلون جهنم، وهؤلاء إخواننا، وكذلك الآخرون المقصّرون هم أخوة لنا أيضاً، ووظيفتنا في زمان الهدنة هي مداراتهم لا أن نرفع اليد ونتنازل عن عقائدنا.
إن أساس الدين قائم على التبليغ، وهو الدور الذي تضطلعون به، وعليكم أن توصلوا هذه الأمور التي ذكرناها إلى الناس، وأن تظهروا الحزن على فاطمة الزهراء (عليها السلام) التي يصادف وفاتها يوم غد، وأن تذكروا مصائبها لأنها تذكر فيما بيننا وفي مجالسنا الخاصة، فالموالون صفتهم أنهم "يحزنون لحزننا ويفرحون لفرحنا".
خطاب أميرالمؤمنين (ع) مع رسول الله (ص)
وكما ذكرنا سابقاً عن رواية الكليني فإن أميرالمؤمنين (عليه السلام) خاطب رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد دفن فاطمة (عليها السلام): " فأحفّها السؤال، واستخبرها الحال" أي اسألها كثيراً عما أصابها من هذه الأمة، "فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلاً"، فقد أضمرت في قلبها الكثير من المصائب ولم تجد في الدنيا موضعاً لكي تتحدث بغصصها، ويعلم من هذا أنه كان في قلبها بعض المصائب التي لم تذكرها حتى لعليّ عليه السلام (بكاء الحاضرين).
أقسم على الله بعزته وجلاله أن يهدينا وإياكم (وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله).
شفاعة الزهراء (عليها السلام)
إن هذه أبواب أهل البيت (عليهم السلام) التي أظهرها الله لنا، فلو لم يكن لطف الله ورحمته لم نكن لنحظى بهذه الهداية، واعلموا أن أهل البيت الذين لاقوا هذه المصائب في هذه الدنيا فلن يضيع أجرهم عند الله، أما ما تعقد الأمة المؤمنة آمالها عليها للحصول على شفاعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخاصة فاطمة الزهراء (عليها السلام) فهو هذا البكاء وهذه المجالس، فهذه أسباب الشفاعة، فإذا خاطبت فاطمة الزهراء (عليها السلام) الله سبحانه وتعالى يوم المحشر، وقالت: إن هذا قضى عمراً وهو يبكي على أولادي، (ارتفاع أصوات البكاء) فالله لا يرد ولا يلغي شفاعتها، ويجب أن نغتم أسباب النعمة التي في أيدينا لكي تبقى في أيدينا إلى الختام إن شاء الله تعالى.
وأسأل الله أن يوفقكم وجميع المؤمنين للعمل والتمسك بأهل البيت (عليهم السلام)، ونسأله أن يهدي من يقبل الهداية من هؤلاء الأشخاص الذين يمشون على هذا الطريق (الضلال وإنكار شهادة الزهراء) سواء عن علم أو جهل، أما الآخرون (الذين لا يقبلون الهداية) فالله تعالى هو الأعرف بما فيه الصلاح فيما سيفعله معهم.
والحمد لله رب العالمين
(1) الكافي: ج1، ص241، ح5.
(2) الكافي: ج1، ص485، ح2.
(3) الكافي: ج1، ص458، باب مولد الزهراء (عليها السلام)، ح3
تعليق