إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

أحسن القصص : ((من قصص الأنبياء (ع)))

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أحسن القصص : ((من قصص الأنبياء (ع)))

    بسم الله الرحمن الرحيم


    أبونا آدم و أمُّنا حوّاء

    " اللهم صل على محمد و آل محمد ، و صل على أبينا آدم و أمُّنا حواء " فاطمة الزهراء ( عليها السلام )

    كمال السيد

    قبل ملايين السنين خلق الله العالم . . الكواكب و النجوم و السماوات . . و خلق الله الملائكة من نور . . و خلق الجنّ من نار . . و خلق الله الأرض .

    لم تكن الأرض مثلما هي عليه اليوم . . كانت مليئة بالبحار ، و كانت الأمواج ثائرة ، و الرياح تعصف بشدّة . .

    و البراكين مشتعلة ، و النيازك الضخمة و الشهب تهاجم الأرض .

    و لم تكن هناك من حياة على الأرض . . لا في البحار و لا في البراري .

    وقبل ملايين السنين ، ظهرت في البحر أنواع صغيرة من الأسماك ، و ظهرت في البر نباتات بسيطة .

    ثم تطوّرت الحياة شيئاً فشيئاً ، و ظهرت على سطح الأرض حيوانات كالزواحف ، والبرمائيات ، و ظهرت الدنياصورات بأشكالها المتعددة و أنواعها المختلفة .


    و بين فترة و أخرى كانت الثلوج تغطّي الأرض فتموت النباتات و تموت الحيوانات و تنقرض ، و تظهر بدلها أنواع جديدة . . و بين فترة و أخرى تذوب الثلوج و تعود الحياة في الأرض مرّة أخرى .

    في تلك الأزمنة السحيقة . . و ما تزال الأرض لم تهدأ بعد من البراكين و الزلازل . . و العواصف العاتية ، و الأمواج الثائرة . . و لم تكن الثلوج قد ذابت بعد . . في تلك الأزمنة البعيدة أخذ الله من الأرض تراباً . . من المرتفعات و من السهول ، و من الأرض السبخة المالحة ، و من الأرض الخصبة العذبة . . مُزجت التربة بالماء و أصبحت طيناً متماسك الجزئيات .


    خلق الله سبحانه من ذلك الطين ما يشبه هيئة الإنسان ، رأس و عينان و لسان و شفتان و أنف و أذنان و قلب و يدان و صدر و قدمان .

    تبخّر الماء و جمد التمثال البشري ، اصبح الطين حجراً صلداً يابساً إذا هبّت الريح يسمع منه صوت ينُّم عن تماسكه .

    و على هذه الحالة ظلّ التمثال نائماً إلى أمد طويل لا يعلم مداه إلاّ الله سبحانه .

    الأرض :

    و في تلك الفترة من الزمن هدأت الأرض ، هدأت الأمواج في البحار ، و هدأت العواصف ، و انطفأ كثير من البراكين . . .

    ونمت الغابات أصبحت كثيفة و امتلأت بالحيوانات و الطيور ، و تفجّرت ينابيع المياه العذبة ، و جرت الأنهار .

    اما المناطق التي انعدم فيها الماء فقد كانت الرياح الطيبة تحمل لها الغيوم ، و هناك تهطل الأمطار لتحيي الصحراء الخالية من الأنهار و النبات .

    و عندما يسافر المرء في الفضاء يشاهد الأرض من بعيد كرةً تدور في الفضاء حول الشمس فتنشأ الفصول .

    صيف يعقبه خريف ، و خريف يعقبه شتاء و بعد الشتاء يأتي الربيع .

    فتزداد الأرض خُضرةً و تصبح النباتات و الغابات أكثر بهجةً .

    و تتدفق الأنهار بالمياه العذبة ، و تفور الينابيع بالمياه الصافية الباردة .

    و تدور الأرض حول نفسها ، فينشأ الليل والنهار .

    في النهار تستيقظ الطيور فتطير باحثة عن رزقها ، و تستيقظ الحيوانات تبحث عن طعامها .

    الغزلان تركض في الغابات و الوعول فوق سفوح الجبال ، و الفراشات تدور في الحدائق تبحث عن الأزهار و الرحيق ، و الحيوانات المفترسة تزأر في الغابات .

    كل شيء في الأرض ينمو و يتكاثر ، فالأرض تمتلئ بالحياة و البهجة .

    الأشجار تحمل الثمار ، و الخراف و الماعز تأوي إلى الكهوف تبحث عن مأوى يحميها من الحيوانات الكاسرة .

    كل شيء يمضي في طريقه كما خلقه الله سبحان و تعالى .

    أصبحت الأرض جميلة جدّاً . . . أصبحت ملوّنة . . زرقة البحار . . و خضرة الغابات و التلال التي تكسوها الأعشاب ، و سمرة الصحاري . . و بياض الثلوج . . و أشعة الشمس الحمراء في الشروق .

    امتلأت الأرض بالحياة . . طيور و حيوانات ، و غابات و نباتات و أزهار و فراشات . . . أمّا الإنسان فلم يكن له وجود بعد .

    آدم . . الإنسان الأول :

    و في لحظة من لحظات الرحمة و اللطف الإلهي ، نفخ الله في تمثال الصلصال من روحه ، عطس وقال : الحمد لله .

    نهض آدم دبّت فيه الروح و أصبح بشراً سويّاً ، يتنفس و يجيل نظره . . أصبح إنساناً يفكّر و يتأمّل . . يحرّك يديه و يمشي يعرف الجميل و يدرك القبيح . . يعرف الحق و يدرك الباطل . . الخير والشر ، السعادة و الشقاء .

    أمر الله الملائكة أن تسجد لآدم . . ان تسجد لما خلقه الله بيده .

    سجد الملائكة جميعاً . .

    الملائكة لا تعرف شيئاً سوى طاعة الله . . انها تسبح الله دائماً . . . خاشعة لله في كل وقت . . . سجدت للإنسان لأن الله اختاره خليفة له في الأرض . .

    لأن الله جعله خليفة . . انه أرفع منزلة من الملائكة .

    و لكن هناك مخلوق آخر لم يسجد ! ! كان هناك جنّي خلقه الله قبل ان يخلق أبانا آدم بستة آلاف عام . . لا يعلم أحد أهذه الأعوام كانت من أعوام الأرض أم من أعوام كواكب أخرى لا نعرفها .

    الجنّ خلقه الله من النار . . إبليس لم يسجد لآدم . . لم يطع الله قال في نفسه : انه أفضل من آدم . لأن اصله من النار . . تكبّر إبليس . . و استنكف ان يسجد لآدم المخلوق من الطين . .

    كان الملائكة جميعاً ساجدين . . الملائكة جميعاً يطيعون الله يسبّحون اسمه و يقدّسون ذاته . . امّا إبليس فقد كان من الجن فعصى أمر الله و لم يسجد لآدم .

    قال الله سبحانه : لماذا لا تسجد لآدم يا إبليس ؟

    قال إبليس : أنا أفضل منه . . لقد خلقتني من النار أما آدم فمخلوق من الطين . . النار أفضل من الطين .

    طرد الله إبليس المتكبّر من حضرته . . طرده من رحمته . . و من ذلك الوقت حقد إبليس على آدم . .

    حسده أولاً ثم حقد عليه . . إبليس مخلوق متكبّر حسود و حاقد . . لا يحبّ أحداً سوى نفسه .

    أصبح شغله و همّه كيف يقضي على آدم . . كيف يغرّه ليضلّه .

    طرد الله إبليس من رحمته . . قال له أخرج فإنك رجيم . . و إنّ عليك لعنتي إلى يوم الدين .

    قال : إبليس : أمهلني يا ربّ إلى يوم الدين . . قال الله سبحانه : إنك من المنظرين إلى يوم الدين . . إلى وقت معلوم .

    قال إبليس : رب بما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ، لأغوينهم أجمعين . .

    كم هو ملعون إبليس . . كم هو مكابر وكذّاب . . انه يتهم الله سبحانه بانه هو الذي أغواه . . لم يلق اللوم على نفسه لمعصيته . . لم يقل أنه حسد آدم و حقد عليه و انه تكبّر فلم يسجد و لم يطع الله !

    و هكذا كفر إبليس . . استكبر ثم كفر . . ظنّ نفسه أفضل من آدم لأنه مخلوق من نار و آدم اصله طين و تراب .

    إبليس أناني . . نسي أن الله خلقه و هو يأمره و عليه أن يطيع الله . .

    حوّاء :

    خلق الله آدم وحيداً . . ثم خلق من أجله حواء ، فرح آدم بزوجه ، وهي أيضاً فرحت بلقائه .

    اسكن الله سبحانه أبانا آدم و أمّنا حواء الجنّة .

    الجنة مكان جميل . . جميل جداً . . انهار كثيرة . . و أشجار خضراء خالدة .

    ربيع دائم . . ليس في الجنّة حرّ و لا برد . . نفحات طيبة .

    عندما يملأ المرء صدره منها يشعر بالسعادة . .

    قال الله ربّنا لآدم : اسكن أنت و زوجك الجنّة و كلا منها حيث شئتما . . اسكن فيها حيث تحبّ و كل فيها ما تحبّ . .

    ستكون سعيداً فيها فليس في الجنّة تعب و لا جوع و لا عري . .

    و لكن ايّاك أن تقترب من هذه الشجرة . . ايّاك أن تسمع كلام إبليس ، فيخدعك انه عدوّ لك و لزوجك . . انه يحسدك يا آدم ، يضمر لك الشرّ .

    انطلق آدم و زوجه حواء في الجنّة ينعمان بظلالها ، و يأكلان من ثمارها . . كان آدم سعيداً و كانت حواء سعيدة . .

    كانا سعيدين جداً . . لقد خلقهما الله بيده . . و رزقهما من كل شيء و كانت الملائكة تحبهما ، لأن الله خلقهما و يحبّها . .

    آدم و حواء ينطلقان في الجنّة هنا و هناك ، يقتطفان من ثمارها و يجلسان على شواطئ أنهارها .

    شواطئ ساحرة جميلة من الياقوت و العقيق ، و المياه الصافية العذبة تغسل اقدامهما . . و هناك انهار من عسل طيب و لذيذ ، و انهار من لبن ، و طيور و زهور . . لا حدود لسعادة آدم و حواء كل شيء في الجنّة لهما . . أشجارها و ثمارها . .

    كانا يأكلان من كل الثمار . . ثمار مختلفة الشكل و اللون و الرائحة و لكنها جميعاً شهية . .

    و في كل مرّة كانا يصادفان شجرة في وسط الجنّة . . شجرة جميلة المنظر تتدلى ثمارها . . كانا ينظران إليها فقط . . لأن الله نهاهما عن الاقتراب منها و تناول ثمارها .

    إبليس عدوّ الإنسان :

    طّرد ابليس من صفوف الملائكة . . لقد ظهرت حقيقته في أول امتحان . . ظهرت أنانيته . . و تكبّره . . أصبح ملعوناً رجيماً . . لم يعد له مكان بين الملائكة . .

    إبليس يمتلأ حقداً و حسداً لآدم و زوجه . . أصبح شغله الشاغل كيف يخدع آدم و حواء و يخرجهما من الجنّة ؟ .

    قال في نفسه : أنا أعرف كيف أخدعهما أنا أعرف أنهما سيصغيان إلى وسوستي . . سأدعوهما لأن يأكلأ من تلك الشجرة . . و عندها سيشقى آدم . . سيصبح شقيأً مثلي . . سوف يطرده الله من الجنّة ، حوّاء هي الآخرى ستشقى .

    الشجرة :

    جاء إبليس إلى آدم و حوّاء . . جاء ليوسوس لهما . . ليخدعهما قال لهما : هل رأيتما أشجار الجنّة كلها ؟

    قال آدم : نعم لقد رأيناها جميعاً . . و أكلنا ثمارها .

    قال إبليس : ما فائدة ذلك . . و أنتما لم تأكلا من شجرة الخلد . . انها شجرة الملك الدائم و الحياة الخالدة . . عندما تأكلان من ثمارها تصبحان ملكين في الجنّة . . قالت حواء : تعال لنأكل من شجرة الخلود .

    قال آدم : لقد نهانا ربّنا عن الاقتراب منها . . قال إبليس و هو يخدعهما : لو لم تكن شجرة الخلود لما نهاكما عنها . . لو لم تصبحا ملكين لما قال لكما ربّكما : لا تقربا هذه الشجرة انني أنصحكما أن تأكلاها . . و عندها سوف تصيرا ملكين و لن تموتا أبداً . . ستصيرا خالدين تنعمان في هذه الجنّة إلى الأبد .

    قال آدم لزوجه : كيف اعصي ربّي . . لا . . لا .

    قال إبليس : هيّا لأدلّكما عليها انها هناك في وسط الجنّة ، ذهب إبليس و تبعه آدم و حوّاء . . كان إبليس يمشي متكبّراً مغروراً .

    قال و هو يشير إلى الشجرة . . هذه هي الشجرة . . انظرا كم هي جميلة . . انظرا إلى ثمارها كم هي شهية .

    نظرت حوّاء . . و نظر آدم . . حقّاً انها جذّابة . . شهية الثمار . . شجرة تشبه شجرة القمح . . و لكن فيها ثمار مختلفة و تفاح و عنب . .

    قال إبليس : لماذا لا تأكلان منها . . اقسم لكما باني ناصح . . انصحكما أن تتناولا ثمارها . .

    أقسم إبليس أمام آدم و حواء أنه يريد لهما الخير و الخلود !

    و في تلك اللحظة الرهيبة نسي آدم ربّه نسي الميثاق الذي أخذه الله عليه . . فكّر في نفسه انه يستطيع أن يبقى ذاكراً لله و في نفس الوقت يعيش حياة الخلود . .

    في تلك اللحظات المثيرة . . مدّت حوّاء يدها و اقتطفت من ثمار الشجرة أكلت منها . . انها حقّاً شهية أعطت آدم منها . . نسي آدم الميثاق فأكل منها . .

    و هنا فرّ إبليس . . راح يقهقه بصوت شيطاني . . لقد نجح في إغواء آدم و حواء .

    الهبوط على الأرض

    و في تلك اللحظة التي أكل فيها آدم و حواء من ثمار الشجرة حدث شيء عجيب . . تساقطت عنهما ثياب الجنّة اصبحا عريانين . . بدت لهما سوء آتهما . .

    كانت هناك شجرة تين و شجرة موز عريضة الأوراق لجأ إليها آدم و حواء . .

    كانا يشعران بالخجل من نفسيهما . . راحا يخصفان من ورق التين و الموز ليصنعا لهما ثوباً يستر ما بدا من سوء اتهما .

    شعرا بالندم و الخوف و الخجل . . لقد ارتكبا المعصية . . لم يسمعا كلام الله سمعا كلام الشيطان . . الذي فرّ بعيداً و تركهما لوحدهما . .

    سمع آدم و حوّاء صوتاً يناديهما . . كان صوت الله سبحانه قال : ألم انهكما عن هذه الشجرة . . ألم أقل لكما ان الشيطان عدو لكما فلا يخدعكما . .

    بكى آدم بسبب خطيئته . . و بكت حواء .. ليتهما لم يسمعا كلام الشيطان . .

    قالا و هما يركعان لله في ندم : نتوب إليك يا ربّنا . . فاقبل توبتنا .. . تجاوز عن خطيئتنا ربّنا ظلمنا انفسنا و إن لم تغفر لنا و ترحمنا لنكونن من الخاسرين .

    كان آدم قد تعلم من قبل ان المغفرة و التوبة و الندم تغسل الخطايا . . لهذا تاب . . و أناب إلى الله . .

    ربّنا رحيم بمخلوقاته فتاب عليه ، ولكن من يأكل من هذه الشجرة ومن يعصي الله ، عليه أن يخرج من الجنّة عليه أن يتطهّر من خطيئته . .

    قال الله سبحانه : اهبطوا إلى الأرض . . اهبطا انتما و ابليس إلى الأرض . . ستستمر العداوة بينكما و بينه . . سوف يستمر في خداعه لكما . .و لكن من يتّبع أمري . . من يتّبع كلماتي فسأعيده إلى الجنّة . . امّا من يكذّب ويكفر فسيكون مصيره مثل مصير الشيطان .

    قال الله : اهبطوا بعضكم لبعض عدو ، و لكم في الأرض مستقر و متاع إلى حين . . و فيها تحيون و فيها تموتون و منها تخرجون .

    اهبطا منها جميعاً ، فامّا يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا يضل و لا يشقى ، و من أعرض عن ذكري ، فإن له معيشة ضنكا و نحشره يوم القيامة أعمى .

    اصبح آدم و حوّاء مؤهلين للحياة في كوكب الأرض . . لقد اكتشف آدم سوء اته . . اصبح جاهزاً لأن يكون خليفة الله في الأرض يعمّرها . . و يسكنها . . و لا يفسد فيها .

    لهذا سجدت له الملائكة . . تصورت الملائكة أن آدم سوف يفسد في الأرض و يسفك الدماء . . و لكن آدم يعرف اشياء لا تعرفها الملائكة يعرف الأسماء كلها ، الملائكة لا تعرف الحرّية و الإدارة و لا تعرف التوبة . . لا تعرف الخطيئة . لا تعرف أن الذي يخطئ يعرف كيف يصحّح خطأه و يتوب .

    من أجل هذا خلق الله آدم ليكون له خليفة في الأرض .

    فجأة و بقدرة الله المطلقة هبط آدم و حواء . . و هبط إبليس .

    كل واحد منهم هبط في مكان من الأرض .

    هبط آدم فوق قمّة جبل في جزيرة سرنديب[1]، و هبطت حواء فوق جبل المروة في ارض مكّة . . امّا إبليس فهبط في اخفض نقطة من اليابسة . . هبط في واد مالح في البصرة قريباً من مياه الخليج .

    و هكذا بدأت الحياة الإنسانية فوق سطح الأرض ، و بدأ الصراع . . الصراع بين الشيطان و الإنسان . .


    عندما هبط أبونا آدم و أمّنا حواء على سطح الأرض كانت هناك حيوانات كثيرة تعيش . . غير أنها لم تقاوم الثلج المتراكم منذ آلاف السنين فماتت و انقرضت . . كان حيوان يدعى " الماموث " و هو يشبه الفيل و لكن جلده كان مغطّى بالصوف .

    كان هذا الحيوان يجوب سيبريا . . و كان حيوان آخر يشبه وحيد القرن و لكنه كان مغطّى بالصوف أيضاً . . هو الأخر لم يقاوم الثلوج و البرد ، فماتت أنواعه و انقرضت . .

    و كانت هناك طيور عجيبة .. طيور عملاقة ماتت و لم يبق لها من أثر .

    و شاء الله سبحانه أن تذوب الثلوج و ينتهي البرد الشديد في الأرض و يعود الدفء شيئاً فشيئاً .


    و شاء الله أن يهبط آدم و حواء ليكون الإنسان خليفة في الأرض . . يزرع و يبني ويعمّر هذا الكوكب الجميل .

    اللقاء

    الملائكة كانت تحبّ آدم . . تحبّه لأن الله خلقه بيده . . و تحبّه لأنه خلقه و جعله اسمى مرتبة من الملائكة . .

    الملائكة سجدت لأدم لأن الله أمرها بالسجود له . . و عندما عصى آدم ربّه و اكل من تلك الشجرة . . ندم و تاب و أناب إلى الله . .

    الله ربّنا رحيم ، قبل توبته . . و اهبطه إلى الأرض ليكون خليفته . .

    الأرض إمتحان للإنسان هل يعبد الله أم يتبع الشيطان ؟

    الملائكة تحب آدم و تحب له الخير و السعادة . .

    تريد له أن يعود إلى الجنّة ، أمّا الشيطان فهو يكره آدم هو يكره الإنسان و يحقد عليه لهذا حسده و لم يسجد له . . استكبر على الله . .

    لهذا أغوى آدم و أزلّه فأكل من الشجرة . .

    الشيطان يكره الإنسان يضمر له العداوة يريد له الشقاء . . يريد له الذهاب إلى الجحيم .

    هبط آدم على الأرض . . و ظلّ ساجداً لله كان يشعر بالندم العميق لخطيئته . . تاب الله عليه . . و اجتباه . . و اصبح آدم طاهراً من الخطيئة . .

    تذكر آدم زوجته حواء . . آدم يحبها كثيراً .

    كان سعيداً بها ولكن لا يدري أين هي الآن . . عليه أن يبحث لعلّه يعثر عليها .

    راح آدم يضرب في الأرض وحيداً يبحث عن زوجته حواء .

    جاء أحد الملائكة أخبره أن حواء في مكان بعيد من هذه الأرض . . انها تنتظرك . . هي خائفة و تبحث عنك . . قال له إذا سرت في هذا الاتجاه فإنك ستعثر عليها . .

    شعر آدم بالأمل و انطلق يبحث عن حواء . . قطع مسافات شاسعة و هو يمشي . .

    كان يمشي حافي القدمين .

    إذا جاع تناول شيئاً من النباتات البرّية ، و عندما تغيب الشمس و يغمر الظلام الأرض ، كان يشعر بالوحشة فينام في مكان مناسب . . و كان يسمع أصوات الحيوانات تأتي من بعيد . .

    سار آدم أياماً و ليالي إلى أن وصل أرض " مكّة " ، في قلبه شعور أنه سيجد حواء في هذا المكان . . ربما خلف هذا الجبل أو ذاك . .

    كانت حواء تنتظر ، تصعد هذا الجبل و تنظر في الأفاق . . و لكن لا شيء . . و تذهب إلى ذلك الجبل و تصعده لتنظر . .

    ذات يوم رأت حواء و هي تنظر رأت شبحاً . . قادماً من بعيد . . عرفت أنه آدم انه يشبهها . . هبطت حواء من الجبل . . ركضت إليه كانت تشعر بالفرحة و الأمل . .

    آدم لمحها من بعيد . . أسرع إليها ركض باتجاه حواء و حواء ، هي الأخرى كانت تركض باتجاه آدم .

    و في ظلال جبل يدعى " عرفات " حدث اللقاء . . بكت حواء من فرحتها و بكى آدم أيضاً . . و نظرا جميعاً إلى السماء الصافية . . و شكرا الله سبحانه الذي جمع شملهما مرة أخرى .

    العمل و الحياة

    لم تكن الحياة في الأرض سهلة انها ليست مثل الجنّة . .

    الأرض كوكب يدور في الفضاء .. تتغير فيه الفصول . . شتاء بارد حيث تنهمر الثلوج فتغطّي السهول و الجبال . .

    و صيف لاهب حارّ . . و خريف . . تتساقط فيه الأوراق . . وتصبح الاشجار مثل الأعواد الجافّة . .

    ثم يأتي الربيع . . فتبتهج الأرض ، و تغدو خضراء . . و يتذكر آدم حياة الجنّة الطيبة فيبكي . . يحنّ إلى العودة إلى الجنّة و إلى الحياة الطيّبة هناك .

    اختار آدم و زوجته بقعةً جميلة من الأرض ليعيشا فيها .

    كانت بعض النباتات البرّية قد نبتت فيها ، و اشجار مختلفة الشكل و الثمر . .

    مضت أيام السعادة في الجنّة . . لا حرّ و لا برد و لا جوع و لا تعب .

    عليهما الآن أن يكدّا و يعملا . . عليهما أن يستعدّا للشتاء القادم و الرياح الباردة . . أن يناما في الغار قبل أن ينتهيا من بناء كوخ لهما من خشب الأشجار .

    كان آدم يعمل و يعمل و يشقى . . كان يتصبّب عرقاً كل يوم و هو يعمل .

    فحتى لا يموت جوعاً ، عليهما أن يزرعا و يحصدا و يطحنا و يعجنا ثم يخبزا لهما رغيفين .

    كانا يتذكران ايام السعادة و يحنّان للعودة إلى الجنّة قرب الله الذي خلقهما .

    و كانا يتذكران خطيئتهما فيبكيان و يستغفران .

    و هكذا مضت حياتهما بين العمل و العبادة و بين التفكير في مستقبل أولادهما .


    و تمضي الأيام تلو الأيام . . و انجبت حواء ولداً و بنتاً . . ثم انجبت ولداً وبنتا .

    اصبح عدد سكان الأرض من البشر ستة أفراد .

    فرح آدم و حواء بابنائهما ، كانوا يكبرون يوماً بعد يوم . . اصبحوا شباناً . . قابيل و أخوه هابيل كانا يذهبان مع ابيهما آدم يتعلمان منه العمل ، حراثة الأرض و رعي الماشية . .

    اما اقليما و لوزا فكانتا تساعدان امهما في أعمال المنزل . . الطبخ الكنس الحياكة .

    الحياة تتطلب العمل و النشاط و السعي . . و تمرّ الأيام والأعوام . .

    قابيل وهابيل

    نشأ قابيل قاسياً شرس الأخلاق عنيف الطباع ، بعكس هابيل الهادئ الوديع المسالم .

    كان قابيل يؤذي أخاه دائماً . . يريد منه أن يصبح له عبداً يخدمه من الصباح إلى المساء . .

    يحرث له الأرض ، إضافة إلى عمله في رعي الماشية . . حتى ينصرف هو إلى كسله و إمضاء و قته في اللهو و اللعب كم ضرب قابيل أخاه ! !

    و كان هابيل يتحمّل و يصبر لأن قابيل أخاه و شقيقه . .

    كان يدعو الله أن يهدي أخاه قابيل و يصبح إنساناً طيباً .

    كان آدم يتألم . . و ربّما نصح ابنه قابيل إلاّ يكون شريراً . . قال له مرّة :

    كن طيباً يا قابيل . . مثل اخيك . .

    و مرّة قال له :

    لا تكن شريراً يا قابيل . . إن الله لا يحب الأشرار .

    كان قابيل لا يسمع نصائح والده . . كان يظن أنه أفضل من هابيل . . فهو أقوى بكثير من أخيه . . عضلاته قوّية جداً و رأسه أكبر من رأس هابيل . . و أطول منه قدّاً . .

    و كان آدم يقول لابنه :

    ان التقي هو الأفضل . . أن الله ينظر إلى القلوب يا قابيل . . الإنسان الأفضل . . هو الإنسان الاتقى .

    كان قابيل عنيداً . . كان يصرخ :

    لا . . لا . . لا أنا أفضل منه . . أنا الأقوى . . و الأضخم .

    ذات يوم صفع قابيل أخاه هابيل . . صفعه بقسوة .

    لم يفعل هابيل شيئاً كان يتحمّل أخاه . . هابيل قلبه طيب يحب أخاه . . يعرف أنه جاهل .. هابيل يخاف الله . . لا يريد أن يكون شريراً مثل أخيه .

    أراد الأب أن يضع حدّاً لشرور قابيل . . أراد أن يفهمه أن الله يحبّ الطيبين . . ان الله لا يحب الأشرار ، قال لهما :

    ليقدّم كل منكما قرباناً إلى الله . . فمن يتقبل الله قربانه فهو الأفضل .. لأنّ الله يتقبل من المتقين .

    انطلق قابيل إلى حقول القمح . . جمع كوماً من السنابل كانت ما تزال طرية لم تنضج بعد . .

    و مضى هابيل إلى قطيع الماشية . . فاختار كبشاً سليماً من كل عيب . . اختار كبشاً جميلاً و سميناً .. لأنه سيهديه إلى الربّ . .

    قال آدم لابنيه :

    إذهبا إلى هذه التلال . .

    وضع قابيل كوم القمح تحت ابطه و مضى إلى التلال .

    و راح هابيل يسوق كبشه الجميل إلى هناك . . ترك هابيل كبشه فوق التلّ و القى قابيل كوم القمح قريباً منه . . سجد هابيل لله . . بكى خشية منه . . نظر إلى السماء الصافية و دعا الله أن يتقبل قربانه .

    أما قابيل فكان عصبياً جداً ينظر هنا وهناك كأنه يبحث . . كان يريد أن يرى الله . . ترى ماذا سيكون شكله !

    مضت ساعات طويلة .. لم يحدث شيء . .

    هابيل جالس بوداعة ينظر إلى السماء و قد ظهرت بعض الغيوم . . امتلأت السماء بالسحب .. سكن الهواء . . كان هابيل يدعو الله . . و كان قابيل يمسك بصخرة و يقذفها بعصبية فتتكسر فوق الصخور . . كان عصيباً لا يدري ماذا يفعل . .

    فجأة لمع البرق في السماء . . و دوّى الرعد . . شعر قابيل بالخوف . . اما هابيل فكان يدعو الله . . انهمر المطر غسل وجه هابيل . . غسل دموعه . . اختبأ قابيل تحت سن صخري . .

    لمع البرق مرّة أخرى و أخرى . . فجأة انقضت صاعقة كالأعصار . . أصابت الكبش و حملته بعيداً ابتهج قلب هابيل . . بكى فرحاً . . لقد تُقبّل قربانه . . ان الله يحب هابيل لأن هابيل يحبّ الله . .

    امّا قابيل فقد امتلأ قلبه بالحقد و الحسد . . لم يتحمّل منظر كوم القمح و قد بعثرته الريح . . امسك بحجر صخري و صرخ باخيه :

    لأقتلنك . .

    قال هابيل بهدوء :

    يا قابيل يا أخي . . انما يتقبّل الله من المتقين .

    صرخ قابيل مرّة أخرى و هو يلوّح بقبضته :

    سأقتلك . . انني أكرهك .

    شعر هابيل بالحزن لماذا يكرهه أخوه ؟ ! ماذا فعل لكي يحقد عليه ؟ !

    قال بمرارة و ألم :

    لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لاقتلك . . إني أخاف الله ربّ العالمين . . انت تظلمني يا قابيل . . و إذا ما قتلتني فسوف يكون مصيرك النار .

    قابيل يفكر بطريقة وحشية . . فمادام هو الأقوى فمن حقّه أن يسيطر على أخيه . . أن يستعبده . . أن يسخره كما يسخر الحيوانات الأخرى . .

    انصرف هابيل إلى عمله يرعى ماشيته . . نسي تهديدات أخيه . . كان يرعى الماشية في التلال و الوديان الخضراء الفسيحة يتأمل ما حوله بحب . .

    يملأ الايمان قلبه بالسلام .. ينظر إلى خرافه و هي ترعى في المروج . .

    كل شيء هادئ .. منظر الشمس في الأصيل جميل . . الأفق الأزرق الصافي . . و خرير الجدول و هو يجري في الوادي الفسيح . . و الطيور البيضاء و هي تحلق في الفضاء الأزرق . . كل شيء جميل . . و محبوب . .

    و هناك خلف التلال كان قابيل يسرع نحو أرضه . . كان عصبياً و زاد من عصبيته أنه كان جائعاً . . رأى من بعيد أرنباً فركض فطارده . . قذفه بحجر تعثر الأرنب انكسرت رجله . . لم يعد قادراً على الفرار و النجاة . . أمسك قابيل به . . قتله و أكله . . رمى بالباقي فوق الأرض . .

    هبطت بعض النسور و راحت تتناول من الفريسة . . قابيل فكر في نفسه . . لو كان ضعيفاً . . لأكلته النسور . . لماذا لا تأكلني هذه الطيور المخيفة . . لأنني قوي . . القوّي هو الذي يستحق الحياة . . و على الضعفاء ان يموتوا . .

    مرّة أخرى فكر قابيل بطريقة وحشية . . انه لا يعرف الحق و الباطل أن يكون الإنسان طيّباً أفضل من أن يكون شريرّاً . . مرّة أخرى شعر بالحقد و الحسد لأخيه . . ترك أرضه و حقوله و مضى نحو التلال . .

    راح ينظر إلى أخيه هابيل في السفوح الخضراء . . و الماشية ترعى بسلام . .

    كان هابيل مستلقياً فوق العشب الأخضر . . ربّما كان نائماً . . هكذا خطر في بال قابيل اشتعل الحقد في نفسه أكثر . . اشتعل الغدر في قلبه . . انحنى ليلتقط حجراً مسنّناً .

    ربّما فكّر انها فرصة لقتل هابيل . . للتخلّص من أخيه إلى الأبد .

    انحدر قابيل من التلّ . . اقترب من أخيه . . كان حذراً جداً مثل نمر شرس . . عيناه تبرقان بالجريمة و الغدر . .

    كان هابيل غافياً . . شعر بالتعب من كثرة ما دار في المراعي . . لهذا وضع رأسه على صخرة ملساء و تمدّد فوق العشب و نام . . في وجهه ابتسامة و أمل . .

    كان نومه هادئاً لأنه يعرف ان هذا الوادي لا ترتاده الذئاب و لا الخنازير لهذا ترك ماشيته ترعى بسلام .

    لم يخطر في باله أن هناك مخلوقاً آخر أكثر فتكاً من الذئاب . .

    قابيل شقيقه الوحيد في هذه الدنيا الواسعة !

    أصبح قابيل قريباً منه . . وقع ظله على وجه أخيه النائم . . فتح هابيل عينيه ابتسم لأخيه . . و لكن قابيل كان قد تحوّل إلى وحش . . أصبح مثل الذئب ، بل أكثر قسوة . .


    انقض على أخيه بالحجر و ضرب جبهته . . سالت الدماء على عيني هابيل . . فقد وعيه . . و كان قابيل يواصل الضرب . . إلى أن سكنت حركة هابيل تماماً .

    لم يعد هابيل يتحرك . . لم يعد يفتح عينيه الواسعتين . . لم يعد يتحدّث و لا يبتسم . . انه لا يستطيع العودة إلى كوخه . . بقيت ماشيته دون راع . . ستتيه في هذه التلال و الوديان . . ستفترسها الذئاب . .

    كان قابيل ينظر إلى أخيه . . و كانت الدماء ما تزال تنزف من جبهته .

    توقف نزف الدم . . ظهرت في السماء نسور راحت تحوم . .

    حار قابيل ماذا يفعل ؟ . . حمل جسد أخيه وراح يمشي . . لا يدري أين يذهب به كيف يبعده عن هذا النسور الجائعة ؟ !

    شعر بالتعب . . الشمس تجنح نحو الغروب . . وضع جسد أخيه فوق الأرض . . وجلس ليستريح . .


    فجأة حطّ غراب بالقرب منه . . كان ينعب بشدّة يصيح : غاق . . غاق . . غاق . . ربما كان يقول له : ماذا فعلت باخيك يا قابيل ! ! لماذا قتلت أخاك يا قابيل ؟ !

    راح قابيل يراقب حركات الغراب . . الغراب كان يبحث في الأرض . . ينبش التراب . . صنع فيها حفرة صغيرة . . التقط بمنقاره ثمرة من الثمار الجافّة و القاها في الحفرة . . راح يهيل عليها التراب . .

    شعر قابيل بانه اكتشف شيئاً مهمّاً . . عرف كيف يواري أخاه . . يحفظه من النسور و الذئاب . . أمسك بعظم ربّما كان فك حمار ميت أو حصان أو حيوان آخر .

    راح يحفر في الأرض . . كان يتصبب عرقاً صنع حفرة مناسبة . . لا يمكن للنسور ولا للحيوانات أن تنبشها حمل جسد أخيه و وضعه في الحفرة و راح يهيل عليه التراب . .

    بكى قابيل كثيراً . . بكى لأنه قتل أخاه . . و بكى لأنه كان عاجزاً عن فعل شيء . .

    الغراب هو الذي علّمه كيف يواري سوءة أخيه . . انه مخلوق جاهل لا يعرف شيئاً يتعلّم من الغراب . . نظر قابيل إلى كفيه نفض منهما التراب ماذا فعلت بنفسك يا قابيل ؟ !


    كيف طوّعت لك نفسك قتل أخيك . . ماذا كسبت ؟ !

    ماذا حصدت من عملك سوى الندم والألم . . غابت الشمس . . خيّم المساء . . و ملأ الظلام الوادي و عاد قابيل إلى كوخه . .

    من بعيد و قبل أن يصل الكوخ رأى ناراً . . ناراً متأججة . . خاف قابيل . . اصبح يخشى النار .. النار التي اخذت قربان اخيه و رفضت قربانه . . اراد أن يفرّ . . و لكن إلى أين ؟

    رأى أباه آدم ينتظر . . كان ينتظر عودة ابنيه . . عاد قابيل وحيداً . .

    شعر آدم بالحزن و القلق . . سأل ابنه :

    أين أخوك يا قابيل ؟

    قال قابيل بعصبية :

    و هل أرسلتني راعياً لابنك ؟

    أدرك الأب أن شيئاً ما قد حصل .

    قال لقابيل :

    أين فقدته ؟

    قال قابيل :

    هناك في تلك التلال .

    قال الأب :

    خذني إلى ذلك المكان .

    قابيل أشار إلى المكان . . و راح يمشي و أبوه يمشي وراءه . . سمعا من بعيد ثغاء الأغنام و الماعز و رأى آدم الماشية مبعثرة في الوادي . . صاح :

    هابيل . . أين أنت يا هابيل . .

    لكن أحداً لم يجب . . تحت ضوء القمر رأى آدم شيئاً يلمع فوق الصخور . . فوق الأرض . . شم رائحة غريبة . . أدرك آدم كل شيء . . عرف أن قابيل قد قتل أخاه ، هتف بغضب :

    اللعنة عليك يا قابيل . . لماذا قتلت أخاك ؟ لم يخلقك الله لتفسد في الأرض و تسفك الدماء . . اللعنة عليك . .

    فرّ قابيل . . تاه في الأرض . . راح يعدو مثل المجنون . . ينام في المغارات ، و يركع للنار . . يسجد لها اصبح يخاف منها . . اصبحت حياته عذاباً و ندماً .

    و عاد آدم إلى الكوخ حزيناً يبكي من أجل ابنه هابيل . . هابيل الطيب التقيّ . . هابيل المظلوم . .

    بكى آدم أربعين يوماً . . و بكت حوّاء من أجل ولديها . . و أوحى الله إلى آدم أنه سيرزقه ولداً آخر . . ولداً طيباً مثل هابيل . . و مضت تسعة اشهر . . و انجبت حوّاء ولداً جميلاً وجهه يضيء كالقمر . .

    فرح آدم ملأت البهجة قلبه لقد عوّضه الله عن هابيل بولد مثله . . سبعة أيام و آدم يفكر في اسم لولده . . و في اليوم السابع قال لزوجته :

    نسمّيه شيث . . هبة الله . . لأن الله قد أهداه لنا . .

    و تمضي الأيام و الأعوام . . و كبر شيث ، و أصبح آدم شيخاً كبيراً . . و أصبحت حوّاء إمرأةً عجوزاً . .

    و كان آدم راضياً . . لقد كبر أبناؤه و أصبح له أحفاد و ذرّية . . يعملون و يزرعون . . و يبنون . . ويعبدون الله . . و هناك في مكان ما يعيش قابيل . . هو الأخر أصبح له ذرّية في الأرض .

    و ذات يوم قال آدم لولده شيث :

    اشتهي عنباً يا ولدي . .

    نهض شيث و انطلق إلى البساتين الواسعة حيث تنبت الكروم . . اقتطف بعض العناقيد الناضجة و عاد إلى أبيه . . و لكن آدم قد مات . . توفي . . عاد إلى الجنّة . . بعد أن عاش في الأرض ألف سنة . .

    بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

    { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ }[2] .

    بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

    { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ * وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ * وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }[3]



    --------------------------------------------------------------------------------

    [1] جزيرة سيلان التي تسمى اليوم سريلانكا .

    [2] سورة المائدة ( 5 ) ، الآيات : 27 ـ 31 .

    [3] سورة البقرة ( 2 ) ، الآيات : 30 ـ 38 .
    يتبع

  • #2
    سفينة الإنقاذ

    قصة سيدنا نوح ( عليه السلام )

    نتسلق الجبال والتلال ونرى في قممها وسفوحها أصداف البحر ، فنعرف ان الماء غطى هذه المناطق في زمن قديم . . .

    في مناطق واسعة من العالم يرى الناس ومتسلقو الجبال الأصداف في المرتفعات . . . في العراق وايران والهند ومصر والشام وفي الصين وأمريكا أيضاً .

    ويعثر العلماء في جبال " أرارات " على ألواح خشبية تعود إلى 2500 قبل ميلاد سيدنا المسيح عليه السلام ، ويعتقد بعضهم انها تعود إلى سفينة الإنقاذ التي صنعها سيدنا نوح عليه السلام .

    وفي سنة 1951 م عثر فريق علمي في جبل " قاف " على لوح خشبي عليه كتابات قديمة [1]، وبعد دراسة استمرت حوالي عام . . خرجت اللجنة العلمية بنتائج مذهلة ! هي أن اللوح الخشبي الصغير يعود إلى سفينة نوح عليه السلام .

    فما هي قصة تلك السفينة وما هي قصة الطوفان وقصة سيدنا نوح عليه السلام ؟

    كان الناس يعيشون امّة واحدة . . حياتهم بسيطة جدّاً . . يزرعون الأرض ويصطادون الحيوانات . . .

    وتمرّ الأيام والأعوام . . ويستغل الأقوياء قوّتهم ، ويقهروا إخوانهم الضعفاء . .

    الضعفاء كانوا يخافون الأقوياء . . لهذا خضعوا لهم ورضوا بحياة الذلّ والعبودية . .

    شاعت الوثنية في زمن سيدنا نوح عليه السلام . . وشاع الفساد . . الناس البسطاء كانوا يخافون الأقوياء ، والأقوياء كانوا يعبدون الاوثان . . .

    في ذلك الزمن رُبما قبل أكثر من أربعة آلاف سنة عاش سيدنا نوح في أرض النهرين [2]..

    رأى سيدنا نوح قومه غارقين في الفساد والانحراف يأكل القوي منهم حقّ الضعيف . . الاثرياء كانوا يضطهدون الفقراء يجبرونهم على العمل ليل نهار .. فإذا عجز الفقير أو فكر أن يعمل حرّاً لنفسه واسرته . . ضربوه وعذبوه حتى يخضع لهم وينفّذ أوامرهم ويصبح عبداً ذليلاً .

    نسي الناس عبادة الله الواحد وراحوا يعبدون اصناماً منحوتة من الصخر . . كانوا يعتقدون أنها هي التي ترزقهم وترسل لهم المطر . . وتحميهم من خطر الصواعق . . وهي التي تهبهم الخير وتدفع عنهم الشرور . .

    الاصنام نحتوها بايديهم و وضعوها على شاطىء نهر الفرات . . وراحوا يعبدونها ويركعون لها . .

    كان سيدنا نوح يتألم لمنظر الناس وهم يسجدون لتلك الاصنام والاوثان الحجرية . . يتألم للناس وهم لا يسجدون لله سبحانه ، يسجدون ل " ودٍّ " و " وسواعٍ " و " يعوق ونسر " !!

    كان نوح ينظر الى السماء يدعو الله أن ينقذ قومه من هذا الجهل والظلام .

    الله ربنّا اختار نوحاً نبيّاً وأرسله إلى الناس .

    بعثه اليهم ليعلّمهم عبادة الله الواحد الأحد . .

    الدعوة إلى توحيد الله

    ذات يوم رأى الناس نوحاً يهتف :

    يا قومي . . أنا رسول الله اليكم . . الله هو الذي خلقكم وهو الذي يرزقكم . . اطلبوا المغفرة من الله . . يغفر لكم . . الله هو الذي يرسل لكم المطر والخصب ويجعل ارضكم خضراء . . هو الذي يرزقكم ويهبكم الأولاد البنات . . لماذا تعرضون عن عبادة الله الواحد و تعبدون الحجارة ؟!

    انظروا إلى السماء الواسعة وما فيها من نجوم . . وانظروا إلى الشمس وإلى القمر . . وانظروا كيف يعيش الناس ويموتون جيلاً بعد آخر . . .


    هل يعقل ان تكون هذه الحجارة البكماء التي تسمّونها ودّاً وسواعاً ويغوث ويعوق ونسراً . . هي التي ترزقكم وتهبكم البنين وترسل لكم المطر . . وهي التي تحميكم من الصواعق والسيول . . ما لكم لا ترجون لله وقاراً .

    تعجّب الناس من نوح . . كيف يجرؤ هذا النجار على شتم الآلهة يشتم ودّاً وسواعاً ويغوث ويعوق ونسراً ؟!

    الاقوياء كانوا يحقدون على نوح . . يكرهون دعوته وكلماته . . انه يدعو إلى المساواة والاخوّة . . انه يريد للناس أن يعيشوا أحراراً ، ليس للغني والقويّ سلطته على الفقير المستضعف .

    من أجل هذا حاربوه . . قالوا عنه أنه مجنون . . قالوا عنه انه مجرّد نجّار فقير . . لو كان رسولاً من الاله ، لكانت عنده خزائن الارض . . لماذا لا يرسل الاله ملاكاً . . لماذا يرسل انساناً مثلنا ؟!!

    ان نوحاً أقل منزلة منّا . . نحن أكثر منه مالاً وأولاداً وأكثر سطوة . .

    الناس البسطاء كانوا يخافون من الاقوياء . . ظنّوا أن الحق معهم . . وان الالهة معهم وهي التي منحتهم هذه القوّة و السطوة .

    من أجل هذا أعرضوا عن نوح ودعوته . . كانوا يضعون اصابعهم في آذانهم حتى لا يسمعوا كلماته لأنهم إذا اتبعوا نوحا فان الالهة ستغضب عليهم والاقوياء سوف ينتقمون منهم . . وما فائدة نوح الفقير النجار . .

    هكذا كان الناس يفكرون . . قليلون جداً الذين آمنوا بنوح وصدّقوا كلماته .

    كان بعض الرجال الفقراء ، والنساء يأتون إلى منزل نوح ويستمعون إلى وعظه . . فتمتلأ قلوبهم ايماناً بالله الواحد الأحد . . .

    كانوا فقراء جداً وكانوا مضطهدين . . يخشون انتقام السادة الآثرياء والجبابرة القساة .

    من أجل هذا ظلّ نوح يدعو قومه إلى عبادة الله الواحد ونبذ الاوثان والاصنام . . كان يدعوهم ليل نهار . . في السرّ وفي العلن . . لكنّ أحداً لم يؤمن بنوح إلا القليلون . . القليلون جداً . . وكان هؤلاء فقراء مستضعفون .

    كان سيدنا نوح يتألم من أجلهم . . كان يحبّ ان يهتدي قومه أن يعيشوا بسلام ، لا يعتدي القوي فيهم على الضعيف . . كان يحبّ لهم أن يعيشوا طيّبين . . يحترم الصغير الكبير ، ويعطف الكبير على الصغير . . ولا يظلم بعضهم بعضاً .

    الوثنيون الذين كانوا يعبدون الاوثان رفضوا دعوة سيدنا نوح . . رفضوا التوحيد . . كانوا يسخرون من نوح الرجل النّجار الفقير .

    الاثرياء من قوم نوح يعتقدون انهم أفضل من نوح . . لانهم أكثر أموالاً وأولاداً وأكثر قوّة . .

    ذات يوم جاء الكافرون إلى سيدنا نوح قالوا له :

    كيف تريدنا أن نؤمن بك . . ولم يتبّعك سوى هؤلاء الفقراء الذين لا شأن لهم ؟!

    قالوا له :

    إذا طردتهم سوف نؤمن بك ونتبعك . .

    قال سيدنا نوح : كيف اطردهم . . كيف اطرد المؤمنين . . ان الله لا يحبّ ذلك . . انه عمل شائن . .

    وقال سيدنا نوح لهم :

    لماذا تعتقدون أنهم اراذل ؟! انهم اخوة لنا . . الناس جميعاً إخوة متساوون .

    قال الوثنيون لسيدنا نوح عليه السلام :

    أنت رجل كذّاب . . ونحن لا نؤمن بك . . لو كنت رسولاً من الله لكنت الآن من أكثرنا ثراءً . . لكانت في يدك خزائن الارض . .

    وقالوا له :

    الم يجد الله أحداً غيرك ليرسله الينا . . انت الرجل الفقير ؟!

    قال سيدنا نوح :

    يا قومي لا تكذبوا رسالة الله . . ان الله سيعاقبكم . .

    قالوا له قومه :

    أنت تجادلنا كثيراً . . إذا كنت صادقاً فائتنا بالعذاب . . نحن لا نخاف تهديداتك . . لأنّك رجل كاذب

    استمر سيدنا نوح يدعو قومه إلى عبادة التوحيد . . مرّت مئات من السنين . . وكان الناس يموتون . . وأطفال يولدون . . يكبرون ويكبرون ، وكان سيدنا نوح يدعوهم إلى عبادة الله . . ولكن الاطفال الذين اصبحوا شبّاناً كانوا يكفرون . . كانوا يسجدون للأصنام ويتركون عبادة الله .

    هل تعلم كم سنة استمرّت دعوة سيدنا نوح عله السلام ؟ لقد استمرّ يدعو قومه مدّة 950 سنة !!

    أصبح سيدنا نوح شيخاً كبيراً طاعنا في السنّ ولكنه ظلّ قويّاً لا يخاف الكافرين .

    كم مرّة ضربوه حتى كاد يموت . . كم مرّة تآمروا على قتله .

    حتى زوجته كانت مع الكافرين . . كانت تخبرهم عن الناس المؤمنين الذين يأتون لزيارة سيدنا نوح .

    في كل مرّة كان نوح يدعو قومه وينصحهم . . يعظهم ، ولكن لا فائدة .

    كانوا يسخرون منه . . وكان سيدنا يحبّ قومه يريد لهم الهداية . . لهذا كان يبكي من أجلهم . . يبكي مصيرهم التعس . . لانهم سيموتون كفّاراً . .

    ذات يوم كان سيدنا نوح في منزله جاء رجل عجوز يتوكا على عصا . . كان معه حفيده الصغير . . قال العجوز لحفيده :

    انظر يا ولدي إلى هذا الشيخ . . انه رجل مجنون . . عندما تكبر وتصبح شابّاً فاحذر أن يخدعك . . فتترك عبادة ودّ وسواع . . ويغوث ويعوق ونسر .

    الصبي أمسك بعصا جدّه وتقدّم إلى سيدنا نوح وضربه على رأسه !!

    شعر سيدنا نوح بالألم وفي كل مرّة كان يتحمل ويصبر . . ربّما ينتبهون ذات يوم ويؤمنون بالله الواحد الأحد خالق الحياة والناس والأشجار والأنهار . . خالق كل شيء .

    هكذا كان يعيش سيدنا نوح . . حتى إمرأته كانت ضده وقفت إلى جانب الكفّار . .

    وكان لسيدنا أولاد كلهم آمنوا به إلاّ واحد كان يتظاهر بالايمان ، ولكنه في الحقيقة كان وثنياً . . لا يؤمن بالله سبحانه .


    اللعنة

    جاء الملاك من السماء وقال لسيدنا نوح :

    مهما تدعو فلن يؤمن أحد منهم . . لا تتعب نفسك معهم أنهم أناس ملعونون . .

    هنالك رفع سيدنا نوح يديه السماء وراح يدعو الله أن يطهر الأرض من شرور الكفّار :

    { رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا }[3].

    سفينة الإنقاذ

    أوحى الله سبحانه إلى سيدنا نوح عليه السلام أن يصنع سفينة كبيرة .

    كفّ سيدنا نوح عليه السلام عن دعوة قومه . . في البداية تعجّب الكفّار لماذا سكت نوح بعد 950 سنة لماذا لا يدعوهم ؟ لم يعد يراه أحد .

    سيدنا نوح انتخب مكاناً خارج القرية لبناء سفينة كبيرة .


    كان نوح نجاراً حاذقاً في عمله . . وكان عليه أن يجمع الواح كثيرة وكبيرة من الخشب . .

    الناس المؤمنون جاءوا لمساعدة النبي في عمله . . راحوا يجمعون جذوع النخيل والأشجار ويصنعون منها ألواحاً باحجام مختلفة .

    لم يكن بناء السفينة سهلاً لأنها كانت سفينة كبيرة جداً .

    السفينة التي يريد أن يصنعها سيدنا نوح تتألف من ثلاث طوابق كان طول السفينة أكثر من 200 م في عرض 70 م وارتفاع 25 م .

    لم يترك الوثنيون سيدنا نوح وشأنه . . كانوا يأتون إلى مكان العمل ويسخرون من النبي والذين آمنوا . .

    كان سيدنا نوح يعمل في صناعة السفينة ، وكان المؤمنون يحملون الواح الخشب وبعضهم يدق المسامير وآخرون يزفتون الأخشاب بالقار .

    الوثنيون كانو يسخرون قال بعضهم :

    انظروا إلى هؤلاء المجانين يصنعون سفينة في الصحراء .

    وقال أحدهم :

    أن نوح قد خرف وفقد عقله .

    وقال آخر : انه لا يحسن سوى النجارة . . انه نجار حاذق في عمله . . ولكن يا للأسف أنه مجنون .

    انه مخادع ربّما يريد أن يبني قصراً كبيراً .

    صاح رجل وثني :

    يا نوح ماذا تفعل ؟ أين البحر الذي ستمخر فيه سفينتك ضحك الوثنيون وصاح بعضهم :

    يا نوح لا تنس الاشرعة . . فالأمواج عنيفة والرياح شديدة

    كان الوثنيون يضحكون ويسخرون . .

    لم يقل سيدنا نوح شيئاً قال لهم :

    سيأتي يوم نسخر فيه منكم كما تسخرون منّا

    كان العمل في السفينة شاقاً جداً يتطلّب صبراً طويلاً ..

    صبراً على أذى الوثنيين وسخريتهم ، وصبراً على العمل المتواصل والمستمر .

    السفينة التي سيصنعها سيدنا نوح سفينة كبيرة . . سفينة لانقاذ النوع البشري . . وانقاذ مختلف الحيوانات من خطر الانقراض .

    الله ربّنا اراد أن يطهر الأرض من الشرور والظلم . . يغسلها من كل الاثام . . لهذا أوحى إلى رسوله نوح عله السلام أن يصنع الفلك . . أن يصنع السفينة من أجل انقاذ الناس المؤمنين . . الناس الطيبين . .

    اما الظالمين الذين لا يريدون العدالة ولا يحبّون المساواة فيكون مصيرهم الفناء .

    استمرّ العمل في صنع السفينة سنين طويلة . . استمرّ سيدنا نوح والمؤمنون يعملون بهمّة ونشاط مدّة ثمانين سنة .

    كانت سفينة كبرى . . ومهمتها كبرى فهي سفينة لانقاذ النوع البشري والحيواني من خطر الفناء .

    لهذا بذل سيدنا نوح والمؤمنون كل جهودهم في اتمام سفينة الانقاذ .

    الوثنيون كانوا يسخرون من النبي والذين آمنوا . . قالوا عنهم ، مجانين وأراذل . . حاربوهم . . اضطهدوهم . . ولكن الأمل في نفوس المؤمنين كان يكبر يوماً بعد آخر .. لأن الله سبحانه سوف يطهّر الأرض من الظلم والعدوان ومن شرور الظالمين . .

    سوف تغسل المياه الأرض من الذنوب والآثام . . تصبح نظيفة جداً و طاهرة وعندها سيعيشون في طمأنينة وسلام . . ويحيا أبناؤهم في مجتمع آمن مستقر .

    هكذا كان المؤمنون يتحمّلون اذى الوثنيين . . ويتحملون مشاق العمل في صنع أكبر سفينة للإنقاذ .

    الانتظار

    بعد ثمانين سنة من العمل المتواصل . فرغ سيدنا نوح والمؤمنون من صنع السفينة

    أصبحت جاهزة تماماً فقد طليت بالقار . . . ونصبت فيها الاشرعة . . .

    كان المؤمنون يأتون اليها وينظرون . . أصبحت السفينة أملهم في حياة افضل . . اصبحت أملهم في الخلاص من الظلم واللامساواة .

    كانت السفينة تتألف من ثلاث طوابق طابق سفلي وطابق في الوسط وطابق علويّ .

    الطوابق جميعاً كانت مجهزة بنوافذ صغيرة . . في مقدّمة السفينة وفي الطابق الأوسط مقصورة للقيادة . . وهداية السفينة . .

    كل شيء كان جاهزاً . . وكان سيدنا نوح والمؤمنون ينتظرون أمر الله سبحانه . .

    كان أذى الوثنيين يزداد . . وسخريتهم تزداد . . وتعذيبهم للمؤمنين يزداد .

    جاءت امرأة عجوز مع ابنتها الصغيرة إلى سيدنا نوح . . سألته عن يوم الخلاص قالت له :

    متى ينقذنا الله من شرّ هؤلاء الكفّار ؟ . .

    سيدنا نوح لا يدري متى . . لهذا نظر إلى السماء . . ان الله وحده هو العالم . .

    في هذه اللحظة هبط الملاك واخبر سيدنا نوح قال له :

    عندما يفور التنور في بيت هذه المرأة . . فاعلم أن موعد الطوفان قد دنا . .

    قال سيدنا نوح للمرأة :

    ان الله قد جعل لذلك آية وعلامة . . لقد أوحى إليّ الله أن التنور في بيتك سيفور سيخرج منه الماء مثل النافورة . . وهذه علامة ليوم الخلاص .

    المرأة العجوز فرحت لهذه الكرامة . . والبنت الصغيرة ابتسمت لهذا الأمل . .

    كل يوم كان المؤمنون يأتون إلى منزل المرأة العجوز . .

    ينظرون إلى التنور ولكن لا شيء . . وكان سيدنا نوح ينظر إليه أيضاً ولكن لم يخرج منه الماء . .

    وفار التنور

    وذات يوم كانت السماء تزدحم بالغيوم السوداء ، أصبح الفضاء مظلماً جداً . .

    كان سيدنا نوح ينظر إلى السماء وينتظر أمر الله .

    الوثنيون كانوا يزدادون ظلما وفساداً يقتلون ويسرقون . . يعملون الفواحش . . وكان الشرّ يزداد كل يوم .

    جاءت الفتاة الصغيرة إلى نوح . . جاءت تركض قالت له :

    لقد فار التنور . .

    أسرع سيدنا نوح إلى التنور . . لقد صدق الله وعده التنور تحول إلى نافورة . الماء يتدفق بقوّة . . والمرأة العجوز كانت حائرة لا تدري ماذا تفعل . .

    جاء المؤمنون لينظروا إلى آية الله سبحانه . . كان بعضهم ينظر إلى التنور بدهشة وبعضهم ينظر إلى السماء وكان الجميع يبكون من الفرح .

    السماء كانت مثقلة بالغيوم . . مليئة بالسحب السوداء .

    أصبح النهار مثل الليل . .

    هتف سيدنا نوح باتباعه :

    هيّا إلى السفينة . .

    انطلق الجميع إلىخارج القرية . . كانت السفينة في مكانها كأنها تنتظر المؤمنين . .

    وقف سيدنا نوح يشرف على ركوب المؤمنين . .


    فجأة لمعت الصواعق في السماء ودوّى الرعد بشدّة . . وهطلت الامطار بغزارة كان المؤمنون يركبون في السفينة الواحد بعد الاخر النساء والرجال . . جاء أولاد نوح كلّهم إلاّ ابن واحد لم يحضر . .

    امرأة نوح لم تحضر . . كانت وثنية لم تؤمن برسالة زوجها . .

    وحتى لا تنقرض الحيوانات أوعز الله إلى سيدنا نوح ان يدخل من كل حيوان زوجين اثنين . .

    لهذا أمر سيدنا نوح أن يخصص الطابق السفلي للحيوانات الكبيرة . . أمّا الطيور فيكون مكانها الطابق العلوي .

    الطوفان

    انفجرت الارض بالعيون . . في الوديان وفي الجبال وكان المطر يزداد غزارة . . والرياح تعصف بشدّة . . والصواعق تسطع في الفضاء والرعود تدوّي في السماء .

    الارض تحولت إلى ينابيع فوّارة . . السماء تصبّ الماء مثل الانهار .

    أدخلت جميع الحيوانات والطيور . . ووقف المؤمنون في الطابق الأوسط ينظرون من النوافذ إلى الطوفان الهائل .

    المياه تنحدر من أعالي الجبال . . الوديان تحولت إلى انهار تتدفق بالماء ، والمطر يهطل بغزارة عجيبة والرياح تعصف . .

    وفرّ الوثنيون من القرية . . فرّوا باتجاه الجبال . . لم يصدّقوا بعد كلمات سيدنا نوح .

    الإبن الغريق

    كان سيدنا نوح ما يزال ينتظر عودة إبنه . . كان يظنه مؤمناً .

    أصبحت الارض بحراً كبيراً متلاطم الامواج . .

    سيدنا نوح ينظر إلى جهة القرية لعلّه يشاهد ابنه . . لاح ابنه من بعيد كان يسبح باتجاه الجبال .

    هتف سيدنا نوح بابنه :


    يا بني : تعال أليّ تعال إلى السفينة يا ولدي .

    صاح الابن :

    كلاّ سوف الجأ إلى الجبل . . انه يحميني من الماء والغرق .

    هتف سيدنا نوح وسط العواصف والأمواج والمطر .

    يا بني اركب معنا . . ليس هناك من يحميك من المصير الأسود . .

    أراد سيدنا نوح أن يفهم ابنه انه لا عاصم اليوم من أمر الله . . سوف تغرق الأرض التلال والجبال وكل المرتفعات لان الله يريد أن يطهر الأرض من الشرور . .

    أراد سيدنا نوح أن يهتف بابنه مرّة أخرى ولكن موجة عالية وعنيفة حالت دون ذلك ، قذفت الأمواج الابن بعيداً . . ليغرق في الطوفان .

    كان سيدنا نوح يظن ان ابنه مؤمناً . . وقد وعد الله سبحانه نوحاً انّه سينقذ أهله إلا امرأته . . لهذا رفع نوح رأسه إلى السماء ونادى

    يارب انّه ابني من أهلي . وان وعدك الحق وانت احكم الحاكمين .

    وأوحى الله سبحانه إلى سيدنا نوح وقال له :

    يا نوح ! انه ليس من أهلك انه عمل غير صالح .. فلا تسألنِ ما ليس لك بعلم .

    ادرك نوح أن ابنه كان وثنياً لم يؤمن بالله ولم يصدّق رسالة والده النبي عليه السلام لهذا استغفر سيدنا نوح ربّه وقال :

    يا ربّ اعوذ بك أن اسألك ما ليس لي به علم . والاّ تغفر لي وترحمني اكن من الخاسرين .

    ابتلعت الأمواج كل شيء . . غرق كل الشيء في الطوفان المدمّر . . وتحركت السفينة عامت فوق الماء وهتف سيدنا نوح :

    بسم الله مجريها ومرسيها !

    سفينة الإنقاذ تشق طريقها وسط الأمواج . . اصبحت الأرض بحراً كبيراً لم يعد هناك شيء سوى الماء وسوى رؤوس الجبال . .

    ما يزال المطر يهطل ويهطل . . والأرض تفور بالمياه وتمرّ الأيام والسماء تنهمر بمطر غزير والرياح تعصف بعنف . . أصبحت الأمواج أكثر عنفاً كانت مثل الجبال . .

    مرّ أربعون يوماً والسماء تمطر بغزارة والسفينة تشق طريقها وسط الأمواج الهائلة التي تشبه الجبال .

    كان سيدنا نوح والمؤمنون يدعون الله ويتضرّعون إليه بالرحمة والنجاة .

    الكلمات المقدسة

    وجاء الملاك ليعلِّم النبي والمؤمنين الكلمات المقدسة . . كتب تلك الكلمات على لوح صغير . . لتكون حرزاً يحرس السفينة ويحميها من الغرق في الطوفان . .

    في ذلك الزمان كان الناس يكتبون باللغة السامانية القديمة كتب نوح الكلمات المقدسة على اللوح :

    يا إلهي ويا معيني . . برحمتك وكرمك ساعدني

    ولأجل هذه النفوس المقدسة ،

    محمد ، ايليا ، شبر ، شبير ، فاطمة

    الذين هم جميعاً عظماء ومكرمون

    العالم قائم لاجلهم .

    ساعدني لأجل أسمائهم

    أنت فقط تستطيع أن توجهني نحو الطريق المستقيم

    علّق سيدنا نوح اللوح في مقدمة السفينة ، وكان المؤمنون يتأمّلون في تلك الأسماء المقدّسة لأشخاص لم يولدوا بعد . . انّهم من ذرّية نوح عليه السلام وسلالته وتمضي السفينة تشق أمواج البحر الثائرة باتجاه الشمال .

    المطر ما يزال ينهمر بغزارة ، والمؤمنون يتضرّعون إلى الله من أجل أن ينقذهم من الطوفان الهائل .

    بعد أربعين يوم توقف المطر . . وشيئاً فشيئاً انقشعت السحب ، وأشرقت الشمس ، وظهر في الأفق قوس قزح الجميل . . قوس ملوّن فيه الأخضر والأزرق والأحمر والبرتقالي والبنفسجي ألوان جميلة ترسم الأمل في الحياة .

    أطلق سيدنا نوح غراباً طار الغراب في السماء . . دار في الفضاء ثم عاد . . عاد لأنه لم يجد أرضاً يابسة .

    في المرّة الثانية اطلق سيدنا حمامة بيضاء . . انطلقت الحمامة راحت تطير فوق المياه إلى ان اختفت .

    بعد مدّة عادت الحمامة وهي تحمل في منقارها الوردي غصن زيتون .

    فرح سيدنا نوح وفرح معه المؤمنون .. لقد انتهى الطوفان وقد انقذ الله النوع البشري من الفناء . . بعد أن أغرق الأرض ليغسلها من الشرور .


    في المرّة الثالثة اطلق سيدنا الحمامة نفسها .طارت الحمامة في السماء ولم تعد . .

    عرف سيدنا نوح ان الحمامة قد وجدت ارضاً يابسة لتبني عشها . . وتستأنف حياتها .

    سارت السفينة باتجاه الشمال إلى أن رست فوق قمة جبل " جودي "

    الله سبحانه أوحى إلى السماء والأرض ، أن يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء اقلعي وغيض الماء . .

    توقفت السماء عن المطر والأرض بدأت تشرب المياه ، وكان منسوب الماء يتضاءل يوماً بعد آخر .

    ظهرت الجبال . . وظهرت التلال والهضاب وظلّت بعض الوديان مليئة بمياه المطر .

    أوحى الله إلى سيدنا نوح : أن اهبط بسلام منّا وبركات عليك على أمم ممن معك .

    غادر سيدنا نوح السفينة ومعه المؤمنون . . هبطوا من فوق الجبل . .

    أصبحت الأرض نظيفة طاهرة . . عاد المؤمنون إلى حياتهم كانوا مجتمعاً صغيراً ولكنه كان نظيفاً مؤمناً بالله ورسوله .

    بدأت الحياة البشرية تعود إلى الأرض ، والمجتمع المؤمن يحيا بسلام . . لم يكن هناك ظالم ولا مظلوم .

    ليس فيهم من يسرق أو يفعل الشرور . . وهكذا عاش سيدنا نوح والمؤمنون بسلام .

    عاش سيدنا نوح حياة طويلة . . كان عمره طويلا جداً لأنه لبث في قومه يدعوهم إلى التوحيد 950 سنة .

    ولكن كم كان عمره عندما بعثه الله رسولاً إلى قومه ؟ وكم عاش سيدنا نوح بعد الطوفان ؟ لا أحد يدري ولكن من المؤكد أن سيدنا نوح عاش طويلاً جداً .

    وعندما جاءه ملك الموت كان سيدنا نوح جالساً تحت اشعة الشمس ، سأله ملك الموت ما هو رأيك في الحياة ؟ وقد عمّرت طويلاً . . ؟

    نهض سيدنا نوح وجلس في الظل وقال :

    رأيتها هكذا . . كما لو كنت جالساً في ضوء الشمس فتحوّلت إلى الظل .

    وأغمض سيدنا نوح عينيه . . لقد أدّى رسالته وقام بمهمته بانقاذ الجنس البشري من خطر الفناء ..

    من أجل هذا خصّه الله سبحانه بالسلام الأبدي قائلاً :

    " سلام على نوح في العالمين " .

    أسماء مباركة

    توسل بها نوح ( عليه السلام )

    في تموز عام 1951 م حينما كان جماعة من العلماء السوفيت المختصين بالآثار القديمة ينقبون في منطقة بوادي قاف عثروا على قطع متناثرة من أخشاب قديمة متسوسة وبالية مما دعاهم إلى التنقيب والحفر أكثر وأعمق فوقفوا على أخشاب أخرى متحجرة وكثيرة كانت بعيدة في أعماق الأرض !!

    ومن بين تلك الأخشاب التي توصلوا اليها نتيجة التنقيب خشبة على شكل مستطيل طولها 14 عقداً وعرضها 10 عقود سببت دهشتهم واستغرابهم حيث لم تتغير فلم تتسوس ولم تتناثر كغيرها من الأخشاب الأخرى .

    وفي أواخر سنة 1952 أكمل التحقيق حول هذه الأثار فظهر أن اللوحة المشار اليها كانت ضمن سفينة النبي نوح عليه السلام ، وأن الخشاب الأخرى هي أخشاب جسم سفينة نوح .

    ومما يذكره المؤرخون أن سفينة نوح عليه السلام استوت على قمة جبل قاف . وشوهد أن هذه اللوحة قد نقشت عليها بعض الحروف التي تعود إلى أقدم لغة .

    وهنا ألفت الحكومة السوفيتية لجنة بعد الإنتهاء من الحفر عام 1953 قوامها سبعة من علماء اللغات القديمة ومن أهم علماء الآثار هم :

    1. سوله نوف استاذ الألسن في جامعة موسكو .

    2. ايفاهان خنيو عالم الألسان القديمة في كلية لولوهان بالصين .

    3. ميشانن لو مدير الآثار القديمة .

    4. تانمول كوف أستاذ اللغات في كلية كيفزو .

    5. دي راكن أستاذ الأثار القديمة في معهد لينين .

    6. ايم أحمد كولاد مدير التنقيب والاكتشافات العام .

    7. ميجر كولتوف رئيس جامعة سالين .

    وبعد ثمانية أشهر من دراسة تلك اللوحة والحروف المنقوشة عليها : اتفقوا على أن هذه اللوحة كانت مصنوعة من نفس الخشب الذي صنعت منه سفينة نوح عليه السلام وان النبي نوح عليه السلام كان قد وضع هذه اللوحة في سفينته للتبرك والحفظ .

    وكانت حروف هذه اللوحة باللغة السامانية وقد ترجمها إلى الانجليزية العالم البريطاني ايف ماكس أستاذ الألسن القديمة في جامعة مانجستر وهذا نصها مع تعريبها :

    يا إلهي ويا معيني o my god helper

    برحمتك وكرمك ساعدني KEEP MY HANDS WITH MERCY

    ولاجل هذه النفوس المقدسة AND WITH YOUR HOLY

    BODIES

    محمد-----mohammed

    ايليا------ALIA

    شبر------SHABBAR

    شبير------SHABBIR

    فاطمة-----FATMA

    الذين هم جميعهم عظماء ومكرمونTHAY ARE ALL BIGGEST AND HONOURABLES .

    العالم قائم لأجلهمTHE WORLD ESTABLIAHED FOR THEM .

    ساعدني لأجل أسمائهم HELP ME BY THEIR NAMES .

    أنت فقط تستطيع أن توجهني نحو الطريق المستقيم YOU CAN REFORM TO RIGHT .


    وأخيراً بقي هؤلاء العلماء في دهشة كبرى امام عظمة هذه الأسماء الخمسة ومنزلة اصحابها عند الله تعالى حيث توسل بها نوح عليه السلام إليه تعالى .

    واللغز الأهم الذي لم يستطع تفسير أي واحد منهم هو عدم تفسخ هذه اللوحة رغم مرور آلاف السنين عليها . وهذه اللوحة موجودة الآن في متحف الآثار القديمة في موسكو [4].

    " إنما مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق " ( سيدنا محمد صلى الله عليه وآله ) .





    سورة نوح (71)

    بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


    إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {71/1} قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ {71/2} أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ {71/3} يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاء لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {71/4} قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا {71/5} فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا {71/6} وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا {71/7} ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا {71/8} ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا {71/9} فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا {71/10} يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا {71/11} وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا {71/12} مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا {71/13} وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا {71/14} أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا {71/15} وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا {71/16} وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا {71/17} ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا {71/18} وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا {71/19} لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا {71/20} قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا {71/21} وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا {71/22} وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا {71/23} وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا {71/24} مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارًا {71/25} وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا {71/26} إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا {71/27} رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا {71/28}





    --------------------------------------------------------------------------------

    [1] راجع الملحق في آخر الكتاب .

    [2] دجلة والفرات .

    [3] سورة نوح ( 71 ) : الآيتان ، 26 و 27 .

    [4] التكامل في الإسلام الجزء السابع .


    يتبع

    تعليق


    • #3
      بسم الله الرحمن الرحيم
      اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم
      السلام عليكم
      موضوع جميل وقصص جميلة وعباراتها حلوة

      بارك الله بك

      تعليق


      • #4
        بسم الله الرحمن الرحيم
        الأخ الكريم : العقرب شكراً لك على هذا الموضوع الجميل
        وقد قمنا بتعديل الإسم لكي يكون موضوعكم شاملاً لقصص الأنبياء عليهم السلام
        بحيث فترة وأخرى تذكر لنا قصة إن أمكن
        وبعد إذنكم نأمل من الأخوة والأخوات ذِكر بعض القصص هنا
        لتعم الفائدة
        والسلام عليكم
        ملاحظة : ينقل الموضوع لقسم القصص والحكايات

        محرر قضايا الساعة
        م15

        تعليق


        • #5
          عاصفة الغضب

          " قصة سيدنا هود ( عليه السلام ) "

          تأمل في خارطة شبه الجزيرة العربية تجد منطقة صحراوية واسعة في الشرق انها منطقة الربع الخالي . . . منطقة خالية من كل آثار الحياة فلا نبات و لا مياه . . .

          و لكن هل كانت هذه المنطقة صحراء قبل آلاف السنين ؟

          كلاّ كانت في هذه الأرض الموحشة مناطق خصبة و خضراء ، و قد وجد علماء الآثار أطلال مدينة مطمورة تحت الرمال .

          في هذه المنطقة و في عصور ما قبل التاريخ عاشت قبائل " عاد " القوية و هي قبائل من العرب البائدة . . لم يذكر عنها التاريخ شيئاً الاّ ما ورد في القرآن الكريم .

          عاشت قبائل عاد في تلك المنطقة المعشبة الخضراء . . و كانت السماء تمطر في المواسم . فتخصب الأرض و تمتلأ السواقي و الغدران و تزداد الحقول بهجة .

          و هكذا امتلأت أرضهم بالنخيل و العنب و الحقول و توسعت بساتينهم .

          اهتم الناس آنذاك بالبناء فكانوا يتفنّنون في العمارة و بناء القصور و القلاع و الحصون .

          كانوا أقوياء مغرورين . . أبطرتهم النعمة . . لم يعودوا يستمعون لصوت العقل . .

          كانوا وثنيين يعبدون التماثيل . . ينحتونها بأنفسهم ثم يعبدونها .

          و هم يبنون معابدهم فوق التلال ثم يضعون فيها تمثالاً و يقولون هذا إله الخصب ، و هذا إله البحر ، و ذاك إله البر ، و هناك إله الحرب .

          لهذا كانوا يتجهون إلى تلك الأصنام في كل حاجة تعرض لهم .

          كانت أرض الاحقاف خضراء مليئة بالمراعي فكثرت ماشيتهم و أصبحوا اكثر ترفاً و بذخاً و غروراً .

          تصوّروا ان كل هذا الخير هو من بركات الآلهة . . لهذا انغمسوا في وثنيتهم اكثر .

          ازداد ظلمهم للأبرياء ، و ازداد بطشهم بمن لا يسايرهم في عقائدهم و حياتهم .


          الناس الطيبون كانوا يعيشون خائفين . . كانوا أقليّة ضعيفة و كانت أسباب القوّة في أيدي الأغنياء . . و الأغنياء كانوا جميعاً من الأقوياء . . فهم طوال القامة عضلاتهم مفتولة ، و قلوبهم قاسية كأنها منحوتة من الصخر .

          في ذلك الزمن و في تلك البقعة من دنيا الله الواسعة عاش سيّدنا " هُود " .

          كان انساناً صالحاً طيب القلب محبّاً الخير . . الله سبحانه اختاره نبياً و بعثه رسولاً إلى قومه .

          أعلن سيدّنا " هُود " دعوته إلى عبادة الله الواحد الأحد و نبذ الأصنام و الأوثان و الآلهة لأنها مجرّد حجارة لا تضر و لا تنفع .

          كان سيّدنا هود شجاعاً لم يخف من الوثنيين . . كانوا أقوياء في الجسم و لكن هوداً كان قويّاً في إرادته و روحه . . انه مع الله و الله معه . . و الله أقوى من كل شيء .

          الناس الطيبون آمنوا برسالة هود كانوا قليلين جداً .

          الأقوياء المترفون سخروا من هود و من رسالته و قالوا انّه رجل سفيه مجنون ، و راح أهل عاد يؤذون النبي و يهدّدونه .

          استمر سيّدنا هود في دعوته و كان يعظ قومه دائماً يذكّرهم بنعمة الله و بركاته و لكن لا فائدة . .

          كانوا يتصوّرون ان الآلهة هي التي ترزقهم . . هي ترسل المطر ، و تنبت العشب و تبارك في ماشيتهم فتتكاثر و تزداد و تنمو . .

          لهذا قالوا ان هوداً مجنوناً و أن الآلهة فد لعنته – كانوا هم أيضاً يخوفون هود من سوء العواقب اذا ما استمر في دعوته .

          قالوا له :

          ـ : ان الآلهة ستعاقبك .

          سيّدنا هود كان يتحدّى جبابرة عاد و يتحدّى آلهتهم أيضاً .

          ظلّ هود مستمراً في رسالته ، و عجز الجبابرة من فعل شيء تجاه سيّدنا هود .

          أصبح أهل " عاد " قسمين ، قسم آمن بالله و اليوم الآخر و هم افراد قلائل جداً . . و قسم كفروا برسالة هود و ظلّوا على بغيهم و فسادهم و ضلالهم .

          لم يعد هناك أمل في اصلاحهم ظلّوا سادرين في ضلالهم .

          القحط و الجفاف :

          جاء موسم المطر . . و لكن السماء لم تمطر . . كانت الغيوم تمرّ في سماء الاحقاف و ترحل بعيداً . . أو كانت تتجمع ثم تتبدد . . كان أهل عاد يعيشون على المراعي و الزراعة و ما تهبهه البساتين من الفاكهة .

          مرّ ذلك العام دون مطر .

          نقصت محاصيلهم . . و بعض الماشية نفقت بسبب الجوع و ماتت بعض الأشجار . .

          أهل عاد اتجهوا إلى أوثانهم يعبدونها و يقدّمون لها القرابين . . و لكن دون جدوى .

          حل الموسم الآخر . . و تجمعت الغيوم . . أهل عاد فرحوا و استبشروا كانت الغيوم سوداء . . قال بعضهم أنها مثقلة بالمطر الغزير و لكن تلك الغيوم سرعان ما تفرّقت .

          ضاعفوا عدد القرابين . . و لكن الغيوم كانت تظهر و تختفي و كانت الرياح التي تهب تحمل لهم الرمال فقط . .

          الايمان يعني الخصب :


          جاء سيّدنا هود و وعظ قومه . قال لهم انا احبكم . . أريد لكم الخير قال لهم : { .. يَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ }[1].

          لم يستمع أهل عاد إلى موعظة رسول الله اليهم ، أعرضوا عنه و هدَّدوه و توعَّدوه ، و انصرفوا إلى ذبح القرابين و تقديمها إلى الآلهة . .

          و مضى موسم المطر ، و لكن لم تنزل قطرة واحدة و اجتاح الجفاف مناطقهم .

          تحوّلت أرضهم الخضراء إلى صحراء . . نفقت ماشيتهم و ذبلت اشجارهم . .

          و حلَّ العام الثالث . . كان عاماً عصيباً جداً أصبحت المياه نادرة جداً الا مايكفي لسقي الماشية فقط اما الحقول فقد ظلّت دون ماء .

          في كل يوم كانوا يخرجون إلى معابدهم يعبدون الاصنام و يتضرعون اليها و كان سيّدنا هود ينصح قومه يدعوهم إلى الايمان بالله عز و جل لأنه هو وحده القادر على كل شيء . . أما الأصنام فلا قيمة لها لأنها مجرّد حجارة . .

          إرم المدينة العجيبة :

          كان أهل عاد قد بنوا في تلك الفترة أعظم مدينة في العالم هي مدينة إرم " التي لم يخلق مثلها في البلاد " .

          كانت مليئة بالقصور و الحدائق و البساتين . . و كان " شدّاد " الرجل الجبّار الوثني هو الذي أمر ببنائها لتكون جنّة يعيش فيها . .

          كان يتصوّر أنه سيبقى خالداً و أنه لن يموت . . لقد كان قويّاً جداً تصوّر أنه سيبقى حيّاً إلى الأبد .

          عاصفة الدمار :

          حل الموسم الثالث لهطول المطر . . و لكن لا شيء سوى الجفاف ، و ساد القحط . . و كانت الرياح تهبّ فتدفع أمواج الرمال باتجاه الوديان التي كانت ذات يوم خضراء .

          ضربت المجاعة أرض الاحقاف . . و ما زال سيّدنا هود يدعوهم إلى الايمان و نبذ الأصنام . .

          الله سبحانه هو القادر هو الذي يرسل المطر فيحيي الأرض بعد موتها . . الله عز و جل هو الذي يبعث الخصب في الوديان و السهول . .

          الأصنام و الأوثان حجارة صمّاء لا تضرّ و لا تنفع . .

          و لكن قبائل عاد لم تؤمن برسالة هود . . الناس كانوا يطيعون الجبابرة .

          امّا هود فلم يؤمن به أحد الاّ بعض الناس الطيبين . . في الموسم الثالث خرج سكان الاحقاف ينظرون إلى السماء . . كانوا ينتظرون الغيوم و المطر . .

          السماء كانت صافية زرقاء و لا أثر للغيوم . . الوثنيون فكروا بتقديم المزيد من القرابين . . فقد ينقذهم إله الخصب من القحط و الجفاف . . و لكن لا شيء .

          جاء سيّدنا هود و وعظهم للمرّة الأخيرة . . نصحهم بالتوبة و العودة إلى الله . . الله وحده الذي يرسل المطر و يبعث الخصب .

          و لكن قوم عاد نهروا سيّدنا هوداً و قالوا له : اذهب ايها المجنون انت رجل كذّاب . . ليرسل ربّك علينا العذاب اذا كنت صادقاً . . اننا لن نترك آلهتنا . . الهتنا هي التي ترزقنا و ترسل لنا المطر و تبعث الخصب في أرضنا و تبارك في ماشيتنا ان الآلهة لن تنسى ذلك .


          كان سيّدنا هود حزيناً من أجل قومه كان يريد لهم أن يؤمنوا حتّى يعيشوا حياة كريمة هانئة . .

          مرّت ساعات . . ظهرت في الأُفق غيوم سوداء رهيبة . . كانت الغيوم تزحف شيئاً فشيئاً حتى غطّت سماء الأحقاف كلّها . .

          فرح أهل عاد بالغيوم . . قالوا :

          لقد استجابت الآلهة دعاءنا . . فارسلت لنا غيوماً مثقلة بالمطر . . سوف تخصب الوديان و تعود الخضرة إلى البساتين .

          قال سيّدنا هود و هو يرى نذر العذاب . .

          كلاّ بل هو ما استعجلتم ريح فيها عذاب أليم تدمّر كل شيء ، أوى سيّدنا هود إلى الجبل و لجأ المؤمنون . . و أصبح العذاب قاب قوسين أو ادنى . . كان الوقت يمرّ و كان الوثنيون يحدّقون في الغيوم السوداء المتراكمة كانوا ينتظرون المطر . . و لكن دون جدوى .

          بدأ هبوب الرياح البادرة سوف تنقض العاصفة المدمّرة . . في السماء اشتعلت البروق و انقضّت الصواعق الرهيبة و دوّت الرعود . . كان صوت الرعد هائلاً مخيفاً انخلعت له قلوب الكافرين .

          أصيب الوثنيون بالهلع و فرّوا إلى منازلهم كانوا ينظرون بياس إلى الغيوم .


          لم يفكّروا بكلمات سيّدنا هود لم يفكّروا بمواعظه و نصائحه كانوا ينظرون إلى تلك التماثيل الحجرية فقط . . كانوا يعتقدون ان تلك الحجارة الصمّاء هي التي ترزقهم و تمنحهم الخير و البركة و النماء .

          بدأت عاصفة الغضب السماوي . . كانت الرياح عنيفة و جافة و كانت قارسة البرد . .

          لم تكن رياحاً تحمل السحب و لا المطر كانت طوفاناً من البرد الشديد و الرمال الكثيفة .

          مرّت الساعات مخيفة و العاصفة لم تهدأ أبداً و كانت أمواج الرمال تزحف باتجاه الوادي .

          كان قوم عاد مغرورين بقوّتهم . . كانوا يتصوّرون أنهم سيتغلبون على القحط و الجفاف و العاصفة .

          تصوّروا ان العاصفة ستهدأ في الليل أو في صباح اليوم التالي .

          بدأت الرياح المدمّرة هبوبها صباح الاربعاء و ظلّت تعصف بعنف مدّة سبع ليال و ثمانية أيام .

          لم تهدأ و لم تتوقف إلاّ في صباح الأربعاء . . لم تهدأ الاّ بعد أن طمرت الوادي الخصيب بالرمال و اندثرت مدينة إرم العجيبة . . تحطمت المنازل و تهاوت الأعمدة المرمرية الهائلة امّا أُولئك الرجال الذين كفروا برسالة هود ( عليه السلام ) فقد سقطوا فوق الرمال . . كانوا طوال القامة لهذا بَدَو مثل جذوع النخل اليابسة . .

          أمّا التماثيل فسقطت على وجوهها و تحطمت و تحولت تلك المعابد الوثنية إلى أنقاض . .

          لقد حلّت اللعنة عليهم . . كانوا طغاة جبارين ليست في قلوبهم ذرة من الرحمة . . كانت حياتهم كلها عبث في عبث . . حتى عندما كانوا يبنون قصورهم كانوا يفعلون ذلك لمجرّد العبث .

          لم يكونوا يستفيدون منها أبداً ، لهذا غضب الله عليهم بسبب كفرهم و اضطهادهم للمؤمنين .

          من أجل هذا أهلكهم و أنقذ سيّدنا هوداً و الذين آمنوا معه حتى يعود الناس إلى فطرتهم و يبدأون حياة إنسانية جديدة مليئة يالخير و الخصب و النماء .

          بسم الله الرحمن الرحيم

          { وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ * يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُونَ * وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ * قَالُواْ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ * إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ * وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ * وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَاتَّبَعُواْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ }[2] .

          تعليق


          • #6
            هذه ناقة الله

            قصة سيدنا صالح عليه السلام

            في سنة 9 من الهجرة كان الجيش الاسلامي بقيادة سيدنا محمد ( صلى الله عليه و آله ) يواصل زحفه باتجاه منطقة تبوك ، و ذلك لمواجهة حشود الرومان العسكرية في شمال شبه الجزيرة العربية .

            كانت الرحلة شاقّة جداً . . و كان جنود الاسلام يشعرون بالتعب و الظمأ . . من أجل هذا أمر سيدنا محمد ( صلى الله عليه و آله ) بالتوقف في " وادي القرى " قريباً من منطقة تبوك .

            عسكر الجيش الاسلامي قرب الجبال و كانت هناك منطقة أثرية و خرائب و آبار للمياه .

            تساءل البعض عن هذه الآثار ، فقيل انها تعود إلى قبيلة ثمود التي كانت تقطن في هذا المكان .

            نهى سيدنا محمد ( صلى الله عليه و آله ) المسلمين من شرب مياه تلك الآبار و دلاّهم على عين قرب الجبال . . وقال لهم أنها العين التي كانت ناقة صالح تشرب منها .

            حذر سيدنا محمد ( صلى الله عليه و آله ) جنوده من دخول تلك الآثار الا للاعتبار من مصير تلك القبيلة التي حلّت بها اللعنة فاصبحت أثراً بعد عين .

            فمن هي قبيلة ثمود ؟ و ما هي قصة سيدنا صالح ( عليه السلام ) ؟


            في تلك الوديان الفسيحة التي تدعى " وادي القرى " في شمال شبه جزيرة العرب و في عصور ما قبل التاريخ عاشت قبيلة ثمود .

            و قبيلة ثمود من القبائل العربية البائدة التي لم يرد لها ذكر في التاريخ الانساني . . سوى ما ورد من قصّتهم في القرآن الكريم أو في احاديث سيدنا محمد ( صلى الله عليه و آله ) .

            ظهرت هذه القبيلة بعد أن بادت قبائل عاد في وادي الاحقاف .

            اشتغل أهلها بالزراعة ، يحفرون الآبار و يحرثون الحقول ، وينحتون بيوتهم في قلب الجبال . . و كانت مواشيهم ترعى في المروج بسلام . فازدهرت بساتينهم و مزارعهم و أصبحت محمّلة بالثمار .

            هكذا كانت تعيش قبيلة ثمود .

            و بدل أن يشكروا الله و يعبدوه . . طغى الاثرياء و المترفون و اتجه أفراد تلك القبيلة إلى عبادة الأوثان من دون الله .

            و في تلك الفترة عاش سيدنا صالح ( عليه السلام )كان إنساناً طيّباً و حكيماً و كان الناس يحبّونه كثيراً لما عرف عنه من الخصال الحميدة و الصفات الحسنة . . و كان بعض أفراد القبيلة يفكرون بان صالح سيكون له شان ومنزلة و ربّما سيرأس قبيلة ثمود القويّة .

            الله سبحانه اختار سيدنا صالح ليكون رسولاً إلى قبيلته ، لينهى الناس عن عبادة الأوثان و يعبدوا الله وحده .

            سيدنا صالح كان يعرف أنّ عبادة الاوثان متأصلة في قلوبهم لأنها عبادة الآباء والأجداد . . و كان يعرف أنّ زعماء القبيلة اُناس مفسدون لا يحبّون الخير . . و هم يبطشون بكل من يدعو الناس إلى الانصراف عن عبادة الأصنام .

            و لكن سيدنا صالح ( عليه السلام )هو نبي الله و رسوله و هو لا يخاف أحداً غير الله عزوجل .

            لهذا أعلن سيدنا صالح دعوته و بشّر برسالته ، و من هنا بدأ الصراع .

            بدأ الخير صراعه ضد الشر ، و بدأ النبي المؤمن صراعه ضد الأشرار الكافرين .

            و كان في قبيلة ثمود تسعة رجال أقوياء و كانوا جميعاً يفسدون في الأرض ولا يصلحون .

            كانوا يكرهون الخير و يميلون إلى الشر .

            الصخرة المقدسة

            ذات يوم ذهب أفراد القبيلة إلى صخرة كبيرة في الجبل كانوا يعبدونها منذ زمن بعيد . . الأطفال كانوا يشاهدون آباءهم يعبدون تلك الصخرة فعبدوها مثلهم . . و عندما كبروا ظلّوا يعبدونها أيضاً .

            الصخرة أصبحت مقدسة لدى القبيلة . . الناس يذبحون عندها الخراف . . و يقدّمون لها القرابين ، ويطلبون منها الرزق و البركة !!

            و رأى صالح ( عليه السلام ) ما يفعل قومه فحزن من أجلهم . . لهذا ذهب اليهم عند الصخرة المقدسة !!

            قال لهم سيدنا صالح : يا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره .

            قال بعضهم : كيف نعبده وحده ؟!

            قال صالح ( عليه السلام ): لأنّه هو الذي خلقكم و هو الذي يرزقكم .

            قالوا : ان الله بعيد عنا و نحن لا نستطيع أن نسأله . . لهذا فنحن نعبد بعض مخلوقاته الشريفة . . و هو قد فوّضها أمرنا ، فنحن نتقرّب اليها حتى يرضى عنا .

            قال صالح ( عليه السلام )بحزن : يا قوم إن الله هو الذي انشأكم و هو الذي أرسلني اليكم لتعبدوه وحده و لا تشركوا بعبادته أحداً . .

            يا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا اليه ان ربّي قريب مجيب .

            قالوا : { يا صالح قد كنت فينا مرجوّاً } . . كنا نأمل أن نفيد من عقلك و حكمتك . . و ها أنت تأتينا بالأعاجيب . . كيف تدعونا أن نترك الآلهة . . كيف تدعونا الى أن نترك ما كان يعبد آباؤنا و أجدادنا ؟!


            لقد أصبحنا نشكُّ في أمرك . . لقد جننت يا صالح !!

            قال صالح ( عليه السلام ) : لقد أرسلني الله اليكم لتعبدوه ، و أنا لا أطلب على ذلك أجراً من أحد و لا أعبد أحداً إلاّ الله الذي خلقني .

            قالوا : إذا كنت حقاً رسولاً من الله فهل تستطيع أن تخرج لنا من قلب هذه الصخرة الصمّاء ناقة عشراء .

            قال لهم النبي صالح ( عليه السلام ) : ان الله قادر على كل شيء و هو الذي خلقنا جميعاً من هذا التراب .

            قالوا : إنّا لا نؤمن برسالتك حتى تخرج لنا ناقة من قلب هذه الصخرة .

            و صاح بعضهم : نعم . . و أن تكون عشراء . .

            أي في بطنها حمل .

            قال سيدنا صالح : سأدعو الله فاذا فعل ذلك فهل توحّدوا الله وتؤمنوا بأني رسول منه إليكم ؟

            قالوا : نعم يا صالح ، فمتى الموعد ؟

            قال لهم صالح ( عليه السلام ) : غداً في هذا المكان .

            مع أوّل خيوط الفجر انطلق صالح صوب الجبل حيث توجد الصخرة الكبيرة .

            إن ما سيفعله صالح ( عليه السلام )ليس أمراً سهلاً !! كيف يمكن للجبل ان يتمخض عن ناقة ؟!

            كيف يمكن لهذه الصخرة الصمّاء أن تتشقق فتخرج عنها ناقة عشراء ؟!

            اجتمعت قبيلة ثمود بأسرها عند الجبل . . كان بعضهم يشكك ، و كان بعض ينظر إلى الجبل و آخرون كانوا يراقبون ما يفعله من بعيد .

            رأوا صالح ينظر إلى السماء الزرقاء ، و يتمتم بكلمات كان ينظر بخشوع و ضراعة و كانوا يرون يديه تشيران إلى الجبل و إلى قبيلة ثمود .

            أدركوا ان صالح يتضرّع إلى ربّه ، يطلب منه آية على صدق رسالته .

            كان يطلب شيئاً عجيباً ! يطلب ناقة عشراء ، أي مضى على حملها عشرة اشهر تخرج من قلب الجبل . .

            سيطرت رهبة المكان على الجموع و هي تراقب صالح و تنظر إلى الجبل بصخوره الصماء .

            جثا سيدنا صالح و دمعت عيناه و هو يطلب آية من ربه فلعل قومه يهتدون . . يعودون إلى فطرتهم فيعبدون الله وحده .

            فجأة نهض صالح و أشار باصبعه إلى نقطة في الجبل . .

            سمع أفراد القبيلة جميعهم صوتاً مهيباً . . صوتاً يشبه تشقق الصخور . . كان الصوت قويّاً مدوّياً .

            تساقطت بعض الصخور إلى أسفل الوادي . . و من بين الغبار الخفيف ظهرت ناقة جميلة رائعة .

            كانت ناقة عشراء حقاً . .

            الناقة كانت وديعة جدّاً يحبها المرء لأوّل نظرة .

            سجد سيّدنا صالح لله شكراً و تعظيماً . . انها قدرة الله المطلقة التي تقول للشيء كن فيكون .

            طأطأ أفراد القبيلة رؤوسهم إجلالاً و سجد بعضهم لله . .


            ها هم يرون آية عظيمة . . أمام أعينهم . . إن ما قاله صالح هو الحق . . إنّ الله واحد لا شريك له .

            كانوا قليلين و لكنّ إيمانهم كان إيماناً ثابتاً ثبات الجبل الذي خرجت من قلبه الناقة .

            كل افراد القبيلة كانوا ينظرون بانبهار إلى تلك المعجزة . .

            أصبحت الناقة رمزاً لرسالة صالح .

            أصبحت رمزاً للتوحيد في مقابل الوثنية .

            الفصيل الصغير

            مرّت ثلاثة أيام و أنجبت الناقة فصيلاً جميلاً محبوباً . .

            كان يرافق أمّه دائماً يلعب قربها في وداعة و كانت أمّه ترعاه بحنان . .

            أصبحت الناقة و فصيلها الوديع رمزاً للمحبّة و الرحمة .

            كلما شاهدها أحد قال ، هذه ناقة صالح .

            و لكن سيّدنا صالح قال لهم : هذه ناقة الله . . إنّها آية السماء . . و ايّاكم أن تؤذوها أو تمسّوها بسوء سوف تحلّ بكم لعنة الله إذا فعلتم ذلك .

            و تمرّ الأيام و الناقة تعيش في تلك الوديان الفسيحة تأكل من أعشاب الوادي و تقصد بعض العيون فتشرب الماء و ترتوي . .


            كانت تهب اللبن لكلّ النّاس . . و كان لبنها طيباً مباركاً .

            الصراع

            أصبحت قبيلة ثمود جبهتين متصارعتين

            جبهة الايمان و جبهة الوثان . .

            في كلِّ يوم كان الكفّار يؤذون المؤمنين يسخرون من إيمانهم يقولون لهم : هل حقاً انّكم تؤمنون بأن صالحاً رسول من الله ؟!

            و كان المؤمنون يقولون : نعم إنّنا نؤمن برسالته و بما جاء به من عند الله و لا نعبد غير الله .

            عندها يقول الكافرون : اننا بما آمنتم به كافرون .

            كانوا يعلنون بصراحة كفرهم برسالة الله .

            كانوا أثرياء أبطرتهم النعمة . . كانوا يتصوّرون انهم أقوياء جداً .

            و كان أكثرهم كفراً تسعة رجال قساة القلوب . . ليس في نفوسهم رحمة لأحد . .


            لا يعرفون شيئاً سوى مصالحهم . . ادركوا أنّ صالحاً سيكون خطراً على نفوذهم . . لهذا حقدوا عليه

            حقدوا على الناقة لأنها أصبحت رمزاً لنبوّة صالح و صدق رسالته .

            المؤامرة :

            ذات ليلة و بعد أن نام الناس اجتمع أولئك الرجال التسعة راحوا يأكلون الطعام بشراهة . . أكلوا حتى امتلأت بطونهم .

            ثم راحوا يشربون الخمر حتى سكروا . . أصبحت عيونهم حمراء . . كانوا يتحدثون عن شيء واحد ، هو خطر النبي صالح . .

            تساءلوا ماذا نفعل ؟ كيف نتخلص من صالح ؟

            قال أحدهم : الأفضل أن نتخلص من ناقته

            قال آخر : نعم نقتلها إنها الدليل على رسالته . . و عندما نقتلها سيكون ضعيفاً أمامنا . .

            قال ثالث : و نقتله هو الأخر .

            و قال الرابع : و من الذي يقتلها ؟

            الرجل الخامس قال : نعم من الذي يستطيع قتلها ؟

            قال الرجل السادس : أنا أعرف من يمكنه قتلها .

            سأل الرجل السابع : من هو ؟


            تساءل الجميع : من هو ؟

            قال الرجل : انه قيدار الشقيّ .

            صاح الجميع : نعم قيدار الذي لا يرحم أحداً .

            الجريمة :

            برقت العيون بالغدر و الجريمة و القتل . . و خرج أحدهم ليستدعي قيدار الشقي .

            كان الوقت بعد منتصف الليل و جاء قيدار يحمل معه سيف الغدر . .

            سكر قيدار و احمرّت عيناه . . كان هو الآخر يحقد على الناقة . . إنّها رمز الخير و هو يكره الخير . . كان مخلوقاً شقياً شرّيراً ، و الشرّير لا يحب الخير . .

            و عندما أغروه بالمال نهض لينفّذ جريمته .

            قال المتآمرون : إلى أين يا قيدار ؟

            قال قيدار : سأقتلها الليلة .

            قال الرجال التسعة المفسدون : كلاّ انتظر حتى يطلع الفجر . . و عندما تذهب الناقة إلى الينبوع فانّك تستطيع قتلها بسهولة .

            طلع الفجر و كان قيدار الشقي قد أمضى الليل كلّه يسكر و يعربد .

            أصبح وجهه مخيفاً . . أصبح أكثر حمرة ، و كانت عروق وجهه زرقاء فاصبح وجهه مرعباً . . لو رآه انسان في تلك الحالة لعرف أن قيدار سيرتكب جريمة !

            استيقظت الناقة و استيقظ فصيلها الوديع و انطلقا إلى النبع ليشربا الماء . .


            كان الفصيل سعيداً يمرح . . و كانت الشمس قد أشرقت قليلاً ، فبدت المروج الخضر ملاعب جميلة .

            كان فصيل الناقة يحبُّ اللعب في تلك المروج الخضراء و كانت أمّه تأخذه إلى هناك كل صباح . .

            و لكن ماذا حدث ذلك الصباح ؟ لماذا لم يذهب الفصيل الصغير ليلعب ؟

            ماذا يرى ؟!

            شعر بالخوف . . نعم لقد ظهر قيدار الشقي بوجهه المخيف . . ظهر فجأة و اعترض طريقهما .

            كان في يده سيف . . أرادت الاُم ان تبتعد و لكن قيدار بادرها بضربة غادرة . . هوت الناقة المسكينة فوق الأرض .

            و عاجلها قيدار ليطعنها في رقبتها . . كانت تنظر بحزن إلى فصيلها . . تريد أن تقول له : انج بنفسك كان الفصيل خائفاً مذعوراً فرّ باتجاه الجبل .

            جاء الرجال التسعة و راحوا يطعنون الناقة بالسكالين و الخناجر . . و راحت الدماء تسيل ، تلوّن الأرض و تصبغ الصخور .

            الطفولة البريئة :

            لم يكتف المجرمون من قبيلة ثمود بما فعلوه . . كانت أيديهم ملطخة بدماء الناقة البريئة . . و راح الوثنيون يتخطفون لحمها مثل الذئاب المتوحشة . .

            لم يكتفوا بذلك و راحوا يطاردون الفصيل الصغير كان ما يزال طفلاً . . كان خائفاً مذعوراً راح يتسلّق صخور الجبل .

            كان يبحث عن ملجأ من هذه الوحوش التي تطارده . . وحوش أشرس من الذئاب .

            وقف طفل الناقة الصغير فوق قمّة الجبل ينظر إلى أُمه التي مزّقتها السكاكين و ينظر إلى المجرمين بأيديهم الخناجر و هم يتسلّقون الجبل لقتله .

            لم يكن هناك من طريق للنجاة . . نظر إلى السماء و رغا . . رغا ثلاث مرّات قبل أن يطعنه أحد الوثنيين بسكين حادّة . .

            وقع الفصيل الصغير فوق الصخور . . و نزفت دماؤه لتصبغ الصخور بلون أحمر رائق .

            انهال عليه المجرمون بالسكاكين الحادّة و مزّقوه بوحشية . حتى الذئاب كانت أرحم من أُولئك القتلة الكافرين .

            استيقظ سيّدنا صالح و المؤمنون على هول الجريمة . . و مضى صالح و الذين آمنوا ليشاهدوا ما حلّ بناقة الله .


            لم يجدوا سوى الدماء تلوّن الأرض و قمّة الجبل . .

            ظهرت غيوم سوداء في الاُفق . . و أصبح الجوّ مشحوناً بالخطر .

            فرّت كل الاشياء الجميلة . . فهؤلاء الأشرار لا يحبّون الخير قتلوا حيواناً وديعاً يهبهم اللبن كل يوم . .

            قتلوا الناقة لأنها آية و الدليل على صدق رسالة صالح .

            قال سيّدنا صالح لهم : تمتعوا في داركم ثلاثة أيام فقط . . لسوف يحلّ بكم العذاب لانكم قوم ظالمون . . تكفرون برسالة الله و تقتلون ناقة الله و لا تحبون الخير .

            لم يعتذر أهل ثمود . . لم يتوبوا بل فكّروا أيضاً بقتل سيدنا صالح . . فكّروا بقتل أسرته أيضاً .

            مرّة أخرى اجتمعوا و قرّروا أن يهاجموا منزل صالح ليقتلوه هو الآخر ، و بعدها يمكنهم قهر المؤمنين المستضعفين . .

            و لكن ماذا حصل ؟


            قبل أن ينفّذوا جريمتهم الأخرى حدث شيء رهيب . . كانت الغيوم السوداء تتجمع في السماء . . حجبت النجوم و القمر و الكواكب و غرقت الوديان و الجبال في ظلمة كثيفة .

            و في منتصف تلك الليلة .


            أنقضت صاعقة سماوية جبّارة دمّرت قبيلة ثمود . . فقد استيقظ الظالمون على صيحة مدوّية انخلعت لها القلوب ، و كانت الصواعق المدمّرة تنقض على مضارب تلك القبيلة المجرمة فتهاوت القصور و المنازل و امتلأت الوديان ناراً . .

            لم ينج أحد سوى سيدنا صالح و الذين آمنوا معه .

            و هكذا كانت نهاية قبيلة ثمود . . فلم تشرق شمس اليوم الرابع من قتل الناقة ، الاّ على خرائب أُولئك الظالمين ، فأصبحوا في ديارهم جاثمين .

            تعليق


            • #7
              محطِّم الأصنام

              قصة سيدنا إبراهيم ( عليه السلام )


              أقبل الربيع . . وتدفقت المياه في نهري دجلة والفرات . . . وابتهج الناس ، واقيمت الاحتفالات في مدينة أور ، وغيرها من مدن بابل .

              عندما يقبل الربيع يفرح الناس . . وعندما يرتفع منسوب المياه في الانهار يفرح الفلاحون . . الناس يفرحون لان محصولهم في الحقول سيزداد .

              ويتوجه أهالي مدينة أور إلى " الزقورة " وهو معبد مد رّج هرمي الشكل . . يأخذون معهم النذور والهدايا فيقدمونها إلى الآلهة . . خاصّة الاله " مردوخ " .

              وأهل بابل يقيمون احتفالاتهم خارج المدن في مكان جميل يحتفلون بالربيع يرقصون ويأكلون ويلعبون . . وعندما ينتهي الإحتفال يعودن إلى مدينتهم ، ويتوجهون إلى المعبد .

              المعبد في مدينة " أور " في أعلى " الزقورة " وهناك تصطفّ الآلهة . . الهة كثيرة كلها مصنوعة ومنحوتة من الصخر والحجارة .. .

              البابليون كانوا يعبدون الشمس والقمر . . ويعبدون النجوم ويعبدون أيضاً كوكب " الزهرة " . . كما يعبدون الملك الذي هو مالك الأرض . .


              في ذلك الزمان وقبل أكثر من أربعة آلاف سنة كان النمرود بن كنعان هو الملك وهو مالك الأرض . . ومالك الناس أيضاً . . . كان بعض الناس يعبدونه لأنهم يخافون سطوته . . فهو يقتل ويسجن ويأخذ من المحاصيل ما يشاء . .

              في الربيع يحمل الناس نذورهم ويذهبون إلى المعبد . . يأخذون معهم الماعز وسنابل القمح ويقدّمونها إلى الآلهة لكي ترضى عنهم وتمنحهم البركة والخير !

              النذور كلّها كانت من نصيب الكهنة . . وكانوا علماء بالنجوم . . لهذا كان الناس يهابونهم . . وكان الملك نفسه يستشيرهم .

              ميلاد إبراهيم

              ذات يوم جاء كهنة المعبد وقالوا للنمرود .

              ان النجوم تخبرنا عن ميلاد صبي تكون على يديه نهاية ملكك .

              قال النمرود بقلق :

              متى سيولد ؟

              قال الكهنة :

              في هذا العام

              في ذلك العام اصدر النمرود أمراً بقتل الأطفال الذكور .

              في ذلك العام ولد سيّدنا إبراهيم الخليل . .

              خافت الأم على ابنها ذهبت إلى المغارة . . ووضعت طفلها البريء هناك . . وعادت إلى منزلها

              لم يعلم أحد بما حصل . . النمرود قتل كثيراً من الأطفال ذلك العام . . الأمّهات كن يبكين على أولادهن ، بعضهم كان عمره شهور وبعضهم أياماً وبعضهم ساعات قليلة .

              النمرود كان خائفاً من ذلك الصبي الموعود . . وعندما مرّ ذلك العام هدأ باله . . لأنه قتل جميع الأولاد الذكور .

              ولد سيّدنا إبراهيم في مدينة " كوثريا " قريباً من مدينة " أور " وبابل : نشأ سيّدنا إبراهيم في الغار . .

              الله ربّنا كان يرعاه علّمه كيف يمصّ اصبعه . . فيتغذى .

              "النمرود " أراد أن يقتل الصبي . . والله أراد أن يعيش إبراهيم يعيش من أجل أن يهدي الناس الوثنيين إلى عبادة الله .

              كبر إبراهيم وجاءت أمّة إلى الغار وقبلته واحتضنته ، ثم أخذته إلى بيتها .. الناس كانوا يظنون ان إبراهيم كان عمره سنتين أو ثلاث سنين . . لم يكونوا يعلمون انه عمره عدّة أسابيع ، لهذا لم يأخذه جنود النمرود . . .


              الأصنام

              في ذلك الزمان كان الناس يعبدون الأصنام ، كانوا يعبدون مردوخ " إله الآلهة " ‍‍‍‍و" أي " إله العدل والقانون والإله " سين " إله السماء والإلهة " عشتار " وغيرها . . وكان كثير منهم يعبدون الزهرة والقمر والشمس . . لم يكن هناك من يعبد الله سبحانه . . في ذلك الزمن ولد سيّدنا إبراهيم ونشأ . .

              آزر

              كان آزر عالماً بالنجوم .. وكان يصنع تماثيل الآلهة . . النمرود كان يستشير آزر . .

              عاش سيّدنا إبراهيم في منزل آزر . . وآزر كان جدّه لأمّه . . لهذا كان سيّدنا إبراهيم يقول له : يا ابتي . .

              كبر إبراهيم وأصبح فتى . . الله سبحانه وهبه عقلاً وذكاءً كان قلبه طاهراً . . نظيفاً لهذا لم يخشع للأصنام . . لم يؤمن بها . . . كان يتعجّب كيف يعبد الناس الأصنام وهم ينحتونها بأيديهم . . الله اكبر من ذلك .

              ذهب إبراهيم إلى المدينة . . .

              كان يبحث عن الحقيقة كان الوقت مساءً . . . الظلام يغمر المدينة . . ليس هناك من ضوء سوى في المعبد . . الناس الذين كانوا يعبدون كوكب الزهرة اتجهو إلى السماء في خشوع . . .

              كانوا يعتقدون ان ذلك الكوكب هو ربّهم . . هو الذي يرزقهم ويمنحهم البركة والخير .

              وقف إبراهيم معهم . . كان ينظر إلى السماء يبحث عن الحقيقة . . يبحث عن الإله الحق . . في الأثناء بزغ القمر ظهر في السماء كان يتألق بنوره الفضي . .

              سيّدنا إبراهيم كان فتى عاقلاً أراد أن ينبه الناس إلى ضلالهم أراد أن يقول لهم أن الله أكبر من ذلك . . من أجل هذا قال لهم :

              هذا ربّي

              الناس الذين كانوا يعبدون كوكب الزهرة التفتوا إليه . . قالوا :

              كيف ؟!

              قال إبراهيم :

              لقد اختفى كوكب الزهرة الذي تعبدوه . . والإله الحق لا يختفي ولا يغيب . .

              مرّ الوقت والقمر يسير في السماء حتى اختفى .

              بعد ساعة اشرقت الشمس . . هتف إبراهيم :

              هذا ربّي ‍‍ . . . هذا أكبر . .

              بعض الناس صدّقوا ما يقوله الفتى . . ربّما كان على حق . . الشمس هي التي تهبهم النور والدفء .

              ولكن الشمس غابت أيضاً وعاد الظلام مرّة أخرى نظر إبراهيم إلى السماء وهتف :

              أنا أتبرأ من عبادة الشمس . . انها ليست الربّ المعبود . . انني أعبد الله الذي خلق الزهرة والقمر والشمس وخلق الأرض والسماء وخلقنا جميعاً .

              الفتى المؤمن

              شاعت كلمات إبراهيم الفتى الذي لا يهاب الآلهة ولا يخاف من النمرود . .

              سمع الناس إبراهيم يسخر من الآلهة المزيّفة التي لا تضرّ ولا تنفع .

              كبر إبراهيم ، أصبح عمره ستة عشر سنة ، جميع أهل بابل عرفوا ان إبراهيم رآه مرّة ينحت صنماً جميلاً أجمل من الأصنام التي ينحتها آزر ، في البداية فرح آزر فكر أن إبراهيم سيرعى المعبد معه ، ولكن إبراهيم كسّر الصنم الذي نحته .

              آزر غضب كثيراً من عمل إبراهيم قال له :

              لماذا حطّمت الاله يا إبراهيم ؟‍‍‍‍‍‌‍‍‍ ألا تخشى غضب الآلهة ؟؟

              قال إبراهيم بأدب :

              يا أبتِ لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً ؟

              يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصياً قال آزر بعصبية :

              أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنّك واهجرني مليّاً .


              كان إبراهيم فتىً مؤدباً ، وكان يحبّ جدّه آزر ، كان يقول له يا أبي .

              لهذا سلّم على آزر قبل أن يغادر المنزل قال له :

              سلام عليك سأستغفر لك ربّي إنه كان بي حفيّاً .

              دعا إبراهيم ربّه أن يهدي آزر إلى النور وإلى الإيمان .

              إبراهيم اعتزل الناس ، راح يعبد الله الواحد الأحد ، الناس كانوا في كل مناسبة يذهبون إلى المعبد ليركعوا للأصنام ويقدّمون لها النذور ، امّا إبراهيم فكان يعبد الله وحده ويتبرأ من الأصنام والأوثان .


              الربيع

              كان سيّدنا إبراهيم يفكّر في هداية الناس إلى عبادة الله الواحد . . الناس كلّهم كانوا يعبدون الأصنام

              والكواكب ويعبدون الشمس والقمر ، ويعبدون أيضاً النمرود .

              حلَّ فصل الربيع وتفتَّحت الورود ، وزاد الماء في النهر .

              الناس فرحوا بالربيع ، وبدأوا يستعدّون للإحتفال بموسم الربيع والخصب والنماء .

              في ذلك الزمان كان الناس يذهبون إلى خارج المدينة ليقيموا الاحتفال ، يأكلون ويرقصون ، ويلعبون ، بعدها يعودون إلى المدينة ليقدّموا النذور للآلهة في المعبد ويقدّمون الهدايا إلى الكهنة .

              الناس كانوا يستعدّون للذهاب خارج المدينة . . سيّدنا إبراهيم لم يستعد ولم يفكّر بالذهاب للاحتفال ، قالوا له : لماذا لا تذهب يا إبراهيم ؟

              سيّدنا إبراهيم قال : أنا سقيم .

              كان سيّدنا إبراهيم حزيناً من أجل الناس انهم لا يعرفون الطريق الصحيح .

              سيّدنا إبراهيم كان يختلف عنهم في كل شيء ، كانت ملابسه نظيفه وكان يقلّم اظافره ويحلق شعره .

              ذهب الناس إلى خارج المدينة حتى النمرود والكهنة كلّهم ذهبوا للاحتفال بالربيع .

              ظلّ سيّدنا إبراهيم وحيداً في المدينة ، أخذ معه فأساً وذهب إلى المعبد الكبير .

              في المعبد آلهة كثيرة كلها مصنوعة من الحجر . .

              بعض الآلهة كان صغيراً ، وبعضها الآخر كان كبيراً وكان هناك صنم كبير جداً كانوا يسمّونه " مردوخ " إله الآلهة .

              صعد سيّدنا إبراهيم سُلّم المعبد ، كان المعبد خالياً تماماً . . الأصنام فقط كانت موجودة . . ورائحة الدماء واللحوم المتعفّنة .

              نظر إبراهيم إلى عشرات الآلهة المزيفة .فكّر في نفسه : كيف يعبد الانسان حجراً لا ينفع ولا يضرّ ؟

              الأصنام جامدة في مكانها لا تتحرك ، لا تتكلم ، ولا تفعل شيئاً .

              هتف سيدنا إبراهيم بغضب :

              الا تأكلون ؟!

              وتردّد صوته في المعبد الخالي : ألا تأكلون .

              صاح سيّدنا إبراهيم :

              مالكم لا تنطقون .

              وتردد صوت إبراهيم في فضاء المعبد : ما لكم لا تنطقون .

              أراد سيّدنا إبراهيم أن يحطّم هذه الآلهة المزيفة ، أن يثبت للناس انها مجرّد حجارة صمّاء .

              لهذا استلّ فأسه وراح يهشم وجوه الآلهة الحجرية . .

              كانت الأصنام تتهاوى تحت ضربات الفتى إبراهيم . .

              كانت تتهاوى أنقاضاً أمام قدميه .

              وصل إبراهيم إلى كبير الآلهة . . انقدحت في ذهنه فكرة .علّق الفتى إبراهيم الفأس برقبة كبير الآلهة .

              غادر إبراهيم المعبد بعد أن حوّل الأصنام إلى انقاض ملأت المعبد . . كأن زلزالاً عنيفاً ضربها وحطّمها .

              غادر الفتى إبراهيم المعبد ونظر إلى السماء كان هناك سرب من الحمام الأبيض يحلّق في السماء الزرقاء بسلام .

              انتهت احتفالات الربيع ، عاد أهل بابل إلى المدينة كان المساء قد حلّ ، وغمر الظلام المدينة .

              حان وقت تقديم النذور إلى الآلهة . . . توجهوا إلى المعبد الكبير . . كانوا يحملون المشاعل والنذور والهدايا ويتجهون إلى المعبد في موكب طويل .

              الكهنة كانوا يتقدمون الموكب .

              وهنا أصيب الكهنة بالدهشة . . الناس أيضاً كانوا ينظرون في ذهول . .

              كان منظر الآلهة المحطّمة مدهشاً . . كل الآلهة تحوّلت إلى أنقاض ، ما عدا كبير الآلهة . .

              كان سيّد الآلهة ما زال في مكانه جامداً منذ سنين طويلة . . ولكنه في هذه المرّة يحمل على عاتقه فأساً

              لم يتقدّم أحد إلى كبير الآلهة ليسأله عمّا حصل

              وهو أيضاً ظلّ ساكتاً كعادته لأنه مجرّد حجر

              حدثت ضجّة وتساءل الكهنة من الذي تجرأ على تحطيم الآلهة المقدّسة

              قال أحدهم : هناك شخص واحد يمكن أن يكون هو الفاعل . . هو الذي تجرّأ على الآلهة وكسّرها .

              انّه الفتى إبراهيم . . طالما سمعناه يسخر منها ويقول عنها انها لا تضر ولا تنفع .

              الكهنة كانوا غاضبين جدّاً . . غاضبين من إبراهيم انه الوحيد الذي يذكر الآلهة بالسوء

              المحاكمة

              جاء النمرود إلى المعبد . . لقد حدث شيء خطير يهدّد عرش الملك بالخطر . .

              لهذا أصدر النمرود أمراً بالقاء القبض على إبراهيم ومحاكمته في المعبد .

              اتخذ القاضي مكانه إلى جانب النمرود ، وكان المعبد يغصّ بالناس .

              أحضر الجنود الفتى إبراهيم أوقفوه أمام القاضي والنمرود .

              وبدأت المحكمة بحديث القاضي :


              نعرف أنك تسخر من الآلهة . . ونعرف أيضاً أنك لم تشترك مع أهل بابل في احتفال الربيع .

              والآن أخبرنا عن الذي فعل هذا بآلهتنا . . هل أنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم ؟

              قال إبراهيم بهدوء :

              بل فعله كبيرهم فاسألوهم إن كانوا ينطقون

              الناس جميعاً نظروا إلى كبير الآلهة . . كان يحمل على عاتقه فأساً ، ولكنه لم يقل شيئاً أبداً .

              قال القاضي :

              ولكنك تعرف ان هؤلاء لا يمكنهم النطق ولا يمكنهم أن يتكلّموا حتى يكون بمقدورهم الجواب

              وهنا قال إبراهيم :

              فكيف تعبدون ما تنحتون بأيديكم ؟

              كيف تعبدون أصناماً حجرية لا تضر‍ّ ولا تنفع ولا تتكلم ولا تستقبل نذوركم وهداياكم

              كل الناس في المعبد أطرقوا برؤوسهم . . حتى القاضي أطرق برأسه . . قالوا في أنفسهم إنّ الحق مع إبراهيم ، كيف يكون الحجر إلهاً . . كيف نعبد تمثالاً جامداً لا روح فيه ولا حياة ؟

              الكهنة غضبوا ليس في مصلحتهم أن يهتدي الناس ستزول سلطتهم وينتهي نفوذهم لهذا صاحوا :

              كيف تغفرون لإبراهيم ما فعله بالآلهة المقدّسة

              كيف تتسامحون مع إبراهيم الذي حطّم آلهتنا التي تهبنا الخير والخصب ؟؟

              النمرود وقف إلى جانب الكهنة تذكر نبوءتهم القديمة عن الصبي الذي سيكون زوال ملكه على يديه

              صرخ النمرود بصوت حانق :

              ان ما فعله إبراهيم جريمة وهو يستحق العقوبة .

              الناس جميعاً نهضوا إجلالاً للنمرود و تأييداً له . .

              النمرود قال :

              يحب أن ندافع عن الآلهة المقدّسة . . . وأن يعاقب إبراهيم بالقائه في النار .

              الناس جميعاً حتى آزر جدّه هتفوا ضد إبراهيم .

              كان هناك أفراد قلائل حزنوا من أجل إبراهيم بينهم سارة بنت خالته ولوط .

              كانت سارة فتاة عاقلة آمنت بكلمات إبراهيم ، ولوط أيضاً هو الآخر كان مؤمنا بالله الواحد الأحد وبرسالة سيّدنا إبراهيم .

              القي سيّدنا إبراهيم في السجن إلى حين تنفيذ الحكم .

              النار التي أريد القاء إبراهيم فيها ، كانت عظيمة . . كبيرة جدّاً لهذا بدأوا بجمع الحطب .


              مضت أيام وليالي وهم يجمعون الحطب . . كلّ الناس الوثنيين كانوا يسهمون بجمع الحطب من أجل الثأر للآلهة المحطّمة !

              في تلك الفترة أراد النمرود أن يجادل إبراهيم حول الاله الواحد

              جاء إبراهيم إلى قصر النمرود ، وقف أمام النمرود لم ينحن له ولم يسجد لم يركع له ولم يخضع .

              سيدنا إبراهيم لا يخاف أحداً إلاّ الله ولا يعبد أحداً إلاّ الله سبحانه .

              قال النمرود بغرور :

              من هذا الاله الذي تعبده يا إبراهيم ؟

              قال سيّدنا إبراهيم :

              إنني أعبد الاله الذي يحيي الموتى ، ويميت الأحياء .

              قال النمرود باستعلاء :

              أنا أحي وأميت

              صفق النمرود بيده وصاح :

              أحضرو سجينا وشخصاً آخر محكوماً بالموت .

              جاء الحرّاس ومعهم شخصان مقيدان بالسلاسل والأغلال .

              قال النمرود للجلاّد :

              اضرب عنق هذا السجين ، وأطلق سراح المحكوم بالموت .

              التفت النمرود لإبراهيم وقال :

              هل رأيت لقد امتّ الحيّ وأحييت الميت ؟

              سيّدنا إبراهيم أعرض عن مجادلة النمرود في هذا الموضوع . . لأن ما فعله النمرود لم يكن صحيحاً لهذا قال له .

              ان ربّي الذي أعبده جعل الشمس تطلع من المشرق فهل يمكنك أن تجعلها تطلع من المغرب .

              فوجئ النمرود بسؤال إبراهيم !! ان أحداً لن يملك القدرة على ذلك ، لهذا بهت النمرود الكافر ولم يقل شيئاً .

              الطيور الأربعة

              فكر النمرود مرّة أخرى أن يجادل سيّدنا إبراهيم ان يقول له :

              أنا أحي وأميت ، أما ربّك فلا يقدر على ذلك ؟

              أنت تدّعي ذلك فقط . . .

              مرّة أخرى أخرجوا إبراهيم من سجنه أوقفوه أمام النمرود قال له : ألم تقل ان ربّك يحيي ويميت ؟ فهيّا أرني ذلك .

              نظر سيّدنا إبراهيم إلى السماء وقال : ان ربّي قادر على ما يشاء . . .

              رفع إبراهيم يديه إلى السماء وقال :


              ربّ أرني كيف تحيي الموتى .

              الله ربّنا قال :

              أولا تؤمن يا إبراهيم ؟

              قال سيّدنا إبراهيم :

              نعم أنا أومن ولكن ليطمئن قلبي

              أوحى الله سبحانه أن يأخذ أربعة من الطيور ويذبحهنّ ثم يوزّع لحومهن على أربعة جبال . . .

              سيّدنا إبراهيم أخذ سكيناً وذبح أربعة طيور وضع لحومهن على أربعة جبال .

              ليس هناك من يستطيع أن يعيد الحياة إلى الطيور الميتة إلاّ الله الذي خلق كل شيء . . الله الذي وهب الحياة للانسان والحيوان والبنات .

              وقف سيدنا إبراهيم في وسط الجبال وهتف :

              أيتها الطيور الذبيحة هلمي إليّ بإذن الله .

              وهنا حدث أمر عجيب ! عادت رؤوس الطيور إلى أجسادها وعادت اجنحتها وعادت الحياة في أجسامها . . .

              قلوبها تنبض وأجنحتها تخفق . . حلّقت الطيور في السماء ثم هبطت عند قدمي سيدنا إبراهيم وسجد سيدنا إبراهيم لله الخالق القادر ، امّا النمرود فقد كفر مرّة أخرى ، وأصدر أمره باعادة إبراهيم إلى السجن .

              النار الكبرى

              عرف البابليون ومن قبلهم السومريون النفط والقار وعرفوا أيضاً الكبريت ، لهذا فكر البابليون في ايقاد اكبر شعلة نارية في بلادهم ، كل ذلك من أجل معاقبة سيدنا إبراهيم الذي حطّم آلهتهم المزيّفة . . .

              أكثر من شهر وهم يجمعون الحطب خارج المدينة . . أكثر من شهر وهم يضيفون إلى الحطب القار ويصبّون عليه النفط .

              أصبح منظر أهل بابل وهم يحملون حزم الحطب إلى خارج المدينة عاديّاً .

              كل الوثنيين الذي يخضعون للآلهة ويسجدون للأصنام كانوا يسهمون في جمع الحطب من أجل أن تباركهم الآلهة !!

              وجاء يوم تنفيذ الحكم ، اقتاد جنود النمرود سيدنا إبراهيم إلى خارج المدينة . . أهل بابل أيضاً خرجوا لمشاهدة تنفيذ الحكم بحق الفتى إبراهيم .

              جاء الكهنة وأوقدوا النار ، اشتعلت النار بسرعة في الحطب لأن الحطب كان منقوعاً بالنفط والقار .

              ارتفعت ألسنة النار في جبل الحطب . . ارتفعت ألسنة النار إلى عشرات الأمتار . .

              أهل بابل فرّوا تراجعوا إلى الوراء حتى لا تحرقهم ، كان سيدنا إبراهيم ينظر بهدوء إلى النار . . كان سيدنا إبراهيم مؤمناً بالله وهو لا يخاف أحداً إلاّ الله . .

              كان سيدنا إبراهيم موثق الأيدي ، الكهنة تصوّروا أن إبراهيم عندما يرى تلك النار العظيمة فانه سيعتذر سيسجد للآلهة ويطلب العفو من الكهنة . . ولكن الفتى إبراهيم كان مطمئناً هادئاً ، كان ينتظر مصيره بصمت .

              وهنا حدثت المشكلة كيف يمكن القاء إبراهيم في النار ؟

              ان أحداً لا يستطيع ان يقترب من تلك النار الكبرى انها تحرق على بعد عشرات الأمتار .

              اجتمع الكهنة وفكّروا في حلّ المشكلة ، اقترح أحدهم فكرة شيطانية . قال :

              نضعه في المنجنيق .

              رسم الكاهن فوق الأرض المنجنيق . . كانت فكرة شيطانية فالمنجنيق يستطيع أن يرمي إبراهيم في قلب الجحيم من بعيد .

              شرع العمّال في تنفيذ الفكرة . . أصبح المنجنيق جاهزاً . . جاءوا بإبراهيم ووضعوه في المنجنيق .

              كان سيدنا إبراهيم ما يزال هادئاً جدّاً .

              الناس كانوا ينظرون إلى الفتى إبراهيم ويتعجبون من ثباته وصلابته .


              في تلك اللحظات الخطيرة ، جاء الملاك إلى إبراهيم قال له : هل تحتاج شيئاً ؟

              إبراهيم كان لا يفكر في شيء سوى الله سبحانه ولا يطلب من أحدٍ شيئاً .

              أنه يطلب حاجته من الله عزّوجل ، لهذا قال سيدنا إبراهيم للملاك : أنا لا أحتاج أحداً إلاّ الله ولا أطلب شيئاً إلا من الله .

              الله سبحانه امتحن إبراهيم . . امتحن إيمانه وإخلاصه ، كان إبراهيم مؤمناً ومخلصاً . . .

              سحب الجنود حبال المنجنيق . . وفي لحظة أصبح إبراهيم في الفضاء في طريقه إلى قلب النار الكبرى .

              الله سبحانه هو خالق النار . . الله خلق النار وجعل فيها قدرة الاحراق ، ولكن الله سبحانه قادر على ان يسلب من النار قدرتها على الاحراق . . .

              أوحى الله سبحانه إلى النار قائلاً :

              "يا نار كوني برداً و سلاماً على إبراهيم " .

              النار ظلّت مشتعلة ، ولكنها فقدت قدرتها على الاحراق .

              النار لم تمسّ إبراهيم بسوء ، أحرقت فقط الحبال التي أوثقوه بها . . .

              تحوّلت المنطقة التي وقع فيها إبراهيم إلى حديقة جميلة مليئة بالورود . . وكانت النار تحيطها من كل صوب .

              النار ظلّت مشتعلة السنتها تتصاعد في الفضاء ولكنها كانت برداً وسلاماً على إبراهيم .

              الله سبحانه امتحن إبراهيم عرف إخلاصه لهذا أكرمه وأنقذه ونصره على أعدائه .

              النمرود كان ينتظر خمود النار وانطفائها ، كان يريد ان يرى مصير إبراهيم حتى يحتفل بانتصاره عليه .

              النار كانت كبيرة جدّاً ، ظلّت مشتعلة أياماً وليالي وشيئاً فشيئاً خمدت النار حتى انطفأت .

              ذهب النمرود إلى النار ليرى ماذا حلّ بإبراهيم ، هل تحوّل إلى رماد !

              تعجّب النمرود تعجّب أهل بابل أدركوا جميعاً إنّ ربّ إبراهيم كان قويّاً وكبيراً وقادراً ، فتركوا إبراهيم يعيش بحريّة

              الهجرة

              ظل سيدنا إبراهيم سنوات وسنوات تزوّج من ابنة خالته المؤمنة سارة . .

              كانت سارة فتاة ثرية تملك أرضاً وماشية فاهدت كل ذلك إلى زوجها إبراهيم .

              راح سيدنا إبراهيم يعمل في الأرض ويرعى الماشية فازدهرت أرضه ونمت ماشيته وباركه الله .

              كان سيدنا إبراهيم سخياً كريماً يكرم الضيوف ، ويحبّ الفقراء وهكذا عاش إبراهيم بين قومه ، يدعوهم إلى عبادة الله الواحد ونبذ الأصنام .

              الكهنة كانوا يكرهون سيدنا إبراهيم ، والنمرود كان يخاف على ملكه ، لهذا قرروا إخراج إبراهيم من أرض بابل .

              أمر النمرود بطرد إبراهيم من أرض بابل ومصادرة كل ما يملكه من الماشية لأنها ملك لبابل .

              سيدنا إبراهيم قال لهم : إذا أخذتم أموالي وأملاكي ، فأعيدوا إليّ ما أنفقته من عمري في هذه البلاد .

              رفعت الشكوى إلى قاضي بابل ، القاضي أصدر حكمه بان يسلّم إبراهيم كل ما يملكه إلى ملك بابل ، وفي المقابل أن يعيد الملك إلى إبراهيم عمره الذي قضاه في أرضهم .

              لهذا تراجع النمرود وسمح لسيدنا إبراهيم بالهجرة مع أمواله وماشيته .

              وقال سيدنا إبراهيم وهو يغادر أرض بابل : اني ذاهب إلى ربّي سيهديني .

              ذهب إبراهيم إلى أرض أخرى ليدعوا الناس إلى عبادة الله الواحد وترك عبادة الأصنام والأوثان .

              كان سيدنا إبراهيم يحبّ الناس ، ويحبّ أن يعيشوا سعداء من أجل هذا ترك أرض بابل وذهب إلى فلسطين .

              هاجر

              وصل سيدنا إبراهيم ومعه زوجته سارة ولوط إلى مملكة الاقباط .

              كان على سيدنا إبراهيم أن يدفع نسبة 10% من أمواله إلى الملك حتى يسمح له " العاشر "[1] بدخول بلاد القبط .

              رأى العاشر حسن سارة وجمالها ، فأراد أخذها إلى الملك .

              غضب سيدنا إبراهيم وعرض على العاشر أن يتنازل عن كل أملاكه ، أمّا أن يسمح لهم بأخذ سارة فهذا مستحيل .


              قال سيدنا إبراهيم للعاشر انه سيقاتل حتى النفس الأخير دفاعاً عن شرفه وعرضه .

              العاشر أخبر ملك القبط ، وملك القبط أمر بإحضار سارة وإبراهيم .

              ملك القبط عندما رأى سارة طمع بها أراد أن يضع يده عليها .

              سيدنا إبراهيم كان وحيداً وكان حزيناً لهذا أدار وجهه حتى لا يرى أحداً يلمس زوجته .

              سيدنا إبراهيم دعا الله أن يحمي سارة من شرور الملك ، الله سبحانه استجاب دعاءه نصر نبيه إبراهيم ، فشلّ يده الملك .

              ملك القبط عجز عن لمس سارة عرف أن إله إبراهيم منعه من ذلك قال لإبراهيم .

              هل أن إلهك الذي فعل بي هذا ؟!

              قال إبراهيم :

              نعم : ان الهي غيور

              الملك قال :

              ان الهك لغيور وأنت أيضاً لغيور . . أدعُ الهك أن يردّ لي يدي ، ولن افعل شيئاً .

              سيدنا إبراهيم دعا الله أن يردّ على الملك يده ، والله سبحانه ردّ يد الملك .

              الملك القبطي كان ينظر إلى إبراهيم و زوجته باحترام لهذا أهدى سارة فتاة تخدمها كان اسم الفتاة هاجر .


              فلسطين

              سار إبراهيم إلى أرض فلسطين وعندما وصل إلى سواحل البحر الميت ، ترك ابن خالته لوطاً في أرض " سدوم " لدعوة أهلها إلى دين الله والعمل ، الصالح أما هو فقد استمرّ في رحلته إلى أن وصل الأرض التي تدعى اليوم ب"مدينة الخليل " في فلسطين .

              وتمرّ الأعوام وسيدنا إبراهيم يعيش في تلك البقعة من أرض فلسطين .

              إسماعيل

              لم يرزق الله سبحانه إبراهيم ولداً لقد كانت سارة امرأة عقيماً . لهذا فكرت أن تهدي جاريتها هاجر إلى زوجها من أجل أن يتزوّجها وتنجب له ولداً .

              وكان عمر سيدنا إبراهيم أكثر من سبعين سنة فتزوج من هاجر التي انجبت ولداً هو إسماعيل .

              الله سبحانه أمر سيدنا إبراهيم أن يأخذ هاجر وإسماعيل ويرحل إلى أرض الحجاز .

              امتثل سيدنا إبراهيم لأمر الله وأخذ زوجته هاجر وإسماعيل وذهب باتجاه الجنوب . . .

              قطع صحاري واسعة وجرداء وفي كل مرّة كان سيدنا إبراهيم ينظر إلى السماء فيخبره الملاك انه لم يصل بعد .

              وبعد أيام وليالي طويلة وصل سيدنا إبراهيم أرضاً جرداء خالية من الزرع .

              كانت الأرض عبارة عن واد قاحل ليس فيه أشجار ولا ماء . . كان مليئاً بالرمال والصخور وتحيطه الجبال الجرداء .

              هبط الملاك وأخبر سيدنا إبراهيم بأنه قد وصل الأرض المقدّسة ، وأن عليه أن يترك هاجر وإسماعيل ويعود إلى فلسطين .

              سيدنا إبراهيم لا يعرف سوى طاعة الله . . كان منظر هاجر وإسماعيل مؤثراً . . امرأة وطفلها لوحدهما في هذا المكان القاحل !!

              ودّع إبراهيم زوجته هاجر وقبّل ابنه الرضيع إسماعيل وذهب .

              هاجر قالت لزوجها :

              أتتركنا لوحدنا في هذا المكان الموحش ؟

              قال سيدنا إبراهيم بحزن :

              إن الله أمرني بذلك .

              كانت هاجر امرأة مؤمنة بالله وبرسالة زوجها إبراهيم لهذا قالت بثقة :

              إذا كان الله هو الذي أمرك فانه لا ينسانا .

              ذهب سيدنا إبراهيم . . عاد إلى فلسطين أما هاجر وابنها إسماعيل فقد ظلاّ وحدهما في ذلك الوادي القاحل [2].

              إسحاق

              أصبح سيدنا إبراهيم شيخاً كبيراً وأصبحت زوجته سارة عجوزاً . .

              كان سيدنا إبراهيم لا يحب أن يتناول طعامه لوحده ، كان يحب الضيوف وكان يخدمهم بنفسه ويقدّم لهم الطعام الطيب .

              ذات يوم جاءه ضيوف كانوا ثلاثة أشخاص ، سلّموا على إبراهيم بأدب .

              سيدنا إبراهيم اسرع إلى قطيعه وجاء بخروف سمين فذبحه وصنع لهم طعاماً طيّباً ، وهنا حدث أمر عجيب رأى سيدنا إبراهيم ضيوفه لا يتناولون الطعام !

              شعر بالقلق ، قال له الضيوف :

              لا تخف يا إبراهيم . . اننا رسل الله إلى أرض سدوم .

              نحن ملائكة ارسلنا الله لمعاقبة أهل سدوم .

              شعر سيدنا إبراهيم بالطمأنينة ، ولكنّه فكر بمصير أهل سدوم فراح يجادل الملائكة قائلاً لهم :

              أن فيها لوطاً .

              الملائكة قالوا :

              نحن أعلم بمن فيها . . ان الله أمرنا أن نخرب تلك القرية ونقضي على أهلها [3]باستثناء لوط وبناته فقط .

              كان سيدنا إبراهيم يحب الهداية للناس فأراد أن يستمهل الملائكة . . ولكن الملائكة رسل الله وقد جاءوا لتنفيذ مشيئة الله وإرادته . . ان أهل سدوم كفّار وهم ما يزالون يعملون المنكرات ويقطعون الطريق على المسافرين ويؤذون نبيهم لوطاً عليه السلام .

              لهذا قالوا لإبراهيم :

              اعرض عن هذا يا إبراهيم لقد جاء أمر ربّك .

              سيدنا إبراهيم فكر في نفسه لماذا جاء الملائكة إلى هنا ؟

              الملائكة بشّروا سيدنا إبراهيم بولد جديد من زوجته العجوز سارة .

              سمعت سارة بشرى الملائكة فتعجبت وقالت :

              إن هذا لشيء عجيب . . كيف ألدُ وأنا امرأة عجوز عقيم وهذا زوجي شيخاً ؟!

              الملائكة قالوا :

              أتعجبين من أمر الله ؟ رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت انه حميد مجيد .

              فرحت سارة وفرح سيدنا إبراهيم ولكنه كان حزيناً من أجل قوم لوط أراد أن يدقع عنهم غضب الله . . ولكن الملائكة أخبره أن الله سبحانه قد أنزل غضبه عليهم بسبب فسادهم وعنادهم وايذائهم لنبيهم لوط .

              غادر الملائكة منزل سيدنا إبراهيم ذهبوا لتنفيذ مهمتهم في أرض سدوم .

              بناء البيت

              ذهب إبراهيم إلى أرض الحجاز لزيارة ابنه إسماعيل . . .

              كان إسماعيل قد أصبح فتى ، وكان يعيش في أرض الحجاز مع قبيلة جرهم العربية .

              وهناك بنى سيدنا إبراهيم وإسماعيل بيت الله ليكون رمزاً للتوحيد في العالم .

              فكانت الكعبة أول بيت وضع للناس بأمر الله سبحانه فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً .

              أكمل سيدنا إبراهيم وإسماعيل بناء البيت وقالا :

              ربّنا تقبل منّا أنّك أنت السميع العليم .

              لقد اختار الله سبحانه أرضاً قاحلة جرداء لبناء بيته .

              وعندما اكتمل البناء أنزل الله سبحانه الحجر الأسود من الجنّة . ومن ذلك اليوم أصبحت الكعبة رمزاً للتوحيد .

              الامتحان الأخير

              ويؤدي سيدنا إبراهيم مناسك مع ابنه إسماعيل ، وعندما وصلا السعي بين جبل " الصفا " وجبل " المروة " تذكر سيدنا إبراهيم عذابات زوجته هاجر ، وهي تركض بين الجبلين بحثاً عن الماء لابنها إسماعيل , وكيف نبعت المياه العذبة لابنه الرضيع .

              كان سيدنا إبراهيم يتذكر كل ذلك وهو يشعر بالحزن ويذكر الرؤيا التي رآها قبل أيام . . رأى نفسه يذبح ابنه ويقدّمه قرباناً إلى الله سبحانه . . ان رؤيا الأنبياء حق .

              ومعناها أن الله يأمره أن يضحي بابنه إسماعيل لكي يتم بذلك حَجّه .

              ولكن هل يقبل إسماعيل ؟ هل يقدّم نفسه قرباناً ؟ كان سيدنا إبراهيم حزيناً من أجل ذلك . . لهذا قال إسماعيل لوالده !

              أراك حزيناً يا أبي !!

              التفت إبراهيم إلى ابنه إسماعيل . . الفتى البار . . التقي الطيب . . وقال له :

              نعم يا ولدي الحبيب . . لقد رأيت في المنام أني أذبحك . . وأنت تعرف معنى ذلك . .

              تذبحني ؟!

              نعم يا ولدي فما هو رأيك ؟!

              لم يكن هناك وقت للتفكير . . ان الله يأمر رسوله إبراهيم أن يقدّم ابنه إسماعيل قرباناً . . .

              الله سبحانه يريد امتحان إبراهيم مرّة أخرى . . أن يكشف مدى اخلاصه وتسليمه لله . . لهذا قال إسماعيل الفتى المؤمن :

              إفعل ذلك يا والدي . . سوف أصبر على آلام الذبح يا أبي ما دام الله يريد ذلك .

              كان سيدنا إبراهيم لا يحبّ احداً مثلما يحبّ ولده إسماعيل ، ولكنه كان يحب الله أكثر وأكثر . . لهذا تبرّا سيدنا إبراهيم من جدّه آزر . . كان يحبّه كثيراً كان يخاطبه قائلاً : يا أبي ولكن عندما كفر آزر بالله تبرأ منه سيدنا إبراهيم .

              ان سيدنا إبراهيم يحبّ ولده إسماعيل الفتى البار المؤمن ولكنّه يحب الله أكثر وهو يطيع أوامره .

              قبّل سيدنا إبراهيم ولده إسماعيل . . كان سيدنا إبراهيم قد أحضر معه سكيناً . . إسماعيل كان مستسلماً لأمر الله كان شجاعاً استقبل الموت ذبحاً بكلّ هدوء . . شيء واحد أقلقه أن آلام الذبح قد تجعله يدافع ويقاوم وسوف يؤذي والده ذلك ان والده شيخ كبير وقد لا يتحمل قلبه .

              لهذا قال لوالده .

              أرجوك يا والدي أن تحكم وثاقي جيداً وأن تسرع في الذبح .

              بكى سيدنا إبراهيم من أجل ولده وقبّله ليودّعه الوداع الأخير . .

              تهيأ إسماعيل للحظة الذبح ، وأمسك سيدنا إبراهيم بالسكين . . ورفع إسماعيل رأسه إلى السماء وظهرت رقبته البيضاء الناصعة متألقة تحت أشعة الشمس وفي تلك اللحظات المثيرة حدث شيء مدهش .

              سمع إبراهيم نداءً سماوياً يقول :

              يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا . . ان الله يأمرك أن تفدي إسماعيل بهذا الكبش .

              ورأى سيدنا إبراهيم كبشاً يهبط من فوق الجبل .

              وقدّم إبراهيم الكبش فذبحه قرباناً وأتم سيدنا إبراهيم مع ابنه إسماعيل مناسك الحج .

              ونحن اليوم عندما نحلق شعورنا وعندما نغتسل من الأدران وعندما نقلّم أظافرنا وعندما نختتن ، فإنّنا نقتدي بأبينا إبراهيم الخليل . .

              فسيدنا إبراهيم هو الذي علّمنا ذلك . . وعلّمنا أيضاً أن نوحّد الله . .

              وعندما نرى الأديان الثلاثة من اليهودية والمسيحية والإسلام ، واتباعها يعتقدون بالله فان ذلك كلّه من بركات سيدنا إبراهيم . . لأن الله سبحانه اختار سيدنا إبراهيم نبياً ورسولاً ثم جعله إماماً . . وجعل في ذريّته النبوّة والإمامة فسيدنا موسى عليه السلام من ذريّة إسحاق بن إبراهيم عليه السلام وكذلك سيدنا عيسى بن مريم عليه السلام من ذرّية إسحاق عليه السلام ، وسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم من ذرّية إسماعيل بن إبراهيم ، والائمة من أهل البيت هم أيضاً من ذريّة إسماعيل عليه السلام .

              لهذا نقول في بعض الأحيان :

              "اللهم صلّ على محمد وآل محمد كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد " .

              الخليل

              ولأن الله سبحانه راى إبراهيم مخلصاً ورآه مطيعاً مسلّماً أمره لله ، لا يخاف من أحد سواه من أجل هذا اتخذ الله إبراهيم خليلاً .

              وعرف بإبراهيم خليل الرحمن . .

              عاش سيدنا إبراهيم طويلاً ربّما أكثر من مئة وعشرين سنة أصبح شيخاً طاعناً في السنّ .

              لم يعد بمقدوره الذهاب إلى الحجاز لحج بيت الله ولقاء ابنه إسماعيل . .

              من أجل ذلك ذهب ابنه إسماعيل إلى فلسطين لزيارة أبيه خليل الرحمن . .

              وخلال تلك الفترة مرض سيدنا إبراهيم داهمته الشيخوخة بضعفها وعجزها وآن لإبراهيم أن يغمض عينيه ويستريح بعد عمر طويل قضاه في الجهاد والدعوة إلى الله سبحانه وهكذا مات سيدنا إبراهيم ورحل إلى الله خليله ومعبوده .

              التحق بالرفيق الأعلى بعدما أخذ على ولديه إسماعيل وإسحاق أن لا يتوانيا في دعوة البشرية إلى عبادة الله الواحد الأحد .

              وندعوا الله سبحانه أن يمكن المسلمين المجاهدين من تحرير أرض فلسطين من أجل أن تتحرّر القدس والمسجد الأقصى وعندها يمكننا أن نزور ضريح أبينا إبراهيم في مدينة الخليل .

              " اللهم صل على محمد وآل محمد كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد " .



              يتبع

              تعليق


              • #8
                السَّمَاءُ تَمْطُرُ شُهُباً

                قصّة سيّدنا لوط ( عليه السلام )




                كان سيدنا إبراهيم ينتظر ضيفاً ليتناول معه طعام الغداء . .كان سيدنا إبراهيم يحب الضيوف . . انه يرحب بهم دائماً . . يقدّم لهم الماء العذب و اللبن الطيب و الطعام الشهي . .

                المسافرون كانوا يحبّون سيّدنا إبراهيم لكرمه و طيبته و اخلاقه الرفيعة .

                ذات يوم جاءه ثلاثة ضيوف كانوا شبّاناً وسيمين . . سيدنا إبراهيم رَحَّبَ بهم . . و فرح بقدومهم . . لهذا اسرع إلى إكرامهم . .

                ذبح لهم عجلاً و شواه . . و قدّمه اليهم . . كانت التقاليد في ذلك الزمان ، ان الضيف إذا امتنع عن تناول الطعام فمعنى هذا انهم يرفضون ضيافته و يضمرون له شرّاً. .

                امّا إذا أكلوا من الطعام فان رابطة صداقة ستنشأ بين الضيوف و المضيّف بسبب حرمة الملح و الزاد .

                قدّم سيدنا إبراهيم الشواء لضيوفه . . و هنا حدث شيء عجيب !!

                لفد امتنع الضيوف عن تناول الطعام . . شعر إبراهيم بالخوف من هؤلاء الضيوف .

                ترى هل ينوون به شرّاً . . كشف الضيوف عن هويتهم قالوا له : انهم ملائكة الله و انهم مرسلون إلى قرى سدوم للانتقام من أهلها . .


                حزن سيدنا إبراهيم و شعر بالأسف و حاول أن يدفع عن سكان القرى العذاب ، فلعلهم يعودوا إلى رشدهم . .

                قال لهم : ان فيها لوطاً فماذا سيكون مصيره ؟!

                قالوا له : نحن أعلم بمن فيها . .

                و حتى يذهب الحزن عن قلبه ، فقد بشره الملائكة بولد صالح . .

                حاول سيدنا إبراهيم أن يجادلهم في قوم لوط و لكن الملائكة قالوا له : يا إبراهيم اعرض عن هذا فقد جاء أمر ربك . .

                سكت إبراهيم و ذهب الملائكة الى قرى سدوم للانتقام من أهلها . .

                فما هي قصّتهم و ما هو قصّة سيدنا لوط ( عليه السلام ) . . هذا ما ستعرفه في هذا الكتاب فهيا معاً .

                قرأنا فيما مضى قصة سيدنا إبراهيم خليل الرحمن .

                سيدنا إبراهيم عاش في أرض بابل و دعا سكانها إلى عبادة الله وحده و نبذ الاصنام و نتذكر أيضاً كيف كفر الناس برسالة إبراهيم ( عليه السلام ) .


                لم يؤمن أحد بسيدنا إبراهيم سوى زوجته سارة و ابن خالته لوط ( عليه السلام ) . .

                و لما أراد سيدنا إبراهيم الهجرة من أرض بابل قرر لوط أيضاً أن يهاجر معه . .

                و هكذا ترك لوط بلده و هاجر . . و لمّا وصلت القافلة إلى أرض سدوم أمر سيدنا إبراهيم لوطاً أن يسكن في تلك القرى ، و يدعو أهلها إلى عبادة الله و نبذ الأصنام .

                و في قرى سدوم بدأت قصة لوط ( عليه السلام ) فسيدنا لوط من أرض بابل آمن بسيدنا إبراهيم ، و عندما أرادوا احراق سيدنا إبراهيم بالنار قال : اني مهاجر إلى ربي فهاجر مع إبراهيم إلى الأرض المقدسة فلسطين . .

                في الطريق أمر إبراهيم لوطا أن يسكن في أرض سدوم ليدعو أهلها إلى دين الله و العودة إلى الفطرة .

                و سدوم مجموعة قرى على شاطئ البحر الميت في الاردن .

                هناك عاش سيدنا لوط ( عليه السلام ) تزوّج و رزقه الله بنات مؤمنات .

                أهل سدوم :

                كان أهل سدوم ، يعيشون على الزراعة . . يعملون من الصباح وحتى غروب الشمس ثم يعودون إلى منازلهم في القرية . .


                لا أحد يعرف كيف ساءت اخلاقهم و أصبحوا أشراراً يعملون المنكر . .

                كانوا يقطعون الطريق على المسافرين . . يصادرون أموالهم و ينتهكون أعراضهم . .

                المسافرون كانوا يخافون من الاقتراب من منازل سدوم و أهلها المجرمين . . كانوا لا يعرفون منزلاً يكرمهم و يقدّم لهم الطعام و يحسن لهم سوى منزل واحد هو منزل لوط ( عليه السلام ) . .

                عاش سيدنا لوط في ذلك المجتمع الفاسد المنحرف كان يشعر أنه يعيش في وسط الجحيم . .

                رآهم يعملون المنكرات التي يندى لها جبين الشرفاء الاحرار . .

                كانوا يلعبون القمار . . يقطعون الطريق على المسافرين أصبحت تلك الاعمال جزءً من تقاليدهم القومية . .

                كانوا جميعاً اشراراً . . لم يعودوا يخجلون من أعمالهم الدنيئة و المنحطة . .

                كان سيدنا لوط يعرف سبب كل ذلك الفساد . . لقد ابتعدوا عن فطرة الانسان الطاهرة . .


                الله سبحانه خلق الانسان طاهراً من الدنس خلقه نظيفاً ، و لكنه هو الذي يوسخ نفسه لماذا ؟ لأنه يصغي إلى الشيطان و يبتعد عن الأنبياء .

                سيدنا لوط كان ينصح قومه . . يقول لهم عودوا إلى فطرتكم عودوا إلى ربّكم إلى طفولتكم الطاهرة . .

                لماذا لا تعيشون حياة طيبة لماذا تبتعدون عن الحياة العائلية النظيفة ؟

                تحطمت علاقاتهم الأسرية . . الرجال كانوا يقضون أوقاتهم معاً و النساء كن يقضين أوقاتهن معاً . .

                الناس المسافرين كانوا يكرهون سكان تلك القرى . . لقد اصبحوا أشرار سيئين . . يعتدون على الحرمات و ينتهكون الاعراض .

                كم مرّة أرادوا طرد لوط من أرضهم . . كم مرّة تآمروا عليه . .

                كان سيدنا لوط يعيش غريباً بينهم . . كان نظيفاً . . و كانوا قذرين . . كان يحب الضيوف و إكرام الغرباء . . اما هم فكانوا يقطعون الطريق و يعتدون علىالغرباء و المسافرين .


                كان لوط يعبد الله وحده أما أهل سدوم فكانوا يعبدون الاصنام ، كان رجلاً طيباً و كانوا جميعاً أشراراً .

                كل أهل سدوم كانوا يكرهون لوطاً لأنه لا يعمل مثل ما يعملون و لا يسكت عن أعمالهم . . حتى زوجته كانت مع اولئك الكفار . . لم تكن تؤمن بالله كانت تعبد الاصنام . . و كانت راضية بما يعمل أهل سدوم من المنكرات .

                لوط وحده مع بناته كانوا يؤمنون بالله و يتبرأون من أعمال أهل سدوم .

                الفساد كان يزداد كل يوم و عذاب لوط كان يزداد كل يوم . . و محنته تزداد مع أولئك الناس الاشرار ، الذين يعيشون كما تعيش الخنازير بل أسوأ من حياة الخنازير .

                ذات يوم جاء رجل غريب . . لم يكن يعرف اهل تلك القرى الظالمة . . من حسن الحظ كان سيدنا لوط يعمل في حقله . . سيدنا لوط رحب بالرجل الغريب . تلفّت يميناً و شمالاً كان يخشى أن يراه أحد . . الرجل الغريب سأل سيدنا لوط عن سبب خوفه ؟! سيدنا لوط قال له : ان اهل هذه القرى يقطعون الطريق . . و يأخذون منه أمواله و يعتدون عليه .

                الرجل الغريب شعر بالرعب يملأ قلبه . . سيدنا لوط أخفاه في الحقل لحين حلول الظلام . .

                و عندما غابت الشمس أخذ لوط ضيفه و ذهبا إلى المنزل . . رحب لوط بضيفه مرّة أخرى .

                سيدنا لوط أغلق الباب باحكام حتى لا تخبر زوجته أهل القرية بقدوم الضيف .

                قدّم سيدنا لوط طعاماً طيباً لضيفه و راح يحدّثه و يلاطفه حتى يهنأ بعشائه .

                اطمأن الرجل الغريب و أكل طعامه بشهية و بعد ساعة رقد في فراشه و نام . .

                عندما طلع الفجر استيقظ الضيف و وجد لوطاً جالساً ينتظر . . غسل الرجل يديه و تناول اللبن الساخن . . كان عليه أن يغادر أرض سدوم قبل طلوع الشمس حتى لا يتعرض له الأشرار بسوء !

                هكذا كان سيدنا لوط يستقبل ضيوفه و يودّعهم و هكذا كانت حياة لوط في تلك القرى الظالمة .

                و لكن هل استمرت الحياة هكذا ؟ كلا . . كما ذكرنا في أول الكتاب ! جاء ضيوف عجيبون ! جاءوا أولاً إلى سيدنا إبراهيم . . جاءوا ليبشروه بميلاد صبي طيب . . صبي له شأن كبير صبي طاهر . .

                كان إبراهيم في ذلك الوقت شيخاً . . و كانت امرأته سارة عجوزاً و كانت أيضاً عقيماً ، فرح سيدنا إبراهيم و تعجبت سارة من هذه البشرى . .

                فقالت الملائكة لا تعجبوا من أمر الله .

                و عندما أراد الملائكة الذين كانوا يرتدون زي الضيوف الغرباء أن يذهبوا إلى قرى سدوم . . قال لهم إبراهيم : ان فيها لوطاً . .

                كان سيدنا إبراهيم يريد أن يصرف العذاب عن أهل سدوم ، فلعلهم يتوبوا و يعودوا إلى فطرتهم النظيفة . . الملائكة قالوا له : لقد جاء أمر الله .

                انطلق الملائكة إلى أرض سدوم . . و شعر سيدنا إبراهيم بالحزن لهذا المصير الذي ينتظر أهل سدوم .

                نعم انطلق الملائكة إلى أرض سدوم و دخلوا قراها في زي ضيوف غرباء لم يشعر بهم أحد عندما طرقوا باب منزل لوط . .

                كان الوقت . . مساءً . . فتح سيدنا لوط الباب رأى ثلاثة شبان وسيمين . .

                شعر لوط بأنه قد وقع في مأزق حرج . . هل يعتذر عن استضافتهم ؟

                و لكن هذا ليس من الأخلاق و لا من الدين . .ليس من الأخلاق الكريمة أن يوصد المرء الباب بوجه مسافر غريب .

                و ليس من الدين أبداً طرد الانسان . . فلعله كان جائعاً أو ظامئاً أو مسافراً انقطعت به السبل . .

                ماذا يفعل ؟ رحب سيدنا لوط بضيوفه و ادخلهم بسرعة و أغلق الباب .


                زوجة سيدنا لوط رأت الضيوف هاج الشر في نفسها . . أرادت أن تخبر أهل القرية ، و لكن الباب كان موصداً . .

                وسوس الشيطان في قلبها أن تشعل ناراً . . سوف يراها أهل القرية و يعرفوا أن ضيوفاً طرقوا منزل لوط . .

                صعدت فوق سطح المنزل و جمعت بعض الحطب و اضرمت النار تصاعدت السنة النار و الدخان . .

                عودوا إلى منازلكم عودوا إلى حياتكم العائلية . . عودوا إلى فطرتكم ان الله سيغضب عليكم . .

                أهل سدوم كانوا يقهقهون . . صاح أحدهم : سلّمنا ضيوفك و الا حطمنا الباب و أخذناهم بالقوّة .

                نظر سيدنا لوط يميناً وشمالاً . . لم ير أحداً يقف إلى جانبه لقد كان وحيداً أما هم فكانوا عشرات احاطوا بمننزله كالذئاب .

                كل أهل القرية انتبهوا لهذه العلامة . . لهذا ركضوا نحو منزل لوط تجمعوا عند المنزل و راحوا يطرقون الباب بعنف . .

                كانوا جميعاً يحملون بايديهم الحجارة . . لقد تعوّدوا على ذلك . . تعوّدوا أن يرموا الضيوف بالحجارة ، فايّهم اصاب أولاً كان الضيف من نصيبه .

                سمع سيدنا لوط طرقات الباب فأدرك انهم قومه جاءوا ليعتدوا على ضيوفه . .

                حار ماذا يفعل !! توالت الضربات العنيفة و تعالت صيحاتهم بفتح الباب و الا حطّموه .

                فتح سيدنا لوط الباب و خرج إليهم وحيداً و أغلق الباب و راءه راح ينظر اليهم و قال و نفسه يملأها الأسى و الحزن :

                أليس فيكم رجل رشيد ؟!

                أليس فيكم رجل عاقل يشمئز مما تفعلونه من المنكرات . . و قطع الطريق على المسافرين ؟!

                و تمنّى لوط انه لم يكن وحيداً تمنى أن يكون له أولاد و عشيرة تدفع عن منزله و ضيوفه هجمات المعتدين . .

                صاح لوط بأهل سدوم :

                الا تستحون الا تخجلون من انفسكم أتريدون أن تفضحوني في ضيوفي ؟!


                في تلك اللحظات المثيرة انفتح الباب و ظهر الضيوف الثلاثة . . قال الضيوف : لا تخش شيئاً يا لوط . . نحن لسنا ضيوفاً نحن رسل الله . . لقد أمرنا الله أن ندمّر هذه القرية . .لن تشرق الشمس حتى تتحول هذه القرية الظالمة إلى خرائب . .

                أمّا انت يا لوط فاخرج من القرية فوراً خذ معك أسرتك و امض بعيداً . . و ايّاك أن تلتفت إلى ورائك أبداً !

                و في تلك اللحظة أشار الضيوف بأصابعهم نحو أهل سدوم فانبعثت أشعة غريبة . .

                كل رجال القرية فقدوا أبصارهم . . أصبحوا عمياناً لا يبصرون شيئاً . . و سادت الفوضى جموعهم . .

                كانت الساعات الأخيرة من تلك الليلة . . و كان على سيدنا لوط ان يغادر أرض سدوم قبل حلول الغضب .

                أمر سيدنا لوط أسرته أن تستعد لمغادرة القرية في قلب الظلام و في منتصف الليل . .

                كان عليه أن يرحل و يأخذ معه أسرته و ماشيته بعيداً . . سادت الفوضى أهل سدوم . . و غادر لوط و أسرته القرية على عجل .


                و كانت زوجة لوط تسير خلف الماشية و كانت تلتفت إلى القرية في كل لحظة ، في كل مرّة كانت تتوقف و تنظر . . اختفى لوط خلف التلال . .

                زوجة لوط كانت تراقب النار التي أوقدتها فوق السطح . . انطفأت النار . . وساد السكوت كل شيء . . فكّرت زوجة لوط بالعودة . . كان الفجر على وشك أن ينفلق . .

                فجأة حدث أمر رهيب !! دوّت صيحة مزلزلة تشبه صوت الرعد و لكنها كانت أكثر شدّة . . و انفجر من مكان ما بركان هائل راح يقذف الحمم المشتعلة في الفضاء .

                امتلأت سماء سدوم بكتل النار الملتهبة ، و غمرت النار أرض سدوم .

                و انبثقت من قلب الظلام شهب و نيازك لقد أمطرت السماء شهباً و ناراً . .

                سقطت زوجة لوط على الأرض . . تحولت الى كتلة من الملح !

                لقد أذاقت زوجها صنوف العذاب . . كانت وثنية و كانت امرأة كافرة خانت زوجها و وقفت إلى جانب أهل سدوم الظالمين . . فلاقت جزاء خيانتها . .


                خرائب و عبر :

                أطلّ الصباح و أشرقت الشمس . . و لكن لا أثر لقرى سدوم . . لقد تحولت إلى خرائب و أنقاض تحولت إلى أكوام من الحجارة المحترقة و الملح . .

                كل شيء احترق تحول إلى رماد ، لقد عاث أهل سدوم في الأرض فساداً دمّروا كل الاشياء الجميلة . .

                دمّروا العلاقات العائلية . . دمّروا الفطرة الصافية . . نبذوا الأخلاق الكريمة و أصبحوا كالخنازير . .

                امتلأت حياتهم بالرجس و القذارة و المنكرات . . أصبحت هذه الاشياء تقاليداً قومية لهذا حل بهم غضب الله فامطرت السماء عليهم ناراً و شهباً و حجارة من سجيل . .

                و ما تزال آثار سدوم باقية حتى اليوم ، أرضاً موحشة مليئة بالملح و الحجارة المحترقة .

                بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

                { كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ * قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ * قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُم مِّنَ الْقَالِينَ * رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ * فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ * ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ }[1] .

                تعليق


                • #9
                  الذبيح

                  قصّة سيدنا اسماعيل عليه السلام



                  هاجَر سيدنا ابراهيم من أرض النهرين (العراق) ، أخذ معه زوجته سارة و ابن خالته سيدنا لوط ( عليه السلام )، ذهبوا إلى مملكة الاقباط ، و هناك أهدى الملك فتاةً اسمها هاجر إلى سارة إكراماً لزوجة خليل الرحمن .

                  مضى سيدنا إبراهيم إلى فلسطين ، في الطريق و عندما وصلوا إلىقرية " سدوم " على سواحل البحر الميّت أمر سيدنا إبراهيم لوطاً أن يسكن في تلك القرية و يدعو أهلها إلى عبادة الله سبحانه .

                  أما سيدنا إبراهيم فقد واصل طريقه مع زوجته سارة و الفتاة هاجر إلى أرض فلسطين .

                  رأى سيدنا إبراهيم وادياً جميلاً تحيطه الراوبي و التلال فالقى رحله هناك .

                  و منذ ذلك التاريخ و قبل آلاف السنين سكن سيدنا إبراهيم الأرض التي تدعى اليوم بمدينة الخليل .

                  ضرب سيدنا إبراهيم خيامه في ذلك الوادي الفسيح و ترك ماشيته ترعى بسلام .

                  كان ذلك الوادي في طريق القوافل المسافرة ، لهذا كان يقصده الكثير من المسافرين فيجدون عنده الماء العذب ، و الطعام الطيب و الكرم و الاستقبال الحسن ، و يجدون عنده الكلمات الطيبة . .

                  كان سيدنا إبراهيم يتحدث مع ضيوفه ، و كان همّه أن يعبد الناس الله الواحد الأحد لا شريك له و لا معبود سواه .

                  و تمرّ الايام و الأعوام و عرف الناس إبراهيم الرجل الصالح الكريم . . عرفوا أخلاقه و كرمه و حبّه للضيوف ، عرفوا صلاحه و عبادته و تقواه . و عرفوا حبّه للخير و الناس .

                  البشرى :


                  و لكن من يدقق النظر في وجه سيدنا إبراهيم ( عليه السلام )يرى حزناً في عينيه . . لماذا ؟ لان سيدنا إبراهيم يحبّ الاطفال .

                  كان يتمنّى ان يكون له طفل . .

                  و ها هو الآن قد أصبح شيخاً كبيراً و أصبحت زوجته عجوزاً و لم يرزقا طفلاً يأنسا به و يملأ بفرحته خيمتهما ، أو يلعب مع الحملان و الخراف .

                  سارة زوجة سيدنا إبراهيم كانت تحبّ زوجها و لا تريد له أن يحزن ، لهذا قالت له ذات مساء .

                  ـ أنت تحبّ أن يكون لك أطفال و ذريّة .

                  قال سيدنا إبراهيم :

                  ـ انها مشيئة الله و إرادته و أنا راض بذلك .

                  قالت سارة المرأة الصالحة :

                  ـ أنا أحب أن يكون لنا طفل نرعاه و . . نحبّه و يحبّنا . .

                  ـ و لكن !!

                  ـ يا خليل الرحمن أعرف أنني قد أصبحت عجوزاً و لكن سأهب لك جاريتي هاجر . . تزوّجها فلعلّ الله أن يرزقنا منها أولاداً .

                  قال إبراهيم :

                  ـ أنا لا أريد أن تحزني بسببي يا سارة .

                  ـ لن أحزن يا خليل الرحمن . . سأفرح بفرحك .

                  و هكذا وهبت سارة جاريتها هاجر إلى زوجها إبراهيم فتزوّج سيدنا إبراهيم . .


                  و لم تمض تسعة اشهر حتى سُمع بكاء الطفل . . وفرح الجميع بميلاد إسماعيل .

                  الرحيل :

                  وهب الله سبحانه إبراهيم ولداً هو إسماعيل . كان طفلاً محبوباً ملأ قلب أبيه فرحاً ومسرَّة . لهذا كان يحتضنه ويقبّله و كان يقضي بعض أوقاته في خيمة أمّه هاجر .

                  سارة المرأة الصالحة كانت تحبّ سيدنا إبراهيم ، تحبّ أن يفرح زوجها . . و لكنها بدأت تغار من هاجر . هاجر التي رزقت طفلاً أمّا هي فظلّت محرومة .

                  سارة لا تريد للغيرة أن تأكل قلبها . . لا تريد أن تكره أو تحقد على هاجر بسبب ذلك . .

                  من أجل هذا قالت لزوجها إبراهيم : انها لا تريد أن ترى هاجر بعد الآن . . لأنها اذا رأت هاجر فستغار منها وتحقد عليها وهي لا تريد أن تدخل النار بسبب ذلك .

                  الله سبحانه رؤوف بعباده . . كانت سارة محرومة من الأطفال تحمّلت العذاب والهجرة بسبب إيمانها بزوجها إبراهيم و هي صابرة طوال هذه السنين . . ظلّت مؤمنة بربها و برسوله إبراهيم .

                  إلى البيت العتيق :

                  و قضت مشيئة ربّنا سبحانه ان يأخذ إبراهيم هاجر و ابنها إسماعيل إلى أرض بعيدة في الجنوب .

                  امتثل سيدنا إبراهيم لأمر الله فشدّ الرحال إلى مكان مجهول لم يذهب اليه من قبل ..

                  و سار إبراهيم مع زوجته هاجر ، ومعها إسماعيل الطفل الرضيع سارا أيّاماً طويلة . . و في كل مرّة و عندما يرى سيدنا إبراهيم مكاناً جميلاً أو وادياً معشباً كان ينظر إلى السماء ، كان يتمنّى أن يكون قد وصل المكان الموعود .

                  و لكن الملاك يهبط من السماء و يخبره باستئناف المسير .

                  و هكذا كان سيدنا إبراهيم يسير ويسير ومعه زوجته هاجر و هي تحمل طفلها الرضيع .

                  و بعد أيام طويلة وصلوا أرضاً جرداء عبارة عن وادٍ ليس فيه سوى الرمال ، وبعض شجيرات الصحاري الجافّة .

                  في ذلك المكان هبط الملاك و اخبر سيدنا إباهيم بانه قد وصل الأرض المقدسة .

                  نزل إبراهيم في ذلك الوادي . . كان وادياً خالياً من الحياة ليس فيه نهر و لا نبع و لا يعيش فيه إنسان .

                  إنها إرادة الله أن يعيش الصبي إسماعيل و امّه في هذا المكان .

                  الوداع :

                  قبّل سيدنا إبراهيم طفله الوديع إسماعيل . . بكى من أجله .

                  على إبراهيم أن يعود و يترك هاجر و ابنها في هذا المكان الموحش بكى إبراهيم من أجلها و هو يبتعد عائداً إلى فلسطين .

                  التفت هاجر حواليها لم تر شيئاً سوى الرمال وسوى صخور الجبال الصماء . . قالت لزوجها :

                  ـ أتتركنا هنا . . في هذا الوادي الموحش ؟!

                  ـ لقد أمرني الله بذلك يا هاجر .

                  كانت هاجر امرأة مؤمنة عرفت ان الله رؤوف بعباده ويريد لهم الخير و البركات .

                  قالت لابراهيم :

                  ـ ما دام ان الله قد أمرك فهو كفيلنا و هو يرعانا . . انه لا ينسى عباده .

                  ابتعد إبراهيم بعد ان ودّع ابنه و زوجته .

                  وقف فوق التلال و نظر إلى السماء و ابتهل إلى الله أن يحفظهما من الشرور .

                  الماء ! الماء !

                  اختفى إبراهيم في الافق البعيد . لم تعد هاجر تراه ، أمّا إسماعيل فلم يكن يعلم ماذا يجري حوله . .

                  فرشت هاجر لابنها جلد كبش ، وقامت لتصنع لها و لطفلها خيمة صغيرة .

                  كانت تعمل بكل طمأنينة ، و كأنها في بيتها . . كانت تؤمن أن هناك من يرعاها و يرعى و ليدها . في النهار تجمع بعض الحطب و في المساء توقد النار و تصنع لها رغيفاًً تتعشّى به ، و كانت تسهر معظم الليل و هي تنظر إلى السماء المرصعة بالنجوم .

                  مضت عدّة أيام و هاجر على هذه الحال . . نفد ما معها من الماء . . لم يبق في القربة حتى قطرة واحدة .

                  نفد الماء كلّه . . لم تبق منه قطرة واحدة . . الوادي الموحش يملأه الصمت .

                  راحت هاجر تدير بصرها في جنبات الوادي . . و لكن لا شيء ، ايقنت ان هذه أرض جرداء خالية من الماء . . لم يمرّ بها انسان من قبل و لا يطير في سمائها طائر . .

                  بكى إسماعيل الطفل الرضيع كان عطشاناً يبحث عن قطرة ماء . . انه لا يدرك ما يجري حوله . .

                  لا يدري في أي مكان هو في هذه الأرض .

                  نظرت امّه اليه باشفاق . . ماذا تفعل . .من أين لها أن تأتي بالماء في هذه الصحراء ؟!

                  فجأة تفجَّرت في قلبها إرادة الأمومة . . لابدّ ان تفعل شيئاً . . لا بد أن يوجد في هذه الأرض ماء و لو قطرة . .

                  لعل في خلف هذا الجبل غدير أو نبع . . لعل خلف ذاك التلّ بئر حفره إنسان طيّب من أجل القوافل المسافرة .

                  نهضت هاجر . . نظرت حواليها لتتأكد من عدم وجود ذئب أو ضبع يفترس ابنها الرضيع . . لا شيء سوى شجيرات الشوك هنا و هناك . . ركضت هاجر باتجاه جبل الصفا .

                  كانت تركض بعزم و أمل و كان هناك خوف في قلبها . . فقد يختطف الذئب صغيرها الظامئ إسماعيل . .

                  كان صراخ إسماعيل يدوّي في أذنها . .


                  ارتقت هاجر قمّة الجبل . . فنظرت في الوادي . . رأت ما يشبه تموجات الماء . . انحدرت باتجاه الوادي . .

                  و لكن لا شيء لم تكن هناك غير الرمال . . لقد كان مجرد سراب ما رأته في قلب الوادي . .

                  عادت هاجر تركض نحو طفلها إسماعيل . . ما يزال يبكي يصرخ يريد ماءً . . نظرت إلى جبل المروة في أمل . . لعل هناك ماءً . .

                  راحت تركض باقصى سرعة . . و كانت الرمال تتطاير تحت قدميها . .

                  تراءى لها ما يشبه الماء . . ركضت . . ركضت . . ركضت . . بسرعة . . و لكن لا شيء سوى السراب . . انقطع بكاء إسماعيل غاب عن بصرها . .

                  عادت بسرعة . . رأته من بعيد يبكي . . ما يزال يطلب الماء . . و ربّما كان يبحث عن أمّه . . كان خائفاً . .

                  راحت هاجر تعدو بين جبل الصفا و جبل المروة تبحث عن ماء لوليدها إسماعيل . . سيموت من الظمأ ، سيموت من العطش . . نظرت إلى السماء صاحت من كل قلبها : يا رب :

                  ارتقت جبل المروة غاب إسماعيل عن بصرها . . انقطع بكاؤه . . خافت هاجر ربّما يكون قد مات . . ربّما افترسه ذئب جائع . .

                  أقبلت تعدو بكل ما أُتيت من قدرة رأت من بعيد إسماعيل هادئاً كان يحرّك يديه و قدميه و كان هناك نبع قد تفجّر عند قدميه الصغيرتين .

                  نظرت هاجر إلى السماء و هي تبكي ، لقد استجاب الله دعوتها فتدفق الماء من قلب الرمال . .

                  أسرعت هاجر لتصنع حوضاً حول الماء . . ليكون فيما بعد بئر زمزم التي يشرب منها الظامئون .

                  قبيلة جرهم :

                  شمّت الطيور رائحة الماء فراحت تدور حول النبع سعيدة . .

                  هاجر فرحت بمنظر الطيور البيضاء و هي تحلق في سماء الوادي .

                  إسماعيل أيضاً كان سعيداً و هو يراها تلعب في الفضاء .

                  كان السكان في تلك الصحاري يعيشون حياة الرحّل . . ذات يوم مرّت قبيلة جرهم قريباً من الوادي فرأى الناس طيوراً تحلق في السماء . .

                  عرفوا أنّ في ذلك الوادي ماءً . . لهذا توجهوا نحوه . .

                  عندما انحدرت قوافلهم في الوادي شاهدوا منظراً عجيباً لم يكن هناك سوى امرأة مع ابنها الرضيع . .

                  قالت لهم المرأة : أنا هاجر زوجة إبراهيم خليل الرحمن .

                  كان افراد قبيلة جرهم أُناساً طيبين . . قالوا لهاجر :

                  ـ هل تسمحين لنا في السكن في هذا الوادي ؟

                  السيدة هاجر قالت لهم : حتى استأذن لكم خليل الرحمن .

                  ضرب أفراد جرهم خيامهم قريباً من الوادي ريثما يأتي سيدنا إبراهيم فيستأذنوه . .

                  جاء سيدنا إبراهيم و رأى مضارب الخيام . . رأى قطعان الماشية و الجمال لهذا فرح بقدوم تلك القبيلة العربية .

                  و منذ ذلك الوقت استوطنت قبيلة جرهم الوادي وعاش إسماعيل و هاجر حياة طيبة . .

                  أفراد القبيلة قدّموا لاسماعيل كثيراً من الخراف ، و ضربوا له و لوالدته خيمة جميلة تقيهم حرّ الشمس في الصيف و تحميهم من المطر في الشتاء . .

                  كبر إسماعيل و تعلّم لغة العرب . . كان فتى طيباً ورث أخلاق أبيه إبراهيم وتأثَّر بأخلاق العرب الطيبين تعلّم منهم الكرم و الضيافة و الشجاعة و الفروسية .

                  الكعبة . . رمز التوحيد

                  الله ربّنا أمر سيدنا إبراهيم ( عليه السلام ) أن يبني بيتاً و مسجداً يكون رمزاً للتوحيد و مكاناً لعبادة الله .

                  قال سيدنا إبراهيم لولده :

                  إنّ الله يامرني أن ابني بيته فوق هذا التل الصغير !

                  لبّى إبراهيم أمر الله و لبى إسماعيل دعوة أبيه إبراهيم لبناء بيت الله .

                  كان على إبراهيم الشيخ الكبير و إسماعيل الفتى أن ينهضا بهذه المهمة الشاقة .

                  عليهما أولاً أن ينقلا الصخور المناسبة للبناء من الجبال المحيطة بالوادي .

                  و كان عليهما أن يجمعا التراب و يوفرا الماء الكافي لصنع " الملاط " اللازم في بناء البيت .

                  و هكذا بدأ البناء نقلوا أوّلاً الصخور من الجبال المحيطة بالوادي و صنعا حوضاً للماء و جمعا التراب .

                  كان الفتى إسماعيل يتولّى حمل الصخور . . كان ينتخب الصخور الصلبة لتكون أساساً قوياً في البناء . .

                  جمع كثيراً من الصخور الخضراء اللون . . ثم صبَّ الماء في حوض التراب ليصنع طيناً لزجاً يشدّ الصخور إلى بعضها .

                  كان سيدنا إبراهيم يرصف الصخور الخضراء الواحدة بعد الاخرى ليبني أساس البيت . .

                  أمّا إسماعيل فكان يناول أباه الصخور . .

                  في كل يوم كانا يبنيان سافاً واحداً ، ثم يعودا في اليوم التالي لبناء ساف آخر و هكذا .

                  في كل يوم كان البناء يرتفع قليلاً . . و في كل يوم كان إبراهيم و إسماعيل يطوفان حول البناء و يقولان : ربّنا تقبل منّا انك أنت السميع العليم .

                  ارتفع البناء في الفضاء تسعة أذرع أي ما يقرب من الثمانية أمتار رأى سيدنا إبراهيم فراغاً في زارية البيت العليا .

                  في تلك الليلة كانت الشهب تتوهّج في السماء و سقط نيزك فوق سفوح الجبال القريبة .

                  في الصباح انطلق سيدنا إبراهيم إلى الجبل المطلّ على الوادي وقعت عيناه على حجر ابيض مثل الثلج كان حجراً بحجم الفراغ . . لهذا حمله سيدنا إبراهيم و وضعه في مكانه .

                  انتهى بناء البيت . . بيت الله الحرام ليكون أول بيت يعبد فيه الله وحده لا شريك له .


                  كان للكعبة بابان باب باتجاه الشرق ، وباب باتجاه الغرب جمع سيدنا إبراهيم نباتاً طيب الرائحة يدعى " الأذخر " فوضعه على الباب ، وجاءت هاجر أم إسماعيل و أهدت إلى الكعبة كساءً .

                  الحج الابراهيمي :

                  انطلق سيدنا إبراهيم إلى الجبل و ارتقى القمّة ثم هتف بأعلى صوته يدعو الاجيال البشرية إلى حج البيت العتيق .

                  سمعت قبيلة جرهم و القبائل العربية المجاورة نداء إبراهيم خليل الرحمن .

                  لم يحج ذلك العام سوى سيدنا إبراهيم و إسماعيل و هاجر .

                  هبط الملاك جبريل يُعلّم سيدنا إبراهيم مناسك الحج .

                  اغتسلوا بمياه زمزم و ارتدوا ثياباً بيضاء ناصعة و بدأوا طوافهم حول الكعبة سبع مرات ، و أدّوا الصلاة و دعوا الله أن يتقبل منهم أعمالهم . .

                  و بعدها انطلقوا لقطع الوادي بين جبلي الصفا و المروة و تذكرت هاجر تفاصيل ذلك اليوم قبل أكثر من اثني عشر عاماً عندما كان إسماعيل صبياً في المهد .

                  تذكّرت بكاءه و بحثها عن الماء . . تذكّرت كيف قطعت هذا الوادي الموحش سبعة أشواط تبحث عن الماء و كيف توجهت بقلبها إلى السماء ؟

                  و كيف تدفق الماء عند قدمي إسماعيل ؟!

                  الله ربّنا أراد لهذه الحوادث ان تبقى في ذاكرة البشر ، يتذكّروا دائماً ان الله سبحانه هو وحده القادر على كل شيء .

                  صعد سيدنا إبراهيم و ابنه إسماعيل جبل الصفا و نظر إلى بيت الله بخشوع و هتفا :

                  ـ لا اله الاّ الله وحده لا شريك له . . له الملك و له الحمد يحيي و يميت و هو على كل شيء قدير .

                  القربان :

                  هبط الملاك جبريل و أمر سيدنا إبراهيم ان يتزوّد بالماء ثم يذهب إلى جبل عرفات و منى ، و من ذلك الوقت سمّي يوم الثامن من ذي الحجة الحرام بيوم التروية .

                  أمضى سيدنا إبراهيم ليلته هناك . . نظر إلى السماء المرصّعة بالنجوم .

                  نظر إلى ما خلق الله من الكواكب التي تشبه المصابيح فسجد لله الخالق البارئ المصور له اللاسماء الحسنى يحيي ويميت و هو على كل شيء قدير .

                  أغمض سيدنا إبراهيم عينيه و نام . . في عالم المنام رأى سيدنا إبراهيم شيئاً عجيباً‍!!‍ ‍‍

                  رأى نفسه يذبح ولده إسماعيل . . إنتبه من نومه . .كانت السماء ما تزال زاخرة بالنجوم و رأى ابنه نائماً عاد سيدنا إبراهيم إلى نومه . .

                  مرّة أخرى تكررت ذات الرؤيا . . رأى نفسه يذبح ابنه و يقدمه قرباناً إلى رب العالمين !!‍‍‍‍

                  استيقظ سيدنا إبراهيم و قد انفلق عمود الفجر . . توضأ و صلى . . و استيقظ إسماعيل فتوضأ و صلى طلعت الشمس و غمرت التلال بالنور .

                  كان سيدنا إبراهيم حزيناً . . ان الله عزوجل يمتحنه مرّة أخرى . . يمتحنه هذه المرّة يذبح ابنه . . ماذا يفعل ؟

                  لو أمره الله سبحنه بان يقذف نفسه في النار لفعل ، و لكن ماذا يفعل في هذه المرّة عليه أن يذبح ابنه ؟! ترى ماذا يفعل ؟ هل يخبر ابنه بذلك هل يذبحه عنوة و اذا أخبر ابنه هل يقبل ابنه بالذبح ، هل يتحمل إسماعيل آلام الذبح ‍؟

                  إسماعيل رأى أباه حزيناً فقال له :

                  ـ لماذا أنت حزين يا أبي ؟

                  قال سيدنا إبراهيم :

                  ـ هناك أمر أقلقني . . يا بني إنّي ! أرى في المنام أنّي أذبحك فماذا ترى ؟

                  أدرك إسماعيل أن الله سبحانه يأمر رسوله إبراهيم أنّ يضحي بولده . . إسماعيل كان يحب أباه كثيراً يعرف أنّ أباه لا يفعل شيئاً الاّ بأمر ربّه . . انه خليل الرحمن الذي امتحنه الله عندما كان فتى في بابل و حتى بعد أن أصبح شيخاً كبيراً .

                  عرف إسماعيل أن الله يمتحن خليله إبراهيم . . لهذا قال له :

                  ـ يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين .

                  سيدنا إبراهيم فرح بذلك كان إسماعيل ولداً بارّاً مطيعاً و مؤمناً بالله و رسوله .

                  الذبيح :

                  أخذ سيدنا إبراهيم مدية و حبلاً و ذهب إلى أحد الوديان القريبة . .

                  كان إسماعيل يرافق أباه ساكتاً يهيّأ نفسه للحظة الذبح ويدعو الله أن يمنحه الصبر لتحمل الآلام في سبيله . .

                  هاجر عندما رأت سيدنا إبراهيم و إسماعيل قد انطلقا نحو الوادي فكّرت انهما ذهبا لجمع الحطب . .

                  وصل سيدنا إبراهيم و إسماعيل الوادي . .

                  نظر إسماعيل إلى أبيه كانت عيناه مليئتان بالدموع . . هو أيضاً بكى من أجل ابيه الشيخ ـ فأراد أن ينهي الأمر بسرعة قال لأبيه :

                  ـ يا أبي احكم و ثاقي ، و اكفف ثيابك حتى لا تتلطخ بالدم فتراه أمي . . يا أبي و اشحذ السكين جيداً و أسرع في ذبحي فان آلام الذبح شديدة .

                  بكى سيدنا إبراهيم و قال :

                  ـ نِعْمَ العون أنت يا بني على أمر الله .

                  أحكم سيدنا إبراهيم الوثاق على كتفي إسماعيل . . كان إسماعيل مستسلماً تماماً لأمر الله .

                  اغمض عينيه . . سيدنا إبراهيم أمسك بجبين ولده و أحناه إلى الارض .

                  جثا إسماعيل الفتى بهدوء كان يودع الحياة ، يودع أمه و أباه . . وضع سيدنا إبراهيم السكين على عنق إسماعيل . . لحظة واحدة و ينتهي كل شيء .

                  ماذا حصل في تلك اللحظات المثيرة ؟! هل ذُبح إسماعيل ؟ كلاّ .

                  سمع سيدنا إيراهيم نداءً سماوياً . . يأمره بذبح كبش فداءً لاسماعيل . .

                  نظر سيدنا إبراهيم إلى جهة الصوت . . فرأى كبشاً سميناً ينزل من فوق قمة الجبل . . كان كبشاً أملح له قرون !

                  حلَّ سيدنا إبراهيم الوثاق عن ابنه إسماعيل . . ثم قدَّم الكبش و ذبحه باسم الله و قدّمه قرباناً إلى ربّنا الرحيم .

                  و من ذلك اليوم أصبح تقديم الاضاحي من مناسك الحج .


                  المسلمون في كل مكان يذهبون لزيارة بيت الله . . البيت الذي بناه إبراهيم و إسماعيل لعبادة الله . . يطوفون حوله و يمجّدون اسمه . . و يسعون بين الصفا و المروة كما سعت هاجر من قبل ، و يُقدِّمون القرابين كما قدّم إبراهيم قرباناً من قبل . . يفعلون ذلك لأنهم على دين إبراهيم و دين سيدنا إبراهيم هو دين الاسلام الحنيف .

                  أنا ابن الذبيحين :

                  هل تعلمون من قال هذه العبارة ؟

                  إنّه سيدنا محمّد ( صلى الله عليه و آله ) لماذا ؟ لان سيدنا محمد من ذريّة إسماعيل ( عليه السلام ) فقد عاش سيدنا إسماعيل ( عليه السلام ) و تزوّج و أصبحت له ذرّية . .

                  و من ذرّيته عبد المطلب جدّ سيدنا محمد ( صلى الله عليه و آله ) و هو الذي حفر زمزم و في عهده هاجم الجيش الحبشي مكّة لتدمير الكعبة فدعا عبد المطلب الله سبحانه أنا يحمي البيت الحرام من شرّ الأعداء و استجاب الله دعاء حفيد إبراهيم و إسماعيل و أرسل طيراً أبابيل قصفت جيش ابرهة الحبشي و مزقته . .

                  دعا عبد المطلب الله سبحانه ان يرزقه عشرة بنين و نذر إن رزقه الله ذلك أن يذبح أحدهم قرباناً لله . .


                  الله سبحانه رزق عبد المطلب عشرة أبناء . . فقال عبدالمطلب :

                  ـ لقد رزقني الله عشرة أبناء و عليّ أن أفي بالنذر .

                  اقترع عبد المطلب بين بنيه العشرة فخرجت القرعة على عبد الله والد سيدنا محمد ( صلى الله عليه و آله ) فأراد عبد المطلب أن يذبح ابنه وفاءً بنذره .

                  أهل مكّة كانوا يحبّون عبد الله كثيراً لهذا قالوا لعبد المطلب : لا تذبح إبنك و اقرع بينه و بين الابل . . و اعط ربّك حتى يرضى . .

                  و هكذا كان عبد المطلب بقرع بينه و بين عشرة من الابل فتخرج القرعة على عبد الله حتى أصبح عدد الابل مئة و عندها خرجت القرعة على الابل . . لقد رضي الله بالفداء .


                  فأمر عبدالمطلب بالابل ان تنحر و أن يوزع لحومها على الفقراء و الجياع .

                  لقد كان عبد الله على وشك أن يذبح و لكن الله رضي بفدائه فهو كإسماعيل الذي افتداه الله بذبح عظيم .

                  لهذا كان سيدنا محمد ( صلى الله عليه و آله ) يقول : أنا ابن الذبيحين ، لأنه ابن عبد الله بن عبد المطلب الذي هو من ذريّة ذبيح الله إسماعيل .

                  و اليوم عندما يذهب المسلمون كل عام إلى مكّة لأداء مراسم الحج فانهم يتذكرون جميعاً قصة إسماعيل ذلك الفتى البار المطيع لله و لرسوله .

                  بسم الله الرحمن الرحيم

                  { وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ * أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ * فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ * فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ * فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ * مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ * فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ * فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ * قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ * قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ * فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ * وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ }[2] .

                  يتبع قص اخر

                  تعليق


                  • #10
                    أيها الصدّيق !

                    " قصة سيدنا يوسف ( عليه السلام ) "



                    بلغ سيدنا ابراهيم من العمر مئة عام ، و كان عمر زوجته سارة تسعين سنة . . هو شيخ طاعن في السن ، و هي إمرأة عجوز .

                    ليس عندهما اطفال و لا أولاد .

                    فاسماعيل ابنه عمره أربعة عشر سنة و هو في مكّة ، و كان ابراهيم يزوره بين عام و آخر .

                    تذكرون يا أعزّاءنا في قصة سيدنا لوط . . تذكرون الضيوف الثلاثة الذين جاءوا لانقاذ لوط من تلك القرية الفاسدة التي كانت تعمل المنكر . .

                    و تذكرون انهم مرّوا أولاً بسيدنا ابراهيم . . لقد حزن سيدنا ابراهيم من أجل قوم لوط و ما ينتظرهم من المصير الأسود بسبب أعمالهم . .

                    الله ربّنا و حتى يدخل الفرح في قلب ابراهيم بشّره بولد من سارة . . ولد اسمه اسحاق . . سيكون نبياً من الانبياء . و سيكون من إسحاق ولد هو الآخر سيكون نبيّاً له شأن .

                    سارة سمعت البشرى فشعرت بالدهشة . . قالت :

                    ـ كيف ألد و أنا عجوز و هذا بعلي شيخاً إنّ هذا لشيء عجيب ؟!

                    الملائكة قالت :

                    ـ لا تعجبي من أمر الله . . ان الله قادر على كل شيء . .

                    وهكذا حدثت المعجزة . .

                    المرأة العجوز التي بلغت التسعين من العمر تنجب صبياً هو اسحاق النبي . . كان انساناً كريماً . .

                    سيدنا ابراهيم ابتهج بمولده لان في سلالته أنبياء كثيرون يحملون رسالة التوحيد و النور للناس جميعاً .

                    فنشأ اسحاق و حمل ميراث ابراهيم . . حمل رسالة الله و كان أميناً في تبليغها مثل كل الانبياء . .

                    وتحققت بشارة الملائكة فقد رزق اللهُ اسحاق صبياً هو يعقوب . .


                    الله سبحانه بارك في آل ابراهيم . . أصبح يعقوب نبياً ، فحمل الأمانة و نهض بحمل الرسالة .

                    وتزوّج سيدنا يعقوب فرزقه الله عشرة بنين : شمعون ، لاوي ، راوبين ، يهوذا ، يساكر ، زوبولون ، دان ، نفتالى ، جادو ، أشير .

                    ثم تزوج سيدنا يعقوب من راحيل ابنة خاله فولد يوسف ثم شقيقه بنامين .

                    و هكذا اصبح لسيدنا يعقوب اثنا عشر ولداً . .

                    عاش آل ابراهيم في أرض فلسطين . . تلك الأرض الطيبة المليئة بالمروج الخضراء و المراعي و أشجار الزيتون .

                    كان سيدنا يعقوب كأبيه اسحاق و جدّه ابراهيم خليل الرحمن كريماً يساعد الفقراء و يكرم الضيوف و الغرباء . .

                    لهذا كان سيدنا يعقوب يذبح في كل يوم كبشاً فيطعم من لحمه الفقراء و يأكل هو و عياله منه .

                    وكان هناك رجل صالح اسمه دميال ، دميال كان رجلاً فقيراً و كان ذلك اليوم صائماً . . لم يكن عنده طعام لافطاره كان ينتظر أن يبعث يعقوب إليه بالطعام . .

                    سيدنا يعقوب كعادته ذبح كبشاً و وزع لحمه على الفقراء و تعشى هو و عياله منه ، و باتوا ليلتهم تلك شباعاً .

                    اما الرجل الفقير دميال فقد نام جائعا و نوى الصوم في الغد .

                    كان دميال ذلك اليوم صائما و ضاعف ألم الجوع أنه لم يجد شيئاً يفطر به في العشاء . . نام جائعاً . . تحمّل آلام الجوع و نام . .

                    الرؤيا :

                    و في تلك الليلة بدأت حوادث القصة المثيرة التي وقعت قبل آلاف السنين .

                    كان يوسف قد بلغ من العمر تسع سنين . . فتى جميل يشع النور من عينيه ، قلبه مفعم بالطهر . .

                    كان جماله يتلألأ في وجهه . . في عينيه التي تشعان صفاءً .

                    من أجل هذا أحبّه أبوه كما لم يحبّ أحداً غيره .

                    سيدنا يعقوب كان يتوسّم فيه النبوّة ربّما يختاره الله نبياً من بعده . .

                    كان يوسف جميلاً ليس في وجهه فقط بل في روحه و اخلاقه و صفاته .

                    عندما يراه المرء يشعر أنه أمام ملاك هبط من السماء لهذا كان محبوباً من الجميع . .

                    وكان أعظمهم حبّاً له أبوه يعقوب . . كان يوسف طاهراً طهر قطرات الندى ، و كانت عيناه صافيتين صفاء السماء و كان وجهه يتألق كالنجوم .

                    من أجل هذا حسده اخوته العشرة . . في البداية حسدوه ثم حقدوا عليه . . و بعدها كانوا يتمنون له الموت ، و ربّما خطّطوا للتخلص منه .

                    في تلك الليلة أغمض يوسف عينيه و هو غافل عمّا يحوك اخوته من دسائس و مؤامرات .

                    ورأى يوسف حلماً عجيباً . . رأى أحد عشر كوكباً و رأى الشمس و القمر . . رأى الجميع يسجدون له . .

                    كان مشهدا رائعاً يبهر الناظر . . شعر يوسف أنّ تلك الكواكب و أن الشمس و القمر لها شعور و ادراك و أنها جاءت بارادتها لتسجد له و تخضع عند قدميه !!

                    أمرٌ عجيب . . تعجّب يوسف . . و أحسّ أن تلك الأجرام السماوية المنيرة تبتسم له و تمجّده .

                    أضاءت الرؤيا قلبه . . و هزّت وجدانه . . و استيقظ يوسف . . و ما تزال الرؤيا تهيمن على مشاعره و أحاسيسه . .

                    كانت الرؤيا تملأ قبله و صدره و كيانه . . و كانت صور الكواكب و الشمس و القمر تتراءى له لكأنها ماتزال ماثلة أمامه .

                    هزّت الرؤيا وجدانه لأنه لا يعرف تفسيرها حار في تعبيرها لهذا جاء الى أبيه و قال :

                    ـ { يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ }.

                    يا أبي رأيتهم اجتمعوا جميعاً ثم سجدوا . . شعرت ان تلك الكواكب كانت تدرك ما تفعل . . شعرت انها تبتسم لي ، ثم سجدت أمامي بخضوع .

                    أصغى سيدنا يعقوب باهتمام الى رؤيا يوسف . . ادرك أن ليوسف شأن في المستقبل . . شأن عظيم . .

                    قال لابنه باشفاق :

                    ـ { يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }.

                    يابني لا تخبر إخوتك بهذه الرؤية العجيبة . . لانهم سوف يحسدونك و قد يوسوس الشيطان في انفسهم . .

                    ان الله سبحنه يا يوسف سوف يختارك لابلاغ رسالته . . و سوف يعلمك تعبير الرؤى و الأحاديث . . سيباركك الله يا ولدي كما بارك آباءك من قبل . . ابراهيم و إسحاق و كما بارك آل يعقوب .


                    المؤامرة :

                    تضاعف الحسد في نفوس الإخوة العشرة . . و ازداد حقدهم على يوسف . . ربما سمعوا بالرؤيا ! أو لعلّهم رأوا حبّ ابيهم يزداد أكثر فأكثر . . .

                    كانوا يذهبون كلّ يوم إلى البوادي لرعي الماشية ، و كانوا يفكرون في شيء واحد فقط هو : كيف يتخلصون من يوسف ؟

                    الشيطان وسوس في نفوسهم فكّروا في قتله . . و لكن كيف ؟!

                    الشيطان وسوس في صدورهم قالوا : نأخذه معنا إلى المراتع ثم نتخلّص منه !

                    وهكذا كانت المؤامرة .

                    مرّت أيام و هم يتظاهرون بحبِّ يوسف . . يبتسمون له و يحبّبون له الذهاب معهم الى الفلاة ، يلعب في تلك المروج الجيملة .

                    كان يوسف بريئاً طيباً و كان طاهراً طهر قميصه الأبيض الجميل .

                    لهذا صدّقهم صدّق حبّهم الكاذب و أحبّ الذهاب معهم الى البادية تلك الأرض الواسعة و الآفاق الجميلة و المروج الخضراء .

                    ولكن سيدنا يعقوب كان يخاف على ولده الغدر كان لا يسمح له بالذهاب .

                    ذات مساء جاء الأخوة العشرة من الفلاة . . ابتسموا ليوسف قالوا له :

                    ما أجمل تلك المراتع و المروج ! ما أجمل تلك الفلوات . . لقد استمتعنا كثيراً و لعبنا كثيراً لماذا لا تأتي معنا يا يوسف ؟

                    يوسف كان يحب الذهاب ، و لكنه أيضاً كان يُطيع أباه و هو لا يفعل شيئاً دون أذنه .

                    أُخوة يوسف العشرة قالوا :

                    سوف نتحدث مع والدنا ليسمح لك بالذهاب معنا . .

                    و فرح يوسف .

                    جلس الجميع حول مأدبة العشاء ، و تناولوا طعامهم بصمت ، و كان الأخوة العشرة وحدهم يتبادلون نظرات ذات معنى .

                    كانوا قد نسجوا مؤامرة دنيئة كما تنسج العنكبوت بيتها المخيف .

                    في البداية ابتسموا و تظاهروا بحبّ يوسف و قالوا لأبيهم :

                    ـ { يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ }.

                    نحن نحبّ يوسف يا أبانا . . نحبّه كثيراً .

                    { أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } .

                    يا أبانا دعه ينطلق معنا في الغد إلى المراتع ليلعب و يلهو . . سنحافظ عليه و نردّه سالماً .

                    كان يعقوب لا يرغب بذهاب يوسف مع أخوته انهم يحسدونه و قد يخدعهم الشيطان فيغدروا به .

                    لهذا قال لهم بحزن :

                    ـ { إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ }.

                    يا أولادي أنا أُحبُّ يوسف . . انه ما يزال صغيراً و قد تغفلوا عنه و الذئاب كثيرة فيفترسه ذئب .

                    قال أبناؤه العشرة :

                    ـ نحن عشرة فتيان فكيف يأكله الذئب ؟! سنحافظ عليه كالرجال الاقوياء ، و { لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَّخَاسِرُونَ }.

                    و أقسم الأخوة العشرة على أن يحافظوا على يوسف حتى يردّوه سالماً .

                    سكت يعقوب ( عليه السلام ) و لم يقل شيئاً و أدرك الجميع انه قد رضي بقضاء الله .


                    الذئاب البشرية :

                    طلع الفجر و استعدّ الاخوة العشرة للانطلاق الى البوادي البعيدة حيث المروج الخضراء و الفلوات و النسائم الطيبة .

                    و جاء يوسف مبتهجاً بذهابه معهم .

                    كانوا يبتسمون له فتضاعف حبّه لهم . كان يوسف مثل ملاك ليس في قلبه الطاهر سوى المحبّة و الرحمة و الطيبة .

                    و هكذا انطلق الجميع يسوقون الماشية .

                    وعندما أمعنوا في الفلاة و غابت عن العيون مضارب الخيام غابت تلك الابتسامات الكاذبة . . ذابت كما يذوب الملح في المياه .

                    جاء يهوذا و صفع يوسف بشدّة و صاح به :

                    ـ اسرع يابن راحيل !

                    تعجب يوسف لهذه العمل . . نظر إلى أخيه بدهشة . . تصوّر انه يمزح معه . . و لكن لا إنّ عينيه تبرقان بالشرّ ، و قد ظهرت أسنانه مثل أنياب ذئب متوحش . .

                    شعر يوسف بالخوف . . و أسرع في مشيه . . فوجئ بركلة من أخ آخر !! سقط على وجهه و نظر ألى من ركله كان شمعون .

                    قال يوسف بألم !:

                    ـ لماذا يا شمعون ؟ أنا أخوك . . أنا ابن يعقوب .

                    صاح راوبين :

                    ـ اسكت لا تتفوه أبداً أنت ابن راحيل . .

                    بكى يوسف خنقته العبرة قال لهم :

                    ـ انا أخوكم . . انا يوسف .

                    تحلّقوا حوله جميعاً و صاحوا :

                    ـ بل أنت عدوّنا . . عدوّنا الذي استحوذ على قلب يعقوب .

                    برقت العيون بالشرّ و استلّ أحدهم خنجره ليقتله ركض يوسف لا يدري أين يذهب . . .

                    ركضوا وراءه و امسكوا به . . انهالوا عليه بالضرب . . نزف من أنفه الدم .

                    تبادل الاخوة العشرة النظرات . .

                    قال أحدهم :

                    ـ ماذا تنتظرون . . هذه فرصتنا للتخلّص منه .

                    قال آخر بصوت يشبه فحيح الافاعي :

                    ـ لنأخذه الى مكان بعيد و نرميه . . و هناك تفترسه الذئاب و تريحنا منه .

                    اعترض بعضهم قائلاً :

                    ـ و ربّما استطاع العودة فيفضحنا أمام أبينا .

                    قال شمعون :

                    ـ اصغوا اليّ . . نذهب به الى طريق القوافل . . هناك بئر عميقة الغور . . نلقيه في البئر . . فامّا أن يموت فيها أو تنتشله القوافل و تأخذه بعيداً سوف يباع و يشترى مثل كل العبيد .

                    اصغى الجميع باهتمام الى خطة شمعون ، و برقت العيون بتلك المؤامرة الدنيئة .

                    تحوّل الأخوة الى ذئاب لا تعرف غير الغدر ، و ظلّ يوسف ينظر الى أخوته بدهشة . . تصوّر في حلم مخيف . . و لكن . . لا لا . . انها الحقيقة . . ان اخوته يتآمرون عليه منذ وقت طويل .

                    و أخيراً تمكّنوا من تحقيق هدفهم . . جاءوا به الى هذه الصحراء حتى لا يشاهدهم أحد . . و حتى لا يعرف أحد ماذا فعلوا بيوسف !!

                    نظر يوسف الى السماء . . تساءل في نفسه . . ألا يدري إخوته ان الله يراقبهم جميعاً و يعرف حتى أسرارهم ؟!

                    سمعهم يقولون :

                    ـ سوف نتوب من فعلتنا و نصبح قوماً صالحين !

                    في أعماق البئر :

                    يوسف حتى تلك اللحظة لم يصدّق ما يفعله أخوته به . .

                    ولكن عندما وجد نفسه على حافّة البئر ادرك ان الشيطان قد تمكّن من أخوته ، و قد تحولوا الى ذئاب بشرية لا رحمة في قلوبها .

                    جرّدوه من قميصه الذي أهداه ابوه اليه . . قميصه الأبيض الجميل . .

                    كان يوسف يهتف بهم :

                    ـ أنا أخوكم . . أريد أن أعود الى أبي و أمّي و خيمتي . . أنا أحبكم يا أخوتي لماذا تفعلون بي هكذا . . احقاً تلقوني في هذا البئر المظلم . . شمعون .. راوبين . . يهودا ؟!

                    راح يوسف يناديهم باسمائهم . . و لكن لا أحد في قلبه رحمة لأخيه . .

                    اندفع بعضهم و راح يركله بقوة و أخيراً ضعفت مقاومته و لم يستطع أن يتشبث بحافة البئر فهوى الى الأعماق المظلمة . .

                    الهواء داخل البئر كان رطباً و الفضاء كان مظلماً و كان يوسف ينظر الى فوهة البئر . . كان ينظر السماء الزرقاء الصافية .

                    شعر يوسف ان قلبه يمتلأ بالنور و أن ملاكاً يحدّثه بهدوء يقول له : اصبر يا يوسف . . لسوف تخرج من هذه البئر و سوف تخبر اخوتك هؤلاء بما فعلوا بك . .

                    غادر الخوف قلب يوسف . . لقد كان مؤمناً بالله و كان واثقاً بان ما حصل هو امتحان له . . لهذا صبر يوسف و كان ينتظر ما يجري بهدوء .

                    الصمت يغمر المكان . . يوسف هو الآن في البئر جالس فوق الصخرة التي ينبع من تحتها الماء . .

                    كان ينظر السماء و شيئاً فشيئاً تلاشت الزرقة . . ادرك ان الشمس قد غابت و أن إخوته سيعودون . . فبكى من أجل ابيه . . و نام يوسف . . .

                    الحزن الطويل :

                    غابت الشمس و ما يزال الإخوة العشرة يفكرون بعذر مقبول يقدّمونه الى أبيهم . .

                    قال أحدهم ان الأرض مليئة بالذئاب . . فنقول له ذهبنا نتسابق و تركنا امتعتنا عند يوسف فجاء الذئب و افترسه . . ثم نعطيه قميص يوسف بعد أن نلطخه بالدم .

                    في ذلك اليوم انجبت نعجة حملاً صغيراً . . و حتى لا يشك بهم أبوهم ذبخوا الحمل الصغير أمام أمّه دون رحمة . . و لطخوا قميص يوسف بدمه . .

                    وهكذا عادوا الى أبيهم . .

                    كان الظلام قد غمر الارض . . اختاروا العودة في الظلام حتى لا يرى يعقوب علامات الكذب في وجوههم .


                    كان سيدنا يعقوب واقفاً ييتظر عودة أبنائه من بعيد سمع أصوات الماشية وسمع صوت بكاء . .

                    وشيئا فشيئاً لاح له أبناؤه . . ولكن يوسف لم يكن معهم جاءوا جميعهم إلاّ يوسف . .

                    رآهم يبكون بصوت عال . . يبكون بلا دموع . .

                    سأل يعقوب :

                    ـ أين أخوكم يوسف ؟

                    أزداد بكاؤهم . . و قدَّم شمعون قميص يوسف المطلخ بدماء المؤامرة الدنيئة ، قال لأبيه :

                    ـ ذهبنا نتسابق و تركنا أمتعتنا لدى يوسف . . فجاء ذئب و افترس يوسف . . وجدنا قميصه الدامي . . يا أبانا لقد أكل الذئب يوسف في غفلة منا .

                    فنظر يعقوب الى القميص كان سالماً ليس فيه شق واحد ، أدرك ، يعقوب انهم يكذبون عليه . .

                    قال و هو يبكي :

                    ـ ما أرأف ذلك الذئب . . أكل حبيبي يوسف و لم يشق له قميصاً !!

                    تبادل الاخوة العشرة النظرات . . قالوا في أنفسهم ما أغبانا كيف غفلنا عن هذا الأمر لو أننا مزقنا القميص لصدقنا أبونا .

                    ولكنهم و بدل أن يعترفوا بجريمتهم قالوا :

                    ـ أنت لا تصدقنا يا أبانا . . مع اننا لا نكذب أبداً . لقد أكل الذئب يوسف ، و هذا قميصه الدامي !

                    بكى يعقوب هملت عيناه بالدموع و قال :

                    { بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ }.

                    قال يعقوب سأصبر سأتحمل و أنا اعرف أنَّّ نفوسكم قد وسوست لكم .

                    في تلك الليلة لم ينم سيدنا يعقوب كان يفكر في شيء واحد فقط هو : اين يوسف ابنه الطاهر . . ولده الطيب المبارّ ؟ و منذ تلك الليلة بدأ حزن يعقوب الطويل .

                    لؤلؤة في البئر :

                    الله سبحانه لم يترك يوسف وحيداً ، هو مع كل الناس الطييبين . . كان يوسف حزيناً و لكن كان صابراً يعرف إن ما حدث هو امتحان له . . لهذا كان ينظر الى السماء و يتمتم بكلمات الحمد .

                    رأى يوسف في عالم الرؤيا أحد عشر كوكباً و رأى الشمس و القمر رآهم يهبطون الى داخل البئر ، فامتلأ نوراً . . رآهم يبتسمون له و يسجدون احتراماً و اجلالاً . .

                    واستيقظ يوسف من غفوته . . و تطلّع الى السماء الزرقاء . . رأى سرباً من الطيور البيضاء المهاجرة . . فدمعت عيناه من أجل أبيه .

                    مرّت ثلاثة ايام و يوسف في داخل البئر . . مثل لؤلؤة في أعماق البحر . . مثل لؤلؤة في أعماق الظلمة لا أحد يعرف إنّ في هذه البئر لؤلؤة ما خلق الله منها . . انها روح يوسف ذلك الفتى الطاهر الجميل . . لا أحد يعرف ذلك إلاّ الله سبحانه .

                    ثلاثة أيام و يوسف لا يأكل شيئاً . . كان يكتفي بشرب الماء . . يوسف تعوّد الصوم كان يصوم مع أبيه . . فتحمل آلام الجوع بصبر .

                    من أجل هذا كانت روحه شفافة طاهرة . . مثل اجنحة الطير البيضاء المهاجرة .

                    القافلة :

                    مرّت ثلاثة أيام على يوسف و هو في البئر لم يسمع خلالها سوى عواء الذئاب و هي تجوب الفلاة .

                    وفجأة سمع أصوات غريبة ! أرهف سمعه جيداً نعم انها قافلة تجارية . . عرف ذلك من وقع خطى الجمال و أصوات الرجال .

                    توقفت القافلة قريباً من البئر . . و أرسل التجار " الوارد " ليستقي من البئر . .

                    ألقى الرجل دلوه الى اعماق البئر كان يوسف ينتظر هذه اللحظة . . كان الحبل هو حبل نجاته و خلاصه من البئر ، تدفق نبع من الفرح في قلبه ! ان الله لا ينسى عباده فانقذه من هذه البئر المظلمة .

                    مثل لؤلؤة تخرج من صدفة خرج يوسف من البئر . . مثل قمر يشق طريقه وسط الظلام سطع وجه يوسف و أضاء المكان . .

                    حتى " الوارد " لم يخف من المفاجأة . . صاح :

                    يا بشرى هذا غلام . . يا للفرحة . .

                    تجار القافلة ظنوا أن يوسف عبداً من العبيد الآبقين فرّ فسقط في هذه البئر . .

                    لهذا لم يسألوه عن قبيلته و أصله و قصّته . . جعلوه ضمن البضائع التي سيبيعونها في مصر .

                    مصر :

                    استأنفت القافلة طريقها الى مصر . . و بعد اثني عشر يوماً وصلت مصراً ، و هناك بدأ فصل جديد من قصّة يوسف .

                    يوسف هو الآن في مصر حيث يخترق نهر النيل تلك الأرض و يهبها الخصب .

                    يوسف ما يزال حتى الآن صغيراً ألقت به المقادير في تلك الأرض . . أصبح بضاعة يريد التجار بيعها في مصر .

                    يوسف تعلم الصمت . . و لكن قلبه ملئ بالحب . . بحب الله سبحانه الذي أحسن اليه .

                    التجار خافوا من سكوته . . خافوا إذا ما تكلم و قال انه ليس عبداً لهم لهذا أرادو بيعه و لو بمبلغ زهيد .

                    رأى يوسف نفسه في أرض جديدة ، ارض لم يرها من قبل ، رأى نهر النيل القادم من الجنوب . . و رأى فيه الزوارق تنساب فوق مياهه النيلية . . و رأى الفلاحين ينقلون المياه بالدلاء لري حقولهم و مزارعهم .

                    عرضت القافلة بضائعها من خشب و فضة ، و عرضت أيضاً يوسف ، كان هَمُّ التجار بيعه حتى لو بثمن زهيد . .

                    في ذلك اليوم جاء العزيز و هو المسؤول الأعلى عن أمن مصر ، و تفقد بنفسه القافلة . .

                    رجال الحرس يحفون بالعزيز و هو يستعرض البضائع و التجار و وقعت عيناه على يوسف . . تساءل عن ذلك الفتى البهي الوجه . .

                    قالوا له انه غلام للبيع . .

                    تساءل عن ثمنه فقالوا : نبيعة بعشرين درهماً فقط .

                    نقدهم العزيز الثمن و كانوا فرحين . . فباعوه و كانوا فيه من الزاهدين .


                    و هكذا انتقل يوسف الى قصر كبير تحوطه الحدائق ، فهو قصر عزيز مصر الرجل الثاني في الدولة .

                    دخل يوسف القصر و وقعت عيناه على سيدة حسناء عرف انها زوجة العزيز و صاحبة القصر المنيف .

                    قال العزيز لزوجته " أكرمي مثواه " انه فتى اتوسّم فيه الخير ربّما ينفعنا " أو نتخذه ولداً " نحن محرومون من الولد فلنتخذ من يوسف ليكون ولدنا .

                    نظرت " زليخا " الى يوسف . . كان فتى بهي الطلعة مشرق الوجه يشعّ من عينيه الصفا . . لكأنه ملاك هبط من السماء .

                    في ذلك اليوم اغتسل يوسف في الحمام و ارتدى حلّة جديدة حلّة مصنوعة من خيوط الكتّان كانت أرق من الحرير .

                    كان المصريون في ذلك الزمن يزرعون الكتان و ينسجون من خيوطه أنواع الثياب و الحلل .

                    كان يوسف يعيش سيداً في القصر ، و مع ذلك فقانون البلاد يعتبره عبداً للعزيز و زوجته لأنه مِلك لهما .

                    و هكذا عاش يوسف في واحد من أجمل و أكبر القصور المصرية .

                    و لكن هل كان يوسف سعيداً بحياته الجديدة ؟ كلاّ .

                    كان يحنّ الى أبيه و الى تلك البوادي . . هناك يعيش ناعم البال يعبد الله وحده و لا يشرك به شيئاً .

                    أما هنا فالناس يعبدون الأوثان و يعبدون الملك أيضاً .

                    ومع ذلك عاش يوسف صابراً مؤمناً بالله و بانبيائه إبراهيم و إسحاق و يعقوب .

                    عاش يوسف و كان قلبه يمتلأ كل يوم بالايمان ، و كان الصفاء يشّع من عينيه أكثر فأكثر .

                    كلُّ الناس أحبّوه . . أحبّوا فيه صفاءه و شهامته و أخلاقه ، و هو أيضاً كان يحبّ الناس يريد لهم الخير . . يساعد الفقير و البائس فاذا رأى فلاحاً متعباً ساعده أو رأى عاملاً عجوزاً هبّ الى إعانته .

                    هكذا عاش يوسف كان يكبر كل عام و كانت روحه تكبر كل يوم و قلبه يكبر و يكبر ، و يتدفق رحمة و طيبة .

                    وتمرّ الأعوام حتى إذا بلغ اشدّه و بلغ من العمر ثمانية عشر سنة أضاءت في قلبه الحقيقة . . أصبح يشعر بها أكثر فأكثر ، تضيئ مثل الشمس و النجوم .

                    كان يوسف مؤمناً بالله . . لا يحبّ أحداً مثل حبّه لله . . لا يخاف من أحد خوفه من الله . . و لا يهاب أحداً غير الله .


                    الامتحان الصعب :

                    هو الآن في عنفوان الشباب . . يعيش في قصر كبير منيف و لكن ذلك لم يلوّث روحه الطاهرة . . ظلّت نفسه بيضاء مثل أجنحة الحمام الأبيض .

                    في القصر الكبير بدأت محنة يوسف ، كل الذين يعرفون يوسف كانوا يحبّونه . . و لكن بعض الذين أحبّوه لم يكن حبهم إلاّ محنة ليوسف . .

                    عاش يوسف في ذلك القصر المنيف و كانت سيّدة القصر إمرأة حسناء يهابها الجميع .

                    كان اسمها " زليخا " .

                    " زليخا " أحبّت يوسف ، عشقته . . و لكنها لم تعشق روحه الطاهر عشقت جماله و حسنه .

                    لهذا أرادت من يوسف أن يكون لها .

                    اصبح يوسف أمنيتها في الحياة . . لاتفكر ألاّ فيه حتى " شغفها حباً " .

                    تنظر اليه بحب و عشق و تتحدّث معه بلهجة الأسير الذليل . . تتقرّب اليه .

                    امّا يوسف فكان يهرب . . انه لا يريد لروحه أن تسقط في وحل الرذيلة . . يريد أن يبقى طاهراً مثل قطرة الندى و أن تبقى روحه شفافة بيضاء مثل اجنحة الحمام .

                    وهكذا بدأت محنة يوسف . . زليخا تريد منه أن يخون . . يخون العهد مع ربّه و يخون نفسه البيضاء . . و هو يريد منها الوفاء و الطهر و العفاف .

                    لهذا كان يفرّ منها . . كان يهرب من الخطيئة . . امّا هي فكانت تزداد به تعلّقاً . . و كانت تفكر بوسيلة تخضعه بها .

                    و ذات يوم خلا القصر إلاّ من زليخا و يوسف ، كانت زليخا تنتظر مثل هذه الفرصه . . و كان يوسف يقوم ببعض أعماله فاذا به يرى زليخا تغلق أبواب القصر بإحكام . . ثم تهمس به قائلة :

                    ـ "هيت لك ".

                    و أدرك يوسف ما تريد فهتف مستنكراً :

                    ـ " معاذ الله . . انه ربّي أحسن مثواي ".

                    و لكن زليخا ـ و قد تأجج في نفسها الغرام ـ حاولت إرغامه ، امّا هو فكان يزداد تمنّعاً . . كان يفرّ منها هنا و هناك في أروقة القصر . .

                    وشيئاً فشيئاً هدأ يوسف لا يدري كيف يتخلّص من هذه المحنة ؟ . امّا هي فتصورت أن يوسف قد رضخ لارادتها . . حانت منها التفاتة الى صنم في القصر . . فشعرت بالخجل من نفسها . .

                    لهذا القت ملاءة على وجه الصنم . . و رأها يوسف ، قال لها :

                    ـ ماذا تفعلين ؟!

                    قالت :

                    ـ انني أخجل من الهي أن يراني بهذه الحال ! و هنا انتفض يوسف هتف بشدّة :

                    ـ اتستحين من حجر لا يفقه شيئاً ، و لا أستحي من ربّي و الهي و سيّدي الذي خلقني و أكرمني ؟!

                    قال يوسف ذلك و فرّ باتجاه الباب ، و لكن زليخا أسرعت خلفه و تشبثت بقميصه فانشق القميص و امسك يوسف بمقبض الباب وفتحه . . و في هذه اللحظة وجدا السيّد في الباب يريد الدخول .

                    كانت زليخا في قمّة الهياج و كانت تريد الانتقام من يوسف و تبرئ نفسها فقالت :

                    ـ { مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }.

                    ولم يكن أمام يوسف إلاّ أن يدافع عن نفسه فقال :

                    ـ { هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي } .

                    و حار العزيز ماذا يفعل ؟! و تساءل في نفسه عن صاحب الحق . .

                    و كان مع العزيز رجل آخر هو ابن عم زليخا فقال :

                    أُنظر الى قميص يوسف فان كان مشقوقاً من الصدر فان زليخا مع الحق . . و ان كان القميص مشقوقاً من الظهر فقد صدق يوسف .


                    و نظر العزيز الى قميص يوسف فرآه مشقوقاً من الظهر ، فأدرك الحقيقة . . التفت الى زوجته . . و قال :

                    ـ { إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } .

                    وقال ليوسف :

                    ـ { أَعْرِضْ عَنْ هَذَا } لا تحدّث به أحداً .

                    و طلب العزيز من زوجته أن تستغفر قائلاً :

                    ـ { وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ } .

                    و انتهى كل شيء . . عادت الحياة الى مجاريها مرّة أخرى . . و لكن زليخا لم تكفّ عن مضايقة يوسف . . راحت تهدّده بالسجن و العذاب اذا لم يستجب لها . . أصبح يوسف كلّ حياتها . . حتى انها ترفض اللقاء بأيّ انسان حتى صديقاتها في المدينة لم يعد يرنها بعد ذلك .

                    و شاعت القصّة بين النساء . . و تعجبت بعض النسوة من زليخا كيف تحبّ فتاها و تراوده عن نفسه و هي سيّدة البلاد .

                    الملاك :

                    سمعت زليخا بما يجري في المدينة انّ نساءها يسخرن منها . . و فكرت أن تفعل شيئاً يسكتهن .

                    أرسلت زليخا وراء صديقاتها و كُنَّ من عليَّه القوم . .

                    و ما أسرع أن لبّت النسوه دعوة زليخا فجئن الى قصرها المنيف .

                    كانت زليخا قد أعدّت لهن وسائد وثيرة . . و جلست النسوة في حضرة زليخا ساكتات . . و جاء الخدم يحملون أطباق الفاكهة . .

                    و بدأت الأحاديث ، و دعت زليخا صديقاتها الى تناول الفاكهة . .

                    كل واحدة أخذت سكّيناً لتقشّر الفاكهة . . و كن مستغرقات في احاديثهن حتى نسين لماذا جئن .

                    و في تلك اللحظات أشارت زليخا الى أحد الخدم و أمرته باستدعاء يوسف حالاً .

                    و جاء يوسف . . و حدث شيء رهيب . . وقف يوسف أمام زليخا امتثالاً لسيّدة القصر . . كان يرتدي حلّة جميلة . . و أضاء المكان وجهه الجميل الذي يشع صفاءً و إيماناً .

                    بدا يوسف في تلك اللحظات ملاكاً يشّع بالنور و شدهت النسوة لمنظره . . لم تكن النسوة ليتصوّرن جمالاً بهذا السموّ . .

                    إن جمال يوسف من النوع الآسر . . و حدث شيء في نفوسهن . .

                    ذهلن عن انفسهن و رحن يقطعن ايديهن بالسكاكين دون وعي . .

                    لقد هيمن يوسف على القلوب كان جماله ملائكياً شّفافاً يتدفق صفاءً و نوراً و هتفت النسوة :

                    ـ { حَاشَ لِلّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ } !!

                    تضاعفت محنة يوسف . . و هو يرى ما حلّ بالنسوة و اصغى لما تقوله زليخا لهن :

                    ـ { فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ } .

                    ولم يبق أمام يوسف غير طريقين أن يستجيب لنداء الشيطان . . أو السجن . .

                    و نظر يوسف الى السماء و قال بخشوع :

                    ـ { رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ } .

                    ان يوسف يفضّل السجن و العذاب على تلك الحياة الملوّثة الفاسدة .

                    من أجل هذا استغاث بالله في أن ينقذه من شرور الشيطان :

                    ـ { وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ } .

                    يوسف الذي أضاءت قلبه أنوار السماء لا يمكن أن يُصغي الى وسوسة الشيطان . . حتى لو تعذّب في سبيل ذلك حتى لو أُلقى في السجن .


                    الله سبحانه استجاب دعوة يوسف . . لقد رأى العزيز أن يضع حدّاً للشائعات الكثيرة و أن يلقي يوسف في السجن مدّة من الزمن ريثما تهدأ الأمور .

                    و هكذا سيق يوسف بلا جريرة و لا ذنب الى السجن ، و رأى السجّان يوسف فتأثر بأخلاقه و صفاته و قال له :

                    أنا احبّك يا يوسف انك انسان طيب و من الظلم ان يسجنوك .

                    و تأثر يوسف انه لا يريد حبّاً غير حبّ الله فكم تجرّع الغصص من هذا الحب لهذا قال يوسف للسجّان :

                    ـ لا تحبني فان عمّتي احبتني فنسبت اليّ السرقة ، و أبي أحبّني فحسدني أُخوتي و ألقوني في الجبّ ، و امرأة العزيز احبتني فألقوني في السجن .

                    السجن :

                    يوسف هو الآن في السجن . . الأيام تمرّ و الشهور تمضي و يوسف في السجن يتحمّل كلّ ذلك العذاب من أجل أن يبقى طاهراً .

                    و تشاء الأقدار أن يدخل السجن رجلان . . كانا من عبيد الملك غضب عليهما فألقاهما في السجن . . و هناك يتعرّفان على يوسف و يتأثران بشخصيته .

                    و سأل كلٌ صاحبه عن عمله قال أحدهما :

                    ـ أنا ساقي الملك أُقدّم له الشراب .

                    و قال الآخر :

                    ـ و أنا طباخ الملك .

                    سألا يوسف عن صنعته فقال :

                    ـ إنني أعبّر الاحلام و أفسرّ الرؤيا . .

                    و هكذا تمرّ الأيام و كان في السجن أُناس كثيرون . . و كان يوسف يتفقدهم جميعاً و يرفق بهم ، و يتفقد طعامهم و منامهم ، فعُرف بين السجناء بالاحسان و المحبّة للناس .

                    و ذات ليلة و كان السجناء نائمين جميعاً رأى ساقي الملك حلماً . . رأى نفسه يعصر عنباً ، و رأى طباخ الملك هو الآخر حلماً عجيباً رأى نفسه يحمل خبزاً فوق رأسه و جاءت الطيور فحطّت و راحت تأكل من ذلك الخبز !

                    في الصباح و عندما استيقظا حدّث كل منهما الآخر بما رأى من حلم .

                    ولم يعرفا تفسير حلميهما ففكّرا أن يسألا يوسف فقال أحدهما :

                    ـ { إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا }.

                    وقال الآخر :

                    ـ { إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ }.!

                    ـ { نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ } .

                    الله سبحانه وهب يوسف قدرة عجيبة على تفسير الأحلام إنه يعرف تلك الاشارات و يفكّ رموزها لكأنه ينظر إلى حقائق لا أحلام !

                    الدعوة الى الله :

                    إغتنم يوسف هذه الفرصة ليدعوهما الى عبادة الله وحده لا شريك له . . أراد أولاً أن تزداد ثقتهما به فقال :

                    إنني اعرف حتى نوح الطعام الذي سيأتي به السبحّان اليكما لقد آتاني الله العلم . . لأني تركت عبادة الوثنين و عبدت الله و حده لا شريك له . .

                    انني أتبع دين آبائي إبراهيم و إسحاق و يعقوب .

                    انها نعمة أنعم بها الله علينا أهل البيت و على الناس ، و لكنّ اكثر الناس لا يشكرون .

                    كان الرجلان يصغيان الى كلمات يوسف التي تنفذ في القلب .

                    قال يوسف :

                    ـ يا صاحبيّ . . أيهما أفضل أن نعبد آلهة شتّى لا علاقة لأحد بالآخر و لا حول لها و لا قوّة أم نعبد الله الواحد القهّار ؟!

                    الله وحده هو الاله و باقي الأشياء التي تعبدونها مجرّد أسماء و تماثيل لا قيمة لها و لا سلطان . . القوّة وحدها لله سبحانه . إن ديني هو دين التوحيد الخالص . .

                    سكت يوسف لحظات ثم قال :

                    ـ يا صاحبي ! إنّ احدكما يعود الى عمله فيعصر العنب للملك و يسقيه . . و أما الآخر فانه سيصلب . . وسيترك على الصليب حتى تأكل الطير من رأسه .

                    شعر الرجل الذي رأى الطيور تأكل الخبز فوق رأسه بالخوف و قال :

                    ـ انني لم ار شيئاً لقد كذبت عليك .

                    اجاب يوسف :

                    ـ { قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ }.

                    والتفت يوسف الى ساقي الملك و قال له :

                    ـ { اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ }.

                    و في اليوم التالي جاء السجّان و أخرج الرجلين من السجن . .

                    ذهب الساقي الى الملك و عاد الى عمله . . امّا الطباخ فقد نفذّ فيه حكم الاعدام صلباً و ترك على الصليب .


                    كان ساقي الملك قد وعد يوسف بانه سيذكره عند الملك سيقول أنه مظلوم . . و أنّه سجن دون ذنب . .

                    ولكن الساقي نسي وعده . . لهذا ظلّ يوسف في السجن عدّة سنوات تحمّلها يوسف بصبر و ايمان بان الله لن ينساه أبداً .



                    رؤيا الملك :


                    ذات ليلة و عندما أوى الملك الى فراشه رأى في عالم المنام رؤيا عجيبة .

                    رأى سبع بقرات سمان جميلة المنظر يمرحن في العشب الاخضر على شاطئ النهر . . فجاة ظهرت سبع بقرات هزيلات قبيحات المنظر . . تقدمن نحو البقرات السمان و افترسنها جميعاً .

                    هبّ من نومه مذعوراً و جفف عرقه ثم نام فرأى حلماً آخر . . رأى سبع سنابل خضراء اللون زاهية ممتلئة بالحبّ ، و رأى الى جانبها سبع سنابل يابسة فارغة . . السنابل اليابسة ابتلعت السنابل الخضراء الجميلة . .

                    مرّة أخرى هبّ الملك من نومه و أقلقته الرؤيا . . فأرسل و راء رجال دولته و عقد معهم إجتماعاً .

                    تحدّث الملك عن رؤياه العجيبة . . حدّثهم عن البقرات العجاف التي طلعت من الشاطئ و ابتعلت البقرات السمان . . و حدّثهم عن السنابل الخضراء التي ابتلعتها السنابل العجاف . .

                    و فكّر رجال الدولة في رؤيا الملك . . و لكن دون جدوى .

                    الساقي كان يملأ أقداح الخمر . .

                    كل رجال الدولة قالوا : إنّها أضغاث أحلام . . إنّها مجرد أحلام لا معنى لها . .

                    و عندما رأوا الملك مهموماً قالوا :

                    ـ ما نحن بتفسير الاحلام بعالمين . .

                    فجأة و في تلك اللحظات . . و بينما كان الملك يبحث عن تفسير لرؤياه هتف الساقي :

                    ـ { أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ }.

                    الملك تعجب من الساقي ، و لكن الساقي أخبر الملك بما حدث له قبل سنوات يوم كان في السجن و رأى مع صاحبه الخبّاز تلك الرؤيا . . يوسف هو الذي فسّر لهما الرؤيا . . فجاء تفسيره صادقاً ينبئ بالحقيقة .

                    الملك أرسل الساقي الى يوسف . .

                    الآزمة الاقتصادية :

                    جاء الساقي الى السجن و دخل على يوسف و قال له :

                    يوسف ايها الصدّيق ! أفتنا في رؤيا الملك . . انه يرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف ، و سبع سنبلات خضر و أُخر يابسات . . ما هو يا ترى تفسيرها أخبرني يا يوسف ؟! لكي أعود فأخبر الملك و رجال الدولة . .سيعلمون منزلتك و صدقك .

                    و رأى يوسف الحقائق واضحة لقد آتاه الله تأويل الرؤى و الأحلام الصادقة . . لهذا قال يوسف و هو يحذّرهم من الأزمة الاقتصادية القادمة !

                    ـ { تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ }.

                    و انطلق الساقي يحمل الى الملك و رجال دولته كلمات يوسف الصدّيق .

                    وقف الساقي أمام الملك و أخبره بكل التفاصيل .

                    فوجيء الملك و قال في نفسه :

                    ـ معنى هذا ان النيل سيفيض بالمياه سبع سنوات قادمة ثم تكفّ السماء عن المطر سبع سنوات أخرى ، فينتشر القحط و الجفاف و الجماعة و ينخفض منسوب المياه في النيل .


                    و لكن يوسف لم يفسّر الرؤيا فقط بل وضع خطّة لتجاوز الأزمة الاقتصادية ، قال لهم : ازرعوا خلال السنوات السبع الأولى باستمرار و اجتهدوا في عملكم . . و أجمعوا الحصاد في مخازن خاصّة ، و اقتصدوا في الطعام .

                    حتى إذا جاءت سنوات الجفاف تكون المخازن ممتلئة بسنابل القمح . . و سيكفي المخزون في إطعام أهل مصر .

                    و عندما تنتهي سنوات القحط يأتي عام جديد مواسمه مليئة بالخير و المطر .

                    أدرك الملك انه يملك كنزاً كبيراً اسمه يوسف . . يوسف الذي يعاني السجن منذ سنين طويلة .

                    لهذا أصدر أمراً بالافراج عنه و قال :

                    ـ ائتوني به .

                    و جاء ساقي الملك الى السجن للافراج عن يوسف . .

                    هل فرح يوسف بالحرّية ؟ كلاّ لقد رفض الخروج من السجن و قال :

                    ارجع الى الملك و اسأله عن النسوة اللاتي قطّعن ايديهين . . ان ربّي بكيدهنّ عليم .

                    عاد الساقي الى الملك و أخبره بموقف يوسف قال له :

                    ـ ان يوسف لا يخرج من السجن حتى تثبت براءته . . يقول : ليسأل الملك النساء لماذا قطّعن أيديهن ؟! و أنّ العزيز يعرف انني برئ .

                    استدعى الملك النسوة و كانت معهن إمرأة العزيز نفسها . .

                    و سألهن الملك قائلاً :

                    ـ ما خطبتكن إذا راودتن يوسف عن نفسه ؟!

                    أجابت النسوة جميعاً وهنَّ يعترفن ببراءة يوسف من جميع التهم الباطلة :

                    ـ حاش لله ما علمنا عليه من سوء . . انه برئ من كل ما نسب اليه . . انه طاهر . . مثل قطرات الندى .

                    و ظهرت براءة يوسف ، و اعترفت امرأة العزيز قائلة :

                    ـ لقد ظهرت الحقيقة . . انا التي راودته عن نفسه . انه صادق في كل ما يقول . .

                    الملك أُعجب بنزاهة يوسف . . بأمانته بعلمه و حلمه و صبره و بكل صفاته . . لهذا قال :

                    ـ ائتوني به استخلصه لنفسي .


                    ظهرت براءة يوسف . . مثلما تظهر الشمس . . و أفرج عنه ليخرج من السجن . . كما تخرج اللؤلؤة من أعماق بحار مظلمة .

                    دخل يوسف على الملك . . تحدّثا معاً . . ازداد اعجاب الملك به . . انه يقف أمام انسان عالم . . في قلبه روح كبيرة . . و في صدره علوم كثيرة .

                    الملك قال ليوسف :

                    ـ انك اليوم لدينا مكين أمين .

                    لقد أصبح يوسف شخصية كبيرة في البلاد . . و لكن يوسف لم يفكر إلاّ في شيء واحد هو أن ينقذ مصر من الكارثة الإقتصادية القادمة ، لهذا قال :

                    ـ اجعلني على خزائن الأرض انّي حفيظ عليم .

                    كان يريد أن ينظم شؤون الزراعة و الري و خزن المحاصيل استعداداً لسنوات الجفاف و القحط .

                    و وافق الملك على الفور . . فأصبح يوسف سيّد مصر كلّها ، لقد صبر يوسف . . صبر على كل شيء . . كان مؤمناً بالله فظلّ قلبه طاهراً يملأه الايمان . . الله سبحانه شمله برحمته فانقذه من البئر و من الانحراف و من السجن ، ثم جعله سيّداً لبلاد كبيرة هي مصر .

                    الزراعة :

                    مصر هي هبة النيل . . الناس في قديم الزمان ، و قبل آلاف السنين يرتادون نهر النيل لري حقولهم و مزارعهم بطريقة بدائية . . جاء يوسف الصديق ( عليه السلام ) الى الحكم فنشطت حركة الزراعة ، و أدخل تحسينات على طريقة الري . .

                    كانوا يعتمدون الدلاء في ري الحقول . . فجاء يوسف ( عليه السلام ) و استخدم طريقة الأحواض على الشاطئ ، فعندما يفيض النيل تمتلئ الأحواض دون جهد من الفلاحين . . و تبقى مليئة بالمياه . . و من الأحواض تتفرع القنوات لتسقي الحقول و المزارع . فازدهرت الزراعة و ازداد الانتاج .

                    و أمر سيدنا يوسف ( عليه السلام ) ببناء مخازن للحبوب . . فكان يدّخر المحاصيل إلاّ ما يكفي حاجة الناس في غذائهم اليومي .

                    سبعة أعوام و هم يزرعون و يحصدون و يخزِّنون الحبوب ، لقد كانت تلك السنوات مليئة بالخير و البركة و النماء .


                    السنوات العجاف :

                    بدأت سنوات الجفاف . . انقطع المطر ذلك العام . . النيل لم يفض كعادته كل عام . . ذبلت الزروع . . و أقفرت الحقول . . و جاء العام التالي . . انحسرت مياه النيل أكثر و قلّ منسوب الماء في النهر . . و ساد القحط في مصر و البلدان المجاورة .

                    أهل مصر أحبّوا يوسف أكثر لأنه انقذهم من سنوات الجوع و القحط و الجفاف . . المخازن مليئة بالحبوب ، و يوسف الانسان الطيب المحسن كان يطعم الجياع و يوزّع الحبوب بالعدل .

                    مصر نجت من الكارثة الاقتصادية بفضل يوسف . . و يوسف لا ينكر ان ذلك كان من فضل الله .

                    الجفاف لم يضرب بلاد مصر وحدها . . بل مناطق واسعة من الأرض . .

                    لهذا كانت القوافل تأتي من كل مكان للتزوّد بالقمح ، و كان يوسف عزيز مصر لا يردّ من يأتي الى مصر خائباً .

                    كل القوافل كانت تغادر مصر و هي تحمل معها القمح و الغذاء و قد امتلأت نفوس الناس اعجاباً بعزيز مصر الذي كان يعاملهم كأخوة له و كان يملأ أوعيتهم فيعودوا الى أهليهم و ديارهم وافرين .

                    أصبحت مصر في ظل يوسف عزيز مصر الجديد بلداً مليئاً بالخير ، و كانت القوافل تأتي من أصقاع بعيدة . . و كان يوسف يستقبل الوافدين بطيبة و محبّة . . لم يستغل منصبه و لم يستغل قدرته ، كان متواضعاً . . يستقبل الناس . . يتبسم في وجوههم و يوفر سكناً مناسباً للوافدين من الديار البعيدة .

                    قافلة من فلسطين :

                    و ذات يوم وصلت قافلة من أرض فلسطين ، كان فيها عشرة أخوة . . هم أيضاً جاءوا ليشتروا القمح لم يكونوا بملكون شيئاً سوى دراهم من فضة . .

                    جاء الإخوة العشرة و دخلوا على عزيز مصر . .

                    وقف الاخوة العشرة . . أمام العزيز و انحنوا له باجلال . .

                    نهض يوسف و راح ينظر اليهم و ردّ على تحيتهم باحسن منها .

                    وعرفهم يوسف . . عرفهم جميعاً انهم أخوته العشرة . . اخوته الذين حسدوه . . و أرادوا أن يقتلوه . . أخوته الذين دفعوا به الى أعماق البئر في تلك البوادي المقفرة حيث طرق القوافل .

                    نعم انهم أخوته شمعون ، راوبين ، لاوي . . عرفهم بعد عشرين سنة . .

                    ترى ماذا فعل يوسف في تلك اللحظات . . انهم لم يعرفوه . . بعد تلك السنين تغيّر يوسف هو الآن في الثلاثين من عمره . . لقد أخذوا قميصه و دفعوه في أعماق الجبّ . . و لكن الله لا ينسى عباده المخلصين . . هو الآن عزيز مصر . . يرتدي حلّة الملك و حوله الحرس و الجنود ، و في يديه مفاتيح مخازن مليئة بالقمح .

                    ترى ماذا يفعل يوسف . . هل يطردهم . . هل ينتقم منهم ؟ .

                    كلاّ ! لماذا لم يفعل ذلك و قد أرادوا قتله ؟! لأن قلب يوسف مفعم بالايمان ليس فيه سوى الحبّ و ليس فيه سوى الخير . .

                    و كان يوسف نبياً معلّماً للناس و هادياً الى الله . .

                    يوسف رحَّب بهم أنزلهم في دار الاستراحة . . و هم احبّوا هذا العزيز الطيّب الذي لم يرفض بضاعتهم مقابل القمح .

                    ملأ جميع أوعيتهم . . تحدّث معهم بودّ سألهم عن بلادهم . . و كم عددهم . . قالوا له كل شيء قالوا له : انّ يعقوب من ذرّية ابراهيم . . قالوا له : اننا اثنا عشر أخاً . . مات أحدنا و هو يوسف . . أكله الذئب ! و سألهم : و أين أخوكم الآخر ؟

                    قالوا :

                    ـ لم يرسله أبونا معنا .

                    لماذا ؟

                    ـ لأنه أرسل معنا شقيقه يوسف فأكله الذئب . . لهذا لم يرسل معنا بنيامين ، هو يخاف عليه ما خافه على يوسف من قبل .

                    يوسف رحَّب باخوته و لكن لم يكشف لهم عن هوّيته لم يقل لهم شيئاً عن نفسه . .

                    كان يسألهم عن أرضهم و بلادهم ، و هم أيضاً أخبروه بحزن أبيهم يعقوب . . حدّثوه عن بكائه و حزنه و كيف فقد بصره ، و أبيضّت عيناه . . حدّثوه عن حبّه ليوسف الذي أكله الذئب قبل عشرين سنة . .

                    أمر يوسف العمّال بأن يملأوا أوعيتهم بالقمح ، أما هو فذهب الى مكان بين الاشجار و راح يبكي . . يبكي على والديه و على بنيامين لقد هزّه الشوق اليهم .


                    العودة :

                    ذهب يوسف ليشرف على تجهيز القافلة ، و أمر الموظّف الذي يقبض أثمان القمح بوضع الفضة التي أخذها من إخوته في رحالهم دون أن يشعروا بذلك .

                    يوسف أدرك ان حالتهم المعيشية ليست طيّبة لهذا أعاد أموالهم و لم يخبرهم بذلك .

                    جاء اليهم ليودّعهم قال لهم :

                    ـ هل انتم راضون عن الكيل . .

                    ـ أجل لقد أحسنت الينا ايها العزيز .

                    ـ في المرّة القادمة و اذا ما جئتم الى مصر فائتوني بأخيكم سنضيف اليكم سهماً آخر في الكيل . . و اذا لم تفعلوا فلا تاتوا الى هنا أبداً .

                    قال أحدهم :

                    ـ سنراود عنه أباه . . سنقول له ذلك . . سنُلِحّ عليه حتى يوافق على إرساله .

                    و هكذا عادت القافة الى أرض الخليل . . الاخوة حدّثوا أباهم بما جرى لهم . . قالوا لقد منع عنّا الكيل اذا لم نأخذ أخانا بنيامين معنا . . هكذا قال عزيز مصر .

                    قال يعقوب ( عليه السلام ) :

                    ـ هل آمنكم عليه إلاّ كما أمنتكم على اخيه من قبل فالله خير حافظاً و هو ارحم الراحمين ؟!

                    بكى يعقوب . . تذكّر يوسف الذي اختفى منذ عشرين سنة . و عندما ذهبوا ليفتحوا متاعهم و جدوا فضّتهم التي اشتروا بها القمح قد اعيدت اليهم . . فرحوا جدّاً و عادوا الى أبيهم يبشرونه :

                    ـ يا أبانا هل نطلب أكثر من هذا ؟! لقد اعيدت إلينا أموالنا مع القمح . . فارسل معنا أخانا من أجل ان نمير أهلنا و نحفظ أخانا و نزداد كيل بعير .

                    قال يعقوب :

                    ـ لن أرسله معكم حتى تعطوني ميثاقاً على إعادته . إلاّ اذا أُحيط بكم .

                    أعطى الاخوة ميثاقهم في المحافظة على بنيامين من كل مكروه .

                    هواجس يعقوب :

                    عندما تجهّزت القافلة و جاء ابناء يعقوب لتوديع أبيهم قال لهم الأب :

                    ـ يا ابنائي لا تدخلوا مصر من باب واحد و ادخلوها من أبواب متفرقة . . أخشى عليكم من الحسد . . و لكن هذا لا يغني شيئاً عنكم أمام مشيئة الله سبحانه . .

                    كان يعقوب ( عليه السلام ) يخاف على ابنائه الحسد . . كان يشعر أن حادثاً ما سيقع لهم و سيفرّق جمعهم . . لهذا أراد أن يدفع عنهم شرّ الحسد . . و لكن مشيئة الله هي الحاكمة لهذا قال يعقوب ( عليه السلام ) :

                    ـ { إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ }.

                    و هكذا انطلقت القافلة تطوي الصحراء الى مصر . . و تمرّ الايام و بعد اثني عشر يوماً وصلت القافلة قريباً من أرض مصر . .


                    و هناك افترق الاخوة كل اثنين دخلوا مصر على حدة ، كانوا أحد عشر أخاً . . من الذي ظلّ وحيداً ؟ بنيامين ظلّ وحيداً دخل مصر لوحده . . لهذا كان حزيناً جداً . .

                    و عندما دخلوا على عزيز مصر لشراء القمح دخلوا أيضاً إثنين إثنين ، و أخيراً دخل بنيامين على العزيز كانت لحظات مثيرة فبعد عشرين سنة وقعت عينا يوسف على شقيقه بنيامين . . كان قد تركه طفلاً و ها هو الآن قد أصبح شاباً . . و لكن ما باله حزيناً . . تساءل يوسف في نفسه . . قال يوسف لبنيامين :

                    ما هذا الحزن الذي أراه على وجهك ؟! هل وقع لك مكروه ؟

                    قال بنيامين :

                    ـ كلاّ ايها العزيز و لكن تذكرت أخي يوسف . . لو كان حيّاً لجاء معي و لم أبق وحيداً . .

                    سأل يوسف :

                    ـ وماذا حصل ليوسف ؟

                    ـ ذهب مع أخوتي الى الصحراء و لم يرجع . . كان ذلك قبل عشرين سنة . . قالوا انَّ الذئب أكل يوسف . . و منذ ذلك اليوم لم أر سوى قميصه المدمّى . .

                    أبي لم يصدّقهم . . ما يزال حتى اليوم يبكي على يوسف آه يا يوسف . . ما أطيبه و أطهره .

                    قال يوسف :

                    ـ لا تحزن يا بنيامين انا أخوك تعال لنتناول الغداء . .

                    جلس يوسف على سرير الملك و أجلس بنيامين الى جانبه و راح يتحدث معه ليطيّب خاطره .

                    الحقيقة :

                    أحبّ بنيامين عزيز مصر . . و لكن لا يدري سبباً لهذا الحبّ . . رآه يتدفق طيبة و رحمة و إحساناً . .

                    قال يوسف لبنيامين :

                    ـ لو رأيت أخاك اليوم فهل ستعرفه .

                    ـ ربّما . . ان ملامحه لا تغيب عن بالي .

                    أراد يوسف أن يدخل في قلب أخيه الفرح فقال :

                    ـ اسمع يا بنيامين جيّداً ان اخوتك هؤلاء حسدوا أخاك فأخذوه إلى الصحراء و القوه في البئر . . ان يوسف ما يزال حياً . . صبر و تحمل و الله لا يضيع أجر الصابرين . . إنّي أنا أخوك حقاً . . لقد منّ الله علي و حعلني عزيزاً في مصر . .

                    لم يتحمّل بنيامين ، فَرَكَ عينيه كان مثل النائم فانتبه و القى نفسه على صدر اخيه يشمّه و يبكي . . و بكى يوسف . .

                    قال لأخيه :

                    ـ لا تخبر أخوتك . . سوف أعمل على بقائك في مصر . . سأصنع شيئاً ، فلا تحزن بسبب ذلك .

                    الخطة :

                    جاء الأخوة يسألون عن بنيامين . . قالوا للعزيز إن أبانا أوصانا بالحفاظ عليه و أخذ علينا الميثاق .

                    أمر يوسف فتيانه أن يجهزوا القافلة و يملؤا أوعيتها بالقمح . . و جاء يوسف ليشرف على سير العمل . . كان العمّال مشغولين و كان الأخوة يتفقدون جمالهم .

                    اقترب يوسف من بعير اخيه بنيامين و وضع كأساً فضياً ثمنياً في رحله . . و أهال عليه القمح . .

                    كان ما صنعه يوسف خطّة من أجل أن يحتفظ بأخيه بنيامين في مصر . .

                    تحرّكت القافلة لتغادر مصر عائدة الى أرض فلسطين . .

                    من بعيد سمع الاخوة نداءً يهتف بهم :

                    ـ توقفوا انكم سارقون . .


                    فوجئ الأخوة جميعاً باستثناء بنيامين الذي كان يعرف ما يجري ، جاء الأخوة الى الحارس المصري قالوا له :

                    ـ ماذا تفقدون ؟

                    قال الحارس :

                    ـ نفقد صواع الملك الذي يشرب به . . و لمن جاء به حمل بعير .

                    أقسم الأخوة انهم لم يسرقوا شيئاً و قالوا :

                    ـ تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض ، لقد جئنا نشتري القمح لأهلنا .

                    قال الحارس :

                    ـ سنفتش أمتعتكم و اذا ظهر كذبكم فما هي عقوبة السارق عندكم ؟

                    قال الأخوة :

                    ـ عقوبته ان يصبح عبداً لمن سرق منه . .

                    ـ حسناً سنفتش أوعيتكم جميعاً .

                    جاء يوسف و راح يفتش بنفسه أوعية القافلة . . بدأ بأوعيتهم ثم جاء الى وعاء بنيامين . . و وضع يده في وعاء القمح و استخرج الصواع منه .

                    دهش الاخوة جميعاً أما بنيامين فقد وقف ينظر بحزن و صمت .

                    قال يوسف :

                    ـ والآن ما هو رأيكم ؟!

                    قال الأخوة و هم ينظرون بغيظ الى بنيامين :

                    ـ إنّ سرق فقد سرق أخ له من قبل .

                    شَعَر يوسف بالحزن ، إنّ اخوته ما يزالون يحسدونه و يحسدون أخاه و يكرهونهما ، و لكنّه خاطبهم قائلاً :

                    ـ أنتم شرّ مكاناً و الله أعلم بما تصفون .

                    جاء الأخ الأكبر و توسل الى العزيز قائلاً :

                    ـ ان له أب و هو شيخ كبير و قد أخذ علينا الميثاق أن نعيده إليه سالما . . فخذ أحدنا مكانه ليكون عبداً .

                    قال يوسف :

                    ـ معاذا الله ان نأخذ إلاّ من وجدنا متاعنا عنده . . إنّا اذاً لظالمون .

                    عندما شعروا باليأس اجتمع الأخوة فيما بينهم و راحوا يتشاورون . . ماذا يفعلون ؟ و كيف يعودون الى أبيهم ؟

                    ـ ماذا نفعل الآن ؟

                    ان أبانا قد أخذ علينا الميثاق .

                    وماذا نفعل ؟ نقول له الحقيقة . .

                    نعم نقول له ان بنيامين قد سرق و قد استعبدوه عقوبة له على سرقته صواع الملك .

                    قال الأخ الأكبر :

                    ـ كيف نعود إلى أبينا دون بنيامين ؟ و الميثاق الذي أخذه علينا أن نعيده سالماً . . هل نسيتم ما فعلتم بيوسف من قبل . لم نرحم شيخوخة أبانا . . لا . . لا لن أعود الى ابي ، سأبقى في مصر حتى يأذن لي ابي . . أمّا أنتم فعودوا . . قولوا لأبيكم : يا أبانا ان ابنك سرق . . إننا لا نعلم الغيب . . لا نعلم ان بنيامين سيسرق !

                    سكت الأخوة . . كانوا احد عشر أخاً . . بنيامين أخذه العزيز . . و الأخ الأكبر ظل في مصر . . لا يريد أن يقابل أباه مرّة أخرى و قد أخلّ بالميثاق . .

                    الاخوة التسعة عادوا الى فلسطين . . عادوا ليخبروا أباهم بما حصل . . كان سيدنا يعقوب يخاف عليهم من الحسد . لهذا أمرهم أن يدخلوا مصر من أبواب متفرقة . . كان يريد لهم أن يدخلوا متفرقين ليعودوا باجمعهم . . لقد عاد تسعة منهم و معهم نبأ آخر حزين .

                    جاء الاخوة التسعة الى سيدنا يعقوب و قالوا له :

                    ـ يا أبانا ان ابنك سرق . . و ما شهدنا إلاّ بما علمنا .

                    سكت سيدنا يعقوب . . شعر الأخوة أن أباهم لم يصدقهم فقالوا :

                    ـ إذا لم تصدّقنا فأسأل القوافل و الناس الذين كانوا معنا في مصر . . و اننا لصادقون .


                    أمسك سيدنا يعقوب بعصاه و نهض قائلاً :

                    ـ بل سوّلت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل . . سأصبر مرّة اخرى ربّما يعيدهم الله اليَّ جميعاً . .

                    لكن سيدنا يعقوب تألم بسبب ما حصل . . تذكر يوسف الذي اختفى منذ عشرين سنة .

                    لقد أدرك بأن ما حدث مرتبط بما حصل ليوسف لهذا قال :

                    ـ يا أسفى على يوسف .

                    قال الأخوة التسعة :

                    ـ انك لا تترك ذكر يوسف . . لسوف تموت من كثرة حزنك و بكائك على يوسف .

                    قال سيدنا يعقوب :

                    ـ إنني اشكو حزني الى الله . . و أعلم من الله ما لا تعلمون .

                    سكت قليلاً و قال لابنائه :

                    ـ أذهبوا يا أولادي . . أذهبوا و أبحثوا عن يوسف و أخيه لا تشعروا باليأس . . لأنّ الكفار هم وحدهم الذين يشعرون باليأس و القنوط .

                    أنا يوسف :

                    نفد القمح ، و شاع الحزن في بيت سيدنا يعقوب لقد فقد أولاده الثلاثة يوسف و بنيامين و أخاهم الاكبر .

                    من أجل هذا أمر سيدنا يعقوب أولاده أن يذهبوا ليمتاروا الطعام و يبحثوا عن يوسف و أخيه .

                    و شدّ الأخوة الرحال الى مصر و للمرّة الثالثة . . لم يكن معهم من الفضّة إلاّ القليل و لكنهم ذهبوا ليجيئوا بأخيهم بنيامين .

                    عندما وصلوا مصر لم يكرمهم أحد بسبب ما حدث في الرحلة السابقة . . لهذا ذهبوا الى عزيز مصر الذي أخذ بنيامين . . ذهبوا إليه ليتحدّثوا معه برقّة فلعلّه يبيع لهم بهذه الفضة قمحاً و لعلّ هذا العزيز الطيب يطلق سراح بنيامين .

                    دخل الأخوة على عزيز مصر و قالوا له :

                    ـ يا أيّها العزيز مسّنا و أهلنا الضرّ و جئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل و تصدّق علينا إنّ الله يجزي المتصدّقين .

                    شيء عجيب لفت نظر الأخوة ! ان بنيامين يجلس مع العزيز و يرتدي حلّة من الكتان فاخرة . .

                    و في تلك اللحظات المثيرة قال يوسف و هو يفيض رحمة لهم :

                    ـ هل علمتم ما فعلتم بيوسف و أخيه إذ أنتم جاهلون ؟!

                    لقد نسي يوسف كل الآلام التي سببها أخوته له و لأبيه . . نسي كل تلك المعاناة الطويلة أراد أن يقول لهم فقط ان جهلكم قد أوصلني الى هذه المكانة لأن الله قد اختارني و منّ عليّ و كافأني على صبري و إيماني .

                    و في تلك اللحظة استيقظ الاخوة على حقيقة كبرى . . إنّ هذا العزيز الذي يلتفّ حوله الحرّاس و الجنود و صاحب الكلمة الأولى في مصر !! هو يوسف . . يوسف أخوهم الذي تامروا عليه . . يوسف الطيّب الطاهر الذي كافأهم على الأساءة إحساناً و ملأ لهم أوعيتهم قمحاً و أعاد اليهم فضّتهم و أموالهم . .

                    هتف الأخوة بدهشة :

                    ـ إنك لأنت يوسف ؟!

                    اجاب يوسف و عيناه تفيضان الدمع خشوعاً لله ربِّ العالمين :

                    ـ نعم { أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ }.

                    و اكتشف الإخوة الحقيقة بعد عشرين سنة من التيه و الضلال فقالوا لاخيهم يوسف :

                    ـ { تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ } .

                    و ابتسم لهم يوسف . . انهم أخوته أضلهم الشيطان في لحظة حسد و عادوا الى الطريق !

                    { لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ }.

                    أراد يوسف ذلك الفتى الشهم الذي غض نظره عن كلِّ الاساءات أراد أن يضع حدّاً لآلام أبيه . .

                    قبل عشرين سنة أخذ أخوته قميصه و لطّخوه بدم كذب . .

                    وأخذوه الى أبيهم و قالوا له : يا أبانا ان الذئب قد أكل يوسف ! أراد يوسف أن يمسح هذه الكذبة من ذاكرتهم لهذا خلع قميصه الكتاني و قال لهم :


                    ـ { اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ }.

                    كلّ الأخوة راحوا يشمّون قميص يوسف و يبكون . . يبكون فرحاً و ندماً . . فرحاً باخيهم الذي أصبح الرجل الأول في مصر ، و ندماً على ما فعلوه قبل عشرين سنة . .

                    من أجل هذا انحنوا إجلالاً لعزيز مصر لهذا الانسان الطاهر و غادروا القصر على عجل . .

                    كانوا يريدون العودة الى أبيهم بأقصى سرعة ليدخلوا الفرحة على قلبه الحزين . . و هكذا انطلقت القافلة تطوي الصحاري . . لم تكن هذه القافلة تحمل قمحاً ، انها تحمل قميص يوسف و الفرحة الكبرى .

                    نهاية الألم :

                    كان سيدنا يعقوب . . يخرج الى طريق القوافل كل يوم و ينتظر عودة ابنائه . .

                    و في أصيل أحد الأيام و فيما كانت الشمس تهبط للمغيب في الصحراء . . شمّ سيدنا يعقوب نسائم طيّبة . . فيها رائحة يوسف . . قال لبعض أولاده الذين لم يذهبوا في تلك الرحلة الى مصر :

                    ـ { إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ }!

                    قال ابناؤه :

                    ـ { تَاللّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ } .

                    قالوا لأبيهم أنت ما تزال على ضلالك القديم في حبّك ليوسف و أخيه أكثر منّا !!

                    و في تلك اللحظات شاهد الجميع جملاً يتجه نحوهم بسرعة و كان الرجل الذي يلّوح بقميص من بعيد . . ما هي إلاّ لحظات و إذا بأحد ابنائه قد سبق القافلة و جاء ليزفّ بشرى العثور على يوسف . .

                    إنّ يوسف لم ياكله الذئب و لم يمت طوال العشرين سنة الماضية .

                    و ألقى البشير قميص يوسف على وجه يعقوب . . فحدث شيء عجيب ! لقد عاد النور الى عيني يعقوب فرأى الدنيا مضيئة جميلة بعد أن كانت سوداء حزينة .

                    من أجل هذا دمعت عيناه فرحاً و قال لابنائه :

                    ـ { أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } ؟!

                    أولاده أطرقوا برؤوسهم خجلاً و حزناً و قالوا :

                    ـ { يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ } .

                    قال الأب الذي عاد اليه بصره برحمة من الله :


                    ـ { سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }.

                    قال يعقوب ذلك لأنه يريد أن يؤجل دعاءه الى وقت السحر من أجل ان يستجيب الله و يغفر لابنائه ما فعلوه من قبل .

                    شعر سيدنا يعقوب انه يستعيد شبابه من جديد ، كانت الفرحة تضيء قلبه و عينيه .

                    اخبر زوجته أم يوسف بالبشرى و عمّت الفرحة .

                    أمر سيدنا يعقوب ( عليه السلام ) أن يتجهز الجميع للرحيل الى مصر ليعيشوا في بلاد مصر و في ظلال حاكمها العادل و الطيب و الصدّيق يوسف ( عليه السلام ) .

                    و تحققت رؤيا يوسف :

                    قبل عشرين سنة كان يوسف قد رأى حلماً عجيباً رأى الشمس و القمر و أحد عشر كوكباً رآهم جميعاً يسجدون له إجلالاً . . و تعجّب يوسف وقتها . . ثم وقعت الحوادث بعد ذلك . . ليجد نفسه بعيداً عن أهله و إخوته في أرض بعيدة . .

                    لقد مرّت عشرون سنة و ها هو الآن يحكم مصر و ينتظر قدوم أبويه من البادية الى هذه البلاد الجميلة المليئة بالخير .

                    أمر يوسف بضرب خيمة كبيرة جداً في الصحراء من أجل أن يستقبل أبويه و أخوته . .

                    و كان الجنود يراقبون طريق القوافل منتظرين قدوم قافلة من أرض فلسطين فيها أسرة عزيز مصر ، التي تعيش في البادية !

                    و ذات صباح رأى الجنود القافلة . . إنها قافلة يعقوب ( عليه السلام ) و زوجته و أبنائه .

                    و انطلق فارس الى مصر يبشّر يوسف بقدوم أبويه و أخوته .

                    الشمس و القمر و الكواكب :

                    أُستقبل سيدنا يعقوب باحترام عميق و أدخل و من معه الخيمة الكبيرة ريثما يصل عزيز مصر .

                    كان سيدنا يعقوب ينتظر بشوق لقاء ابنه يوسف بعد عشرين سنة من الفراق و العذاب و البكاء !

                    و جاء يوسف في مركبة تجرّها خيول سريعة . . كانت الخيول تطوي الأرض بسرعة فائقة . . كأنها كانت تدرك شوق يوسف الى لقاء أبويه . .


                    و وصل يوسف . . ليدخل الخيمة . . كان يرتدي حلّة العزّة و قد سطع النور من وجه المضيء . . و نهض الجميع احتراماً لعزيز مصر . . ثم لينحنوا اجلالاً لعزيز مصر و في تلك اللحظة توهجت رؤيا يوسف التي رآها قبل عشرين سنة . . عندما رأى الشمس و القمر و أحد عشر كوكباً يسجدون له . .

                    ها هو الآن يرى أباه و أمه و أخوته الأحد عشر ينحنون له باجلال .

                    و عانق يوسف والديه ، و أخذ بايديهما ليرفعها الى سرير الملك و العزّة . .

                    وقال يوسف لأبيه :

                    ـ { يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ }.

                    و رفع يوسف يديه الى السماء شاكر الله على نعمه :

                    ـ { رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}.

                    ما أطيبك يا يوسف ما أطهرك ايها الفتى المؤمن .


                    لقد تناسى يوسف كل الآلام و المعاناة و على مدى عشرين سنة و استقبل أخوته بحب و قال : أن الشيطان هو الذي نزغ بينه و بينهم !

                    وهنا تكمن عظمة يوسف . . في تلك النفس الطاهرة و في ذلك القلب الطيب .

                    و هكذا عاش سيدنا يعقوب و أبناؤه في مصر بلد الخيرات و في ظلال حاكم عادل . . انعش البلاد و انقذها من اكبر أزمة اقتصادية آنذاك .

                    عاش سيدنا يعقوب و تكاثرت ذرّيته ليعرفوا فيما بعد بـ " بني اسرائيل ".

                    و سوف نعرف بعد ذلك أين دفن سيدنا يوسف و كيف نُقِل رفاته الى فلسطين . . عندما نطالع معاً " و انطلق البحر " قصّة سيدنا موسى ( عليه السلام ) .

                    يتبع قصه اخر

                    تعليق


                    • #11
                      إنه أوّاب

                      " قصة سيدنا أيوب ( عليه السلام ) "


                      بسم الله الرحمن الرحيم

                      قبل أكثر من 2500 سنة عاش في أرض " حوران " رجل من ذرّية سيدنا يوسف ( عليه السلام ) انه سيدنا أيّوب ( عليه السلام ) ، كان رجلاً طيباً تزوج من فتاة اسمها " رحمة " هي الأخرى من ذرية يوسف ( عليه السلام ) .

                      عاش الزوجان سعيدين بحياتهما وكانا مؤمنين بالله ورسله .

                      الله سبحانه أنعم على أيوب ورزقه أولاداً وبنات ، وكانت عنده أرض واسعة مليئة بالحقول والمراعي ، وترعى فيها قطعان الماشية من بقر وأغنام وماعز .

                      كان أيوب يعبد الله وحده لا يشرك به أحداً ، فهو على دين آبائه ابراهيم واسحاق ويعقوب .

                      وذات يوم هبطت الملائكة وبشّرته بالنبوّة وسجد أيوب لله شكراً .

                      كل الناس كانوا يحبّون أيوب . . الرجل الطيب الذي أكرمه الله بالنبوّة .

                      كان منزل أيوب كبيراً فلديه أولاد كثيرون وبنات ، وفيه الحبوب والطعام .

                      سيدنا أيوب كان يحب الفقراء يطعمهم ، ويكسوهم وكان لا يأكل طعاماً إلاّ وعلى مائدته يتيم أو بائس أو فقير .

                      الناس الفقراء كانوا يقصدون منزل أيوب من مناطق بعيدة وكانوا يعودون الى ديارهم وهم يحملون معهم الطعام والكساء والفرح لأطفالهم وأهلهم .

                      الناس أحبوا نبي الله أيوب ، الذي لا يَرُدّ أحداً ولا يَمُنّ على أحد .

                      منزل أيوب :

                      ذات يوم جاء شيخ طاعن في السن . . جاء إلى منزل أيوب الشيخ حيّا أيوب قائلاً :

                      ـ السلام على أيوب نبي الله .

                      ـ وعليك السلام ورحمة الله . . . تفضل انت في بيتك وأهلك .

                      ـ زاد الله في كرامة أيوب . . أنا كما ترى شيخ عاجز وعندي أبناء جياع ونبي الله يطعم الجياع ويكسو العراة .

                      تألم سيدنا أيوب وقال :

                      ـ أظنك غريباً ايها الشيخ ؟

                      ـ لا يانبي الله أنا من بلاد حوران .

                      تألم سيدنا أيوب أكثر وقال :

                      ـ ما اقساني . . بيتي مليء بالطعام وأنت جائع ؟!

                      الشيخ قال :

                      ـ إنّه ذنبي أنا . . لم اعرض حاجتي عليك من قبل .

                      قال أيوب :

                      ـ الحق عليّ أنا لأنني لم ابحث عنك بنفسي .

                      التفت أيوب إلى ابنائه وقال :

                      ـ الا تخافون من غضب الله ؟! كيف ترضون لانفسكم أن تبيتوا شباعاً وفي حوران أطفال وشيوخ جياع ؟!

                      الأبناء اعتذروا وقالوا :

                      ـ لقد بحثنا كثيراً ولكننا لم نجد أحداً في حوران محتاجاً . . قال الأب بألم :

                      وهذا الشيخ ؟؟

                      ـ عفواً يا أبانا .

                      ـ هيّا احملوا من الطعام والكساء وأوصلوه إلى منزله .

                      ـ سمعاً وطاعة للنبي .

                      هكذا كان يعيش سيدنا أيوب – في ذلك البيت المبني من الصخور . هو يتفقد العمل في الحقول والمزارع ، وزوجته تطحن ومعها بناتها وجواريها يساعدونها .

                      وأبناء أيوب يحملون الطعام والكساء ويبحثون عن الفقراء والمحتاجين في حوران ، والخدم يعملون في المزارع ويحملون الثمار والحبوب الى المخازن .

                      والرعاة يسوقون المواشي إلى المراعي وكان أيوب يشكر الله الذي بارك له في أمواله وأولاده .

                      الناس كانوا يحبّون أيوب النبي . . لانه مؤمن بالله يشكر الله على نعمه . . ويساعد الناس جميعاً . . لم تبطره الأموال ، من مزارع وحقول وماشية وأولاد كثيرين . . كان يعمل .


                      كان يمكنه ان يعيش في راحة ، ولكنه كان يعمل بيده ، وزوجته رحمة هي الأخرى كانت تعمل . . كانا يعتقدان ان كل ما عندهما هو من الله سبحانه لهذا كانا يذكرانه دائماً و يشكرانه كثيراً .

                      الناس احبّوه واعتقدوا انه رجل مبارك وأنه نبي من أنبياء الله . لهذا آمنوا بالله سبحانه الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر .

                      الشيطان :

                      الشيطان حسد سيدنا أيوب ، أيوب يريد الهداية والخير للناس ، والشيطان يريد لهم الشرور والضلال ، لهذا راح يوسوس للناس يقول لهم : ان أيوب يعبد الله لأنه يخاف على أمواله وحقوله أن يأخذها منه . . . لو كان أيوب فقيراً ما عبد الله ولا سجد له . . .

                      الناس أصغوا إلى وساوس الشيطان وصدّقوا . . تغيرّت نظرتهم إلى أيوب " انه يعبد الله لأن الله انعم عليه و رزقه وهو يخاف من أن يسلبه نعمته . . . إنّ أيوب اذا حلّت به مصيبة لترك العبادة . . . لو أحرقت الصواعق حقوله لجزع !! لو سلبه الله نعمة لما سجد !

                      هكذا راح الشيطان يوسوس في نفوس أهل حوران . . .

                      الامتحان :

                      الله سبحانه أراد أن يظهر للناس كذب الشيطان . . أراد أن يظهر للناس صدق أيوب وصبره وايمانه . . لهذا بدأت المحنة . . سوف تحلّ بأيوب المصائب الواحدة بعد الأخرى . . لنرى مدى ايمان سيدنا أيوب وصبره .

                      كل شيء كان يمضي هادئاً . . أيوب كان ساجداً لله يشكره على نعمه وآلائه . . وابناؤه كانوا يحملون أجربة الطعام ويبحثون عن فقير أو مسكين أو رجل مسافر انقطعت به السبل . . .

                      الخدم العبيد كانوا يعملون في الارض ويحملون حبوب القمح إلى المخازن .

                      " رحمة " زوجة سيدنا أيوب كانت تطحن في الرحى . .

                      والبعض كانوا يحملون حزم الحطب وآخرون يجلبون الماء من النبع .

                      والرعاة كانوا يسوقون قطعان الماشية إلى المروج . . كل شيء كان يمضي هادئاً وجميلاً . . .

                      وفي تلك اللحظات برز الشيطان يعربد ويدمّر يريد أن يدمّر إيمان أيوب .

                      فجأة جاء أحد الرعاة مبهور الأنفاس . . . هتف :

                      ـ اين نبي الله أيوب ؟!!

                      ـ ماذا حصل ؟! تكلم .

                      ـ لقد قتلوهم . . قتلوا جميع رفاقي . . الرعاة والفلاحين . . جميعهم قتلوا جرت دماؤهم فوق الارض . . .

                      ـ ماذا ؟!

                      ـ هاجمنا الأشرار . . واختطفوا قطعان الماشية أخذوا أبقارنا وخرافنا وذهبوا .

                      الجبل لا يهتز أمام العاصفة . . سيدنا أيوب تألم ولكنه تحمّل ، قال بثبات :

                      ـ انا لله وانا إليه راجعون . . .

                      ان الله سبحانه شاء أن يمتحن أيوب . . يمتحن إيمانه بربِّ العالمين . . أيصبر أم يكفر ؟

                      في اليوم التالي حدث أمر عجيب تجمّعت سحبٌ سوداء في السماء . . وانفجرت الصواعق ودوّت الرعود . . وجاء أحد الفلاحين . . كانت ثيابه محترقة وجهه اسود من الحروق والدخان . . هتف سيدنا أيوب :

                      ـ ماذا حصل ؟!

                      ـ النار ! يانبي الله النار !!

                      ـ أهي مصيبة أخرى ؟!

                      ـ نعم يا رسول الله لقد احترق كل شيء . . لقد نزل البلاء . . الصواعق أحرقت الحقول والمزارع . . أصبحت ارضنا رماداً يا نبي الله . . كل رفاقي ماتوا احترقوا .

                      قالت رحمة :


                      ـ ان مصائب العالم كلّها ستنزل علينا !

                      ـ اصبري يارحمة . . هذه مشيئة الله .

                      ـ مشيئة الله !!

                      أجل . . لقد حان وقت الامتحان . . ما من نبي إلاّ وامتحن الله قلبه .

                      نظر أيوب الى السماء وقال بضراعة :

                      ـ الهي امنحني الصبر .

                      في ذلك اليوم أمر سيدنا أيوب الخدم والعبيد بمغادرة منزله . . قال لهم باشفاق :

                      ـ عودوا إلى أهليكم أو ابحثوا عن مكان آخر ان الله سبحانه يمتحنني .

                      قال أحد الخدم :

                      ـ سنعمل على اصلاح الحقول والمزارع . . انني لا أحب أن أفارقك نحن نؤمن بك ونحبك يانبي الله .

                      ـ يا أبنائي أعرف ذلك . . ولكن البلاء سيتضاعف وأنا لا أريد أن أرى أن تحترقوا أمامي . . اذهبوا يا أبنائي . . دعوني أواجه الامتحان لوحدي .

                      يا صبر أيوب !

                      لم تنته محنة أيوب عند هذا الحدّ لم تحترق حقوله وتتحول الى رماد ، لم تفنَ ماشيته جميعاً فقط ، انه يواجه محنة آخرى . . لقد مات جميع أولاده وبناته ، لم يبق معه سوى رحمة زوجته الطيّبة . . .

                      أصبح منزله خالياً ليس فيه ولد واحد من أولاده . . وهو شيخ مسنّ وزوجته المسكينة تبكي . .

                      ـ هذه مشيئة الله وعلينا أن نسلّم لأمره . . .

                      الشيطان لم يتركه لحاله جاء اليه ليوسوس له :

                      ـ يا لها من مصيبة كبرى . . سبعة بنين وثلاث بنات في لحظة واحدة ماتوا . . كانوا أملاً . . بما ذا يسلّي الانسان نفسه ؟!

                      نظر أيوب إلى السماء الزاخرة بالنجوم :

                      ـ يا الله . . . أعرف انك مصدر للخير ، كل الخير . .

                      الهي وربي امنحني الصبر .

                      الشيطان فرّ بعيداً . . لا شيء يرهب الشيطان اكثر من ذكر الله . . لا شيء يخيف الشيطان اكثر من اسم الله .

                      فاذا قال الانسان : اعوذ بالله من الشيطان . . فان الله يحفظه ويحميه ويجعل قلبه طاهراً . . الله سبحانه يحبّ عباده ويريد لهم الخير . .

                      من أجل هذا كان سيدنا أيوب لا يزداد على البلاء إلاّ صبراً يعرف ان الله هو مصدر الخير ويريد له الخير . . اما الشرّ فمن الشيطان الذي يريد للانسان يكفر .

                      أهل حوران :

                      الشيطان لم يكف عن وسوسته إنّه يريد أن يقهر أيوب .

                      ذهب الشيطان إلى أهل القرية وقال لهم : ان الله قد غضب على أيوب . . فصبّ عليه البلاء . . لقد أذنب أيوب ذنباً كبيراً فحلّت به اللعنة . . ان في بقائه خطر عليكم . . ربما تشملكم اللعنة . . من الأفضل أن تخرجوه من قرتيكم .


                      أهالي حوران أصغوا لوسوسة الشيطان وجاءوا إلى منزل أيوب . . لم يكن في منزله أحد سوى زوجته رحمة . .

                      قال رجل منهم :

                      نحن نظنّ ان اللعنة قد حلّت بك ونخاف أن تعمّ القرية كلها . . فاخرج من قريتنا واذهب بعيداً عنا نحن لا نريدك ان تبقى بيننا .

                      غضبت رحمة من هذا الكلام قالت .

                      ـ نحن نعيش في منزلنا ولا يحق لكم أن تؤذوا نبي الله . .

                      أهالي القرية قالوا بوقاحة :

                      ـ اذا لم تخرجا فسنخرجكما بالقوّة . . لقد حلّت بكما اللعنة وستعمّ القرية كلها بسببكما . . .

                      قال لهم أيوب باشفاق !

                      ـ يا أبنائي ما هذا الذي تقولوه انّ ما حدث لي هو امتحان الهي . . الله سبحانه قد امتحن الانبياء قبلي . . خافوا الله يا أهل حوران ولا تؤذوا نبيّكم قال رجل أحمق :

                      ـ ولكنك عصيت الله وهو الذي غضب عليك .

                      قالت رحمة :

                      ـ انتم تظلمون نبيكم . . هل نسيتم إحسانه اليكم هل نسيتم يا أهل حوران الكساء والطعام الذي كان يأتيكم من منزل أيوب ؟!

                      نظر أيوب السماء وقال بحزن :

                      ـ يا الهي اذا كانت هذه مشيئتك فسأخرج من القرية وأسكن في الصحراء . . يا الله سامح هؤلاء على جهلهم . . لو كانوا يعرفون الحق ما فعلوا ذلك بنبيهم .

                      في العراء :

                      هكذا وصلت محنة سيدنا أيوب ، ان جاء أهل حوراء وأخرجوه من منزله .

                      كانوا يظنّون إنّ اللعنة قد حلّت به ، فخافوا أن تشملهم أيضاً . . نسوا كل إحسان أيوب وطيبته ورحمته بالفقراء والمساكين !

                      لقد سوّل الشيطان لهم ذلك فاتّبعوه وتركوا أيوب يعاني آلام الوحدة والضعف . . لم يبق معه سوى " رحمة " زوجته الوفية . . وحدها كانت تؤمن بأن أيوب في محنة تشبه محنة الانبياء وعليها أن تقف إلى جانبه ولا تتركه وحيداً .

                      كان على رحمة أن تعمل في بيوت حوران ، تخدم وتكدح في المنازل لقاء لقمة خبز لها ولزوجها . .

                      وفي كل مرّة كانت تعود إلى أيوب وهي قلقة عليه فالصحراء لا تخلو من الذئاب والضباع ، وأيوب لا يقوى على النهوض والدفاع عن نفسه .

                      كان أيوب صابراً يتحمل الألم بايمانه العميق بالله ، وكانت رحمة تستمدّ صبرها من صبر زوجها وتحمّله . . وفي تلك المدّة صنعت رحمة لزوجها عريشاً يظله من الشمس ويحميه من المطر وهكذا تمرّ الايام وفي كل يوم كانت محنة أيوب تزداد .

                      وكانت رحمة تشقى في منازل حوران .

                      الجوع :

                      ذات يوم بحثت رحمة عمّن يستخدمها في العمل ، ولكن لا أحد كل أهل حوران أغلقوا الأبواب في وجهها . . ومع ذلك فرحمة لم تمدّ يدها إلى أحد ولم تستجد أحداً .

                      كان أيوب ينتظر عودة زوجته ، لقد تأخرت هذه المرّة .

                      زوجته بحثت عن عمل في منازل حوران فوجدت الأبواب دونها موصدة . .. لهذا اضطرت أن تقص ضفيرتيها لتبيعهما مقابل رغيفين من الخبز .

                      عادت رحمة الى زوجها وقدّمت له رغيف الخبز عندما رأى أيوب ما فعلت زوجته بنفسها شعر بالغضب .

                      حلف أيوب أن يضربها إذا قوى على ذلك ، لم يأكل رغيفه كان غاضباً من تصرّف رحمة ، ما كان ينبغي لها أن تفعل ذلك .

                      بكت رحمة كثيراً لم تعد تتحمل هذا العذاب والألم . . لم تعد تتحمل الحياة القاسية وشماتة الناس . . ومع ذلك فكلّما كان الشيطان يوسوس في قلبها أن تترك زوجها ، كانت تستعيذ بالله لهذا ظلّت وفية لزوجها ترعاه وتسهر على راحته .

                      إنّ سيدنا أيوب يحبُّ زوجته كثيراً لأنها امرأة مؤمنة صابرة راضية بقضاء الله .

                      من أجل ذلك قالت له زوجته :

                      ـ انت نبي الله ورسوله . . ادعُ الله لينقذك من هذه المحنة !


                      قال أيوب :

                      ـ لقد عشت سنوات طويلة في رفاه من العيش ، بنون وأموال ومزارع وحقول . . أفلا أصبر على حياة الفقر بقدر ذلك .

                      قالت رحمة وهي تبكي :

                      ـ اكثر ما يحزنني شماتة الاعداء . .

                      ـ الله سبحانه يراقب حالنا وهو أرحم الراحمين .

                      ـ ليس لدينا ما نأكل هذا اليوم . . سأذهب الى أهل حوران فلعلّ أحدهم يتذكر إحساننا اليه . . من يدري فلعل قلب أحدهم يخفق لحبّ الخير .

                      ربيع الحياة :

                      ذهبت رحمة الى القرية لتحصل على كسرة خبز لزوجها . . وظلّ أيوب وحيداً تحت اشعة الشمس . .

                      كان يعبد الله ويشكره لم يجزع أبداً ولم يفقد ايمانه بالله . . ان الله مصدر الخير والرحمة والبركة ، وهو وحده القادر على كل شيء .

                      في الاثناء مرّ رجلان من أهل حوران توقفا عند أيوب ونظرا اليه قال أحدهما :

                      ـ ماذا أذنبت لكي يفعل الله بك هذا ؟!

                      وقال الآخر :

                      ـ انك فعلت شيئاً كبيراً تستره عنا ، فعاقبك الله عليه .

                      تألّم سيدنا أيوب . ان البعض يتهمه بما هو برئ منه قال أيوب بحزن :

                      ـ وعزّة ربي إنّه ليعلم اني ما أكلت طعاماً إلاّ ويتيم أو ضعيف يأكل معي .

                      ونظر إلى السماء وقال :

                      ـ الهي أنا راضٍ بقضائك . . بيدك الخير انك على كل شيء قدير الهي ، بيدك شفائي . . بيدك مرضي . . انت وحدك تستطيع أن تعيد اليّ سلامتي . . ويا الهي ! إنّي مسّني الشيطان بنصبٍ وعذاب .

                      تعجّب الرجلان من صبر أيوب ، وانصرفا عنه في طريقهما وهما يفكّران في كلمات أيوب !

                      فجأة أضاء المكان بنور شفاف جميل وامتلأ الفضاء برائحة طيّبة ، ورأى أيوب ملاكاً يهبط من السماء ويقول له :

                      ـ السلام على أيوب أعزّ عباد الله . . نعم العبد أنت يا أيوب ان الله يقرئك السلام ويقول : لقد أُجيب دعوتك وأن الله يعطيك أجر الصابرين إضرب برجلك الأرض يا أيوب ! واغتسل في النبع المقدس .

                      غاب الملاك ، وشعر أيوب بالنور يضيء في قلبه فضرب بقدمه الأرض ، فجأة انبثق نبع بارد عذب المذاق . . ارتوى أيوب من الماء الطاهر وتدفقت دماء العافية في وجهه ، وغادره الضعف تماماً .

                      أصبح أقوى مما كان عليه أيام المحنة والمرض .

                      خلع أيوب ثوب المرض والضعف وارتدى ثياباً بيضاء ناصعة مضمخة برائحة الفردوس .

                      وشيئاً فشيئاً ازدهرت الأرض من حول أيوب واعشبت .

                      عادت رحمة تبحث عن زوجها فلم تجده ووجدت رجلاً يفيض وجهه نعمة وصحته وعافية . فقالت له باستعطاف :

                      ـ ألم ترَ أيوب . . أيوب نبي الله ؟!

                      ـ أنا أيوب يا رحمة !


                      ـ انت ؟! إن زوجي رجل عجوز وضعيف . . ومريض أيضاً !

                      ـ المرض من الله والصحة والسلامة أيضاً . . وهو سبحانه بيده كل شيء .

                      ـ نعم يا رحمة لقد شاء الله أن يمنّ عليّ بالصحة والعافية وأن تنتهي محنتنا هيّا يارحمة ! اغتسلي في النبع ، ان الله يكافئك على صبرك ووفائك وسيُعيد اليك شبابك .

                      اغتسلت رحمة في مياه النبع وخلعت ثوب الفقر والحاجة والبسها الله ثوب الشباب والعافية .

                      كانت مياه النبع تتدفق و تسقي الحقول المحترقة المليئة بالرماد فتعيد اليها الخضرة والبهجة وراحت المياه الطاهرة المقدّسة تجري في الارض فتروي قبور أولاد أيوب الذين ماتوا قبل سنين طويلة .

                      وانبعث أبناء أيوب ليعودوا إلى أبويهم . . عاد كل شيء كما كان عليه قبل سبع سنوات يوم كان أيوب صحيحاً معافى .

                      لقد أراد الله امتحان أيوب ليعبده عبادة الصبر كما عبده عبادة الشكر من قبل . . .

                      الله سبحانه أراد للناس أن يعرفوا ان المرض والصحة من الله وأن الفقر والثراء من الله . .

                      الله أراد للناس أن لا يطردوا الفقير لفقره ولا الضعيف لمرضه أو شيخوخته .

                      وهكذا أصبحت قصّة سيدنا أيوب آية للناس وعبرة ، ودليلاً على أن الله هو القادر على كل شيء ، هو الذي سلب أيوب نعمته وكل ما يملكه حتى سلامته ، وهو الذي أعاد اليه جميع أسرته بل وبارك فيها ، فنمت حقوله وتكاثرت ماشيته وعاد اليه شبابه وصحته ورزقه الله بنين وحفدة ، وآمن الناس بالله الواحد الأحد وآمنوا بنبوّة سيدنا أيوب ورسالته .

                      بسم الله الرحمن الرحيم

                      { وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ }[1].


                      بسم الله الرحمن الرحيم

                      { وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ * ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ * وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ }[2].

                      يتبع قصه اخر

                      تعليق


                      • #12
                        رحلة في الأعماق

                        " قصة سيدنا يونس ( عليه السلام ) "



                        بسم الله الرحمن الرحيم

                        على ضفاف نهر دجلة عاش الآشوريون في مدن كبرى ، وكانت نينوى أكبر مدنهم فهي عاصمة البلاد .

                        وفي نينوى كان يعيش مئة الف انسان أو اكثر بقليل .

                        كانوا يعيشون حياتهم ، يزرعون حقولهم الواسعة ويرعون ماشيتهم الكثيرة في تلك الأرض الخصبة .

                        وفي تلك المدينة الكبيرة وُلد سيدنا يونس وعاش ، حتى اذا ادرك ، رأى قومه يعبدون الأوثان والاصنام ، ينحتون التماثيل المرمرية ويعبدونها .

                        الله سبحانه اصطفى عبده يونس ( عليه السلام ) نبياً ، كان يونس انساناً مؤمناً بالله الواحد القادر ، وكان يدرك أن هذه التماثيل والاصنام مجرّد حجارة لا تضرّ ولا تنفع .

                        الله سبحانه أرسل يونس إلى أهل نينوى يدعوهم إلى عبادة الله سبحانه ونبذ الاصنام والأوثان .

                        الناس في تلك البلاد كانوا طيبين ولكنهم كانوا يشركون بالله منذ زمن بعيد وهم يعبدون التماثيل .


                        وجاء سيدنا يونس و وعظهم و نصحهم و قال لهم : اعبدوا الله وحده و لا تشركوا به أحداً .

                        و لكن أهل نينوى و قد اعتادوا على عبادة التماثيل رفضوا دعوة يونس ، و وقفوا في وجهه .

                        كل الانبياء كانوا يُعلِّمون الناس عبادة الله الواحد كل الرسل كانوا يبشّرون بالتوحيد .

                        الناس كانوا ضالّين ، يعبدون الحجارة . . يظنّون ان لها تأثيراً في حياتهم .

                        جاء سيدنا يونس وأرشدهم إلى عبادة الله الواحد الأحد .

                        ولكن ذلك لم ينفع معهم .

                        وحذّرهم النبي من عاقبة عنادهم . . ان الله سبحانه سيعذّبهم إذا ظلّوا على عنادهم وعبادة الاصنام .

                        و غضب سيدنا يونس من أهل نينوى فحذّرهم من نزول الغضب الالهي .

                        غادر سيدنا يونس نينوى ومضى .

                        ذهب باتجاه البحر الابيض . كان يترقّب نزول العذاب بأهل نينوى .

                        و مضت أيامٌ و أيام ، و لكن سيدنا يونس لم يسمع شيئاً .

                        سأل كثيراً من المسافرين عن أخبارهم نينوى وأهلها ، وكانوا كلّهم يقولون : ان المدينة بخير .

                        و تعجّب سيدنا يونس ! لقد صرف الله عن أهل نينوى العذاب .

                        من أجل هذا واصل طريقه باتجاه البحر الابيض .

                        التوبة :

                        لنترك سيدنا يونس وهو في طريقه إلى البحر لنعود إلى نينوى تلك المدينة الكبرى . .


                        ماذا جرى هناك لماذا صرف الله عن أهل نينوى العذاب ؟

                        عندما غادر سيدنا يونس غاصباً و مضت عدّة أيام شاهد أهل نينوى علامات مخيفة . .

                        السماء تمتلئ بغيوم سوداء كالحة ، وهناك مايشبه الدخان في أعالي السماء .

                        و رأى بعض الصلحاء تلك العلامات فأدرك ان العذاب الالهي على وشك أن ينزل فيدمرّ مدينة نينوى بأسرها .

                        ستتحول المدينة الى أنقاضٍ وخرائب ، من أجل ذلك أسرع و حذّر أهالي نينوى من نزول العذاب قال لهم :

                        ـ ارحموا انفسكم ! ارحموا ابناءكم وبناتكم . لماذا تعاندون ؟! إنّ يونس لا يكذّب أبداً ، و أنَّ العذاب سيحلّ بكم .

                        أهل نينوى رأوا علامات العذاب . .

                        لهذا راحوا يفكرون بمصيرهم بمصير ابنائهم ، بمصير مدينتهم .

                        أدركوا ان هذه التماثيل لا تنفعهم . . إنها مجرّد حجارة نحتها الآباء بأيديهم فلماذا يعبدونها من دون الله .

                        شعر أهل نينوى بالندم ، كانوا غافلين فانتبهوا ، وكانوا نائمين فاستيقظوا .

                        من أجل ذلك راحوا يبحثون عن سيدنا يونس . . جاءوا يعلنون إيمانهم بالله سبحانه .

                        و لكنّ سيدنا يونس كان قد غادر نينوى الى مكان بعيد . . الى مكان لا يعرفه أحد !

                        من أجل هذا اجتمعوا في أحد الميادين ، و قال لهم الرجل الصالح اعلنوا ايمانكم يا أهل نينوى ، و قال لهم : ان الله رحيم بالعباد فاظهروا الندم ، و خذوا الاطفال الرضع من أمهاتهم حتى يعمّ البكاء ، و ابعدوا الحيوانات عن المراعي حتى تجوع و تعلوا أصواتها .

                        هكذا فعل أهل نينوى فصَلوا بين الاطفال والامهات ، وبكى الاطفال ، وبكت الامهات ، الحيوانات كانت تضجّ من الجوع و تعطّلت الحياة في مدينة نينوى . .

                        الجميع يبكون ، الجميع آمنوا بالله الواحد القادر على كل شي .

                        وشيئاً فشيئاً كانت السماء الزرقاء الصافية تظهر ، و الغيوم السوداء تبتعد .

                        اشرقت الشمس من جديد ، و فرح الناس برحمة الله الواسعة و بنعمة الايمان و الحياة .

                        كان أهل نينوى ينتظرون عودة نبيهم ، و لكن دون جدوى لقد ذهب سيدنا يونس غاضباً و لم يعد ، ترى اين ذهب يونس ؟

                        في البحر :

                        وصل سيدنا يونس البحر الابيض ، و وقف في المرفأ ينتظر سفينة تبحر إلى إحدى الجزر .

                        و جاءت سفينة شراعية . . السفينة كانت مشحونة بالمسافرين .


                        توقّفت في المرفأ لينزل بعض المسافرين ، و يركب البعض الآخر . كان سيدنا يونس من الذين ركبوا السفينة .

                        انطلقت في عرض البحر بعد أن رفعت اشرعتها عالياً .

                        و عندما صارت في وسط البحر ، هبت العواصف ، و ارتفعت الأمواج .

                        و فيما كانت السفينة تمخر المياه المتلاطمة حدث شيء عجيب ، ظهر حوت كبير ! حوت العنبر الهائل . . كان الحوت يرتفع وسط الامواج ثم يهوي بذيله ليضرب المياه ضربة هائلة ، فيصدر صوتاً يشبه الانفجار ، اصاب الاسماك بالذعر فولّت هاربة .

                        توقف قليلاً فانبثقت نافورة المياه كشلال يتدفق نحو السماء .

                        اندفع الحوت باتجاه السفينة ، ثم انعطف فجأة وحرّك ذيله ليدفع موجة هائلة نحو السفينة ، و ارتجّت السفينة بعنف !

                        أدرك ملاحو السفينة ان الحوت يريد تحطيم السفينة و اغرافها كان حوتاً هائلاً و كانت السفينة صغيرة .

                        لم يكن أمام قبطان السفينة غير طريق واحد هو التضحية بأحد ركاب السفينة ليكون طعاماً للحوت .

                        لهذا اجتمع ركاب السفينة وأجروا القرعة فمن خرجت عليه القرعه فهو الضحية . وخرجت القرعة على أحد المسافرين وهو رسول الله يونس .

                        وتقدّم يونس ليواجه مصيره بشجاعة .

                        عرف سيدنا يونس أن ما حدث كان بمشيئة الله ، لهذا لم يخف وهو يهوي باتجاه الأعماق .

                        رأى المسافرون و ركاب السفينة حوت العنبر يتجه نحو الضحية و بعدها لم يروا شيئاً .

                        اختفى يونس واختفى حوت العنبر و نجت السفينة من الخطر و لكن ماذا حصل بعد ذلك في تلك الأعماق السحيقة ؟

                        في الأعماق :

                        ابتعلت الأمواج سيدنا يونس ( عليه السلام ) ، و فيما هو يحاول السباحة و النجاة اذا به يرى الحوت قادماً نحوه و قد فتح فمه الهائل المخيف .

                        و مرّت لحظات فاذا يونس في فم الحوت ثم في بطنه الكبير المظلم !

                        و في تلك اللحظة أدرك سيدنا يونس انه كان عليه أن يعود الى نينوى ، لا أن يسافر إلى الجزيرة .

                        و في اعماق الحوت هتف يونس :

                        لا إله إلاّ أنت سبحنك إنّي كنت من الظالمين .

                        كان نداء يونس نداء الايمان بالله القادر على كل شيء . . .

                        شعر سيدنا يونس انه كان عليه أن يعود إلى نينوى مرّة أخرى لا أن يسافر إلى تلك الجزيرة البعيدة .

                        ان الله سبحانه هو مالك البر والبحر و خالق الحيتان في غمرات البحار .

                        من أجل هذا راح سيدنا يونس يسبح لله الخالق البارئ المصوّر له الاسماء الحسنى .

                        و تمرّ الساعات ، و يونس في بطن الحوت ، و تمرّ الساعات و الحوت يطوف في اعماق المياه . . .

                        سيدنا يونس ما يزال يسبّح لله ، كان يهتف : لا إله إلاّ أنت : سبحانك إنّي كنت من الظالمين و هكذا تمرّ الأيام والليالي .

                        ساحل النجاة :

                        و يشاء الله سبحانه أن يتجه الحوت إلى شواطئ إحدى الجزر . . الحوت يقترب من الشاطئ تتقلص معدته وتتدفق من داخلها المياه وكان يونس فوق الأمواج ثم يستقرّ على شطآن الرمال الناعمة .

                        كان من رحمة الله ان الشاطئ خال من الصخور و إلاّ لتمزق بدن يونس .

                        يونس الآن في غاية الضعف ، جسمه مشبع بالمياه . كان سيدنا يونس منهك القوى ظامئاً . كان يموت من العطش . .

                        إنّه لا يستطيع الحركة يحتاج إلى استراحة مطلقة في الظل ولكن ماذا يفعل و هو وحيد على الرمال ؟!

                        الله سبحانه أنبت عليه شجرة يقطين ، استظلّ سيدنا يونس بأوراق اليقطين العريضة ، و راح يأكل على مهل ثمارها . . .

                        ان من خواص اليقطين احتواؤه على مواد تفيد في ترميم الجلد وتقوية البدن .

                        و من خواصّه أنه يمنع عنه الذباب الذي لا يقرب هذه الشجرة .

                        و هكذا شاء الله سبحانه أن ينجو يونس من بطن الحوت ، و أن يدرك سيدنا يونس أن الله هو القادر على كل شيء هو الرحمن الرحيم .

                        استعاد سيدنا يونس صحته و عاد إلى مدينته نينوى .

                        و فرح سيدنا يونس عندما رأى أهل نينوى يستقبلونه و هم فرحين برحمة الله . . لقد آمن الجميع ، فكشف الله عنهم العذاب . . الاطفال يلعبون ، والرجال يعملون و المواشي ترعى في المروج بسلام . . .

                        انها نعمة الايمان بالله الذي وهب الانسان الحياة .

                        بسم الله الرحمن الرحيم

                        { وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ * وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ }[1] .

                        بسم الله الرحن الرحيم

                        { وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ }[2] .

                        تعليق


                        • #13
                          الى مدين

                          " قصة سيدنا شعيب ( عليه السلام ) "



                          في قرية مدين حيث الأودية الخضراء كانت قيبلة عربية تعيش في رخاء من العيش ، و على مقربة من مدين كانت قرية صغيرة ، اشتهرت بخمائلها وبساتينها . . حتى عرفت بقرية " الأيكة " .

                          في فترة قصيرة و قبل أكثر من ثلاثة آلاف سنة ازدهرت الحياة في تلك المنطقة . .

                          و قد ساعد اعتدال الهواء و تساقط الامطار على ازدهار الحياة الزراعية و الرعي فعاشت القريتان في بحبوحة من العيش .

                          كانت قرية " مدين " قليلة السكان و لكن رخاء الحياة ساعد في تكاثر السكان و أصبحت قرية عامرة بالأسواق و النشاط .

                          و في تلك القرية و في ذلك الزمان عاش رجل صالح يدعى " شعيب " . كان شعيب يحبّ قريته و يحبّ قبيلته بل أنه كان يحبّ الناس جميعاً .


                          لهذا كان يهتم بشؤون الحياة في " مدين " في قرية " الأيكة " .

                          و لكن لماذا يبدو على شعيب الحزن ؟ . . لماذا كان الرجل الصالح يتألم من أجل قومه ؟

                          كان قوم أهل مدين وثنيين . . فهم يعبدون الأصنام . . يعبدون حجارة لا قيمة لها و لا دور . . و لكنهم يتصوّرون أن هذه الحجارة و هذه التماثيل المنحوتة هي التي ترزقهم و تبارك قريتهم .

                          لهذا كان سيدنا شعيب حزيناً . . فهؤلاء الناس لا ينظرون الى السماء . . الى الكون الفسيح الى الفضاء المليء بالنجوم . لا ينظرون الى الأرض . . الى الجبال الى الاشجار كيف تخرج من قلب التراب . .

                          لو فكروا قليللاً . . لو تأملوا لعرفوا ان هذه الاصنام و هذه التماثيل الجامدة لا شأن لها و لا يمكن أن تكون إلهاً .

                          ان الإله الوحيد هو الله سبحانه الذي خلق كل شيء . . خلق الناس و النجوم و الأشجار و كل ما تراه عيوننا و ما ندركه بعقولنا . .

                          من أجل هذا كان سيدنا شعيب يدعوهم الى عبادة الله الواحد و نبذ الأصنام و الأوثان .

                          الغش في الأسواق :

                          الله سبحانه رزق الناس كل شيء . . و أهل مدين كانوا يعيشون حياة رغيدة ، فقد كان كل شيء متوافراً في أسواقهم . . ولكنهم كانوا يَغِشُّون في معاملات البيع و الشراء ، كانوا يُنقصون في الوزن ويَغِشّون البائع و المشتري ، فاذا باعوا شيئاً خففوا في الوزن و إذا اشتروا شيئاً فانهم يشترونه بعد أن يُنقصوا في وزنه .

                          كانوا يتصوّرون أنفسهم أحراراً في هذا العمل .

                          وفي تلك الفترة اختار الله سبحانه الرجل الصالح شعيباً نبياً وليبلّغهم رسالته .

                          فماذا كان موقف أهل مدين ؟ هذا ما سنعرفه فيما بعد .

                          رسالة الله :

                          كان سيدنا شعيب خطيباً بليغ القول . . حجّته قوّية لأنه يتحدّث باسم الحق و العدالة الانسانية . . و يتحدث بلغة الفطرة الصافية .

                          بدأ سيدنا شعيب دعوته الى عبادة الله الواحد و نبذ الاصنام ، ثم راح يتحدث بهدوء عن فساد السوق ، و الظلم الذي يرتكبه أهل " مدين " بعد أن شاع فيهم التطفيف في الميزان .

                          قال سيدنا شعيب لهم انكم باعمالكم هذه سوف تنشرون الفساد . . الحياة الاجتماعية تنهض على التبادل . . فكل انسان يعطي ما يفضل عن حاجته و يأخذ ما يحتاج من ضروريات الحياة .

                          و هذا التبادل في السوق يحتاج الى أمن عام يحفظ وزن الأشياء و نوعها و مقاديرها . .

                          فاذا أشعتم الغش والتطفيف في الميزان و أعطيتم الردئ مكان الجيد ، و اذا احتلتم على المشتري او البائع ، فان هذا فيه الدمار لكم جميعاً .

                          كانت كلمات النبي شعيب جميلة جدّاً لأنها تريد لهم حياة أفضل ، يريد أن يعيش اهل مدين في قرية عامرة بالخير و الرزق الوفير و الأمن و الايمان .

                          كان سيدنا شعيب يعرف ما حلَّ بقوم نوح و قوم صالح و قوم هود . . يعرف ماذا حلّ بقوم نوح و كيف غرقوا في أمواج الطوفان و كيف هبَّت العواصف لتجتث قبيلة ثمود . . و كيف أمطرت السماء شهباً و ناراً لتُحيل " سدوم " و " عامورا " على البحر الميت الى خرائب . .

                          قال شعيب لقومه : ألا تنظرون ما حلَّ بقوم لوط هذه خرائب قريتهم تشهد على ما حلّ بهم من العذاب لأنهم عصوا رسول الله اليهم .


                          الصداع :

                          انقسم أهل مدين الى فريقين ، كان هناك فريق آمن بشعيب و رسالة الله التي يحملها . . كانوا فقراء مستضعفين .

                          و كان هناك فريقاً آخر فريقاً يتألف من طغاة أهل مدين و اثريائهم .

                          و كان هؤلاء يحاربون شعيب و الذين آمنوا به ، كانوا يهددون شعيب قائلين :

                          ـ اننا لانفهم ما تقول يا شعيب . . ثم انك ضعيف ، و لولا رجال من قبيلتك لقتلناك أو طردناك من مدين .

                          قال شعيب ( عليه السلام ) : اتخافون رجالاً من قومي و لا تخافون الله سبحانه . . انني لا أريد سوى اصلاح هذه القرية و لا أريد على ذلك اجراً . .

                          انني احذّركم من غضب الله اذا ما ظللتم على فسادكم و غشكم و عبادتكم للأوثان و ما تقومون به اعمال مشينة في الأسواق من تطفيف الميزان و المكيال .

                          قال المستكبرون : اننا أحرار في كل شيء . . احرار في ان نتصرف باموالنا .

                          ضحك رجل وثني و قال ساخراً :

                          ـ هل أن صلاتك هي التي تأمرك أن نترك آلهتنا و الاّ نتصرف في اموالنا بحرّية ؟!

                          قال لهم سيدنا شعيب : انا لا انهاكم عن شيء ثم ارتكبه . .

                          ان الحرّية ليست في أن يتصرّف الانسان ثم يظلم أخاه الانسان .

                          تصرّفوا بأموالكم كما تشاؤون و لكن لا تظلموا الآخرين و لا تغشوهم ، و لا تطففوا في الميزان و المكيال . .

                          انتم تعيشون في قرية واحدة . . و عليكم أن تتعاونوا فيما بينكم . . و أن يحترم كل منكم حرّية الآخرين . .

                          يا قومي استغفروا ربكم و عودوا اليه ان ربّي رحيم ودود . .الله يريد لكم الخير . . و لهذا أرسلني اليكم .

                          قال بعضهم :

                          ـ انت رجل مسحور يا شعيب . . اننا لا نفهم ما تقول ابداً ، و لولا رجال من اقاربك لقتلناك . . اننا نستطيع أن نفعل ذلك متى أردنا .

                          عندما رأى شعيب ان قومه يعاندونه و لا يستمعون الى مواعظه تركهم بعد أن حذرهم ، و قال لهم :

                          ـ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ .... مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ .

                          قالوا و هم يسخرون : اننا نتهمك بالكذب فاذا كنت صادقاً فأنزل علينا عذاباً من السماء .

                          قال سيدنا شعيب : سوف تعلمون من الكاذب .

                          و هكذا تركهم و ذهب الى قرية قريبه هي قرية " الأيكة " .

                          أصحاب الأيكة :

                          لم يكن سيدنا شعيب من أهل هذه القرية ، كان من أهل " مدين " ، وعندما وصل شعيب ( عليه السلام ) قرية " الأيكة " وجد أهلها يعيشون حياة تشبه حياة أهل مدين . .

                          رأى بساتين مثمرة و قد التفت الاشجار حول بعضها ، و رأى خيراً وفيراً ، فالعيون تتدفق من قلب التراب . . و الصخور ، و تسقي الحقول و لكنهم أيضاً كانوا يعبدون الاصنام و يغِشُّون في معاملات البيع و الشراء .

                          لهذا قال لهم سيدنا شعيب :

                          ـ ألا تتقون الله و تخافون غضبه ؟ انني اخاف عليكم من عقوبة الله . . ان الله لا يحب الفساد و لا يحب الأشرار . . فلا تعثوا في الارض مفسدين !

                          رفض أهل الايكة الايمان برسالة شعيب و قالوا عنه أنه ساحر كذاب .


                          قالوا له :

                          ـ اذا كنت صادقاً فانزل علينا كِسفاً من العذاب .

                          قال شعيب بأدب عظيم :

                          ـ ان الله يعلم ما تعملون انني ابلغكم رسالة ربّي . . وأن ما أريده هو الاصلاح ما استطعت .

                          قالوا :

                          ـ انما انت ساحر كذاب . . ما هو فرقك عنّا أنت بشر مثلنا .

                          و هكذا عاد شعيب الى مدين و راح أهل الايكة يمارسون حياتهم بعيداً عن الايمان و العدالة و الصلاح .

                          أما أهل مدين ، فقد بدأ الصراع فيها بين المؤمنين و الوثيين ، لم يكتف الكفار بعدم الايمان برسالة الله بل راحوا يهددون المؤمنين و يؤذونهم . . حتى وصل الأمر بهم أن يهددوا المؤمنين بالعودة الى الوثنية .

                          نصح النبي شعيب قومه الاّ يقطعوا طريق الايمان . . إنه الطريق المشرق في الظلام ، و ان الله سبحانه لن يغفر لهم ذلك .

                          و ذات يوم جاء الكفار و قالوا لشعيب :

                          ـ سوف نطردك و نطرد الذي آمنوا بك و اتبعوك .

                          قال أحد المؤمنين :

                          ـ لكنا لم نفعل شيئاً نستحق عليه الطرد ؟!

                          قال الكفار :

                          ـ سوف نرغمكم على العودة الى ديننا .

                          استنكر النبي ( عليه السلام ) و قال :

                          ـ حتى لو كنا نكره هذه العقيدة ،! كلاّ لن يعود المؤمن الى عبادة الوثن بعد أن اضاء الله قلبه .

                          رفع شعيب يديه الى السماء و قال بخشوع :

                          { رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ }.

                          النهاية :

                          اعتزل سيدنا شعيب قومه ، ولكن الوثنيين لم يتركوا النبي و الذين آمنوا ليعيشوا بسلام .

                          كانوا يحاولون اعادتهم الى الوثنية ، و كانوا يؤذونهم باستمرار .

                          كانوا اذا رأوا أحداً يريد الاقتراب من منزله و الاستماع الى مواعظه فانهم يعطعون الطريق عليه و يهددونه .

                          و كان سيدنا شعيب يذكرهم بمصائر الامم السابقة ، يذكرهم بمصير الذين كانوا يؤذون الانبياء و يحاربون المؤمنين .

                          لقد رأوا خرائب سدوم و عامورا ، و لكنهم لم يعتبروا من ذلك المصير الرهيب الذي حلّ بقوم لوط !

                          و جاء اليوم الموعود . . بكر الناس الى أعمالهم ، بعد أن ركعوا و سجدوا للاوثان و الحجارة . .

                          و كانت اسواقهم تسودها ضجة ، و عيونهم تبرق بالغش .

                          كانوا يفكرون كيف يحتالون أكثر ليربحوا أكثر ! و هكذا انقضى اليوم و غابت الشمس و حلّ الظلام .

                          مرّت ساعات الليل بطيئة متثاقلة .

                          فجأة اهتزت الأرض هزّات مدمّرة و كانت لحظات رهيبة تحولت فيها مدين الى انقاض و خرائب .


                          و عندما يمرّ المرء بتلك القرية الجميلة فانه سيصاب بالدهشة كيف تحولت و في لحظات الى اطلال و خرائب ؟!

                          و كان العجيب في تلك الحادثة أن المؤمنين وحدهم قد نجوا و خرجوا من القرية بسلام .

                          أما قرية الايكة ، فقد حلّ فيها عذاب آخر و كان عذاب يوم الظلّة .

                          و رأى سيدنا شعيب خرائب القرية فقال بحزن : { يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ }[1].


                          و عاش سيدنا شعيب بقية عمره في " مدين " و كان عنده قطيع من الماشية .

                          و عندما أصبح شيخاً طاعناً في السن تولّت ابنتاه الرعي و كانتا تعانيان في هذه المهمة خاصّة عندما تريديان أن تسقيا قطيع الأغنام ، لأن الفتاة يمنعها الحياء فلا تستطيع أن تزاحم الرعاة .

                          و ذات يوم جاء شاب من مصر كان عمره ثلاثين سنة ، انه موسى بن عمران الذي فرّ من ظلم الفراعنه و لجأ الى قرية مدين ، فماذاحصل ؟

                          هذا ما سنعرفه في الكتاب القادم من سلسلة أحسن القصص .

                          فإلى اللقاء .

                          بسم الله الرحمن الرحيم

                          { وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ {7/85} وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ {7/86} وَإِن كَانَ طَآئِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُواْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَآئِفَةٌ لَّمْ يْؤْمِنُواْ فَاصْبِرُواْ حَتَّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ {7/87} (قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ {7/88} قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ {7/89} وَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ {7/90} فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ {7/91} الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَانُواْ هُمُ الْخَاسِرِينَ {7/92} فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ {7/93} [2].


                          يتبع قصه اخر

                          تعليق


                          • #14
                            العبور

                            " قصة سيدنا موسى ( عليه السلام ) "

                            بسم الله الرحمن الرحيم

                            والآن يا أعزاءنا ننطلق معاً إلى أرض مصر . . مصر القديمة . . إلى أرض النيل قبل آلاف السنين . .

                            هناك حيث يمضي آلاف العبيد المقهورون أعمارهم في نقل الصخور العملاقة إلى " الجيزة " لبناء قبور الفراعنة ، فتلك الأهرام التي ما تزال في طليعة الآثار العالمية لم تكن سوى مقبرة لملوك مصر . .

                            لقد كانوا يعتقدون بان الحياة ستعود إليهم ، ولهذا فقد كانوا يهيئون كل أسباب القوّة والسلطان ، حتى إذا عادوا إلى الحياة أو عادت إليهم الحياة وجدوا كل شيء جاهزاً !

                            ولعلّ العمال الحفاة كانوا يلقون نظرات متأملة من فوق الهرم عند الانتهاء من بنائه فيرون الزوارق وهي تنساب فوق أمواج النيل الهادئة ، ويتأملون أشجار النخيل هنا وهناك على ضفاف النهر الذي يجري صوب البحر الأبيض المتوسط .

                            كان العمال يجبرون على العمل الشاق ليل ونهار وكانت السياط تلهب ظهورهم وأجسادهم العارية .

                            هبة النيل :

                            سمى هيروديت المؤرخ اليوناني مصر " هبة النيل " فلولا نهر النيل ما كانت مصر لأن الفيضان السنوي الذي يحدث بسبب ذوبان الثلوج هو الذي أخصب مصر وهكذا انتشرت الزراعة فيها .

                            وكان القمح المحصول الأساسي وكان المصريون في ذلك الزمان يصنعون منه الخبز الذي يشبه خبزنا في الوقت الحاضر .

                            وفي " دلتا " النيل انتشرت زراعة العنب وكانت هناك بساتين واسعة من الكروم ، وزرع المصريون في ذلك الزمان البقول والخضر مثل الفول والحمص ، وكانوا يحبّون البصل والكراث والثوم والخيار والخسّ .

                            كما استخدموا العسل في تحلية بعض الأطعمة ، وشغفوا بزراعة الأزهار للزينة خاصّة في المناسبات والاحتفالات .

                            المواصلات :

                            وبسبب الفيضانات السنوية فقد كان نهر النيل الطريق الرئيسي الذي يربط جنوب مصر بشمالها .

                            ولهذا صنعوا قوارب من خشب بعض الأشجار ، وكانت للقوارب دفة واحدة وأشرعة مصنوعة من النسيج .

                            وتتحول المدن أثناء الفيضان إلى جزر صغيرة وسط مساحة واسعة من المياه .

                            الحيوانات :

                            عرف المصريون في ذلك الزمان كثيراً من الحيوانات ، فهناك القطط والكلاب التي استخدمت في الصيد والثيران لحراثة الأرض ، بينما كانت الحمير تستخدم لحمل الأثقال .

                            وكانوا يرعون الماعز والأغنام في البراري وينظرون إلى الخنزير كحيوان نجس لان لحمه يتلف بسرعة .

                            وأحبّ المصريون أكل السمك الذي يوجد بكميات هائلة في نهر النيل .

                            وعبد المصريون في فترة من التاريخ التمساح وفرس النهر بسبب خطورتهما ، كما عبدوا الأُسود لنفس السبب وعبدوا أيضاً بنات آوى التي كانت تحوم حول المقابر .

                            الكتابة :

                            عرف المصريون الكتابة والقراءة وكانت لغتهم تدعى " الهير و غليفية " أي العلامة المقدسة المحفورة ، فمثلاً تعني " " الشمس وتدلّ على لفظ النهار وهناك رسوم أخرى تدلّ على ألفاظ أخرى .

                            تاريخ مصر :

                            ينقسم تاريخ مصر إلى ثلاث فترات :

                            الأولى : وتدعى المملكة القديمة ( 2600 – 2280 ) قبل الميلاد .

                            الثانية : المملكة الوسطى : ( 2100 – 1800 ) قبل الميلاد .

                            الثالثة : المملكة الحديثة : ( 1500 – 1000 ) قبل الميلاد .

                            وفي هذه الفترة ولد سيدنا موسى ين عمران عليه السلام .

                            وفي الفترة بين عامي 1500 و 1200 قبل الميلاد كان المصريون دولة قوية جداً ، فقد توسعت رقعة الإمبراطورية وامتدت إلى بلاد النوبة ( السودان ) وفلسطين .

                            وكان الجيش المصري آنذاك يستخدم الخيل والعربات بعد أن اكتشفوا أن أعداءهم يتفوقون عليهم باستخدام الخيول .

                            وقد طغى الفراعنة في هذه الفترة وأعلنوا أنفسهم آلهة للناس خاصّة الفرعون " تحتمس " والفرعون " رمسيس الثاني " وعندما توفي رمسيس جاء ابنه إلى الحكم وهو الفرعون منفتاح . . . الذي ظهر في عهده موسى .

                            بنو إسرائيل :

                            تذكرون يا أعزائي قصة سيدنا يوسف عليه السلام وكيف هاجر يعقوب وبنوه إلى مصر بعد أكثر من عشرين سنة من إلقاء يوسف في البئر .

                            هناك عاش بنو يعقوب أي بنو إسرائيل ومرّت عشرات السنين فأصبحوا شعباً كبيراً .

                            عندما توفي يوسف ومرّت مئات السنين نسي الناس فضل يوسف على مصر .

                            ومرّة أخرى حكم الفراعنة مصر وراحوا يقهرون الناس وكان لبني إسرائيل النصيب الأكبر من ذلك العذاب والظلم .

                            وكان على رجال بني إسرائيل ان يعملوا من الصباح إلى المساء وكان عليهم أن يرضوا بحياة العبودية والذلّ ، عليهم ان يعبدوا الفرعون لأنه إله الناس ! لهذا كانوا ينتظرون من ينقذهم .

                            كان ينو إسرائيل يتوارثون بشارة منذ زمن يوسف ويعقوب عليهم السلام . . كانوا ينتظرون ميلاد الرجل الذي سينقذهم من العذاب . .

                            وعندما كان الظلم يزداد والعذاب يتضاعف فان أحاديثهم عن ميلاد المنقذ كانت تزداد .

                            سمع الفرعون بتلك الهمسات . . همسات الناس المعذبين المقهورين وأيّد الكهنة ذلك . .

                            أكد الكهنة لفرعون أنه سيولد في بني إسرائيل صبي وسيكون هلاك الفرعون على يديه .

                            ارتاع الفرعون من هذه النبوءة وراح يفكّر بإبادة بني إسرائيل .

                            قرر الفرعون ذبح كل من يولد من الذكور في بني إسرائيل ، ووضع جواسيس على النساء الحوامل ، وكانت النساء القوابل قبطيات وعن طريق هذه النساء يعرف الفرعون وجواسيسه جنس المواليد .

                            وقد صوّر القرآن الكريم تلك الفترة السوداء بقوله تعالى : { وإذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم }.

                            كان فرعون إنساناً خبيثاً عرف كيف يفرض سطوته على أهل مملكته ، فراح يبث الفرقة والاختلاف بينهم وجعل كل طائفة تسعى من أجل السيطرة على أخرى وكان الجميع يتقرّبون إلى فرعون باسترضائه ليكون نفوذهم أقوى .

                            أما بني إسرائيل فقد كان الأقباط ينظرون إليهم كغرباء وعبيد ، لهذا كانوا يعيشون حياة المقهورين ثم جاءت النبوءة بظهور رجل من بني إسرائيل يكون على يديه هلاك الفرعون ، فأصبحوا يعاملون كما لو أنهم أسرى دولة أخرى .

                            من أجل هذا مرّ بنو إسرائيل بأسوأ الفترات في حياتهم ،كان شرطة فرعون يأخذون المواليد من الذكور للذبح أو يلقونهم في نهر النيل وكانت الأمهات يبكين على أولادهن .

                            وكان الفرعون يدوس على تلك الورود المتفتحة للحياة . . كان يسحقها بلا رحمة . . كان رجلاً جبّاراً مغروراً بنفسه وسلطته .


                            يتبع

                            تعليق


                            • #15
                              الطفل الموعود :

                              وشاء الله ان يولد موسى . وكانت " يوكابد " تلك المرأة الصالحة حزينة جدّاً فقد اقترب موعد الوضع ، وكانت القابلة القبطية تزورها لتتأكد من جنس الوليد .

                              وفي تلك الظروف المريرة ولد صبي محبوب اسمه موسى كان موسى طفلاً محبوباً جدّاً ، إذا رآه أحد دخل حبّه في قلبه .


                              الله سبحانه ألقى هذه المحبّة على موسى . . من أجل هذا احبّته القابلة وقالت لأمّه :

                              لا تخافي يا يوكابد سوف لن أقول شيئاً لأحد .

                              وأوحى الله في قلب يوكابد أن ترضع موسى ، كانت الأم تتدفق حبّاً لهذا الصبي بوجهه المضيء وبراءته . . وتساءلت في نفسها هل يكون هو الصبي الموعود ؟

                              مرّت أيام ، وكان الجواسيس يبحثون عن كل طفل ذكر يولد ذلك العام لقد كان فرعون يفكر بطريقة خبيثة فهو يريد عمالاً يعملون بلا أجور لهذا كان يسخر بني إسرائيل للعمل ، فأصدر أمراً بأن يوقف الذبح عاماً وينفذ عاماً .

                              وفي العام الذي سبق ميلاد موسى أنجبت يوكابد ولداً هو هارون .

                              كان هارون صغيراً عندما ولد موسى وكانت لهما أخت تكبرهما أعواماً كانت فتاة طيبة وذكيّة . . تحب أخويها وتعطف عليهما وترعاهما .

                              ومرّت أيام ويوكابد ترضع وليدها المحبوب ، ولكنها بدأت تشعر بالخوف والقلق . . سوف يكتشف الجواسيس أنها أنجبت ولداً . . ماذا تفعل كيف يمكنها أن تحمي موسى من خطر الفرعون ؟

                              كيف تحفظه من الذبح ؟ من الخناجر التي ذبحت عشرات الأطفال الأبرياء وفجعت عشرات الأمهات ؟!

                              أوحى الله في قلب الأم أن تصنع صندوقاً صغيراً لموسى وعندما تشعر بالخطر تلقيه في نهر النيل . . .

                              ونفذت الأم الشجاعة هذه الفكرة وكانت ابنتها تساعدها وذات ليلة عندما شعرت بالخطر يقترب ، والجواسيس يفتشون المنازل بحثاً عن الأطفال الرضع . . انطلقت يوكابد مع ابنتها في الظلام إلى نهر النيل . . .

                              نظرت الأم الحزينة إلى أمواج النيل ، ونظرت إلى طفلها الصغير كان موسى نائماً . . أرادت أن تعود إلى المنزل ولكن قوّة في أعماقها كانت تدفعها إلى أن تسلم الصندوق إلى أمواج النيل . . .

                              نظرت يوكابد إلى السماء المرصعة بالنجوم ، وتدفق في قلبها نبع من السلام ...

                              كانت يوكابد امرأة مؤمنة وكانت واثقة من أن الله سوف يحمي وليدها من التماسيح الخطرة ومن أنياب فرس النهر ومن كل الأخطار المحدقة بهذا الطفل البريء .

                              كانت واثقة من أن الله سيعيده إليها . .

                              في لحظة مزيجه من الخوف والإيمان والحبّ وضعت


                              يوكابد الصندوق الصغير على صفحة مياه النيل .

                              وكانت الأمواج المتألقة بسبب ضوء القمر رحيمة بالطفل البريء الوحيد فأخذته بعيداً . . .

                              كادت يوكابد تصرخ وهي تراقب الصندوق إلى أن اختفى بسبب الظلام ، نظرت إلى النجوم . . إلى القمر . . إلى السماء الواسعة . . إلى الله . . تدفق نبع السلام في قلبها وعادت مع ابنتها إلى المنزل وهي تشعر تحتضن مرّة أخرى طفلها الصغير موسى .

                              القصر الفرعوني :

                              لم تنم يوكابد تلك الليلة . . كان قلبها مع موسى . . مع ذلك الصندوق الذي تتقاذفه الأمواج في النيل .

                              أشرقت الشمس ، واستيقظت الطبيعة من سباتها الليلي ، وانطلق الصياديون إلى النيل بحثاً عن الرزق ، والفلاحون إلى حقولهم ، والرعاة إلى المروج . .

                              وكان الصندوق يتهادى بين أمواج النيل . وكان صوت طفولي ينبعث منه . . صوت بريء يبحث عن حضن دافئ .

                              كانت آسية زوجة فرعون امرأة طيبة . . امرأة بعكس زوجها متواضعة تحب الناس . . تحبّ الخير . . تكره الظلم . .

                              كانت تتألم لما يفعله زوجها وما يرتكبه من الظلم والشرور .

                              كانت آسية في ذلك الصباح المشرق جالسة تتأمل المياه المتدفقة في النيل . . تنظر إلى الزوارق والقوارب وهي تنساب في النهر .

                              فجأة وقعت عيناها على صندوق صغير تدفعه الأمواج إلى الشاطئ الأخضر ... رسا الصندوق الصغير مثل سفينة جميلة ..سمعت آسية صوتا طفوليا ..

                              نهضت من مكانها أمرت الحارس أن يحضر الصندوق ، كانت هناك فتيات مع آسية .. فتيات يخدمنها .. أحضر الحارس الصندوق و وضعه أمام زوجة الفرعون و أدى تحية الاحترام و هو يتقهقر إلى الوراء .

                              في الأثناء حضر فرعون . . كان يمشي وأنفه إلى السماء مغروراً بنفسه وسلطته . . في يده عصا قصيرة مصنوعة من خشب الابنوس ومطعمة بالجواهر والذهب .

                              وعندما يشير بعصاه فان هذا يعني أمراً نافذاً على الجميع إطاعته .

                              حضر فرعون وارتاع لمنظر صبي في الصندوق ، نظر إليه بحقد واشتعلت في نفسه رغبة في أن يذبحه بنفسه . . ربّما يكون الصبي الذي تنبأوا بزوال ملكه على يديه !

                              أشار الفرعون بعصاه السوداء ، وامتثل الجنود ينتظرون الأمر . .

                              عندما أشار فرعون إلى رقبة الطفل البريء عرفوا أنه يطلب ذبحه !!

                              وفي تلك اللحظة هبّت آسية تلك المرأة الطيبة . . كانت محرومة من الأطفال وعندما رأت موسى تدفق نبع الأمومة في قلبها . .

                              { قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا }!!

                              سكت فرعون رأى في عيني زوجته موقفاً صلباً لا يعرف التراجع .

                              فكر في ان زوجته قد يفارقها الحزن بسبب حرمانها من الأطفال فلماذا لا يسكت عن هذا الطفل ؟ لماذا يذبحه ؟ . . لقد ذبح عشرات الأطفال ومن الممكن أنه ذبح الطفل الموعود وانتهت النبوءة ! أدار الفرعون ظهره ومضى .

                              وابتدرت آسية لتعانق الطفل البريء موسى . . كان وجهه المضيء يبعث الحب في القلوب ، وكانت عيناه الصافيتان تبحثان عن وجه أليف .. عن وجه يحبّه . . ولكن الطفل لم ير الوجه المشرق . . كان يبحث عن صدر دافئ . . صدر يمنحه اللبن والشعور بالسلام . . ولكن لا شيء . .

                              بكى موسى . . علا صوته الطفو لي . . هبّت آسية أحضرت له نساء مرضعات . .

                              جاءت أحداهن وأخذت موسى في حضنها ، ولكن الطفل استمر في بكائه . . كان جائعاً ولكن العجيب أنه لا يقبل أن يرضع من ايّة امرأة أبداً . .

                              استمر موسى في بكائه أنها قدرة عجيبة مدهشة كانت تمنع الطفل عن الرضاعة بالرغم من جوعه الشديد . . .

                              الوعد الإلهي :

                              كانت " يوكابد " امرأة مؤمنة بالله وكان قلبها يحدّثها بان موسى سيعود إليها . . ماذا فعلت تلك الأم البائسة ؟

                              قالت لابنتها :

                              تقصّي أثره لنعرف ماذا سيحدث لأخيك .

                              انطلقت الأخت تراقب الصندوق الصغير في نهر النيل ليس هناك من يعرف سرّ الصندوق سواها وأمها والله ثالثهما . .


                              شاهدت الأخت كل شيء .

                              في ذلك الصباح المثير كانت تراقب ما يجري على الشاطئ الأخضر أمام قصر الفرعون الذي تحفه الأشجار . .

                              كانت تراقب من وراء نخلة ما يجري وكانت تصغي بألم إلى صراخ أخيها الذي يبحث عن ثدي أمّه .

                              عندما جاءت نسوة كثيرات لا رضاع موسى ، حشرت أخت موسى نفسها بين النسوة وكأنها فتاة غريبة جاءت مع إحدى النساء .

                              عندما رأت موسى خفق قلبها ، ولكنها تماسكت وتشجعت لتبدو فتاة لا تعرف الطفل ولم تره من قبل .

                              كانت آسية تبحث عن امرأة يمكنها ان ترضع هذا الطفل المحبوب ، لهذا قالت أخت موسى :

                              { هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ }؟

                              استبشرت آسية وقالت :

                              نعم . . نعم أحضريها الآن . . حالاً . . ان الطفل سيموت من البكاء .

                              ركضت الفتاة بأقصى سرعة كانت فرحة جدّاً . . دخلت على أمّها لتبشرها بما حصل .

                              وجاءت يوكابد وهي تتظاهر بأنها غريبة لا تعرف الطفل . . تأخرت قليلاً حتى تبدد الشكوك التي قد تحوم حولها .

                              جاءت يوكابد لترى آسية تنتظرها على أحرّ من الجمر . .

                              أخذت يوكابد موسى وبذلت قدرة جبّارة للسيطرة على مشاعرها . . بدا وجهها خال من أي تعابير توحي بأنها أمّه .

                              فجأة سكت موسى في حضن أمّه . . وفرحت آسية وهي ترى موسى يشرب اللبن .

                              فكرت آسية زوجة الفرعون أن تستأجر يوكابد لا رضاع الطفل وأرادت يوكابد ان تطرد عنها الشكوك تماماً فقالت :

                              انني ارضع ابني هارون .


                              يتبع

                              تعليق

                              المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                              حفظ-تلقائي
                              x

                              رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                              صورة التسجيل تحديث الصورة

                              اقرأ في منتديات يا حسين

                              تقليص

                              لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                              يعمل...
                              X