خطب ابن الزبير بمكة المكرمة على المنبر وابن عباس جالس مع الناس تحت المنبر فقال : إن ههنا رجلاً قد أعمى الله قلبه كما أعمى بصره يزعم أن متعة النساء حلال من الله ورسوله ويفتي في القملة والنملة وقد احتمل بيت مال البصرة بالأمس وترك المسلمين بها يرتضخون النوى . وكيف ألومه في ذلك وقد قاتل أم المؤمنين وحواري رسول الله صلى الله عليه وآله ومن وقاه بيده فقال ابن عباس لقائدة سعد بن خزيمة استقبل بي وجه ابن الزبير وارفع من صدري وكان ابن عباس قد كف فاستقبل به قائده وجه ابن الزبير وأقام قامته فحسر عن ذراعيه ثم قال : يابن الزبير : قد انصف الفارة من راماها * انـا إذا مـا فئة نلقـاهـا
نرد أولاها عـلى أخراهـا * حتى تبصر حرضاً دعواها
يا ابن الزبير : أما العمى فإن الله تعالى يقول ( فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) وأما فتاوى في القملة والنملة فان فيها حكمين لا تعلمها أنت ولا أصحابك وأما حملى المال فانه كان مالا جبيناه فاعطينا كل ذى حق حقه وبقيت بقيه هي دون حقنا في كتاب الله فأخذناها بحقنا . وأما المتعة فسل أمك اسماء إذا أنزلت عن بردى عرسجة . وإما قتالنا أم المؤمنين فبنا سميت أم المؤمنين لا بك ولا بأبيك فانطلق أبوك وخالك إلى حجاب مده الله عليها فهتكاه عنها ثم اتخذاها فتنة يقاتلان دونها وصانا حلائلهما في بيوتهما فما انصفا الله ولا محمداً من أنفسهما أن أبرزا زوجة نبيه وصانا حلائلهما . وأما قتالنا إياكم فأنا لقيناكم زحفاً فان كان كفاراً ____________
(1) نهج البلاغة لابن أبي الحديد 4 : 489 ـ 490 . ( 46 )
فقد كفرتم بفراركم منا ، وإن كنا مؤمنين فقد كفرتم بقتالكم إيانا وايم الله لولا مكان صفية فيكم ومكان خديجة فينا لما تركت لبني أسد بن العزى عظماً إلاّ كسرته فلما عاد ابن الزبير إلى أمه سالها عن بردى عوسجة فقالت : ألم أنهك عن ابن عباس وعن بني هاشم فأنهم كعم الجواب إذا بدهوا فقال : بلى وعصيتك ، فقالت : يا بني أحذر هذا الأعمى الذي ما أطاقته الإنس والجن وأعلم أن عنده فضائح قريش بأسرها فإياك آخر الدهر . فقال أيمن بن خزيم بن فاتك الأسدي :
يا ابن الزبير لقـد لاقيت بـائقة * من البوائق فالطف لـطف محتال
لاقيتـه هـاشمياً طـاب منبتـه * فـي مفـرسيه كـريم العم والخال
ما زال يقرع عنك العظم مقتـدراً * على الجـواب بصوت مسمع عال
حتى رأتك مـثل الكلب منحجـراً * خـلف الغبيط وكنت البازح العالي
إن ابن عباس المعـروف حكمتـه * خيـر الأنام لـه حال مـن الحال
عيرته « المتعة » المتبوع سنتهـا * وبـالقتال وقـد عيـرت بـالمال
لمـا رماك علـى رسل بـأسهمه * جـرت عليك كسوف الحال والبال
فاحتز مقولك الأعلـى بشفـرتـه * حـزاً وحياً بـلا قيــل ولا قال
وأعلـم بـأنك إن عاودت غيبتـه * عليك عليك مخـاز ذات اذيال
وقد مر عليك من أن أم عبدالله بن الزبير هي أسماء بنت أبي بكر الصديق ( رض ) عنهما وقد تزوجها حواري رسول الله ( ص ) الزبير ( رض ) بالمتعة ، فماذا يقول حضرات الأساتذة أحمد أمين والسائح المصري محمد ثابت وموسى جار الله صاحب كتاب الوشيعة ؟ ؟
( ثامناً ) ومن طرق المجوزين والقائلين بحليتها ما نقل عن الإمام جعفر الصادق « ع » (1) أنه كان يقول : ثلاث لا أتقى فيهن أحداً متعة الحج ، ومتعة النساء ، والمسح على الخفين . ____________
(1) أصل الشيعة وأصولها . ( 47 )
وكذلك روى الشيخ الكليني في كتابه الكافي أن الإمام محمد الباقر ( ع ) سئل عن المتعة فقال : أحلها الله في كتابه وسنة نبيه نزلت في القرآن ( فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن ) فهي حلال إلى يوم القيامة فقيل له يا أبا جعفر مثلك يقول هذا وقد حرّمها عمر ؟ فقال وإن كان فعل فقيل : إنا نعيذك بالله أن تحل شيئاً حرمه عمر فقال الباقر ( ع ) أنت على قول صاحبك وأنا على قول رسول الله ، هلم ألا عنك أن القول ما قال النبي ( ص ) إلخ .
ومعلوم من هو محمد الباقر ( ع ) فهو ابن على زين العابدين بن الحسين السبط ابن علي ابن أبي طالب ( ع ) وقد أيد قوله هذا ولده الإمام جعفر الصادق ( ع ) كما رأيت فيما نقلوه عنه . وعليه فلا نعتقد في أن القارئ المحترم يحوجنا بعد هذا القدر الذي قدمناه بين يديه من الصحاح المعتبرة أن نسرد له ونزجى إليه أحاديث وأخبار اخرى يضيق بها صدر هذا الكتيب ومن شاء الاستزادة فليراجع المجلدات والموسوعات ولكن في هذا غنى للمتدبر البصير ، والمتفقه اللامع .
لمرض اجتماعي
تعليق