بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وعَجِّل فَرَجَهم
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ ، وَ اجْعَلْنِي لَهُمْ قَرِيناً ، وَ اجْعَلْنِي لَهُمْ نَصِيراً
، وَ امْنُنْ عَلَيَّ بِشَوْقٍ إِلَيْكَ ، وَ بِالْعَمَلِ لَكَ بِمَا تُحِبُّ وَ تَرْضَى ، إِنَّكَ عَلَى
كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، وَ ذَلِكَ عَلَيْكَ يَسِيرٌ .
السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ .
قال الله عز وجل بسم الله الرحمن الرحيم
{ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ
وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ 124 } ـ سورة البقرة ـ
قلنا من قبل أن الله عز وجل قد جعل إبراهيم عليه السلام إماماً للناس بعد
أن كان نبياً وقد قال بمثل هذا القول البعض من أهل السنة لكن البعض
منهم لا يقبلون هذا القول ويدعون عدم وجود دليل على أن الإمامة للناس
كانت بعد النبوة وقد سألني الأخ السني / المهتدي بالله / فقال لي
( وما الدليل على ان قوله تعالى ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ
قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ
124 )
كان بعد النبوة وبعد ان بشره بالاولاد ؟
لانك تبني على اساس ان هذا يقين، وهذا يحتاج الى دليل من معصوم (
كتاب أو سنة) ليثبت هذه المقدمة وليس بناءا على رأي مفسر، لان الرأي
لايمكن الاستناد عليه كمقدمة ثابته.))
أقول
الدليل موجود في الآية الكريمة نفسها فالله عز وجل قد قال
( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ )
( واذكر-أيها النبي- حين اختبر الله إبراهيم بما شرع له من تكاليف، فأدَّاها
وقام بها خير قيام )
ـ التفسير الميسر ج 1 ـ
( { ابتلى } : اخْتَبَره بتكليفه بأمور شاقة عليه .
{ بكلمات } : متضمنة أوامر ونواهي .
{ أتمهن } : قام بهن وأداهن على أكمل الوجوه وأتممها .)
ـ سر التفاسير ج 1 لأبي بكر الجزائري ـ
( قوله تعالى :{ بكلمات } ؛ هذه الكلمات التي هي محل الابتلاء، والاختبار
أطلقها الله سبحانه وتعالى؛ فهي كلمات كونية؛ وشرعية؛ أو جامعة بينهما؛
واختلف المفسرون في هذه الكلمات ؛ وأصح الأقوال فيها أن كل ما أمره
به شرعاً ، أو قضاه عليه قدراً ، فهو كلمات )
ـ تفسير العثيمين سورة البقرة ـ
إذاً الله عز وجل ابتلى إبراهيم عليه السلام بما شرع له من تكاليف متضمنة
أوامر ونواهي وهذه التكاليف جزء من نبوته وكانت عن طريق الوحي
بعدما صار نبياً
وقال الله عز وجل ( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً )
قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
( وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً )
ـ صحيح البخاري ج 1 ـ
كان إبراهيم عليه السلام نبياً إلى قومه خاصة ونبياً وإماماً لمن آمن به ولم
يكن نبياً للناس عامة ثم بعد ذلك جعله الله عز وجل إماماً للناس عامة
وليس نبياً للناس عامة
( ولم يرد بالإمامة ههنا النبوة كما ظنه بعض المفسرين ، فإنه- عليه
السلام- إمام للناس على العموم في كل زمان على الإطلاق وليس بنبي لهم
على [العموم] بالإطلاق ، ولا قيل له ذلك )
ـ تفسير الراغب الأصفهاني ج 1 ـ
( وقد بين الله هنا : أنه تعالى كافأَه على هذا الإتمام ، بأن جعله للناس -
عامة - إمامًا يؤتم به ، وقدوة يُقتدى به في جميع العصور والأجيال
والملل من بعده . بخلاف كل نبي ، فإمامته خاصة بأُمته )
ـ التفسير الوسيط للقرآن الكريم ج 1 مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ـ
وقال الله عز وجل ( قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي )
كان إبراهيم عليه السلام نبياً وليس له ذرية وظل على ذلك سنوات كثيرة
من عمره الشريف ثم دعا الله عز وجل بالذرية الصالحة فقال كما ذكر الله
عز وجل في كتابه العزيز في سورة الصافات ( رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ
(100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي
أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ
سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103)
وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ
(105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)
وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي
الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا
مِنَ الصَّالِحِينَ (112) )
وفي سورة مريم عليها السلام
( فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا
جَعَلْنَا نَبِيًّا (49))
وفي سورة الأنبياء عليهم السلام
( وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71) وَوَهَبْنَا لَهُ
إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72))
كل هذه الآيات الكريمة تؤكد أن إبراهيم عليه السلام عندما قال ( وَمِنْ
ذُرِّيَّتِي ) كانت له ذرية
إذاً القرآن الكريم قد بين أن إبراهيم عليه السلام كان نبياً وله ذرية قبل أن
يجعله الله عز وجل إماماً للناس .
ويدل على نبوته قبل هذه الإمامة للناس آيات أخرى منها
قال الله عز وجل
( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ
رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي
بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي
الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)) سورة البقرة
( 3- ومنها : أن المحاجة لإبطال الباطل ، ولإحقاق الحق من مقامات
الرسل ؛ لقوله تعالى : { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه }.
ـ تفسير العثيمين سورة البقرة ـ
( هذه الآية واضحة لمن تأملها فإبراهيم عليه الصلاة والسلام خليل الرحمن
قد بعثه الله إلى قومه يدعوهم إلى توحيد الله وينذرهم الشرك بالله، وكان
في زمانه ملك يقال له : " النمروذ " يدعي أنه الرب وأنه رب العالمين )
ـ مجموع فتاوى عبد العزيز بن باز ج 9 ـ
( وهكذا قام الأنبياء بواجب المجادلة بالحسنى والدفاع عن العقيدة ، هذا
إبراهيم يدافع عن عقيدته في الله وأنه يحيي ويميت ، ويرغم أنف النمرود
ويسكته ، وينتقل من موضوع إلى موضوع إفحاماً له .)
ـ دروس ل محمد المنجد درس رقم 129 ـ
هنا إبراهيم عليه السلام كان نبياً ورسولاً قبل الهجرة
وقال الله عز وجل
( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ
تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي
مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43))
سورة مريم عليها السلام
( ( نَبِيًّا ) يقول : كان الله قد نبأه وأوحى إليه .)
ـ تفسير الطبري ج 18
( وَالنَّبِيءُ: فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، مِنْ أَنْبَأَهُ بِالْخَبَرِ. وَالْمُرَادُ هُنَا أَنَّهُ مُنَبَّأٌ مِنْ
جَانِبِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْوَحْيِ...
ذَلِكَ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يَرَى نَفْسَهَ عَلَى عِلْمٍ عَظِيمٍ لِأَنَّهُ كَانَ كَبِيرَ دِيَانَةِ قَوْمِهِ. وَأَرَادَ
إِبْرَاهِيمُ عِلْمَ الْوَحْيِ وَالنُّبُوءَةِ .)
ـ التحرير والتنوير ج 16 لابن عاشور ـ
( وقوله : { جَاءنِى } ظاهر في أن هذه المحاورة كانت بعد أن نبىء عليه
السلام )
ـ تفسير الألوسي ج 11 ـ
( 43- يا أبى ، لقد جاءنى من طريق الوحى الإلهى ما لم يأتك من العلم
بالله )
ـ تفسير المنتخب ج 2 ـ
( لا تظن يا أبي أنِّي متعالم عليك، أو أَنِّي أفضل، أو أذكى منك، فهذا الكلام
ليس من عندي، بل من أعلى مني ومنك، فلا غضاضةَ في سماعه
والانصياع له، وهو رسالة كُلِّفْتُ بإبلاغك إياها )
ـ تفسير الشعراوي ج 15 ـ
وقال الله عز وجل
( قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آَلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا
وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70))
سورة الأنبياء عليهم السلام
( فانتصر الله لرسوله وقال للنار : كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم، فلم يَنَلْه
فيها أذى، ولم يصبه مكروه.)
ـ التفسير الميسر ج 5 ـ
( قُلْنَا : يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ. وَقَدْ أَظْهَرَ اللَّهُ ذَلِكَ مُعْجِزَةً
لِإِبْرَاهِيمَ )
ـ التحرير والتنوير ج 17 لابن عاشور ـ
وهذه المعجزة من الله عز وجل دليل على صحة نبوة سيدنا إبراهيم عليه
السلام وصدقه في دعوته
وقال الله عز وجل
( وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ (42) وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ
وَقَوْمُ لُوطٍ (43) سورة الحج
( 42- وإذا كنت تلاقى - أيها النبى - تكذيباً وإيذاء من قومك فلا تحزن ،
وتأمَّل فى تاريخ المرسلين قبلك تجد أنك لست أول رسول كذَّبه قومه
وآذوه ، فمن قبل هؤلاء الذين كذبوك كذبت قوم نوح رسولهم نوحاً وكذبت
قوم عاد رسولهم هودا ، وكذبت ثمود رسولهم صالحا .
43- وكذَّب قوم إبراهيم رسولهم إبراهيم ، وقوم لوط رسولهم لوطا .)
ـ تفسير المنتخب ج 2 ـ
وهذه النبوة والرسالة كانت قبل الهجرة والذرية
وقال الله عز وجل
( فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ
فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (24) وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا
مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ
بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (25) فَآَمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ
إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26))
سورة العنكبوت
( لم يزل إبراهيم عليه الصلاة والسلام يدعو قومه، وهم مستمرون على
عنادهم ، إلا أنه آمن له بدعوته لوط )
ـ تفسير السعدي ـ
( فأخبر تعالى أن إبراهيم بعد الجهاد الطويل في الدعوة إلى عبادة الرحمن
الرحيم لم يؤمن له ولم يتابعه على الحق الذي دعا إليه إلا لوط بن هاران
أخيه )
ـ أيسر التفاسير ج 3 للجزائري ـ
الخلاصة
كان إبراهيم عليه السلام نبياً ورسولاً إلى قومه قبل أن يجعله الله عز وجل
إماماً للناس ، وكانت له بعض الذرية قبل أن يجعله الله عز وجل إماماً
للناس
والحمد لله رب العالمين
تعليق