شنو هل موضوع التافه؟
بعدنا وي الجهلة؟
الميزان في تفسير القرآن - العلامة الطباطبائي تفسير آية 43 من سورة النحل:
وقوله: { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } الظاهر أنه خطاب للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ولقومه، وقد كان الخطاب في سابق الكلام للنبي صلى الله عليه وآله وسلم خاصة والمعنى موجّه إلى الجميع فهو تعميم الخطاب للجميع ليتخذ كل من المخاطبين سبيله فمن كان لا يعلم ذلك كبعض المشركين راجع أهل الذكر وسألهم ومن كان يعلم ذلك كالنبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين به كان في غنى عن الرجوع والسؤال.
وقيل: إن الخطاب في الآية للمشركين فإنهم هم المنكرون فليرجعوا وليسألوا وفيه أن لازم ذلك كون الجملة التفاتاً من خطاب الفرد إلى خطاب الجميع ولا نكتة ظاهرة تصحح ذلك والله أعلم.
والذكر حفظ معنى الشيء أو استحضاره، ويقال لما به يحفظ أو يستحضر قال الراغب في المفردات: الذكر تارة يقال ويراد به هيئة للنفس بها يمكن للإِنسان أن يحفظ ما يقتنيه من المعرفة وهو كالحفظ إلا أن الحفظ يقال اعتباراً بإحرازه والذكر يقال اعتباراً باستحضاره، وتاره يقال لحضور الشيء في القلب أو القول ولذلك قيل: الذكر ذكران: ذكر بالقلب، وذكر باللسان، وكل واحد منهما ضربان: ذكر عن نسيان وذكر لا عن نسيان بل عن إدامة الحفظ، انتهى موضع الحاجة.
والظاهر أن الأصل فيه ما هو للقلب وإنما يسمى اللفظ ذكراً اعتباراً بإفادته المعنى وإلقائه إياه في الذهن، وعلى هذا المعنى جرى استعماله في القرآن غير أن مورده فيه ذكر الله تعالى فالذكر إذا أُطلق فيه ولم يتقيد بشيء هو ذكره.
وبهذه العناية أيضاً سمّي القرآن وحي النبوة والكتب المنزلة على الأنبياء ذكراً، والآيات في ذلك كثيرة لا حاجة إلى إيرادها في هذا الموضع. وقد سمى الله سبحانه في الآية التالية القرآن ذكراً.
فالقرآن الكريم ذكر كما أن كتاب نوح وصحف إبراهيم وتوراة موسى وزبور داود وإنجيل عيسى عليهم السلام - وهي الكتب السماوية المذكورة في القرآن - كلها ذكر، وأهلها المتعاطون لها المؤمنين بها أهل الذكر.
ولما كان أهل الشيء وخاصته أعرف بحاله وأبصر بأخباره كان على من يريد التبصر في أمره أن يرجع إلى أهله، وأهل الكتب السماوية القائمون على دراستها وتعلمها والعمل بشرائعها هم أهل الخبرة بها والعالمون بأخبار الأنبياء الجائين بها فعلى من أراد الاطلاع على شيء من أمرهم أن يراجعهم ويسألهم.
لكن المشركين المخاطبين بمثل قوله: { فاسألوا أهل الذكر } لما كانوا لا يسلمون للنبي صلى الله عليه وآله وسلم النبوة ولا يصدقونه في دعواه ويستهزؤن بالقرآن ذي الذكر كما يذكره تعالى في قوله:
{ وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون }
[الحجر: 6]، لم ينطبق قوله: { فاسألوا أهل الذكر } بحسب المورد إلا على أهل التوراة، وخاصة من حيث كونهم أعداء للنبي صلى الله عليه وآله وسلم رادين لنبوته وكانت نفوس المشركين طيبة بهم لذلك، وقد قالوا في المشركين:
{ هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً }
[النساء: 51]. وقال بعضهم: المراد بأهل الذكر أهل العلم بأخبار من مضى من الأُمم سواء أكانوا مؤمنين أم كفّاراً؟ وسمّي العلم ذكراً لأن العلم بالمدلول يحصل غالباً من تذكّر الدليل فهو من قبيل تسمية المسبّب باسم السبب.
وفيه أنه من المجاز من غير قرينة موجبة للحمل عليه على أن المعهود من الموارد التي ورد فيها الذكر في القرآن الكريم غير هذا المعنى.
وقال بعضهم: المراد بأهل الذكر أهل القرآن لأن الله سمّاه ذكراً، وأهله النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه وخاصة المؤمنين. وفيه أن كون القرآن ذكراً وأهله أهله لا ريب فيه لكن إراده ذلك من الآية خاصة لا تلائم تمام الحجة فإن أولئك لم يكونوا مسلِّمين لنبوّة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكيف يقبلون من أتباعه من المؤمنين؟
وكيف كان فالآية إرشاد إلى أصل عام عقلائي وهو وجوب رجوع الجاهل إلى أهل الخبرة، وليس ما تتضمَّنه من الحكم حكماً تعبّدياً، ولا أمر الجاهل بالسؤال عن العالم ولا بالسؤال عن خصوص أهل الذكر أمراً مولوياً تشريعياً وهو ظاهر.
بعدنا وي الجهلة؟
الميزان في تفسير القرآن - العلامة الطباطبائي تفسير آية 43 من سورة النحل:
وقوله: { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } الظاهر أنه خطاب للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ولقومه، وقد كان الخطاب في سابق الكلام للنبي صلى الله عليه وآله وسلم خاصة والمعنى موجّه إلى الجميع فهو تعميم الخطاب للجميع ليتخذ كل من المخاطبين سبيله فمن كان لا يعلم ذلك كبعض المشركين راجع أهل الذكر وسألهم ومن كان يعلم ذلك كالنبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين به كان في غنى عن الرجوع والسؤال.
وقيل: إن الخطاب في الآية للمشركين فإنهم هم المنكرون فليرجعوا وليسألوا وفيه أن لازم ذلك كون الجملة التفاتاً من خطاب الفرد إلى خطاب الجميع ولا نكتة ظاهرة تصحح ذلك والله أعلم.
والذكر حفظ معنى الشيء أو استحضاره، ويقال لما به يحفظ أو يستحضر قال الراغب في المفردات: الذكر تارة يقال ويراد به هيئة للنفس بها يمكن للإِنسان أن يحفظ ما يقتنيه من المعرفة وهو كالحفظ إلا أن الحفظ يقال اعتباراً بإحرازه والذكر يقال اعتباراً باستحضاره، وتاره يقال لحضور الشيء في القلب أو القول ولذلك قيل: الذكر ذكران: ذكر بالقلب، وذكر باللسان، وكل واحد منهما ضربان: ذكر عن نسيان وذكر لا عن نسيان بل عن إدامة الحفظ، انتهى موضع الحاجة.
والظاهر أن الأصل فيه ما هو للقلب وإنما يسمى اللفظ ذكراً اعتباراً بإفادته المعنى وإلقائه إياه في الذهن، وعلى هذا المعنى جرى استعماله في القرآن غير أن مورده فيه ذكر الله تعالى فالذكر إذا أُطلق فيه ولم يتقيد بشيء هو ذكره.
وبهذه العناية أيضاً سمّي القرآن وحي النبوة والكتب المنزلة على الأنبياء ذكراً، والآيات في ذلك كثيرة لا حاجة إلى إيرادها في هذا الموضع. وقد سمى الله سبحانه في الآية التالية القرآن ذكراً.
فالقرآن الكريم ذكر كما أن كتاب نوح وصحف إبراهيم وتوراة موسى وزبور داود وإنجيل عيسى عليهم السلام - وهي الكتب السماوية المذكورة في القرآن - كلها ذكر، وأهلها المتعاطون لها المؤمنين بها أهل الذكر.
ولما كان أهل الشيء وخاصته أعرف بحاله وأبصر بأخباره كان على من يريد التبصر في أمره أن يرجع إلى أهله، وأهل الكتب السماوية القائمون على دراستها وتعلمها والعمل بشرائعها هم أهل الخبرة بها والعالمون بأخبار الأنبياء الجائين بها فعلى من أراد الاطلاع على شيء من أمرهم أن يراجعهم ويسألهم.
لكن المشركين المخاطبين بمثل قوله: { فاسألوا أهل الذكر } لما كانوا لا يسلمون للنبي صلى الله عليه وآله وسلم النبوة ولا يصدقونه في دعواه ويستهزؤن بالقرآن ذي الذكر كما يذكره تعالى في قوله:
{ وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون }
[الحجر: 6]، لم ينطبق قوله: { فاسألوا أهل الذكر } بحسب المورد إلا على أهل التوراة، وخاصة من حيث كونهم أعداء للنبي صلى الله عليه وآله وسلم رادين لنبوته وكانت نفوس المشركين طيبة بهم لذلك، وقد قالوا في المشركين:
{ هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً }
[النساء: 51]. وقال بعضهم: المراد بأهل الذكر أهل العلم بأخبار من مضى من الأُمم سواء أكانوا مؤمنين أم كفّاراً؟ وسمّي العلم ذكراً لأن العلم بالمدلول يحصل غالباً من تذكّر الدليل فهو من قبيل تسمية المسبّب باسم السبب.
وفيه أنه من المجاز من غير قرينة موجبة للحمل عليه على أن المعهود من الموارد التي ورد فيها الذكر في القرآن الكريم غير هذا المعنى.
وقال بعضهم: المراد بأهل الذكر أهل القرآن لأن الله سمّاه ذكراً، وأهله النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه وخاصة المؤمنين. وفيه أن كون القرآن ذكراً وأهله أهله لا ريب فيه لكن إراده ذلك من الآية خاصة لا تلائم تمام الحجة فإن أولئك لم يكونوا مسلِّمين لنبوّة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكيف يقبلون من أتباعه من المؤمنين؟
وكيف كان فالآية إرشاد إلى أصل عام عقلائي وهو وجوب رجوع الجاهل إلى أهل الخبرة، وليس ما تتضمَّنه من الحكم حكماً تعبّدياً، ولا أمر الجاهل بالسؤال عن العالم ولا بالسؤال عن خصوص أهل الذكر أمراً مولوياً تشريعياً وهو ظاهر.
تعليق