إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

الرد المبين على القائل بتحريف كلام رب العالمين

تقليص
هذا الموضوع مغلق.
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #46
    موقف علماء أهل السنة :
    افترق المساكين إلى فرقتين ، فمنهم من خضع دون مكابرة وأقرّ ما جاء به صحيح البخاري وغيره من المصنفات ، ومنهم من كابر ورفض الفكرة من الأساس وقال بكذب تلك المرويات وعاند بلا دليل وقال ( هذا غير معقول ! ) ، ولا أرى وجها للاستحالة عند هؤلاء إلا أن ابن مسعود معصوم عن الخطأ !
    ثم انقسم من أقر بما جاء به الأثر الصحيح إلى قسمين قسم يُؤول ما فعله ابن مسعود ، وسيتضح أن تأويلهم بعيد كل البعد عن الواقع مع صراحة الروايات ، وقسم آخر أقر واستسلم للأمر الواقع وطفق يقلب كفيّه !
    - ص 449 -
    * التفصيل :
    ذهب القاضي الباقلاني والنووي وابن حزم وقيل هو رأي الفخر الرازي إلى أن ما ذكر عن ابن مسعود باطل مكذوب لا يلتفت إليه ، لأن من أنكر شيئا من القرآن فقد كفر ولو صح عن ابن مسعود هذا لكان كافراً وللزم أن بعض القرآن لم يثبت بالتواتر وهذا في غاية الإشكال ، لذا أراد هؤلاء نفي تلك النسبة عن ابن مسعود حتى يبعدوه عن الكفر ، فمنهم من رد الروايات بلا تعليل وحكم ببطلانـها وكذبـها شاء الواقع أم أبى ! ، وتصدى لهم العسقلاني وردّ عليهم القول بعدم إمكان تكذيب الروايات الصحيحة بالمزاج . ومنهم من قال إن التأويل مقبول والطعن في الروايات مرفوض كابن حجر نفسه ، ولكنه ولم يأت بتأويل مقبول ! قال :

    " وأما قول النووي في شرح المهذب ( أجمع المسلمون على أن المعوّذتين والفاتحة من القرآن ، وأن من جحد منهما شيئا كفر ، وما نقل عن ابن مسعود باطل ليس بصحيح ) ففيه نظر ، وقد سبقه لنحو ذلك أبو محمد بن حزم فقال في أوائل المحلى ( ما نقل عن ابن مسعود من إنكار قرآنيّة المعوذتين فهو كذب باطل ) وكذا قال الفخر الرازي في أوائل تفسيره ( الأغلب على الظن أن هذا النقل عن ابن مسعود كذب باطل ) ، والطعن في الروايات الصحيحة بغير مستند لا يقبل ، بل الرواية صحيحة والتأويل مقبول ، والإجماع الذي نقله إن أراد شـموله لكل عصر فهو مخدوش ، وأن أراد استقراره فهو مقبول " ( 1 ) .‌
    وكذا رجّح السيوطي في الإتقان كلام ابن حجر لأن ما ورد عن ابن مسعود صحيح ولا مجال لإنكاره ، ولم يقبل ما ذهب له الفخر الرازي والقاضي أبو بكر والنووي وابن حزم من تكذيب الروايات ، ويتضح من إشكال الفخر الرازي أن المشكلة لا تكمن في سند الروايات وإنما فيما يلزم من قبول تلك الروايات وإن كانت صحيحة ، قال الرازي :
    ( 1 ) فتح الباري ج 8ص743 ط دار المعرفة .
    - ص 450 -
    "إن قلنا أن كونـهما – المعوّذتين- من القرآن كان متواترا في عصر ابن مسعود لزم تكفير من أنكرها ، وان قلنا إن كونـها من القرآن كان لم يتواتر في عصر ابن مسعود لزم أن بعـض الـقرآن لم يتواتـر، قال : وهذه عقدة صعبة " ( 1 ) .
    إذن ، فالذي أجبرهم على ردها هو ما يلزم منها من الحكم بالتكفير أو عدم التواتر ، فالروايات من حيث السند والدلالة لا يمكن ردّها أو التغلّب على صراحتها بالتأويل ولو أمكن لما استصعب على الفخر الرازي حل عقدتـها .

    وهنا وجه آخر لرد هذه النسبة لابن مسعود وهو كلام ابن حزم الذي أكثر ترديده بعض الوهابية ، ومفاده أن بعض شيوخ القراءة قرؤوا على ابن مسعود ، وهؤلاء أثبتوا المعوذتين في مصاحفهم ، فلو كان ابن مسعود ينكر المعوذتين لاقتفوا أثره في ذلك ، قال في المحلى :
    " وكل ما روي عن ابن مسعود من أن المعوذتين وأم القرآن لم تكن في مصحفه فكذب موضوع لا يصح وإنما صحت عنه قراءة عاصم عن زر بن حبيش عن ابن مسعود وفيها أم القرآن والمعوذتان " ( 2 ) .

    غاية هذا الكلام أن ابن مسعود ما أنكر المعوذتين ! ، وهذا الكلام تافه للغاية ويرده رواياتـهم الصريحة الصحيحة ، وعلى أي حال فلا بأس بالتعقيب على هذا كلام المتهالك الباطل صغرويا وكبرويا ، بأمور :
    1- إن وظيفة القارئ هي اقتفاء أثر الشيخ في نحو القراءة وكيفية إخراج الحروف لا أن يحذف ويزيد سورا !!
    2- سلمنا ، ولكن من قال إن القارئ يجب عليه اقتفاء أثر شيخه فيما علم خطؤه به ؟!

    ( 1 ) ن.م.( 2 ) المحلى ج1ص13 .
    - ص 451 -
    3- سلمنا ، ولكن من قال إن الذين قرؤوا على ابن مسعود لم يعترضوا على إنكاره للمعوذتين ؟! فهاهي الروايات صريحة في اعتراض زر بن حبيش عليه وابن مسعود شيخه في القراءة !
    فدفاع ابن حزم فاسد من رأسه إلى أخمص قدميه ، والوهابية الغرقى يلقون السمع لأي قائل ويتسمكون به ، والغريق يتمسك بقشه !
    * ابتدأت معمعة التأويل !
    ولدفع إشكال الرازي ذكر ابن حجر جوابا عنه ، قال : " وأجيب باحتمال أنه كان متواترا في عصر ابن مسعود لكن لم يتواتر عند ابن مسعود ، فانحلت العقدة بعون الله " ( 1 ) .
    وللأسف ، فإن العقدة مازالت عالقة بل تعقدت أكثر ! ، لأمور :
    1- ما ذكره ابن حجر ليس إلا احتمال لم يقم الدليل عليه وقد نص ابن حجر على كونه احتمالا .

    2- من قال إن وجوه الصحابة الذين سمعوا آيات القرآن وعلموا بـها وجدانا يحتاجون لتواتر النقل لتثبت الآيات عندهم ؟! هذا خلاف المنطق ، لأن التواتر طريق إلى اليقين والحس المباشر هو عين اليقين ، ناهيك عما في يتضمنه هذا الكلام من تعذر اليقين بالقرآن لابتلائه بالدور ، حيث يحتاج كل صحابي للتواتر .
    3- سلمنا ، ولكن من غير المعقول أن تتواتر سورتان بين الصحابة بعددهم الهائل الذي يصل قرابة مائة ألف صحابي وفي نفس الوقت يقصر التواتر عن ابن مسعود الذي بقي على قيد الحياة بينهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم
    ( 1 ) فتح الباري ج 8ص743 ط دار المعرفة.
    - ص 452 -
    مدة أكثر من ثلاث عشرة سنة !! ، هذا أمرٌ لا يمكن تصوّره فضلا عن قبوله فابن مسعود لم يكن يسكن الوديان وكهوف الجبال حتى يتحقق التواتر عند الصحابة ولا يتحقق عنده !
    4- ثم إن موقف ابن مسعود وكلامه ليس موقف من لم يثبت عنده قرآنية السورتين ، الذي من شأنه أن يتوقف في حكم المسألة ويكل أمرها إلى الله عز وجل ، لأن موقفه هو موقف الرافض المعارض للفكرة والمتشبث برأيه ، فقد قام بحكها من الصحف ودعا الناس لعدم خلطها بالقرآن لأن المعوذتين من غيره ، وأنـهما نزلتا كعوذتين وليستا كقرآن ، فأين هذا من ذاك ؟!!

    وعليه ، فمازالت الروايات سليمة وبعيدة عن الطعن والخدش في السند والدلالة وهذا يعني أن ما ذهب له الفخر الرازي وجماعته من تكذيب الروايات ليس بصحيح ، وما أشكله الفخر الرازي على بني جلدته ما زال قائما لم يدفعه تـهالك ابن حجر .

    ولتفاهة توجيه ابن حجر لم يقبله بعض الأساتذة فقال معرضا به :
    " وقد أبى ابن حجر إلا تصحيح تلك الرواية ( 1 ) ، فقال في شرح البخاري (فقول من قال إنه كذب عليه مردود ، والطعن في الروايات الصحيحة بغير مستند لا يقبل ، بل الرواية صحيحة والتأويل محتمل). ثم لم يستطع تأويلا مقبولا ، والله يغفر لنا وله " ( 2 ) .

    ( 1 ) كلامه يوهم أن تصحيح الروايات نبع من ابن حجر ! مع أن صحة السند هو القول الفصل في المسألة لا رأي فلان وفلان ! وليس ابن حجر هو الوحيد الذي صحح الروايات ، فقد صححها كثير غيره ، وصححها كل من التمس للروايات تأويلا ، وصححها كل من حكم بصحة كل ما أخرجه البخاري في صحيحه ، وكذا من أخذ بالروايات واعترف بأن ابن مسعود أنكر المعوذتين ، كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى .
    ( 2 ) هامش إعجاز القرآن للباقلاني ص442 تحقيق أحمد صقر ط دار المعارف بمصر .
    - ص 453 -
    والذين ركبوا صعب ابن حجر كثيرون ، فقبلوا الروايات والتمسوا لـها الوجوه والتخريجات ، نحو هذا التأويل الذي شاع وذاع مع أنه أكثر تفاهة من السابق ، وقد ذكره القرطبي في تفسيره ثم رده في وجه صاحبه :
    " وقال بعض الناس : لم يكتب عبد الله المعوِّذتين لأنّه أمن عليهما من النسيان فأسقطهما وهو يحفظهما كما أسقط فاتحة الكتاب من مصحفه وما يُشكّ في حفظه وإتقانه لها . فرُدّ هذا القول على قائله وأقبح عليه بأنّه قد كتب : {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} و{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ } {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } وهنّ يجرين مجرى المعوذتين في أنـهن غير طوال والحفظ إليهن أسرع ونسيانـهن مأمون وكلّهن يخالف فاتحة الكتاب إذ الصلاة لا تتم إلا بقراءتـها وسبيل كل ركعة أن تكون المقدّمة فيها قبل أن يقرأ من بعدها فإسقاط فاتحة الكتاب من المصحف على معنى الثقة ببقاء حفظها والأمن من نسيانـها صحيح وليس من السور ما يجري في هذا المعنى مجراها ولا يسلك به طريقها وقد مضى هذا المعنى في سورة الفاتحة والحمد لله " ( 1 ) .
    ثم ذكر القرطبي في موضع آخر من تفسيره تأويلا يتخلص به من إشكال الكفر الذي ذكره الفخر الرازي ، فعن يزيد بن هارون أنه قال :
    " المعوّذتان بمنـزلة البقرة وآل عمران من زعم أنهما ليستا من القرآن فهو كافر بالله العظيم ، فقيل له : فقول عبد الله بن مسعود فيهما ؟ فقال : لا خلاف بين المسلمين في أن عبد الله بن مسعود مات وهو لا يحفظ القرآن كله " ( 2 ) .

    وهذه أوهن من بيت العنكبوت ، لمناقضتها للأحاديث التي لا كلام عندهم في صحّتها من أن ابن مسعود كانت قراءته آخر قراءة ، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم أمر الصحابة باستقرائه القرآن ، بالإضافة إلى إن هذا القول لا يرفع شبهة الكفر ، إذ ليس من اللازم كي يحكم بكفر المنكر لآيات القرآن أن يكون حافظا لها عن ظهر قلب ! فقد ينكر المرء سورة البقرة فيحكم بكفره وإن لم يكن حافظا لها ! ، ثم هل من المعقول ألا يحفظ ابن مسعود المعوذتين ؟!!
    ( 1 ) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج20ص251.( 2 ) ن.م ج1ص53.
    - ص 454 -
    * الغريق والقشة !
    وبقيت آخر ورقة عند القوم وهي أن ابن مسعود رجع عن إنكاره لقرآنية المعوذتين ، وقد ذهب له بعضهم كابن كثير في تفسير سورة الفلق ، والفخر الرازي في مقدمة تفسيره وقال إن هذا من باب حسن الظن بابن مسعود !
    وكلام هؤلاء يتضمن اعترافا صريحا بتحريف ابن مسعود للقرآن وأنه أنكر قرآنية المعوذتين ، ولكنهم من باب حسن الظن به قالوا برجوعه عن تحريفه ، ونحن نقبل ما قامت عليه الأدلة وهو ثبوت التحريف وقد اعترفوا به ، أما رجوعه عن التحريف فهذا لا دليل عليه إلا حسن الظن ! ، فنأخذ منهم ما قام عليه الدليل ونترك لهم حسن الظن ، ولو كان حسن الظن يجدي نفعا في المقام لقال الشيعة إن العلماء الشيعة الذين قالوا بتحريف القرآن تراجعوا عن أقوالهم وبنفس الدليل ، وتنتهي القضية .

    * وشهِد شاهدٌ من أهلها :

    وبعد أن ذكرنا قول مَن قبل الروايات وحاول بتكلف تأويلها ، نذكر هنا بعض من اعترف بدلالتها الواضحة ، فصرح أن ابن مسعود أخطأ ولا يمكن القول بأن الصحابة كلهم أخطأوا وابن مسعود أصاب بمفرده ، وما شذ به ابن مسعود من القول بتحريف القرآن يلزمه وحده ، ومن هؤلاء العلماء ابن قتيبة الدينوري في تأويل مشكل القرآن والقرطبي في تفسيره ، والعلامة البزار في مسنده ، وغيرهم الكثير من علماء أهل السنة الآتية أسماؤهم وكلماتـهم في مقام آخر بإذنه تعالى
    يتبع

    تعليق


    • #47
      قال ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن : " وأما نقصان مصحف عبد الله بـحذفه أُمّ الكتاب والمعوذتين وزيادة أبي سورتي القنوت ، فإنا لا نقول : إن عبد الله وأُبـيًّا أصابا وأخطأ المهاجرون والأنصار ، ولكن عبد الله ذهب فيما يرى أهل النظر إلى أن المعوذتين كانتا كالعُوذَةِ والرُّقية وغيرها ، وكان يرى رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم يُعَوّذ بـهما الحسن والحسين وغيرهما ، كما كان يُعوّذ بكلمات الله التامة ، وغير ذلك ، فظن أنـهما ليستا من القرآن ، وأقام على ظنّه ومخالفته الصحابة " ( 1 ) .
      واعترف القرطبي في تفسيره بالطامة التي جاء ابن مسعود بـها خارقا إجماع الصحابة وأهل البيت عليهم السلام ، فقال : " وزعم ابن مسعود انّهما تعوّذ به وليستا من القرآن وخالف به الإجماع من الصحابة وأهل البيت " ( 2 ) .
      وكذا اعترف علامتهم البزّار في مسنده : " لم يتابع ابن مسعود أحد من الصحابة وقد صح عن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم أنه قرأ بـهما في الصلاة وأثبتتا في المصحف " ( 3 ) ، وبقية اعترافات علمائهم تأتي بإذنه تعالى في محل آخر .
      وكما ترى فإن رفض ابن مسعود لقرآنية المعوذتين ليس مجرد نقل محدّثين يروون الرواية كما يسمعونـها ، بل هو معتقد علمائهم .
      ( 1 ) تأويل مشكل القرآن ص33 . لابن قتيبة تحقيق سيد أحمد صقر ط. الحلبي .
      ( 2 ) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج 20 ص251 .
      ( 3 ) الدر المنثور ج4ص416 ط دار المعرفة .
      - ص 456 -
      * فذلكة البحث :
      يمكننا القول على ضوء ما تمليه علينا روايات أهل السنة ، أن التساهل في مدعى ابن مسعود والتغاضي عنه أمر غير صحيح ولا يمكن قبوله البتة ، وذلك لأمور :
      1- ادعى أهل السنة أن ابن مسعود هو الوحيد الذي علم العرضة الأخيرة للقرآن وهي التي عرضها أمين الوحي على الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في آخر حياته الشريفة .

      فهذا ما صح عن ابن عباس : " قال : أي القراءتين ترون كان آخر قراءة ؟ قالوا : قراءة زيد ، قال : لا ! إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يعرض القرآن كل سنة على جبريل فلما كانت السنة التي قبض فيها عرضه عليه عرضتين فكانت قراءة ابن مسعود آخرهن " ( 1 ) .
      والمقصود من آخر قراءة هو القرآن الذي استقر عليه الإسلام ، فتكون قراءة ابن مسعود التي التزم بـها طيلة حياته هي القراءة التي نسخ منها ما نسخ ، وبُدّل منها ما بُدل من الآيات والسور – بزعمهم – ولا أحد يعلم بـها إلا ابن مسعود كما نص عليه ابن عباس سابقا ، ومثلها هذه الرواية :
      " قال : أيّ القراءتـيّن تعدّون أوَّل ؟ قالوا : قراءة عبد الله . قال: لا ! بل هي الآخرة ، كان يعرض القرآن على رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم في كل عام مرّة ، فلمّا كان العام الذي قبض فيه عرض عليه مرّتين فشهد عبد الله ، فعلم ما نسخ وما بُدِّل " ( 2 ) .

      وقال ابن حزم : "حدثنا أحمد بن محمد الجسوري ثنا وهب بن مسرة ثنا ابن وضاح ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا معاوية عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال : أي القراءتين تعدون أول ؟ قلنا : قراءة عبد الله ! قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرض عليه

      ( 1 ) المستدرك على الصحيحين ج2ص230 وقال الحاكم (صحيح الإسناد على شرط الشيخين) ووافقه الذهبي .
      ( 2 ) مسند أحمد بن حنبل ج5ص141-142ح3422 ، والمصنّف لابن أبي شيبة ج10ص559ح10337، ط دار المعارف ، وعُلّق عليه بالهامش (إسناده صحيح). وراجع مسند أحمد ج1ص275ح2494 وص362ح3422 ، قال في مجمع الزوائد ج9ص288: (في الصحيح بعضه رواه أحمد والبزار ورجال أحمد رجال الصحيح).
      - ص 457 -
      القرآن في كل رمضان مرة إلا العام الذي قبض فيه فإنه عرض عليه مرتين فحضره عبد الله فشهد ما نسخ منه وما بدل " ( 1 ) .
      وقال ابن حجر العسقلاني : " ومن طريق مجاهد عن ابن عباس قال : أي القراءتين ترون كان آخر القراءة ؟ قال : قراءة زيد بن ثابت . فقال : لا ! إن رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم كان يعرض القرآن كل سنة على جبريل فلما كان في السنة التي قبض فيها عرضه عليه مرتين ، وكانت قراءة بن مسعود آخرهما . وهذا يغاير حديث سمرة ومن وافقه ".
      وقال : " وعند مسدد في مسنده من طريق إبراهيم النخعي أن ابن عباس سمع رجلا يقول : الحرف الأول . فقال : ما الحرف الأول ؟ قال : إن عمر بعث ابن مسعود إلى الكوفة معلما ، فأخذوا بقراءته ، فغير عثمان القراءة فهم يدعون قراءة ابن مسعود الحرف الأول . فقال ابن عباس : إنه لآخر حرف عرض به النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم على جبريل . وأخرج النسائي من طريق أبي ظبيان قال : قال لي بن عباس : أي القراءتين تقرأ ؟ قلت : للقراءة الأولى قراءة ابن أم عبد ، يعني عبد الله بن مسعود قال : بل هي الأخيرة ! إن رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم كان يعرض على جبريل ، الحديث ، وفي آخره فحضر ذلك ابن مسعود فعلم ما نسخ من ذلك وما بدل ، وإسناده صحيح " ( 2 ) .
      ( 1 ) الإحكام لابن حزم ج6ص266.
      ( 2 ) فتح الباري ج9ص46 ، بـهذا تعلم قيمة ما ذكره ابن تيمية في مجموع فتاواه ج13ص395 : ( فإنه ثبت في الصحاح عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهم أن جبريل عليه السلام كان يعارض الني صلى الله عليه (وآله) وسلم بالقرآن في كل عام مرة ، فلما كان العام الذي قبض فيه عارضه به مرتين والعرضة الأخيرة هي قراءة زيد بن ثابت وغيره ) !! ، وابن تيمية وجد في كلمة (وغيره) مندوحة ، أو قل مهربا من المؤاخذة لأن ابن مسعود والصحابة وأنا وأنت ندخل في قوله (وغيره) ‍!!
      وأضف إلى ذلك أن عثمان كان يأمر كتبة المصحف حال اختلافهم مع زيد أن يذروا قراءة زيد ويكتبوه بلسان قريش ، فكيف يكون زيد هذا آخر الناس عهدا بعرض القرآن على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟! ، قال ابن حجر في الفتح ج9ص20 : ( قال ابن شهاب : فاختلفوا يومئذ في التابوت والتابوه . فقال القرشيون التابوت وقال زيد التابوه فرفعوا اختلافهم إلى عثمان فقال : اكتبوه التابوت فانه نزل بلسان قريش ) ، فالظاهر أن ابن تيمية يرى مخيلته كافية للحكم والبت بأي شيء يعترضه !
      - ص 458 -
      أقول : فعلى هذا ما المانع أن تكون المعوذتان قد نُسختا بالعرضة الأخيرة للقرآن ، وأن ابن مسعود علم ذلك وحده لاستئثاره بالقراءة الأخيرة ، فكان يمحوها من المصحف ويقول لا تخلطوا فيه ما ليس منه لعلمه بما نسخ وما بُدّل ؟! ، بل هو الصحيح على مذهب أهل السنة .
      2- اتفق البخاري ومسلم على أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أمر الصحابة أن يستقرئوا القرآن من ابن مسعود وأن يتلقوه منه :
      " قال صلى الله عليه (وآله) وسلم : استقرئوا القرآن من أربعة : من عبد الله بن مسعود ، وسالم مولى أبي حذيفة ، وأبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ".

      وكذا : " عن مسروق قال : كنا عند عبد الله بن عمرو فذكرنا حديثا عن عبد الله بن مسعود فقال أن ذاك الرجل لا أزال أحبه بعد شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم يقوله سمعته يقول إقرؤا القرآن من أربعة نفر ، من ابن أم عبد فبدأ به ومن أبي بن كعب ومن سالم مولى أبي حذيفة ومن معاذ بن جبل " ( 1 ) .
      ( 1 ) صحيح البخاري (كتاب فضائل الصحابة ) باب مناقب عبد الله بن مسعود ج4ص199 ، وباب مناقب سالم مولى أبي حذيفة وكذا مناقب معاذ بن جبل و مناقب أبي بن كعب ، و صحيح مسلم ج4ص913 . أقول : لم تعان المعوذتان من ابن مسعود فقط ، بل إن أبي بن كعب وهو الرجل الثاني الذي أمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الصحابة باستقرائه القرآن يشك – بحسب رواياتـهم - في أن المعوذتين نزلت من السماء قرآنا أم لا ! ، حيث قال عندما سئل عن المعوذتين ( فقلت : يا أبا المنذر ! إن أخاك ابن مسعود يحكّها من المصحف ، قال : إني سألت رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم قال : قال لي : "قل" ، فقلت . فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ).
      وكلام أبي بن كعب يعني أن النبي صلى الله عليه وآله لم يصرح بقرآنية المعوذتين ! بل إنه صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( قال لي جبرئيل : قل أعوذ برب الفلق … قل أعوذ برب الناس … !! ) فلم يبين لـهم صلى الله عليه وآله وسلم أنـها منه ! ، والمتيقن عند أبي بن كعب أنـهما أنزلتا من السماء ولكنه يشك في نوع هذا التنـزيل ، أقرآن هو أم عوذتان !
      ويؤيد ذلك ما قاله ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان ج3ص81 : ( واختلف على أبي بن كعب في إثبات المعوذتين ) وكل هذا يدعم ويؤيد ما ذهب له ابن مسعود من عدم وجود نص صادر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدل على قرآنيتهما ! ، بل إن المتأمل في ما حكته الرواية من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يشعر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نفسه لم يكن يعلم ماهية المعوذتين هل هي قرآن أم عوذتان !!
      - ص 459 -
      بالإضافة للروايات التي تجعل قراءة ابن مسعود طبق الأصل من الكتاب الذي أنزله الله عز وجل : " من سره أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه من أم عبد" ( 1 ) .
      فكل هذه النصوص تأخذ بأعناق أهل السنة بوجوب التمسك بقراءة ابن مسعود ، وعليه فيجب عليهم اتباعه في إنكار المعوذتين .

      3- لو وقفت الروايات عند هذا الحد لهان الأمر لكن رواياتـهم ذهبت إلى أبعد من ذلك ، مما يجعل مخالفة ابن مسعود مساوية لسخط الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لأننا مأمورون بقبول ما حدثنا به ابن مسعود ، ومن باب أولى يجب علينا عدم مخالفته في القرآن الذي كان مرجعا فيه دون غيره ، وبز فيه الجميع .

      فقد جاء في مجمع الزوائد : " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رضيت لأمتي ما رضى لها ابن أم عبد وكرهت لأمتي ما كره لها ابن أم عبد" ( 2 ) .
      وجاء في صحيح الجامع الصغير للألباني : " اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر واهتدوا بـهدي عمار ، وما حدثكم ابن مسعود فاقبلوه " ( 3 ) .
      فيجب على أهل السنة أن يقبلوا حديث ابن مسعود وما ادعاه من تحريف المصحف وزيادة عوذتين ليستا القرآن فيه .

      ( 1 ) مسند أحمد ج1ص7وص26و38و454 ، ج2ص446 ، ج4ص279 ، سنن ابن ماجة ج1ص49 ، السنن الكبرى ج1ص452 ، مجمع الزوائد ج9ص287و51و632 ، ج11ص710 ، ج13ص460و463 .
      ( 2 ) مجمع الزوائد المجلد التاسع ص 290 وعلق عليه ( رواه الطبراني في الأوسط باختصار الكارهة ورواه في الكبير منقطع الإسناد وفي إسناد البزار محمد بن حميد الرازي وهو ثقة ، وفيه خلاف وبقية رجاله وثقوا ).
      ( 3 ) صحيح الجامع الصغير وزيادته للألباني ج1ص254ح1144 ط المكتب الإسلامي .
      أقول : هذه الرواية وما يماثلها لا شك في كذبـها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فإن أول الرواية يناقض آخرها إذ كيف نـهتدي بـهدي عمار فنعتصم في بيت فاطمة عليها السلام ولا نبايع ابن أبي قحافة ، ومع ذلك نقتدي بابن أبي قحافة ، ثم لماذا لم يحتج بـها ابن أبي قحافة وابن الخطاب عندما صارت المشادة في سقيفة بني ساعدة وصار كل منهم يدلي بدلوه ويفتخر بما عنده ويذكر بقرابته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟!
      ولو فرضنا أنـهما نسيا أو لم يسمعا بـها فما بال الأنصار نسيت ولم تسمع به ؟! ، والحق إن هذين الرجلين لو قدر لهما وخرجا من قبريهما وقرآ هذه الروايات لما علما من المقصود من أبي بكر وعمر !
      - ص 460 -
      * النتيجة :
      طبقا لما ألزموا به أنفسهم ، فإن أمامهم خيارين لا ثالث لهما فإما أن يقولوا أن المعوذتين ليستا من القرآن وأنـهما مجرد عوذتين عوّذ بـهما رسول الله صلى الله عليه وآله الحسن والحسين عليهما السلام ، وإما أنـهما من القرآن وابن مسعود أنكر سورتين من القرآن فهو كافر مرتد .

      ومقتضى أدلتهم الصحيحة المبينة قدر ومنـزلة ابن مسعود وعلمه بالعرضة الأخيرة للقرآن التي لا علم للصحابة بـها يلزمهم الأخذ بالشق الأول فيكون المسلمون كلهم من السلف إلى الخلف يتعبّدون بقرآن محرّف لأنـهم أدخلوا فيه عُوذتين .
      وباختصار إما أن ابن مسعود قال بتحريف القرآن لأنه أسقط منه سورتين فهو كافر ( 1 ) ، وإما أن ابن مسعود مصيب لاختصاصه بالعرضة الأخيرة ، فالقرآن محرّف بزيادة عوذتين .
      ( 1 ) لا وجود لهذه اللغة في مذهب أهل البيت عليهم السلام ، لما مر من أن الحكم بالكفر لإنكار الضروري لا يصح مع الشبهة والالتباس – إن سلمنا أن سلامة القرآن من التحريف ضروري من الدين لما مرّ في محله- فما المانع أن يلتبس الأمر على ابن مسعود بعد أن سمع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يعوذ بـهما الحسن والحسين عليهما السلام فظن أنـهم أنزلتا من السماء كعوذتين لا كقرآن ؟ ، ولكنا نلزمهم بما ألزموا به أنفسهم .يتبع

      تعليق


      • #48
        فقدان سورتين إحداهما تعدل التوبة وأخرى المسبحات !
        أخرج مسلم في صحيحه : " عن أبي الأسود ظالم بن عمرو قال : بَعثَ أبو موسى الأشعري إلى قرّاء أهل البصرة ، فدخل عليه ثلاثمائة رجلٍ قد قرءوا القرآن . فقال : أنتم خيار أهل البصرة وقرّاؤهم . فأتلوه ولا يطولن عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم ، وإنـّـا كنّـا نقرأ سورةً كنّـا نشبِّهـها في الطّول والشّدة ببراءة ، فأنْسيتُها ، غير أنّي قد حفظت منها : ( لو كان لابن آدم واديان من مالٍ لابتغى وادياً
        - ص 461 -
        ثالثاً ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب ) وكنّا نقرأ سورة كنّا نشبـّـهها بإحدى المسبِّحات فأنسيتها غير إنّي حفظت منها ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون فتكتب شهادةٌ في أعناقكم فتُسألون عنها يوم القيامة )" ( 1 ) .
        وعن الدر المنثور " وأخرج أبو عبيد في فضائله وابن الضريس عن أبي موسى الأشعري قال : نزلت سورة شديدة نحو براءة في الشدة ثم رفعت وحفظت منها ( إن الله سيؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم ) " ( 2 ) .
        وفي مجمع الزوائد " عن أبي موسى الأشعري قال : نزلت سورة نحوا من براءة فرفعت فحفظت منها ( أن الله سيؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم ) " ( 3 ) .

        ولا أدري هل شبيهة براءة في الروايتين الأخيرتين هي نفس الشبيهة الأولى أم غيرها ؟ ، وعلى أقل تقدير قد فقدنا سورتين من المصحف .

        والسؤال هنا : أين ذهبت هاتان السورتان ؟ ، ولماذا لم يذكرهما غير أبي موسى الأشعري ؟ وكيف أثبتوا ما ليس من القرآن فيه برواية آحاد ؟ أسئلة كثيرة لا جواب عنها إلا تحريف القرآن بالزيادة أو النقيصة ، كما مر .

        إلى هنا ثبت أن هناك ست سور مطروحة على طاولة التحريف عند أهل السنة وهي الفلق ، و الناس ، والحفد ، والخلع ، وعِدل براءة ، وعِدل المسبحات .

        ( 1 ) صحيح مسلم ج3ص100 كتاب (الزكاة باب كراهية الحرص على الدنيا) وبشرح النووي ج7ص139،140 ، وعن المسند الجامع ج11ص414 (أبو موسى الأشعري) ، وسيأتي الكلام عن الآيتين المزعومتين ، وعن الإتقان في علوم القرآن ج2ص25 (ذكر جزء الحديث الأخير فقط)
        ( 2 ) الدر المنثور ج1ص105 .
        ( 3 ) مجمع الزوائد ج5ص302 وعلق عليه ابن حجر الهيثمي : ( رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير علي بن زيد وفيه ضعف ، ويحسن حديثه لهذه الشواهد ).
        التحريف بفقدان آيات كاملة من القرآن :
        بعد الفراغ من مبحث السور ننقل الكلام إلى مبحث الآيات ، وهذا المبحث ينقسم إلى قسمين ، المبحث الأول يتناول آيات مجهولة النص فقدت من القرآن وعددها كبير جدا كما تمليه رواياتـهم الآتية ولنسمه بالتحريف الإجمالي ، وهذا القسم عظيم الضرر على ما بين أيدينا من القرآن لأنه يرفع حجية العمل بكل آية في المصحف لاحتمال أن الناسخ أو المخصص أو المقيد قد سقط وحُرّف .
        وقسم آخر هي آيات معروفة النص ذكرها بعض الصحابة وليست موجودة في مصحفنا ، ولنسمه بالتحريف التفصيلي ، هذا فقط بالنسبة لتحريف الآيات الكاملة ، وسيأتي بإذنه تعالى الكلام عن تحريف كلمات الآية الواحدة .

        ( 1 ) التحريف الإجمالي :

        * يوم اليمامة ضياع القرآن !
        قد مر عندما تكلمنا عن جمع القرآن الأول في زمن أبي بكر أن روايات أهل السنة - على ما فيها من التناقض - تذهب إلى أن ما دعاهم لجمع القرآن هو قتل كثير من قرّاء القرآن في يوم اليمامة أثناء محاربة مسيلمة الكذاب ، وقد جاءتنا روايات صحيحة صريحة عن أكابر أهل السنة تحكي ضياع آيات من القرآن ، ولا يمكن تأويل هذه الروايات بأي وجه حيث أن هذا الفقدان كان بعد زمن النبوة .
        - ص 463 -
        وهذا ما رواه أبو بكر بن أبي داود بسند صحيح في المصاحف : " حدثنا أبو الربيع ، أخبرنا ابن وهب قال أخبرني يونس ، عن ابن شهاب - الزهري- قال : بلغنا أنه كان قرآن كثير، فقتل علماؤه يوم اليمامة ، الذين كانوا قد وعوه ، ولم يعلم بعدهم ولم يكتب فلما جمع أبو بكر وعمر وعثمان القرآن ولم يوجد مع أحد بعدهم " ( 1 ) .
        قال الحافظ ابن عبد البر في التمهيد : " وروى أبو نعيم الفضل بن دكين قال حدثنا سيف عن مجاهد قال : كانت الأحزاب مثل سورة البقرة أو أطول ، ولقد ذهب يوم مسيلمة قرآن كثير ، ولم يذهب منه حلال ولا حرام " ( 2 ) .
        قال الحافظ عبد الرزاق الصنعاني في المصنف : " قال سفيان الثوري : وبلغنا أن أناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم كانوا يقرؤون القرآن أصيبوا يوم مسيلمة فذهبت حروف من القرآن " ( 3 ) .
        ولا شك أنا نبرأ إلى الله من هذه الأقوال ، ونعوذ بالله منها ، وستأتي ترجمة كل واحد من هؤلاء الذين قالوا بـهذا الكفر – بزعم الوهابية - لبيان أن هؤلاء من أكابر العلماء عند أهل السنة وأرفع سادات سلفهم الصالح .
        ( 1 ) المصاحف لأبي بكر بن أبي داود ص31 ونقله عنه في منتخب كنز العمال المطبوع بـهامش مسند أحمد ط 1ج2ص50.
        ( 2 ) التمهيد في شرح الموطأ ج4ص275 شرح حديث21.
        ( 3 ) المصنف للصنعاني ج7ص330 ذيل حديث 13363.

        تعليق


        • #49
          عمر يعترف أن القرآن كان أضعاف هذا الموجود !

          في الدر المنثور : " أخرج ابن مردويه عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : القرآن ألف ألف حرف وسبعة وعشرون ألف حرف فمن قرأه صابرا محتسبا فله بكل حرف زوجة من الحور العين " ( 4 ) .
          ( 4 ) الدر المنثور ج6ص422 ، الإتقان في علوم القرآن ج2ص70 ، ملاحظة : هذه الرواية عن عمر ذكرها الدكتور محمد سالم محيسن في كتابه رحاب القرآن الكريم ص132 لبيان عدد حروف القرآن الكريم ، واقتصر عليها ولم يعلّق عليها بكلمة ، ولم يشر إلى أن القرآن الموجود بين أيدينا اليوم أقل من هذا الرقم بكثير ، وهذا الأمر لو صدر من عالم من علماء الشيعة لكان في نظر الوهابية ممن يقول بتحريف القرآن جزما ولطبلوا ولزمروا ولرموا الشيعة كلهم بتـهمة تحريف القرآن ، وحتى لو تأسف وأقر بخطئه وقال هذا من سهو القلم ، لقالوا : إنـها التقية ! ، فلا يقف تـهريج الوهابية عند حد !.
          - ص 464 -
          وما نسبه عمر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واضح بسقوط أكثر من ثلثي القرآن الكريم لأن عدد أحرف القرآن الموجود بين أيدي المسلمين اليوم هو ثلاثمائة ألف وثلاثة وعشرون حرفا وستمائة وواحد وسبعون حرفا ! وسيتضح أن عمر حاول تأكيد فكرة وقوع التحريف في آيات القرآن بمقولات كثيرة ستأتي بإذنه تعالى ، ومنها ما أخرجه عبد الرزاق الصنعاني في المصنّـف :
          " عن يوسف بن مهران أنه سمع ابن عباس يقول : أمر عمر بن الخطاب مناديا ، فنادى : إن الصلاة جامعة . ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : يا أيها الناس لا يجزعن من آية الرجم فإنـها آية نزلت في كتاب الله وقرأناها ولكنها ذهبت في قرآن كثير ذهب مع محمد ! " ( 1 ) .

          فأين ذهبت كل هذه الجموع من الآيات التي اختص الله علمها بابن الخطاب ؟ ، وكيف ذهب قرآن كثير حينما ذهب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يحفظه غيره حتى فُقد قدر مجلدين وبقي مجلد واحد وهو مصحفنا ؟!

          ملاحظة : لا مجال هنا للقول بخزعبل نسخ التلاوة كما ذهب له بعض علماء أهل السنة ، وهو ما ذكره السيوطي : " قال بعض العلماء : هذا العدد باعتبار ما كان قرآنا ونسخ رسمه وإلا فالموجود الآن لا يبلغ هذه العدة " ( 2 ) .

          فهذه الموارد خارجة عن نسخ التلاوة ، إذ أن نسخ التلاوة يعني رفع آية وإحلال آية أخرى محلّها لصريح ما استدلوا به من قوله تعالى {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ
          ( 1 ) المصنف للصنعاني ج7ص345ح13329 .
          ( 2 ) الدر المنثور ج6ص422 ، أقول : وهذا يدل على أن الرواية معتمدة عند هؤلاء العلماء ولكن الذهبي تفرد بخدش الراوي على مزاجه ، وهذا التفرد أشار له ابن حجر كما قلنا .
          - ص 465 -
          مِثْلِهَا}(البقرة/106) وواضح أن هذا العدد الذي ذكره عمر لم يحل محله آخر وإلا لما نقص ( 1 ) ، فأين ذهبت ؟!
          * القرآن ذهب منه الكثير !
          وبسند صحيح عن ابن عمر قال :" لا يقولن أحدكم قد أخذت القرآن كلّه وما يدريه ما كلّه ! قد ذهب منه قرآن كثير ، ولكن ليقل قد أخذت منه ما ظهر " ( 2 ) .
          وكلام ابن عمر هذا نصٌ صريح في سقوط كثير من آي القرآن وفقدانـها ، وهو التحريف المقصود بحدّه وحدوده .
          ولكن بعض علماء أهل السنة حاول ستر ريح ما جاءهم به ابن عمر فقالوا مؤولين متلكئين : إنه قصد بالذي ذهب من القرآن منسوخ التلاوة !

          وهذا الكلام باطل بلا ريب ، لأمور :
          1- قوله ( وما يريه ما كله؟! ) هو استفهام استنكاري يفيد النفي والتعجب من قول من يقول إنه قد أخذ القرآن كاملا وهذا لا يمكن تفسيره بنسخ التلاوة ، لأن الله عز وجل في نسخ التلاوة – كما زعموا- يلغي الآية وينسخها فيحل محلها ويسد نقصها بآية أخرى مكانـها فلا ترفع آية أو تمحى إلا وتنـزل مثلها أو خير منها تقوم مقامها لذا لا تنقص الآيات

          ( 1 ) وأنا إنما أذكر هذه التأويلات السخيفة والفاسدة حتى يتضح لدى القارئ الكريم أن لدى أهل السنة مهمة رئيسية وحاجة ملحة تشغل حيزا كبيرا من فكرهم وعقائدهم وهي التأويل والتوجيه للمصائب والرزايا التي ابتلوا بـها بسبب أفعال سلفهم الصالح وآرائهم في الدين ، فهم دائما يحاولون تقويم آرائهم وأفعالهم المعوجة ، وللأسف فإن هذا التقويم يكون في الغالب على حساب الدين .
          ( 2 ) الدر المنثور ج2ص298.
          - ص 466 -
          وإنما تتبدل ، وهذا لم يقصده ابن عمر وإنما قصد النقص وذهاب كثير من القرآن وليس في نسخ التلاوة نقص للقرآن وإنما تبديل وإحلال .
          ولنذكر بعض كلمات علماء أهل السنة في هذا المجال ، قال الشنقيطي في مذكرة أصول الفقه : " فالعجب كل العجب من كثرة هؤلاء العلماء وجلالتهم من المالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم القائلين بجواز النسخ لا إلى بدل ووقوعه مع أن الله يصرح بخلاف ذلك في قوله تعالى {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا }(البقرة/106).
          فقد ربط بين نسخها وبين الإتيان بخير منها أو مثلها بأداة الشرط ربط الجزاء بشرطه ومعلوم عند المحققين أن الشرطية إنما يتوارد فيها الصدق والكذب على نفس الربط ولا شك أن هذا الربط الذي صرح الله به بين هذا الشرط والجزاء في هذه الآية صحيح لا يمكن تخلفه بحال فمن ادعى إنفكاكه وأنه يمكن النسخ بدون الإتيان بخير أو مثل فهو مناقض للقرآن مناقضة صريحة لا خفاء بـها ومناقض القاطع كاذب يقيناً لاستحالة اجتماع النقيضين ، صدق الله العظيم وأخطأ كلام من خالف شيئاً من كلامه جل وعلا "
          وقال : " وقول المؤلف – ابن قدامة - رحمه الله فأما الآية فإنـها وردت في التلاوة وليس للحكم فيها ذكر ، ظاهر السقوط كما ترى لأن الآية الكريمة صريحة في أنه مهما نسخ الآية أو أنساها أتى بخير منها أو مثلها " ( 1 ) .
          وقال العلامة العضُد : " والظاهر أن مراد القائلين بوجوب البدل في النسخ هو إثبات حكم آخر متعلق بذلك الفعل الذي ارتفع عنه الحكم المنسوخ كالإباحة عند نسخ الوجوب أو الحرمة على ما ذهب إليه صاحب الكشاف من أن النسخ هو الإذهاب إلى البدل والإنساء هو الإذهاب لا إلى بدل واعترض عليه بأن الآية تدل على وجوب البدل فيهما جميعا ، والجواب أن المراد بالبدل حكم آخر متعلق بذلك الفعل والآية الأخرى لا يلزم أن تكون كذلك بل قد
          ( 1 ) مذكرة أصول الفقه للشيخ محمد الشنقيطي ص49.
          - ص 467 -
          تدل على ما لا تعلق له بذلك الفعل هذا والحق أنه يجوز النسخ بلا حكم بأن يدل الدليل على ارتفاع الحكم السابق من غير إثبات حكم آخر فلا يحتاج إلى تقييد البدل بالتكليف " ( 1 ) .
          وقال الشيخ الخضري بك في أصول الفقه : " احتج الذين حتموا أن يكون في النص الناسخ حكم شرعي بدلا عن الحكم المنسوخ بقوله تعالى {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا }(البقرة/106). فلا بد إلا إذا أحللنا محلها آية من حكم هو خير . والجواب أن المراد بالبدل إنما هو اللفظ يعني إنا لا نرفع آية هي خير منها في الفصاحة والبلاغة والإعجاز والآية مسماها لفظ لا حكم ، وليس النـزاع نسخ الألفاظ بلا بدل أو ببدل وإنما الكلام في نسخ الأحكام " ( 2 ) .
          2- لنغلق عقولنا ولنسلم جدلا بأن ابن عمر قصد نسخ التلاوة ، فهذا أيضا يدل على أنه يرى تحريف المصحف !
          لأنه يعتقد أن المصحف الكامل هو ما كان مشتملا على المنسوخ تلاوة ، مع أن أهل السنة يرون أن المنسوخ تلاوة ليس من القرآن ، بل هو ملغي لا يصلى به ولا يترتب عليه أحكام القرآن ويحرم قراءته كقرآن ، وعلى هذا فإما ابن عمر حرف القرآن لأنه زاد فيه ما ليس منه ، وإما أهل السنة أنقصوا من القرآن ما هو منه !

          3- ظاهر اللفظ حجة وخلافه يحتاج إلى دليل ، فأين الدليل على أن ابن عمر قصد بقوله السابق منسوخ التلاوة ؟! ، لا دليل .
          ( 1 ) شرح العلامة العضد على مختصر المنتهى الأصولي ، وهي بـهامش حاشية العلامة التفتازاني وحاشية الهروي على حاشية الجرجاني ج2ص193 .
          ( 2 ) أصول الفقه ص259 ط إحياء التراث العربي لمفتش الأزهر الشيخ الخضري بك .
          - ص 468 -
          الوهابية تتكلم من جديد !
          افترى أحد الوهابية في كتيبه على السيد الخوئي رضوان الله تعالى عليه وقال إن السيد الأمجد رضوان الله تعالى عليه قد نسب تحريف القرآن للسيوطي ! ، وكان دليل الوهابي على ذلك هو أن السيد رضوان الله تعالى عليه أخذ قول ابن عمر السابق من الإتقان للسيوطي وقال إن هذه الرواية ظاهرة في التحريف في حين أن السيوطي وضعها في مبحث نسخ التلاوة !
          وهذا مضحك ، لأن السيد رضوان الله تعالى عليه نظر للرواية وحكم بأنـها ظاهرة في التحريف ، هذا كل شيء وما زاد عليه من استنتاجات خيالية فهو من كيس الوهابي ! ، ولو كان الوهابي صادقا لأشار إلى رقم الصفحة من كتاب البيان لنرى متى خاطب السيد رضوان الله تعالى عليه السيوطي أو عناه بقوله أو حتى ألمح إلى شخصه فيه ؟!
          وكأن الوهابي الظريف حاول أن يعطينا قاعدة جليلة القدر عظيمة الفائدة ، وهي أن الرواية مادامت ذكرت في المصدر تحت عنوان معين أو في باب معين كان من المحتم على جميع العلماء أن يوقفوا عقولهم ولا يتجاوزوا حدود فهم المؤلف لدلالة الرواية ، لأن الرواية أخذت من مصنفه فيجب تقليده في معناها ! ، فلو ذكرها مثلا في نسخ التلاوة الخرافي يجب على الجميع أن يكونوا خرافيين مثله ! ، مع أن الجهلة يعلمون أن العلماء لا يقفون عند حدود فهم بعضهم للنصوص

          تعليق


          • #50
            سورة الأحزاب التي عرفها الصحابة أربعة أضعاف الموجودة !!

            أخرج أحمد بن حنبل في مسنده : " حدثنا عبد الله ثنا خلف بن هشام ثنا حماد بن زيد عن عاصم بن بـهدلة عن زر عن أبي بن كعب أنه قال : " كم تقرؤون سورة الأحزاب ؟ قلت : ثلاثا وسبعين آية . قال : قط ! لقد رأيتها وأنّها لتعادل سورة البقرة وفيها آية الرجم ! قال زرّ : قلت وما آية الرجم ؟ قال : ( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم ) " ( 1 ) .
            هذه الرواية صريحة في أن الأحزاب التي عرفها سيد القرّاء أبي بن كعب كانت ثلاثة أضعاف الموجود ، وأنه لم يعهد السورة بـهذا العدد القليل من الآيات فتعجب من سقوط أكثرها ، وكما ترى لو كان للضياع أصل يعوّل عليه لما خفي عن مثل سيد القراء أبي بن كعب ، وإلا فما معنى أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أمر الصحابة أن يستقرئوه القرآن بعد عبد الله بن مسعود ؟!
            وهنا رواية أشكل من سابقتها : " عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت : كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم مائتي آية فلما كتب عثمان المصاحف لم نقدر منها إلا ما هو الآن " ( 2 ) .
            فإن بين طياتـها اتـهاما لعثمان بتحريف المصاحف وحذف أكثر من مئتي آية من سورة الأحزاب وهذا الكلام موافق لما تبناه أهل السنة من أن عثمان حذف ستة أضعاف القرآن ( 3 ) .
            ( 1 ) مسند أحمد ج5ص132ح21245 ، السنن الكبرى للنسائي (باب الرجم) ، الإتقان للسيوطي ج2ص25، ط الحلبي ، المسند الجامع ج1 أبي بن كعب (باب القرآن)ص 53-54 .
            ( 2 ) الإتقان في علوم القرآن ج2ص25.
            ( 3 ) إلا أن يتمسك بنسخ التلاوة الفاسد ، فيقال هل من المعقول أن عائشة والصحابة بقرينة ( لم نقدر منها ) لم يكونوا على علم بنسخ تلاوة إضعاف سورة الأحزاب طيلة ثلاث عشرة سنة على الأٌقل ؟! ، فمن خفي عليه أمر القرآن طيلة ثلاث عشرة سنة كان خفاء أقوال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عنه أحرى وأولى ! فمن يقبل بـهذا من أهل السنة !
            - ص 470 -
            سورة براءة سقط منها الكثير !

            بعد تشكيك روايات أهل السنة في قرآنية آخر آيتين من سورة براءة كما أوضحناه في مبحث جمع القرآن الآن بدأ فصل تآكل أطرافها الأخرى ، ففي عدة من مصادر أهل السنة ذكر أن حذيفة بن اليمان رضوان الله تعالى عليه كان يتحسف من تسمية الناس لهذه السورة باسم سورة التوبة وهي في الأصل سورة العذاب لأن الناس يقرؤون ربعها فقط ولو علموا بأصلها لما سموها التوبة ! فالتي نزل بـها جبريل عليه السلام على الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أضعاف الموجود ، وهذا ما أخرجه :
            " ابن أبي شيبة والطبراني في الأوسط وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه عن حذيفة رضي الله عنه قال : التي تسمّونـها سورة التوبة هي سورة العذاب والله ما تركت أحداً إلا نالت منه ولا تقرؤون منها مما كنا نقرأ إلا ربعها " ( 1 ) .
            وأخرج الحاكم في موضع آخر بسنده : " عن حذيفة رضي الله عنه قال : ما تقرؤون ربعها يعني براءة وهي سورة العذاب " ( 2 ) .
            وفي مجمع الزوائد : "عن حذيفة قال : تسمون سورة التوبة وهي سورة العذاب وما تقرؤون منها مما كنا نقرأ إلا ربعها " ( 3 ) .
            ويا ليت أمرها اقتصر على الروايات فقط ، بل تعداه إلى ما يعتقده القوم ! حتى ذهب إمام المالكية مالك بن أنس إلى أن سورة براءة – التوبة - سقط منها الكثير عندما سقطت البسملة محاولا بـهذا الرأي الفاسد تبرير علة فقدان البسملة من أول السورة ، وهذا ما ذكره الزركشي في البرهان عن إمامهم مالك بن أنس حين تعرضه لأسباب سقوط البسملة من أوّل براءة فقال الزركشي :" وعن مالك أنّ أوّلـها لما سقط سقطت البسملة " ( 4 ) .
            ( 1 ) الدر المنثور للسيوطي ج3ص208 ، المستدرك على الصحيحين ج3ص208 وعلق عليه (هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ) ، وعن المصنّف لابن أبي شيبة ج10ص509ح10143 ، ومجمع الزوائد المجلد السابع ص28 (سورة براءة) علق عليه (رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات) ، وقد مر الكلام عن مضمون هذه الرواية في مبحث الشيعة وتحريف القرآن ، فراجع .
            ( 2 ) المستدرك ج2ص330 علق عليه (هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه).
            ( 3 ) مجمع الزوائد ج7ص28 وعلق عليه ابن حجر (رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات).
            ( 4 ) البرهان في علوم القرآن ج1ص263 .
            - ص 471 -
            وذكره السيوطي في الإتقان : " وعن مالك أن أوّلـها لما سقط سقط معه البسملة فقد ثبت أنـها كانت تعدل البقرة لطولـها " ( 1 ) .
            وهو رأي ابن عجلان وسيأتي الكلام عنه ، وقد وافق ابن حزم قول الشيعة حيث قال في الإحكام :
            " وأيضا فقد روي عن البراء أن آخر سورة نزلت سورة براءة وبعث النبي بـها صلى الله عليه (وآله) وسلم فقرأها على أهل الموسم علانية ، وقال بعض الصحابة وأظنه جابر بن عبد الله ما كنا نسمي براءة إلا الفاضحة . قال أبو محمد – ابن حزم - : فسورة قرئت على جميع العرب في الموسم وتقرع بـها كثير من أهل المدينة ومنها يكون منها آية خفيت على الناس ؟! هذا ما لا يظنه من له رمق وبه حشاشة " ( 2 ) .

            وصدق ابن حزم في هذه ، ولكنه لم يصب كل الحقيقية لأننا قلنا فيما سبق أن سورة براءة نزلت من السماء مردفة بتفسيرها الناص على أسماء المنافقين ونواياهم ، فهي فاضحة ومزلزلة ولكن مع تنـزيلها أي تفسيرها السماوي لا النص القرآني بمفرده الذي لم يذكر فيه أسماء المنافقين ، وكذا الحال بالنسبة لسورة الأحزاب ، ولذلك كانت روايات أهل السنة والشيعة تركز على أن سورتي براءة والأحزاب قد نقص منهما الكثير وهذا صحيح لأن التنـزيل كان شديدا على القوم فيهما فما كان لينسى من أذهانـهم ، لذا قال صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حذيفة بن اليمان : ( ما تركت أحدا إلا ونالت منه ) .
            ( 1 ) الإتقان في علوم القرآن ج1ص65 ط الحلبي الثالثة ( 2 ) الإحكام لابن حزم ج6ص266-يتبع

            تعليق


            • #51
              عندما تنهي قل انتهيت .

              تعليق


              • #52
                ( 2 ) التحريف التفصيلي

                بعد الفراغ من التحريف الإجمالي للآيات ننقل الكلام إلى التحريف التفصيلي المشتمل على جمل معينة زعم وجوه سلفهم الصالح أنـها من القرآن ، والخبير بأسلوب القرآن وسبكه يعلم سخف عاد هذه الجمل من آياته ، إذ ركاكتها ونظمها القاصر يحول دون مقارنتها مع القرآن فضلا عن كونـها منه ! ، إلاّ بحالة واحدة وهي أن الرب الذي أنزلها هو غير ربنا الذي نعرفه ، سبحانه وتعالى عما يشركون .
                وقبل سرد آياتـهم المزعومة نذكّر بما أثبتناه مسبقا وهو أن التحريف بالزيادة يثبت لمن يدعي قرآنية جملة غير متواترة أو قل جملة غير قرآنية ، والتحريف بالنقيصة يلزم من يدعي رفعها ونسخها مع عدم تواتر نسخها ، وقد أثبتناه فيما سبق .
                آية الرجم
                قد جاءت بألفاظ عدّة وهي :
                1- إذا زنيا الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم .
                2- الشيخ والشيخة فارجموهما البتة بـما قضيا من اللذة .
                3- إن الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة .

                هذه الجمل التي ألصِقت بكتاب الله كل صيغها مسودّة كئيبة يدفعها القرآن بجماله وينفيها برونق نظمه وبيانه ، ولا يكاد ينقضي عجبي من هؤلاء المحتجين على غير أهل ملّتنا بإعجاز القرآن وانقطاع البشر كلهم عن أن يأتوا بمثله ، وهم مع ذلك ينسبون له سورا وآيات لو وضعت بين آيات القرآن لكانت كالفحم بين رواصع الألماس ولجين اللؤلؤ ، وقد أشار لهذا المعنى بعض المنصفين من علماء أهل السنة كما سيأتي ذكر كلماتـهم بإذنه تعالى .
                وإن كانت آية الكرسي سيدّة آي القرآن فإن آية الرجم سيدة آي التحريف حيث أخرجها البخاري في صحيحه في أكثر من موضع عن ابن الخطاب وقد ألـح عليها هذا في أكثر من موقف ومقام وأراد دمجها في المصحف الذي حاولوا إنجازه ليكون للمسلمين ملجأ – زعموا - ومصحفا رسميا للدولة في زمن أبي بكر ولكنهم فشلوا كما أوضحنا ، وحيث كان ابن الخطاب وحده لم يستطع دسها في القرآن وقد ذكرنا ذلك سابقا ، ونذّكر هنا بما أخرجه ابن اشته في المصاحف :
                - ص 473 -
                " عن الليث بن سعد قال : أول من جمع القرآن أبو بكر وكتبه زيد…وإن عمر أتى بآية الرجم فلم يكتبها لأنه كان وحده " ( 1 ) .
                ويا ليت محاولته اقتصرت على دسها في المصحف بل ظلت هذه الفكرة تراوده بين الحين والآخر ويتلهف لفشله في تنفيذ مخططه ، حتى قام خطيبا كاشفا عما يستره في صدره منذ أول زمن أبي بكر وزاد على ذلك أنه يريد الآن إلحاقها في القرآن ولكنه يخاف من أن يقول الناس إن ابن الخطاب زاد في كتاب الله عز وجل ! ، وهذا قول عمر : ( لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبت آية الرجم بيدي ) ، فهو لم يكن يخاف من رب الناس في دسها في كتاب الله ، لأنه يرى أن تلك الآية من القرآن وإلحاقها فيه أمر مطلوب له عز وجل !

                قال الزيلعي في نصب الراية : " قلت روى البخاري ومسلم عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب خطب فقال : إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق ، وأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها ووعيناها ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا من بعده ، وإني حسبت إن طال بالناس الزمان أن يقول قائل ما نجد آية الرجم في كتاب الله ، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله فالرجم حق على من زنى من الرجال والنساء إذا كان محصنا إن قامت البينة أو كان حمل أو اعتراف ، وأيم الله ! لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله عز وجل لكتبتها " ( 2 ) .
                وأخرج النسائي في سننه الكبرى بسند صحيح : " أخبرنا العباس بن محمد الدوري قال ثنا أبو نوح عبد الرحمن بن غزوان قال ثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن عبيد الله بن عبد الله عن بن عباس عن عبد الرحمن بن عوف قال : خطبنا عمر فقال : ثم قد عرفت أن أناسا يقولون إن خلافة أبي بكر كانت فلتة . ولكن وقى الله شرها ، وإنه لا خلافة إلا عن مشورة ( 3 ) ، وأيما رجل بايع رجلا مشورة لا
                ( 1 ) الإتقان في علوم القرآن ج1ص121، ط الحلبي .
                ( 2 ) نصب الراية للحنفي الزيلعي ج3ص318 ، وهي في صحيح البخاري ج 4 ص 122 ( باب رجم الحبلى من الزنا ) وص 115 ، وفي صحيح مسلم ج5ص116 كتاب الحدود ( باب رجم الثيب من الزنى ).
                ( 3 ) وهل كانت خلافة عمر نفسه عن مشورة ؟! لا طبعا ، فإن أبا بكر هو الذي استخلفه بلا مشورة المسلمين بل كان بعض الصحابة معارضا استخلاف أبي بكر لعمر لأنه عتي وفظ وغليظ !! ، ففي فضائل الصحابة لابن حنبل ج1ص337ح 485بتحقيق وصي الله بن محمد عباس : ( قال حدثني القاسم بن محمد ثم ان أسماء بنت يزيد أخبرته أن رجلا من المهاجرين دخل على أبي بكر حين اشتكى وجعه الذي توفي فيه ، فقال : يا أبا بكر أذكرك الله واليوم الآخر ! فإنك قد استخلفت عن الناس رجلا فظا غليظا ، يزع الناس ولا سلطان لهم ، وان الله سائلك ! . فقال : أجلسوني . فأجلسناه . فقال : أبالله تخوفوني ؟ إني أقول اللهم أني استخلفت عليهم خيرهم ). علق عليه =>
                - ص 474 -
                يؤمر واحد منهما تغرة أن يقتلا . قال شعبة : قلت لسعد : ما تغرة أن يقتلا ؟ قال : عقوبتهما أن لا يؤمر واحد منهما . ويقولون : والرجم ؟ وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا وأنزل الله في كتابه ، ولولا أن الناس يقولون زاد في كتاب الله لكتبته بخطي حتى ألحقه بالكتاب " ( 1 ) .

                " أخبرني الحسين بن إسماعيل بن سليمان قال ثنا حجاج بن محمد عن شعبة عن سعد بن إبراهيم قال سمعت عبيد الله بن عبد الله يحدث عن بن عباس عن عبد الرحمن بن عوف قال : ثم حج عمر فأراد أن يخطب الناس خطبته ، فقال له عبد الرحمن بن عوف : أنه قد اجتمع عندك رعاع الناس وسفلتهم فأخر ذلك حتى تأتي المدينة . قال : فلما قدم المدينة دنوت قريبا من المنبر ، فسمعته يقول :

                => المحقق : ( الأثر صحيح ، فقد أخرجه ابن سعد ... هذا إسناد حسن . وبإسناد آخر ... وفيه فدخل عليه علي وطلحة فقالا من استخلفت .. نحوه . هذا أيضا إسناد حسن . وأخرجه عبد الرزاق في المصنف .... وإسناده صحيح ). وقال ابن حجر العسقلاني في تلخيص الحبير ج4ص44-45 : ( حديث أن أبا بكر عهد إلى عمر هو صحيح مشهور في التواريخ الثابتة وفي البخاري عن ابن عمر أن عمر قال : إني إن استخلف فقد أستخلف من هو خير مني يعني أبا بكر الحديث . ولمسلم مثله والبيهقي من طريق بن أبي مليكة عن عائشة قالت : لما ثقل أبي دخل عليه فلان وفلان ، قالوا : يا خليفة رسول الله ! ماذا تقول لربك غدا إذا قدمت عليه وقد استخلفت علينا ابن الخطاب ... الحديث ).
                المصنف لعبد الرزاق ج5ص449ح 9764 : ( عبدالرزاق عن معمر عن الزهري عن القاسم بن محمد عن أسماء بنت عميس قالت : دخل رجل من المهاجرين على أبي بكر رحمه الله وهو شاكٍ ، فقال : استخلفت عمر ؟! وقد كان عتا علينا ولا سلطان له ! فلو قد ملكنا لكان أعتى علينا وأعتى !! فكيف تقول لله إذا لقيته ؟! فقال أبو بكر : أجلسوني . فأجلسوه . فقال : هل تفرقني إلا بالله فإني أقول إذا لقيته استخلفت عليهم خير أهلك قال معمر فقلت للزهري ماقوله خير أهلك قال خير أهلك مكة ).
                وعن مصنف ابن أبي شيبة ج7ص434 ح7056 ( حدثنا وكيع وابن إدريس عن إسماعيل بن أبي خالد عن زبيد بن الحارث –الحافظ الثقة- أن أبا بكر حين حضره الموت أرسل إلى عمر يستخلفه فقال الناس : تستخلف علينا فظا غليظا !! ولو قد ولينا كان أفظ وأغلظ !! فما تقول لربك إذا لقيته وقد استخلفت علينا عمر؟!!! قال أبو بكر : أبربي تخوفونني ... )
                ح37057 : ( حدثنا وكيع بن الجراح – ثقة حافظ - عن إسماعيل بن أبي خالد – ثقة ثبت - عن قيس بن أبي حازم - ثقة ثبت - قال : رأيت عمر بن الخطاب وبيده عسيب نخل وهو يجلس الناس ، ويقول : اسمعوا لقول خليفة رسول الله ! قال : فجاء مولى لأبي بكر يقال له شديد بصحيفة فقرأها على الناس ، فقال : يقول أبو بكر : اسمعوا وأطيعوا لمن في هذه الصحيفة ، فوالله ما ألوتكم ! قال قيس : فرأيت عمر بن الخطاب بعد ذلك على المنبر ) .
                وفي سنن الترمذي ج4ص502ح 2225( حدثنا يحيى بن موسى حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال قيل لعمر بن الخطاب : ثم لو استخلفت ؟ قال : إن أستخلف فقد استخلف أبو بكر ...) وعلق عليه الترمذي : ( وفي الحديث قصة وهذا حديث صحيح قد روي وجه عن بن عمر ).
                أقول : فإن كانت الخلافة لا تصح إلا عن مشورة فلا خلافة لعمر ، وتأمره على الناس كان بغير حق هذا من جهة ، ومن جهة ثانية فإن حكمه بقتل من بايع رجلا من غير مشورة وقتل المبايع له يلزم منه هدر دمه ودم أبي بكر عندما بايعه عمر في سقيفة بني ساعدة وقال له ( ابسط يدك يا أبا بكر ) بلا مشورة وقبل أن ينقضي الإختلاف ويهدأ اللغط الذي دار بينهم كما أخرجه البخاري في صحيحه ج6ص2506 : ( فقال قائل من الأنصار : أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب ، منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش ! فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى فرقت من الاختلاف ، فقلت : ابسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته ) ، فعند هذه اللحظة يهدر دم عمر وأبي بكر ، على فقه عمر نفسه .
                ( 1 ) السنن الكبرى ج4ص272ح7151.

                - ص 475 -
                إني قد عرفت أن ناسا يقولون إن خلافة أبي بكر كانت فلتة . وأن الله وقى شرها ، إنه لا خلافة إلا عن مشورة ولا يؤمر واحد منهما تغرة أن يقتلا ، وأن ناسا يقولون : ما بال الرجم وإنما في كتاب الله الجلد ؟ وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده ، ولولا أن يقولوا أثبت في كتاب الله ما ليس فيه لأثبتها كما أنزلت " ( 1 ) .

                وقد قال عمر من قبل أنـها ذهبت بوفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " عن ابن عباس قال : أمر عمر بن الخطاب مناديا فنادى : إن الصلاة جامعة. ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : يا أيها الناس لا تخدعن عن آية الرجم فإنـها آية نزلت في كتاب الله وقرأناها ولكنها ذهبت في قرآن كثير ذهب مع محمد " ( 2 ) .

                ( 1 ) السنن الكبرى ج4ص273ح7154 .
                ( 2 ) المصنف للصنعاني ج7ص345ح13329 ، وعن الدر المنثور ج5ص179
                أقول : قد يقال بأن عمر قال ذلك على المنبر فسكوت الصحابة عنه دليل على صحته ! ، وهذا ليس بشيء لأن السكوت أعم من الإنكار هذا أولا ، ثم لا دليل على أن الجميع قد شهد الحادثة ، ولو كان هذا كافيا حقا لاستطاع دمجها في المصحف لأنه يحتاج إلى شاهد آخر حتى تدمج ولو كانت دعواه محل إقرار الجميع لما رده زيد بن ثابت مسبقا ! ، ناهيك عن أن المتكلم هو صعب المراس الفضّ الغليظ -كما صرّحت به رواية البخاري في قول الجواري لعمر ( أنت أفض وأغلظ )- وصاحب المقرعة والمخفقة والدرّة والعراجين !
                حتى أن ابن عباس كان ينتظر أوقات اعتدال مزاجه ليتسنى له الكلام معه ويصارحه مع تقديم المقدمات الطوال ، وقد كانت كلماته نافذة على أبي بكر في خلافته ويلغي أوامره ويحل ويعقد بمرأى منه ومسمع ولا ينكر عليه ، بل وتطاول على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما في الحديبية ، وفي صلاته صلى الله عليه وآله وسلم على عبد الله بن أبي سلول وودع النبي صلى الله عليه وآله وهو على فراش المرض بالطعن في عقله الشريف حينما اتـهمه بالهجر والهذيان والعياذ بالله وغيرها من الموارد
                فليس من العجيب أن يفضل البعض – من كان حاضرا وسمع قول عمر- الاعتراض عليه وهو من لم يعرف إلا لغة الضرب والجلد لمن أراد أن يتفقه في دينه خاصة علوم القرآن !!
                فهاك فعله بمن أراد أن يطلب معاني مفردات القرآن :
                ففي الدر المنثور ج2 ص7-8 : ( أخرج الدارمي في مسنده ونصر المقدسي في الحجة عن سليمان بن يسار أن رجلا يقال له صبيغ قدم المدينة فجعل يسأل عن متشابه القرآن فأرسل إليه عمر وقد أعد له عراجين النخل ، فقال من أنت ؟ فقال أنا عبد الله صبيغ ، فقال : وأنا عبد الله عمر ! فأخذ عمر عرجونا من تلك العراجين فضربه حتى دمى رأسه فقال : يا أمير المؤمنين حسبك قد ذهب الذي كنت أجد في رأسي ) ،

                وكذا ( أخرج الدارمي عن نافع أن صبيغا العراقي جعل يسأل عن أشياء من القرآن في أجناد المسلمين حتى قدم مصر فبعث به عمرو بن العاصي إلى عمر بن الخطاب فلما أتاه أرسل عمر إلى رطائب من جريد فضربه بـها حتى ترك ظهره دبره ثم تركه حتى برئ ثم عادله ثم تركه حتى برئ فدعا به يعود له ، فقال صبيغ : إن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلا جميلا وان كنت تريد أن تداويني فقد والله برأت فأذن له إلى أرضه وكتب إلى أبي موسى الأشعرى أن لا يجالس أحدا من المسلمين )
                وكذا : ( أخرج ابن عساكر في تاريخه عن أنس أن عمر بن الخطاب جلد صبيغا الكوفي في مسألة عن حرف من القرآن حتى اطردت الدماء في ظهره )
                وكذا : ( وأخرج ابن الأنبارى في المصاحف ونصر المقدسى في الحجة وابن عساكر عن السائب بن يزد أن رجلا قال : قال لعمر إني مررت برجل يسأل عن تفسير مشكل القرآن ، فقال عمر اللهم أمكني منه ! فدخل الرجل يوما على عمر فسأله ، فقام عمر فحسر عن ذراعيه وجعل يجلده ، ثم قال : ألبسوه تبانا ، واحملوه على قتب ، وأبلغوا به حيه ثم ليقم خطيب فليقل : إن صبيغا طلب العلم فأخطأه فلم يزل وضيعا في قومه بعد أن كان سيدا فيهم )
                وكذا : ( أخرج نصر المقدسي في الحجة وابن عساكر عن أبي عثمان النهدي أن عمر كتب إلى أهل البصرة أن لا يجالسوا صبيغا ، قال : فلو جاء ونحن مائة لتفرقنا )
                وكذا : ( أخرج ابن عساكر عن محمد بن سيرين قال : كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري : أن لا يجالس صبيغا وأن يحرم عطاءه ورزقه ) =>

                - ص 476 -
                ولا ريب أن عمر بن الخطاب بتصريحه هذا وما تضمن من أنه لا يخاف الله في إلحاق الآية في المصحف ولكنه يخالف كلام الناس فقط قد ألقى ضلالا كثيرة من الشك على تمامية القرآن وصيانته من التحريف ، ولو أحسن العاقل الظن به لسأل نفسه أليس من الأمر الجسيم المضر بالقرآن وأهله إصراره المتواصل وعلى المنبر أمام الملأ بأن هذه الآية سقطت وفقدت من القرآن بلا أن يذكر سبب ذلك ؟!
                والصحيح أن ابن الخطاب - وهو ظاهر كلامه - كان معتقدا بقرآنية تلك الجملة وبوجوب دمجها مع البقية الآيات في المصحف ولكن كلام الناس هو الذي منعه من إصلاح هذا التحريف الذي وقع في القرآن بإسقاط هذه الآية ، وهذا كلامه الذي أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما : ( وأيم الله ! لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله عز وجل لكتبتها ) ، فهذا يعني أنـها من نفس القرآن المدون في المصحف في نظر عمر !
                => وكذا : ( أخرج نصر في الحجة وابن عساكر عن زرعة قال : رأيت صبيغ بن عسل بالبصرة كأنه بعير أجرب يجيء إلى الحلقة ويجلس وهم لا يعرفونه فتناديهم الحلقة الأخرى : عزمة أمير المؤمنين عمر ، فيقومون ويدعونه ) وكذا : ( أخرج نصر في الحجة عن أبي إسحاق أن عمر كتب إلى أبي موسى الأشعري : أما بعد فإن الأصبغ تكلف ما يخفى وضيع ما ولي فإذا جاءك كتابي هذا فلا تبايعوه وإن مرض فلا تعودوه إن مات فلا تشهدوه )
                وكذا : ( أخرج الهروي في ذم الكلام عن الأمام الشافعى رضي الله عنه قال : حكمي في أهل الكلام حكم عمر في صبيغ أن يضربوا بالجريد ويحملوا على الإبل ويطاف بـهم في العشائر والقبائل وينادى عليهم هذا جزء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على علم الكلام )
                وفي شرح الزرقاني ج3ص33 : ( وروى الدارمي عن سليمان بن يسار ونافع قالا : قدم المدينة رجل فجعل يسأل عن متشابه القرآن فأرسل إليه عمر وأعد له عراجين النخل ، فقال : من أنت ؟ قال : أنا عبد الله صبيغ . قال : وأنا عبد الله عمر ! فضربه حتى دمي رأسه ، فقال : حسبك يا أمير المؤمنين قد ذهب الذي كنت أجده في رأسي ، ثم نفاه إلى البصرة .
                رواه الخطيب وابن عساكر عن أنس والسائب بن يزيد وأبي عثمان النهدي وزادوا عن الثالث : وكتب إلينا عمر لا تجالسوه فلو جاء ونحن مائة لتفرقنا .
                وروى إسماعيل القاضي عن محمد بن سيرين قال : كتب عمر إلى أبي موسى لا تجالس صبيغا وأحرمه عطاءه . وأخرج ابن الأنباري وغيره بسند صحيح عن السائب بن يزيد قال : جاء صبيغ التميمي إلى عمر فسأله عن الذاريات … الحديث.
                وفيه : فأمر عمر فضرب مائة سوط فلما برأ دعاه فضربه مائة أخرى ثم حمله على قتب وكتب إلى أبي موسى حرم على الناس مجالسته فلم يزل كذلك حتى أتى أبا موسى فحلف له أنه لا يجد في نفسه شيئا فكتب إلى عمر أنه صلح حاله فكتب إليه خل بينه وبين الناس فلم يزل صبيغ وضيعا في قومه بعد أن كان سيدا فيهم ).

                أقول : كل هذا لأنه سأل عن معنى الذاريات ذروا ‍‍!! ، قارن بين فعل عمر وفعل أمير المؤمنين عليه السلام كما أخرجه الطبري في تفسيره ج26ص186: ( عن أبي الصهباء البكري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال وهو على المنبر : لا يسألني أحد عن آية من كتاب الله إلا أخبرته ، فقام ابن الكواء وأراد أن يسأله عما سأل عنه صبيغ عمر بن الخطاب فقال : ما الذاريات ذروا ؟ قال علي –عليه السلام- : الرياح ) ، وهكذا بلا أي معاناة ! ومحل الكلام من كل هذا أنه لأجل سؤال عن كلمة واحدة فعل به عمر ما فعل ، فيتضح أن عدم الإنكار والاعتراض على شخص عمر وهو بـهذه العصبية والغلظة لا يعني موافقة الناس ورضاهم ، ولا نظن أن الكل كان راضيا عن فعل عمر حينما أمر بجمع الحطب لإحراق بيت فاطمة عليها السلام ، ولكن الغلظة وبعض كبار المنافقين من وجوه الصحابة وكذا بنو أسلم الذين كانوا يأتمرون بأمر عمر كانت بأجمعها أسبابا لسكوت البسطاء من الناس .
                - ص 477 -
                لذلك احتار بعض علماء أهل السنة في توجيه هذه الجملة وما فيها من ملازمة بين الكتابة ومخافة قول الناس ! قال السبكي في الإبـهاج :
                " وأنا لا يبين لي معنى قول عمر : لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها . إذ ظاهر هذا أن كتابتها جائزة وإنما منعه من ذلك قول الناس ، والجائز في نفسه قد يقوم من خارج ما يمنعه ، وإذا كانت كتابتها جائزة لزم أن تكون التلاوة باقية لأن هذا شأن المكتوب ، وقد يقول القائل في مقابلة هذا لو كانت التلاوة باقية لبادر عمر إلى كتابتها ولم يعرج على مقال الناس لأن مقال الناس لا يصلح مانعا من فعل هذا الواجب ، وبالجملة لا يبين لي هذه الملازمة أعني ( لولا قول الناس لكتبت ) ولعل الله أن ييسر علينا حل هذا الأثر بمنه وكرمه ، فأنا لا نشك في أن عمر إنما نطق بالصواب ولكنا نتهم فهمنا " ( 1 ) .

                وهكذا ، نسخّف عقولنا لأن فلانا من الناس لا يُحتمل أن يخطئ ! ، فكل ما يقوله صواب في صواب مع أنـهم يقولون بعدم عصمته ! ، ولا أدري كيف يدعون عدم عصمته مع أنـهم يعاملونه معاملة المعصوم ؟!
                وعلى أيّة حال فإن الله عز وجل تكفّل بكتابه حافظا صائنا وقد قال تعالى في كتابه المجيد {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(الحجر/9) ، ومن أصدق من الله حديثا ؟
                * عمر يعتقد أن الله أخطأ في إنزال آية الرجم لذا كره النبي صلى الله عليه وآله وسلم كتابتها !
                جاء بسند صحيح في مسند أحمد : " حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن قتادة عن يونس بن جبير عن كثير بن الصلت قال : كان ابن العاص وزيد بن ثابت يكتبان المصاحف ، فمروا على هذه الآية ، فقال زيد : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموها البتة . فقال عمر : لما أنزلت هذه أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : أكتبنيها ؟ - قال شعبة : فكأنه كره ذلك - فقال عمر : ألا ترى أن الشيخ إذا لم يحصن جلد وإن الشاب إذا زنى وقد أحصن رجم ؟! " ( 2 ) .
                ( 1 ) الإبـهاج في شرح المنهاج للسبكي ج2ص242 .
                ( 2 ) مسند أحمد ج5ص183ح21636 ، سنن البيهقي الكبرى ج 8 ص 211 .
                - ص 478 -
                الرواية تدعي أن زيد بن ثابت ذكر هذه الجملة على أنـها قول للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يقل أنـها قول لله عز وجل حتى تكون قرآنا في نظره ( 1 ) ، نعم قول عمر نص صريح في أنـها قرآن في نظره ، ولكن قول عمر هو الكفر أقرب منه للإيمان ، إذ ادعى أن هذه الآية المزعومة حينما نزلت جاء عمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأراد كتابتها فكره النبي صلى الله عليه وآله سلم ذلك ! ( 2 ) ، فعلل عمر لزيد سبب كراهية النبي صلى الله عليه وآله وسلم كتابة هذه الأية التي تنص على أن الشيخ والشيخة إذا زنيا يرجمان مطلقا ، بأن الزاني إن لم يكن محصنا لا يرجم في الإسلام حتى وإن كان شيخا ! ، فقول عمر هذا صريح في أنه يرى أن الله عز وجل أخطأ في هذه الآية وخالف حكمه المعروف في الشيخ الزاني غير المحصن الذي يجلد ولا يرجم ، ولا ريب أنا لا نقبل ما نسبه عمر لله تعالى الله عن قوله علوا كبيرا ، لأن العقيدة الإسلامية تتناقض مع نسبة الخطأ والغلط لله عز وجل .

                والأعجب من ذلك أن زيد بن ثابت المتفاني في تقليد سيده عمر أخذ بـهذا الكفر كما في رواية البيهقي بسنده :
                " عن محمد قال نبئت عن ابن أخي كثير بن الصلت قال : كنا ثم مروان وفينا زيد بن ثابت قال زيد : ثم كنا نقرأ ( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة ) . قال فقال مروان : أفلا نجعله في المصحف ؟ ، قال : لا ! ألا ترى الشابين الثيبين يرجمان ؟! ، قال وقال : ذكروا ذلك وفينا عمر بن الخطاب قال : أنا أشفيكم من ذاك ، قال : قلنا : كيف ؟ قال آتي النبي صلى الله عليه وسلم فأذكر كذا وكذا فإذا ذكر الرجم ، أقول يا رسول الله أكتبني آية الرجم ؟ قال : فأتيته فذكرته ، قال : فذكر آية الرجم ، قال : فقال : يا رسول الله أكتبني آية الرجم ؟ قال : لا أستطيع ذاك " ( 3 ) .

                وهذه الرواية يدعي فيها عمر أنه جاء مرة أخرى للنبي صلى الله عليه وآله وسلم يسأله عن آية الرجم ، ولكن هذه المرة كان سؤال عمر استدراجي وبطريقة غير مباشرة !
                ( 1 ) لذا لا يمكن قبول دعوى أن هناك من نسب هذه الجملة للقرآن قبل أن يتفوه عمر بـها ، لأن هذا الرأي لا ينسجم مع عدم وجود شاهد آخر يشهد مع عمر على أنـها من القرآن ، خاصة وأن نفس زيد هذا هو الكاتب الذي طلب من عمر الشاهد الثاني ، فكيف يعلم زيد بقرآنيتها ثم يمتنع عن كتابتها لعدم وجود شاهد آخر مع عمر ؟! ، نعم قد يوجد من يقول بذلك تقليدا لعمر . ( 2 ) هل من المعقول أن يكره النبي صلى الله عليه وآله وسلم كتابة آية نزلت لتوها ؟! ، ولماذا ؟ ، هل لأن الله نسخها فور نزولها ؟!! ، أم أنـها نزلت منسوخة ؟!! ، فما نسبه عمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر لا يمكن تصديقه .
                ( 3 ) سنن البيهقي الكبرى ج 8 ص 211 .

                يتبع

                تعليق


                • #53
                  ملاحظة مهمة : ( بآية الرجم )

                  هذه الجملة المتهالكة والمسماة بآية الرجم وردت في كتب الشيعة الروائية وأقر الإمام جعفر الصادق عليه السلام بوجودها في القرآن ، ولا غرابة في ذلك ، لأن إنكاره لقرآنية هذه الجملة يعتبر رميا لنفسه في التهلكة ، إذ كلما ذكرت هذه المزعومة في محفل اقترن ذِكرها بذكر ابن الخطاب مرسي قواعد الخلافة المناهضة لأهل البيت عليهم السلام والذي كان موضع اعتزاز وتقدير عند أعداء أهل البيت من الخلفاء الأمويين والعباسيين على حد سواء ، فيكون إنكاره عليه السلام لوجود مثل هذه الجملة ضمن آيات القرآن اتـهاما صريحا لابن الخطاب بالكذب والافتراء على الله عز وجل وهذا مدعاة لتناقل الغوغاء : إن جعفر بن محمد زعم أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ممن قال الله فيهم : {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلاَئِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمْ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ}(الأنعام/93) ، وهذه حينئذ فرصة لا تفوت وذريعة جيدة لتخلص خلفاء الجور ممن تلتف المعارضة حوله ، وتربص خلفاء الجور بأئمة أهل البيت عليهم السلام لا يمكن إنكاره ، وهو ما اضطرهم للعمل بالتقية في أقل الأحكام كأحكام الحيض والنفاس حتى لا يقال ( فلان بن فلان شقّ عصا المسلمين ‍! ) ، فلا غرابة إذن إن سئل عنها ولم ينف كونـها من القرآن .
                  وهذا نص الرواية كما وردت في الكافي : " عن عبد الله بن سنان قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : الرجم في القرآن قول الله عز وجل : ( إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة فإنـهما قضيا الشهوة ) " ( 1 ) .
                  وفي وسائل الشيعة : " عن سليمان بن خالد قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام :- في القرآن رجم ؟ قال : نعم ، قلت كيف ؟ قال : ( الشيخ والشيخة فارجموهما البتّة فانـهما قضيا الشهوة ) " ( 2 ) .
                  وننقل هنا كلمات العلماء ومراجع الشيعة العظام رضوان الله تعالى عليه في بيان وجه صدور هذه الرواية ، قال السـيد الخوئـي رضوان الله تعالى عليه حال حديثه عن تينك الروايتين :
                  " فهما وإن كانتا تدلان على ثبوت الرجم على الشيخ والشيخة مع عدم الإحصان أيضا إذ مع تخصيصهما بالإحصان لا تبقى خصوصية لـهما ، إلا أنه لا قائل بذلك منّـا . ولا شك في أنـهما

                  ( 1 ) الكافي ج 7 ص 177 ، التهذيب ج10 ص 3 رقم 7 ، من لا يحضره الفقيه ج4 ص26 رقم 4948 .
                  ( 2 ) وسائل الشيعة للحر العاملي ج 18 -القضاء- ص350 .
                  - ص 480 -
                  وردتا مورد التقية فان الأصل في هذا الكلام هو عمر بن الخطاب فإنه ادعى أن الرجم مذكور في القرآن وقد وردت آية بذلك ، ولكن اختلفت الروايات في لفظ الآية المدعاة فانـها نقلت بوجوه : (فمنها) ما في هاتين الصحيحتين و( منها ) غير ذلك وقد تعرضنا لذلك في كتابنا ( البيان ) في البحث حول التحريف وأن القرآن لم يقع فيه تحريف " ( 1 ).

                  وقال السيد عبد الأعلى السبزواري رضوان الله تعالى عليه :" ثم إن مقتضى صحيح عبد الله بن سنان أن ما ذكره عليه السلام كان آية من القرآن فحذفت ، ولكن أثبتنا في تفسيرنا مواهب الرحمن بطلان التحريف في القرآن بجميع الصور المتصورة فيه " ( 2 ) .

                  قال السيد الگلپايگاني رضوان الله تعالى عليه في در المنضود بعد ذكره للروايتين : " فمقتضى الأخيرتين هو وجوب الرجم فقط بخلاف الروايات المتقدمة عليهما فإنـها صريحة في الجمع بين الجلد والرجم . ولا يـخفى لأن روايتي عبد الله بن سنان وسليمان بن خالد ظاهرتان في وقوع التحريف في القرآن الكريم ، ولكن الأقوى والمستظهر عندنا عدم تحريف فيه حتى بالنقيصة ، خصوصا وان هذه العبارة المذكورة فيهما بعنوان القرآن لا تلائم آياته الكريمة التي قد آنسنا بـها . هذا مع أن الأصل في هذا الكلام عمر بن الخطاب " ( 3 ) .

                  وكلامه رضوان الله تعالى عليه واضح في أنه لا يقبل مضمون الروايتين لأنـهما تدلان على أمر مرفوض وهو تحريف القرآن ، وقد أشار بالجملة الأخيرة إلى التقية .

                  وقال الـميرزا جواد التبـريـزي حفظه الله في حديثه عنهما : " فإن مقتضى التعليل فيهما عدم اختصاص الرجم بصورة الإحصان مع كون الزاني شيخا أو الزانية شيخة ، ولكن يتعين حملها على التقية ، حيث إن الأساس في كون رجمهما من القرآن هو الثاني ( 4 ) ، وعدم الذكر في القرآن لنسخ التلاوة من توجيهاتـهم ، ولعله يشير إلى ذلك تركه عليه السلام الذيل المروي … نكالا من الله ولله

                  ( 1 ) مباني تكملة المنهاج ج 1 ص 195 ط دار الزهراء .
                  ( 2 ) مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام ج 27 ص 274.
                  ( 3 ) در المنضود ج1ص283.
                  ( 4 ) أي عمر بن الخطاب .
                  - ص 481 -
                  عزيز حكيم ( 1 ) …ووجه الإشارة أن الكلام المزبور لا يشبه في السبك ألفاظه بالقرآن المجيد ، والذيل المروي الذي أريد به إعطاء الشباهة له لم ينقل في كلامه ليعطي صورة ما جرى " ( 2 ) .

                  وقال الشيخ الفاضل اللنكراني حفظه الله : " ثم إنه يظهر من رواياتنا أيضا ثبوت الرجم في القرآن مثل ما رواه عبد الله بن سنان – الحديث - ورواية سليمان بن خالد – الحديث- ولكن بعد قيام الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة على عدم وقوع التحريف في الكتاب وإن ما بأيدينا مطابق لما أنـزل إلى الرسول بعنوان القرآنية لا يبقى مجال لمثل هذه الروايات بل لا بد من حملها على التقية أو على أن المراد بالقرآن هو القرآن المشتمل على الخصوصيات الأخرى أيضا من الشرح والتفسير والتأويل وشأن النـزول وأمثالها كقرآن أمير المؤمنين عليه السلام ( 3 ) مع أنه يرد على تعبير الروايتين الإشكالات المتقدمة كلاًّ أو جُلاًّ كما لا يخفى وقد انقدح من جميع ما ذكرنا عدم ثبوت الرجم في القرآن بل الدليل عليه هي السنة المستفيضة بل المتواترة " ( 4 ).

                  إن رفض كل عالم من علماء الشيعة لقرآنية هذه المزعومة يعني إقرارا غير مباشر بأن هاتين الروايتين صدرتا تقية ، لأن الشيعة يتعبدون بكلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن يفرغ عنه وهم أهل بيته عليهم السلام فمن غير المعقول أن يعتقد صدور تلك الروايات على غير التقية ومع ذلك يرفض مضمونـها ، وكمثال واحد نذكره لمن رفض قرآنيتها ، قال الشيخ محمد رضا الأنصاري محقق كتاب عدة الأصول :
                  " والتدقيق في هذه الآية المزعومة – آية الرجم - ومقارنتها مع سياق بقية الآيات القرآنية ونفسها وأسلوبـها يؤدي إلى إنكار كونـها قرانا ، هذا فضلا عن أن عليا عليه السلام قد أنكر بالملازمة وليس بالصراحة كونـها آية قرآنية ، فإنه عليه السلام لما جلد شراحة الهمدانية يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة قال : (حددتـها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) ( 5 ) ، فلو كان عليه السلام يرى أن حكم الرجم ثابت بآية قرآنية قد نسخت تلاوتـها كما رأى عمر لم يقل ذلك " ، ورفض علمائنا سددهم الله لهذه المزعومة أشهر من أن يمثل له بمثال ( 6 ) .

                  ( 1 ) يقصد حفظه الله وسدد خطاه ، أن ما يشعِر بصدور هذه الرواية على نحو التقية أن الإمام عليه السلام ترك هذا المقطع ولم يذكره لأجل مشابـهته للسبك القرآني فيقرب التصديق بمضمون الرواية لذلك لم يذكر عليه السلام هذا المقطع فيها خلافا للعامة .
                  ( 2 ) أسس الحدود والتعزيرات ص 109.
                  ( 3 ) سيأتي عدم دقة هذا الاحتمال .
                  ( 4 ) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - كتاب الحدود - ص129 .
                  ( 5 ) انظر جواهر الكلام ج41ص30 ، عوالي اللآلئ ج2ص152 و ج3ص553 ، ورواه أحمد والبخاري والنسائي والحاكم وغيرهم
                  ( 6 ) هامش كتاب عدة الأصول للشيخ الطوسي ج2ص516.

                  تعليق


                  • #54
                    أقوال من أنصف القرآن من أهل السنة

                    قلنا إن مضامين هذه الروايات يضرب الشيعة بـها عرض الجدار لبداهة أن قبولها يعني تحريف القرآن بالزيادة فيه أو النقص منه كما بينا سابقا ، ناهيك عن ركاكة نظمها وضعف أسلوبـها الذي ينادي بـه القرآن {إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ}(المدثر/25) ، وللأسف فإن أغلب أهل السنة يرونـها قرآنا منـزلا ، وبعض من حكمّ عقله منهم ذهب إلى ما ذهب له الإمامية وقد مرت بعض كلماتـهم في مبحث نسخ التلاوة .
                    قال في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة : " أما ما نقله البخاري تعليقاً من أن الذي كان في كتاب الله ورفع لفظه دون معناه ، فهو – الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة الخ – فإنني لا أتردد في نفيه لأن الذي يسمعه لأوّل وهلة يـجزم بأنه كلام مصنوع لا قيمة له بجانب كلام الله الذي بلغ النهاية في الفصاحة والبلاغة ، فضلاً عن كونه لا ينتج الغرض المطلوب فإن الرجم شرطه الإحصان والشيخ في اللغة من بلغ الأربعين فمقتضى هذا أنه يرجم ولو كان بكر لم يتزوج وكذا إذا زنى الفتى في سن العشرين مثلاً وهو متزوج فانه لا يرجم ، مثل هذه الكلمة لا يصح مطلقًا أن يقال : أنـها من كتاب الله … فالخير كل الخير في ترك مثل هذه الروايات . أما الأخبار التي فيها أن بعض القرآن المتواتر ليس منه ، أو أنّ بعضاً منه قد حذف فالواجب على كل مسلم تكذيبها بتاتاً ، والدعاء على راويها بسوء المصير، لأن إدخال شيء في كتاب الله ليس منه ، وإخراج شيء منه رِدّة نعوذ بالله منها " ( 1 ) .
                    وقال آخر في فتح المنان : " إن الحق أن هذا النوع من النسخ غير جائز ، لأن الآثار التي اعتمدوا عليها لا تنهض دليلاً لهم ، والآيتان ( الرجم والرضاع ) لا تسمحان بوجوده إلاّ على التكلّف ، ولأنّه يخالف المعقول والمنطق ، ولأن مدلول النسخ وشروطه التي اشترطها العلماء فيه لا تتوفّر ، ولأنّه يفتح ثغرة للطاعنين في كتاب الله تعالى من أعداء الإسلام الذين يتربّصون به الدوائر وينتهزون الفرصة لـهدمه وتشكيك الناس فيه . والعجيب أنّه قد وردت رواية عن عمر : ولولا أن يقال زاد عمر في
                    ( 1 ) كتاب الفقه على المذاهب الأربعة ج4ص257–259 ط الاستقامة السادسة .
                    - ص 483 -
                    المصحف لكتبتها . فهذا الكلام يدلّ على أنّ لفظها موجود لم ينسخ ، فكيف يقال إنّها ممّا نسخ لفظه وبقي حكمه ! وهي موجودة ومسطّرة ومحفوظة على قولـهم . ولو كانت آية من القرآن وتحقّق منها عمر لأثبتها من غير تردّد ولا وجل " ( 1 ) .
                    وقال في كتاب النسخ في القرآن الكريم : " على أنه قد ورد في الرواية عن عمر قوله بشأن آية حد الرجم فيما زعموا ( ولولا أن يقال زاد عمر في المصحف لكتبتها ) ، وهو كلام يوهم أنه لم ينسخ لفظها أيضاً مع أنـهم يقولون أنـها منسوخة اللفظ باقية الحكم ! كذلك ورد نص الآية في الروايات التي أوردته بعبارات مخـتلفة ، فواحدة منها تذكر قيد الزنا بعد ذكر الشيخ والشيخة ، وواحدة لا تذكره ، وثالثة تذكر عبارة ( نكالاً من الله ) ، ورابعة لا تذكرها ، وما هكذا تكون نصوص الآيات القرآنية ولو نسخ لفظها !
                    وفي بعض هذه الروايات ، جاءت بعض العبارات التي لا تتفق ومكانة عمر ولا عائشة مما يجعلنا نطمئن إلى اختلاقها ، ودسّها على المسلمين " ( 2 ) .

                    وقال في كتاب القرآن نظرة عصرية جديدة عن هذه الآية المزعومة :" أما أن تنسخ التلاوة ويبقى الحكم فقد قال به بعضهم محتجاً بأنه كانت هناك آية قيل إن نصها كان ( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة ) ولا أميل شخصياً إلى القول بـهذا الرأي وأرى أن حكم الرجم للزاني المحصن ثبت بالحديث الشريف والإجماع ".

                    وقال " أنه بالنظر في هذه العبارة التي زعموا أنـها كانت آية من القرآن لا أحس بأن بـها نسج القرآن ولا روعته فقد وردت بـها كلمة البتّة ولا أرى أن هذه الكلمة قرآنية ، وهي لم ترد في القرآن أبداً وليس لها جمال ألفاظ القرآن واستعملت فيها كلمة الشيخ والشيخة بقصد الرجل والمرأة المتزوجة ، وهو استعمال فيه تكلّف ، فالشيخ في اللغة هو الطاعن في السن ولا يلزم أن يكون شيخاً بل كثيراً ما يكون شاباً ، وللقرآن تعبير جميل عن الرجل المتزوج أو المرأة المتزوجة وهو المحصن والمحصنة ، أما كلمة شيخ فاستعمالها في القرآن محدود بكبر السن ، وقد وردت في القرآن
                    ( 1 ) فتح المنان في نسخ القرآن للشيخ علي حسن العريض مفتّش الوعظ بالأزهر ص230 .
                    ( 2 ) النسخ في القرآن الكريم – دراسة تشريعية تاريخية نقدية - ج1ص284 مسألة رقم 389.
                    - ص 484 -
                    في ثلاث مواضع نعرضها لنبيّن اتجاه القرآن في استعمال هذه الكلمة اتجاهاً لم يختلف وهو لا شك متفق مع ذوق اللغة أو هو قدوة للاستعمال العربي السليم ، - ثم ذكر تلك الآيات -" ( 1 ) .

                    وأنصف الشيخ محمود أبو ريّة في كتابه القيم أضواء على السنّة المحمّدية عندما استنكر ما تفعله الروايات في كتاب الله عز وجل ، وهاك مقتطفات منه :
                    " ولم يقف فعل الرواية عند ذلك بل تمادت إلى ما هو أخطر منه من ذلك حتى زعمت أن في القرآن نقصاً ولحـناً وغير ذلك مما أورد في كتب السنّة ، ولو شئنا أن نأتي به كله هنا لطال الكلام – ولكنا نكتفي بمثالين مما قالوه في نقص القرآن ، ولم نأت بـهما من كتب السنة العامة بل مما حمله الصحيحان ، ورواه الشيخان البخاري ومسلم .

                    أخرج البخاري وغيره عن عمر بن الخطاب أنه قال – وهو على المنبر : إن الله بعث محمداً بالحق نبـيّا وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها . رجم رسول الله (ص) ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل : ما أجد آية الرجم في كتاب الله فيضل بترك فريضة أنزلها الله - والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء . ثم إنا كنا نقرأ فيما يقرأ في كتاب الله ، ( ألا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم ) .
                    وأخرج مسلم عن أبي الأسود عن أبيه قال : بعث أبو موسى الأشعري ، إلى قراء البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرءوا القرآن فقال : أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم ، ولا يطولن عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم - وإنا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول ببراءة فأنسيتها ، غير أني قد حفظت منها ( لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ) ، وكنا نقرأ سورة كنا نشبهها بإحدى المسبحات فأنسيتها غير أني حفظت منها ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ، فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة ) ( 2 ) ، نجتزئ بما أوردنا وهو كاف هنا لبيان كيف تفعل الرواية حتى في الكتاب الأول للمسلمين وهو القرآن الكريم ‍ ! ولا ندري كيف تذهب هذه الروايات التي تفصح بأن القرآن فيه نقص وتحمل مثل هذه المطاعن مع قول الله سبحانه {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(الحجر/9). فأيهما نصدّق ؟! اللهم إن هذا أمر عجيب يجب أن يتدبره أولو الألباب " ( 3 ) .
                    ( 1 ) من مقالة للدكتور أحمد شلبي في كتاب القرآن نظرة عصرية جديدة ص154 –155 .
                    ( 2 ) وسيأتي الكلام عنها ، بإذن الله تعالى .
                    ( 3 ) أضواء على السنّة المحمّدية ص 256 -257 ط الأعلمي الخامسة .
                    يتبع

                    تعليق


                    • #55
                      انتهى ردك تعديت الحد المسموح به وهي عشر شبيهات لك ولهذا سنهمل الردود التي تجاوزت عن عشرة وبعدها ضع ما تريد .
                      التعديل الأخير تم بواسطة المنصور الباحث; الساعة 03-06-2009, 10:34 PM.

                      تعليق


                      • #56
                        كلام من فضحه الله !
                        بعد أن ذكرنا كلام المنصفين من أهل السنة لا بأس بذكر كلمة لمن فضحه الله تعالى عندما حاول أن ينال من الشيعة في شريطه ( الشيعة والقرآن ) وهو الوهابي ( عثمان الخميس ) ، قال هذا المسكين :
                        " أمثلة من الآيات المنسوخة تلاوتـها : آية الرجم وهي قوله تعالى أو ما يذكر فيها ( الشيخ والشيخة إذا زنيا فراجموهما البتة ) فهذه أولا قراءة آحادية شاذة لم تثبت قرآنا " ( 1 ) .

                        فهو يعترف أولا أنـها آية منسوخة ، ثم يرجع ويقول بعدم ثبوت قرآنيتها ! ، فكيف هي آية منسوخة ولم تثبت قرآنيتها ؟! ، ثم من أين جاءنا ب‍ ( قراءة آحادية شاذة ) ؟! ، آية الرجم عند أهل السنة من المنسوخ تلاوة وليست قراءة شاذة ! وهذا أمر واضح لأن القراءة الشاذة تتغير فيها أحرف أو بعض مفردات الآية ولا تكون بإضافة آية كاملة للقرآن ! وإلا لما كان هناك معنى للشذوذ ، لأن الشذوذ يتحقق عندما يتخالف الشاذ مع الأصل ، وآية الرجم لا يوجد أصل لها حتى تخالفه ! ، وكل هذه الموارد تدل على أن هذا الوهابي ( عثمان الخميس ) جاهل بكل ما للكلمة من معنى .


                        ‌‌‌آية الرجم جاء بـها عمر من توراة اليهود !
                        كنت دائما أتسال من أين جاءنا عمر بـهذه الجملة ؟! هل هي من نسج خياله ؟ أم هي جملة سمعها فأعجبته كما أعجبته ( الصلاة خير من النوم ) التي حشرها في الأذان ؟! ، فاتضح لي أن هذه الجملة مقتبسة من توراة اليهود ! ولا أدري على أي أساس أراد ابن الخطاب إدخال شيء من كتاب اليهود المحرف في القرآن ؟!
                        فقد أخرج الطبري بسنده رواية مطولة تتحدث عن حد الزاني في شريعة اليهود المحرفة إلى أن تقول : " وكان النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم قال لهم : من أعلمكم بالتوراة ؟ فقالوا : فلان الأعور . فأرسل عليه فأتاه فقال : أنت أعلمهم بالتوراة ؟ قال : كذلك تزعم يهود . فقال النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم : أنشدك بالله وبالتوراة التي أنزلها على موسى يوم طور سيناء ما تجد في التوراة في الزانيَين فقال : يا أبا القاسم يرجمون الدنيئة ويحملون الشريف على بعير ويحممون وجهه ويجعلون وجهه من قبل ذنب البعير ويرجمون الدنيء إذا زنى بالشريفة ويفعلون بـها هي ذلك . فقال له النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم:

                        ( 1 ) الوجه الثاني من شريط ( الشيعة والقرآن ) .
                        - ص 486 -
                        أنشدك بالله وبالتوراة التي أنزلها على موسى يوم طور سيناء ما تجد في التوراة ؟! فجعل يروغ والنبي صلى الله عليه (وآله) وسلم ينشده بالله وبالتوراة التي أنزلها على موسى يوم طور سيناء ، حتى قال : يا أبا القاسم ، ( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة ) فقال رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم : فـهـو ذاك ، اذهبوا بـهما فارجموهما " ( 1 ) .

                        وقد أخرج هذه الحادثة البخاري في خمسة مواضع من صحيحه وهذا نصه : " عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم : ما تجدون في التوراة في شأن الرجم ؟ فقالوا نفضحهم ويجلدون . فقال عبد الله بن سلام : كذبتم إن فيها الرجم فأتوا بالتوراة فنشروها فوضع أحدهم يده على آيـة الرجـم فقرأ ما قبلها وما بعدها ، فقال له عبد الله بن سلام : ارفع يدك فرفع يده فإذا فيها آية الرجم ، فقالوا : صدق يا محمد فيها آية الرجم ، فأمر بـهما رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم فرجما . قال عبد الله : فرأيت الرجل يحنأ على المرأة يقيها الحجارة " ( 2 ) .

                        ومما يدل على أن الرجم لم ينـزل فيه شيء من القرآن ما أخرجه ابن الضريس والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس قال :
                        " من كفر بالرجم فقد كفر بالقرآن من حيث لا يحتسب ، قال تعالى {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنْ الْكِتَابِ}(المائدة/15). قال : فكان الرجم مما أخفوا " ( 3 ) .

                        ومن كلام ابن عباس يتضح عدم نزول آية في القرآن تحكي الرجم صريحا ، وإلا لكان الأولى لابن عباس وهو جبل التفسير أن يذكرها لا أن يستدل بآية غير ظاهرة فيه !
                        ( 1 ) تفسير الطبري ج6ص157 ط دار المعرفة الثالثة .
                        ( 2 ) صحيح البخاري ج3ص1330ح3436 ، ج4ص1660ح4280 باب{ قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين} ، ج6ص2499ح6433 باب الرجم في البلاط ، ج6ص2510ح6450 ، ج6ص2742ح7104.
                        ( 3 ) الدر المنثور ج2ص269 ط دار المعرفة .
                        - ص 487 -
                        بل هناك رواية أظهر من هذه وردت في صحيح البخاري وهي : " حدثنا سلمة بن كهيل قال : سمعت الشعبي يحدث عن علي رضي الله عنه حين رجم المرأة يوم الجمعة وقال : قد رجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم "( 1 )
                        ولو كانت آية الرجم في القرآن وقد رفعت تلاوتـها وبقي حكمها لقال عليه السلام إن رجمها بكتاب الله ، أو لا أقل أن يقول عليه السلام رجمتها بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم لا أن يغفل أمر القرآن .

                        وهذه الرواية نص في ثبوت الرجم بالسنة لا بالقرآن ، وقد أخرجها عبد الرزاق الصنعاني في المصنف : " عن ابن التيمي عن إسماعيل بن أبي خالد عن عامر قال : قال علي – عليه السلام - في الثيب : أجلدها بالقرآن ، وأرجمها بالسنة ، قال : وقال أبي بن كعب مثل ذلك " ( 2 ) .

                        وبعد هذا لنتساءل ، هل جهل الإمام علي عليه السلام – والعياذ بالله - وهو باب مدينة علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وسيد القراء أبي بن كعب ، وحبر الأمة ابن عباس عن نـزول آية في القرآن تحكي الرجم ؟! ، ناهيك عن إجماع أهل السنة بأن الرجم قد ثبت بالسنة لا بالقرآن !

                        وليس بعزيز على ابن الخطاب أن يأخذ هذه الجملة من توراة اليهود ، فعلاقته كانت قوية معهم حتى أنه كان يتعلم شيئا من التوراة منهم ويعلمونه ، ويوما ما اقترح على الرسول صلى الله عليه وآله تعليمه للمسلمين فغضب منه صلى الله عليه وآله وسلم حتى احمرت وجنتاه واجتمعت الأنصار شاكةً بالسلاح وأمر بالصلاة جامعة لهول ما قاله عمر !

                        " أخرج أبو يعلى وابن المنذر وابن أبى حاتم ونصر المقدسي في الحجة والضياء في المختارة عن خالد بن عرفطة قال : كنت جالسا عند عمر … فقال – عمر - : انطلقت أنا فانتسخت كتابا من أهل الكتاب ثم جئت به في أديم فقال لي رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم : ما هذا في يدك يا عمر ؟ فقلت : يا رسول الله كتاب نسخته لنـزداد به علما إلى علمنا . فغضب رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم حتى احمرت وجنتاه ثم نودي بالصلاة جامعة فقالت الأنصار : (أغضب نبيكم ، السلاح !) فجاءوا حتى أحدقوا بمنبر رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم فقال : يا أيها الناس إني قد
                        ( 1 ) البخاري ج 8 ص21.( 2 ) مصنف عبد الرزاق الصنعاني ج7ص328ح13356.
                        - ص 488 -
                        أوتيت جوامع الكلم وخواتيمه واختصر لي اختصارا ولقد أتيتكم بـها بيضاء نقية فلا تتهوكوا ولا يغرنكم المتهوكون قال عمر رضي الله عنه فقمت ، فقلت : رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبك رسولا ثم نزل رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم " ( 1 ) .
                        ولم ينته عمر عن الأخذ عنهم لا سيما في زمن تأمره على الناس ، وقصصه وحكاياته مع كعب الأحبار أشهر من أن تذكر أو تنقل ، فمن شاء الإطلاع فليراجع المصادر ( 2 ) .
                        فلا يُستبعد اقتباس عمر بن الخطاب لهذه الجملة من توراة اليهود ، أو على أحسن التقادير أنه كان متواجدا في الحادثة السابقة وعلقت تلك الجملة في رأسه .
                        ( 1 ) الدر المنثور ج4ص3 ، وجاء هذا المعنى أيضا في ج5ص148-149 : ( وأخرج عبد الرزاق وابن سعد وابن الضريس والحاكم في الكنى والبيهقي في شعب الإيمان عن عبد الله بن ثابت بن الحرث الأنصاري قال : دخل عمر بن الخطاب (رض) على النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم بكتاب فيه مواضع من التوراة فقال : هذه أصبتها مع رجل من أهل الكتاب أعرضها عليك فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم تغيرا شديدا لم أر مثله قط فقال عبد الله بن الحارث لعمر (رض) أما ترى وجه رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ؟! فقال عمر (رض) : رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا فسري عن رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ، وقال : لو نزل موسى فاتبعتموه وتركتموني لضللتم أنا حظكم من النبيين وأنتم حظي من الأمم ) وكذا : ( أخرج عبد الرزاق والبيهقي عن أبي قلابة أن عمر بن الخطاب (رض) مر برجل يقرأ كتابا فاستمعه ساعة فاستحسنه فقال : للرجل اكتب لي من هذا الكتاب ، قال : نعم ، فاشترى أديما فهيأه ثم جاء به إليه فنسخ له في ظهره وبطنه ثم أتى النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم فجعل يقرؤه عليه وجعل وجه رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم يتلون فضرب رجل من الأنصار بيده الكتاب وقال : ثكلتك أمك يا ابن الخطاب ! أما ترى ووجه رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم منذ اليوم وأنت تقرأ عليه هذا الكتاب فقال النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم عند ذلك : إنما بعثت فاتحا وخاتما وأعطيت جوامع الكلم وفواتحه واختصر لي الحديث اختصارا فلا يهلكنكم المتهوكون )
                        وكذا : ( أخرج ابن الضريس عن الحسن أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : يا رسول الله إن أهل الكتاب يحدثونا بأحاديث قد أخذت بقلوبنا وقد هممنا أن نكتبها فقال : يا ابن الخطاب !! أمتهوكون أنتم كما تـهوتكت اليهود والنصارى ؟! أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بـها بيضاء نقية ولكني أعطيت جوامع الكلم واختصر لي الحديث اختصارا )
                        وكذا في مجمع الزوائد ج1ص174 : ( وعن أبي الدرداء قال : جاء عمر بجوامع من التوراة إلى رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم فقال : يا رسول الله جوامع من التوراة أخذتـها من أخ لي من بني زريق ، فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ، فقال عبد الله بن زيد الذي أري الأذان : أمسخ الله عقلك ؟! ألا ترى الذي بوجه رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ؟! فقال عمر : رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا وبالقرآن إماما فسري عن رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ، ثم قال : والذي نفس محمد بيده لو كان موسى بين أظهركم ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم ضلالا بعيدا أنتم حظي من الأمم وأنا حظكم من النبيين )
                        وعلق عليه الهيثمي : ( رواه الطبراني في الكبير وفيه أبو عامر القاسم بن محمد الأسدي ولم أر من ترجمه وبقية رجاله موثقون ).اه
                        أقول : بعد أن نقل ابن حجر العسقلاني هذه الروايات قال في فتح الباري ج13ص525 : ( وهذه جميع طرق هذا الحديث وهي وان لم يكن فيها ما يحتج به لكن مجموعها يقتضي أن لها أصلا ).
                        ( 2 ) راجع مشورة عمر لكعب الأحبار وأخذه بآرائه وتنبؤاته ، مسند أحمد ج1ص42، تاريخ المدينة ج3ص891 ، تاريخ الطبري ج1ص323 ، مجمع الزوائد ج9ص65 وج10ص331 ، كنـز العمال ج12ص561وص567 ، الدر المنثور ج4ص57وص347 وج6ص257 ، وغيرها من المصادر .
                        - ص 489 -
                        * النتيجة :
                        بعدما صحّ عند أهل السنة نسبة هذه الجملة إلى عمر بن الخطاب وأنه أول من تفوّه بـها ونشرها بين المسلمين من أي مصدر كان التوراة أم غيره ، فيكون أمامنا ثلاثة خيارات لا رابع لها :
                        إما أن نقول إن بكفر عمر بن الخطاب لأن أضاف للقرآن شيئا ليس منه فمصحف المسلمين محرف في نظره
                        أو إن صحيح البخاري وغيره فيه روايات موضوعة قد نسبت للخليفة الأكاذيب والمدسوسات تريد النيل منه
                        أو إن القرآن محرف حقا وقد سقط منه آية الرجم .

                        والاحتمال الأول يؤيّده ما مرّ من قول عمر في التحريف الإجمالي لآيات القرآن وادعائه أن القرآن كان ألف ألف آية وسبعة وعشرين ألف آية ، وعلى أي حال فالاختيار كله لأهل السنة !

                        تعليق


                        • #57
                          آية الرضاع !

                          أخرج مسلم في صحيحه أن عائشة قالت : " كان فيما أنزل من القرآن ( عشر رضعات معلومات يحرمن ) ثم نسخن ب‍ ( خمس معلومات ) ، فتوفي رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن " ( 1 ) .

                          وأخرج عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه بسند صحيح : " أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا ابن جريج قال : سمعت نافعا يحدث أن سالم بن عبد الله حدثه : أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أرسلت به إلى أختها أم كلثوم ابنة أبي بكر لترضعه عشر رضعات ليلج عليها إذا كبر فأرضعته ثلاث مرات ثم مرضت فلم يكن سالم يلج عليها . قال : زعموا أن عائشة قالت : لقد كان في كتاب الله عز وجل عشر رضعات ثم رد ذلك إلى خمس ، ولكن من كتاب الله ما قبض مع النبي صلى الله عليه وسلم " ( 2 ) .

                          ( 1 ) صحيح مسلم ج4ص167 ، سنن الدارمي ج2ص157 ، المصنف للصنعاني ج7ص467وص470 ، سنن الترمذي ج3ص456 ، السنن الكبرى للبيهقي ج7ص454ح 15397، مشكل الآثار للطحاوي ج3ص6 ، النسائي ج6ص100 ، سعيد بن منصور ص976 ، المحلى لابن حزم 11ص191 ، موطأ مالك ج2ص117 ، مسند الشافعي ج1ص220 وغيرها .
                          ( 2 ) مصنف عبد الرزاق ج7ص469ح 13928 .
                          - ص 490 -
                          هنا تدعي عائشة أن جملة ( خمس معلومات يحرمن ) كانت إلى ما بعد وفاة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم من جنس القرآن المقروء كغيرها من آيات القرآن ، وهذه الدعوى من عائشة طامة كبرى ! لأنـها تزعم - وبكل صراحة - أن سبب سقوط الآية المزعومة وعدم كتابتها في القرآن الكريم هو موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهذا يعني أنه الوحيد الذي كان يحفظها دون المسلمين ، ولم يعلم بـهذه الآية المزعومة سوى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعائشة التي كانت تحتفظ بنصها في صحيفة تحت سريرها ! ، وقد اختفت الصحيفة ! ولكن أين ؟!
                          * في بطن السخلة !
                          وخير من يخبرنا عن أمر هذا القرآن المفقود هي عائشة نفسها ، فقد ذكرت أن الآية المزعومة كانت في صحيفة تحت سريرها فدخلت سخلة وأكلتها حين تشاغلوا بدفن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ( 1 ) ، وهكذا انتفت هذه الآية من الوجود بوفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي اختص بحفظها ولأكل الداجن المعجزة للصحيفة !
                          قال ابن حزم في المحلى : " ثم اتفق القاسم بن محمد وعمرة كلاهما عن عائشة أم المؤمنين قال : لقد نزلت آية الرجم والرضاعة فكانتا في صحيفة تحت سريري فلما مات رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم تشاغلنا بموته فدخل داجن فأكلها . قال أبو محمد -ابن حزم- : وهذا حديث صحيح " ( 2 ) .
                          وفي سنن ابن ماجة عن عائشة : " لقد نزلت آية الرجم ، ورضاعة الكبير عشراً . ولقد كان في صحيفة تحت سريري ، فلما مات رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم وتشاغلنا بموته ، دخل داجن فأكلها " ( 3 ) .
                          قال الطبراني في المعجم الأوسط : " عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة وعن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت : نزلت آيه الرجم ورضاع الكبير عشرا فلقد كان في
                          ( 1 ) من أين يأتيها التشاغل وما شاركت بتغسيله ولا بتكفينه صلى الله عليه وآله وسلم ؟! ، ولا حتى أبوها الذي أخذته الدنيا وزبرج الملك والإمارة ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يزال في المغتسل لم يوار بعد !
                          ( 2 ) المحلى بالآثار لابن حزم الأندلسي ج11ص235-236 رجم المحصن .
                          ( 3 ) سنن ابن ماجة ج1ص 625-626ح1944.
                          - ص 491 -
                          صحيفة تحت سريري فلما مات رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم تشاغلنا بـموته فدخل داجن فأكلها " ( 1 ) .

                          ورواية صحيح مسلم إما أن يقبلها أهل السنة فيعتقدوا تحريف القرآن ، وإما أن يكفروا عائشة لأنـها كانت تدعي تحريف القرآن ، وإما أن يرفضوا الرواية ويجزموا ببطلانـها ، واعتقد أن الأسلم عند الجميع هو الطريق الثالث إلاّ عند من يقدّس صحيح مسلم أكثر من القرآن ، {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}(يوسف/103).


                          * بعض علماء أهل السنة يقبل الرواية على علاتـها !
                          عانى كثيرٌ من علمائهم من هذه الرواية التي أخرجها مسلم في صحيحه ، فوجد هؤلاء الذين أجبروا على قبول الرواية أنه لا مفر لهم إلا بتأويلها وتوجيهها بوجه لا يلزم منه القول بتحريف القرآن ولا رمي عائشة به ، فصاروا يتصيدون لها المخارج ويقلبوا لها الوجوه – كالعادة - حتى عثروا عليه وهو تأُويل هذا المقطع المشكل ( توفي ، وهن فيما يقرأ من القرآن ) بأن تلك الآية نسخت تلاوةً (!) في أواخر حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يبلغ بعض الصحابة نسخها فكانوا يقرؤونـها كقرآن إلى ما بعد رحيل الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم إلى ربّه !!

                          قال النووي في شرحه على صحيح مسلم : " وقولها فتوفى رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم وهن فيما يقرأ هو بضم الياء من يقرأ ومعناه أن النسخ بخمس رضعات تأخر إنزاله جدا حتى أنه صلى الله عليه (وآله) وسلم توفى وبعض الناس يقرأ ( خمس رضعات ) ويجعلها قرآنا متلوا لكونه لم يبلغه السنخ لقرب عهده فلما بلغهم النسخ بعد ذلك رجعوا عن ذلك وأجمعوا على أن هذا لا يتلى " ( 2 ) ، وقلده كثير في تأويله هذا .

                          ( 1 ) المعجم الأوسط ج8ص12ح7805 ، مسند أبي يعلى ج8ص64ح4588 ، سنن الدارقطني ج4ص179ح22.
                          ( 2 ) شرح النووي على صحيح مسلم ج10ص29.
                          - ص 492 -
                          نسخ أغرب من الخيال !
                          وقبل الخوض في مناقشة الرواية ومصداقية تأويلها بأسطورة نسخ التلاوة علينا بيان ما قصدوه من النسخ هنا ، فنقول :
                          إن نسخ التلاوة المدعى في هذا المورد هو نوعٌ آخر من النسخ غير النسخ المدعى لآية الرجم ، لأنه نسخ للتلاوة مع الحكم بخلاف نسخ آية الرجم الذي زعموا أنه للتلاوة دون الحكم ، وعليه يكون معنى قول عائشة هو أن الله عز وجل قد أنزل قرآنا في عدد الرضعات المحرِّمة وهي عشر رضعات ، ثم نسخ الله تلك الآية فرفع تلاوتـها ورفع حكمها أيضا ، ثم مرة ثانية أنزل عز وجل آية على غرار الآية السابقة آيةً تتضمن عدد الرضعات المحرِّمة وهي خمس رضعات فقط ، ثم جاء مرة ثالثة فرفع الله عز وجل تلاوة آية الخمس رضعات كما فعله في آية العشر السابقة !!

                          وأما بالنسبة لحكمها فترددوا في نسخه ، فعلى ما ذهب له الشافعي لم ينسخ الله عز وجل في هذه المرة حكم الآية وإنما نسخت تلاوتـها فقط مستندا في ذلك لرأي عائشة في عدد الرضعات المحرمة ، وفي نسبته لعائشة نظر كما سيأتي ، أما جمهور فقهائهم الذين صححوا الرواية فقد ذهبوا إلى أن الله عز وجل حينما رفع آية الخمس رضعات رفع حكمها أيضا .
                          " وقد يكون النسخ نسخاً للحكم والتلاوة معاً مثل : كان فيما أنزل عشر رضعات معلومات يحرمن فنسخت هذه الآية بخمس معلومات ثم نسخت الخمس أيضاً تلاوة وحكماً عند الإمام مالك ، وتلاوة فقط عن الشافعي " ( 1 ) .

                          ( 1 ) اختلاف الفقهاء والقضايا المتعلقة به في الفقه الإسلامي المقارن ص34 ، د. أحمد محمد الحصري . يتبع

                          تعليق


                          • #58
                            قول عائشة في صحيح مسلم لا يمكن قبوله لعدة جهات

                            هناك جهات عدة تمنع المنصف المتدبر من قبول قول عائشة وتقف دون احتمال اخبارها عن الواقع :
                            أولا : الفقه المأثور عن عائشة في مسألة الرضاع مضطرب جدا ولا يمكن التعويل على هذه الرواية لأنـها معارضة.
                            فقد وروى البيهقي في سننه الكبرى بسنده : " حدثنا الربيع حدثنا الشافعي حدثنا مالك عن نافع أن سالم بن عبد الله أخبره أن عائشة رضى الله عنها زوج النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم أرسلت به وهو يرضع إلى أختها أم كلثوم فأرضعته ثلاث رضعات ثم مرضت فلم ترضعه غير ثلاث رضعات فلم أكن أدخل على عائشة رضى الله عنها من أجل أن أم كلثوم لم تكمل لي عشر رضعات " ( 1 ) .
                            أقول : وسيتضح أن عائشة لا تجيز دخوله إلا بعشر رضعات ، فلو كان ما نسبته عائشة للقرآن في رواية مسلم صحيحا لما خالفته وصارت لغيره ، ولا مجال للقول بأن رأيها في عشر رضعات كان في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبعد أن نسخ في آخر حياته صلى الله عليه وآله وسلم عملت بخمس رضعات ، وذلك لأن الروايات تحكي رضاع سالم في ما بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، لأن سالما ولد في زمن تأمر عثمان على الناس ، قال الذهبي : " سالم بن عبد الله ابن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب … وأمه أم ولد . مولده في خلافة عثمان " ( 2 ) .
                            فلا يحتمل حينئذ أن تأمر عائشة أختها بأن ترضعه في آخر حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى يقال إن ذلك قبل أن ينسخ الحكم بخمس رضعات .

                            وروى أيضا بسنده : " حدثنا إبراهيم بن عقبة أنه سأل عروة بن الزبير عن المصة والمصتين قال : كانت عائشة رضى الله عنها لا تحرم المصة ولا المصتين ولا تحرم إلا عشرا فصاعدا " ( 3 ) .
                            وفي كتاب السنن : " حدثنا سعيد قال نا عبد العزيز بن محمد عن إبراهيم بن عقبة أنه سأل عروة بن الزبير عن الرضاع قال : كانت عائشة لا ترى المصة ولا المصتين شيئا دون عشر رضعات فصاعدا " ( 4 ) .
                            وفي مصنف ابن أبي شيبة : " حدثنا ابن علية عن أيوب عن نافع قال : كانت عائشة إذا أرادت أن يدخل عليها أحد أمرت به فأرضع فأمرت أم كلثوم أن ترضع سالما عشر رضعات فأرضعته ثلاثا فمرضت فكان لا يدخل عليها وأمرت فاطمة بنت عمر أن ترضع عاصم بن سعيد مولى لهم فأرضعته عشر رضعات فكان يدخل عليها " ( 5 ) .
                            ( 1 ) السنن الكبرى للبيهقي ج7ص 457 .
                            ( 2 ) سير أعلام النبلاء ج4ص458ت176.
                            ( 3 ) السنن الكبرى ج7 ص458-459 .
                            ( 4 ) كتاب السنن ج1ص276ح968.
                            ( 5 ) مصنف ابن أبي شيبة ج3ص548ح17031.
                            - ص 494 -
                            وقد قال ابن حجر في فتح الباري : " ثم اختلفوا فجاء عن عائشة عشر رضعات أخرجه مالك في الموطأ وعن حفصة كذلك وجاء عن عائشة أيضا سبع رضعات أخرجه بن أبي خيثمة بإسناد صحيح عن عبد الله بن الزبير عنها وعبد الرزاق من طريق عروة كانت عائشة تقول لا يحرم دون سبع رضعات أو خمس رضعات وجاء عن عائشة أيضا خمس رضعات فعند مسلم عنها كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات ثم نسخت بخمس رضعات معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم وهن مما يقرأ وعند عبد الرزاق بإسناد صحيح عنها قالت لا يحرم دون خمس رضعات معلومات " ( 1 ) .
                            ثم ذكر أن حديث صحيح مسلم لا يمكن الاحتجاج به لأنه يثبت قرآنا والقرآن يحتاج إلى التواتر ، وهذا سنذكره فيما بعد بإذنه تعالى .
                            وقال إمامهم ابن التركماني في الجوهر النقي معلقا على حديث عائشة : " قد ثبت أن هذا ليس من القرآن الثابت ولا تحل القراءة به ولا إثباته في المصحف ومثل هذا عند الشافعي ليس بقرآن ولا خبر وقد ذكرنا ذلك غير مرة فيما مضى وفي موطأ مالك عن نافع أن سالم بن عبد الله حدثه أن عائشة أرسلت به إلى أختها أم كلثوم بنت أبى بكر فقالت : أرضعيه عشر رضعات حتى يدخل على فأرضعتني ثلاث رضعات ثم مرضت فلم ترضعني غير ثلاث مرات فلم أكن أدخل على عائشة من أجل أن أم كلثوم لم تتم لي عشر رضعات . وذكره البيهقي في آخر هذا الباب وذكره أيضا صاحب التمهيد ثم قال فلأجل هذا الحديث قال أصحابنا : أنـها تركت حديثها ، وفعلها هذا يدل على وهن ذلك القول لأنه يستحيل أن تدع الناسخ وتأخذ بالمنسوخ وأسند ابن حزم عن إبراهيم بن عقبة سألت عروة عن الرضاع فقال : كانت عائشة لا ترى شيئا دون عشر رضعات فصاعدا ثم ذكر عنها قالت إنما تحرم من الرضاع سبع رضعات – قال ابن حزم : الأول عنها أصح وهذا كله يدل على أن مذهبها مخالف لـهذا الخبر وأنـها لا تعتبر في التحريم خمس رضعات " ( 2 ) .
                            والسؤال هو : لماذا نسبت عائشة للقرآن ما لا تعمل به ؟! هذا تجيب عنه عائشة .
                            ( 1 ) فتح الباري ج9ص146-147.( 2 ) الجوهر النقي لابن التركماني ج7ص454 ط دار الفكر .
                            - ص 495 -
                            وعلى أي حال فهذه الرواية معارضة لا يمكن قبولها والتسليم بمضمونـها ، خاصة وأن فيها ما هو معلوم البطلان وهو قرآنية ما لم يتواتر ، فهي معلولة من الجهتين .
                            ثانيا : حتى لو تنـزلنا عن اشتراط التواتر للنسخ فإن هذا النوع من النسخ مما تتوفر الدواعي لنقله متواترا ، لغرابته الشديدة فلا نعقل أن تنفرد عائشة بنقله ويغفل عنه الصحابة .
                            إذ أن نزول آية بحكم ما وبعد ذلك ترفع الآية مع حكمها ثم تنـزل آية أخرى ناسخة بحكم جديد ومن ثم ترفع هذه الآية ويبقى من يقرأ بـها بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وينسخ حكمها أو يبقى– على الخلاف - أمر غريب جدا ! ، ولو وقع وحصل مثله من النـزول والنسخ والنـزول والنسخ في حكم وأمر واحد لذاع وانتشر أمره بين أعداء دين الله قبل محبيه ولتناقلته الألسنة من السلف إلى الخلف ولكنه لم يحدث ، فلا يمكن التصديق بوقوع ما تدعيه عائشة .

                            ثالثا : كيف يتصور نزول آية لا يعلم نصّها أحد من الناس إلا عائشة ومن ثم يأتي داجن ويأكلها وتفقد إلى الأبد ؟‍! ، كيف اختصت عائشة بالآيتين الناسخة والمنسوخة من دون الناس ؟! ، أين كان الصحابة ؟! ، ألم يكن هناك كتبة للوحي وحفظة للقرآن ؟ ، أم أن الوحي نزل هذه المرّة في مرط عائشة وأبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الآية لعائشة وبعد أن أخذتـها وكتبتها في الصحيفة عاد الله ونسخها ؟!

                            قال في مباني المعاني : " فإن قيل أليس قد روي عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة عن عائشة أنـها قالت : كان فيما يقرأ من القرآن فسقط ، يحرّم من الرضاع عشر رضعات ، ثم نسخن إلى خمس معلومات . وقد روى في غير هذه الرواية : فكانت في جُليد فأكله الدَّاجن لاشتغالنا بموته . تعني موت النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم . "

                            وقال : " لو كان من القرآن المتلوّ المكتوب في المصاحف لما بطل بأكل الداجن ، ولما سقط بالنسخ ، والله يقول : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(الحجر/9). وقال تعالى : {لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}(فصلت/42). ولو كان من القرآن لما اجتمع النسخ والمنسوخ في آية واحدة بل كانت الآية الناسخة تتأخر ، كما لا يجوز أن يجتمع حكمان مختلفان في وقت واحد وحالٍ واحدة كيف يجوز أن يكون قرآن يتلى على عهد الرسول
                            - ص 496 -
                            صلى الله عليه (وآله) وسلم على ما أخبرت به عائشة رضي الله عنها ، ولا يحفظه واحد من الصحابة ؟ ولا كاتب الوحي الذي جمع القرآن في زمن أبي بكر ، وعثمان وهو زيد بن ثابت رضي الله عنهم ، ولو كان من القرآن لما احتمل ما يذكرون حدوثه فيه من السهو والإغفال والتفريط حتى أكله الداجن ، أو سقط من المصحف مع شدة حرص الصحابة رضي الله عنهم على جمعه وحفظه " ( 1 ) .

                            رابعا : من غير المعقول أن يشرع الله عز وجل حكما ثم ينسخه من قبل أن يعلم الناس به ويقتصر العلم به على عائشة ! ، وعلماء الأصول يرفضون فكرة نزول حكم يُنسخ قبل أن يعمل الناس به ، فلماذا نزل إذن ؟! والكثير الكثير من الإشكالات التي تراود الذهن عند تصور هذا النسخ العجيب .

                            خامسا : ما ذكره أحد علمائهم وهو شيخ الأزهر صاحب تفسير المنار حيث قال اعتراضا على رواية عائشة : " وإذا قال السائل إذا صح هذا فما هي حكمة نسخ العشر بالخمس عند عائشة ومن عمل بروايتها ونسخ النسخ أيضاً عند من قبل روايتها وادعى أن الخمس نسخت أيضاً بنسخ تلاوة لأنه الأصل ولم يثبت خلافه ؟ لعل أظهر ما يمكن أن يجاب به عن هذا هو أن الحكمة في هذا هي التدرج في هذا التحريم كما وقع في تحريم الخمر لا يخطر في البال شيء آخر يمكن أن يقولوه ، وإذا انصفوا رأوا الفرق بين تحريم الخمر وتحريم نكاح الرضاع واسعاً جداً فإن شارب الخمر يؤثر في العصب تأثيراً يغري الشارب بالعودة إليه حتى يشق عليه تركه فجأة ولا كذلك ترك نكاح المرضعة أو أبنتها مثلا " ( 2 ) .

                            ( 1 ) مقدمتان في علوم القرآن ص87-88.
                            ( 2 ) تفسير المنار ج4 ص 473 للأستاذ محمد رشيد رضا ط دار المنار 1365 ه‍‌ .
                            أقول : وفيما ذكره نظر ، لأنه يمكن الجواب عنه بأن مناطات الأحكام لا يمكن الوقوف عليها ، وليس لنا معرفة علل الأحكام وسبب نزولها فلو كان الحكم دائرا مدار العلم بالعلة لفسدت كثير من أحكام الشريعة غير معلومة المدرك
                            .
                            يتبع

                            تعليق


                            • #59
                              المشاركة الأصلية بواسطة طالب الكناني
                              نلاحظ بين فترة واخرى يعاد الموضوع نقول لكم اننا نقر بان القرآن الذي بين ايدينا هو القرآن الذي انزله الله تعالى على رسوله الهاشمي
                              يرجع الوهابين النواصب يغرقون المنتدى بالمواضيع التافهه والتي يا ما اشبعت نقاش
                              ولو تجرأنا وطرحنا مثل هذه المواضيع في المنتديات الوهابية لاطلقوا العنان للسانهم القذر بانواع الكلام
                              أولا : زيادة سورتي الحفد والخلع للقرآن !
                              هذا نص سورة الخلع المزعومة :
                              {اَللّهُمّ إِنّا نَسْتَعِيْنُك وَنَسْتَغْفِرُكَ ونُثْنِيْ عَلَيْكَ اَلْخَيْرَ ولا نَكْفُرُك ونَخْلَعُ ونـَــتـْرُكُ مَنْ يَفْجُرُك}

                              وهذا نص سورة الحفد المزعومة :
                              {اَللّهُمّ إيّاكَ نَعْبُدُ ولَكَ نُصَلِّي ونَسْجُدُ وَإِلَيْكَ نَسْعَى ونَحْفِدُ نَرْجُوْ رَحْمَتَكْ ونَخْشَى عَذَابَكَ اَلْجَد إِن عَذَاْبَكَ بِالكُفّاْرِ مُلْحِقٌ}

                              * روايات أهل السنة القائلة أنـهما قرآن منـزل :
                              لنستعرض بعض رواياتـهم التي تدل على أنـهما سورتان كغيرهما من سور القرآن ، وهذا يتم من ناحيتين ، فتارة تنص تلك الروايات على أنـهما سورتان وأن بعض الصحابة كان يقرأ بـهما في صلاته بل ومنهم من يحلف بالله أنـهما نزلتا من السماء ، وتارة أخرى تدعي الروايات أن بعض الصحابة كانوا يكتبون السورتين بين سور مصاحفهم ، وهاك نبذة منها :


                              - ص 432 -


                              * النص على كونـهما سورتين :
                              " وأخرج محمد بن نصر والطحاوي عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب كان يقنت بالسورتين ( اللهم إياك نعبد ) ( واللهم إنا نستعينك ) .
                              وأخرج محمد بن نصر عن عبد الرحمن بن أبزى قال : قنت عمر رضي الله عنه بالسورتين . وأخرج محمد بن نصر عن عبد الرحمن بن أبى ليلى أن عمر قنت بـهاتين السورتين : ( اللهم إنا نستعينك ) و ( اللهم إياك نعبد ) " ( 1 ) .

                              " وأخرج ابن أبى شيبة عن عبد الملك بن سويد الكاهلي أن عليا قنت في الفجر بـهاتين السورتين : ( اللهم إنا نستعينك … ) " ( 2 ) .
                              " وأخرج محمد بن نصر عن سفيان قال : كانوا يستحبون أن يجعلوا في قنوت الوتر هاتين السورتين : ( اللهم إنا نستعينك ) و ( اللهم إياك نعبد ) . وأخرج محمد بن نصر عن إبراهيم قال يقرأ في الوتر السورتين : ( اللهم إياك نعبد ) ( اللهم إنا نستعينك ونستغفرك )".
                              "وأخرج محمد بن نصر عن الحسن قال : نبدأ في القنوت بالسورتين ثم ندعو على الكفار ثم ندعو للمؤمنين والمؤمنات ".
                              " وأخرج محمد بن نصر عن خصيف قال : سألت عطاء بن أبى رباح أي شئ أقول في القنوت قال : هاتين السورتين اللتين في قراءة أُبـي : ( اللهم إنا نستعينك ) و ( اللهم إياك نعبد ) ".
                              ( 1 ) الدر المنثور ج6ص420 ( ذكر ما ورد في سورة الخلع وسورة الحفد )
                              أقول : قد يتبادر إلى الذهن أن القنوت بـهما يدل على كونـهما دعاء ، وليس كذلك ، فإن القرآن يصح أن يقرأ كدعاء مثل قوله تعالى {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}(آل عمران/8).

                              ( 2 ) ن.م .
                              - ص 433 -


                              " وأخرج ابن أبى شيبة ومحمد بن نصر عن ميمون بن مهران قال في قراءة أبى بن كعب : ( اللهم إنا نستعينك ) " ( 1 ) .
                              " عن أبي اسحاق قال : أمّـنـا أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد بخراسان فقرأ بـهاتين السورتين (إنا نستعينك ) و (نستغفرك ) " ( 2 ) .

                              "وأخرج محمد بن نصر عن عطاء بن السائب قال كان أبو عبد الرحمن يقرئنا ( اللهم إنا نستعينك ) زعم أبو عبد الرحمن أن ابن مسعود كان يقرئهم إياها ويزعم أن رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم كان يقرئهم إياها " ( 3 ) .
                              " وأخرج أبو الحسن القطان في المطولات عن أبان بن أبي عياش قال سألت أنس بن مالك عن الكلام في القنوت فقال : ( اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ) قال أنس : والله إن أنزلتا إلا من السماء ‍!" ( 4 ) .
                              " وأخرج محمد بن نصر عن يزيد بن أبى حبيب قال بعث عبد العزيز بن مروان إلى عبد الله بن رزين الغافقي فقال له : والله إني لأراك جافيا ما أراك تقرأ القرآن ! قال : بلى والله إني لأقرأ القرآن وأقرأ منه مالا تقرأ به . فقال له عبد العزيز : وما الذي لا أقرأ به من القرآن ! قال : القنوت حدثني على ابن أبى طالب أنه من القرآن " ( 5 ) .
                              ( 1 ) ن.م ج6ص422.
                              ( 2 ) مجمع الزوائد ، المجلد السابع ص157 ( باب فيما نسخ ) وعلق عليه ب‍ ( رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح ) وعن الإتقان في علوم القرآن ج1ص65 ، أقول : واضح أن الصلاة لا تتم بقراءة غير القرآن .
                              ( 3 ) الدر المنثور ج6ص422.
                              ( 4 ) الدر المنثور ج6ص420 ( ذكر ما ورد في سورة الخلع وسورة الحفد ).

                              ( 5 ) ن.م .
                              - ص 434 -


                              ولا أرى نصوصا هي أوضح وأجلى مما سبق لإثبات جزئيتهما من القرآن في نظر سلفهم الصالح ، أما في مذهب أهل البيت عليهم السلام الذي يدين به الشيعة فإن كل تلك الروايات وغيرها التي تفيد المعنى المزبور مرفوضة وعرض الجدار مضربـها .

                              * دمج بعض الصحابة لـهما في المصحف على أنـهما سورتان :

                              " قال ابن الضريس في فضائله أخبرنا موسى بن إسماعيل أنبانا حماد قال قرأنا في مصحف أبى بن كعب (اللهم إنا نستعينك وتستغفرك ونثني عليك الخير ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك ) قال حماد: هذه الآن سورة. واحسبه قال : (اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونجد وإليك نسعى ونحفد نخشى عذابك ونرجو رحمتك إن عذابك بالكفار ملحق) "( 1 ).

                              " وفي مصحف ابن عباس قراءة أبـيّ وأبى موسى ( بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك ) . وفي مصحف حجر ( اللهم إنا نستعينك ) " ( 2 ) .
                              " أخرج البيهقي أن عمر بن الخطاب قنت بعد الركوع فقال : ( بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعينك …) قال ابن جريج : حكمة البسملة أنـهما سورتان في مصحف بعض الصحابة ".
                              " وأخرج محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة عن أبي بن كعب أنه كان يقنت بالسورتين فذكرهما وأنه كان يكتبهما في مصحفه" ( 3 ) .
                              " وفي مصحف ابن مسعود مائة واثنا عشرة سورة لأنه لم يكتب المعوذتين ، وفي مصحف أُبيّ ست عشر لأنه كتب في آخره سورتي الحفد والخلع " ( 4 ) .
                              ( 1 ) ن.م .
                              ( 2 ) ن.م .
                              ( 3 ) الإتقان في علوم القرآن ج1ص65 ط الحلبي الثالثة .

                              ( 4 ) ن.م .
                              - ص 435 -


                              " وأخرج ابن أبى شيبة في المصنف ومحمد بن نصر والبيهقي في سننه عن عبيد بن عمير أن عمر بن الخطاب قنت بعد الركوع فقال ( بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعينك ونستغفرك … ) وزعم عبيد أنه بلغه انـهما سورتان من القرآن من مصحف ابن مسعود " ( 1 ) .
                              * شـبهة !
                              قد يقال إن تلك الروايات التي تحكي كتابة السورتين في مصحف كل من أَبي بن كعب وابن مسعود ( 2 ) وابن عباس لا يستفاد منها إلحاقها كسورتين مثل بقية سور القرآن وإنما كتبتا كذكر ودعاء في آخر المصحف حتى يسهُل إيجادهما وقراءتـهما ، فليس كل ما يضاف في آخر المصحف يعتبر من القرآن المنـزل ، وهذا أشبه بما يفعل اليوم من دمج دعاء ختم القرآن في آخره وهذا لا يعني أنه دمج كسورة في المصحف .
                              وهذا الكلام غير صحيح لأن الروايات صريحة في كونـهما سورتين ولم يعهد التعبير عن الدعاء بالسورة ، ثم إن رواياتـهم بينت محل السورتين في مصحف بعض الصحابة وكيفية وضعها فيه :
                              " فائدة : قال ابن أشته في كتاب المصاحف : أنبأنا محمد بن يعقوب ، حدثنا أبو داود حدثنا أبو جعفر الكوفي قال : هذا تأليف مصحف أُبيّ : الحمد ثم البقرة ثم النساء ثم آل عمران ثم الأنعام ثم الأعراف ثم المائدة ثم يونس ثم الأنفال -إلى أن يقول- ثم الضحى ثم ألم نشرح ثم القارعة ثم التكاثر ثم العصر ثم سورة الخلع ثم سورة الحفد ثم ويل لكل همزة … إلخ " ( 3 ) .

                              وقال النديم في الفهرست : " باب ترتيب القرآن في مصحف أبي بن كعب : … الصف ، الضحى ، ألم نشرح لك ، القارعة ، التكاثر ، الخلع ثلاث آيات ، الحفد ست آيات اللهم إياك نعبد وآخرها بالكفار ملحق ، اللمز ، إذا زلزلت ، العاديات ، أصحاب الفيل ، التين ، الكوثر ، القدر ، الكافرون ، النصر ، أبي لهب ، قريش ، الصمد ، الفلق ، الناس ، فذلك مائة
                              ( 1 ) الدر المنثور ج6ص421 .

                              ( 2 ) هذه النسبة لمصحف ابن مسعود وقعت محل كلام وخلاف .
                              ( 3 ) الإتقان في علوم القرآن ج1ص64 ط الحلبي .
                              - ص 436 -


                              وستة عشر سورة قال إلى هاهنا أصبحت في مصحف أبي بن كعب وجميع آي القرآن في قول أبي بن كعب ستة آلاف آية ومائتان وعشر آيات وجميع عدد سور القرآن " ( 1 ) .
                              وعليه فالسورتان المزعومتان وقعتا بين السور ، وترتيبهما بـهذا النحو في مصحف أبي بن كعب شاهد على أنـهما دمجتا كسورتين من سور المصحف لا كدعاء ألحق في آخر صفحاته ! بل إن راوي الرواية قد صرّح بكونـهما سورتين ، فجزئيتهما واضحة لا غبار عليها ، ومما يزيد الأمر وضوحا هذه الرواية :
                              وأخرج محمد بن نصر عن الشعبي قال : " قرأت أو حدثني من قرأ في بعض مصاحف أُبيّ بن كعب هاتين السورتين : ( اللهم إنا نستعينك ) ، والأخرى ، بينهما {بِاِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ} قبلهما سورتان من المفصل وبعدهما سور من الفصل " ( 2 ) .

                              وواضح من موضع السورتين في المصحف أن دمجهما كان باعتبار قرآنيتهما وإلا لو كانتا دعاءً لما صح أن توضعا بين السور بل توضعا في آخر المصحف أو في هامش الصفحات ، وهذا التقريب ليس بذاك الشيء بعد صراحة الروايات السابقة ونصها على أنـهما سورتان .

                              * من عدهما سورتين من الصحابة والتابعين
                              يمكن أن تزودنا نظرة عابرة في رواياتـهم بقائمة كبيرة من أسماء سلفهم الصالح الذين كانوا يقولون بقرآنيتهما ، وهم : أبي بن كعب ، وعبد الله بن عباس ، وأبو موسى الأشعري ، وأنس بن مالك ، وعبد الله بن مسعود ، وإبراهيم النخعي ، وسفيان الثوري ، والحسن البصري ، وعطاء بن رباح ، وأبو عبد الرحمن بزعم عطاء بن السائب ، وقد قال ابن عباس وعبد الرحمن بن أبي ليلى وعبد الرحمن بن أبزى وعبيد بن عمير : أن عمر بن الخطاب كان يقرأ هاتين السورتين في الصلاة .

                              وسيأتي ذكر كلمات علماء أهل السنة الذين صرحوا بأن هذين المقطعين سورتان في مصاحف بعض الصحابة كبقية سور القرآن .
                              ( 1 ) الفهرست ج1ص40.

                              ( 2 ) الدر المنثور ج6ص420 ، وللزيادة تراجع روايات سورتي الخلع والحفد في الدر المنثور .
                              - ص 437 -


                              ومن الغريب أن علاّمتهم جلال الدين السيوطي قد وضع هذه الجمل التي لا ترقى لمستوى البلاغة القرآنية في آخر تفسيره الدر المنثور بعد المعوذتين إيمانا منه بأنـهما سورتان من القرآن ! ولا أدري كيف خفي عليه وهو رجل أدب وحليف لغةٍ وبلاغة ما لأسلوبـها من اضمحلال وضعف عن رونق الإعجاز القرآني ، وليت شعري كيف نحتج باعجاز القرآن وبلاغته على غير أهل ملتنا مع تجويز دخول تلك العبارات في حريم القرآن ، أفلا ينفيها إعجازه البلاغي ؟!

                              * أين ذهبت ؟!
                              السؤال المهم الذي على أهل السنة الإجابة عنه هو أين ذهبت هاتان السورتان ؟ ، ولماذا لم تكتبا في المصحف زمن عثمان ؟ خاصة وأن الصحابة كانوا يقرؤونـها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمدة طويلة بعد زمن عثمان ، وكتبوهما في مصاحفهم ، بل كان الخليفة وغيره من التابعين يؤمّون الناس بـهما في الصلاة ولا من نكير أو معترض!

                              يتبع

                              بسم الله الرحمن الرحيم

                              وبه الاعانة

                              وعليه التكلان

                              والحمد لله عظيم المنة ناصر الدين باهل السنة :

                              يزعم الشيعة ان هناك سورتين حذفتا من القرآن الكريم و هما سورة الحفد والخلع ونصهما كما اتى بهما زميلنا طالب :

                              (( اللهم إنا نستعينك و نستهديك و نستغفرك و نتوب إليك و نؤمن بك و نتوكل عليك و نثني عليك الخير كله .نشكرك و لا نكفرك . ونخلع و نترك من يفجرك .اللهم أياك نعبد و لك نصلي و نسجد .و إليك نسعى و نحفد و نرجورحمتك و نخاف عذابك الجد بالكفار ملحق ))
                              ــــــــــــــــــــــــــ
                              ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
                              ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

                              الجواب
                              اصر الزميل طالب على ان المصحف هو القران الكريم ناسيا او متغاضيا بالاحرى ما تم تعريفه عن المصحف واني لاجد ان ارد هذه الشبيهات لسخف لكن ماذا نفعل على من جهلهم غلبهم :


                              قال صاحب الأنتصار ما نصه (( هذا كلام القنوت المروي أن أبي بن كعب أثبته في مصحفه . لم تـقم الحجة بأنه قرآن منزل بـل هو ضرب من الدعـاء و أنه لو كان قرآناً لنقل إلينا نقل القرآن و حصل العلم بصحته ))

                              وقد روي أنّ أبي ابن كعب أثبت هذا الدعاء في مصحفه، وهو قد أثبتَ في مصحفه ما ليس بقرآنٍ من دعاء أو تأويلٍ ( البرهان في علوم القرآن للزركشي2/ 136).

                              و وجود هذا الدعاء في مصحف أبي بن كعب راجع الى ان بعض الصحابة الذي كانوا يكتبون القرآن لأنفسهم في صحف أو مصاحف خاصة بهم ربما كتبوا فيها ما ليس من القرآن ..مما يكون تأويلاً لبعض ما غمض عليهم من معاني القر آن أو يكون دعاء يجري مجرى القرآن في أنه يصح الإتيان به في الصلاة عند القنوت .
                              و هم يعلمون انه ذالك كله ليس بقرآن ولكن ندرة أدوات الكتابة و كونهم يكتبون القرآن لأنفسهم وحدهم دون غيرهم .هون عليهم ذالك لأنهم امنوا على انفسهم اللبس و أشتباه القرآن بغيره ، أضف إلى ذالك ان النبي نهى عن كتابة غير القرآن و ذالك كله مخافة اللبس و الخلط و الإشتباه في القرآن الكريم .

                              وقد أورد بعض الجهال امثال زميلنا هذا ومن شابهه من المشككيين في سبيل نشر هذه الشبهة الساقطة بعض الروايات والتي منها :

                              1- عن الأعمش أنه قال: في قراءة أُبَيِّ بن كعبٍ: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك. ونثني عليك ولا نكفرك. ونخلع ونترك من يفجرك. اللهم إياك نعبد. ولك نصلي ونسجد. وإليك نسعى ونحفد. نرجو رحمتك ونخشى عذابك. إن عذابك بالكفار ملحِق
                              2- عن ابن سيرين قال: كتب أُبَيُّ بن كعبٍ في مصحفه فاتحة الكتاب والمعوذتين، واللهم إنا نستعينك، واللهم إياك نعبد، وتركهن ابن مسعودٍ، وكتب عثمان منهن فاتحة الكتاب والمعوذتين
                              وعن أُبَيِّ بن كعبٍ أنه كان يقنت بالسورتين، فذكرهما، وأنه كان يكتبهما في مصحفه
                              3- عن عبد الرحمن بن أبزى أنه قال: في مصحف ابن عباس قراءةُ أُبَيِّ بن كعبٍ وأبي موسى: بسم الله الرحمن الرحيم. اللهم إنا نستعينك ونستغفرك. ونثني عليك الخير ولا نكفرك. ونخلع ونترك من يفجرك. وفيه: اللهم إياك نعبد. ولك نصلي ونسجد. وإليك نسعى ونحفِد. نخشى عذابك ونرجو رحمتك . إن عذابك بالكفار ملحِق
                              4 _ كما ورد أن بعض الصحابة كان يقنت بِهاتين السورتين:
                              عن عمر بن الخطاب أنه قنت بعد الركوع، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم. اللهم إنا نستعينك ونستغفرك. ونثني عليك ولا نكفرك. ونخلع ونترك من يفجرك. بسم الله الرحمن الرحيم. اللهم إياك نعبد. ولك نصلي ونسجد. وإليك نسعى ونحفد. نرجو رحمتك ونخشى عذابك. إن عذابك الجد بالكافرين ملحِق
                              و للرد علي هؤلاء الجهلة نقول :

                              _ نريد من اي متفقه شيعي ان يذكر لنا رواية واحدة من هذه الروايات و يثبت لنا صحتها .
                              و لضرب مثال واحد فقط لا اكثر :

                              ان الرواية الاولي من كتاب ( غريب الحديث و الاثر ) لابن الاثير، فكعاده الشيعة لا تجدهم الا جهلة (( لا يعرفون اي حديث يؤخذ به .... او جهال لا يعرفون في علم الحديث اصلاً ))

                              _ كان الصحابة يثبتون في مصاحفهم ما ليس بقرآن من التأويل والمعاني والأدعية، اعتمادًا على أنه لا يُشكل عليهم أنَّها ليست بقرآن و هذا ما فعله ابي بن كعب و سنفصله ان شاء الله في الرد علي شبهة المصاحف عند ابن مسعود التي اتى بها الزميل طالب وكما بينا لاحقا عن مصاحف ابن مسعود لك لا مانع ان نبين اكثر .

                              وبعض هذا الدعاء كان قرآنًا منَزلاً، ثم نُسخ، وأُبيح الدعاء به، وخُلط به ما ليس بقرآنٍ، فكان إثبات أُبَيٍّ هذا الدعاء .


                              _ نقل عن ابي بن كعب قراءته التي رواها نافع وابن كثير وأبو عمرو، وغيرهم، وليس فيها سورتا الحفد والخلع - كما هو معلوم .


                              _ كما أن مصحفه كان موافقًا لمصحف الجماعة قال أبو الحسن الأشعري : قد رأيت أنا مصحف أنسٍ بالبصرة، عند قومٍ من ولدِه، فوجدتُه مساويًا لمصحف الجماعة، وكان ولد أنسٍ يروي أنه خط انس وأملاء أبي بن كعب .


                              و بذلك تكون حجتهم واهية و امهم هاوية لكل مشكك طعان .

                              يتبع


                              تعليق


                              • #60
                                لا معنى لتأويلها بقراءة الصحابة للمنسوخ تلاوة !
                                ومع هذا كله فإن البعض يرفض العقل والمنطق الذي يدافع عن قداسة القرآن لئلا تتعرض قداسة عائشة أو صحيح مسلم لأي خدش ! ، وهؤلاء القوم يلزمهم القول بالتحريف الصريح لأن عائشة تدعي أن آية خمس رضعات بقيت إلى ما بعد وفاة النبي صلى الله وسلم فيما يقرأ القرآن وهي غير موجودة في مصحفنا ، وتأويل كلامها بأن تلك الآية نسخت في آواخر حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبقي بعض الصحابة على قراءتـها إلى ما بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم جهلا منهم بنسخها ، أمر فاسد لأمور :
                                أولا : هذا التأويل قائم على نقطة واحدة وهي أن بعض الصحابة كانوا يعلمون بنصها إلى ما بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذا يناقض بيان عائشة الآخر الذي أخرجه الصنعاني في المصنف بسند صحيح عن سالم بن عبد الله :
                                " أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أرسلت به إلى أختها أم كلثوم ابنة أبي بكر لترضعه عشر رضعات ليلج عليها إذا كبر فأرضعته ثلاث مرات ثم مرضت فلم يكن سالم يلج عليها . قال : زعموا أن عائشة قالت : لقد كان في كتاب الله عز وجل عشر رضعات ثم رد ذلك إلى خمس ، ولكن من كتاب الله ما قبض مع النبي صلى الله عليه وسلم " ( 1 ) .
                                وهذه الرواية واضحة في أن بعض القرآن ومنه هذه الآية المزعومة قد ذهب مع وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فكيف يقال أن بعض الصحابة كانوا يقرؤون الآية إلى ما بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم ؟!

                                ورواية المصنف لا يمكن تأويلها بأي تأويل غير التحريف كنسخ التلاوة أو المنسأ ، لأن نسخ التلاوة أو المنسأ إن وقع في هذه الآيات فيجب أن يأتي الله بخير منها أو مثلها بمفاد الآية التي احتج بـها أهل السنة على الوقوع (!) ، وهي {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(البقرة/106) ، وهذه الرواية تقول إن بعض القرآن قد قبض مع قبض النبي صلى الله عليه وآله وسلم ! فلا معنى لنسخ التلاوة أو المنسأ هنا لأنه لم ينـزل قرآن هو خير منها أو مثلها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما هو معلوم بالبداهة !

                                ثانيا : حتى لو تجاوزنا رواية المصنف ، فإن هذا التأويل لقولها ( وهن فيما يقرأ من القرآن ) خلاف ظاهر اللفظ والمتبادر منه ، لأن المتبادر منه أن تلك الآية كانت كغيرها من آيات القرآن لا أنـها كانت من غير القرآن لكن الصحابة ألحقوها في القرآن لجهلهم !!

                                ( 1 ) مصنف عبد الرزاق ج7ص469ح 13928 .
                                - ص 498 -
                                وواضح أن تأويل الكلام إلى خلاف ظاهره يحتاج إلى دليل يدل عليه ، وإلا لفسد الدين بل لفسدت كل أقوال العقلاء .
                                وقد قال شيخهم صاحب تفسير المنار : " وإذا سأل سائل لماذا لم يثبتوها حينئذ في القرآن ؟ أجابه الجامدون على الروايات من غير تمحيص لمعانيها بجوابين : … ثانيهما : انـهم لم يثبتوها لعلمهم بأنـها نسخت وقول عائشة أنـها كانت تُقرأ يراد به أنه كان يقرأها من لم يبلغه النسخ وهذا الجواب أحسن وأبعد عن مثار الطعن في القرآن برواية آحدية ، ولكنه خلاف المتبادر من الرواية " ( 1 ) .
                                لذا فمن يؤول الكلام ويحمله على خلاف ظاهره مطالب بالدليل ، وحيث لا دليل فظاهر الكلام هو المعتمد ، وهذا في حال عدم وجود دليل على بطلان تأويلهم فكيف لو كان هناك دليل على بطلان هذا التأويل وهي رواية المصنف ؟!
                                ثالثا : لو صح تأويلهم هذا من أن بعض الصحابة كان يقرأ بـها بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لما انفردت عائشة بنقل هذه الآيات المزعومة .
                                رابعا : إن كان تأويلهم صحيحا ، فلماذا لم تنقل لنا رواية واحدة تحكي قراءة فلان من الصحابة لـهذه الآية كما نقلوا شواذ القراءات عن الكثير من الصحابة بأقل من هذا المورد ، كما سيأتي .
                                خامسا : لا معنى لطرح نسخ التلاوة كتأويل لما قالته عائشة ، لأن نسخ التلاوة يثبت التحريف ولا ينفيه كما بينا سابقا ، فإن إدعاءه يعني التسليم المسبق بقرآنية الآيتين ، وحيث لا تواتر على قرآنيتهما فيعني أنـهم أدخلوا في القرآن آيتين ليستا منه ، ولو حصلّوا التواتر – ولن يفعلوا - يلزمهم لإثبات نسخهما وعدم ضياعهما من المصحف تواتر آخر وهذا مفقود قطعا .
                                ولذا فإن من يصحح الرواية عن عائشة يلزمه على أحسن التقادير أن يقول إن عائشة كانت ترى تحريف القرآن اشتباها وخطأ .
                                ( 1 ) تفسير المنار ج4ص473 للأستاذ محمد رشيد رضا ط دار المنار 1365ه‍ . يتبع

                                تعليق

                                اقرأ في منتديات يا حسين

                                تقليص

                                لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                                يعمل...
                                X