كلامك يا حبيب الأئمة كله من ثعبان الخسيس
ما ذنب الشيعة والأحاديث الصحيحة صريحة في هذا المعنى المتنازع عليه بأن أهل البيت(ع) هم علي وفاطمة والحسن والحسين بالإضافة إلى سيد البيت النبي المصطفى(صلى الله عليه وآله) فهذه رواية عائشة في مسلم التي حكت فعل النبي(صلى الله عليه وآله) بأصحاب الكساء ثم تلاوته لآية التطهير من سورة الأحزاب، تعاضدها النصوص الصحيحة التي رواها أئمة السنن والآثار حين نقلوا قول النبي(صلى الله عليه وآله) وبطرق مختلفة: ((اللهمّ هؤلاء أهل بيتي))، حين جللهم بالكساء وحين قرأ آية التطهير عليهم خاصة.. وهذا اللفظ منه(صلى الله عليه وآله) يفيد الحصر وتعيين المذكورين فقط بأنهم أهل البيت دون غيرهم، وقد نصَّ العلماء بأن تعريف الجزأين يفيد الحصر (انظر الاتقان في علوم القرآن للسيوطي: 583).
وقد صرّح جمع من علماء أهل السنة بهذا المعنى أيضاً أي بأنّ المراد بأهل البيت هم أصحاب الكساء دون غيرهم، وفي هذا يقول الحاكم النيسابوري في كتابه (المستدرك على الصحيحين)، بعد أن ذكر جملة من الأخبار والروايات الصحيحة الصريحة في أن أهل البيت هم خصوص أصحاب الكساء فقط، وأنهم أيضاً المرادون بمصطلح (آل محمد) دون غيرهم.
قال بعد إيرادة لحديث كيفية الصلاة على أهل البيت: ((وإنما خرجته ليعلم المستفيد أن أهل البيت والآل جميعاً هم)) (المستدرك على الصحيحين 3: 160).
وفي هذا المعنى أيضاً يقول الآلوسي صاحب التفسير: ((وأخبار إدخاله (صلى الله عليه وآله) عليّاً وفاطمة وابنيهما أرضي الله تعالى عنهم، تحت الكساء، وقوله عليه الصلاة والسلام: (اللهمَّ هؤلاء أهل بيتي) ودعائه لهم، وعدم إدخال أمّ سلمة أكثر من أن تحصى، وهي مخصصه لعموم أهل البيت بأي معنى كان البيت، فالمراد بهم من شملهم الكساء ولا يدخل فيهم أزواجه(صلى الله عليه وآله))). (تفسير روح المعاني للآلوسي ج12 ص18).
وأما الاحتجاج بوحدة السياق، وأنّ هذه الآية الكريمة وردت ضمن آيات جاءت تتحدث عن نساء النبي(صلى الله عليه وآله)، فيكون المراد بانهن المقصودات بهذه الآية الكريمة بالاضافة إلى النبي(صلى الله عليه وآله) لمحل التذكير في الضمائر الذي يستفاد منه الشمول للذكر والأنثى، فنقول:
إنَّ من الضروري للاستدلال بوحدة السياق لهذه الآيات، بل وللاستدلال بها في كل آيات القرآن الكريم اثبات نزول الآيات المستدل بها دفعة واحدة، وفي مناسبة واحدة، ليكون بعضها قرينة على البعض الآخر، وأما احتمال تعدد الكلام في مناسبات مختلفة، فهو ينسف الاستدلال بوحدة السياق، ولا يمكن اثبات المدّعى في هذا المقام وفي كل مقام .. ومن المعلوم أن ترتيب الآيات القرآنية في المصحف الشريف لم يكن بحسب التسلسل الزمني لنزولها، فرب آية مدنية وضعت بين آيات مكية وبالعكس .. وهذا الأمر يمكن ملاحظته بأدنى مراجعة لأسباب نزول الآيات التي ذكرها العلماء في الكتب الخاصة بهذا الشأن.
وفي مقامنا: من العسير جداً اثبات نزول آية التطهير (وهي الآية 33 من سورة الأحزاب) مع الآيات الواردة في نساء النبي (صلى الله عليه وآله)، بل هناك من الأدلة ما يشير إلى نزول آية التطهير قبل آيات نساء النبي (صلى الله عليه وآله):
قال السيوطي في (الدر المنثور 5: 199): أخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال لما دخل علي رضي الله عنه بفاطمة رضي الله عنها جاء النبي(ص) إلى بابها يقول: (السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته الصلاة رحمكم الله، (( إنَّمَا يريد اللَّه ليذهبَ عَنكم الرّجسَ أَهلَ البَيت وَيطَهّرَكم تَطهيراً )) (الأحزاب:33), أنا حرب لما حاربتم، وسلم لما سالمتم).
فإذا علمنا أن زواج فاطمة من علي (عليهما السلام) كان بعد رجوع النبي (صلى الله عليه وآله) من غزوة بدر في السنة الثانية للهجرة، ـ كما يروي ذلك أبو الفرج الأصفهاني في (مقاتل الطالبيين ص30)، أو على رأس اثنين وعشرين شهراً من الهجرة ـ بحسب رواية الطبري في (تاريخه 2: 117) ـ وعلمنا أيضاً أن نزول الآيات المرتبطة بنساء النبي (صلى الله عليه وآله) كان بعد زواج رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمجموعة منهن ـ بل ذهب بعض المفسرين إلى كونهن تسعة عند نزول هذه الآيات (الدر المنثوره: 199) ـ ولم يختلّف أحد في وجود (حفصة) آنذاك، وأنّها من جملة النساء اللآتي خيّرهنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بين الدنيا والآخرة .. وقد صرّح الطبري وغيره أن زواج النبي(صلى الله عليه وآله) من حفصة كان في السنة الثالثة من الهجرة قبل الخروج إلى أحد ، أي أن التأريخ متأخر عن زواج فاطمة (ع) بما يقارب السنة الواحدة أو يزيد عليها.. يتبين لنا من ملاحظة هذين الأمرين أي من تاريخ زواج علي من فاطمة (عليهما السلام) وتاريخ زواج النبي(صلى الله عليه وآله) من حفصة، أنه لا يمكن المصير أو القول بأن آية التطهير قد نزلت دفعت واحدة مع آيات نساء النبي(صلى الله عليه وآله) .
وهذا الأشكال الوارد على وحدة السياق لهذه الآية مع تلك الآيات إن ثبت على نحو الجزم، فهو مانع من الاستدلال به في المقام وان لم يثبت على نحو الجزم فلا أقل من كونه احتمالاً مانعاً من تمامية الاستدلال بوحدة السياق في المقام.
وأيضاً يوجد هناك أمران آخران يمنعان من الاستدلال بوحدة السياق لهذه الآيات الكريمات:
الأول: وهو عدم وحدة الخطاب بينها، أي بين آيات النساء وآية التطهير، فالملاحظ أن المولى سبحانه أرجع الإرادة في آيات النساء إليهن لا إليه ـ عز وجل ـ ، إذ قال تعالى: ((يَا أَيّهَا النَّبيّ قل لأَزوَاجكَ إن كنتنَّ تردنَ الحَيَاةَ الدّنيَا ... وَإن كنتنَّ تردنَ اللَّهَ وَرَسولَه... مَن يَأت منكنَّ بَفاحشَة)) (الأحزاب:28-29-30) وبينما في آية التطهير كان الخطاب يحكي عن تعلّق الإرادة الإلهية ذاتها بالتطهير وإذهاب الرجس عن أهل البيت (عليهم السلام) فقد قال تعالى: ((إنَّمَا يريد اللَّه ليذهبَ عَنكم الرّجسَ أَهلَ البَيت وَيطَهّرَكم تَطهيراً))(الأحزاب:33),
الثاني: ان آيات النساء وردت في سياق الزجر والتحذير، بينما آية التطهير ـ بالاتفاق ـ قد وردت في سياق المدح والتفضيل.. وشتان بين السياقين إذا اعتبرنا إن المخاطب في كلا الموردين واحد وليس متعدداً.
وبشكل عام لكي يتم الاحتجاج بوحدة السياق بين آيات ما في القرآن الكريم فهذا الأمر يحتاج إلى شيئين: الأول: الوحدة في النزول، الثاني: الوحدة في الخطاب.. وهما مفقودان في المقام.
وأما دعوى أن مجاهد بن جبر كان يقول: ((هي في نساء النبي(صلى الله عليه وآله) ومن شاء باهلته)).
فالصحيح أن هذا الرأي هو لعكرمه مولى ابن عباس كان يجاهر به وينادي به في الأسواق، وهو ـ أي عكرمه ـ معروف بانحرافه عن أمير المؤمنين (ع) وأهل بيته لأنه كان يرى رأي الخوارج والنصب ظاهر من كلماته وألفاظه في هذه المسألة، وإلا أي شيء يستدعي أجراء المباهلة لغرض بيان تفسير آية من آيات القرآن انها نزلت في فلان دون فلان سوى النصب والعداء الذي كانت تجاهر به الخوارج تجاه أمير المؤمنين(ع) خاصةًً وأهل البيت عامةً وبالذات رأي نجدة الحروري ـ والذي كان عكرمة يرى رأيه ـ الذي يعد أشد الآراء بغضاً لعلي بن أبي طالب (ع) بالإضافة إلى تكفير جميع المسلمين من غير الخوارج، وقد اشتهر عن عكرمة أيضاً كذبه ووضعه للحديث لذا وصفه يحيى بن سعيد الأنصاري بأنّه كذاب. (انظر ترجمة عكرمة في ميزان الأعتدال للذهبي والمعارف لابن قتيبة).
فمن المعيب بل من الاجحاف الركون إلى هذا الرأي الصادر عن هذا الكذاب الناصبي وترك تلك النصوص الصريحة المستفيضة الصادرة عن النبي(صلى الله عليه وآله) في تفسير آية التطهير بالخمسة أصحاب الكساء دون غيرهم مع أن في قوله –أي عكرمة -- دلالة على أن كافة المسلمين كانوا على خلاف في ذلك ولذلك كان يقول: ليس ما تذهبون إليه.. ثم يطلب المباهلة.
ودعوى عود ضمير الجمع ((عنكم.. يطهركم)) إلى ما يشمل الذكور ـ النبي(صلى الله عليه وآله) ـ بالإضافة للزوجات وانه جاء على لسان الخطاب مع زوجة إبراهيم (عليه السلام) في قوله تعالى: (( أتعجبين من أمر الله، رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت )) (هود:73).
نقول: ان استفهام الملائكة من تعجب سارة (زوجة إبراهيم(ع)) إنما كان لقرابتها منه (ع) ولاصطفائها، وهذا المعنى يتطابق مع الواقع الخارجي لسارة ـ لكونها ابنة عم إبراهيم (ع) ـ وأيضاً مع المدلول اللغوي لكلمة (أهل بيت الرجل) التي نصَّ اللغويون على أن المراد منها أخصّ الناس به ـ أي بالرجل الذي نسبوا على أنهم من أهل بيته ـ، ولا شك أن الارتباط مع الرجل بوشيجة النسب أخص منه في وشيجة السبب ـ كالزواج وغيره ـ، وعلى هذا يكون الخطاب في الآية 73 من (سورة هود) شاهد على أن المراد بأهل البيت (عليهم السلام) في آية التطهير (33 من سورة الأحزاب) هم المرتبطون بالنبي (صلى الله عليه وآله) من حيث النسب لا من حيث السبب كما هو الشأن في سارة زوجة إبراهيم (ع) المرتبطة بإبراهيم (ع) من حيث النسب والسبب معاً لا بالسبب وحده.
ولو سلم شمول آية التطهير لزوجات النبي(صلى الله عليه وآله) بالاستناد إلى عموم اللفظ.
نقول: قد خصص هذا العموم بالأحاديث الصحيحة المتضافرة من السنّة الشريفة بأنّ المراد بـ (أهل البيت) في الآية الكريمة هم الخمسة أصحاب الكساء دون غيرهم.. فلا يتم مطلوب المناهض لهذا الرأي على أية حال.
وأيضاً الاستدلال بأنّ (أهل البيت) يشمل آل جعفر وآل عقيل وآل العباس – كما رواه مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم – فهذا لا يعدو أن يكون رأياً لزيد رآه لا يقوى على مناهضة الأحاديث الصحيحة الصريحة الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله) التي فسرت أهل البيت بالخمسة أصحاب الكساء دون غيرهم.
وهذا الرأي لزيد يمكن الاستدلال به على نفي المراد بأهل البيت نساؤه (صلى الله عليه وآله) فإنّ لزيد بن أرقم في هذه المسألة روايتان، في واحدة منها ينفي أن يكون المراد بأهل بيته (صلى الله عليه وآله) نسائه، وفي الثانية يثبت فيها أنّ أهل بيته هم من حرم الصدقة بعده بالاضافة إلى اثباته بأنّ نسائه من أهل بيته، وقد يبدو التعارض والتناقض بين الروايتين ، ومن هنا قال النووي في شرحه على صحيح مسلم: ((وأمّا قوله في الرواية الأخرى: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة. قال: وفي الرواية الأخرى: فقلنا مَن أهل بيته نساؤه؟ قال: لا. فهاتان الروايتان ظاهرهما التناقض، والمعروف في معظم الروايات في غير مسلم أنه قال: نساؤه لسن من أهل بيته، فتتأول الرواية الأولى أنهنّ من أهل بيته الذين يساكنون ويعولهم... ولايدخلن فيمن حرم الصدقة)) (صحيح مسلم بشرح النووي 15: 180)، فالملاحظ من هذا الشرح أن الرواية المعروفة والمشهورة عن زيد أن نسائه لسن من أهل بيته, ولكن لورودها في صحيح مسلم على خلاف المعروف والمشهور - كما أشار النووي في شرحه - احتاجت إلى التأويل.
وقد فصل زيد بين أهل البيت بمعنيين: بين من يسكن معه في بيت واحد ويعولهم, وبين من حرم الصدقة بعده, فالمراد بأهل البيت في الحديث - الذي يرويه زيد - هم مَن حرم الصدقة بعده، وهو المعنى الذي أراد بيانه ونصّ عليه شارح مسلم النووي.. ومن المعلوم أن نسائه (صلى الله عليه وآله) لا تحرم عليهن الصدقة بالإجماع، فإذن هنَّ لسن المرادات من مفهوم ((اهل البيت)) الوارد في حديث الثـقلين وكذلك في آية التطهير، بل في كل الأحاديث الواردة في هذا الشأن.
وأما القول بأن قوله تعالى: (( إنَّمَا يريد اللَّه ليذهبَ عَنكم الرّجسَ أَهلَ البَيت وَيطَهّرَكم تَطهيراً ))(الأحزاب: من الآية33) بعد أوامر ونواه، فهذا الأمر قد تبين حاله من الأجوبة السابقة بان آية التطهير لم يكن نزولها مع آيات النساء والمشتملة على تلك الأوامر والنواهي ، وهو الأمر الذي اعتبرناه مؤشراً واضحاً على اختلاف السياقين وان سياق (آية التطهير) هو سياق المدح والثناء وهو الذي فهمه كل العلماء والمحدّثين فأوردوا الأحاديث التي وردت فيها هذه الآية بحق أهل البيت (ع) في باب مناقبهم وفضائلهم . فتدبر.
وكذلك الأتيان بلفظة ((يريد)) في الآية لا تدل على وقوع المراد في المستقبل فقط، إذ يمكن أن يؤتى بصيغة الأستقبال ويراد بها الماضي والحال كما في قوله تعالى: (( إنَّمَا يريد الشَّيطَان أَن يوقعَ بَينَكم العَدَاوَةَ وَالبَغضَاءَ في الخَمر وَالمَيسر )) (المائدة:91), مع أن الشيطان قد أوقع العداوة في الماضي بسبب الخمر فلا تدل الآية على ارادة الوقوع في المستقبل فقط مع أن اللفظ جاء بصيغة الاستقبال. وأيضاً قوله تعالى: (( يريد اللَّه أَن يخََّفف عَنكم )) (النساء:28), فالارادة فيه للحال لا للاستقبال مع أن الصيغة صيغة استقبال.. وهكذا غيرها من الموارد المذكورة في القرآن الكريم. فراجع ثمة.
وكذلك كونه (صلى الله عليه واله) دعا لهم بإذهاب الرجس والتطهير ـ كما في بعض نصوص هذه الروايات ـ لايدل على ان الرجس كان ثابتاً عندهم والنبي (صلى الله عليه وآله) يطلب إذهابه، بل نقول ان لسانه (صلى الله عليه وآله) هنا يجري مجرى قول القائل: أذهب الله عنكم كل مرض.. مع أنه لم يكن حاصلاً له أي مرض.
وما نقل عن الشهيد الثاني في كتابه (حقائق الإيمان) بخفاء معنى العصمة عن كثير من أصحاب الأئمة (ع) ليس دليلاً على عدم الدليل، فقد يخفى فهم الدليل على بعض ويدركه البعض الآخر وإلا لما دعا المولى سبحانه إلى التدبر والتفكر في آيات الله وسؤال أهل الذكر ووصف قوماً بالراسخين في العلم دون غيرهم!.
ما ذنب الشيعة والأحاديث الصحيحة صريحة في هذا المعنى المتنازع عليه بأن أهل البيت(ع) هم علي وفاطمة والحسن والحسين بالإضافة إلى سيد البيت النبي المصطفى(صلى الله عليه وآله) فهذه رواية عائشة في مسلم التي حكت فعل النبي(صلى الله عليه وآله) بأصحاب الكساء ثم تلاوته لآية التطهير من سورة الأحزاب، تعاضدها النصوص الصحيحة التي رواها أئمة السنن والآثار حين نقلوا قول النبي(صلى الله عليه وآله) وبطرق مختلفة: ((اللهمّ هؤلاء أهل بيتي))، حين جللهم بالكساء وحين قرأ آية التطهير عليهم خاصة.. وهذا اللفظ منه(صلى الله عليه وآله) يفيد الحصر وتعيين المذكورين فقط بأنهم أهل البيت دون غيرهم، وقد نصَّ العلماء بأن تعريف الجزأين يفيد الحصر (انظر الاتقان في علوم القرآن للسيوطي: 583).
وقد صرّح جمع من علماء أهل السنة بهذا المعنى أيضاً أي بأنّ المراد بأهل البيت هم أصحاب الكساء دون غيرهم، وفي هذا يقول الحاكم النيسابوري في كتابه (المستدرك على الصحيحين)، بعد أن ذكر جملة من الأخبار والروايات الصحيحة الصريحة في أن أهل البيت هم خصوص أصحاب الكساء فقط، وأنهم أيضاً المرادون بمصطلح (آل محمد) دون غيرهم.
قال بعد إيرادة لحديث كيفية الصلاة على أهل البيت: ((وإنما خرجته ليعلم المستفيد أن أهل البيت والآل جميعاً هم)) (المستدرك على الصحيحين 3: 160).
وفي هذا المعنى أيضاً يقول الآلوسي صاحب التفسير: ((وأخبار إدخاله (صلى الله عليه وآله) عليّاً وفاطمة وابنيهما أرضي الله تعالى عنهم، تحت الكساء، وقوله عليه الصلاة والسلام: (اللهمَّ هؤلاء أهل بيتي) ودعائه لهم، وعدم إدخال أمّ سلمة أكثر من أن تحصى، وهي مخصصه لعموم أهل البيت بأي معنى كان البيت، فالمراد بهم من شملهم الكساء ولا يدخل فيهم أزواجه(صلى الله عليه وآله))). (تفسير روح المعاني للآلوسي ج12 ص18).
وأما الاحتجاج بوحدة السياق، وأنّ هذه الآية الكريمة وردت ضمن آيات جاءت تتحدث عن نساء النبي(صلى الله عليه وآله)، فيكون المراد بانهن المقصودات بهذه الآية الكريمة بالاضافة إلى النبي(صلى الله عليه وآله) لمحل التذكير في الضمائر الذي يستفاد منه الشمول للذكر والأنثى، فنقول:
إنَّ من الضروري للاستدلال بوحدة السياق لهذه الآيات، بل وللاستدلال بها في كل آيات القرآن الكريم اثبات نزول الآيات المستدل بها دفعة واحدة، وفي مناسبة واحدة، ليكون بعضها قرينة على البعض الآخر، وأما احتمال تعدد الكلام في مناسبات مختلفة، فهو ينسف الاستدلال بوحدة السياق، ولا يمكن اثبات المدّعى في هذا المقام وفي كل مقام .. ومن المعلوم أن ترتيب الآيات القرآنية في المصحف الشريف لم يكن بحسب التسلسل الزمني لنزولها، فرب آية مدنية وضعت بين آيات مكية وبالعكس .. وهذا الأمر يمكن ملاحظته بأدنى مراجعة لأسباب نزول الآيات التي ذكرها العلماء في الكتب الخاصة بهذا الشأن.
وفي مقامنا: من العسير جداً اثبات نزول آية التطهير (وهي الآية 33 من سورة الأحزاب) مع الآيات الواردة في نساء النبي (صلى الله عليه وآله)، بل هناك من الأدلة ما يشير إلى نزول آية التطهير قبل آيات نساء النبي (صلى الله عليه وآله):
قال السيوطي في (الدر المنثور 5: 199): أخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال لما دخل علي رضي الله عنه بفاطمة رضي الله عنها جاء النبي(ص) إلى بابها يقول: (السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته الصلاة رحمكم الله، (( إنَّمَا يريد اللَّه ليذهبَ عَنكم الرّجسَ أَهلَ البَيت وَيطَهّرَكم تَطهيراً )) (الأحزاب:33), أنا حرب لما حاربتم، وسلم لما سالمتم).
فإذا علمنا أن زواج فاطمة من علي (عليهما السلام) كان بعد رجوع النبي (صلى الله عليه وآله) من غزوة بدر في السنة الثانية للهجرة، ـ كما يروي ذلك أبو الفرج الأصفهاني في (مقاتل الطالبيين ص30)، أو على رأس اثنين وعشرين شهراً من الهجرة ـ بحسب رواية الطبري في (تاريخه 2: 117) ـ وعلمنا أيضاً أن نزول الآيات المرتبطة بنساء النبي (صلى الله عليه وآله) كان بعد زواج رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمجموعة منهن ـ بل ذهب بعض المفسرين إلى كونهن تسعة عند نزول هذه الآيات (الدر المنثوره: 199) ـ ولم يختلّف أحد في وجود (حفصة) آنذاك، وأنّها من جملة النساء اللآتي خيّرهنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بين الدنيا والآخرة .. وقد صرّح الطبري وغيره أن زواج النبي(صلى الله عليه وآله) من حفصة كان في السنة الثالثة من الهجرة قبل الخروج إلى أحد ، أي أن التأريخ متأخر عن زواج فاطمة (ع) بما يقارب السنة الواحدة أو يزيد عليها.. يتبين لنا من ملاحظة هذين الأمرين أي من تاريخ زواج علي من فاطمة (عليهما السلام) وتاريخ زواج النبي(صلى الله عليه وآله) من حفصة، أنه لا يمكن المصير أو القول بأن آية التطهير قد نزلت دفعت واحدة مع آيات نساء النبي(صلى الله عليه وآله) .
وهذا الأشكال الوارد على وحدة السياق لهذه الآية مع تلك الآيات إن ثبت على نحو الجزم، فهو مانع من الاستدلال به في المقام وان لم يثبت على نحو الجزم فلا أقل من كونه احتمالاً مانعاً من تمامية الاستدلال بوحدة السياق في المقام.
وأيضاً يوجد هناك أمران آخران يمنعان من الاستدلال بوحدة السياق لهذه الآيات الكريمات:
الأول: وهو عدم وحدة الخطاب بينها، أي بين آيات النساء وآية التطهير، فالملاحظ أن المولى سبحانه أرجع الإرادة في آيات النساء إليهن لا إليه ـ عز وجل ـ ، إذ قال تعالى: ((يَا أَيّهَا النَّبيّ قل لأَزوَاجكَ إن كنتنَّ تردنَ الحَيَاةَ الدّنيَا ... وَإن كنتنَّ تردنَ اللَّهَ وَرَسولَه... مَن يَأت منكنَّ بَفاحشَة)) (الأحزاب:28-29-30) وبينما في آية التطهير كان الخطاب يحكي عن تعلّق الإرادة الإلهية ذاتها بالتطهير وإذهاب الرجس عن أهل البيت (عليهم السلام) فقد قال تعالى: ((إنَّمَا يريد اللَّه ليذهبَ عَنكم الرّجسَ أَهلَ البَيت وَيطَهّرَكم تَطهيراً))(الأحزاب:33),
الثاني: ان آيات النساء وردت في سياق الزجر والتحذير، بينما آية التطهير ـ بالاتفاق ـ قد وردت في سياق المدح والتفضيل.. وشتان بين السياقين إذا اعتبرنا إن المخاطب في كلا الموردين واحد وليس متعدداً.
وبشكل عام لكي يتم الاحتجاج بوحدة السياق بين آيات ما في القرآن الكريم فهذا الأمر يحتاج إلى شيئين: الأول: الوحدة في النزول، الثاني: الوحدة في الخطاب.. وهما مفقودان في المقام.
وأما دعوى أن مجاهد بن جبر كان يقول: ((هي في نساء النبي(صلى الله عليه وآله) ومن شاء باهلته)).
فالصحيح أن هذا الرأي هو لعكرمه مولى ابن عباس كان يجاهر به وينادي به في الأسواق، وهو ـ أي عكرمه ـ معروف بانحرافه عن أمير المؤمنين (ع) وأهل بيته لأنه كان يرى رأي الخوارج والنصب ظاهر من كلماته وألفاظه في هذه المسألة، وإلا أي شيء يستدعي أجراء المباهلة لغرض بيان تفسير آية من آيات القرآن انها نزلت في فلان دون فلان سوى النصب والعداء الذي كانت تجاهر به الخوارج تجاه أمير المؤمنين(ع) خاصةًً وأهل البيت عامةً وبالذات رأي نجدة الحروري ـ والذي كان عكرمة يرى رأيه ـ الذي يعد أشد الآراء بغضاً لعلي بن أبي طالب (ع) بالإضافة إلى تكفير جميع المسلمين من غير الخوارج، وقد اشتهر عن عكرمة أيضاً كذبه ووضعه للحديث لذا وصفه يحيى بن سعيد الأنصاري بأنّه كذاب. (انظر ترجمة عكرمة في ميزان الأعتدال للذهبي والمعارف لابن قتيبة).
فمن المعيب بل من الاجحاف الركون إلى هذا الرأي الصادر عن هذا الكذاب الناصبي وترك تلك النصوص الصريحة المستفيضة الصادرة عن النبي(صلى الله عليه وآله) في تفسير آية التطهير بالخمسة أصحاب الكساء دون غيرهم مع أن في قوله –أي عكرمة -- دلالة على أن كافة المسلمين كانوا على خلاف في ذلك ولذلك كان يقول: ليس ما تذهبون إليه.. ثم يطلب المباهلة.
ودعوى عود ضمير الجمع ((عنكم.. يطهركم)) إلى ما يشمل الذكور ـ النبي(صلى الله عليه وآله) ـ بالإضافة للزوجات وانه جاء على لسان الخطاب مع زوجة إبراهيم (عليه السلام) في قوله تعالى: (( أتعجبين من أمر الله، رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت )) (هود:73).
نقول: ان استفهام الملائكة من تعجب سارة (زوجة إبراهيم(ع)) إنما كان لقرابتها منه (ع) ولاصطفائها، وهذا المعنى يتطابق مع الواقع الخارجي لسارة ـ لكونها ابنة عم إبراهيم (ع) ـ وأيضاً مع المدلول اللغوي لكلمة (أهل بيت الرجل) التي نصَّ اللغويون على أن المراد منها أخصّ الناس به ـ أي بالرجل الذي نسبوا على أنهم من أهل بيته ـ، ولا شك أن الارتباط مع الرجل بوشيجة النسب أخص منه في وشيجة السبب ـ كالزواج وغيره ـ، وعلى هذا يكون الخطاب في الآية 73 من (سورة هود) شاهد على أن المراد بأهل البيت (عليهم السلام) في آية التطهير (33 من سورة الأحزاب) هم المرتبطون بالنبي (صلى الله عليه وآله) من حيث النسب لا من حيث السبب كما هو الشأن في سارة زوجة إبراهيم (ع) المرتبطة بإبراهيم (ع) من حيث النسب والسبب معاً لا بالسبب وحده.
ولو سلم شمول آية التطهير لزوجات النبي(صلى الله عليه وآله) بالاستناد إلى عموم اللفظ.
نقول: قد خصص هذا العموم بالأحاديث الصحيحة المتضافرة من السنّة الشريفة بأنّ المراد بـ (أهل البيت) في الآية الكريمة هم الخمسة أصحاب الكساء دون غيرهم.. فلا يتم مطلوب المناهض لهذا الرأي على أية حال.
وأيضاً الاستدلال بأنّ (أهل البيت) يشمل آل جعفر وآل عقيل وآل العباس – كما رواه مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم – فهذا لا يعدو أن يكون رأياً لزيد رآه لا يقوى على مناهضة الأحاديث الصحيحة الصريحة الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله) التي فسرت أهل البيت بالخمسة أصحاب الكساء دون غيرهم.
وهذا الرأي لزيد يمكن الاستدلال به على نفي المراد بأهل البيت نساؤه (صلى الله عليه وآله) فإنّ لزيد بن أرقم في هذه المسألة روايتان، في واحدة منها ينفي أن يكون المراد بأهل بيته (صلى الله عليه وآله) نسائه، وفي الثانية يثبت فيها أنّ أهل بيته هم من حرم الصدقة بعده بالاضافة إلى اثباته بأنّ نسائه من أهل بيته، وقد يبدو التعارض والتناقض بين الروايتين ، ومن هنا قال النووي في شرحه على صحيح مسلم: ((وأمّا قوله في الرواية الأخرى: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة. قال: وفي الرواية الأخرى: فقلنا مَن أهل بيته نساؤه؟ قال: لا. فهاتان الروايتان ظاهرهما التناقض، والمعروف في معظم الروايات في غير مسلم أنه قال: نساؤه لسن من أهل بيته، فتتأول الرواية الأولى أنهنّ من أهل بيته الذين يساكنون ويعولهم... ولايدخلن فيمن حرم الصدقة)) (صحيح مسلم بشرح النووي 15: 180)، فالملاحظ من هذا الشرح أن الرواية المعروفة والمشهورة عن زيد أن نسائه لسن من أهل بيته, ولكن لورودها في صحيح مسلم على خلاف المعروف والمشهور - كما أشار النووي في شرحه - احتاجت إلى التأويل.
وقد فصل زيد بين أهل البيت بمعنيين: بين من يسكن معه في بيت واحد ويعولهم, وبين من حرم الصدقة بعده, فالمراد بأهل البيت في الحديث - الذي يرويه زيد - هم مَن حرم الصدقة بعده، وهو المعنى الذي أراد بيانه ونصّ عليه شارح مسلم النووي.. ومن المعلوم أن نسائه (صلى الله عليه وآله) لا تحرم عليهن الصدقة بالإجماع، فإذن هنَّ لسن المرادات من مفهوم ((اهل البيت)) الوارد في حديث الثـقلين وكذلك في آية التطهير، بل في كل الأحاديث الواردة في هذا الشأن.
وأما القول بأن قوله تعالى: (( إنَّمَا يريد اللَّه ليذهبَ عَنكم الرّجسَ أَهلَ البَيت وَيطَهّرَكم تَطهيراً ))(الأحزاب: من الآية33) بعد أوامر ونواه، فهذا الأمر قد تبين حاله من الأجوبة السابقة بان آية التطهير لم يكن نزولها مع آيات النساء والمشتملة على تلك الأوامر والنواهي ، وهو الأمر الذي اعتبرناه مؤشراً واضحاً على اختلاف السياقين وان سياق (آية التطهير) هو سياق المدح والثناء وهو الذي فهمه كل العلماء والمحدّثين فأوردوا الأحاديث التي وردت فيها هذه الآية بحق أهل البيت (ع) في باب مناقبهم وفضائلهم . فتدبر.
وكذلك الأتيان بلفظة ((يريد)) في الآية لا تدل على وقوع المراد في المستقبل فقط، إذ يمكن أن يؤتى بصيغة الأستقبال ويراد بها الماضي والحال كما في قوله تعالى: (( إنَّمَا يريد الشَّيطَان أَن يوقعَ بَينَكم العَدَاوَةَ وَالبَغضَاءَ في الخَمر وَالمَيسر )) (المائدة:91), مع أن الشيطان قد أوقع العداوة في الماضي بسبب الخمر فلا تدل الآية على ارادة الوقوع في المستقبل فقط مع أن اللفظ جاء بصيغة الاستقبال. وأيضاً قوله تعالى: (( يريد اللَّه أَن يخََّفف عَنكم )) (النساء:28), فالارادة فيه للحال لا للاستقبال مع أن الصيغة صيغة استقبال.. وهكذا غيرها من الموارد المذكورة في القرآن الكريم. فراجع ثمة.
وكذلك كونه (صلى الله عليه واله) دعا لهم بإذهاب الرجس والتطهير ـ كما في بعض نصوص هذه الروايات ـ لايدل على ان الرجس كان ثابتاً عندهم والنبي (صلى الله عليه وآله) يطلب إذهابه، بل نقول ان لسانه (صلى الله عليه وآله) هنا يجري مجرى قول القائل: أذهب الله عنكم كل مرض.. مع أنه لم يكن حاصلاً له أي مرض.
وما نقل عن الشهيد الثاني في كتابه (حقائق الإيمان) بخفاء معنى العصمة عن كثير من أصحاب الأئمة (ع) ليس دليلاً على عدم الدليل، فقد يخفى فهم الدليل على بعض ويدركه البعض الآخر وإلا لما دعا المولى سبحانه إلى التدبر والتفكر في آيات الله وسؤال أهل الذكر ووصف قوماً بالراسخين في العلم دون غيرهم!.
تعليق